رواية عشق تحت القيود الفصل الرابع عشر بقلم هاجر عبد الحليم
المكتب الفخم في قصر كمال.
الجو مشحون بالتوتر، وكأن الهواء نفسه يثقل على الأنفاس. ضوء خافت يتسلل من النافذة الكبيرة، والظلام بالخارج يلف المشهد بظلال من الغموض. كمال يقف خلف مكتبه، عيناه مرهقتان لكنه يحاول الحفاظ على هدوئه. عادل يقف أمامه، ملامحه تعكس غضبًا عارمًا، بينما وسام تقف على الطرف، وكأنها تبحث عن منفذ للهروب من هذا الكابوس.
عادل (غاضبًا، يهز رأسه بعدم تصديق):
قول الحقيقة يا كمال! كفاية ألغاز وكلام ناقص. أنا مين؟!
(كمال يشيح بنظره بعيدًا، يأخذ نفسًا عميقًا لكنه لا يتحدث. عادل يقترب منه بخطوات غاضبة.)
عادل (بصوت مرتفع):
اتكلم! أنا مش ابنك، مش كده؟
كمال (ينظر إليه بحزن):
الحقيقة مش سهلة يا عادل. بس لازم تسمعها دلوقتي... آه، مش ابني. مش من دمي لكن انا اللي ربيتك واحق واحد بيك
(عادل يتراجع خطوة للخلف وكأن الكلمات صفعة على وجهه، يضحك بسخرية مُرة، ثم يرفع يده بتوتر.)
عادل:
أنا كنت بحلم طول حياتي أبقى زيك! كنت شايفك القدوة... الأب المثالي.. بس لا انت متستاهلش الصورة اللي حطيتهالك ف دماغي
كمال (بصوت حزين لكنه حازم):
عادل، أنا بحبك. كنت دايمًا شايفك ابني... انت ابني والله ومكنتش هحبك الحب دا كله لو كنت بالفعل جاي من صلبي
(وسام تنظر إليهما في صدمة، تتحدث بصوت مرتعش وهي تتقدم بخطوة صغيرة للأمام.)
وسام:
أنا مش فاهمة حاجة... لو عادل مش ابنك... وأنا؟ أنا إيه في القصة دي؟
(كمال ينقل نظره بين وسام وعادل، يحاول استجماع كلماته، صوته يخرج متهدجًا.)
كمال:
وسام... أنتِ بنتي.
(وسام تتجمد في مكانها، نظراتها تتسع من الصدمة، تتراجع بخطوات بطيئة وهي تهز رأسها بلا.)
وسام:
بنتك؟ أنت بتقول إيه؟! اكيد لا في حاجة غلط مستحيل يكون انت ابويا ازاي امي عمرها م حكتلي عنك كنت فين وهي كانت بتموت كل يوم من الجوع والمرض كل م احاول اخليها تتكلم عنك تقولي انك خلاص صفحة واتقفلت وبطلت اسال عنها تاني قولي ازاي انت ابويااا ازاااي
عادل (بحدة وهو يلتفت نحو كمال)
وسام بنتك ازاي ياكمال؟
كمال (يحاول تهدئة عادل، يتحدث ببطء):
كنت بحاول أصلح غلطات الماضي.
وسام (مقاطعة بصوت عالي وغاضب):
ماضيك؟! ماضيك اللي دمر حياتنا؟! أمي لما ماتت كانت بتدعي عليك. أنت سبتها، سبتها فقيرة ومع بنتها الصغيرة، وكنت بتجري ورا نجاحك؟!
كمال (ينظر إليها بعينين دامعتين):
كنت شاب، كنت فاكر إن النجاح هو كل حاجة... كنت فاكر إن الحب ممكن يستنى. لما سبتها، كنت بجهز لحياة أكبر، بس رجعت لقيتها اختفت والله حاولت ادور عليها كتير بس مكنش ليها اي اثر
(وسام تضحك بسخرية مريرة، صوتها يرتفع وهي تقاطعه.)
وسام:
اختفت؟! كنت تعرف تدور عليها لو كنت عايز. كنت مشغول بنفسك، وسبتها تتحمل كل حاجة لوحدها!
(عادل ينظر إلى وسام ثم إلى كمال، الغضب يشتعل داخله.)
عادل:
وإحنا اللي دفعنا التمن! أنا كنت بلعب دور ابنك طول حياتي، ووسام عاشت حياة فقيرة وصعبة... وكل ده بسببك؟!
كمال (يرفع صوته بغضب لأول مرة):
اسمعوني! أنا ندمان على كل حاجة حصلت. عادل، أنت ابني في كل حاجة ما عدا الدم. ووسام... كنت بحاول أعوضك، بحاول أحميكي من بعيد.
(وسام تقاطعه بحدة، عيناها ممتلئتان بالدموع.)
وسام:
تحميني؟! تحميني بإني أعيش خدامة؟! تحميني بإني أشوفك من بعيد وأنت بتلعب دور الأب العظيم مع ناس تانية؟!
عادل (بصوت مكسور):
وكنت فاكر إنك الأب اللي بحلم أكون زيه... في الآخر طلعت مجرد اسم.
(كمال ينظر إليهما، ملامحه تنكسر تمامًا. وسام تنهار على الكرسي بجانبها، تغطي وجهها بيديها وهي تبكي. عادل يتراجع، ينظر إلى كمال بنظرة تحمل كل الغضب والانكسار قبل أن يستدير ليخرج.)
كمال (يصيح بصوت مكسور):
عادل! وسام! استنوا... أنا... أنا كنت بحاول أصلح، بس واضح إن الغلط أقوى مني.
(عادل يلتفت نحوه للحظة، يحدق فيه بنظرة باردة قبل أن يقول بهدوء مليء بالألم.)
عادل:
مفيش حاجة اتصلحت. كل حاجة اتحطمت وانا مش عايزة اشوفك تاني
(يخرج عادل بخطوات ثابتة، ووسام تنهض ببطء، تلقي نظرة أخيرة على كمال قبل أن تتبعه. يظل كمال واقفًا وحده في المكتب، يحدق في الفراغ وكأن العالم كله انهار من حوله.)
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
حديقة القصر.
ظلام دامس يلف المكان، كأن الكون كله تضامن مع الحزن. عادل يجلس على درج حجري، رأسه بين يديه، أنفاسه متقطعة، وعيناه محمرتان من البكاء. وسام تقف بعيدة، تحدق فيه بصمت، وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة، لكنها عاجزة.
وسام (بصوت مهتز):
طول حياتي كنت بقول لنفسي... يمكن في يوم ألاقي حد يشاركني همّي. بس بعد اللي عرفته النهارده، حاسة إن الدنيا ضاقت أكتر.
(عادل يرفع رأسه ببطء، ينظر إليها، عينيه مليئتان بالألم، لكن صوته يخرج مكسورًا.)
عادل:
وسام، أنا آسف... آسف لكل حاجة. يمكن حتى وجودي في حياتك كان غلط من البداية.
(وسام تهز رأسها بعنف، تتقدم نحوه بخطوات حازمة، وتصرخ فجأة بصوت مليء بالدموع المكبوتة.)
وسام:
غلط؟! وجودك مش غلط، ياحبيبي اللي عملوه فينا كان صدمة انا طول عمري كان نفسي اشوف ابويا متصورتش ابدا انه يكون كمال بيه
(عادل ينظر إليها بعجز، ثم ينهض واقفًا، يمرر يده على وجهه، وكأنه يحاول مسح كل شيء: الدموع، الألم، وحتى الذكريات.)
عادل (بصوت مرتعش):
وسام... أنا مش عارف أنا مين. أنا عشت حياتي كلها بدور على رضا كمال، على مكانة عنده. كنت فاكر نفسي قوي، فاكر إنني ابنه... لكن الحقيقة دي هدمتني انا مش ابنه ياوسام مش ابنه ياوساااام اااااه.
وسام (بحدة):
حب أمي وسبها تموت فقيرة؟ بس عارف إيه الفرق؟ إحنا اللي قدامنا طريق، هما لا. إحنا ممكن نختار دلوقت عن زمان انا مش عايزة حاجة غيرك والحقيقة دي مش فارقالي صدقني
(عادل ينظر إليها وكأنه يحاول استيعاب كلماتها. يقف صامتًا للحظة، ثم ينهار فجأة على ركبتيه.)
عادل (ببكاء مكتوم):
وسام... أنا تعبت. كل حاجة كنت ببنيها اتهدمت دلوقت قصاد عيني مش قادر اقاوم الحقيقة انا قلبي واجعني وزعلان اوي زعلان اوي ياوسام
(وسام تنزل على ركبتيها بجواره، تمسك بوجهه بكلتا يديها وتجبره على النظر إليها. عيناها تملؤهما الدموع، لكنها تتحدث بقوة لم تكن تظن أنها تملكها.)
وسام:
عادل، بصلي. بصلي كويس. إحنا الاتنين مكسورين، مظلومين، بس إحنا مع بعض. فاهم؟ مع بعض. مش هنخلي الماضي يحبسنا ارجوك فوق وخليك قوي عشان خاطري
(عادل ينظر إليها، عيناه تفيض بالدموع، لكنه يشعر ببعض الراحة لأول مرة. يمسك يديها بحذر وكأنهما حبل نجاة.)
عادل:
بس وسام... أنا خايف. خايف إن كل اللي فات يطاردنا الماضى مش من السهل يتنسي انا بحبه بس مجروح منه اوي
وسام (بحزم):
هيطاردنا، أكيد. بس لازم نعيش حياه مختلفة ونبني مستقبل جديد وانت هتساعدني ع دا
(عادل يهز رأسه ببطء، وكأنه يبدأ في تصديق كلماتها. يمسح دموعه بيده، ثم ينظر إلى وسام بابتسامة خافتة مليئة بالألم والأمل.)
عادل:
لازم حقك تاخديه لازم تعيشي ف العالم اللي تستحقي تكوني فيه هنحارب الدنيا وايدي ف ايدك
(وسام تبتسم له رغم الدموع التي لا تزال تنهمر على وجهها. تجلس بجواره، تسند رأسها على كتفه بصمت. يبقى الاثنان جالسين في الظلام، يواجهان معًا فوضى حياتهما، لكنهما يجدان في بعضهما ملجأً جديدًا.)
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
في مكتب كمال المظلم
، كانت أوراقه مبعثرة على المكتب أمامه، لكنه لم يكن يرى إلا الورقة التي امسك بها بيد مرتجفة. كانت ورقة تحليل الحمض النووي التي غيّرت مجرى حياته. كان يحدق فيها وكأنها لعنة حلت عليه. الكلمات التي قرأها جعلت قلبه يتوقف للحظة، وصوته لم يكن سوى همسات غير مسموعة.
"عادل مش ابني..."، هكذا كانت الجملة التي لم يستطع أن يهرب منها. الجملة التي طالما شك فيها، ولكن كان قلبه ينفيها طوال الوقت، كان يرفض أن يصدقها، لأنه كان يحب عادل كأب. كيف؟ كيف يمكن أن يكون هذا الحلم الذي عاش فيه كل تلك السنوات مجرد كذبة؟
كمال أغلق عينيه للحظة وكأنما يحاول أن يهرب من نفسه. في تلك اللحظة، لم يكن يفكر في أي شيء آخر سوى الصورة التي تتراكم في ذهنه. كان يراه صغيرًا، يقف بجانبه في كل مناسبة، كل خطوة كانت بمثابة ذكرى جميلة. كان عادل ابنه في كل شيء، في روحه، في قلبه، حتى في عينيه التي رأى فيها نفسه. لكن الآن... كانت الحقيقة تقتحمه، تفرض نفسها عليه.
تذكر اليوم الذي دخل فيه المستشفى ليكتشف أن الطفل الذي بين يديه لم يكن طفله. تذكر كيف دارت الحياة من حوله وكأنها متاهة لا مخرج لها. الطبيب أمامه، عينيه لا تستطيع تصديق ما يسمع. لم تكن كلماته سوى صدمة جديدة له.
"التحاليل أثبتت أنه ليس ابنك، السيد كمال."
كانت لحظة سكون، وقتها لم يكن يعرف كيف يواجه الحقيقة، كيف يخبر نفسه أن كل شيء كان خدعة. كيف يعترف أنه في يوم من الأيام كان يظن أن هذا الطفل هو فلذة كبده، وأنه قدم له كل ما يملك، وكل ما في قلبه؟
كمال شعر وكأن الحياة قد توقفت فجأة، وكان يمر أمام عينيه شريط ذكرياته، كل لحظة، كل ضحكة، كل مرة كان يحتضن فيها عادل وهو صغير. كان في كل تلك اللحظات يظن أنه يعانق ابنه، ويعده بمستقبل أفضل، بمستقبل مليء بالحب. لكنه الآن، في تلك اللحظة، لم يعد يعرف من هو، ولم يعد يعرف أي شيء.
تذكر اليوم الذي جاء فيه إلى البيت، وهو يرى عادل يلعب في الحديقة. كان صغيرًا جدًا، يركض نحو كمال وهو يضحك بصوت عالٍ، يرفع يده ليعانقه. كان يشعر حينها كأنه ملك العالم. "بابا، بابا!"، كانت الكلمة التي تُذيب قلبه كل مرة، كانت الكلمة التي كانت تعني له كل شيء. كان يرددها في كل لحظة يشعر فيها بالضعف، وكان يكمل طريقه بقوة لأنه كان يعتقد أن عادل هو سبب وجوده في هذه الدنيا.
لكن الآن، كل شيء انهار. حتى هذه اللحظة التي عاش فيها كأب، كانت مجرد حلم مزيف. الحقيقة كشفت نفسها أمامه فجأة، وكأنها عاصفة محطمة لآماله. كيف يواجهها الآن؟ كيف يواجه أنه أحب شخصًا لم يكن له؟ كيف يواجه فقدان الأمل الذي كان يعشعش في قلبه لسنوات؟
وفي لحظة ضعف، تذكر زوجته السابقة. تذكر كيف خنته، كيف كانت تخونه مع رجل آخر. كانت هذه الحقيقة التي دفعته للشك في كل شيء، لكنه اختار أن يغض الطرف عنها، حتى لا يكسر قلبه. لكنه الآن، لا يستطيع الهروب من نفسه. لا يستطيع أن يهرب من حقيقة لا مفر منها.
"لو كنت اعرف من البداية، لو كنت اعرف..."، كانت أفكار كمال تتوالى في رأسه، وهو يشعر وكأنها شفرات تقطع قلبه. لم يكن يعلم كيف يمكنه إصلاح كل شيء. كيف يعيد ترتيب حياته التي دمرتها الحقيقة.
وأخيرًا، تذكر لحظة أخرى، عندما كان يقف في الحديقة، يشاهد عادل وهو صغير، وكان يقول له في سرّه، "إنت ابني مهما حصل. هفضل أحبك زي ما بحبك " هذا كان وعده له، حتى لو كان هذا الوعد مجرد سراب.
لكن كمال اليوم اكتشف أنه كان يصدق كذبة، كان يصدق ما كان يريد أن يصدقه. والآن، لن يبقى له إلا الحطام.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
كان كمال جالسًا في مكتبه، ملامح وجهه تحمل تعب السنين التي مرّت. المكان كان مظلمًا، لكن ضوء خافت كان يتسلل من خلال النافذة، وكأن الزمن نفسه قد توقف. أصابعه كانت تتلاعب بكأس فارغ أمامه، وهو غارق في أفكاره، كل شيء في داخله كان يغلي كالنار التي لا يستطيع إطفاءها.
وفجأة، سمع صوته في عقله، صوت الأيام التي مضت، التي كانت تبدو عادية في ذلك الحين. ولكن الآن، كل شيء قد تغيّر.
كمال (يتنهد، يحاول تذكر الماضي): "إزاي كانت حياتي كلها غارقة في الأكاذيب؟ إزاي ما شفتش اللي كان قدامي؟"
عقله رجع للذكريات القديمة. لحظة واحدة كانت كفيلة بتغيير كل شيء، عندما قرر أن يدخل وسام في حياة عادل. في تلك اللحظة، لم يكن يعرف شيئًا عن الحقيقة التي كانت مخفية عنه، ولم يكن لديه أدنى فكرة أن ما يفعله سيقوده لاكتشاف أكبر صدمة في حياته.
الفلاش باك:
وسام دخلت البيوتي سنتر لتعمل مع عادل. كان كمال يرى فيها فرصة لها، فرصة لتبني مستقبلها بعيدًا عن الفقر، لتحصل على مكانتها بين الناس. وكان يعرف أن عادل ليس غريبًا عنها، وكان يظن أن هذا سيساعدهما على التقرب أكثر.
كمال (في الفلاش باك، يتحدث مع نفسه): "ممكن يكون ده خير ليها، وربنا يقدرها وتعيش حياة أفضل من اللي هي فيه انا معرفش ليه بعمل كدا بس لازم عادل يعيش حياه مختلفة وسام هتقدر تخليه يعرف يعبر عن نفسه ويدافع عن حبه وكرامته
لكن في أعماقه كان هناك شيء غامض، شعور غير واضح. كان يأمل أن تكون هذه بداية جديدة لها. لم يكن يعرف لماذا وضعها في طريق عادل، لكنه كان يشعر أن هذا هو الصواب كان يشعر بمشاعر غامضة تجاها. حتى جاءه الخبر الذي هزّ كيانه.
فلاش باك آخر:
اتصل به رجل غريب، لا يعرفه. كان الصوت غريبًا والنبرة مشوشة، كأن الرجل يعلم سرًا مخفيًا ويريد كشفه.
الرجل الغريب (في المكالمة): "أنت مش عارف الحقيقة اللي مخبيها عنك... الحكاية مش زي ما أنت فاكر."
لم يكن هناك وقت للتفكير. الرجل أرسل له الأوراق، وتحاليل الحمض النووي، كأنها المفتاح لسر كان مخفيًا عنه. وعندما شاهد تلك الأوراق، شعر أن العالم كله قد توقف أمامه.
كمال (يتنفس بصعوبة، وهو يراقب الأوراق): "مستحيل... ده مش ممكن... وسام؟ دي بنتي؟"
كان قلبه يتوقف، لم يستطع تصديق ما يراه. كانت وسام، التي دخلها في حياة عادل بكل بساطة، هي ابنته الحقيقية. كان يحاول فهم كيف حدث هذا، كيف كان غافلًا عن الحقيقة طوال تلك الفترة.
كمال (ينخفض رأسه، بصوت مكسور): "أنا... أنا كنت عايش في وهم. كنت فاكرها واحدة عادية. إزاي ما حسيتش؟ إزاي؟"
أغمض عينيه، ودموعه بدأت تتجمع في عينيه. كان الألم يعتصر قلبه. طوال تلك السنين، كان يعيش مع ابنته دون أن يعرف، وكل شيء بينهما كان يبدو غريبًا، كأنه ليس له. كانت وسام، وبقية حياته كانت غامضة ومضطربة.
كمال (بصوت متأثر، وهو ينظر إلى الفراغ): "يا ريتني كنت عرفت من الأول. يا ريتني كنت جنبك. يا ريتني كنت الأب اللي محتاجاه."
كان يشعر أنه فاته الكثير، وأنه ضيّع فرصًا كثيرة. ليس فقط مع وسام، ولكن مع نفسه أيضًا. كان يشعر بالندم، لأنه لو كان قد عرف الحقيقة في وقت مبكر، كان بإمكانه أن يكون جزءًا من حياة وسام، كان بإمكانه أن يكون الأب الذي كانت تحتاجه.
كمال (يحاول جمع شتات نفسه، وعينيه مليئة بالحزن): "كنت بقول لنفسي إني بعاملها كويس، إني عايز لها الخير، لكن الحقيقة طلعت مرة اوي
كمال (يتنهد بعمق، ويرتشف من كأسه، ثم يتحدث بصوت منخفض): "ليه ما فهمتش؟ إزاي كنتي عايش معايا طول الوقت؟ كنتي شايفك قدامي، ومن غير ما أعرف، كنتي جزء من دمي... يا وسام، لو كنت عرفت، كنت هكون جنبك من الأول."
في لحظة، بدأ يشعر بمرارة كبيرة، مرارة كانت تتغلغل في قلبه. كان يشعر أنه كان في حلم طويل، عايشه مع ابنة ضاعت منه قبل أن يعرف حقيقتها.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
: غرفة عادل ووسام
ف غرفة وسام وعادل
الغرفة ثقيلة بالألم، وكأن الهواء نفسه يختنق. عادل ووسام يقفان متباعدين، وكل منهما يهرب بعينيه من الآخر. كمال يقف بينهما، جسده متهالك وروحه تبدو وكأنها تحترق من الداخل. يحاول التحدث، لكن الكلمات تخونه للحظات قبل أن يستجمع شجاعته.
كمال (بصوت مبحوح، مفعم بالندم):
"أنا مش هلاقي كلمات تكفي... بس كل اللي كنت بحاول أعمله هو أحميكم. يمكن ما كنتش أب مثالي، يمكن أخطأت كتير، لكن كان قلبي دايمًا مليان بيكم. كنت خايف عليكم من الحقيقة، خايف تكرهون بعض أو تكرهوني أنا."
عادل (بصوت مكسور، لكن لا يخفي غضبه):
"أب بتحب ولاده ما يخبيش عنهم حاجات زي دي! إحنا مش مجرد ناس جمعتهم ظروف، إحنا عيلة... كان المفروض نكون أقوى مع بعض، مش كل واحد عايش في كذبة!"
وسام (تمسح دموعها سريعًا، لكنها تتحدث بصوت خافت):
"كنت بحس إنك الأمان الوحيد في حياتي... كنت أب بالنسبالي حتى قبل ما أعرف أي حاجة. لكن دلوقتي؟ الحقيقة دي كسرتني."
كمال (يتقدم بخطوات متثاقلة، ينظر إليهما بعينين مليئتين بالأسى):
"أنا كنت دايمًا شايف فيكم قوتي... عادل، كنت فاكر إنك هتبقى الحامي لمراتك، وإنك هتشيل الحمل اللي معرفتش أشيله. ووسام، وجودك كان نور في حياتي، النور اللي رجّعني أعيش من تاني. عمري ما قصدت أجرحكم، ولا يوم فكرت أكون سبب في وجعكم."
عادل (يشيح بنظره بعيدًا، صوته يرتجف):
"وجعنا أكبر من إنك تصلحه بكلام، بابا... إحنا اتدمرنا، كلنا."
كمال (يمد يده إلى عادل، يضعها على كتفه برفق):
"أنا مش هنا عشان أبرر، عادل. أنا هنا عشان أقولك إني ندمان... بس كمان عشان أقولك إنك ابني، وإن قلبي مش ممكن يتحمل إنه يخسرك. أنا مستعد أعمل أي حاجة، أتحمل أي حاجة، بس متبعدش عني."
وسام (تنظر إلى كمال بعينين تملؤهما الدموع):
"وانا ازاي اقدر اهرب من الحقيقة دي
كمال (يقترب منها، يضع يده على رأسها بحنان):
"وسام، انتي ما كنتيش كذبة، انتي الحقيقة الوحيدة اللي كانت بتخليني أقاوم. حتى وأنا مش قادر أقول الحقيقة، كنت بشوف فيكي كل حاجة حلوة فقدتها. أنا عايزك تعرفي إنك بنتي، وإنه لو في حاجة في حياتي أقدر أصلحها، هتبقى علاقتي بيكم."
عادل (ينظر إلى وسام وكأن الألم يوحّدهما):
"أنا عارف إننا كنا في ألم كبير... بس هل إحنا نقدر نصلّح ده؟"
كمال (يتنهد، ينظر إليهما وكأن قلبه ينكسر):
"مش لوحدي... إحنا عيلة، لو هنصلح ده، لازم نعمله مع بعض. أنا محتاجكم زي ما انتوا محتاجينني."
وسام (بصوت خافت):
"بس إحنا خسرنا كتير... أنا خايفة يا بابا."
كمال (يحني رأسه وهو يكاد يبكي):
"وأنا خايف أكتر. خايف أعيش من غيركم. بس الخوف مش هيوقفنا، اللي هيوقفنا هو إننا نستسلم."
لحظة صمت، ثم فجأة يسقط كمال على الأرض.
عادل ووسام يهرولان نحوه، الخوف يوحّدهما لأول مرة منذ زمن طويل.
عادل (يرتجف وهو يحاول إيقاظه):
"بابا! رد عليا... مش وقتك تسيبنا!"
وسام (تصرخ وهي تحاول مساعدته):
"بابا، لا... أرجوك، فوق! إحنا محتاجينك!"
المشهد يعود إلى الوراء، قبل لحظات...
قبل حدوث هذا الانهيار، كان كمال يتذكر اللحظة التي جعلته يقبل أن تدخل وسام حياتهم. كانت داليا هي التي لعبت دورًا كبيرًا في ذلك القرار. في البداية، كانت تبرر لدخول وسام كخادمة في بيتهم بأنها فرصة لها لتحسن حياتها. كانت داليا متأكدة أن وسام ستساعدها في الحفاظ على عادل بعيدًا عن المشاكل التي كانت تزعزع حياتهم.
داليا (بحيلة واضحة، أثناء حديثها مع كمال): "دي فرصة ليها، كمال. لو ساعدناها، هتكون في مكان أفضل وتحت عنينا
لكن الحقيقة أن داليا كانت تخطط لخطف قلب عادل بيدها، وعملت على تجنب أي مفاجآت قد تخرج الأمور عن السيطرة. لم يكن كمال يعرف أن داليا كانت تخفي سرًا أكبر وأنها كانت تدير الأمور خلف الكواليس.
كمال (في نفسه، قبل معرفته بالحقيقة): "ممكن ده يكون خير ليها، وربنا يقدرها وتعيش حياة كويسة."
لكن عندما جاءه الخبر المفاجئ، اكتشف أن داليا كانت قد خططت لكل شيء، بما في ذلك أن وسام هي ابنة كمال الحقيقية، وأنه قد تم دفعه ليخوض هذه اللعبة من دون أن يعرف الحقيقة المدمرة وداليا ارادت تستخدم وسام لكي تضغط ع كمال
كمال (ينخفض رأسه، بصوت مكسور): "أنا... أنا كنت عايش في وهم. كنت فاكرها واحدة عادية. إزاي ما حسيتش؟ إزاي؟"
وفي لحظة، بدأ يشعر بمرارة كبيرة، مرارة كانت تتغلغل في قلبه. كان يشعر أنه كان في حلم طويل، عايشه مع ابنة ضاعت منه قبل أن يعرف حقيقتها.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
المستشفى – طريق الألم
كان الصمت مخيفًا وهما يجلسان في سيارة الإسعاف. وسام تُمسك بيد والدها الممدد على النقالة، وكأنها تحاول منعه من الغياب أكثر. كلما لمحت شحوب وجهه، كانت دموعها تسبقها، لكن صوت صافرات الإسعاف العالي كان يُخرس كل شيء داخلهما.
وسام (بصوت يختلط بالبكاء):
"بابا... لو سمعتني، أرجوك ما تسبناش... إحنا لسه محتاجينك طول عمري نفسي اقولها ليه تحرمني منها بسرعة كدا !"
عادل، الجالس بجانبها، يضع يده على كتفها، محاولًا أن يُثبِّتها. لكنه، هو الآخر، يحاول أن يمنع قلبه من الانهيار. عيناه محمرتان ووجهه جامد، إلا أن كل ملامحه تصرخ بخوفه.
عادل (بصوت خافت ومكسور):
"هيكون كويس يا وسام... لازم نفضل أقوياء عشانه هو اكيد سامعنا وحاسس بينا هو بس يمكن زعلان بس احنا سامحناه ع كل اللي حصل واول م يقوم هناخده ف حضننا وكل اللي حصل هنرميه ورا ضهرنا."
لكنه لم يكن يؤمن بكلماته، وكأنها مجرد محاولة بائسة للتماسك.
الوصول إلى المستشفى
اندفعت النقالة عبر الممر الطويل، وأبواب الطوارئ تُفتح أمامهم واحدة تلو الأخرى. وسام وعادل يركضان خلف الأطباء، قلبيهما يسبقان خطواتهما، وعيناهما تلاحقان كمال الذي بدا وكأنه يبتعد عنهما أكثر فأكثر.
حين أغلق الأطباء الأبواب أمام غرفة الطوارئ، وقفا مشدوهين. وسام تُمسك بيدها المقفلة الباب، وكأنها تريد اقتحامه.
د
وسام (تصيح بانهيار):
"افتحوا! ده بابا! متسيبونيش برا... متسبوش لوحده!"
عادل (يمسك بها ويحاول سحبها):
"وسام، اهدي! لازم نسيبهم يعملوا شغلهم... ده عشان مصلحته."
تتراجع وسام ببطء، لكنها تنهار على الأرض، واضعة رأسها بين يديها. عادل يجلس بجانبها، يضع يده على كتفها ويحاول أن يخفف عنها، رغم أن قلبه ينهار بصمت.
وسام (ترفع رأسها، تنظر إلى عادل بعينين مليئتين بالدموع):
"إحنا اتأخرنا عليه، ياعادل. طول عمره بيشيل كل حاجة لوحده، ودايمًا ساكت. ماعرفناش إمتى كان بيتوجع اوي كدا صدمتنا خليناه نهمله ونقسى عليه."
عادل (يحاول التماسك لكنه يفشل، وصوته يرتجف):
"كنت فاكر إنه قوي... إن بابا مبيتكسرش. بس الحقيقة... إننا اللي كنا ضعاف، وما شوفناهوش ياوسام ربنا يسترها."
غرفة الانتظار – لحظات ثقيلة
ساعات مرت وكأنها دهور. وسام تجلس على أحد المقاعد، يديها متشابكتان وتهتزان بعصبية، تنظر إلى الباب المغلق وكأنها تنتظر أن يخرج معجزة. عادل يتحرك جيئة وذهابًا، يحاول السيطرة على خوفه، لكنه فشل حين أتى الطبيب.
الطبيب (نظراته جادة، وصوته يحمل ثقل الحقيقة):
"كمال دخل في غيبوبة. حالته غير مستقرة، وإحنا هنعمل كل اللي نقدر عليه... بس محتاجين نكون صريحين: الوضع صعب."
كان الكلام كصفعة على وجهيهما. وسام تجمدت في مكانها، وعينيها اتسعتا من الصدمة، ثم فجأة، انفجرت بالبكاء.
وسام (تصيح وهي تنهض من مكانها):
"غيبوبة؟ يعني إيه؟ يعني إحنا مش هنعرف نتكلم معاه تاني؟ مش هنقول له إننا أسفين؟!"
عادل، الذي حاول أن يتمالك نفسه طيلة الوقت، لم يتحمل أكثر. جذب وسام إلى صدره بقوة، ودموعه تساقطت بصمت.
عادل (يهمس بصوت مختنق):
"مش هنفقده يا وسام... بابا هيقوم، لازم يقوم. إحنا مش هنتخلى عنه."
وسام تبكي بحرقة في حضنه، وعادل يُحاول أن يهدئها رغم أنه يُصارع ألمه الخاص. في تلك اللحظة، كل الخلافات والمشاعر المتضاربة بينهما تلاشت، ليبقى فقط خوفهما على الشخص الذي كان دائمًا مركز عالمهما.
وسام (بصوت متقطع):
"عادل، أنا خايفة... مش عارفة أعيش من غيره."
عادل (يُمسك بوجهها ويجبرها على النظر إليه):
"هيقوم ياوسام دا وعد مني ليكي مش هنسيبه والله"
(ظلو ف احضان بعضهم البعض بينما الطبيب يُراقبهما من بعيد، ملامحه تعكس شفقة ممزوجة بالقلق).