![]() |
رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الثالث عشر
الكل ينظر إليها بلهفة، يريدون معرفة ماذا ستفعل إنه لخبر الموسم و الذي ستتحدث عنه الشركة و جميع فروع البحيري عن هذا الحدث.
سرعان ارتسمت الإبتسامة علي شفاها ذات الأحمر القاني كحبة توت يكسوها العسل، تقدمت نحوه بخطوات صوت قرع كعب حذائها يتزامن مع دقات فؤاده التي لا تقل حالته سوءاً عنها، توقفت أمامه و تحدق إليه بنظرة ظاهرها القوة و الثبات و فم تتراقص عليه السعادة لا سيما عندما افترقت شفتيها لتقول إليه و الفرح يغمر عينيها:
"ألف مبروك يا حبيبي".
كان هذا علي مرأى و مسمع التي تقف جواره و جسدها يرتجف خاصة بعد ما فعلته زوجته، قد تيقنت أنها وقعت أمام خصم قوي لا يستهان به بل عليها الحذر و الخوف.
لم تقف الأخري عن إبداء التهنئة إلي زوجها أمام الحضور، بل و فتحت ذراعيها لتغمره في عناق مشتاق قد زاده الشوق رهقاً، قامت بتقبيل وجنتيه ثم أخبرته بهمسٍ جوار أذنه:
"إيه مش ناوي تعرف عروستك عليا، و لا خايف تقولها إن أبقي مراتك!"
انسحبت من هذا العناق و مازالت البسمة لم تترك ثغرها، أومأ لها و أخبر التي بجواره:
"أحب أعرفك يا منار علي صبا"
عقبت صبا علي حديثه لتأكد للأخري:
"صبا الرفاعي، مراته و أم ولاده".
ابتلعت منار لعابها في توتر و دون أن تشعر مدت يدها للمصافحة:
"أهلاً يا صبا".
لم ترفع الأخرى يدها حتي للمصافحة و أخبرتها بغرور:
"صبا هانم، زي ما زمايلك بينادوني، و لا مديرك ماقالكيش؟".
كانت تراعى الحالة النفسية التي تمر بها صبا بل و أرادت أن تنهي تلك المهزلة و تخبرها عن الحقيقة:
"مدام صبا أنا...
قاطع قصي حديثها بعدما أدرك ما كانت سوف تبوح به إليها:
"قولت لها إنها مراتي زيها زيك، بقي ليها فيا زي ما ليكِ بالظبط".
كانت كلماته تخرج من فمه كالسهام النارية، جميعها تراشق بقوة و كأن هذا ما ينقصها أيضاً، ألم يرحم قلبها الذي أصبح صريعاً بين يديه!
أراد أن يري الألم داخل عينيها كما يشعر به أيضاً، فهو يجرح نفسه قبل أن يجرحها، لأنه يعلم ما يجول في داخلها الآن، لكن هي كانت كالجبل الصامد الذي يتعرض إلي اهتزازات زلزال مدمر أدت إلي ضعفه من الداخل و علي وشك الإنهيار، لكنها تقف بكل شموخ تظهر قوة غرار ما توقع علي الإطلاق.
نظرت نحوها بازدراء ثم عادت ببصرها إليه تخبره بتهكم لاذع:
"هو حد يقدر يقول غير كدة، دي حتي عروستنا طلعت أحلي من الصور اللي كانت خدتها ملك ليها أيام ما كانت بتشتغل سكرتيرة عند مصعب".
حدقها بجدية و إمتعاض زائف قائلاً:
"صبا، حاسبي علي كلامك، و ما تنسيش إنها بقت مراتي".
ظل كليهما يتبادل النظر إلي الأخر حتي قاطعهما صوت إحداهن و بجوارها فتاة أخرى:
"ممكن ناخد صورة لحضرتك أنت و صبا هانم؟".
"مفيش...
كاد يتحدث فبترت صبا ما كان سيتفوه به و قالت:
"أتفضلوا".
و قامت بدفع منار بكتفها لتقف بجوار زوجها و وضعت يدها علي ساعده، نظرت إلي منار بجوارها من طرف عينيها بازدراء و قالت:
"حاسبي بس كدة".
باغتها بصدمة أخرى عندما استدار و وقف في المنتصف يمسك بيد منار، فحدقت إليه بتعجب فأخبرها:
"واضح أنك لسه مش مستوعبة، عموماً ممكن أديلك عنوان المأذون اللي كتابنا الكتاب عنده أو ممكن تستني لحد ما استلم قسيمة الجواز و هخليكِ تتأكدي بنفسك".
تظاهرت بعدم الإهتمام لما اخبرها به للتو، وضعت يدها بجوارها و نظرت إلي عدسة هاتف الفتاة التي تلتقط إليها، لتجد ذراعه تمتد حول خصرها بتملك مبتسماً و كأن الذي يحدث أمراً عادياً.
ارتفعت همسات إحداهن إلي زميلها و هما يشاهدان ما يجرى:
"هو فيه كدة بجد!، أنا هاتجنن إزاى بيعشق مدام صبا و في نفس الوقت يتجوز عليها، لاء و السكرتيرة الجديدة كمان".
عقب زميلها بتحذير:
"وطي صوتك بدل ما يسمعك و تحصلي اللي اتطردوا من الشركة، و بعدين الراجل معملش حاجة غلط، ده حقه الشرعى و هتلاقيه كان زهقان فحب ينوع، بس بأمانة ذوقه جامد أوي أوي يعني، يا بخته".
كان هذا الحوار الدائر وصل إلي سمعها فأبتلعت غصة شديدة المرارة، عليها أن تظل علي هذا الثبات حتي لا يشمت بها أحداً، يكفي نظراتهم التي تنضح بعلامات التعجب و يشوبها الضحك المستتر و الأحاديث الجانبية.
ابتعدت من جوار زوجها تحت نظره الذي لا يحيد عنها، ذهبت إلي المسئول عن تشغيل الأغاني و ألتقطت منه الميكروفون ثم وقفت أمام الحضور و قالت:
"طبعاً أشكركم جميعاً علي وجودكم و وقفتكم جمب جوزي حبيبي في يوم زي ده، و الفرح مش هايكمل غير بوجودي جمبه طبعاً".
تعالت الهمسات بين الحضور، فعادت الأخرى لتكمل حديثها:
"ما لكم مستغربين ليه، أول مرة تشوفوا واحدة بتحضر فرح جوزها علي واحدة تانية!، أحب أقولكم إن اللي بينا أنا و قصي أكبر بكتير إن أي حد يفهمه، و من عشقي ليه نفسي أشوف الفرحة في عينيه ديماً حتي لو سعادته دي هاتبقي إنه يتجوز واحدة تانية".
عادت إلي مسئول تشغيل الأغاني و أخبرته بتشغيل الموسيقي التي رقصت عليها تانجو مع زوجها في بداية زواجهما عندما كانا في إيطاليا.
كان الأخر يتوقع ردة فعلها التي لا تخلو من الكبرياء، أشارت إليه أمام الحضور بأن يتقدم منها ليشاركها في الرقص، ألتفت إلي منار أولاً و كأنه يخبرها شيئاً ثم قام بتقبيل جبهتها و عينيه صوب التي تنتظره ليرى ألسنة من اللهب داخل عينيها و برغم من ذلك تحتفظ بإبتسامتها، ترك عروسه و ذهب إليها يحدقها بزهو و نظرة رجل يدرك ما يفعله جيداً، أصبح علي مقربة منها فكادت تبتعد بنفور، لم يمهلها فرصة الإبتعاد فجذبها من خصرها حتي التصقت به ، أمسك بيديها ليضعها علي كتفيه ثم و ضع يديه علي خصرها و بدأ يتراقص كليهما علي إيقاع الموسيقى.
و بنبرة لا تخلو من الثقة أخبرها:
"عماله تكابرى و بتمثلى إنك قوية، أنا حافظك أكتر من نفسك".
رمقته بسخط و حاولت التملص من يديه، لكنه كان الأسرع، أمسك يدها و وضعها علي كتفه و يدها الأخرى يمسكها بخاصته ثم جعلها تميل إلي الخلف بجذعها و هو يدنو منها، عادت لتقف مجدداً و تخطو معه علي نغمات الموسيقي، ابتسمت للمرة المائة و أجابت:
"بتهيقلك، أنا يمكن في عز قوتي دلوقت، و مفيش حد يقدر يكسرني حتي لو الحد ده يبقي أنت".
نظر في عينيها للحظات، يرى في عينيها تلك الأنثى المتمردة و صعبة الترويض كما كانت في بداية زواجهما.
دفعها بقوة علي امتداد ذراعه ثم جذبها و في حركة دائرية عادت إلي صدره، وضعت كفها علي موضع قلبه و أردفت:
"كفاية ريحة النبيذ اللي مش بتشربه غير و أنت في أسوأ حالاتك".
رفع جانب فمه بإبتسامة ساخرة و عقب بكل ثقة:
"و بشربه برضو لما ببقي مبسوط أوي، و أنا دلوقت في قمة سعادتي".
اقتربت الموسيقي علي النهاية، وقفت خلفه و وضعت يديها علي كتفيه ليمسك بهما و جعلها تقف مولية إليه ظهرها، نظرت إليه من طرف عينيها و قالت له:
"و أنت فاكر تمثليتك السخيفة دي دخلت عليا!، أنت حبيت تعلمني الدرس بس علي طريقتك".
ألتفت و حدقته وجهاً لوجه، رمقته بإمتعاض، و ألقت عليه أمرها:
"أحسن لك تمشي الناس دي من هنا، و أولهم البت دي".
توقف عن الرقص و أخبرها بتحذير و لهجة حادة:
"لأخر مرة بحذرك يا صبا، أولاً البت دي ليها اسم، ثانياً بقي أنا هنا اللي أؤمر و بس".
رفعت إحدى حاجبيها و بثقة بالغة أجابت علي حديثه:
"مش هتوصل لغرضك يا قصي، لأن أنا فاهماك كويس أوي، و البتاعة دي هتطلقها حالاً يا إما ما تلومش غير نفسك".
ظنت إنه سوف يرضخ لأمرها و تهديدها الجلى الذي أدرك ما ترمي إليه و ليس لديها الجرأة الكافية بأن تخبره إياه صراحةً، فقال لها ببرود تام:
"براحتك خالص، اللي أنتِ شايفاه أعمليه".
تسمرت في مكانها كتمثال يرتسم علي وجهها الصدمة، و لكي تنسحب من تلك الحرب لجأت إلي سلاح الفرار من أرض المعركة، يكفي خسائر إلي هذا الحد، وضعت يدها علي رأسها و ابتعدت خطوة إلي الوراء غير مصدقة، أقترب منها بقلق و خوف:
"صبا أنتِ كويسة؟".
رأت في عينيه خوف و لهفة عاشقها المتيم بها، يكفي رؤية تلك النظرة قبل الإستسلام إلي فقدان الوعي.
༺༻
استيقظت للتو بعد أن لجأت إلي النوم بعدما عادت إلي وعيها، و ذلك خوفاً من مواجهته، تظن إنه ربما قد رآها برفقة هذا المحتال الذي أصبحت فريسة بين يديه، و لا تعلم ماذا عليها أن تفعل، تشعر بالعجز كلما تخيلت لو علم زوجها بالأمر ماذا ستكون ردة فعله، تتوقع أسوأ السيناريوهات التي تترتب بعد معرفته، لذا قررت كما أوقعت حالها في تلك الكارثة يجب أن تحل الأمر أيضاً، بحثت عن هاتفها لم تجده علي الكمود و كذلك طاولة الزينة، نهضت و تشعر بالوهن، لاحظت إنها مازالت بالثوب التي كانت ترتديه في الخارج.
سارت بخطوات وئيدة بسبب ما تشعر به من إنخفاض في ضغط الدم الذي يصيبها كلما تشعر بالخوف أو بالتعب الشديد، وصلت لدي الباب وضعت يدها علي المقبض، كادت تفتح لتجد الباب يفتح، أنتفضت بفزع و تراجعت بضع خطوات إلي الخلف، وجدته يدخل حاملاً علي يده صينية فوقها أطباق من الطعام و كأس عصير.
"أنا كنت بحسبك لسه نايمة، كويس أنك صحيتي عشان تاكلي".
سار إلي الطاولة و وضع الصينية أعلاها، ألتفت إليها ليجدها تقف في مكانها و تحدق إليه في صمت و توجس، اقترب منها و أمسك بيديها، سألها و يشعر بالقلق عليها:
"مالك يا حبيبتي واقفة كده ليه؟".
عندما رأت قلقه عليها في نظرة عينيه إليها شعرت بالطمأنينة، فسألته:
"هو أنا...
قاطع جملتها بجذبها بين ذراعيه فكانت كالطفلة الصغيرة بين يديه، هذا لفرق الطول بينهما حيث يصل رأسها إلي منتصف صدره، يغمرها بحبه و يغدق عليها بحنانه الفياض
، أخبرها بصوته الرخيم و بنبرة لا تخلو من الرومانسية:
"حقك عليا يا حبيبتي، ما تزعليش مني، أنا ساعات ما بقدرش أتحكم في نفسي و بتعصب بسرعة".
تنفست الصعداء في تلك اللحظة، و قررت أن تمحو كل أثر لكل ما يعكر صفو حياتهما، ابعدت رأسها عن صدره و رفعت وجهها قليلاً لتنظر إليه قائلة:
"أنا كمان آسفة علي أي حاجة ضايقتك مني".
دنا بشفتيه نحو جبهتها و طبع قبلة ثم أمسك بيدها و قام أيضاً بتقبيل منتصف كفها، يحدقها بنظرة مليئة بالعشق و الغرام:
"أنا لما بشد معاكِ بيكون من خوفي عليكِ، أنتِ بالنسبة لي مراتي وحبيبتي و بنتي اللي بخاف عليها من أي حاجة تأذيها أو تأذي حتي مشاعرك، حتي أنا لما بتخانق معاكِ ببقي مضايق من نفسي".
أغمضت عينيها و تسمع و تشعر بكلماته و رأسها يستند علي صدره، تسمع دقات قلبه الذي يخفق بقوة و هو يخبرها عن مدى عشقه لها، هل تقوم بإستغلال تلك اللحظة و الهدوء و السلام الذي ينعم به حالياً لتخبره عن ما حدث و تهديد المدعو زيكو إليها!
"أنا بعشقك أوي يا مصعب، عمري ما أتصور حياتي لحظة من غيرك، أنا، أنا..
ابعدت رأسها مرة أخري عن صدره و وقفت علي أطراف قدميها و رفعت ذراعيها لتحاوط عنقه، نظرت إلي عينيه أولاً و هبطت ببصرها إلي موطن كلماته، و بعنفوان عاشقة التقطت شفتيه في قبلة فاضت من خلالها بكل مشاعرها نحوه، بادلها هو أيضاً تلك القُبلة بل و قام بحملها من خصرها، سار إلي الخلف ليغلق الباب بقدمه ثم تقدم نحو الفراش و مازال يبادلها التقبيل.
هبط بها أعلي المضجع و ترك شفتيها ليلتقط كليهما أنفاسهما، ترددت قليلاً ثم أخبرته:
"أنت واحشني أوي".
أجاب و حالته لا تقل عنها في الشوق و اللهفة:
"أنا اللي مشتاق لك أوي و خايف عليكِ عشان أنتِ تعبانة، ده أنا قلبي وقع في رجليا لما لاقيتك أغمي عليكِ، هو أنتِ أصلاً إيه اللي خلاكِ سيبتي البنات لوحدهم جوه في النادي و روحتي الكافيه، كنتِ مع مين؟".
كان سؤاله بمثابة صخرة قامت بدفع جسدها من قمة جبل مرتفع فسقطت في وادٍ مليئ بالضباب، لم تجد مستقرً لجسدها أو تري أي شيئاً من حولها، ابتلعت لعابها بتوتر ثم أجابت دون أن تنظر إليه، تخشي أن يدرك إنها تكذب عليه:
"كنت، كنت هقابل رودي و ماجتش".
تنهد ثم عقب علي إجابتها بعد أن أمسك طرف ذقنها ليجعلها ترفع وجهها و تنظر إليه:
"و سبب أن أغمي عليكِ طبعاً، عشان ما فطرتيش و لا أتغديتي و دلوقت الساعة بقت ٨ بالليل و سيادتك و لا كلتي و لا شربتي أي حاجة، ينفع كدة؟".
حدقت إليه ببراءة لتخبره بعدم رغبة:
"أنا مكنش ليا نفس و لحد دلوقتي مش جعانة ".
"مفيش حاجة اسمها مش جعانة، قومي يلا عشان تاكلي".
بمزاح نظرت إليه بحزن زائف و سألته:
"لازم يعني؟".
أومأ لها قائلاً:
"اه لازم تاكلي، عشان ورانا حاجات مهمة".
سألته بمكر:
"حاجات إيه؟".
ابتسم و قام بحملها علي ذراعيه:
"لما تاكلي هقولك".
سار بها نحو الطاولة ثم جلس علي المقعد و جعلها تجلس علي فخذيه، كأنها طفلته الصغيرة، أخذ يطعمها بالملعقة، ثم يأكل هو بنفس الملعقة، تناولت بيدها قطعة مقبلات و وضعتها في فمه، لم يدخلها كاملة و ترك نصف القطعة خارج شفتيه، نظر إليها و هز رأسه لتشاركه أكل القطعة، ابتسمت و قامت بمشاركته في تناولها، أسرع في ابتلاع ما بداخل فمه ليلتقم شفتيها في قبلة ناعمة، ترك الملعقة و حاوطها بين ذراعيه في عناق بدى هادئاً ليتحول بعد ذلك إلي عناق قوي، لم تشعر بقدميها و كأنها تحلق في الهواء، و بدون أن تدرك متي و كيف وصلت إلي الفراش، يغمرها عشقاً و دلالاً، يلقي علي سمعها أعذب و أرق الكلمات في وصف جمالها الفتان.
انفصل كليهما عن المكان و الزمان في رحلة أعلي السحاب، تحلق بين يديه و ألقت خلف ظهرها كل ما يثير مخاوفها، لذا قررت بعد الإنتهاء من رحلة التحليق معه سوف تخبره بكل شئ، لكن تريد أولاً أن يطمئن قلبها.
و بعد مرور وقت، خرج من المرحاض يرتدي المعطف القطني و يمسك بيده منشفه صغيرة يجفف بها شعره، وجدها تقف أمام المرآة و تمسك بمجفف الشعر و توجهه صوب خصلاتها المبتلة، وجدته ينظر إليها عبر المرآة و الإبتسامة تزين شفتيه، بادلته البسمة و داخلها تشعر بالتوتر الشديد، تركت ما في يدها و نهضت لتستدير إليه و سألته:
"حبيبي كنت عايزة أخد رأيك في موضوع".
ألقي بالمنشفة علي السرير ثم جذبها بين يديه و قال لها:
"اتفضلي و رأيي و عيوني و كُلي ليكِ".
ابتسمت بتوتر و أخبرته:
"فاكر صاحبتي اللي قولت لك إن أنا عرفتها من علي الفيس؟".
عقد ما بين حاجبيه و بدى علي ملامحه الضيق عندما تذكر هذا الأمر، ابتلعت لعابها و أجابت:
"أصلها يا عيني واقعة في مشكلة و مش عارفة تعمل إيه، هي كانت اتعرفت علي واحدة من علي الفيس، و الواحدة دي طلعت واحد و ضحك عليها و عرف يهكر الفون بتاعها و خد كل حاجة عليه صورها، ده غير إنها لما كانت فاكراه واحدة ست زيها كانت بتحكي لها عن حاجات خاصة ما بينها و بين جوزها علي سبيل الفضفضة، المصيبة بقي إنها بعد ما أكتشفت حقيقته هددها إنه هيفضحها لو ما أدتهوش فلوس يا إما هيقول لجوزها علي كل حاجة".
كانت ملامحه و هو ينصت إليها تنم عن الضيق و طيف من الغضب فقال لها:
"شوفتي لما كنت بحذرك من أنك تكلمي واحدة غريبة من علي الزفت اللي اسمه الفيس، يبقي كان عندي حق، أولاً الست دي مش محترمة إنها تتكلم و تحكي أسرار بيتها و اللي ما بينها و بين جوزها مع أي حد حتي لو كانت واحدة صاحبتها من سنين، ده لو أختها اللي من دمها برضو ما ينفعش تحكي، تاني حاجة بقي اللي حصلها ده أكبر درس ياريت تتعلم منه لما تدي الأمان لواحدة لا شفتها و لا سمعت صوتها و لا تعرف هي مين و عايزة منها إيه، و أديها وقعت فريسة لعيل صايع خليها بقي تتعلم الأدب".
حاولت أن تظهر إليه الهدوء غرار الرعب الذي دب في قلبها من سماع حكم زوجها، فما باله تلك السيدة هي زوجته ماذا كان فعل بها!
عقبت علي حديثه قائلة:
"هي علي فكرة واحدة محترمة و طيبة جداً".
"لاء يا ملك، دي مش طيبة دي اسمها سذاجة و عبط، و ياريت جوزها يعرف اللي عملته و لازم ياخد منها موقف جامد عشان تبقي تفكر مليون مرة قبل ما تعمل حاجة زي كدة و تحكي أسرار بيتها".
ابتلعت لعابها للمرة العاشرة من التوتر و الخوف، فقالت:
"المشكلة بقي في جوزها هو صعب جداً، و خايفة إنه يعرف".
أجاب بغضبٍ و جدية:
"و هي الهانم ما احترمتش جوزها ليه من الأول، ملك أقطعي علاقتك بالست دي نهائي، إعملي لها بلوك و إياكِ تكلمي أي واحدة ما تعرفيهاش لإما و الله العظيم لأحلف عليكِ إنك ما تفتحيش فيس اللي ما بيجيش من وراه غير البلاوي".
لم تجد رد سوي أن هزت رأسها بطاعة فأردف:
"أنا بحذرك عشان خايف عليكِ، شياطين الإنس كتير حوالينا و اللي زي صاحبتك و زيك كدة بيبقوا صيد سهل أوي ليهم، و الموضوع ياريت يجي علي قد الإبتزاز و المقابل الفلوس، ده ممكن الموضوع يوصل للعرض و الشرف، و الواحدة تبدأ تتنازل عن أي حاجة و لا إنها تتفضح، فاهمة يا حبيبتي؟".
أجابت بهمس:
"فهمت".
ثم أردفت داخل عقلها:
"للأسف فهمت متأخر أوي".
انتبهت إلي سؤاله:
"مالك سرحانة في إيه؟".
حدقته بشبه ابتسامة:
"مش سرحانة، بفكر في كلامك".
سألها بنظرة ثاقبة:
"أوعي يا ملك تكوني مخبية عليا حاجة؟".
هزت رأسها بنفي و قالت:
"لاء، هخبي إيه يعني، ما أنا باجي أحكي لك و بفضفض معاك".
وضع يده علي خدها قائلاً:
"و دي أحلي حاجة فيكِ يا حبيبتي".
ابتسمت إليه ثم سألته:
"اه صح هما البنات فين، مش سامعة صوتهم؟ ".
ابتعد عنها و ذهب إلي الخزانة يخرج ثياباً له:
"البنات أكلتهم و قعدت ذاكرت لهم شويه لحد ما ناموا، رودي أتصلت تطمن عليكِ، و بعدها ياسين اتصل عليكِ لما كنتِ نايمة بيقولك إنه هايعدي عليكِ بكرة هايسيب ياسمين عندك".
و كأنها تذكرت أمراً هاماً:
"ده أنا نسيت خالص، بكرة عيد ميلاد ياسمين و المفروض كنت كلمت أخواتي عشان نتجمع بكرة في القصر و نحتفل كلنا مع بعض".
كان يرتدي قميصاً قطنياً بنصف أكمام بعد أن ارتدي البنطال، فقال لها:
"عادي ممكن تتصلي عليهم دلوقتي و نعملوا بكرة بالليل بعد ما الكل يرجع من شغله".
" تمام، طيب الفون بتاعي فين؟".
"برة في الليفينج هتلاقي جمبه اللاب علي التربيزة هاتيه معاكِ ورايا شوية حاجات تبع الشغل هخلصها قبل ما أنام".
"حاضر".
قالتها و ذهبت بخطوات تسبقها خفقات قلبها، تدعو أن لا يكون هاتفها متصلاً بشبكة الإنترنت، أخذته من فوق المنضدة و ألقت نظرة نحو الغرفة ثم قامت بفتح الإتصال بالإنترنت، كما أخبرها حدسها، تلقت إشعاراً برسالة واردة، قامت بفتحها قبل أن تفعل خاصية الحظر له، فتحت صندوق الدردشة و أنتابها شعور بصدمة ألجمت لسانها و جعلت عينيها كادت تخرج من محجريهما، عدد من الصور ألتقطت لها برفقة هذا المحتال في الكافتريا، و ليست مجرد صوراً عادية، من يراها من زاوية التصوير التي ألتقطت منها يظن إنهما في موعد غرامي، أسفل الصور رسالة نصية كالآتي:
«أنتِ فاكراني هعديلك موضوع القلم و الحركة التانية دي بالساهل، و رحمة الحاجة لو ما جبتي المبلغ اللي قولتك عليه زائد الطلب التاني و اللي أنتِ عارفاه كويس ليكون كل اللي معايا ده و فوقيهم الصور يتبعتوا لجوزك و مش بس كدة صورتك ام بكيني هخليها لك تتجول في كل الجروبات و الصفحات، و عشان أنا جدع هديكِ مهلة تلات أيام، لو جه الرابع يبقي أستلقي وعدك، سلاموز يا بطل».
༺༻
وصلت السيارة أمام القصر و ترجل منها ثم أنحني إلي داخل السيارة ليحملها، و قال إلي زوجته الأخرى التي تمسك بثوب زفافها، تلملم أطرافه استعداداً لمغادرة السيارة:
"لو حد جوة كلمك ما ترديش عليه، و لو أي حد يضايقك تقولي لي علي طول".
أومأت له فأردف بأمر:
"أنزلي يلا".
فعلت كما قال و سارت خلفه، بمجرد أن ولج إلي الداخل يحمل صبا علي ذراعيه، شهقت كارين و لم تقل عنها زينات من الصدمة، سألته بخوف و قلق:
"هي حصلها إيه؟".
و نظرت كارين إلي منار تتفحص مظهرها و ثوب الزفاف الذي ترتديه، صاحت بتعجب:
"مين دي يا قصي؟".
ألقي عليهما إجابته بإقتضاب:
"منار مراتي".
تركهما في حالة صدمة و كأن حطت علي رؤوسهما الطير، صعد إلي الأعلي و مازالت الأخري تتبعه كظله، و في الأعلي أشار لها نحو الغرفة:
"أفتحي الباب ده و استنيني هنا".
فعلت ما أمرها به و دلف إلي الداخل، وضع صبا أعلي السرير و خرج إلي التي تنتظره قائلاً:
"تعالي".
سارت خلفه و تتأمل المكان من حولها، أول مرة تخطو داخل قصر بهذا الثراء
"أدخلي".
لم تنتبه إليه فكانت شاردة في اللوحات المعلقة علي الجدار المقابل للغرفة، صاح بها:
"واقفة عندك بتعملي إيه؟، مش بقولك أدخلي ".
انتفضت بفزع من صوته المرتفع و لهجته الحادة، فأسرعت إلي الداخل و نظرت إليه بخوف و حزن قائلة:
"معلش مكنتش سامعة، و بليز ممكن ما تزعقليش كده تاني؟".
أطلق زفرة ينفث بها غضبه، ليس منها لكن من نفسه، ربما الشعور بالندم بدأ ينتابه بسب ما فعله
"بصي دي الأوضة اللي هاتقعدي فيها، أنا خليت الشغالة تحط لك هدومك و حاجتك في الـ dressing room، خليكِ هنا و أقفلي عليكِ الباب لحد ما أجي لك، و لو محتاجة أي حاجة أتصلي عليا".
أومأت له بطاعة قائلة:
"أمرك يا فندم".
جز علي أسنانه فقال بحنق:
"إحنا المفروض أتنين متجوزين، عمرك شوفتي واحده بتقول لجوزها أمرك يا فندم!".
أجابت بنبرة وشيكة علي البكاء:
"أنا نسيت، و بعدين أنا ما أتجوزتش قبل كدة".
"الحاجات دي مش محتاجة خبرة، دي محتاجة فهم، خدي بالك أنا معنديش صبر و خلقي ضيق، أعملي اللي قولت لك عليه وخلاص".
هزت رأسها إليه و قالت:
"حاضر".
تركها مُتجهاً إلي الغرفة الأخري، وجد كارين تقطع طريقه تسأله بحدة:
"أنت فعلاً أتجوزت علي صبا يا قصي؟".
"خليكِ في حالك يا كارين".
أخبرها بأمر حاد، أعترضت طريقه مرة أخري:
"أصل لو أنا اللي فهمته ده حقيقي، يبقي حرام عليك و كده ما تفرقش حاجة عن أخوك الخاين".
أمسك رسغها و قال لها بتهديد:
"و أنا بقولك خليكِ في حالك يا كارين، أنا عارف أنا بعمل إيه".
فتح الباب و ولج إلي الداخل
"أخوك برضو كان بيقول كدة و...
أغلق الباب في وجهها، فصاحت بغضب:
"بتقفل الباب في وشي!، طب و الله ما قاعدة لك فيها و هاخد الولاد و مروحة علي شقتي".
أتاها صوته من الداخل:
"أعمليها و وريني هاتخرجي إزاي".
صاحت و أخبرته بإصرار:
"يطلع الصبح و مش هاتشوف وشي ".
رأت المقبض يتحرك فأطلقت ساقيها للريح، فتح الباب و رآها تركض، هز رأسه مبتسماً ثم أغلق الباب و عاد إلي تلك الفاقدة للوعي، جلس بجوارها و أخذ يزيح خصلاتها المبعثرة علي وجهها، و ما أن لمست يده بشرتها أرتجف جسدها، علم علي الفور تتصنع الإغماء أو ربما يرفض عقلها الإستيقاظ و استيعاب ما حدث.
رفع حاجبه و قال لها بأمر و سخرية:
"قومي و بطلي تمثيل".
فتحت عينيها و دفعت يده عن وجهها، تصيح بكل ما تشعر به من غضب و سخط حياله:
"ابعد إيدك دي عني، و يكون في علمك أقسم بالله يا قصي ما هعدي لك اللي عملته فيا".
أشار إليها بسبابته محذراً إياها:
"صوتك ما يعلاش و أنتِ بتتكلمِ معايا، إحنا مش عايشين لوحدنا".
لم تكترث إلي تحذيره بل و أجابت بنفس وتيرة الصوت المرتفع:
"خايف لكارين تسمعك و تعرف أنك ما فارقتش حاجة عن أخوك اللي أنت بنفسك حكمت عليه إنه يطلقها عشان راح أتجوزها عليها! ".
عقب بصياح مماثل و غضب عارم:
"عشان كارين ما خدعتهوش و لا ضحكت عليه زيك".
صرخت باكية:
"تقوم تتجوز عليا!، و مين البت السكرتيرة اللي كنت بترجاك تمشيها من الشركة، تقوم متجوزها عشان تحرق لي دمي!".
نهض و عقب علي كلماتها بكل ما يحمله بداخله من قهرٍ و ألم:
"أنا واحد نفسه في ذرية تشيل اسمه، طلبت منك كدة قولتي لي خايفة علي جسمك و شكلك، و لما أصريت علي طلبي خدتيني علي قد عقلي، أتاريكِ مستغفلاني و بتاخدي برشام منع الحمل لحد ما ربنا كشف خداعك ليا قدامي".
رددت بإستهزاء من ما أخبرها به للتو:
"مستغفلاك!، وخداع!، اللي يسمع اللي أنت بتقوله يفتكر إن أنا خنتك!".
كان غضبه يخفي في طياته ألماً و قلباً يذرف الدماء حزناً:
"أيوه، اللي عملتيه بالنسبة لي خيانة، لما تكوني في حضني و مديكِ الثقة و الأمان و تكوني في نفس الوقت بتكدبي عليا، لو واحد غيري كان أتجوز عليكِ بجد واحدة تعمله اللي هو عايزه، لكن اللي شفع لك عندي قلبي".
"ياريتك كنت طلقتني أهون من عملتك السودة، عازمني علي فرحك و تقولي قلبك شفع لي، أومال لو مكنتش بتحبني كنت دفنتني حية!، و لا هاتحبسني في البدروم زي أيام زمان اللي راجعة في ثوبها الجديد!".
أطلقت تلك الكلمات لعلها تجعله يشعر بتلك النيران التي تحرقها بلا هوادة، لم تدرك أن تلك الكلمات أصابت هدفها و جعلته يقف متسمراً غير مصدق ما يسمعه لتوه.
ابتسم بسأم و دموع عينيه تجمعت رغماً عنه، أبي نزولها بل و ارتسم علي ملامحه الصرامة و الجدية ليخبرها قائلاً:
"عارفة يا صبا، أنتِ دلوقتي أثبت لي نقطة مكنتش واخد بالي منها، أنا غلطت فعلاً في حقك زمان و أتغيرت عشانك و عشان نفسي، و أظن التغير ده كان واضح أوي طول السنين اللي فاتت لحد اللحظة دي، و عقابي ليكِ المرة دي أنتِ السبب فيه مش أنا".
أنطلقت في البكاء من جديد و أجابت:
"كان ممكن تعاقبني بأي طريقة، إلا أنك تتجوز عليا، أنا لو اللي عملته وجعك، فعقابك ليا كسرني".
توقفت عن الحديث تلتقط أنفاسها، تحاول منع هطول عبراتها في محاولة بائسة، ولت ظهرها إليه لتستطع قول الآتي مردفة:
"أنا مش هقدر أعيش معاك، و لا هقدر أستحمل أقعد لحظة هنا".
ابتلعت لعابها و كانت غصة مريرة كالعلقم، تفوهت بكلمة قاتلت بكل قوة لكي يتلفظ لسانها بها، قلبها يأبى هذا، لكن الكلمة الأخيرة كانت لكبريائها الذي فاض من ماحدث علي يديه معها اليوم:
"طلقني!".
و كان أكثر ما يخشاه قد حدث، ظل واقفاً في صمت ظاهره يسوده الهدوء و داخله بركان أنفجر للتو.
هنا بدأ الوحش داخله في الإستيقاظ بعدما كان خامداً في سبات عميق منذ سنوات منصرمة، لكن مازال يحتفظ بهدوءه، يخشي عليها من نفسه، لذا تقدم بالقرب منها و أخبرها:
"أنا هاعتبر إن ما سمعتش الكلمة اللي قولتيها، و هاسيبك مع نفسك تهدي و تفكري كويس في اللي وصلنا له، و كله في إيديكِ".
شعرت بخطواته التي تبتعد عنها متجهاً نحو الباب مغادراً.
و في الخارج وجد كارين و بجوارها زينات، ابتعدت كلتيهما عن طريقه و كان يتجنب النظر إليهما حتي لا تري إحداهما دموع عينيه التي لم تنهمر سوي بعد أن يتمكن كلا من الحزن و الألم من فؤاده.
༺༻
يقف خلف النافذة يري أجواء الليل المظلمة، يضع هاتفه علي أذنه
"هذا الهاتف ربما يكون مغلقاً أو غير متاح، هذه رسالة مسجلة"
للمرة المائة استمع إلي تلك الرسالة الذي بات يمقتها للغاية، أغلق هاتفه و ألقاه علي المكتب، أطلق زفرة ما بين كفيه، لما تغلق هاتفها و لم تأتِ منذ الأمس من حفلة زفاف ابنة خالتها، صفع جبهته و هو يتذكر ما دار بينهما من مشادة كلامية حادة قبل أن تذهب.
"مش هاتروحي يا علياء".
تفوه بهذا الأمر و في عينيه إصرار جلي، عقدت الأخري ساعديها أمام صدرها و أخبرته بتحدي و إصرار:
"و ممكن أعرف سبب رفضك و لا ده مجرد أمر!".
بماذا يجيب عليها، يخبرها أنه لا يريد أن تلتقي بأسر و ما الدافع وراء ذلك!، تباً لذلك الشك الذي يسبب له ألم في قلبه قبل رأسه، رفع إحدى حاجبيه و أخبرها بحسم:
"مزاجي كدة، و لما أقولك لاء يبقي لاء من غير جدال".
تنهدت و قالت بهدوء تخفي خلفه إعصار من الغضب و الحنق معاً:
"أظن أنك أكتر واحد عارفني كويس، و هو إنه أكتر حاجة بكرهها لما حد بيفرض عليا حاجة غصب عني، فأنت اضطرني لأن أقولك هاروح الفرح و أبقي طلع مزاجك و نكدك ده علي العيانين بتوعك لأن الواحد عنده مرارة واحدة مش مستغنية عنها بصراحة".
ولت إليه ظهرها لتعد ثيابها و ما تحتاج إليه، و بالرغم من إنها تفوهت بنبرة هادئة لكن ثقل كلماتها القوية و تحديها إليه جعله كالبركان الثائر، جذبها من ذراعها لتستدير إليه:
"هو أنا مليش كلمة عليكِ، طب و الله ما أنتِ رايحة".
قد وصل صبرها إلي النهاية فصاحت:
"حلفان بحلفان بقي، و الله العظيم أنا رايحة الفرح".
تأجج غضبه و توهج إلي ذروته، و بدون أن يشعر رفع يده و كاد يصفعها لولا أن أوقفه دخول ابنه الذي أخبر والدته:
"مامي أنا جاهز".
نظر إليه كليهما، و عندما أدرك يوسف بما كان سيفعله للتو شعر بالضيق و الغضب، ترك الغرفة و غادر.
عاد من ذلك المشهد و انتبه إلي الطرق المتواصل علي الباب، فقال إلي الطارق:
"أتفضل".
فتح أسر الباب و دخل قائلاً:
"عايز أتكلم معاك".
زفر الأخر بضجر و أجاب غير مرحب بالأخر:
"و أنا مش فاضي".
حدقه بسخرية معقباً:
"أيوه ماهو من كتر الحالات اللي عندك في المكتب يا ضنايا، مش فاضي برضو و لا عارف أنا جاي أكلمك في إيه و بتتهرب".
ألتفت و يحدق إليه بنظرة نارية، يظن إنه علم بما يدور من أفكار داخل رأسه حياله و حيال زوجته من شكوك قاتلة، أردف الأخر بمزاح لخفض التوتر الذي حدث:
"إيه يا دوك بتبص لي كدة ليه!، ناوي تغوزني بالمشرط، لا ده أنا أطلع لك مشرطي حبيبي اللي ما بيفارقش جيبي".
كان يتحدث مبتسماً فسأله صديقه بجدية:
"عايز إيه يا أسر؟".
جلس علي الكرسي و أشار إليه ليجلس علي الكرسي المقابل له:
"تعالي بس أقعد و هحكي لك، بس قبل ما أحكي لك أوعي هاجر تعرف إن جيت قولت لك".
أغمض عينيه و يحاول أن يلهم ذاته بالصبر فقال بإقتضاب من بين أسنانه:
"إنجز".
أجاب الأخر:
"بص لما كنا في شقة خالة هاجر، لاحظت علياء واخدة جمب و عمالة تعيط، خليت هاجر تقوم تشوفها و تسألها فيها إيه".
"و الله فيك الخير".
عقب بسخرية، فلم يعط الأخر إهتمام إلي سخريته فهو قد تعود علي أسلوب صديقه و تقلباته المزاجية
"بعد ما خلصوا رغي كتير و عياط و طبطبة، عرفت من هاجر إنها كانت بتعيط بسببك و أنك مكنتش عايز تخليها تيجي الفرح و حلفت عليها و لما وقفت قدامك و حلفت هي كمان قومت رفعت إيدك و كنت هاتضربها، لولا ابنك فتح الباب و دخل، صح اللي هي قالته و لا إيه؟".
كان لا يهتم بشكواها قدر ما أن الذي أمامه يعلم بما حدث بينه و بين زوجته، فأجاب بأسلوب فظ:
"أيوه كلامها صح، و اللي ما بيني و بين مراتي حاجة خاصة بينا، يعني ياريت تخليك في نفسك".
شعر الأخر بالحرج الشديد و ابتلع لعابه ثم أخبره:
"آسف لو سؤالي ضايقك، بس عشان أنت صاحبي و بعتبرك أخويا و لما الأخ يشوف أخوه في مشكلة المفروض بيساعده، و أنا كان غرضي كنت عايز أصالحكم علي بعض".
نظر إليه بسخرية رافعاً زاوية فمه بتهكم قائلاً:
"اللي يسمعك يقول إنك قلبك أوي عليا، و أنت من جواك فرحان و مش بعيد أنت اللي مسلطها تتخانق معايا".
أصاب ملامحه الوجوم و حاول استيعاب ما قاله صديقه:
"إيه اللي أنت بتقوله ده!، هفرح و مسلطها، هاعمل ليه كدة أصلاً؟".
مازال يرمقه بتلك النظرة الساخرة و أخبره:
"السؤال ده تسأله لنفسك يادكتور".
نهض أسر و قد شعر بالضجر من الحديث مع هذا الأحمق:
"يوسف، ما كفاياك ألغاز و قصر و جيب من الأخر، فيه إيه بالظبط، عشان أنا حرفياً دماغي لفت منك و من كلامك اللي مش فاهم منه حاجة".
أخبره الأخر بوعيد:
"قريب هاتعرف كل حاجة و بالأدلة كمان، بس ياريت ما تزعلش"
صبره قد نفذ بالفعل فقال إليه:
"أقسم بالله أنا غلطان أصلاً جيت أتكلم معاك، عشان علياء و ابنك عند حماتك مش بتقضي لها يومين، لاء قاعدة عندها غضبانة و حالفة ما ترجع القصر، و جيت لك عشان افهم الموضوع إيه و من ناحية تانية هاجر بتهديها، لكن أنت طلعت ما تستهلش الواحد يشغل نفسه عشانك".
ألقي كلماته و غادر الغرفة ليترك الأخر يحاول استيعاب ما قد سمعه للتو، أمسك هاتفه و قام بالإتصال علي رقم والدة زوجته
"ألو أزيك يا طنط، حضرتك عاملة إيه؟".
أجابت الأخري بنبرة رسمية:
"الحمدلله يا يوسف".
سألها بتردد:
"هي علياء جمبك، ممكن تخليها تكلمني؟".
أشارت إليها علياء بالرفض فأجابت والدتها:
"هي نايمة دلوقتي".
علم بالطبع إنها تكذب و ذلك بعد أن أخبرتها الأخري بذلك، فقال إليها:
"طيب لما تصحي خليها تكلمني ضروري، يا إما هجي لها بنفسي".
أجابت الأخرى بهدوء:
"البيت بيتك يا يوسف، تشرف في أي وقت".
رد قائلاً:
"شكراً، مع السلامة".
أنهي المكالمة و ألقي بهاتفه علي المكتب بغضبٍ.
༺༻
أرتمت بين ذراعي مُربيتها و أخبرتها من بين بكائها:
"شوفتي يا دادة عمل فيا إيه!".
أخذت الأخرى تربت عليها بحنان، تشعر بالحزن و الشفقة علي صغيرتها التي بالنسبة إليها ابنتها التي كبرت و ترعرعت علي يديها، فهي الصدر الحنون التي ترتمي عليه كلما أصابها الحزن.
"اهدي يا حبيبتي و الله قصي بيه بيحبك و بيموت فيكِ، هو بس دماغه صعبة و خصوصاً اللي عملتيه، ده لو حكتيه لأي حد يغلطك يا بنتي".
عقبت كارين التي تجلس بجوارهما علي الفراش بحنق:
"هي غلطانة يا دادة، بس مش لدرجة إنه يتجوز عليها، و أنا اللي كنت فاكرة بعت لها تروح له عشان يصالحها، أتاري محضر لها كارثة يحرق لها بيها دمها".
حدقت إليها الأخرى بإمتعاض لكي تكف عن ترديد تلك الكلمات التي تزيد من آلام و بكاء صبا فقالت:
"بصي يا بنتي هقولك كلمة حق، أنتم الأتنين غلطوا في حق بعض، أنتِ غلطي لما أخدتِ حبوب من وراه و ياما حذرتك من كدة و قولت لك ممكن يكشفك و مش هيعدي لك الموضوع لأن اللي زي قصي بيه علي قد ما هو حنين معاكِ أوي لكن يوم ما هاتعملي حاجه من وراه زي اللي عملتيه بالنسبة له كدة إنك خدعتيه، يعني كدة إهانتيه و هياخدها علي كرامته، و اللي زي شخصية جوزك هيقوم ردد لك الصاع صاعين ".
رفعت وجهها و سألتها بتعجب و جنون باكية:
"أنا غلطانة و عارفة إن جرحته، كان ممكن يعاقبني بأي طريقة، يخاصمني أو يبعد عني زي ما كان بيعمل كل ما بنتخانق، لكن رايح يتجوز عليا، لاء و من جبروته عازمني علي فرحه و خلي شكلي زبالة قدام الناس، اللي تضحك من تحت لتحت و اللي يبص لي بشفقة و كلهم كانوا مستنين إني أنهار أو أخرب الفرح فوق دماغهم! ".
عقدت كارين ما بين حاجبيها و سألتها بفضول:
"أومال عملتي إيه؟"
حاولت التوقف عن البكاء و أخذت تجفف عبراتها بيديها، أجابت بكل كبرياء و شموخ:
"سلمت عليه و باركت له قدامهم كلهم، و كمان رقصت معاه، بس كل ده و أنا عمالة أتحرق من جوايا و هو عارف و متأكد من كدة كويس".
تدخلت مربيتها قائلة:
"مالهوش حق طبعاً و هو غلطه زايد عن حده، بس اللي حصل حصل، أنتِ بقي هاتسبيه يتمادى في اللي عمله؟".
نظرت إليها الأخرى بقلبٍ مقهور تسألها بسأم:
"عايزاني أروح له أركع تحت رجله و أتحايل عليه إنه يسامحني زي ما عمل فيا قبل كدة!، بقولك أتجوز عليا يا دادة، و كمان البت السكرتيرة اللي رماها له مصعب عشان كان خايف علي مشاعر مراته، و البيه جوزي راح أتجوزها".
كانت كارين تستمع إليها و غير مصدقة فقالت:
"يخربيت عقلك يا قصي، ده أنت محدش يتوقعك خالص، ده أنا لما روحت شقتي و شوفت الزفتة اللي متجوزها يونس مقدرتش أستحمل، أنا جيبتها من شعرها و لولا إنه بعدني عنها كنت طلعت روحها، بجد شابوه ليكِ علي قوة تحملك و ثباتك".
أجابت الأخري:
"ما هو ده اللي كان أخوكِ عايزه، و عارف أنا عمري ما هعمل كدة، بس و الله لازم أدفعه تمن اللي عمله فيا".
نظرت زينات إلي كارين ثم إلي صبا بقلق و سألتها:
"ناوية تعملي إيه؟".
أجابت علي الفور بتحدي و إصرار:
"هعمل اللي أنا متأكدة عمره ما هيوافق عليه، بس هجبره يعمله غصب عنه، هخليه يطلقني حتي لو الأمر وصل أن أرفع عليه قضية".
شهقت زينات و ضربت كفها علي صدرها و قالت:
"ليه كدة يا بنتي، و أنا اللي كنت فاكرة إنك هاترجعي ليكِ!".
نهضت كارين و وقفت أمام صبا لتخبرها:
"تبقي خيبة و عبيطة لو عملتِ كدة، لو عايزة تاخدي حقك صح عيشي حياتك عادي و لا كأنه عايش معاكِ، أثبتِ له إن جوازك ده و لا هزني و لا حرك مني شعرة واحدة".
عقبت زينات و رمقت كليهما بإمتعاض قائلة:
"الكلام ده ينفع لو كان قصي بيه زي أخواته، أنتِ يا كارين يا بنتي لسه قايلاها دلوقت، محدش يقدر يتوقعه، فالمفروض هي أكتر واحدة فينا فهمت طباعه، لكن لو عملت اللي قولتي لها عليه هيكيد فيها أكتر و يغيظها بمراته التانية".
"ما تقوليش عليها مراته".
صاحت بها صبا، فأبتسمت الأخري رغماً عنها و قالت:
"شوفتي بقي إن مجرد الكلمة أنتِ مش طايقها، ما بالك هو جايبها تعيش معاكِ، و أنا متأكدة إنها جوازة كدة و كدة عشان يغيظك مش أكتر، جوزك بيحبك يا صبا و مقدرش يستغني عنك، ردة فعله جلت منه المرة دي، خليكِ شاطرة و رجعيه عن اللي عمله و حافظي عليه، للتمثلية تتقلب بجد و أنتِ ما تعرفيش البت اللي متجوزها دي ممكن تكون ناوية تعمل إيه، ساعتها هتقولي ياريتني و يكون ضاع من إيديكِ".
عقبت كارين علي حديث الأخري:
"بصراحة كلام دادة زينات كله صح، و لما يا ستي ترجعوا سمنة علي عسل أبقي خدي حقك منه علي نار هادية، خليه يحرم إنه يعمل كدة تاني".
أطلقت زينات زفرة بضيق قائلة:
"هم مش ند لبعض، دول زوج و زوجة المفروض اللي بينهم رحمة و مودة، هي غلطت و هو غلط، حتي لو غلطه أكبر، لكن كلنا عارفين هي بالنسبة له إيه و هي كمان بتعشقه، المفروض يقعدوا مع بعض و يتعاتبوا، يفتكروا لبعض كل حاجة حلوة ما بينهم، ده كفيل إنه يمحي أي ذكري وحشة حصلت، لو كل واحد و و مراته عرفوا اللي ليهم و اللي عليهم و اتعملوا بما يرضي الله، مفيش بيوت هتخرب، سيبيكوا من الشعارات اللي طالعين بيها اليومين دول، اللي أعرفه الست مننا لو لقت جوزها شايلها جوة عينيه و يعاملها بما يرضي الله تحطه هي كمان جوة عينيها، لكن لو طلع من أشباه الراجل ده تطلق منه لأن وجودهم زي عدمهم، أنا قولت اللي يملاه عليا ضميري و الكلام ده مش لصبا ليكِ أنتِ كمان يا كارين يا بنتي، و دي حياتكم في النهاية و كله في إيديكم زي ما قالك جوزك يا صبا".
هزت صبا رأسها و عينيها صوب نقطة وهمية، تعيد الحديث التي سمعته للتو في رأسها، بينما كارين رددت بحزن و عينان يفيض منهما الشوق أطناناً:
"تصدقوا إن يونس واحشني أوي، بس كل ما أفتكر السحلية اللي متجوزها عليا دي، ببقي نفسي أطبق في زمارة رقبته لكن ما بيهونش عليا، أصلي بحبه بجنون، اه منك يا ابن چيهان و الله كل ما أشوفك هعلمك الأدب و هربيك من أول و جديد".
انتبهت إلي كل من زينات و صبا ينظران إليها ثم نظرت كل منهما إلي الأخري و إذا بهما ينفجران في الضحك، صاحت كارين:
"أنتم بتضحكوا علي إيه؟".
أجابت زينات من بين ضحكاتها:
"صدق المثل اللي قال هم يبكي و هم يضحك، ربنا يهدي لكم أجوازتكم يا حبايبي و يصلح ما بينكم و يبعد عنكم الشيطان يارب".
رددت صبا بصوت خافت و الحزن يملئ عينيها:
"يارب".
༺༻
في صباح اليوم التالي...
تركت ما في يدها من أكياس مليئة بالطعام و كل ما تحتاج إليه، حيث جلبها إليها العم صابر منذ قليل و تركها و ذهب إلي عمله حتي لا يثير الشكوك أكثر لا يعلم إنهم يراقبونه مثل ظله.
جلست بجوار صغيرها، أمسكت شطيرة و تمد يدها بها إليه:
"طب خد كُل دي عشان خاطري".
هز رأسه برفض عاقداً ساعديه و الحزن يغزو ملامحه، قال لها:
"حمزة مش عايز ياكل".
تركت الشطيرة داخل الصحن و ألتفت إليه لتسأله:
"ليه يا حبيبي، ده ساندوتش الجبنة اللي أنت بتحبه، طيب نفسك فيه إيه و هنزل أجيبه ليك حالاً؟".
نظر إليها ثم احتضنها بذراعيه الصغيرين قائلاً:
"حمزة نفسه يرجع الشقة، هنا وحش".
بادلته العناق و أخذت تربت عليه:
"حبيبي يا بني و أنا و الله زيك، بس نعمل إيه، لو رجعنا بيتنا الناس الوحشة ممكن تيجي تخطفنا تاني، لكن هنا أمان".
أبعدت رأسه لتنظر إلي وجهه و ابتسمت:
"حمزة ولد شجاع، و هايسمع كلام ماما و يخلص الساندوتشات دي كلها و يشرب اللبن، عشان تجيب له لعب كتير، يلا بقي وريني يا بطل هاتعمل إيه".
ابتسم و تناول الشطيرة ثم أخذ يقضم منها قطعة تلو الأخري
صدح رنين جرس الباب فنهضت قائلة:
"بالتأكيد عم صابر نسي حاجة".
ذهبت و فتحت الباب فتحولت ملامحها من الهدوء إلي الخوف و الذعر!