رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل العاشر 10 بقلم دينا جمال


 رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل العاشر 

خرج من المنزل مسرعا يركض كمن يهرب من الموت وصوت والده خلفه يصرخ فيه وكشافات سيارة ضربت أمامه فجاءة والصمت غزا المكان بعد صوت الفرامل العنيفة !! 

لم يُسمع سوى صوت اصطدام السيارة بأحد أعمدة الإنارة ، سائق السيارة تفادى الاصطدام به بأعجوبة فاصطدم بعمود الإنارة ، خرج السائق من سيارة سليما يلهث بعنف ... أقترب من رعد الذي لا يزال مكانه في منتصف الطريق عينيه متسعتين ، جسده متجمد كالصنم ليسأله الرجل قلقا :

- أنت كويس يا إبني ، سامحني أنا كنت بتكلم في الموبايل ما شوفتكش بس الحمد لله انك بخير 

هنا استفاق رعد حين سمع صوت جاسر يصرخ باسمه قلقا يهرع إليه ، ترك الرجل وهرع يركض بعيدا وكأنه لصا يهرب ... صرخ جاسر باسم ولده مذعورا :

- رعد استنى يا ابني رعد 

ولكن لا شئ آخر ما لمحه رعد هناك يستقل سيارة أجرة تختفي بعيدا .. وقف مكانه يتنفس بعنف يحاول أن يجد حلا ، رعد خرج دون نقود ، دون شئ غير هاتفه كيف حتى سيدفع لسائق سيارة الأجرة نقودا وأين سيذهب من الأساس ؟! ، أجفل على يد صاحب السيارة توضع على كتفه ليلتفت له سريعا يبادر يشكره :

- أنا بجد مش عارف أشكرك إزاي لولا أنك لحقت الموقف كان بعد الشر حصلت كارثة ، تصليح عربيتك بالكامل عندي 

ابتسم الرجل يحرك رأسه للجانبين نفيا يغمغم مبتسما :

-دا نصيب ومقدر ومكتوب وربك اللي لطف بينا 

أنت مش ملزم تصلحلي العربية خالص 

رفض جاسر وبشدة أمسك بيد الرجل يمنعه من الرحيل يغمغم محتجا :

-والله العظيم أبدا أنا حلفت ، دي حاجة بسيطة أنت فديت حياة ابني ، ثواني 

طلب من أحد حراسه إحضار دفتر الشيكات الخاص به من الداخل وفعل ذلك ومعه قلم ووقع جاسر مبلغ مئة ألف جنية ، توسعت حدقتي الرجل ينظر للرقم المكتوب على الورقة يغمغم مدهوشا :

-ايه كل دا لاء طبعا دا كتير أوي

أمسك جاسر بالشيك يضعه في كف الرجل يغمغم :

- لا كتير ولا حاجة وما تقلقش الشيك فيه رصيد أنا جاسر مهران لو تعرفني ، اتفضل وبجد شكرا ليك 

ابتسم جاسر يربت على كتف الرجل قبل أن يتركه ويعود لداخل المنزل وهو على أتم ثقة أنه سيجد رؤى تبكي بحرقة ، أما الرجل فنظر للورقة في يده عدة لحظات قبل أن تدمع عينيه يغمغم :

- سبحان الله ، كنت رايح ابيعها ب 50 ألف وبفكر هكمل باقي الفلوس منين ، الحمد لله ... الحمد لله 


وكما توقع حين دخل للمنزل رآها تجلس على مقعد جوار الباب تبكي بحرقة ، جلس على ركبتيه أمامها يضم رأسها إليه لتدفعه بعيدا عنها تصيح فيه بحرقة :

- ليه يا جاسر ليه شيلته الذنب ، لا تذرو وازرة وزر أخرى ، ليه ما فوقتش بدري عن كدة وعرفت أنه مالوش ذنب وأنك بتأذيه ، أهو مشي ، مشي ومش هيرجع تاني ، ابني مش هيرجع تاني يا جاسر .... 

حرك رأسه يوافق ما تقول أغرقت الدموع مقلتيه يهمس بنبرة حزينة تقطر ألما :

- أنتِ عندك حق ، أنا ما فوقتش غير لما بعد الشر افتكرته عمل حادثة وكنت رايح المشرحة عشان اتعرف على الجثة ، كنت أصعب لحظة في حياتي كل اللي مر في حياتي كووم واللحظة اللي وقفت فيها قدام جثة في المشرحة عشان أعرف دا ابني ولا لاء كووووم تاني خالص ، مر قدام عيني فجاءة شريط حياتي مع رعد وقد ايه أنا دايما ظالمه وجاي عليه عشان هواجس في دماغي ، بس أنا هرجعه يا رؤى والله هرجعه ما تخافيش وهفضل وراه لغاية ما يسامحني ، دا إبني اللي غلطت في حقه كتير أوي ، ما تخافيش أنا هعرف ارجعه 

_______________

الساعة الآن الخامسة مساء ، حين وقفت سيارة أجرة أمام المستشفى ونزلت أريج منها تحاسب السائق ، تحركت للداخل تفكر قلقة والشعور بالذنب يحرق كل ذرة بها ، حين أحبت مصطفي كانت لا تزال مراهقة صغيرة في عمر الخمسة عشر عاما ، لم تكن تسمع كلمات الغزل سوى منه ، كان الرجل الغريب في محيطهم والدتها كانت تخشى عليها حد الاختناق تحبسها داخل جُحر صغير وهي حتى لا تفهم لما ؟! وكان مصطفى هو أول من شق ذلك الجحر ومد يده إليها يخرجها منه بكلماته وغزله واهتمامه ، ولكن ما يحدث أنها عاما بعد عام كلما زادت به تعلقا ، تزداد ألما وحيرة وقلقا ، كلما نظرت لوجه شقيقتها شعرت بالخزي من نفسها ، وخاصة أن سما تحبها كثيرا وهي أيضا تفعل 

وقفت جوار أحد الأشجار تستند عليها لتشرد عينيها في مشهد من المؤكد أنه سيحدث يوما حين تعلم سما بعلاقتها بمصطفى ستتدمر تماما 

وقفت تلتقط أنفاسها تحاول أن تهدأ ، تفكر مليا عليها أن تقطع علاقتها بمصطفى تماما ، لا يجب أن تراه أكثر من زوج لشقيقتها ولكن هل ستقدر على فعل ذلك ، أم ستظل في تلك الدوامة حتى ينفضح كل شئ ، ماذا ننتظر من تلك العلاقة المشينة على كل حال أن يطلق مصطفى شقيقتها ويتزوجها هي أن تدمر حياة شقيقتها وأطفالها لتبني حياة لها ، كيف سمحت لنفسها أن تكن بتلك الحقارة والانحطاط ، أدمعت عينيها ندما ... انتفضت حين سمعت حمحمة خشنة تأتي من خلفها ، التفتت سريعا لترى عمار ذلك الطبيب التي هي به معجبة ، ويبقى السؤال يؤرق مضجعها كيف تحب مصطفي وتُعجب بعمار في آن واحد ... أجفلت حين سمعت صوته يغمغم متعجبا :

- أنتِ كويسة يا أريج مالك شكلك تعبان وعيونك مدمعة ، تحبي أبلغ دكتور ياسر 

حركت رأسها ترفض سريعا ما يقول تردف سريعا :

- لاء أنا كويسة ، دوخت شوية بس بقيت كويسة ، شكرا لسؤالك يا دكتور 

جعد جبينه متعجبا من طريقتها الجافة ليغمغم يسألها :

-مالك يا أريج هو في حاجة ، وبعدين ما بقتيش بتيجي المستشفى زي الأول ليه ، بقالي كتير ما شوفتكيش وبعدين قولتيلي هكلمك عشان أسالك عن كذا حاجة أنا مش فهماهم وما اتكلمتيش ، في اي يا أريج


لم تنطق بكلمة فقط ظلت تنظر إليه وعقلها يلتف في محور حلقة مفرغة ، هي تحب مصطفى هو الرجل الأول في حياتها ولكنها حين ابتعدت عن محيط مصطفى لعدة أشهر وجدت نفسها تعجب بآخر ، إذا هي لا تحب مصطفي وربما تفعل ، تحركت قدميها دون إذن منها تبتعد عنه تتجه لداخل المستشفى ، إلى مكتب والدها دقت الباب ودخلت بعد أن سمح لها ، ابتسم ياسر ما أن رأى ابنته يغمغم مبتسما:

-كويس أنك ما اتأخريش ، يلا أنا بلم حاجتي أهو ... عايزين نجيب حلويات ولعب لتميم وكيان ، يلا يا حبيبتي

قالها حين اقترب منها بعد أن ضب جميع أغراضه ، ابتسمت تومأ برأسها ... خرجت أمامه من غرفة مكتبه ، لتلتفت إليه تسأله :

-اومال جاسر فين ؟ مش هيجي معانا 

لا يعلم ، مرت أمامه إحدى الممرضات ليبادر ياسر يسألها :

- بقولك يا علا هو جاسر في مكتبه ؟

-لا يا دكتور ، دكتور جاسر في أوضة الشاب اللي اسمه سامر ، دا حتى طلب مني اوديلهم الغدا هناك 

اومأ برأسه يشكرها ليخرج مفاتيحه من جيب سترته يعطيهم لأريج يغمغم :

-استنيني يا حبيبتي في العربية وأنا هروح اشوف أخوكي

اومأت تأخذ منه المفاتيح تتحرك لخارج المستشفى لتقع عينيها على عمار ، رأته يقف بعيدا وتلاقت أعينهم للحظة قبل أن يشيح بوجهه يبدو أنه تضايق حين تركته واقفا وذهبت ، شعرت بالضيق لما فعل ، أرادت أن تذهب إليه وتعتذر ولكنها لم تفعل فقط أكملت طريقها إلى سيارة والدها تنتظره هناك


أما هناك فأخذ ياسر طريقه إلى غرفة سامر ، التقارير التي تصله عن حالة الشاب في الآونة الأخيرة مبشرة جداا ، اعترض طريقه قبل أن يصل دكتور سمير الذي وقف أمامه يتحدث غاضبا:

-دكتور ياسر لو سمحت ، أنا عايز اتكلم مع حضرتك 

جعد ياسر جبينه قبل أن يومأ برأسه يغمغم متعجبا :

-مالك يا دكتور سمير ، اتفضل اتكلم في أي

وهنا انفجر سمير يعبر عن غيظه من جاسر :

-في أن إبن حضرتك ما حدش عارف يتكلم معاه ، شايف نفسه على الكل ، وبعدين مين اللي اداله حالة سامر ، مش دا كان الحالة بتاعتي ، إزاي حضرتك تسحبها مني من غير ما أعرف ، البيه اللي فاكر نفسه يعرف كل حاجة وهو خبرته ما تتعداش دماغه حتى ، لو سمحت أنا من حقي أن حالة المريض بتاعي ترجعلي تاني 

ظل ياسر صامتا تماما لم يبدي حتى رد فعله يظهر فيه أنه غضب مما قال ، جل ما فعل أنه ابتسم يكتف ذراعيه أمام صدره قبل أن يردف :

- دكتور جاسر واخد شهادته من أكبر جامعة في إنجلترا ، دكتور جاسر خبرته تتعمل كتب ، إبني بيحترم الصغير قبل الكبير بس هو عنده عادة سخيفة شوية لو الكبير دا احترمه يحترمه والعكس بالعكس ، ثانيا بقى ودا الأهم حالة سامر فضلت معاك شهور والولد حالته من سئ لاسوء لأنك معيشه بالمهدئات ، مع جاسر في خلال أيام الولد حالته اتحسنت بشكل كبير ، آه واخيرا عندك جزا يوم عشان شتمت زميل ليك وزعقت في وشي 

وتحرك يكمل طريقه ليعتصر سمير قبضته يهسهس غاضبا :

-ما هو ابنك مش هيجيبها من برة ، صبرك عليا يا جاسر ، أما خرجتك من هنا بفضيحة 


وصل ياسر إلى الغرفة التي يمكث فيها سامر وجاسر هنا الآن ، دق الباب كان يظن أن جاسر من سيجيب ولكنه تفاجئ من أن سامر هو من رد وسمح له بالدخول ، أدار المقبض ودخل لتقع عينيه على المشهد أمامه جاسر وسامر يجلسان على سطح الفراش أمام شاشة التلفاز أمامهم أطباق من الشطائر ، الشاشة تعرض بث مباشر لمباراة كرة القدم لفرقة انجليزية ما ، كلاهما ينظر إلى الشاشة بتركيز شديد وتعجب أكثر حين صاح سامر غاضبا :

- ضربة جزاء والله ضربة جزاء اهي

ليرد جاسر عليه محتدا :

-أنت هتصيع مش ضربة جزاء هيشوفها في الVar ، اهي ما طلعتش ضربة جزاء 

نظر سامر له حانقا ليمد يده إلى أجد الشطائر يقضمها مغتاظا ، في حين ضحك جاسر يغمغم شامتا :

-أنا قولتلك دا الدون يا ابني 

حمحم ياسر عله يجذب انتباهم إليه يغمغم ساخرا:

-مساء الخير أصل أنا حاسس إن أنا شفاف ، إزيك يا سامر عامل ايه النهاردة ، 

اومأ له سامر يبتسم متوترا ، لينظر ياسر إلى ولده يغمغم:

- جاسر عايزك دقيقة برة

اومأ له ليلتقط حفنة بطاطا قليلة يضعها في فمه ليصرخ فيه سامر حانقا :

- أنت مش كلت البطاطس بتاعتك اوعى ياعم ، ايه شغل الاستلواح دا 

ضحك جاسر يحرك حاجبيه يغيظه ، خرج بصحبة والده إلى خارج الغرفة ، ليبادر ياسر قائلا :

-جاسر خف مع سمير شوية عشان ما يحطكش في دماغه ، المهم هتيجي نروح أختك معايا في العربية 

حرك رأسه للجانبيبن يغمغم :

-لاء أنا لسه هروح العيادة عندي كذا حالة مهمة

وفكك من دكتور سمير دا ، كبيره يزعق !!

___________

إلى شركة عاصم

في مكتب حسين تراه هناك يجلس على مقعد مكتبه أمامه ثلاثة أكواب فارغة يضجع إلى ظهر مقعده يغمض عينيه ، سمع صوت الباب ليبتسم يائسا نظر لجوري الذي دخلت توا تحمل كوب مشروب ساخن للمرة الرابعة على التوالي ، جذب المقعد تجلس جواره تغمغم قلقة :

- خد أشرب أنا عملتلك شاي أخضر بيقولوا كويس جداا ، لسه تعبان 

اعتدل في جلسته يأخذ منها الكوب ابتسم يغمغم يائسا :

- يا چوري دي رابع كوباية أنا بقيت كويس والله ، ممكن بس يكون بن القهوة دي فيه مشكلة إنما أنا تمام ، ما تشربيش أنتِ بس حاجة من برة الشركة خالص

ليكمل في نفسه حانقا :

-خصوصا لو جايبها الواد الملزق اللي اسمه زين 

اومأت له لتنظر للساعة السابعة مساء ، نظرت له تنهدت تغمغم :

- طب قوم نروح واعمل حسابك أنا اللي هسوق 

ضحك متعبا يوافقها حين تحرك ليقوم من مكانه كان لا يزال يشعر بالدوار اختل توازنه  لتهرع چوري إليه تقبض على ذراعه تسأله قلقة :

-حسين أنت كويس ، طب اقعد لو لسه دايخ

أحتاج عدة لحظات ليستعيد توازنه من جديد ، نظر ليدها التي تشد على ذراعه لتتحرك عينيه على قسمات وجهها القلقة وكم كان سعيدا لأنها قلقة عليه ، وكم أحب ذلك القلق :

- أنا كويس ما تقلقيش 

حمحمت محرجة لتنزع يدها سريعا تبتسم له مرتبكة تومأ برأسها ... تحركت تجاوره لخارج الشركة حين وقعت عينيها على زين شعرت بغضب غير مبرر الفتى لا ذنب له فيما حدث ولكنها حقا كانت غاضبة ... تحركت إلى السيارة أصرت أن تستقل مقعد السائق ووافق حسين بعد إلحاحها ، ليجلس على المقعد جوارها أدارت محرك السيارة لتلتفت له تغمغم قلقة :

- متأكد مش عايز نروح مستشفى ، ولا نقول لخالي عاصم 

حرك رأسه للجانبين يرفض الفكرتين معا :

- لا يا چوري الموضوع مش مستاهل ، لا نروح مستشفى ولا نقول لخالك ، أنا بقيت كويس .. هو صداع خفيف بس

تنهدت قلقة تحرك رأسها أدارت محرك السيارة 

تأخذ طريقها لمنزل عاصم ... حين هدأت من موجة القلق التي جرفتها داخلها أدركت شيئا هاما لم تكن تلاحظه ، أنها حقا كانت ولا تزال قلقة عليه للغاية ، ربما تشعر بالذنب كان من المفترض أن تكن هي مكانه الآن ، وربما هو شئ آخر لا تتمنى أن يكن صحيحا أبدا

____________

هناك في منزل ياسر ونرمين

في صالة المنزل الكبيرة ترى الجميع هناك سما تجلس جوار نرمين ، مصطفى يتحدث مع ياسر ،والصغيران يلهوان بسعادة مع ألعابهم الجديدة وأريچ ها هي تتحرك اليهم تحمل صينية كبيرة عليها الكعك والعصير ، اقتربت منهم ليهب مصطفى واقفا يغمغم ضاحكا :

- بذمتك أنت قادرة تشيليها دي هتلاقيها اتقل منك أنت شخصيا هاتي هاتي 

تعمد وهو يأخذ منها الثانية أن يلامس كفيه يديها ، ليرجف جسدها أثر لمسة يده التي من المفترض أنها معتادة فدوما ما كان يفعل ذلك التصرف ، أخذ الصينية من بين يديها يضعها على الطاولة لتغمغم مرتبكة :

-أنا هروح أجيب الهدايا بتاعت كيان وتميم 

 ودخلت للغرفة تهرب منه ، تعجب مصطفى مما فعلت ، أريچ بها شئ مختلف منذ أن جاء لهنا يشعر بأن هناك خطبا بها ، خطبا لا يفهمه 

من حسن حظه أن هاتفه دق ، ليقم من مكانه يعتذر منهم يتحرك ليجيب على ما أن ابتعد عنهم أغلق الهاتف يتحرك إلى غرفة أريج رآها تخرج منها ليدفعها للداخل أغلق الباب عليهم في اللحظة التالية كان يلصقها بالباب المغلق حاول تقبيلها ، لتدفعه بعنف بعيدا عنها قطب جبينه متعجبا رد فعلها ليخفض صوته يسألها مستنكرا :

-مالك يا أريج من امتى وأنتِ بتزقيني

- وأنت إزاي عايز تبوسني ، بأنهي حق 

همست بها حانقة ، ليجعد جبينه اقترب منها يضغط على ذراعها يهسهس غاضبا:

-بأنهي حق ، بحق إني بحبك وأنتِ بتحبيني ، ايه يا أريج نسيتي مصطفى ، ولا عشان غبت عنك فترة ... 

ابتلعت لعابها متوترة عليها أن تنهي ذلك الأمر الآن :

- مصطفى اللي إحنا بنعمله دا غلط ،أنا مش هقدر آذي أختى بالشكل دا ، مصطفى إحنا لازم نبعد وأنا مش هقول حاجة لسما صدقني


وكان رد فعله الضحك ، ظل ضحك محافظا صوته الخفيض إلى أن اختفت ضحكاته فجاءة وقتمت نظراته وتجهمت قسماته ، ليمد يده يقبض على فكها بعنف يهسهس يتوعدها :

-نبعد وننهي أنتِ اتهبلتي يا أريج ولا ايه جاية بعد 6 سنين تقولي لي نبعد لاء اسمعي بقى ناهية الكلام ، أنتِ هتنفذي كل اللي هقوله بالحرف الواحد يا أما هوري أختك وبابا وماما وجاسر رسايل حب المراهقة اللي كنتي بتبعتهالي وأنتِ لسه نونو صغيرة عندك 15 سنة وهقلب عليكي الكل ، احسنلك يا حلوة نرجع زي ما كنا ، دا أنا نازل مخصوص عشانك يا روچا 

أصفر وجهها ، هربت منه الحياة لا تصدق أن الواقف أمامها هو مصطفى ،الرجل الوحيد الذي ظنت أنها تحب، مصطفى يهددها بالطبع لتنفيذ غرض مريض وفي الأغلب شئ مقزز ... حين نظرت لوجهه رأته يبتسم كشيطان هرب من الجحيم توا ، دفعته بعيدا عنها فتحت باب الغرفة وفرت هاربة إلى المطبخ وقفت أمام حوض الغسيل تفتح الصنبور تبكي بعنف تغرق وجهها بالمياه ، لا تصدق ما يحدث ... انتفضت حين شعرت بيد تُوضع على كتفها نظرت خلفها لترى والدها يقف خلفها ليسألها قلقا:

-مالك يا أريچ عمالة تغسلي في وشك جامد ليه كدة أنتِ دايخة ولا حاجة

ودَّت أن تخبره أنها خائفة بل مرتعبة مما يخطط له مصطفى ولكن كيف ستقولها ، أبي عذرا كنت مراهقة حمقاء أحببت زوج شقيقتي والآن يهددني لتنفيذ أغراضه الدنيئة لن يتحمل ياسر ما ستقول .. لم تنطق بحرف سمعت صوت شقيقتها يغمغم بالقرب منهم :

- فعلا شكلها تعبان يا بابا ، تعالي يا روچا ارتاحي وأنا هكمل مكانك ، أكيد ما كلتيش حاجة من الصبح من زمان وهي على كدة ، عايزة حد يجري وراها زي العيال الصغيرين عشان تاكل 

نظرت أريچ لشقيقتها التي كانت تبتسم لها لتشعر بألم بشع يخترق قلبها ، سما لم تخطئ في حقها يوما كانت ولا تزال أمًا ثانية لها وهكذا كان رد الجميل ، اقتربت سما منها تمسك بيدها برفق تجذبها من بين أحضان والدهم تحادثه :

-روح أنت يا بابا اقعد وما تقولش لماما عشان أنت عارفها بتقلق أوي ، قولها سما وأريچ قاعدين يرغوا جوا 

ابتسم ياسر ينظر لابنته الصغيرة قلقا قبل أن يومأ برأسه ، أسندت سما شقيقتها تتحرك بها صوب الغرفة لتقابل مصطفى زوجها وقد خرج من المرحاض توا ، نظر لهما ليغمغم قلقا :

-مالها أريچ يا سما ، هي تعبانة ولا ايه أتصل بالدكتور

أغمضت أريچ عينيها تشعر بالتقزز منه كيف يمكنه التمثيل بتلك البراعة ، سمعت شقيقتها تحادثه :

-لا يا حبيبي هي بخير ، داخت بس شوية ، أنا هقعد معاها وأنت خلي بالك من الولاد 

وكما أعتاد أن يفعل زوج شقيقتها الذي من المفترض أن يكن شقيقها الأكبر مد يده يبعثر خصلات شعرها لتدرك في تلك اللحظة أن حجاب رأسها قد سقط منها حين لامس كفه خصلات شعرها يبعثرها يغمغم ضاحكا :

-سلامتك يا روچا ، كدة تقلقي سمسم عليكِ 

تمسكت بيد شقيقتها تحاول إلا تنظر إليه، لا ترغب في رؤية تلك الابتسامة الخبيثة التي تعلو ثغره ... لتسمعه يحادث سما بنبرة قلقة :

-سما حاسبي عشان شكلها فعلا دايخ وهتقع ، جاسر مش هنا عشان يشيلها ، بس هي مش هتتكسف مني أنا زي جاسر ، أنا هدخلها الأوضة 

ووافقته سما ، انتفض جسد أريچ حين أقترب مصطفى منها يحملها بين ذراعيه ، يديه تتقصد لمسها تقدمتهم سما تفتح باب الغرفة تزيح الغطاء عن الفراش مما أعطى له الفرصة ليهمس لها ساخرا :

-معقولة التعب دا كله من كلمتين ، دا لسه اللي جاي مش أنا اللي يتلعب بيا يا أريچ دا أنا مربيكي على أيدي واستنيت كتير أوي 

وضعها على الفراش ليقف جواره يغمغم مبتسما:

- ارتاحي يا روچا خليكي جنيها يا سمسم وأنا هروح أشوف تميم وكيان 

وتحرك صوب الباب الغرفة التفت لأريچ قبل أن يخرج يعطيها ابتسامة ساخرة لم ترها سما ليجذب الباب يغلقه عليهم ، جلست سما جوار شقيقتها لتجذب رأسها تضعها بين أحضانها تعانقها ، تحرك يديها على خصلات شعرها تغمغم قلقة :

- مالك يا روچا ، دا مش شكل واحدة تعبانة ، دا شكل واحدة حزينة وخايفة ، حصل ايه يا حبيبتي احكيلي وأنا أوعدك ما حدش هيعرف خالص وخصوصا ماما 

ماذا تقول ؟ ! لاشئ ليقال من الأساس تعلقت بأحضان شقيقتها تنهمر دموعها لتجد نفسها تجهش في البكاء ، توسعت عيني سما قلقا على حالها تحاول سؤالها عما بها ، لتجيب أخيرا من بين شهقاتها العنيفة:

-أرجوكي يا سما ، أنا مش قادرة اتكلم ، خليني في حضنك بس 

اومأت لها تتنهد قلقة على حالها ظلت تمسح بيديها على رأسها تقرأ آيات من القرآن 

_______________

العاشرة مساء ، في طريقه لعيادته الخاصة ، كم يرغب في أن ينُهي كل شئ ويعود لمنزله ويغط في النوم ولكن لا يمكن خاصة وأنه حالتي اليوم على قدر كبير من الأهمية رقية التي سيخطو معها خطوة كبيرة للأمام ووليد ذلك المراهق الصغير.

أوقف سيارته أسفل عيادته لينزل منها أخذ طريقه لأعلى ، وكما توقع رأى رقية وصديقتها هالة ، ووليد مع أبيه ... ابتسم يرحب بهم ليتحرك إلى غرفة مكتبه ، ارتمى على مقعده يغمض عينيه ... يشعر برغبة ملحة في النوم ، قام من مكانه سريعا يُعد لنفسه كوب من القهوة السريعة عاد إلى مقعده يستند بمرفقيه إلى سطح مكتبه يخفي وجهه بين كفيه ... يفكر من جديد في فكرة ما لجذب تلك الحية لشباكه ، لن تظل حرة طويلا ، سيذهب إليها أو ستأتي إليه وفي كلتا الحالتين سيدمرها ... ارتشف القليل من كوب قهوته قبل أن يطلب من مساعدته أن تدع وليد يدخل بمفرده 

وبالفعل دخل وليد ليقم جاسر من مكانه  يصافحه يغمغم مبتسما :

- إزيك يا وليد ، اتفضل اقعد ... أختار المكان اللي يعجبك

جلس وليد على مقعد بعيد عنه ينظر للفراغ خاويا ليطرقع جاسر بأصابعه يغمغم ضاحكا :

- يا عم السرحان ، من وأنت برة وأنت سارح شارد في الملكوت ، أقدر أعرف أنت سرحان في إيه، إحنا مش صحاب بردوا ، والدط بيقولي أنك ماشي على الجدول بالشعرة التدريب ، القراية ، المذاكرة ، السباحة ، حتى القرآن والسلامة انتظمت فيهم ، بس على طول زعلان وساكت ، مالك يا وليد 


لم يشعر سوى وعينيه تدمع ، والدموع تنهمر لتغرق وجهه ... قام جاسر من مكانه يتحرك نحوهه جلس بالقرب منه ليربت على كتفه يغمغم يسأله :

- مالك يا وليد ، إحنا مش اتفقنا إحنا أصحاب ، يا جدع دا أنا حكيتلك تاريخ حياتي كله ، اهدا طيب هجيبلك كوباية عصير 

قام جاسر من مكانه يحضر زجاجة عصير التفاح المعتادة ، ليقترب من وليد فتح الزجاجة يعطيها له ، ارتجفت يدي وليد وهو يأخذها منه يرتشف القليل منها ، مرت عدة دقائق إلى بدأ يهدأ قليلا ليبادر جاسر قائلا :

- لو مش حابب تتكلم أنا هحترم دا ومش هسألك ، بس صدقني أنا أقدر أساعدك 

اومأ وليد برأسه ليرفع يده يمسح دموعه بعنف يهمس بحرقة :

- أنت عارف أنا بجد مبسوط أوي ، مبسوط إني اتعالجت قبل ما أعمل الذنب الفظيع دا ، بس صدقني أنا كنت زي المغيب ، كنت شايف ان اللي بيحصل دا عادي لاء ورومانسي ، والولد اللي أنا كنت أعرفه وبكلمه دا ، كان دايما بيبررلي أن دي مشاعر وأن العادات والدين عندنا هما اللي منعينها وأننا راجعين أوي ، بس 

ما طلعش كدة ، دا طلع ذنب عظيم ،وأنا ربنا سترها معايا وما عملتوش 

ابتسم جاسر دون أن يقاطعه فقط يحرك رأسه يتابع ما يقول ليردف وليد نادما :

- أنا بس اللي معذبني طول الوقت ، إني خسرت يوسف ، يوسف كان أعز صاحب ليا كنا دايما مع بعض ، عمي جاسر بعده عن اي مكان ممكن نتقابل فيه ... أنا عايز أشوفه واعتذرله ، عايز نرجع أصحاب تاني ، مش عايزه يكرهني ولا يبقى مقروف مني ، ممكن تساعدني في دا ، مش أنت قولتلي هساعدك 

تنهد جاسر الأمر صعب قليلا ولكنه ليس بمستحيل ، سيحاول اومأ برأسه يغمغم :

- حاضر يا وليد وأنا عند وعدي ليك ، استنى مني مكالمة الأيام الجاية ، المهم نفضل ماشيين على الجدول 

اومأ وليد برأسه سريعا ليتحرك جاسر صوب مكتبه يخط عدة أدوية على سطح الورقة يعطيها لوليد يحادثه مبتسما :

- ما تقلقش ، بس عايزك بطل كدة عندك إرادة زي ما أنا شايفك دلوقتي 

ورحل وليد تاركا جاسر يفكر كيف سيقنع خاله بأن يدع يوسف يرى وليد ويعودا كما كانا !! ، 

دور رقية ... قام من مكانه يفتح باب غرفة مكتبه نظر صوب رقية مبتسما :

- اتفضلي يا آنسة رقية ، معلش آخرتك 

قامت رقية وصديقتها ليشير جاسر لصديقتها بأن تظل ، نظرت رقية له قلقة ليبتسم لها يغمغم :

- اتفضلي 

ترددت عدة لحظات قبل أن تبلع لعابها تومأ برأسها وتركها ودخل إلى الغرفة عائدا لمقعد مكتبه ... تحركت رقية خلفه وقفت بالداخل جوار باب الغرفة المفتوح تنظر لجاسر متوترة ليغمغم ببساطة:

-سيبيه مفتوح أو أقفليه دا قرارك أنتِ 

لم تقدر على إغلاقه ، تحركت لداخل الغرفة تاركة باب الغرفة مفتوحا توجهت لأقرب مقعد من الباب وجاسر لم يتحرك من مكانه تاركا لها المساحة الآمنة ، جاسر لاعب محترف في لعبة المساحة الآمنة بينه وبين من أمامه ... كلما نظرت لوجهه رأته يبتسم لها ابتسامة صغيرة هادئة لم تتغير مقدار ذرة ، امتعضت قسمات وجهه ألما يغمغم يحادثها :

-أنا آسف إني هتعبك بس جالي شد فظيع مش قادر أحرك رجلي ، ممكن تجيبلنا علبتين عصير من التلاجة

اومأت له مرتبكة لتتحرك من مكانها تتحرك صوب المبرد ، أرادها أن تشعر بأنه أضغف من أن يؤذيها الآن ، لأن بالطبع ذلك الماكر الساكن هناك داخل كفه يصور لها الآن أنه يخدعها ويسعي ليؤذيها ولكن كيف سيفعل وهو حتى لا يقدر على الحركة ! ، فتحت المبرد لتقع عينيها على الكثير من زجاجات العصير أغلبها بالتفاح والبرتقال ... وعدة ألواح من الحلوى جميعها من الشوكولاتة البيضاء ، أمسكت أحد الألواح لتلتفت له تغمغم تسأله مرتبكة :

-أنت بتحب الشوكولاتة البيضا؟

اومأ برأسه يوافق ما تقول لتلوح ابتسامة حزينة على شفتيها تهمس شاردة :

-أنا بردوا كنت بحب الشوكولاتة البيضا أوي ، ممكن أخدها 

اومأ برأسه يغمغم سريعا:

-آه طبعا اتفضليها ولو عايزهم كلهم كمان 

حركت رأسها نفيا يكفي ما معها ، أخذت زجاجتي عصير لتضع واحدة أمامه على المكتب ، أمسكت الأخرى تعود بها الى مقعدها وضعتها جانبا تنظر للساعة الرملية الموضوعة على الطاولة أمامها تتابع حبات الرمال وهي تسقط لأسفل تغرق في العمق مثلها ، ابتسمت في سخرية قبل أن ترفع رأسها إليه تغمغم بحرقة:

-أنا عارفة أنت بتعمل ايه ، بس صدقني كل اللي بتعمله دا مالوش فايدة ، طريقتك كلامك وعلاجك كلهم مالهمش لازمة لأني مجرد ما بحط دماغي على المخدة بفتكر كل حاجة بيعدي كل اللي عمله فيا قدام عينيا ، بحس بنفس الوجع والقهر ، أنت عمرك ما هتجرب عذابي ، أنا عيشت أسود أيام عمرها ما تيجي في خيال اضربت واغتُصبت واتعاملت أسوء معاملة ممكن تتخيلها مع واحد مريض ،عمرك جربت الشعور دا يا دكتور 

وابتسمت ساخرة تنظر بعيدا ، لتسمعه يغمغم :

- أختي جربته 

رفعت وجهها إليه تنظر صوبه مدهوشة ليحرك رأسه بالإيجاب يثني جانب ثغره بابتسامة ساخرة يردف :

- أختى الصغيرة كانت قدك كدة تقريبا بس هي ما كنتش متجوزة ، كانت بتحب واحد ومتفقين أنه هيجي بخطبها وفي يوم كلمتني وقالتلي أنها هتتأخر شوية ، بس الشوية طولوا أوي ليوم كامل قلبت عليها الدنيا ، لحد ما لقيتها في مستشفى وعرفت أنه اغتصبها ورماها في الشارع ... ما كنش ليا غيرها كانت بنتي مش أختي ، عيشت عذابها كله ، قلبت عليه الدنيا بس كان هرب ... وهي ما استحملتش اللي حصلها وانتحرت ، ماتت قدام عينيا وما قدرتش أعملها حاجة ، ضاعت من بين إيديا

أنهى كلامه لتنزل دموعه صحيح أن تلك القصة لم تحدث من الأساس وإنما قالها ليكسب تعاطفها ولكنه تذكر الكلمات التي قرأها في مذكرات والدته ، ربما يبكي حزنا على ما مرت به ، رفع وجهه إليه بعد عدة دقائق يغمغم :

- رقية ، أنتِ شبهها أوي ... دايما حاسك هي ، حاسس ناحيتك بالمسؤولية ، نفسي أساعدك عشان ما عرفتش أساعدها ... ساعديني أساعدك يا رقية أرجوكِ 

اضطربت حدقتيها تنظر له مشفقة حزينة خاصة حين رأته يبكي ، يبدو أنها ليست الوحيدة التي تعاني ، هل يمكن أنه تخصص في ذلك المجال حتى يساعد غيره لأنه لم يستطع مساعدة شقيقته المسكينة الصغيرة ، سأل عقلها الكثير من الأسئلة ، رفعت وجهها تنظر اليه ليمسح دموعه بقوة يحاول إلتقاط أنفاسه فتح زجاجة العصير يرتشف منها القليل ، قبل أن يتنهد بعمق يهمس لها :

- على فكرة هي كمان كانت بتحب الشوكولاتة البيضا أوي ، رقية أنتِ قوية ، أقوي مما تتخيلي ... أنا واثق أنك هتقدري تخرجي من ضلمة الخوف اللي سكنت عقلك ، مستعدة نبدأ معركتنا سوا ولا نأجلها للمرة الجاية 


أغمضت عينيه لتقبض كفها تندفع الذكريات إلى عقلها تتجسد حية أمام عينيها تسارعت أنفاسها بقوة تقبض يديها على ثيابها ، فتحت عينيها قبل أن تهمس شفتيها :

- مستعدة !

____________

الوقت تأخر كثيرا دون أن تدري الساعة اقتربت على الحادية عشر ليلا وهاتفها نفذ شحنه منذ ساعات ستلاقي توبيخا قاسيا حين تصل للبيت، لملمت أغراضها سريعا اقترب شهاب منها يسألها:

- تحبي اوصلك الوقت اتأخر 

نفت برأسها سريعا تعتذر منه :

- أنا آسفة يا شهاب مش هينفع ، أنا هتصرف 

- ليان أنتِ موبايلك مقفول ليه

غمغم بها جواد وهو يدخل إلى المكتب اقترب منها يغمغم:

-مامتك من بدري بتتصل بيكِ على العموم أنا قولتلها إني هوصلك ، يلا هاتي حاجتك 

اومأت برأسها سريعا تكمل جمع أغراضها نظر جواد بتعالي إلى الواقف بالقرب منهم يسأله :

- وأنت تطلع مين 

شعر شهاب بالغضب من نبرة جواد المتعالية ، قبض كفه يغمغم بابتسامة صفراء :

-باشمهندس شهاب  

همهم جواد يبتسم ساخرا قبل أن ينظر لليان يغمغم متأففا :

- يلا يا ليان انجزي بقى 

جذبت حقيبتها من على المكتب تقترب منه تغمغم سريعا:

- أنا خلصت أهو

أمسك كف يدها يجذبها معه إلى الخارج قبل أن يخرج من الغرفة التفت لشهاب يبتسم ساخرا ... تحركا سويا إلى سيارته فتح لها الباب ليجلس جوارها ، يقود السيارة يختار إحدى الأغاني الأجنبية التي صدحت على الفور في المكان بتعبيرتها الفجة المبتذلة التي جعلت وجه ليان يشتغل حمحم جواد محرجا يغلقها سريعا يغمغم :

-دي جت بالغلط ، ما فيش احلى من عمرو

دياب ...

وأعاد تشغيل أغنية أخرى .. يدندن معها ، حالة جواد الغريبة جعلتها تسأله :

- جواد هو أنا بس اللي حاسة أنك متغير 

توسعت ابتسامته يغمزها بطرف عينيه يغمغم :

- لا أبدا ، أنا بس مودي حلو الفترة دي ... واضح أن وجودك قريب حسن مودي كتير عن الفترة اللي فاتت 

توسعت حدقتيها تشعر بقلبها يقفز بعنف ما الذي يقصده تحديدا ، أليس ذلك هو جواد نفسه الذي ما كان دوما يخبرها أنه لا يرغب في قربها ويتقصد ان يحرجها هل أحبها فجاءة ؟! 

___________

على صعيد آخر توقف شريف بسيارته أمام منزله الساعة اقتربت من منتصف الليل اليوم كان لديه الكثير من العمل وأخيرا انتهى ، بالطبع الجميع نيام الآن ... صعد لأعلى يدس مفتاحه في قفل الباب ليرى المشهد التالي ، والدته تزرع صالة المنزل ذهابا وإيابا ونور تجلس على الأريكة تنظر لها قلقة .. أصفر وجهي كلتاهما حينا رأته ، أما هو فدخل إلى المنزل يغمغم متعجبا :

- مساء الخير ، خير في أي صاحين ليه لحد دلوقتي ، في اي يا ماما ، بابا بخير ... وصل الغردقة ؟!

اومأت والدته تغمغم سريعا :

- أيوة يا حبيبي بخير وصل من بدري واتصل طمنا عليه ، ما تقلقش خش نام أنت ، أنت جاي تعبان 

جعد جبينه يشعر بخطب ما خاطئ ، أين هي ليان؟ بالطبع نائمة ... تحرك للداخل قاصدا غرفتها فتح بابها فلم يجدها ، ليان ليست هنا 

عاد إليهم هرع إلى والدته يسألها قلقا :

- ليان فين هي كويسة ؟

نظرت والدته له ولم تعرف بما تجب ، حركت رأسها تغمغم قلقة :

- ايوة يا ابني كويسة ، هي هنا .. قربت توصل صدقني دي أول مرة تتأخر كدة ، وجواد هيوصلها لحد هنا 

احتدت عينيه غضبا حين أدرك ما يحدث ، لم ينطق بحرف فقط توجه لباب المنزل يفتحه ينزل درجات السلم سريعا وصل لأسفل قبل أن يستقل سيارته رأى سيارة جواد تقف ، ورأى شقيقته الساذجة تبتسم ببلاهة لذلك الأرعن ، تقدم صوبهم يفتح الباب المجاور لها ، انتفضت ليان مرتبكة ما أن رأته ... في حين ابتسم شريف يغمغم من بين أسنانه :

- متشكرين على التوصيلة يا جواد ، بس أعتبره آخر يوم شغل ليها 

توسعت حدقتي ليان في ذهول ليمسك شريف بيدها يخرجها من السيارة يصفع باب سيارة شريف ... ابتسم جواد في سخرية ولم يجب 

فقط أدار محرك سيارته وغادر ... تمالك شريف زمام أعصابه يغمغم بهدوء :

- على فوق يلا

تحركت تسير أمام شقيقها لأعلى ، لا تشعر بالخوف تعرف أن شريف لن يؤديها ولكنه لا يملك الحق بأن يخبر جواد بأنه يوم عملها الأخير ، هي لم تبدأ لتنتهي بتلك السرعة .. وصلا إلى منزلهم دخلت ليان ليدخل من خلفها شريف يغلق الباب ، أشار شريف إلى ساعة الحائط يغمغم :

-الساعة كام ؟

نظرت ليان لساعة الحائط لتراها تجاوزت منتصف الليل بنصف ساعة كاملة ... ابتلعت لعابها تغمغم مرتبكة :

-12 ونص 

همهم شريف يحرك رأسها بهدوء ، تلاشى في لحظة ليصرخ غاضبا :

- 12 ونص ، ليان هانم راجعة بعد نص الليل ... ليه شغالة رقاصة ... وطالما هتتنيلي هتتأخري ما كلمتنيش ليه ، وراجعة في عربية الزفت اللي اسمه جواد دا ليه ، دا أنا عندي أنك ترجعي في تاكسي ولا ترجعي في عربية الواد الزبالة دا ، دا لا عنده أخلاق ولا أدب ولا شرف


شعرت ليان بالغضب الشديد من طريقة حديث شريف عن جواد لتصرخ فيه :

- وطالما أنت مش طايقه أوي كدة ، خاطب أخته ليه ، ما هي أكيد زيه بقى 


- اخرسي 

رفع يده كان على وشك صفعها ليقبض كفه مانعا نفسه من فعل ذلك ... أدمعت عينيها تنظر لشقيقها مذعورة لأول مرة تشعر بذلك الخوف من شريف ، نظر الأخير لها محتدا قبل أن يدير وجهه عنه يغمغم بنبرة حادة :

-ما فيش زفت شغل تاني ، من هنا ورايح من الجامعة للبيت لحد ما بابا يرجع من السفر ونشوف وقتها قراره إيه 

انهمرت الدموع من عينيها ، تنظر لوالدتها تستنجد بها تغمغم بحرقة :

- ماما قوليله لاء ، هو مش من حقه يمنعني عن شغلي .. مش من حقك يا شريف ، أنت فاهم أنا مش عيلة صغيرة ، أنا بكرة هروح شغلي سواء وافقت أو لاء 


نظر إليها شريف للمرة الأخيرة قبل أن يتحرك إلى غرفته ، نظر إليها قبل أن يلج للغرفة يغمغم :

-ليان لو خرجتي من باب البيت وروحت مكتب جواد تاني ، انسي أن ليكِ أخ أسمه شريف ..

ودخل إلى غرفته يغلق بابها عليه ، لتهرع ليان إلى غرفتها ارتمت على سطح فراشها تبكي ، لم يكاد جواد يصرح لها تقريبا أنه أحبها ليأتي شريف الآن ويدمر كل شئ ، لا لن يحدث .. شريف لن يبقى غاضبا طويلا ستذهب إلى عملها غدا وليحدث ما يحدث 

____________

أين هو رعد ، بقي السؤال الذي لا إجابة له ... أين اختفى رعد ، أين هو تقريبا ها هو هنا ، في شقة طرب التي من المفترض أنها تمكث فيها بصحبة خالتها ولكن خالتها ليست هنا 

رعد وطرب فقط ، رعد يجلس على إحد المقاعد يخفي وجهه بين كفيه يبكي ، وطرب تجلس بالقرب منه كل محاولتها للتخفيف عنه ذهبت هباء منثورا ، منذ ما يقارب الساعات حين اتصل بها يخبرها بأنه بحاجة إليها وأنه يدق باب منزلهم منذ مدة ولا مجيب  لتهرع إليه تخبره أن خالتها سافرت عند أرقابهم ، أما هي فكانت في زيارة لإحدى صديقاتها وهو على ذلك الحال يبكي يهدأ قليلا ليعاود البكاء من جديد ، رفع وجهه من بين كفيه ينظر إليها ليغص قلبها عينيه الحمرا المنتفخة من شدة بكائه ، ليصرخ مُعذبا :

- عيشني عمري كله بحاسب على ذنب ماليش دعوة بيه يا طرب ، شيلني ذنبه هو ، أنا مش متخيل أن كل القسوة والإهانة دي عشان وهم في دماغه ، طول عمري نفسي أفهم أنا عملت ايه غلط عشان المعاملة دي ، طلعت ما عملتش اي حاجة ، أنا بحاسب على ذنبه هو ... أنا بكرهه ، بجد بكرهه من كل قلبي ... جوايا نار يا طرب ..

صمت وشردت عينيه يبدو أنه يفكر في كارثة ما ، هب واقفا ليبتسم ومن ثم ضحك ساخرا يغمغم :

- مش هو عيشني سنين في ذنب ما عملتوش ، دفعني تمن مشاريب ما طلبتهاش حتى ، أنا بقى هوريله جبروت جاسر مهران اللي كان خايف يشوفه ، هشرب كل المشاريب اللي أنا حاسبت عليها ،هو اتكلم وظلم كتير وجه دوري عشان أحقق كل اللي قاله ، جه دوري اتكلم وهو يسكت ويشوف جبروت رعد مهران اللي كان خايف يشوفه 

نظر صوب طرب يضحك عاليا لتنظر له الأخيرة قلقة ، لا تفهم إلى ما يخطط رعد تحديدا 

الفصل الحادي عشر من هنا 

تعليقات



×