رواية القلب أخضر الجزء الثانى الفصل الثالث عشر بقلم رباب عبد الصمد
قال لها هامسا / هل ادركك الخوف ؟
ليلى بسرعة / نعم خفت من ظلامه الدامس فليس هناك ولو مجرد شعاع نور يهدينا للطريق ولكنى لم اخف كونى معك بمفردى
قال / اذا هل تسمحى لى بان ازيل رهبتك من الظلام
ليلى / كيف
مد يده وحاوطها من كتفها فصارت هى تحت كتفه ملاصقة لصدره وتحت راسه فسمعت دقات قلبه النابضة بالحنان
كان كلاهما يشعر ان ما يفعلانه قد يكون لحظات مسروقة محرمة عليهم لانها ليس بحلاله ولكنهما كان يتصرفان بحالة من اللاوعى فكلاهما كان متعطش للحظة حب صادقة ظل يبحث عنها ولم يجدها الا عندما قابل كلا منهما الاخر
ليلى على الرغم من حياءها الا انها فقدت صواب عقلها وتركت لاول مرة لقلبها العنان لكي تعيش لحظات جميلة قد لا يمهلها الزمن لان تعيشها مرة اخرى
اما ايوب فهو رجل وحياته كانت خشنة بطبيعتها وخالية من اى حب او حنان ولكن عندما دق قلبه كان كالمحروم من الطعام او الصائم عند فطوره فقد كان ملهوفا اكثر منها لان يشعر بان هناك انثى تعشقه ويعشقها
ظل كلا منهما يحدث نفسه بما يشعر به من سعادة وقد اصبح كل منهم يسمع دقات قلب الاخر ويسمع صوت شهيقه وزفيره وكم كانت لحظات جميلة تنطق بحب صادق على الرغم ان كلاهما لم يبوح بمكنون قلبه للاخر
فجاة توقف ايوب عند نقطة ما يشع عندها بصيص ضوء كضوء شمعة صغيرة جدا واوقفها امامه واخذ نفس عميق قبل ان يبدا كلامه
بينما هى كانت فى حالة اخرى لا تعى شيئا ولم تعد قادرة على توقع ما سيفعله هو فالموقف برمته غريب عليها
ايوب / ليلى هذا كهف العشاق يدخل فيه كل عاشقين ويخرجان من البوابة الاخرى وهما قد اتفقا على ان يكملا حياتهما معا فيعد كلامهم هنا بمثابة ميثاق دينى فهذا الكهف يعتبره اهل تلك الدولة بل معظم دول اوروبا بمثابة مكان مقدس لا يجوز فيه الكذب والا كما يظنون هم ان الكهف سيكشف كذبهم فلا يتخطاه اى اثنين الا وعاشا معا للابد تنفيذا لميثاقهم هنا فى هذا المكان اما ان خاف ايا منهم من ظلام الكهف فهذه علامة على عدم مقدرة الاخر فى حمايته فعند تلك النقطة يفترقان ا وان كان ايا منهم يمثل الحب ولا يكن فى سريرته ان يتمه بالزواج انكشف هنا امره
كان يقص عليها حكاية الكهف وهى فى حالة اخرى فهى تقريبا قد انصهرت بين يديه من فرط سعادتها فهى الان تاكدت انه يعشقها فقالت بسرعة مقاطعة لكلامه / وانا ايضا قلت لك انى لست بخائفة منك اليس كذلك
ضمها لصدره وقال / كنت فى غاية السعادة وانا اسمعها منكى ولكن من الان عليكى ان تسمعينى جيدا لنتعاهد على ما سنتفوه به هنا فى هذا المكان واعلمى انه سيشهد علينا وعلى حبنا فى كل لحظة فهذه النقطة التى نقف عندها الان هى بمثابة نهاية الكهف وبداية عهد جديد بيننا .. عهد بين قلبينا وحبنا وعليكى ان تدركى اننا على حافة الواقع ولنا احلامنا التى نخشى عليها من وعكة الامل فاكنميها صمتا وسطريها حبرا واودعيها ربنا فهو الكفيل بها وحريصا علينا وعليها
همست وهى تحت راسه / حبنا ؟
ابعدها عن صدره حتى صارت امامه مرة اخرى وهو ممسك بكتفيها / نعم يا ليلى انا احبك بل اعشقك وكم قاومت حبى لكى حتى لا ابوح وكم ذكرت نفسى بانكى ابنتى حتى احيل بين قلبى وبينك ولكن ابا دمى الذى يجرى فى عروقك الا ان يسمعنى دقات قلبك فعرفت انك تحبينى
ليلى بخجل / حقا انا احبك
ايوب / اعرف يا ليلتى عرفت من اول مرة رايت فيها لمعه عينيك التى لم اراها تلمع الا لى وتاكدت وانا ارى غيرتك على وانا مع نهال
يومها كنت اود ان اضمك واصرخ عاليا لاعترف لكى بحبى وانه لا داعى للغيرة قلبى لكى وحدك ولكننى لم اجروء
ولكن كل يوم تختلط دماءنا اكثر لتعلن على اندماجنا معا فرايت قلبى لا يقوى على التحمل
ليلى / ولما عذبت قلبك وعذبتنى معك الم تعرف انى لم اكن فى حاجة الى هذا الكهف وكان يكفينى ايماءة منك بحبى ؟
ايوب / قلت لكى ان هذه كانت امنيتى ان اخطو هنا وانا معى من اتمنى ان اكمل حياتى معها هذا من ناحية ومن ناحية اخرى انتى تحتاجى اكثر من هذا يا ليلتى فاى ايماءة تلك التى توفيكى حقك
ليلى / ان كنت تتكلم عن الحقوق فانا المدانة لك
وضع اصبعه على شفاها حتى لا تكمل وقال / لسنا هنا لتحديد من له الحق والواجب ومن دائن ومن مدين نحن هنا لنكتب وثيقة حبنا فهل ترضى بى شريكا لحياتك القادمة
قلبى هواك وفيك الروح هائمة
عمرى فداك ونبض القلب مشتعل
ما كنت قبلك اعلم للهوى طريق
حتى اتانى هواك بالقلب يتغلغل
متيم انا فى هواك ومغرم
واقولها من داخل الاعماق عالية
بان ما يجرى باوردتى وشريانى
هو حبك الذى بالدم يتبدل
دمعت عيناها بفرحة وقالت بصوت متقطع من بكاء الفرحة / هل هذا يحتاج الى سؤال وعموما ان كنت تحتاج الى اجابة اسال قطرات دمك التى تجرى الان فى اوردتى لتحدثك عن حرارة قلبى وعن اجزاء جسدى التى تناديك بالا تتركنى ابدا
لم يبتسم لموافقتها وظل جادا فى كلامه واستطرد / اسمعينى يا ليلتى انا على شفا الاربعين ومثلك تبحث عن الحب وتود ان تعيشه بكل جماله خاصة بعد ما قد قاسيتيه فى حب كاذب واخشى ان تنفرى منى ولكنى اعد ك الا اجعلك تندمينى على مشاركتى الحياة والاهم ان تسحبينى انتى من حياة الوحدة بين امواج المحيط
جاء دورها لتطمانه فرفعت كفها واحتضنت وجهه ولاول مرة يشعر هو وكانه بين احضان انثاه التى حلم بها دوما . شعر بحنانها . شعر بانه اخيرا قد امتلك الحب بين اضلعه . شعر بحرارة كفها التى توحى بحرارة حبها
بينما هى ابتسمت له وقالت / الحياة ليست بالكلمات ولا الحب ايضا ياتى بالكلمات الحب مثل الحياة ان لم يكن هو الحياة نفسها
قال ايوب مقاطعا / ولكن احذرى فان هناك من يرى ان الحب حياة وهناك من يراه اكذوبة الحياة وكلاهما صادق ولكن الاول وجد فى الحب حياته والاخر فقدها
ليلى / لا يهمنى راى ايا منهم لانى اراى الحب فيك ومنك وانت وحدك تكفينى ومنك قد امتلا القلب واكتفى
ابتسم لها فكم اروته كلماتها بينما استطردت هى كلامها قائلة / الحب مواقف كما الرجولة مواقف . الحب مبادىء قيمة يسير عليها الشريكين فكم من شريكين لم يبدئا حياتهما بحب ولكنهم نهوها بحب لانهم عرفوا الحب من اقترانهم معا فكونوا مبادئهم معا حتى صارا كلاهما ذائب فى الاخر الحب رغبة ونشوة ولكنه ليس رغب وفى فراش او نشوة لعلاقة انما رغبة فى ان يكمل كلا منهما حياته مع الاخر دون غيره نشوة حنان لا يجدها ايا منهما الا مع الاخر وانت اعطتنى فى ايام قليله ما بحثت انا عنه فى اعوام فيكفينى اننى اشعر الان اننى بين رجل بكل معانى الكلمة والرجولة وحدها تكفينى فمن يعرف الرجولة يعرف كيف يعامل انثاه وهذا ايضا يكفينى
صدقنى يا فهدى لم يعد يهمنى ان اعرف اسمك الحقيقى ولا حتى لقبك وما يهمنى هو شخصك فكم حلمت بك وانا فى غرفتك وعلى فراشك اتنعم بعطرك وكنت اظننى اهوى سراب ولكنى تماديت فلم استخسر فى نفسى حتى التمنى والان بعد ان تحولت الامنية لحقيقة بين يدى هل لازلت تسالنى وتحتاج منى لجواب
اهيم واسبح بين السراب وبين التمنى
وصوت حنون وقلبا اسرنى
شعور غريب كانى فراشة تطير وتغنى
ما كنت ادرى انها قد تملكت منى
وقد غرقت فى بحر هواها رغما عنى
اتسعت ابتسامتها وقالت / لن اكون كاذبة ان قلت اننى شعرت باننى ابنتك واختك وزوجتك ايضا كما شعرت بامومتى نحوك بقدر ما اشعرها نحو جنينى الذى بدوره تغذى بدمك
لقد جمعت لى كل صفات الانوثة فى قلبك وحنانك فهل هذا يحتاج بعده لكلمات حب
لا والله فكم من منافق سطر ابياتا شعرية وقلبه خاليا من اى مشاعر نقية ثم اننى سعيدة بقلبك الاخضر الذى اسكنه وحدى وانا مطمئنة فكم كنت مخطئة حين احببت طاووسا للنساء ويا ليتنى كنت اعرف ان قلب الفهد ينتظرنى
ايوب / اسمعينى يا ليلتى كم اسعدنى كلامك ولكنه كما اسعدنى فانه ايضا اخافنى فشعورك نحوى بهذا القدر من المشاعر اكد لى انكى ستخوضين حربا مع اهلك لاجل الموافقة على وانا بدورى ساحارب مثلك ولكن هناك نقطة فاصلة لا استطيع ان اساعدك فيها وهى نقطة اصرارك على حبك الذى قد اقتنعتى به يوما سيكون لك وحدك القرار فاما ان تقفى ضد التيار وتصمدى واما ان تستسلمى وهذا ما يخيفنى
قالت بسرعة / لا تخف ساصمد وساحارب عن حبى ولن استسلم كما استسلمت سابقا فابى هو من ظلمنى اولا ولكنى لا اتركه ليظلمنى ثانيا
صمتت و ترددت لحظة ثم قالت / ولكنك لم تتزوج من قبل اما ان ثيب ومن حقك ان تختار من هى مثلك و...
وضع كفه ليمنعها ان تكمل ما تتفوه به ثم نظر مليا لها ومد يده واحتضن وجهها ثم ضمها لصدره حتى اختلطت انفاسهم بدقات قلوبها ثم قال / قلت لكى انتى سعادتى التى تمنيتها يوما ولا يهمنى ان كنتى بكرا او ثيب ولكن يهمنى انتى بذاتك صمت مرة اخرى وعينيه مملوءة بالرغبة فيها ثم قال / الان نستطيع الخروج وقد عقدنا ميثاقنا
خرجا معا من البوابة الاخرى وهم بوجه جديد فعلى الرغم ان المسافة بين بوابة الدخول والخروج لا تتعدى امتارا قليلة ولكن ما بينهما حمل مواثيق عشاق وبداية حيوات سعيدة
ما ان خرجا من البوابة وهما متشابكى الكفوف الا واستقبلتهما عرافة تجلس على بوابة الكهف
حاولا ان يتعداها لايمانهم انها كاذبة ولكنها استوقفتهم بكلمة غريبة نطقتها
فما ان تركوها وتخطوها بخطوات قليلة الا انهم سمعوها تقول لليلى / انتبهى يا بنيتى فستاتى الى سماءك نجمة داكنة وستعكر حياتك ولكن اجعلى قلبك الاخضر يقاومها لاجل ذلك القمر واشارت الى ايوب
ابتسم لها ايوب وولم يعر لكلامها اى اهتمام وهم بان يسحب ليلى من كفها الا انها استوقفته وسالت العرافة وقالت / كنت اعلم ان النجمة الداكنة دليلى الجمال والبريق
ابتسمت العرافة وقالت / حقا يا بنيتى انها نجمة براقة تتوهج وتضىء ما حولها حتى تصير بين النجوم وكانها الوحيدة التى تزين السماء ولكن عليكى ان تتذكرى انك عاهدتى ميثاقك مع القمر الذى هو بالف نجمة داكنة
انقبض قلب ليلى وقالت / وهل ستاذينى تلك النجمة ؟
ابتسمت لها العرافة وقالت قلت لكى انها ستعكر سماءك ولكن كيف تؤذيكى وانتى قد عاهدتى القمر
ليلى بقلق / هل سيؤذى بسببى القمر
العرافة وهى تبتسم بحنان لتطمئن ليلى / القمر يظل قمرا وحيدا يتوسط السماء ومهما تباهى البشر انهم صعدوا اليه ولكنهم لن يستطيعوا ان يتباهوا ابدا انهم صاروا مثله فاطمانى ولكن لن اكذبك القول بان سماءك ستتعكر ولكن كل ماء عكر يصفو ان تركناها ليهدا
ضاق قلب ليلى ودمعت عيناها فسحبها ايوب فى رفق لانه كان اكثر علم ومعرفة بكلام العرافة ويعلم ما وراء كلامها ولكنه لم يرد ان يخيفها فقال بهدوء / هيا يا ليلتى
استسلمت له ومشت معه ولكنها كانت متوترة فشد هو على يدها وقال / انتى مؤمنه وتعرفين ان دينك نهاك عن اتباع امثال تلك العرافين
ليلى بدموع / انا لم اتبعها من البداية ولكن استوقفتنى كلمتها فماذا تقصد بالنجمة الداكنة ولما ستعكر سماءى وكيف ستعكرها و....
قاطعها هو ليهدا من روعتها وقال / اهداى يا ابنتى العزيزة فانا معك ولن اتركك وتاكدى ان وجد ما يعكر صفو حياتك فانا له
نظرت له وقالت بثقة / اعلم ذلك فانا قد عاهدت القمر
ضحك عاليا بصوت جهورى وقال / اذا انا القمر المقصود فى كلام تلك العرافة
ليلى / نعم واكاد اجزم لك بذلك
ايوب / اممم الا تخافين ان اغتر بكونى القمر
ليلى بابتسامة وبمرح قالت / ان وجب الغرور فهو لى لانى فزت بقلب القمر
ضحك اكثر وحاوطها من خصرها ثم قال / اذا هيا بنا الان يا زوجة الفهد والقمر فلدينا مشوار اهم منى ومنكى
ليلى / اى شىء هذا اهم منك فى حياتى
اشار الى بطنها وقال / اهمم نكى ومنى هو ابنى وابنك
سرحت فى الكلمة وقالت بهمس / ابنك ؟
ايوب / نعم هل لديكى مانع ؟
ابتسمت فى سعادة وقالت / هذا شرف لى وله
