رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الحادي عشر 11 بقلم دينا جمال


 رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الحادي عشر 


وقفت تنظر إليه وهو يضحك مدهوشة مما يفعل .. رأته يتحرك للخارج لتسرع إليه ، أمسكت كف يده ليلتفت لها .. انتفض ينزع يده من يدها ، أما هي فابتسمت له تحرك رأسها ترفض ما يقول تحادثه :

-أنت مش كدة يا رعد ، أنت ما قبلتش تمسك ايدي حتى ... ما تعملش حاجة عكس طبيعتك ، عشان تثبت لوالدك أنه كان غلط ، أنت نضيف جدااا يا رعد ما تحاولش توسخ نفسك اسمع مني

رغم أن كلامها أخمد ثورة غضبه قليلا ألا أنها مخطئة تماما ، تخبره أنه نظيف لأنه رفض أن تلمس لا تعلم أنه يرتكب ما هو أكبر؛ لأنه معها تحت سقف واحد والباب مغلق عليهم ... أعطته ابتسامة صغيرة لتغمغم سريعا :

-أنا عارف أنك متضايق عشان أنا وأنت لوحدنا ، بص أنا هعملك حتى كوباية عصير لأنك ما كلتش حاجة من الصبح زي ما قولتلي وامشي بعدها ولو إني مش عارفة أنت هتمشي دلوقتي تروح فين ، اقعد يا رعد واهدا

ابتسمت له ومن ثم تحركت للداخل تفكر شاردة حزينة فيما سمعت منه ، ذلك الفتى لاقى الكثير في حياته ، ترى ما سيكون رد فعله إذا علم أنها أيضا تخدعه ، تنهدت بعنف تحمل كوب ماء حين فتحت المبرد خافت أن تلك الزجاجات تحتوي على المخدرات وهي لا تعلم ، وهي لن تخاطر وتؤذيه يكفي ما هو فيه على كل حال ، وكان الحل الأمثل التقطت الكوب الفارغ تفتح صنبور المياه تضع المياه فيه ومن ثم بحثت عن علبة السكر والليمون ، كوب عصير ليمون يدوي سيكون أكثر من جيد ، وضعت معلقتي سكر وقبل أن تفعل شئ آخر وصل رسالة إلى هاتفها ، فتحتها لتجد ذلك الوغد أرسل لها ( جاسر مهران تحت العمارة ما تخليهوش يشوفك ، اخرجي من باب المطبخ على الباب اللي ورا ، بسرعة يلا) 

أصفر وجهها ذعرا التفتت تنظر صوب الصالة لترى رعد ينكس رأسه لأسفل يخفي وجهه بين كفيه ، تسللت على أطراف أصابعها إلى باب المطبخ الخلفي تفتحه بحذر ، انتفضت حين سمعت دقات عنيفة على باب المنزل لتسارع تفتح باب المطبخ ... خرجت منه تغلقه خلفها تركض على السلم لأسفل نظرت حولها حذرة قبل أن تهرب بعيدا نزلت لأسفل وقفت بعيدا تراقب تلك السيارات الضخمة التي وقفت تحاوط المكان

أما بالأعلى فصوت الطرقات العالي جعله يقطب جبينه متعجبا ، تحرك من مكانه صوب الباب يفتحه لتشخص مقلتيه حين رأى أبيه يقف أمامه ، في تلك اللحظة لم يفعل شئ سوى أنه نظر خلفه صوب المطبخ حيث من المفترض أن توجد طرب بالداخل ، لم يكن قلقا سوى عليها ... حين عاد ينظر لأبيه احتدت مقلتيه يحاول منعه من الدخول يغمغم محتدا :

- أنت بتعمل ايه هنا ؟ وعرفت إزاي أن أنا هنا ؟ أنت بتراقبني ؟!!

نظر جاسر لفتحة الباب التي تقلصت وتأكد أن ولده يُخفي شئ ما بالداخل فما كان منه إلا أنه تحرك يتقدم دفع الباب بخفة يخطو داخل المنزل ينظر حوله هنا وهناك قبل أن يعاود النظر لرعد يغمغم :

- أنت عارف أنا بدور عليك بقالي كام ساعة ؟! ، عارف حال رؤى عامل إزاي دلوقتي ، شقة مين دي يا رعد وأنت بتعمل ايه هنا ومين معاك ، ما كنتش عايزني أدخل عشان ما أشوفوش 

ابتسم رعد ساخرا يكتف ذراعيه أمامه يتهكم منه:

-أنت ما بقاش ليك أي حق تسأل أو تعرف ، ولو سمحت اتفضل خد رجالتك وامشي عشان أنا مش هاجي معاك ، ولو كان على ماما فأنت شوفتني أهو 

أقترب جاسر منه وقف على بعد خطوة واحدة منه يهمس له محتدا :

- أنا مش هتحرك من هنا خطوة واحدة غير وأنت معايا ، فالأفضل تيجي معايا بمزاجك يا رعد يا مهران

هنا ضحك رعد عاليا ابتعد عن والده يفتح ذراعيه بحركة درامية ساخرة يردف ضاحكا :

- جاسر باشا مهران بيهددني ، بعد كل اللي عمله لسه بيهدد ، وأنا مش هتحرك من هنا خطوة واحدة يا باشا واتفضل بقى عشان البيوت ليها حرمة

جملة رعد الأخير جعلت جاسر يقطب جبينه قلقا ليتحرك في المنزل سريعا وخلفه رعد يصيح فيه:

- أنت بتعمل ايه دا مش بيتك ومش من حقك تفتح أي باب 

لم يعره جاسر انتباها ظل يبحث ولم يجد شيئا ، كاد يصدق أن رعد يقل ذلك ليغظيه فقط حتى دخل إلى المطبخ ورأى كوبي العصير اللذان لم يكتمل صنعهما ، هنا نظر لولده يغمغم محتدا :

-مين كان معاك يا رعد ، ووديتها فين 

نظر حوله هنا وهناك ليرى باب المطبخ الخلفي تحرك إليه يفتحه ينظر لأعلى ولأسفل ولكن لا أحد ، عاد إلى رعد قبض على ذراعه يسأله محتدا :

-مين كان معاك يا رعد 

وكان الرد ابتسامة ساخرة لا إجابة بعدها ، نزع رعد ذراعه من كف جاسر يعود للخلف يشير صوب الباب يغمغم ساخرا:

-لو سمحت اتفضل عشان الوقت اتأخر وعايز أنام 

زفر جاسر أنفاسه بعنف يحاول أن يهدأ ، سيعرف لاحقا كل شئ عن تلك الشقة ومن هم أصحابها الأهم الآن ولده العنيد ، أقترب منه خطوة وأخرى يغمغم مترفقا :

- رعد أنا عارف أنك مخنوق ومتضايق وحقك ، بس ممكن نرجع البيت عشان خاطر والدتك حتى وهعملك كل اللي أنت عايزه ، تعالى معايا يلا 

رفع رعد حاجبيه لأعلى ينظر لوالده ساخرا هل يظنه طفلا صغيرا يسهل خداعه بتلك البساطة 

رفض محتدا :

- أنت فاكرني عيل صغير بتهاودني ، أنا مش هرجع بيتك دا تاني يا جاسر يا مهران أنت فاهم واتفضل بقى اطلع برة 


اومأ جاسر برأسه موافقا ، ابتسم يردف :

- يعني دا آخر كلام عندك 

حرك رعد رأسه بالإيجاب يبتسم في سخرية ليومأ جاسر موافقا من جديد قبل أن يلتف برأسه صوب حراسه يغمغم :

-هاتوا رعد باشا 

توسعت حدقتي رعد ذهولا مما سمع لم يكد عقله يعي ما قاله والده توا ألا حين رأى رجلين ضخام الجثة يقفان أمامه ليحدث أحدهما:

- رعد باشا لو سمحت تعالا معانا 

نظر رعد صوب والده يصرخ فيه بعلو صوته :

- أنت كدة بتفرض سيطرتك وجبروتك يعني ، مش هرجع تحت رحمتك تاني يا جاسر يا مهران أنت فاهم ، ابعدوا من قدامي أنت وهو 

نظر الرجلان لبعضهما البعض قبل أن ينظرا إلى جاسر الذي اومأ لهما ليفعلا ما قال !!


بالأسفل وقفت طرب قلقة لا تعرف ما يحدث بالأعلى أرادت عدة مرات أن تصعد وتراه وتطمأن عليه ولكن خوفها على شقيقتها منعها ، طال الوقت وهي لا تزال مكانها ، لتلاحظ حركة وتسمع صوت رعد الغاضب اختبئت خلف الشجرة الكبيرة بالكاد ظهر وجهها تطل على ما يحدث بأعين متسعة مدهوشة رأت رجلين ينزلان وخلفهما ... ذلك هو جاسر مهران إذا الرجل الذي سمعت عنه كثيرا يبدو أكثر رعبا في الحقيقة وصوت رعد الغاضب يقترب شخصت حدقتيها حين رأته يمسك به رجل ضخم الجثة يقيد يديه ، إلى أن وصلا لباب السيارة المفتوح دفعه للداخل ... لتضع يدها على فمها تكبح شقتها ، رعد أخبرها أن والده قاسي ولكن لم تتخيل أن تصل قسوته حتى يقيد ولده ، دخل جاسر السيارة جوار رعد قبل أن تتحرك بهما بعيدا وهي تقف تراقب من بعيد والدموع تملئ حدقتيها 

_________

تحركت السيارة رعد يجلس جوار والده يكاد ينفجر من الغيظ على ما حدث قبل قليل ، يشعر بالقهر يرغب في البكاء ولكنه لن يفعل ذلك أمامه ، كم كره شعور عجزه أمام سطوة والده ... قبض كفه يشد عليه بعنف ليسمع صوت والده يعتذر :

- رعد أنا جاسر على الطريقة اللي نزلتك بيها ، بس والله ما بطلتش عياط لحظة من ساعة ما مشيت ، أمك واخواتك مالهمش ذنب ...أنت طيب يا رعد زي رؤى وأنا عارف أنها ما توهنش عليك يا إبني


ما تقولش يا إبني

تلك الجملة الوحيدة التي صرخ بها رعد غاضبا ، قبل أن يلتفت برأسه صوب الشرفة يحاول أن يلتقط أنفاسه يشعر بالاختناق ... أخيرا توقفت السيارة ما أن فعلت فتح رعد الباب المجاور له ينزل منها ، تحرك للداخل يهرول ... لم يكد يدق الباب رآه يُفتح من الداخل لترتمي والدته بين ذراعيه تجهش في البكاء تعاتبه :

- حرام عليك هو أنت كل يوم حارق قلبي عليك ، أنت بتعمل فيا كدة ليه ... دا أنا كنت هموت من الخوف عليك ... شايف إحنا امتى وأنت مختفى من امتى ... دا أنا مصدقتش جاسر لما قالي أنه لاقاك ... ابتعدت عنه تحتضن وجهه بين كفيها تغمغم متلهفة :

- أنت وشك أصفر ليه كدة ، دا أنت صحيت من النوم ما كلتش وأكيد ما كلتش لحد دلوقتي ، ومالك هدومك مبهدلة ليه كدة .. أنت ما بتردش عليا ليه يا إبني ، رعد رد عليا يا حبيبي 


بالكاد استطاعت شفتيه أن تبتسم قبل أن يميل يطبع قبلة صغيرة على جبين والدته يهمس لها :

- معلش يا ماما أنا تعبان وعايز أنام ، نتكلم بكرة ... تصبحي على خير 

وتحرك يتجاوزه سمعها خلفه ترجو أن يأكل شيئا ولكنه لم يلتفت لم تكن له القدرة ليفعل ذلك فقط هرول إلى غرفته دخلها يغلق الباب عليه بالمفتاح من الداخل ليرتمي أرضا جوار فراشه يبكي .. يشعر بالقهر والضعف والغضب 

وصوت خبيث يتسلل إليه يخبره أن يتمرد على كل شئ ليثبت لوالده أنه ليس دمية يحركها كيفما يشاء ، ليحقق أسوء كوابيس جاسر مهران وهكذا يكن أخذ بثأره منه ، يكفي أهانته الآن حين جعل حراسه يقيدونه ويجذبونه قصرا ليكن تحت إمرته رغم أنفه ... هب واقفا يتنفس بعنف يشعر بالغضب يعتريه رغبته تدفعه لتحيطم كل شئ حوله فما كان منه إلا أن أمسك المزهرية الكبيرة يدفعها بعنف إلى الحائط لتتهشم إلى فتات أحدث ضجيجا مدويا جعل رؤى تصرخ مذعورة تهرع إلى غرفته تحاول فتح الباب تدقه بعنف تصرخ فيه مذعورة :

- رعد في اي ، افتح الباب يا ابني ، رعد طب رد عليا طمني أنك كويس 

جل ما حدث أن إضاءة الغرفة انطفأت ... نظرت رؤى صوب جاسر حين ربت على كتفها برفق يحادثها :

-سيبيه يهدا يا رؤى ،تعالي عشان الولاد ما يتخضوش أكتر من كدة 

نظرت صوب غرفة رعد ، تحركت تترك جاسر يقف أمامه ودخلت إلى غرفتهم ارتمت إلى سطح الفراش تولى جاسر ظهرها تنهمر دموعها في صمت وداخلها ألف صوت يأنبها يخبرها بقسوة أنها مذنبة في حق ولدها ، أن رعد ضحية الجميع وهي أولهم ، شعرت بجاسر يدخل إلى الغرفة لتنتفض من الفراش تصرخ فيه فجاءة:

- أنت السبب ، أنت اللي عملت فيه كدة ، رعد ابني عمره ما كان قاسي ، قسيت قلبه عليا 

كرهته في البيت لحد ما بقى بيهرب منه وبيجي بالعافية وأنا كمان السبب لو كنت قولتلك لاء لو كنت رفضت معاملتك ليه من الاول خالص ، لو كنت منعتك أنك تحطمه ، ما كنش كل دا حصل ، منك لله يا جاسر ، منك ____________

 في صباح اليوم التالي في منزل علي وإيمان قرابة السابعة صباحا استيقظت ليان وربما هي لم تنم من الأساس تفكر من ستختار ... شريف شقيقها ، أم جواد بعد أن اعترف أخيرا بحبه لها ، رفعت يدها تغطي وجهها بهما تفكر ، لولا غضب شريف لما كانت في تلك الحيرة وذلك الألم من المفترض أن تكن سعيدة الآن بعد اعتراف جواد لها ولكن هل اعترف جواد لها ؟! 

تنهدت بعنف تفكر تحاول إقناع نفسها أن شريف سيرضى ويسامحها إن اعتذرت له ، الأهم الآن جواد !!! ، قامت واغتسلت وبدلت ثيابها وتأنقت جيدا ... التقطت حقيبتها وخرجت من غرفتها ، ما أن خرجت رأت شريف يخرج من غرفته ، تقابلت أعينهم للحظة قبل أن يشيح بوجهه بعيدا عنها يبتسم ساخرا ، شقيقته العزيزة فضلت ذلك المخنس عليه ... لتتحمل نتيجة اختيارها إذا ... لم ينظر إليها مرة أخرى ، أما هي فشعرت بغصة قوية تضرب قلبها حين رفض شريف أن ينظر إليها ، لما لا يفعل أنه فقط يعاند وما يفعل سيدمر علاقتهما معا ... بالكاد منعت دموعها من الهبوط تحركت للخارج لترى والدتها تقف في الصالة ما أن رأتها بادرت تغمغم تعاتبها :

- كنتي اشتريتي خاطره ولو ليوم ، وأنتِ عارفة أن عصيبته دي كلها خوف عليكِ ، أو كنتي روحتي صالحتيه وأنا واثقة أنه كان هيوديكِ بنفسه لحد الشغل زي ما عمل أول يوم ....من امتى وأنتِ أنانية وما بتفكريش غير في نفسك يا ليان ، علي من صغر شريف من ساعة ما اتولدتي وهو بيعوده على أن أختك تكون ليها أب مش أخ بس ... وشريف عمره ما قصر معاكي ... روحي يا ليان شوفي هتعملي إيه 

وتركتها تتحرك صوب المطبخ لتقف ليان مكانها انهمرت الدموع من عينيها ندما ، ألقت الحقيبة من على كتفيها تتحرك مترددة إلى غرفة شريف ... دقت الباب فلم تسمع منه ردا لتعلم أنه لا يريد الرد ...أدارت مقبض الباب ودخلت لتراه يجلس على سطح الفراش ، يشيح بوجهه بعيدا ، دخلت إلى الغرفة تُغلق الباب ... اقتربت منه تجلس على الفراش جواره تنظر أرضا تفرك كفيها تغمغم متوترة :

- شريف أنا آسفة ما تزعلش مني ، أنا


- أنتِ لولا كلام ماما ما كنتيش جيتي تعتذري يا ليان ... 

غمغم بها شريف بنبرة جامدة باردة يتحاشى النظر اليها ، قبل أن يعلو ثغره لما يشبه ابتسامة يغمغم ساخرا :

- روحي يا ليان ، طالما جواد أهم يبقى اتفضلي روحيله ...

انهمرت دموعها تحرك رأسها للجانبين أمسكت ذراعه لتهشق باكية تردف سريعا :

-لاء يا شريف ما تقولش كدة ، أنا آسفة والله آسفة حقك عليا ، خلاص والله مش هروح الشغل خالص لو مش عايزني أروح ، بس عشان خاطري ما تزعلش مني أنا آسفة 

حاول كثيرا أن يبدو لا مبالايا ، حاول كثيرا إلا ينظر إليها ... إن يقسو قلبه قليلا بعد ولكنه لم يقدر إطلاقا ما أن شعر بها تبكي بتلك الطريقة جذبها لأحضانه يعانقها لتتشبث به تعتذره منه مرارا وتكرارا مد يده يمسح على حجاب رأسها برفق ... إلى أن هدأت فأبعدها عنه يمسح دموعها بحنو ... أمسك ذراعيها بين كفيه يغمغم مترفقا :

-يا ليان أنا خايف عليكِ ، جواد لاء .. أنا مش عايز أقولك أنا عرفت ايه عنه عشان ما تقرفيش منه ، صدقيني مش هو اللي ينفعك. يا حبيبتي عشان خاطري ، جواد مش هو الشخص اللي يستاهل قلبك ، اوعي تصدقيه دا حية بتتلون ب 100 لون 

انقبض قلب ليان لما يقوله شقيقها ولم تصدقه ، في الأغلب هو يقول ذلك لأنه خائف عليها ، اومأت لتطمأنه :

- حاضر يا شريف ، بس صدقني أنا حابة الشغل ، وحابة إني بعمل حاجة، الموضوع مش موضوع جواد بس 

كاذبة ، هو أكثر من يعرفها ... تنهد يحاول أن يرسم ما يشبه ابتسامة على شفتيه يغمغم :

-ماشي يا ليان ، روحي عشان ما تتأخريش على شغلك و8 تكوني هنا ، اكيد ما فيش شغل أكتر من 12 ساعة 

ابتسمت سعيدة لتهب واقفة تعانق شريف قبلته على وجنته تغمغم سريعا :

- حاضر قبل 8 هكون هنا باي يا شيفو 

وهرعت تهرول من الخارج لتختفي ابتسامة يتذكر ما قاله له صديقه بالأمس فقط 

( أنت يا عم شريف جواد ابن خالك دا هيعرك والله ، أنا الشقة اللي قصادي ساكن فيها واحدة أجنبية وشوفته كذا مرة طالعلها ، ومن قريب سمعت دوشة برة بصيت من العين السحرية لقيته صدره عريان وبيجري ورا عيلة صغيرة قول 17 ولا 18 سنة بالكتير والبنت بتصرخ مرعوبة منه ... فتحت الباب بسرعة كانت البنت جريت هربت على تحت وهو دخل الشقة تاني وقفل الباب ، نزلت جري ورا البت بس ما لحقتهاش ، دا عيل قذر ) 

تنهد بعمق ليان تلقي بنفسها في فوهة ذلك المريض وعليه أن يتصرف قبل أن تنالها نيرانه المدنسة وسيفعل ، خرج من غرفته متجها صوب الخارج ليرى باب غرفة نور مفتوحة نظر داخل الغرفة لتشير له نور سريعا ، قطب جبينه يتحرك إليها ليراها ترفع في وجهه كتبت فيها:

- أنا كنت مستنياك من بدري ، في حاجة عاوزة أقولك عليها كل اللي قولتهولك قبل كدة نصه كدب ونصه صح 

ازداد جبينه انعاقدا يجلس على المقعد المجاور لفراشها ليجدها تخرج له ورقة أخرة كتبت فيها :

- أنا أهلي ما كانوش عايزين يجوزوني زي ما قولتلك الحقيقة ، أنا بنت راجل بسيط في قرية بعيدة شبه كبيرة ما حدش يسمع عنها ، علمني لحد ستة ابتدائي وبعدين خرجت من التعليم عشان ما فيش فلوس ، بس أنا بعرف أقرا وأكتب كويس ، لما الحال زنق أوي من سنة قرر أنه يبعيني ... عندنا في البلد راجل بياخد البنات ينزل بيهم عندكوا هنا مصر لأي حد محتاج خدامة ، وعمل كدة ... وحظي جه مع ست غنية وجميلة أجنبية بس بتتكلم مصري 


نظر شريف لما كتبت يقرأه ليعاود النظر إليها يطلب منها أن تكمل حين أمسكت القلم لتكتب من جديد رن هاتف شريف زفر حانقا لتتوسع حدقتيه حين أبصر اسم المتصل فتح الخط يغمغم بنبرة رسمية جادة :

- صباح الخير يا افندم ، تمام أوامر معاليك مسافة السكة وهكون قدام معاليك ، مع السلامة 

أغلق الخط نظر صوب نور يغمغم سريعا :

- لما اجي هنشوف باقي حكايتك الجديدة يا ست نور 

وتركها وخرج سريعا دون أن يعطيها أي فرصة لتُكمل أي شئ ...في حين أغمضت نور عينيها تنساب دموعها حين تذكرت آخر ما حدث وهي تصرخ تتوسل ذلك الرجل ( لا والنبي يا جواد بيه ، أبعد عني ... يا ست هانم ابعديه عني دا أنا أبويا يدبحني لو خسرت شرفي ) !!

_____________

وصلت ليان مبكرة إلى المكتب ، توجهت إلى غرفة المكتب مع زملائها لم تجد هناك سوى شهاب الذي ابتسم ما أن رآها ، قام سريعا يرحب بها :

- يا صباح الفل ، ايه جاية بدري أوي كدة ليه

رفعت كتفيها تغمغم مبتسمة:

- عادي صحيت بدري فجيت ، وأنت جاي بدري ليه

ضحك يعود لمكتبه ، جلس على مقعده يردف مبتسما:

- لاء أنا متعود كل يوم اجي بدري ، أنا بصحى الفجر عشان الحق صلاة الفجر حاضر في الجامع ، وبعدين اجيب الفطار واعمل السندويشات لأختي الصغيرة

قطبت ليان جبينها متعجبة مما يقول جلست على مقعد مكتبها تلتف إليه تسأله :

- اومال والدتك فين 

اختفت ابتسامته شيئا فشئ قبل أن يتنهد يهمس حزينا :

- أنا والدي ووالدتي متوفيين من عشر سنين الله يرحمهم 

شعرت ليان بالإحراج لتغمغم مرتبكة :

- أمين يارب العالمين ، أنا آسفة بجد لو ضايقتك 

رفع وجهه له وابتسم لتظهر غمازتي وجهه يحرك رأسه للجانبين يغمغم:

- لا أبدا ، المهم يا ستي ... بما إني شخص رغاي خليني اكملك أنا الوسطاني في قبلي حنان أختي الكبيرة متجوزة من خمس سنين ، ربنا قدرني الحمد لله وجبتلها أحلى جهاز ومتجوزة دكتور محترم وعندها شهاب صغير سنتين دا حبيب قلب خاله دا ، فاضل مين بقى 

الشغنونة آخر العنقود اللي جت على كبر ، تقريبا كانت محاولة فاشلة من أهلي أنهم يدخلوني الجيش ، الأستاذة بصارة قصدي سارة في خمسة ابتدائي بس تحسيها أرملة بتجري على سبع يتامى فظيعة 

ضحكت ليان على ما يقول لا تصدق أن ذلك الشاب يحمل على عاتقيه كل تلك المسؤولية الكبيرة :

- طب وأنت بتاخد بالك منها ، أنا أعرف أنك بتتأخر أوي في الشغل

اومأ برأسه يعلو ثغره إبتسامة صغيرة يغمغم :

- ربنا ما بينساش حد يا ليان ، أختي ساكنة في الشقة اللي قصدانا ، والله لما كانوا بيدوروا على شقة الجيران اللي قصادنا كانوا بيهاجروا وعرضوا الشقة بسعر كويس وجوزها اشتراها وكان مرحب جداا أنها تكون جنبنا عشان تخلي بالها منا ، فبصراحة يعني حنان شايلة معايا كتير ، ربنا يباركلها ... المهم تفطري معايا حنان عملالي ساندويشات كتير أوي تقريبا ليا ولأصحابي 


ضحكت ليان عاليا ، ذلك الشهاب حدسه الفكاهي رائع حقا ... ليخرج من حقيبته حقيبة بها الكثير من الشطائر حقا اقترب بمقعده 

من مكتبها ، فتح الشطائر يغمغم مبتسما:

- يلا مدي ايدك لقمة هنية تكفي 300 ، هي تكفي 300 فعلا ايه كل الأكل دا ، إحنا ناكل ونطلبنا كوبيتين شاي من البوفية عشان نعرف نشتغل بضمير ، بصي بقى يا ستي عندك جبنة وبيض بالبسطرمة عشان أنا بحبه ، بصي أنتِ عندك حاجات كتير ، يلا مدي إيدك

ولسبب ما لم تشعر ليان بالإحراج ربما بسبب طريقة كلامه المرحة المريحة ، مدت يدها تلتقط أحد الشطائر تشاطره في الأكل 

في تلك الأوقات وقفت سيارة جواد أمام مكتبه ، يعرف أن أغلب الموظفين لن يكونوا هناك لا تزال هناك ساعة على موعد بدأ العمل ، إذا لما يسمع صوت ضحكات تأتي من داخل غرفة مكتب المهندسين ... تحرك لهناك ليقف عند باب الغرفة المفتوح ينظر للمشهد اما من يبتسم ساخرا يكتق ذراعيه أمام صدره ، ذلك الأحمق منذ أن رآه بالأمس وشعر أنه سيكون عائق أمامه، عائق سيجعلها هي من تزيحه جانبا ، حمحم ليجذب انتباههم يغمغم ضاحكا :

- طب ما فيش فطار ليا معاكوا ولا ايه 

قام شهاب ابتسم مجاملا يردف:

-طبعا يا باشمهندس اتفضل دي حاجة بسيطة

نظر جواد بتعالٍ إلى الطعام ليومأ برأسه التوت شفتيه يتمتم ساخرا بنبرة تعمد جعل شهاب يسمعها :

-هي حاجة بسيطة فعلا

ومن ثم علا بصوته يوجه حديثه لليان :

- ليان حصليني على المكتب ، في حاجات مهمة عايزك تعمليها في الشغل 

ابتسمت ليان سعيدة تحرك رأسها بالإيجاب سريعا ، اعتذرت من شهاب تتحرك مهرولة خلف جواد ليحرك شهاب رأسه يبتسم يائسا يتمتم:

- المشكلة يا ليان أنك طيبة ، ودلقتك عليه دي ، هتخليه يلعب بيكي الكورة 


أما ليان فدقت باب مكتب جواد ، فتح لها هو الباب يجذبها للداخل ، ما أن باتت داخل غرفة مكتبه ، الصق ظهرها بباب الغرفة المغلق ، يقبلها !! توسعت حدقتي ليان ذهولا ما أن فعل ذلك حاولت دفعة ولكنه لم يبتعد ، انهمرت الدموع تُغرق وجهها ليبتعد عنها في تلك اللحظة لم يتركها بل جذبها لأحضانه يعانقها بقوة يهمس لها منفعلا من بين أنفاسه اللاهثة العنيفة :

- أنا آسف ، أنا آسف ... أنا غيرت ، غيرت أوي ....ما استحملتش اشوفه قاعد يهزر معاكي ، أنا بحبك يا ليان بحبك أوي يا حبيبتي 


يحبها !! هل أعلنها صراحة الآن ؟! هل قال قبل لحظات أنه يحبها أم أنها تتوهم ، ولكنه يعانقها إذا هي لا تتوهم ، فوضى بعثر بها كيانها جعلها تنسى حتى ما فعل ... احتضن وجهها بين كفيه يغمغم متضايقا :

- ما تخليهوش يتكلم معاكي يا ليان ، أنا بتضايق أوي لما بشوفه جنبك ، عشان خاطري ابعديه عنك 

وكأي حمقاء مغيبة حركت رأسها توافق ما يقول فما كان منه إلا أنه أمسك كفيها يطبع قبلة رقيقة للغاية على سطح كل منهما يحادثها مبتسما :

- روحي يا حبيبتي شوفي شغلك ، عشان أنا عازمك على الغدا النهاردة 

حركت رأسها بالإيجاب يكاد قلبها يتوقف من الفرح ، خرجت من الغرفة تكاد تلامس الغيوم تطير عاليا في سماء العشق الزائف لتقابل اماندا تتحرك لتدخل مكتب جواد ، القت عليها اماندا نظرة ساخرة وتركتها تكمل طريقها ، دخلت غرفة جواد تصفع الباب في وجه ليان 

رأته يجلس على الأريكة يغمض عينيه ابتسمت تتحرك إليه جلست على أحد ساقيه تداعب أزرار قميصه بأصابعها الطويلة ليفتح جواد عينيه قطب جبينه يسألها :

-لقيتيها 

تأففت أماندا حانقة تغمغم محتدة :

- لاء جواد اختفت ، أين ليه تدور عليها أوي كدة 

شردت عينيه ولم يجب ، ماذا يقول تلك الفتاة الغريبة هي الوحيدة التي شعر بقلبه يدق معها ، يشتاق إليها ، هو في أغلب تقدير أحبها 

نظر صوب اماندا ، احتدت حدقتيه يغمغم مغتاظا :

- اماندا أنا لحد دلوقتي مش عايز احاسبك على الغلطة اللي عملتيها ، لما كنتي عاوزة الزفت البودي جارد يعتدي عليها ومفهماها أن اسمه جواد !!

____________

صباحا في منزل جاسر مهران الجو مشحون بالتوتر للغاية ...يجلس على طاولة الطعام مراد ويوسف ومريم والصغيرين والباقي لا أثر لهم الحاضرون يجلسون في صمت ينظرون لبعضهم البعض بلا كلام حتى مراد يجلس صامتا للغاية ، لم ينطق سوى بجملة واحدة وهو يسأل يوسف :

- هو الدرس الساعة كام 

رفع يوسف وجهه عن الطبق يغمغم بنبرة خاوية:

- بعد ساعة بس أنا مش هروح ، أنا تعبان ومش قادر أروح ودي حصة مراجعة ، مريم كانت هتروح ابقى خدها معاك ، يادوب تلحقوا 

ابتسم مراد داخله سعيدا هو ومريم بمفردهما ، ربما يخطى بالفرصة ليتحدث معها في حوار طويل، قام مراد عن مقعده ينظر صوب مريم التي تتحاشى النظر إليه يغمغم :

- يلا يا مريم 

اومأت برأسها بالكاد فعلت من توترها ، لتتحرك خلفه ... جلس مراد جوار السائق وهي بالخلف بمفردها تحتضن حقيبتها ... ما إن خرجت السيارة من محيط المنزل مال مراد برأسه إلى السائق يهمس له بالكثير ، وهي لا تفهم ما يحدث ، جل ما حدث أن السائق ابتسم وأدار محرك السيارة ليذهب لطريق آخر غير الطريق التي تعرف يجب أن يذهب !


أما بالداخل فچوري تقف أمام غرفة رعد تدق بابها بعنف تحادثه محتدة :

- افتح الباب يا رعد والله لو ما فتحته ما هتكلم معاك تاني أبدا ، رعد افتح الباب 

فتح رعد الباب لها لتتسع حدقتي چوري حين رأته ؟؟

أما خارج المنزل في الحديقة وقفت سيارة حمراء رياضية ، فُتح بابها لينزل أولا حذاء ذو كعب رفيع يليه سروال من الجينز الضيق للغاية تعلوه سترة ضيقة وخصلات شعر تتضايق صفعت باب السيارة لتتحرك للداخل ، دقت الباب ننتظر من يفتح ... تحرك يوسف يفتح لها الباب ، لتتوسع حدقتيخ ذهولا ما أن رآها يغمغم مصعوقا :

- خالتو ؟!!

صمت ... لن تسمع هنا سوى صوت الصمت ، لن ترى سوى أعينهم المتسعة ونظراتهم المدهوشة المستنكرة صوب تلك الفتاة التي تقف في منتصف الصالة تبتسم لا مبالية بما أحدثت ، يوسف رؤى وجاسر ثلاثتهم لا يصدقون ما يرون أمام أعينهم أتلك هي فاطمة أم أنها فتاة أخرى وهي فقط تشبهها ما الذي حدث لفاطمة الصغيرة لا يصدق أي منهم ما يراه أمام عينيه

إلى أن قررت فاطمة نفسها أن تكسر ذلك الصمت حركت انظارها بين ثلاثتهم تغمغم بابتسامة واسعة :

- هاي عليكوا

نظرت رؤى لشقيقتها مدهوشة مما ترى وتسمع لتصيح فيها غاضبة :

-فاطمة ايه اللي أنتِ عملاه في نفسك دا

تبعها جاسر الذي يقف هو الآخر لا يعي ما بحدث هدر صوته يصيح فيها :

- طمطم أنتِ اتجننتي ايه الهباب دا ؟

تجاهلت فاطمة شقيقتها ونظرت لجاسر زوج شقيقتها وشقيقها الكبير جاسر يكبر عاصم نفسه سنا ، ابتسمت تكتف ذراعيها أمامها تغمغم ساخرة:

- جاسر حبيبي Calm down ، ولو سمحت ما تزعقليش أنا مش طمطم الصغيرة اللي مستنية الشوكولاتة ، أنا كبرت وعارفة أنا بعمل ايه

أحمر وجه جاسر غضبا نظر صوب رؤى ليراها تنظر صوب شقيقتها مصعوقة الدموع تملئ عينيها تضع يدها على فمها تحرك رأسها وكأنها ترفض ما ترى وتحاول حذفه من أمام عينيها ، فما كان منه إلا أن اقترب من فاطمة قبض على رسغ يدها يهزها بعنف يصرخ فيها :

- أنتِ كبرتي واتهبلتي ، ايه البنطلون المقطع دا وفانلة ولا قميص ولا نيلة معري نص بطنك 

قاطعته قبل أن يكمل تنزع يدها منه تنظر له محتدة قبل أن تصرخ فيه :

- والله أنا حرة ، أنت مش واصي عليا ، ما حدش فيكوا واصي عليا أنا عندي ٣٣ سنة مش عيلة صغيرة هتضربوها على أيديها لما تغلط 

هنا انهمرت الدموع من عيني رؤى لا تصدق ما يحدث ، كارثة تلو الأخرى أولا رعد وما حدث بينه وبين جاسر والآن شقيقتها الصغيرة ، صحيح أن فاطمة لاقت الكثير في الفترة ولكن لم تتوقع أن يصل بها اليأس لتلك الدرجة:

- أنا مش مصدقة اللي أنا شيفاه واللي أنا بسمعه منك

التفت فاطمة إلى شقيقتها التي تقف تبكي تنظر إليها متحسرة ، لتتحرك الخطى إليها وقفت أمامها تبتسم ساخرة قبل أن تردف:

- لاء صدقي يا رورو أنا خلاص بقيت واحدة تانية فهمت صح ، ما أنا طول عمري بصلي وبصوم وبدعي وفي الآخر خسرت كل حااااجة

قطب جاسر جبينه هل يعقل أن ما حدث لها هو السبب ، صحيح أنها عانت ولكن لم يتخيل أن يكن رد فعلها هو ذلك التحول المخيف نظر إليها يغمغم محتدا : 

- يمكن لأنه اختيار من ربنا مثلا 

التفتت برأسها إليها تغمغم بابتسامة باهتة :

-اعتبرني سقطت فيه و...

وقبل أن تردف بحرفٍ آخر قاطعها صوت يوسف من خلفها وهو يقرأ آيات من القرآن ، بصوته الهادئ 

-( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ( 11 ) ) دا كلام ربنا يا خالتي

رجف جسد فاطمة بالكامل حين استمعت للآيات ولكن في اللحظة التالية تذكرت جل ما حدث من صفعة تلتها الأخرى كم تفنتت الحياة في تدميرها وهي لم تؤذي أحد قط ، لما يجب أن تُعاقب وهي لم تذنب من الأساس ، التفتت بكامل جسدها صوب ابن شقيقتها يوسف ذلك الشاب لم تلطمه الدنيا بعد ابتسمت تغمغم بنبرة خاوية فارغة من أي حياة :

-أنا بردوا كنت بقول زيك كدة ، كنت بقول إني لازم أصبر لازم ... بس ليه ، ليه أصبر على بلا وأنا ما عملتش ذنب أصلا ، أنا ما عملتش حاجة يا يوسف عشان اتعاقب كل العقاب ، واللي آذوني عايشين حياتهم وكويسين مبسوطين وأنا اللي اتدمرت وخسرت كل حاجة ، أنت لسه صغير يا يوسف لسه الدنيا ما ورتكش هي قد ايه ظالمة !!!


أما بالأعلى ما أن فتح رعد الباب لچوري شقيقته أفزعها منظره عينيها منتفخة حمراء وجهه شاحب لم يذق لاء للنوم ولا للطعام طعما ، هيئته مبعثرة ... ما إن رآها تساقطت دموعها لتسارع چوري بضمها إليها دخلت معه إلى غرفته تغلق الباب ، تجذبه لتجلس جواره على سطح فراشه ، تمسح على رأسه تحاول تهدئته :

- اهدا يا رعد ، مالك حصل ايه ، اتخانقت أنت وبابا تاني بردوا

ابتسم ساخرا من بين دموعه ليبتعد عنها يسمح وجهه بكفيه بعنف يحاول محو تلك الدموع علا ثغره إبتسامة متهكمة يردف :

- أنا بكرهه ، بكرهه أوي ، جاسر باشا مهران ... عيشني سنين عمري كله أحاسب على ذنوبه هو 

غص قلب چوري ألما حين نطقها رعد كيف يقول أنه يكره والدهم ، رغم كل ما كان يحدث بينهم ولكنها كانت واثقة أن رعد يحب والدهم كما يفعل الأخير ، حين نظرت له ضحك يردف ساخرا :

- ما تبصليش كدة مش تعرفي الأول هو كان بيعمل معايا كدة ليه جاسر باشا كان خايف ابقى نسخة من الشيطان جاسر مهران 

وقص لها ما حدث سريعا لتسخص عيني چوري في ذهول لا تعرف في تلك اللحظة مع من تتعاطف مع شقيقها الذي رأته يعاني طوال تلك السنين أم والدها الذي خاف وظن هكذا أنه يحمي شقيقها من أن يكن نسخة قديمة مشوهة منه ، مدت يدها تربط على كتف شقيقها تنهدت تحاول مواساته :

-أنا حاسة بيك يا رعد ، أنا عيشت معاك كل اللي فات وشوفت قد ايه بابا كان قاسي عليك ، أنت من حقك تزعل وتثور ... بس صدقني بابا بيحبك أوي ، دا أنت لما خرجت إمبارح كان هيتجنن عليك بيلف حوالين نفسه ، لولا أننا واقفين حواليه كنت حاسة أنه هيبكي من خوفه عليك ، عشان خاطري يا رعد ما تمشيش ، لو مشيت من هنا تبقى بتقهر الكل وأولنا مش هتستحمل بُعدك عنها 

ابتسم رعد ساخرا يشيح بوجهه عن شقيقته يغمغم متهكما :

- حتى لو مشيت جاسر باشا مهران هيرجعني متكتف زي ما عملها إمبارح ، على فكرة واضح أن في خناقة تحت أنا سامع صوت الباشا بيزعق ، أنا هقوم أروح شغلي 

تنهدت چوري لم تجد سوى أن توافق ، عل العمل يُلهي رعد قليلا عما به ، اومأت تردف :

- أنا بردوا هقوم أروح عند خالك عاصم ، حسين كان تعبان أوي إمبارح 

طلب منها أن توصل لحسين سلامه لتبتسم تومأ برأسها بالايحاب ، تحركت للخارج لتلمح عينيها سيدة تشبه فاطمة خالتها تتحرك صوب غرفة فاطمة خالتها تصفع الباب بعنف ، وقفت مكانها تقطب جبينها مدهوشة مما ترى ، ما العبث الذي حدث توا ؟!

أما بالداخل فتحرك رعد يغتسل وقف أمام مرآة غرفته يكمل ارتداء ثيابه يحاول الإتصال بطرب منذ الأمس وهي لا تجيب ، أخيرا سمع صوت الخط يُفتح التقط الهاتف يغمغم سريعا متلهفا :

- أنتِ فين يا طرب من إمبارح بحاول أتصل بيكِ ، أنتِ كويسة 

لحظات من الصمت قبل أن يسمع صوتها تتمتم بنبرة حزينة ثقيلة تعتذر منه :

- رعد أنا بجد آسفة ، أنا لما سمعت صوت باباك برة خوفت يفهم الوضع غلط وخرجت من باب المطبخ ، وسيبتك لوحدك وما كنش ينفع اسيبك لوحدك ، أنا بجد آسفة 

لاح على ثغره إبتسامة حزينة ليتنهد بارتياح ظن في البداية أن مكروها إصابها حين سمع نبرة صوتها :

- أنا كويس ما تقلقيش ما حصلش حاجة ، ايه رأيك نخرج النهاردة نروح أي مكان 


- تعالا نروح جنينة الحيوانات ما روحتهاش من زمان اوووووي

ضحك على اختيارتها الغريبة ووافق يغمغم ضاحكا :

- يا بنتي بقى هو أنا خارج مع بنت أختي ، بس عيوني حاضر هحاول أرخم على أدهم يسد مكاني قدام أبوه ونروح الجنينة ونشبك أيدينا ونعمل كل اغاني صفاء ابو السعود اللي أنتِ عيزاها 

سمع صوت ضحكات طرب كاسمها لتخبره أنها متحمسة للغاية لفعل ذلك ، أغلق معها الخط يبتسم شادرا ، في اللحظة التالية دخلت والدته الغرفة تحمل صينية طعام عليها الكثير من المأكولات ، وضعتهم على الطاولة جانبا لتقترب منه وقفت أمامه تنظر إليه تجمعت الدموع بحدقتيها ترمي بنفسها بين أحضانه تبكي ، ليلف ذراعيه حولها يقبل رأسها يغمغم مترفقا :

- مش هبعد والله يا أمي .... ما تخافيش أنا هروح شغلي وراجع مش هتأخر

ابتعدت عنه تومأ برأسها لتمسك بذراعه تغمغم :

- بس مش هتنزل من غير ما تاكل ، أنت ما كلتش حاجة بقالك يومين حرام عليك نفسك 

نظر للطعام ليتذكر طرب وما ينويان فعله لينظر لوالدته يغمغم مبتسما:

- معلش اعملي لي ساندويتشات هاخدهم معايا الشركة !!

____________

أما هناك بعيدا في منزل علي ، وقفت مرام أمام باب المنزل تحمل بين يديها هدية مغلفة تبتسم في خبث ، تعلم أن شريف في العمل الآن ... وليان في الشركة عند جواد وتلك الحية نور التي بالطبع تحاول سرقة حبيبها تمكث الآن بمفردها بالداخل ستريها مع من تتلاعب ، دقت الباب وانتظرت إلى أن فتحت إيمان لها الباب لتعانقها مرام تغمغم سعيدة :

- عمتي حبيبتي وحشاني كتير أوي يا ايمي ايه الجمال دا كله 

ضحكت إيمان تُفسح الطريق لتدخل مرام يعلو ثغرها ابتسامة كبيرة ، تغمغم :

- اومال فين نور ، أنا كنت جاية اعتذرلها عن اللي حصل قبل كدة وجيبالها معايا هدية 

ابتسمت إيمان تشير لها لباب غرفة نور تردف:

- هنا يا حبيبتي ادخليلها على ما اعملكوا حاجة تشربوها 

ابتسمت مرام تقبل وجنتة عمتها تحركت إلى غرفة نور ما أن دخلتها وتأكدت أن عمتها توجهت للمطبخ اختفت ابتسامتها الزائفة تتبدل بأخرى ساخرة ، اقتربت من نور التي تجلس على سطح فراشها تنظر إليها متوترة خائفة منها ، لتقترب مرام منها ودون أي مقدمات قبضت على خصلات شعرها ، استغلت أنها لن تستطع الصراخ لتقرب وجهها منها تهمس تتوعدها :

- بصي بقى يا حلوة ، أنتِ لو ما غورتيش من هنا النهاردة قبل ما شريف يرجع البيت ، هوريكي أيام سودا ، ما تتخيليش أنا أقدر آذيكي إزاي ، ماشي يا ضلمة ولا يا نور أنتي ، تختفي خالص من حياة شريف ، فاهمة

انهمرت الدموع من عيني نور خوفا تومأ برأسها سريعا لتدفعها مرام بعيدا عنها تلقي الهدية في وجهها تردف ساخرة :

- خدي دي هدية إعتذار ، تسيبيها مكانها وتغوري في ستين داهية تاخدك ، أنا عارفة البلاوي دي بتتحدف علينا منين ، خلي عندك كرامة وغوري في داهية 

اغمضت نور عينيها تبكي قهرا مما يحدث لتحرك رأسها سريعا ، نظرت مرام إليها متهكمة قبل أن تتركها وتغادر 

خرجت مرام من غرفة نور لتتوجه إلى المطبخ حيث تُوجد إيمان اقتربت منها تمسك بذراعها تغمغم تترجاها :

- عمتو بليز خليني أنا اللي أعمل الغدا النهاردة ، عشان شريف يعرف إني بعرف اطبخ ، وأنتِ ارتاحي في أوضتك عشان خاطري يا عمتو 


وافقت إيمان لم تُرد أن تُحرجها فوافقت تومأ برأسها لتقفز مرام سعيدة تصفق عاليا ، أمسكت بيد إيمان توصلها إلى غرفتها ، تُشغل لها التلفاز ، تعطيها جهاز التحكم ، اسبلت عينيها برقة تغمغم :

- هعملك يا عمتو أحلى كوباية عصير 

وخرجت من غرفتها تجذب الباب تغلقه عليها ، لتختفي ابتسامتها ... توجهت إلى غرفة نور تفتح بابها لتراها تستند إلى الحائط تبكي بصمت تحاول تحريك ساقها المكسورة لتكتف مرام ذراعيها أمام صدرها تهمس لها حانقة :

- أنتِ هتفضلي ساعة تتحركي ما تخلصي ، اطلعي برة 

نظرت نور لها مقهورة تومأ برأسها تشعر بألم شديد يفتك بها وهي تحاول أن تتحرك إلى أن خرجت من الغرفة تستند إلى الحوائط بالكاد تتحرك ومرام تقف تتأفف منها ، عليها أن تُسرع قليلا قبل أن تخرج إيمان من غرفتها لتدفعها للأمام تهمس محتدة :

- ما تخلصي بقى كاتك الأرف عاملة زي الشحاتين 

ارتطمت نور بباب الشقة بعنف ، لتفتح مرام الباب لها تدفعها خارجا تغلق الباب في وجهها 

تنفض يديها وكأنها تخلصت من القمامة توا !!

لتتحرك إلى المطبخ من جديد فتحت هاتفها تضعه في مكان جيد للتصوير لفت مئزر المطبخ حولها تفتح بث مباشر لها نظرت للشاشة تغمغم بابتسامة عريضة ( هاي يا فانزاتي يا قمرات اجمعوا في اللايف يا بنات ، أنا بعملكوا لايف من جوا مطبخ حماتي أيوة بالظبط كدة ، أنا قررت أعمل مفاجأة لشريف حبيبي وأعمله انا الغدا بإيدي ... خليكوا معايا وشوفوا أنا هعمل ايه ، صحيح آخر الأسبوع هنعمل حملة تبرعات عشان نساعد بها الناس الغلابة اللي في الشارع ، دول زي أهالينا بردوا وواجبنا نساعدهم !!! ) 

___________

استيقظ في تمام السابعة ، هب من مكانه يضب فراشه وما بُعثر في غرفته ليتوجه إلى المرحاض ... اغتسل وبدل ثيابه إلى سروال من القطن رياضي أسود اللون و( تيشيرت ) يماثل السروال سوادًا ، وضع سامعتي أذنه حين خرج من الغرفة رأى مصطفى يتسلل يخرج من غرفة أريچ!!! .... توسعت حدقتيه تشتعل غضبا ، تحرك إليه قبض على تلابيب ثيابه يهزه بعنف يصرخ بعلو صوته :

- أنت بتعمل ايه في أوضة أختي يا مصطفى ، خارج من أوضة أريچ بتتسحب ليه ؟!!

تزسعت حدقتي مصطفى وأصفر وجهه ، ليخرج ياسر من غرفته على صوت جاسر ، قطب جبينه يهدر محتدا :

- في أي يا جاسر ماسك جوز أختك كدة ليه وبتزعق ليه 

-البيه خارج يتسحب من أوضة أريچ ، كان بيهبب ايه جوا  

هنا أنفعل مصطفى قبض على كفي جاسر يدفعه بعيدا عنه يغمغم منفعلا :

-لا بقى أنا سكتلك ومش عايز أزعق عشان ما أصحيش البنت وأنا ماصدقت نامت ، افتح باب أوضة أختك وشوف مين اللي جوا

وقبل أن يفعل انفتح الباب من الداخل وظهرت سما ، تحمل كيان الصغيرة بين أحضانها نظرت لشقيقها غاضبة لتهمس له بحدة :

- مصطفى كان داخل يديني كيان عشان صحيت وعمالة تعيط وعايزة تيجي تنام جنبي ، أنا ما اسمحلكش يا جاسر تتكلم عن جوزي لا بالشكل ولا بالتلميحات المقززة دي ، مصطفى طول عمره بيعتبر أريچ أخته الصغيرة

ومع ذلك عمره ما يفكر يدخل أوضتها وما دخلش غير وأنا جوا 

هل بالغ في انفعاله ؟! ولكنه يشعر بوجود خطب ما بين مصطفى وأريچ ، وهو لا يتوهم ...تنهد بعمق ليأتيه صوت مصطفى من خلفه يوجه حديثه لسما :

- سما لو سمحتي غيري هدومك وهاتي هدومنا أنا مش هقعد في البيت دا دقيقة كمان تحرك ياسر سريعا صوب زوج ابنته يحاول تهدئته :

- اهدا بس يا مصطفى ما فيش مشيان طبعا ، جاسر ما يقصدش هو ترجم الوضع غلط وهيعتذرلك طبعا ، جاسر اعتذر لجوز أختك عن الهبل اللي أنت قولته دا 

هو شخص لا يستكبر أن يعتذر إن أخطاء ولكنه ليس بمخطئ أو ربما هو كذلك وتلك فقط مخض هلاوس من تأثير ما يلاقي في عمله ، تنهد يلتفت إلى مصطفى يتمتم بهدوء :

- أنا آسف ، عن إذنكوا 

وتحرك يرحل آخر ما سمعه كان صوت والده وهو يغمغم يحادث مصطفى :

- خلاص بقى مصطفى حقك عليا ، ادخل نام لسه بدري 

ومن ثم خرج يغلق الباب خلفه تحرك على السلم يركض بين الطرقات صوت الموسيقى تعلو في أذنيه يحاول أن يقنع نفسه أن ما يشعر به لا يتخطي مخض الأوهام ليمر أمام عينيه مشاهد جمعت أريچ ومصطفى يراها بعينٍ أخرى غير التي رآها بها قبلا ... توقف عن الركض ينحني للأمام قليلا يستند بكفيه إلى ركبتيه استند إلى سور الكورنيش يلتقط زجاجة المياه يرتشف منها يقرر في نفسه وضعهم تحت أنظاره الفترة القادمة ، قاطع خيط أفكاره رسالة تصل لهاتفه .. وضع الزجاجة جانبا يخرج الهاتف من جيب سرواله لتتسع حدقتيه قليلا حين رأى أن الرسالة من مليكة !! فتح الهاتف ليجدها أرسلت له 

( صباح الخير يا دكتور جاسر أنا آسفة لو ازعجت حضرتك في الوقت دا ، أنا بس عندي مشكلة ... لو حضرتك فاضي أقدر أقولها لحضرتك )

ظفرت شفتيه بابتسامة عريضة ليرسل لها كلمة واحدة ( اتفضلي )

انتظر بضع لحظات تراقب حدقتيه سطح الشاشة إلى أن وصل له منها رسالة طويلة :

- أنا جيت القاهرة من حوالي أسبوع عشان أقدم على تمهيدي الماجستير وسكنت في شقة فيها طلبة معايا بنت في الشقة عندها كل أعراض الإكتئاب ، أنا بحب كتب علم النفس وقرأت فيها كتير وشبه عرفاها ، أهلها مش مقتنعين أنها عندها اكتئاب وبيقولوا أنها ملبوسة بالجن وعمالين يودوها لدجالين ، البنت حالتها بتسوء كل يوم عن التاني لدرجة أنها حاولت الإنتحار والحمد لله ربنا ستر وقتها ، ممكن حضرتك تساعدني ) 

همهم يقرأ مشكلتها يبدو أن القدر يلعب لعبته لصالحه الآن وتلك الفتاة ستكن الطعام الذي سيجذبها لشباكه ، انتظر عشر دقائق كاملة بعد أن رأى رسالتها قبل أن يحرك أصابعه على سطح الشاشة يكتب لها 

( مشكلة صعبة فعلا وأنا للأسف الأسبوع دا مواعيدي كلها مشغولة ، حاولت الاقي في الجدول ميعاد فاضي مالقتش غير النهاردة الساعة عشرة بليل لو مش مناسب معاكي ، ابعتلك رقم العيادة واحجزي مع السكرتيرة )

حمل رده القليل من النبل والكثير من الوقاحة

لم تمر سوى لحظات ليجدها أرسلت له ( هحاول أجيبها الساعة عشرة ، متشكرة لحضرتك جداا يا دكتور ) 

-العفو !

كلمة واحدة قالها ليغلق المحادثة بعدها ينظر أمامه يبتسم يبدو أنه لن يكن بحاجة للسفر لأي مكان !!

___________

أخيرا انتهى ذلك المدرس الممل كثير الكلام من الحصة ، مرام أصرت أن يذهبا إلى( الدرس) أولا وألا ستخبر والدها ووالده فأضطر أن يوافق صاغرا ... بعد الإنتهاء أخيرا ، أخذهم السائق في السيارة إلى حيث أخبره مراد ، وقفت السيارة أمام مقهى لطيف الشكل من الخارج التفت مراد إلى مريم يحادثها :

- مريم ، ممكن تقبلي عزومتي على أي حاجة تحبيها ... مش هنتأخر والله ، أنا محتاج اتكلم معاكِ في حاجة مهمة 

ترددت وأرادت أن ترفض ولكنها لم تفعل ابتلعت لعابها مرتبكة تومأ برأسها خرجت من السيارة ، ليتبعها هو سريعا يسرع في خطاه إلى أن بات جوارها تحركا معا إلى المقهى ، توجها إلى إحدى الطاولات جلست ، تحرك ساقها بسرعة متوترة ليجلس أمامها ، أشار إلى النادل الذي اقترب منهم مبتسما :

- مارو عاش من شافك يا عم ، ايه الغيبة دي بتذاكر ولا إيه 

ضحك مراد يردف يشاكس الواقف أمامه :

- ازيك يا ميرو واحشني والله ، ايوة يا عم بذاكر أنا لو دبلرت السنة دي ، الحج هيبيعني أعضاء بشرية .. بقولك هاتلي نسكافية وشوف الآنسة تاخد ايه 

نظر النادل صوب مريم يردف :

- تحبي حضرتك تاخدي ايه 

طلبت عصير فراولة ليأخذ النادل الطلب ويذهب وساد بينهما الصمت ، مريم تنظر لكل مكان تقريبا عادا إليه تنهد بقوة يحاول كسر ذلك الحاجز ليغمغم مبتسما :

- أمير دا يا ستي في أولى كلية تجارة انجلش ، أنا وهو كنا مع بعض السنة اللي فاتت في ثانوية عامة ، بس عيل عسل ربنا يوفقه ، تحبي اطلبلك كيك مع العصير أنتي ليه طلبتي عصير بس 

يبدو أن محاولاته لكسر ذلك الحاجز لم تؤتي ثمارها ، زفر أنفاسها يحاول أن يرتب كلماته عله يقنع ذات الرأس الصلب حمحم يتمتم بتروِ:

-مريم ممكن تبصيلي لو سمحتي 

بعد تردد شعر به رفعت رأسها تنظر إليه ليبتسم تنهد بعمق من جديد يحاول أن يبدو هادئا :

-مريم ممكن أعرف ليه لما قولتلك أنا معجب بيكِ ما صدقتنيش ، إزاي تفكري إني ممكن بكون بضحك عليكِ أو بخدعك ... مريم أنتِ بنت عمتي في الأول وفي الآخر وأنا مشاعري ناحيتك صادقة جداا صدقيني 

لم تجيبه بل كمشت كفيها تقبض عليها تشعر بدقات قلبها تتقافز وأنفاسها تضيق من التوتر ، ظلت هكذا لدقائق طويلة إلى أن استطاعت أن تُخرج جملة من بين شفتيها دون أن تنظر إليه :

-إشمعنى أنا ، في بنات كتير أحلى مني 

هنا أنفعل ولكنه حاول السيطرة على ذاته لأنهم في المقهى ليميل بجسده إلى الطاولة يهمس لها محتدا :

- أنا عايز أعرف أنتِ ليه شايفة نفسك وحشة ، وليه شايفة نفسك أقل من غيرك .. عشان النضارة يا مريم؟! ما فيش مليون بنت غيرك لابسين نضارة ، وبعدين ربنا ما خلقش حد وحش يا مريم ، معايير الجمال الفظيعة دي إحنا اللي حطيناها ، أنا بشوفك وأنتِ على صور الممثلات والموديل وبشوف في عينيكِ دايما نظرة هبلة أن هما أحسن ... يا ماما ما فيش حد كامل ودي كلها صور عندك برامج تعديل وتجميل ، ما تحطيش دول مقياس يا مريم ، عايزة تعرفي إشمعنى أنتِ عشان أنتِ أحلى بنت شافتها عينيا ، عشان أنا مسقط نفسي مخصوص السنة اللي فاتت عشان ابقى معاكِ أطول وقت ممكن 

توسعت حدقتي مريم ذهولا تنظر إليه مصعوقة ليومأ برأسه يؤكد ما قال ، لتشعر بمشاعرها تتبعثر لفت رأسها عنه لتقع عينيها على انعكاس وجهها في زجاج المطعم جوارها ولأول مرة تقريبا تدقق النظرات لقسمات وجهها وأنها ليست بتلك البشاعة التي يصورها لها عقلها !!

____________

أمام شركة عاصم توقفت سيارة چوري من جيد أنها اتصلت بحسين قبل ذهابها إلى منزل خالها ليخبرها أنه في الشركة منذ الصباح الباكر ، كيف يذهب للشركة وهو لا يزال مريض ذلك ؟!

ترجلت من سيارتها تتحرك لداخل الشركة متوجهة إلى مكتب حسين قابلها زين حين حاول التحدث معها قاطعته تردف سريعا:

- معلش يا زين ، أنا مستعجلة ... عن إذنك

وتركته وغادرت ليكور كفه يقبض عليه بعنف تحتد حدقتيه كرها !

تحركت چوري مسرعة لمكتب حسين تدق الباب لتسمع صوته يسمح لها بالدخول أدارت المقبض ودخلت لتراه يُنهي تصميمهم المشترك أغلق الورقة يلفها جيدا نظر إليها يغمغم مبتسما:

- تعالي يا چوري واقفة عندك ليه 

تقدمت تضع حقيبتها جانبا تحادثه مقطبة الجبين :

- يا إبني أنت تعبان ايه اللي جابك النهاردة ، أنا كنت هخلص أنا التصميم 

جلس على المقعد المجاور لمكتبه يردف ضاحكا :

- يا چوري دا كان مغص يا ماما ، هو أنا كنت معلق محاليل قدامك ، وبعدين عاصم باشا عامل إجتماع مهم والكل لازم يبقى حاضر ، كويس أنك ما اتأخرتيش ، يلا بينا 

اومأت له لتتحرك جواره إلى غرفة الإجتماعات لترى جميع مهندسي الشركة من جميع الأقسام يتحركون لهناك ، نظرت صوب حسين تشعر بالذنب على ما صابه بسببها هي ! كوب القهوة كان لها ... دخلا إلى غرفة الإجتماعات ليجذب حسين المقعد لها قبل أن يجلس ابتسمت تشكره جلست ليجلس جوارها وهناك بعيدا جلس زين ينظر لهما حاقدا يقبض على القلم في يده بعنف ، أصوات الهمسات الصادرة مِنْ مَنْ في الغرفة توقفت تماما حين دخل عاصم إلى الغرفة يلقي السلام ترأس طاولة الإجتماعات ينقل أنظاره بينهم قبل أن يردف مبتسما :

- صباح الخير يا شباب .. اجتماعنا مش طويل ، إحنا الشركة بتاعتنا بقالها دلوقتي عشر سنين في السوق قدرت تحقق في الفترة دي تميز ونجاح كبير فأنا حقيقي بشكر كل واحد ساهم ولسه هيساهم في أن النجاح دا يفضل ويستمر ، هنتكلم في كام نقطة مع بعض 

وبدأ يتحدث عن كيفية زيادة ثقة العملاء في الشركة والتصميمات وكيفية الوصول لأفكار جديدة بأقل الإمكانيات وأن إتجاه التصميم الحديث يتجه إلى البساطة وأن التفاصيل الزائدة لم يعد لها أي داعٍ في عصر السرعة ذاك ، لم يُعد أحد يريد رؤية خطوات حل المعادلة ولكن الجميع يرغب في رؤية الناتج الصحيح مباشرة ، انتهى الإجتماع لينظر عاصم إليهم يغمغم مبتسما:

-تقدروا تتفضلوا ، ما عدا حسين وزين .. عايزكوا عشان هتسافروا المنتجع الجديد اللي شركتنا بتشرف على بناءه 

وبالفعل تحرك الجميع للخارج عدا حسين وزين وچوري ، نظر عاصم صوب إبنة شقيقته ليتنهد يغمغم:

- چوري أنا عارف أنك تعبتي في تصميم أركان أساسية في المجمع دا ، بس أنا وأنتِ عارفين إن جاسر مستحيل يخليكِ تسافري لوحدك من غيره 

هبت چوري واقفة تحتج على ما يحدث :

- أنا من حقي أسافر يا عاصم باشا ، وإن كان على بابا أنا هقنعه يوافق ، بس ما يبقاش الرفض من حضرتك 


تنهد عاصم يغمغم مترفقا :

- يا بنتي أنا مش رافض ، أنتِ من حقك تسافري ... بس أبوكِ هيرفض لو جاسر وافق فأعتبريني موافق 

شعرت چوري بالغضب لتستأذن منهم تخرج من الغرفة تتميز من الغضب ، أما حسين فنظر إلى والده يسأله :

- طب وأستاذ زين هيسافر ليه ، هو جاي بعد ما المنتجع دا خلص أصلا 

وقف عاصم عن مقعده يتحرك صوب زين الواقف بعيدا اقترب منه يربط على كتفه يغمغم:

- باشمهندس زين شاطر ، وأنا عايزه ينزل ويتدرب وهيساعدك كتير لما تسافروا 

اومأ زين برأسه بالإيجاب سريعا ليتأفف حسين حانقا هل سيظل ذلك الفتى يلتصق به كالعلكة ، يدعو الا يوافق زوج عمته على سفر چوري حتى لا تحتك بتلك العلكة فتلتصق بها ، حدج حسين زين بنظرة حادة يعطيه ابتسامة صفراء 

قاطع كل ما يحدث رنين هاتف عاصم برقم جاسر، فتح عاصم الخط ليظل صامتا بضع لحظات قبل أن تظهر إمارات الغضب تعلو قسمات وجهه :

- هي شرفت ، خلاص أنا مسافة السكة وجاي اشوف الهبل اللي بيحصل !

_______________

الرابعة كيف استطاع أن يخرج من العمل لا أحد يعلم ولكنه استطاع فعلها وها هو يقف أمام قفص الزرافة يمسك هاتفه يلتقط صورة لطرب والزرافة تأكل قطعة الجزر من فوق رأسها لتصرخ طرب ما أن شعرت بملمس لسان الزرافة على رأسها انتفضت ناحيته تضحك ليضحك هو على ما تفعل ، أخرج النقود من جيبه يعطيها للحارس يشكره ، التفت ينظر إليها ليراها تقف عند أقفاص العصافير هناك ، ابتسم يائسا مما تفعل أقترب منها وقبل أن يردف بحرف نظرت إليه تبتسم باتساع تغمغم سعيدة :

- أنا مبسوطة أوي يا رعد ، بجد مش عارفة أشكرك إزاي 

تشكره هو من يجب أن يشكرها ، فحين يكون معها ينسى تماما ما هو فيه ... أنزل حقيبة ظهره الصغيرة يغمغم :

- مش جعانة أنا جايب معايا ساندوتيشات 

كانت حقا جائعة ولكنها شعرت بالحرج من أن تخبره لأنها تعرف أنه سيصر أن يدفع ثمن الطعام وذلك حقا كثير عليه ، فتح الحقيبة يخرج الشطائر التي أعدتها رؤى ليجلسا على مقعد جانبي ، تركها وغاب للحظات يحضر زجاجتي عصير ومن ثم عاد إليها جلسا يتناولان الطعام ، لترى عينيه التي شردت بعيدا وعاصفة ألم عصفت بمقلتيه فجاءة ، حزين ومن حقه أن يكون ... أرادت أن تهون عنه لتطرقع بأصابعها أمام وجهه كتفت ذراعيها أمامها تغمغم حانقة :

- والله ؟ تحب أجبلك رقمها .. طالما الاباچورة اللي قاعدة قدامك مش مالية عينيك 

نظر إليها يقطب جبينه مستنكرا ما يقول يبحث عن من تتحدث ليعاود النظر إليها :

- أنا ماليش في الأفلام العربي لو دا إفيه 

دحرجت مقلتيها تبتسم يائسة ها هو قد أباد مزحتها تماما ، قطمت من الشطيرة في يدها تحادثه بعد أن ابتلعت ما في فمها :

- بقولك ايه بيت الأسد هناك أهو يلا نتفرج عليهم 

اومأ موافقا ليضب ما تبقى منهم في الحقيبة تحركا إلى حيث تريد ، ليراها تبتسم سعيدة تنظر للمكان حولها وكأنها طفلة صغيرة ، أراد أن يحضر لها هدية لفت انتباهه قبعة كبيرة من الخوص لونها أصفر داكن أعجبته ذهب واشتراها لها ، تحرك يلحق بها يمد يده لها بالقبعة يغمغم مبتسما:

- خدي البسي دي عشان الشمس 

وقفت تنظر لما في يده لتعاود النظر إليه كم كرهت نفسها في تلك اللحظة ، في الوقت ااذي يحاول إسعادها فيها بشتى الطرق رغم كل ما يعاني ، تخدعه هي .... ابتسمت تأخذها منه وضعتها على رأسها تغمغم بشقاوة :

- حلوة أوي صورني يلا 


قلب عينيه يردف ساخرا :

- هو أنا عملت حاجة من ساعة ما جينا غير إني بصورك يا طرب هانم ، مع كل الحيوانات دا أنتِ اتصورتي مع القطط اللي ماشية في الجنينة لا بيها ولا عليها 


ضحكت طرب عاليا ليلتقط رعد الصورة فجاءة ، وقفت تمسك بطرف القبعة تغمزه بطرف عينيها ليلتقط لها صورة أخرى وبعد عدة صور أخيرا تحركا إلى بيت الأسد ، دخلا هناك ليجدا عدة اقفاص متجاورة في داخل كل واحد ليث هزيل وربما عجوز وأحدهم يبدو أكثرهم شبابا زئير الأسود يعلو حين ينغزهم الحارس بعصاته السوداء ، ليشاهد الواقفون ويضحكون ؟!!!!

شق أصوات الضوضاء وأصوات زئير الأسود رجل يعلو بصوته مغمغا :

- حد عايز يتصور مع الأسد ، حد عايز يتصور مع الشبل ... 

ليميل رعد برأسه صوبها يهمس لها :

- تحبي تتصوري ؟

اومأت برأسها موافقة لأنها ظنت أن الصورة على أغلب تقدير لن تتعدى العشرة جنيهات 

تحركت مع رعد خلف الرجل إلى غرفة جانبية هناك رأت العديد من الأناس يريدون التصوير أيضا يبدو أن الشبل لديه الكثير من المعجبين ، وقفت جوار رعد إلى أن حان دورهم حين دخلت رأت شبل صغير يبدو من قسمات وجهه أنه يشعر بالملل مما يحدث وله كامل الحق في ذلك وجوار الشبل يجلس رجل ما ، شدت قميص رعد تهمس له حانقة :

- هو الراجل دا هيفضل قاعد كدة ما يقوم 

نظر رعد للرجل ليعاود النظر إليها يهمس :

- بيتهيئلي دا الحارس بتاعه عشان ما يأذيش حد 

احتجت على ما يحدث لتتحرك صوب الرجل تغمغم محتدة :

- لو سمحت قوم ، أنت مش خطيبي عشان تطلع معايا في الصورة 

نظر الحارس لها متضايقا لينظر لرعد يغمغم متضايقا :

- يا أستاذ شوف مراتك ، ما ينفعش أسيب الشبل دا مش شبل صغير وبعدين أنا مش بطلع الصورة بتطلعها هي والشبل بس أنا بس ببقى ماسكه اللي بيظهر ايدي بس 

التفت طرب لرعد تغمغم حانقة :

- خلاص بلاها يلا يا رعد نمشي 

زفر الرجل أنفاسه بعنف يغمغم حانقا :

- خلاص يا ستي هقوم وربنا يستر تعالا يا أستاذ مكاني لو سمحت 

نظر رعد لها يائسا عنيدة تلك الطرب ، تحرك يأخذ مكان حارس الشبل لتجلس طرب على الإتجاه الآخر تحرك يدها على فراء الشبل ليصيح الحارس مرتبكا :

- يا ستي الله يكرمك دا مش قطة سيامي ، يا عم يلا صورهم خلي اليوم دا يعدي على خير 

نظرت طرب للكاميرا تبتسم سعيدة لينظر رعد إليها يبتسم 

يائسا والتُقطت الصورة ... أسرع الحارس يعود لمكانه جوار الشبل ليتحرك رعد صوب المصور يسأله عن الثمن فأردف الأخير :

- 100 جنية يا أستاذ والاستلام بعد نص ساعة من عند بيت التعالب 


اتسعت حدقتي طرب ذهولا انتفضت كادت أن تصيح في وجه الرجل ليسرع رعد بتكميم فمها بيده يغمغم :

- تمام ماشي ... 

أخرج له بيده الآخرى النقود يجذب طرب الذي تموء في كفه بعنف تنظر للرجل على وشك خنقه بيديها ، أخيرا خرجا من المكان ما أن أبعد كفه عن فمها انفجرت تصيح :

- 100 جنية بنتصور مع وحيد القرن المهدد بالانقراض دي صورة واحدة بس ، الناس دي نصابين وحرامية ، وأنت بتدفعله الفلوس من غير فصال ليه 


- هي بلوزة يا بنتي هنفاصل فيها ، خليكي صيحي أنا ماشي 

وتركها وغادر لتسرع خلفه تصرخ باسمه :

- رعد استنى يا عم أنت ، يا رعدد

قاطع صرخاتها صوت زئير عالٍ وصرخات الناس تعلو ومن بين كل الصرخات وصل لهم جملة واحدة ( الأسد فك )

الفصل الثاني عشر من هنا

تعليقات



×