رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل العاشر 10 بقلم ولاء رفعت علي


 رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل العاشر 

أطفأت الفرن و فتحت الباب الزجاجي مرتدية القفاز الواقي من الحرارة، جذبت الصينية و وضعت الأخري، أخذت تستنشق الرائحة بإستمتاع ثم قامت بتقطيع البيتزا إلي قطع علي هيئة مثلثات متساوية، فتحت خزانة الأطباق و تناولت أثنين، قامت برص القطع في كل منهما، وضعت كليهما أعلي الصينية، خرجت تبحث عن الصغيرة: 
"ياسمين؟، ياسمين؟". 

تركت الصينية أعلي الطاولة المقابلة للأريكة و ذهبت تبحث عنها، خفق قلبها وجلاً، تخشي أن قد أصابها مكروه، لكن عندما وجدتها آتية من الشرفة تحمل الهرة الصغيرة و تداعبها، نظرت إليها ببراءة و قالت: 
"حلوة أوي القطة يا طنط رودي، اسمها إيه؟". 

اقتربت منها و دنت منها: 
"اسمها بوسي، أنتِ مش خايفة منها؟". 

هزت رأسها بنفي قائلة: 
"أنا بحب القطط أوي، و بابي مش بيرضي يشتري لي واحدة، بيقولي إنه بيقرف من القطط، بس هقولك علي سر بابي مش بيقرف منهم هو بيخاف منهم جداً، مرة لما كنا في القصر عند uncle  يوسف و uncle  آدم، دخلت قطة الجيران و كانت بتنط وقعت علي رجل بابي قام مفزوع و صوت جامد". 

قالتها و أطلقت ضحكاتها الطفولية فبادلتها الأخري الضحك لا سيما عندما تخيلت هذا المشهد الكوميدي

"سيبي بوسي دلوقتي، و تعالي نغسل إيدينا عشان عاملة لك بيتزا حلوة أوي هاتعجبك". 

صاحت الصغيرة بسعادة: 
"إيه ده بيتزا، الله أنا بحبها أوي". 

مدت يدها إليها و قالت: 
"تعالي أنا عاملة لك صينية كبيرة عايزاكِ تخلصيها كلها لوحدك ". 

بعد قليل... 
عادت بظهرها إلي الوراء تشعر بالتخمة: 
"تسلم إيدك يا طنط رودي، البيتزا حلوة جداً، بابي بيعملها بس ما بتبقاش كدة". 

انتبهت إليها بتمعن و سألتها بإكتراث: 
"أومال بيعملها إزاي؟". 

ابتسمت الصغيرة بمكر و سألتها: 
"هقولك بس هيبقي سر برضو؟". 

ضحكت الأخري و اجابت: 
"عيب عليكِ، سرك في بير، و بعدين مش اتفقنا إننا نبقي أصحاب؟". 

اومأت لها: 
"اه". 

"ما دام إحنا أصحاب يبقي ننادي علي بعض من غير كلمة طنط، يعني أقولك يا ياسمينا، أنتِ تقولي لي يا رودي زي عمتو ملك ما بتناديني، اتفقنا؟". 

ابتسمت الصغيرة بمرح و قالت: 
"اتفقنا يا رودي". 

جذبتها بين ذراعيها و احتضنتها، فأخبرتها  الصغيرة:
"بابي ما بيعرفش يعمل بيتزا خالص عشان كدة بيطلبها دليفري، و هو بيحبها أوي بس من إيد مامي و هي خلاص ما بقتش موجودة، بابي بيقولي هي سافرت و مش راجعة تاني". 

شعرت بالحزن حيالها فسألتها بتوجس: 
"و هي مامي حصلها إيه بالظبط؟". 

صدح رنين هاتف ياسمين، انسحبت من بين يدي الأخري قائلة: 
"هتلاقيه بابي اللي بيرن ". 

أمسكت بالهاتف و أجابت: 
"ألو يا بابي". 
.......... 
"كنا بناكل بيتزا أنا و رودي و قعدنا نلعب و نتفرج علي الكارتون". 
....... 

ألتفت إلي رودينا و أخبرت والدها: 
"أوك يا بابي، رودي معاك أهي". 

مدت لها الهاتف و قالت: 
"خدي يا رودي بابي عايز يكلمك". 

أصابها التوتر و القشعريرة التي تداهمها كلما تتحدث معه أو تراه، وضعت الهاتف علي أذنها و بصوت يكاد يخرج بشق الأنفس: 
"ألو؟". 

كان الأخر يقود سيارته و يتحدث عبر السماعة اللاسلكية: 
"أنا مش عارف أشكرك إزاي، ياسمين أول مرة أشوفها مبسوطة من فترة كبيرة". 

ابتسمت و أجابت: 
"العفو، أنا معملتش حاجة و هي ماشاء الله عليها هادية و دمها خفيف، إحنا خلاص بقينا أصدقاء".

ضحك قائلاً: 
"مش كفاية ملك أختي عليكِ مستحملاها بقي لك سنين، هيبقي كمان ياسمين لاء كده الله يكون في عونك". 

ضحكت ثم عقبت قائلة: 
"بالعكس ملك عمري ما هلاقي زيها و الحمدلله إحنا أصدقاء من أيام ثانوي و بإذن الله لحد أخر العمر". 

"ربنا يخليكم لبعض، طيب أنا يعتبر خلاص قدامي خمس دقايق و هاكون عندكم". 
༺༻
يقرأ التقرير الذي في يده للمرة المائة ثم ألقاه بغضب أعلي المكتب، بينما والدته تجلس في حالة من الصدمة و تردد: 
"نفسي أفهم أخوك ده كان دماغه بتفكر إزاي لما عمل عملته مع البت دي!، مش كفاية اللي عمله زمان و راح أتجوز غصب عني البنت الموظفة اللي كانت عايشة في حارة و ساكنة و هي و أهلها في أوضة و صالة، طول عمره كان تاعب قلبي و مش مريحني، و أبوك كان واقف معاه في أي حاجة بيعملها كأني عدوتهم اللدودة". 

أطلق الأخر زفرة يخرج بها غضبه الذي اشتعلت نيرانه للتو عندما تفوهت بجرح الماضي، طرق بقوة علي المكتب قائلاً: 
"مش قولت لك ميت مرة بلاش تفتحي في القديم، روح ماتت و ابنك مات حتي بابا اللي كان تاعب أعصابك مات، أهم كلهم ماتوا و ريحوكِ".

 حدقت إليه بإمتعاض و سألته بحدة و توبيخ: 
"جري إيه يا ولد إزاي تعلي صوتك علي مامتك و تكلمني بالأسلوب  ده؟". 

أطلق زفرة بين كفيه ثم قال من بين أسنانه يحاول تصنع الهدوء و كبت غضبه: 
"حقك عليا، و ياريت و أرجوكِ بلاش سيرة الموضوع اللي كل شوية تفتحي ده بالذات و خلينا في المصيبة اللي مستنينا و المحامي اللي خلاص كلها دقايق و هايكون هنا". 

نظرت إليه و أومأت إليه: 
"حاضر يا أحمد، مش هافتح السيرة دي تاني، بس ياريت أنت اللي تكون اتعلمت من الماضي و ما تغلطش غلطة أخوك اللي شكلنا هاندفع تمنها دلوقت و لسه ياما هانشوف". 

أخذ ينظر إليها و في عينيه آلاف الكلمات و العتاب، انتبه إلي طرق الخادمة فقال: 
"أدخل". 

ولجت إلي الداخل و أخبرت كليهما: 
"المحامي وصل يا شيري هانم و مستني برة". 

أجابت الأخري عليها بأمر: 
"قولي له يتفضل". 

نهضت و همت بالذهاب مردفة: 
"هاروح أجيب حمزة و راجعة". 

بالفعل ذهبت و قامت بفتح الباب، قابلها السكون التام، بحثت بعينيها عليهما وجدتها تغفو و صغيرها علي السرير و الدثار يغطي كليهما بالكامل، تقدمت بخطوات هادئة حتي لا تستيقظ علا و كما تتمكن من أخذ الصغير في هدوء و دون رفض من والدته مثل المرة السابقة. 

اقتربت و رفعت الدثار لتكشف عن حفيدها و كانت المفاجأة، و في لحظات صياح السيدة شيريهان يسمعه القاصي و الداني: 
"ألحقني يا أحمد، أحمد؟". 

وصل صياحها الجهوري إليه، نهض و ركض إليها حيثما يعلم مكانها، دخل إليها وجدها تقف أمام السرير الموضوع أعلاه وسادات و كأنها أشخاص نائمة 

"إزاي ده حصل؟". 
صاح و الشر ينضح من عينيه، أجابت والدته: 
"هو ده وقت أسألة، كلم الرجالة خليهم يقلبوا الدنيا عليها هي و ابنها لحد ما يلاقوهم". 

قام في الحال بمهاتفة مدير الحرس و أمره بالبحث عن علا و ابنها في جميع أرجاء الفيلا بالداخل و الخارج، أنهي المكالمة و هم بالذهاب، أوقفته والدته و سألته: 
"رايح فين؟". 

حدقها و عينيه يملؤها الوعيد: 
"رايح أدور عليها و مش راجع غير و هي و ابنها معايا، هسلمك حمزة إنما هي بقي هخليها تعرف مين هو أحمد الشريف و تكره اليوم اللي شافتني فيه". 
༺༻
صدح رنين جرس المنزل، حملت حقيبة ورقية و ذهبت لتفتح الباب، لحقت بها الصغيرة التي علم أن والدها هو الزائر

"السلام عليكم". 

ردت الأخري التحية: 
"و عليكم السلام". 

احتضنت الصغيرة والدها، بادلها العناق و ربت عليها بحنان، التفت إلي رودينا و رفع يده بشئ كان يحمله: 
"أتفضلي". 

نظرت إلي ما يقدمه و هي عبارة عن علبة من الشيكولاتة الشهيرة
"ليه تعبت نفسك، أنا عندي كل حاجة". 

ابتسم و أخبرها: 
"دي هدية بسيطة". 

تناولت العلبة بإبتسامة تغمر ثغرها: 
" Mercie". 

رفعت يدها بالحقيبة الورقية ثم قالت: 
"دي بقي حاجة بسيطة، أنا اللي عاملاها بإيديا، تتعشا بيها أنت و ياسمين، يارب تعجبك". 

كاد يتردد أن يأخذها فتدخلت ابنته و أخبرته: 
"دي بيتزا يا بابي رودي عاملاها حلوة أوي أحسن من اللي أنت بتعملها و بتوجعي لي بطني". 

كبتت رودي ضحكتها، بينما ياسين قال لها بتوعد مازحاً: 
"بقي أنا بعملك بيتزا بتوجع لك بطنك، ماشي مفيش بقي نوديلز". 

أمسكت يده و برجاء قالت: 
"خلاص يا بابي أنا بهزر معاك". 

تصنع الحزن و رسم علي ملامحه الحزن و الجدية معاً: 
"بعد إيه ما فضحتيني قدام رودينا، لا أنا زعلان". 

ضحكت رودينا رغماً عنها: 
"بس كفاية مش قادرة أضحك أكتر من كدة، الضحك بيقلب معايا بكحة شديدة". 

حدق إليها مبتسماً: 
"لاء ده الطبيعي بتاعنا، ألف سلامة عليكِ". 

"الله يسلمك". 
قالتها و أخذت تنظر إليه عينيه في صمت، تنحنح قائلاً: 
"أنا مضطر أستأذن و شكراً علي البيتزا، متأكد هاتطلع حلوة إن شاء الله". 

انتبهت إلي حديثه و اجابت: 
"العفو ". 

و نظرت إلي الصغيرة و أردفت: 
"هستناكِ يا ياسمين تيجي تاني، اتفقنا؟". 

"اتفقنا". 
قامت بمعانقتها و بادلتها الأخري العناق، و قبل أن تذهب مع والدها لوحت بيدها: 
"باي باي رودي". 

و قال ياسين: 
"مع السلامة". 

أومأت بإبتسامة و اجابت: 
"الله يسلمك، باي يا ياسمينا". 

وقفت تنظر إليهما و هما يقفان في إنتظار المصعد، لوحت ياسمين بيدها قبل أن تدخل إلي المصعد و فعلت الأخري المثل و عينيها لا تحيد عن الذي سلب عقلها و أسر فؤادها. 

و بعد أن ذهب كليهما، أغلقت الباب و تنظر إلي علبة الشيكولاتة بسعادة، لا يعلم إنه أهداها النوع الذي تفضله و تعشقه كما تحبه تماماً. 
༺༻
عاد للتو من الخارج و كان الوقت متأخراً، ربما فعل هذا عن عمد، يقضي معظم ساعات يومه في الشركة و يعود في في أواخر الليل حين وقت نومها، و ذلك لإنه لا يريد أن يلتقي بها، 
صعد الدرج و أتجه إلي غرفة صغيريه، ولج إلي الداخل فوجد ابنه نائماً و الغطاء قد أزيح عنه، اقترب منه و دثره جيداً ثم دنا منه و قام بتقبيل رأسه، ألتفت إلي صغيرته التي تحتضن الوسادة و تهمس و هي نائمة: 
"مامي، بابي، لوكا، عايزة مامي". 

وضع يده علي جبهتها، عقد ما بين حاجبيه، ثم قام بلمس وجنتها ليتأكد من إرتفاع حرارتها الذي جعلها تهذي للتو، ذهب ليبحث عن المربية، خرج من الغرفة منادياً: 
"دادة زينات؟". 

كرر ندائه فقامت إحدي الخادمات بالرد عليه من الطابق الأسفل: 
"مدام زينات نايمة عشان كانت تعبانة، حضرتك كنت عايز حاجة؟". 

"شكراً". 
أجاب بإقتضاب و أطلق زفرة لإنه سوف يضطر للولوج إلي داخل غرفة النوم حيث يوجد الأدوية الخاصة بإبنته داخل الثلاجة الصغيرة، تردد و في النهاية دخل إلي الغرفة وقعت عينيه علي الفراش، لكنه تفاجئ الفراش كما هو مرتب، ألتفت إلي الشرفة لم يجدها أيضاً هنا، وصل إلي أذنه صوت حركة آتية من داخل المرحاض و الباب مغلق، أدرك إنها بالداخل، ذهب إلي الثلاجة ليأخذ منها الدواء، أخذ يبحث عن خافض الحرارة 

فتحت باب المرحاض و خرجت مرتدية حول جسدها منشفة قطنية كبيرة و خصلات شعرها مبتلة بالماء، توقفت حينما تفاجأت بوجوده، 
كان يشعر بها لكنه يتجاهلها، أقتربت منه و توقفت بجواره، لاحظت أنه يبحث عن شئ ما و لم يجده، فسألته: 
"أنت بتدور علي حاجة؟". 

سألها بنفاذ صبر: 
"فين خافض الحرارة بتاع زينب؟". 

"أنا لسه كنت مديالها من شوية و رايحة أعملها كمدات دلوقت". 

أغلق باب الثلاجة بعنف و هم بالمغادرة، لحقت به و وقفت أمامه، وضعت يدها علي عضده، و بأعين قد جفاها النوم و لم تتوقف عن الدموع: 
"ممكن نتكلم مع بعض شوية؟". 

نظر إلي يدها التي تمسك بذراعه ثم عاد ببصره إليها، بداخله صوت يوبخه و يأمره بأن يكفيه ما يفعله و يرفق بحالتها و ضعفها أمامه، و سرعان ما صاح صوت آخر للوحش الكامن الذي بداخله يأمره غرار ذلك، و كان الفاصل هنا إلي صوت كبريائه الذي جعله قام بجذب يدها و ألقاها و قال محذراً إياها بحدة: 
"ابعدى عني أحسن لك". 

ابتلعت غصة مريرة، كاد يفتح الباب فأوقفته فأسرعت و أوقفته تسأله بأعين فاض بها العذاب: 
"و أخر البعد ده إيه؟". 

أجاب بهدوء دب الخوف في أوصالها: 
"أخره هاتعرفيه قريب أوي". 

دفعها من أمامه بحدة و غادر الغرفة قلبه يحترق قبل فؤادها الذي تمزق إلي أشلاء، أسرع للدخول إلي غرفة صغيريه، خلع ربطة عنقه و ألقاها علي الأرض، قام بفتح أول ثلاثة أزرار حيث يشعر بالإختناق، نظر إلي ابنته و تذكر أمرها،  اقترب منها و وضع يده علي جبهتها فوجد حرارتها بدأت بالإنخفاض قليلاً و العرق ينتشر علي جانبي جبهتها، رأي وعاء علي الكمود مليئ بالماء و بجواره قطعة قماش قطنية، أمسك بها و غمرها في الماء و قام بـ عصرها ثم وضعها علي جبهة الصغيرة. 

ظل يكرر ما فعله عدة مرات، أمسك بمقياس الحرارة الرقمي و قام بإدخاله في فمها أسفل لسانها، نظر إلي الشاشة الرقمية و جد حرارتها عادت إلي معدلها الطبيعي، زفر بأريحية و ترك المقياس علي الكمود. 
تمدد بجوارها و جذبها بين ذراعيه، استيقظت عندما شعرت به و بصوت يغلب عليه التعب و النوم: 
"أنت جيت أمتي يا بابي؟". 

ابتسم إليها رغماً عن ما يشعر به داخله و أجاب بهمس، يده تلمس خدها الممتلئ: 
"أنا لسه جاي من شوية". 

احتضنته و قالت: 
"نام جمبي و ما تسبنيش تاني عشان أنت بتوحشني أوي". 

"و أنتِ كمان بتوحشيني أوي يا روح بابي". 

قامت بتقبيل خده و أخبرته بإبتسامة: 
"Ilove you". 

" Ilove you too". 
و احتضنها بقوة، و هي أيضاً: 
"بابي ممكن تحكي لي حدوتة الأميرة زوزو و الشاطر قصي". 

ضحك و تذكر تلك القصة القصيرة التي لا تمل منها مهما قام بسردها عدة مرات، تنهد و قال: 
"أمرك يا أميرة زوزو، كان يا ما كان في سالف العصر و الزمان، كان فيه أميرة جميلة حبها الشاطر قصي و هي مكنتش بتحبه لأنها كانت متعلقة بواحد تاني و فاكرة إنها بتحبه، لكن قصي ما استسلمش لحد ما أتجوز الأميرة اللي مكنتش طيقاه و لا بتحبه في الأول، هو كان غبي عشان عاملها بقسوة و كان بيجبرها تحبه بالقوة لحد ما كان هيخسرها في يوم، مرت الأيام و بقي يعاملها بحنية لحد ما بدأت تحبه و امتلك قلبها زي ما هي ملكة قلبه، بعد كدة ربنا رزقهم بولد و بنت زي القمر، و في يوم من الأيام الأميرة عملت حاجة زعلته منها أوي، خلته مش قادر يسامحها و لا يعمل معاها إيه، هو برغم كل ده بيحبها و مش قادر علي بعدها رغم إنه رجع يقسي عليها من تاني لما غلطت في حقه، هو نفسه تفوق و تبطل عناد و غباء اللي ممكن يخليها تخسر كل حاجة، لحد دلوقت هي ما تعرفش هي بالنسبة له إيه، هي صبا قلبه و روحه... 
توقف عن الحديث حينما رأي وجه ابنته الغاضب، سألها بقلق: 
"مالك يا زوزو؟". 

اجابت بغضب: 
"بتضحك عليا و بتحكي لي قصتك أنت و الست مامي!، قوم يالا روح لها و ما تنمش جمبي تاني". 

دفعته في صدره بيديها الصغيرتين، لم يتمالك نفسه و أطلق العنان لضحكته، جذبها إليه قائلاً: 
"تعالي هنا ما تزعليش، و بعدين أنتِ و مامي واحد، أنتِ غيرانة منها؟". 

زمتت شفتيها لأسفل و حاوطت وجهه بكفيها: 
"مش بغير، بس أنت حبيبي أنا و بس". 

ظل ينظر إلي ملامحها، كم تشبه والدتها حتي في خصالها مثل ملامحها، لا ينكر كما طرب قلبه ذلك، احتضنها و أخبرها: 
"أنتِ و ماما و مالك، كلكم حبايب قلبي و روحي". 

و أمام الغرفة تقف و تسترق السمع، ابتسمت بعد أن ظهر أمامها شعاع أمل جعل قلبها يشعر و لو بالقليل من الراحة، تحركت و عادت إلي غرفتها، و بالعودة إليه كان يتحدث إلي ابنته و عينيه نحو الباب حيث رأي ظلها عندما كانت تقف منذ أن بدأ بسرد القصة إلي ابنته، يعلم الآن ما يجول في رأسها من أفكار و هذا ما يريده في الوقت الحالي إستعداداً للقادم! 
༺༻
تتقلب علي الجانب الأيمن تارة و الأيسر تارة أخري، تشعر بالحر فأستيقظت تتصبب عرقاً، نظرت إلي السقف لتجد المروحة لا تعمل، أطلقت زفرة بحنق و قالت: 
"أنا عارفة هو يوم أجازة باين من أوله". 

خرجت من الغرفة تنادي: 
"ماما، يا ماما؟". 

خرجت والدتها من المطبخ و سألتها بقلق: 
"في إيه يا بنتي، الناس تصحي تقول صباح الخير لكن أنتِ صاحية و عمال تجعري يا ماما، يا ماما". 

نظرت إليها بإمتعاض: 
"أنا نفسي أفهم، هي المروحة عملت لك إيه عشان تطفيها عليا و أنا نايمة!". 

"أنا لاقيت الجو برد و أنتِ نايمة من غير غطا خوفت لتتعبي و يجي لك برد، فطفيتها". 

ضغطت بقوة علي أسنانها من فرط الغيظ: 
"و إشمعنا ما بتعمليش كده مع ابنك اللي نايم ليل و نهار تحتها و مشغل التكيف كمان". 

أجابت الأخري بدهاء حتي لا تثير غضب ابنتها: 
"يا هبلة أنتِ مش زيه، أنتِ رقيقة و زي البسكوتة مش بتستحملي حبة برد، لكن هو ماشاء الله لو نام من غير هدوم تحت التكيف مش هيحصله حاجة". 

"ماشي يا ماما، اضحكي عليا بكلمتين عشان أسكت، أنا بعد كدة هقفل عليا الباب بالمفتاح من جوة". 

ضحكت والدتها ثم سألتها: 
"رايحة فين كدة، برضو عايزة تحكي لي إيه اللي حصلك في الشغل و مطير النوم من عينيك و خلاكِ سهرانة للصبح؟". 

هربت من النظر إليها و اجابت كذباً: 
"قولت لك مفيش حاجة حصلت، كان عندنا ضغط شغل بيخليني مش مركزة، و كنت سهرانة عشان شربت قهوة إمبارح و هي اللي خلتني سهرانة للصبح". 

رفعت والدتها إحدى حاجبيها و قالت: 
"ماشي يا منار، براحتك مش هسألك تاني، و أنتِ بنفسك اللي هتيجي تحكي لي بنفسك بس بعد ما تاخدي علي قفاكِ زي كل مرة". 

تخشي أن تخبرها بالأمر الذي يحيرها و تخفيه عنها لأنها تعلم جواب والدتها و كم التوبيخ الذي سوف تتلقاه منها فأثرت الصمت، همت بالذهاب و العودة إلي غرفتها: 
"لما هيبقي فيه هابقي أحكي لك ". 

"استني عندك". 
فعلت كما قيل أمرتها والدتها و سألتها: 
"نعم يا ماما؟". 

"أبوكِ أتصل بيا إمبارح و بيشتكي منك إنك ما بترديش علي إتصاله و لا بتسألي حتي عليه". 

اجابت الأخري بجدية و حزم: 
"و إيه الجديد في كدة!، و لا عشان طولت عليه المرة دي و بقيت أتجاهله!". 

حدقت إليها والدتها بحزن و قالت: 
"معلش عشان خاطري، مهما كان دي أبوكِ و شايلة اسمه، ملكيش دعوة باللي عمله معايا زمان". 

تحولت ملامحها الغاضبة إلي أخري حزينة باكية، تتذكر مشاهد من الماضي عندما كانت في الثامنة تحضن شقيقها الذي يصغرها بأربعة سنوات داخل الغرفة المظلمة و يري كليهما والدهما يقبض علي تلابيب والدتهما، يزمجر كالوحش: 
"هاتي الفلوس أحسن لك بدل ما أقتلك". 

صرخت الأخري بسخط: 
"مش هديك حاجة، حرام عليك بدل ما تصرف علي عيالك أنا اللي بشتغل و بصرف عليهم بدالك و أنت المرتب بتاعك بتخلصو علي مزاجك و النسوان و أنا و عيالك نولع بجاز، أنا مش هديلك حاجة و أعمل اللي تعمله". 

صاح بغضب عارم: 
"بقي كده، أنا مش همد إيدي عليكِ المرة دي بس هاعمل اللي هخليكِ تيجي تبوسي رجلي و هاتديني الفلوس و فوقيهم بوسة كمان". 

لمحة من مشهد آخر
فتحت والدتها الباب وجدت ضابط شرطة و معه بعض الرجال، فسألته: 
"خير يا حضرة الظابط، فيه حاجة حضرتك؟". 

أجاب الأخر قائلاً بجدية: 
"مطلوب أخلاء الشقة لمالكها الأستاذ مسعد". 

صاحت بصدمة: 
"مسعد مين؟، و شقة إيه اللي هنخليها، دي شقتنا بإسم جوزي و أخدها ورث عن حمايا و أتكتبت بإسمه". 

ظهر من خلف الضابط رجل ذو ملامح مخيفة: 
"ايوه كانت بتاعته و هو باعها ليا من سنتين و المدام قاعدة فيها و سيبتها رأفة بحالهم هي و عيالها لكن أنا عايز أستلم شقتي و هي قاعدة فيها غصب، دي ينفع يعني يا باشا؟". 

ركضت إلي والدتها تتشبث بها بخوف
"الراجل ده كداب يا فندم، أنا عمري ما شوفته و لا أعرفه قبل كدة، و الشقة دي زي ما قولت لحضرتك بإسم جوزي، ثواني هادخل أجيب لحضرتك العقد". 

ذهبت إلي الغرفة لتبحث عن عقد ملكية الشقة لم تجده،  أخذت تبحث في كل رف داخل الخزانة و في كل درج بالكمود و طاولة الزينة لم تجده، هنا تذكرت حديث زوجها عندما توعد لها، أخذت تلطم خديها و تنوح

عادت منار من محيط الذكريات الأسود بجراح لم تندمل بعد، فقالت من بين دموعها: 
"عايزاني أسامحه علي إيه و لا إيه، تحب أفكرك لما الحكومة جت خرجتنا بالقوة و عفشنا أترمي في حوش العمارة، و روحت بعدها لبابا تتحايلي عليه عشان خاطر إن أنا و أخويا ما نتبهدلش، فاكرة قالك إيه وقتها؟، تحبي أعيد لك كلامه و لا تعيديه مع نفسك عشان تفتكري!". 

صاحت بها والدتها لتنهيها: 
"كفاية، كفاية بقي". 

صرخت الأخري بإنهيار و دموع يتمزق لها القلب: 
"لاء مش كفاية، لأنه مغلطش فيكِ لوحدك، غلط في حقنا إحنا كمان يا عياله، و زي ما في عقوق الوالدين، فيها حاجة اسمها عقوق الأبناء و هو أصلاً عمره ما اعتبرنا ولاده، أب بالأسم و بس، فأنتِ بقي اللي كفاية تجيبي لي في سيرته، و لو كلمك أو سألك عليا تاني قولي له منار بتعتبرك مش موجود". 
بعد أن أطلقت كلماتها ركضت سريعاً إلي غرفتها و أغلقت الباب، و أطلقت لعبراتها العنان، تبكي مثل الطفلة الصغيرة تعقد ذراعيها علي جسدها و كأنها تعانق نفسها. 
༺༻
استيقظت للتو ثم نهضت بجذعها، تعتصر عينيها بألم بسبب ألم الرأس الذي أصابها للتو، فتحت عينيها و رأت إنها في غرفتها، اتكأت بيدها لكي تتحرك، تأوهت من وخزة إبرة، نظرت إلي ظهر كفها وجدت إبرة الخاصة بتوصيل المحلول المغذي، حاولت أن تتذكر ماذا حدث لها و أين كانت، وصل إلي أنفها رائحة طعام شهية، شهقت و نهضت علي الفور، لاحظت هيئتها في المرآة قبل أن تغادر الغرفة، ترتدي منامة حريرية من كنزة بلا أكمام و سروال يصل إلي منتصف فخذيها، حاولت جاهدة أن تتذكر كيف ارتدت تلك المنامة التي باتت لم ترتديها. 

ذهبت مسرعة إلي المطبخ، تسمرت في مكانها حينما رأته يقف أمام الموقد، يرتدي منشفة قطنية حول خصره، يغني و يقلب الطعام في الإناء و المقلاة المجاورة إليه، ماذا يفعل هنا و مَنْ سمح إليه بالدخول و يقف في المطبخ يعد الطعام و يغني كما و كأنه مازال زوجها! 

وصل غضبها إلي قمته فصاحت: 
"بتعمل إيه عندك؟". 

التفت إليها مبتسماً: 
"الحمدلله بقيتِ كويسة، حمدالله علي السلامة ". 

أشارت إليه دون الحاجة إلي المشاجرة و معرفة الجيران بما يحدث بينهما، قالت بهدوء: 
"أطلع برة". 

أجاب ببرود و الإبتسامة لا تفارق محياه: 
"ده بدل ما تشكريني إنك لما تعبتي و أغمي عليكِ في المكتب، مارضتش أسيبك، شيلتك و اخدتك علي هنا و جيبت لك الدكتور و قال اللي عندك ده عشان ما بتاخديش العلاج و الضغط عندك مش مظبوط، خلتني جمبك و عشان أخد بالي من الولاد، بعد كل ده تطرديني!". 

تنظر من حولها تبحث عن ابنيها، فقال إليها: 
"الأولاد في النادي و بعد ساعة هاروح أجيبهم ". 

جزت علي أسنانها ودت أن تقذفه بالمقلاة التي خلفه علي الموقد
"أنا و لا هزعق و لا هصرخ، بس ياريت بكل أدب و احترام خد بعضك و أمشي من هنا". 

أطفأ الموقد و التفت إليها قائلاً: 
"حاضر يا كارين، هنفذ لك اللي أنتِ عايزاه، بس أنا مستني هدومي تنشف عشان غسلتها و نشرتها برة في البالكونة، قدامها ساعة عقبال ما تنشف، أنا جيت أدور علي هدومي في الدولاب ما لقتش أي حاجة ليا". 

نظرت إليه بازدراء و أخبرته: 
"لمتهم لك و حطتهم في شنط الزبالة و أديتهم للبواب يخليهم عنده عشان لما تيجي تسأل عليهم يديهم لك، ما تنساش و أنت نازل تبقي تعدي تاخدهم". 

جز علي أسنانه بحنق، يعلم كم هي ماهرة في الكيد، تريد إثارة غضبه لكنه لم يعط إليها تلك الفرصة، أومأ لها مبتسماً: 
"شكراً يا فنانة، كله من ذوقك". 

نجح في سبر اغوارها، صاحت في وجهه بأمر: 
"أنا داخلة جوة هقعد في أوضتي لحد ما هدومك تنشف تلبسها و مش عايزة أشوف وشك هنا في البيت خالص". 

استدارت و ذهبت ثم عادت مرة أخري لتسأله: 
"أنت مين اللي سمح لك تغيري لي هدومي و تلبسني البيچامة اللي بقيت أكرهها دي؟". 

اقترب نحوها حتي أصبح قريباً منها، عقد ساعديه أمام صدره و أخبرها بنظرة يعلم مدي تأثيرها عليها: 
"هايكون مين غيري اللي يقدر يعمل كدة!، أنا كان كل همي أغير لك هدومك و ألبسك حاجة تنامي و أنتِ مرتاحة فيها، لاقيت البيچامة دي لأن بحبها عليكِ، لبستها لك، أنا فاهم اللي بيدور في دماغك كويس، ما تخافيش أنا ما قربتش منك لأن عارف حدودي كويس، ده غير حافظ كل حتة فيكِ، مش محتاج أشوفك من غير هدوم،  أنا مش مراهق يا كارين". 

كادت تشعر بالضعف أمامه و تسير خلف قلبها، لكن قبل أن يصدر منها ردة فعل يدرك منها هذا الضعف، داهتمه بسخرية و تعنت: 
"و لما أنت عارف حدودك كويس، إيه اللي دخلك بيت ما بقاش بيتك، و تقلع و تغسل هدومك و عمال تعمل في أكل و واخد راحتك علي الأخر، هي حدودك دي بالظبط مالهاش نهاية و لا إيه إن شاء الله!". 

اقترب خطوة فتراجعت إلي الوراء خطوتين لتجد نفسها محاصرة بينه و بين الطاولة الرخامية: 
"هو مش بيتي بس بيت ولادي، و ده وضع مؤقت و هترجع كل حاجة لوضعها الطبيعي، و أولهم أنتِ". 

ابتلعت ريقها و أغلقت عينيها، و بصوت يكاد يخرج من بين شفتيها بعد إنهيار حصونها حجر تلو الأخر: 
"أبعد عني يا يونس". 

أقترب بشفتيه من عنقها و سألها بهمس: 
"ما تكذبيش علي نفسك، أنتِ مش عايزاني أبعد، بالعكس عايزاني أقرب منك أكتر". 

حاوطها بين ذراعيه فشعر بـ رجفة جسدها بين يديه فأردف: 
"كارين، إحنا مالناش غير بعض، أنتِ ملكي و أنا ملكك، بلاش تخلي عنادك يحرمنا من بعض، قصة حبنا مش مجرد قصة حب عادية، كل اللي يعرفنا لما بيحكو عنها كأنها أسطورة من أساطير قصص العشاق". 

فتحت عينيها و نظرت صوب خاصته و سألته و حصونها أصبحت أطلال بين يديه: 
"أنت عايز مني إيه دلوقت؟، مش كفاية جرحك ليا و خيانتك اللي عمري ما هسامحك عليها". 

أمسك طرف ذقنها و أخبرها بنظرة عاشق يتوسل إلي معشوقته: 
"أنا عارف اللي عملته غلط كبير و غباء مني، بس أقسم لك بالله ما لمستهاش، مجرد جواز علي ورق مش أكتر، و هاروح أطلقها حالاً بس تسامحيني و نرجع لبعض". 

اجابت بنبرة قد أوشكت علي البكاء: 
"و لو رجعنا ما أقدرش أوعدك هانرجع زي الأول، جرحي صعب يتداوي". 

نظر إلي شفتيها ثم عاد ببصره صوب عينيها و قال: 
"أنا اللي جرحتك و أنا اللي هداوي جرحك، بعشقك أوي يا كارين و مش قادر أعيش بعيد عنك أكتر من كدة". 
أنهي حديثه بإلتقاط شفتيها في قبلة و عناق أفاض بهما بكل مشاعره إليها، جعلها لم تكن قادرة علي الرفض أو حتي دفعه عنها، لأن الآن الكبرياء قد غفي في سبات عميق و المسيطر عليها هو القلب، فؤادها المتيم به. 

أخذ يقبل كل إنشاً في وجهها و يهبط إلي عنقها ثم إلي جيدها و يديه تحيط خصرها ليحملها و جعلها تجلس فوق الطاولة الرخامية، يغمر هما الشوق، هيهات و قد قطع تلك اللحظة رنين الجرس، دفعته في صدره و عادت إلي وعيها. 

"إيه ده مين اللي جاي لك علي الصبح؟". 

نظرت إليه بإمتعاض و أشارت إليه: 
"خليك مكانك ما تتحركش عقبال لما أشوف مين". 

أوقفها و أمسك يدها قائلاً: 
"أنتِ هاتستهبلي، إزاي هاتروحي تفتحي الباب بالمنظر ده؟". 

جذبت يدها من يده و اجابت: 
"أنا هاروح ألبس حاجة الأول يا ذكي، و بعدين الكل عارف إن إحنا مطلقين إزاي هاتفتح و حد يشوفك عندي و كمان هتخرج لهم بالفوطة حوالين وسطك!". 

زفر بحنق فقال علي مضض: 
"اتفضلي انجزي و لو حد غريب ما تفتحيش". 

لوحت بيدها بعدم إكتراث إلي ما أخبرها به، ركضت إلي غرفتها و أرتدت مأزر طويل و ذهبت إلي الباب، ألقت نظرة من العدسة الزجاجية، شهقت بخوف، عادت إلي هذا المناظر داخل المطبخ، رأي وجهها الشاحب فسألها: 
"في إيه مالك، مين اللي بيرن الجرس؟". 

"قصي، أعمل إيه، يادي المصيبة، لو شافك هنا هاتحصل كارثة فوق دماغي و دماغك، منظري هيبقي زبالة قدامه، منك لله". 

"إهدي و ما تخافيش، أنا هادخل استخبي في الأوضة، و أنتِ روحي أفتحي له و أقعدي معاه لحد ما هايمشي، سهلة و بسيطة، و اهدي كدة عشان ما يشكش في حاجة، قصي ذكي جداً ده من بصة واحدة في عينيكِ و أنتِ في الحالة دي هايفهم علي طول". 

أشارت إليه نحو الخارج و قالت بصوت خافت: 
"أنت لسه هاترغي، أخلص روح أستخبي بسرعة و أقفل عليك الباب". 

و بعد أن دلف إلي الغرفة و أغلق الباب، ذهبت لتفتح الباب و تظاهرت كأنها مستيقظة من النوم للتو. 

يمسك هاتفه في يده و يسألها: 
"إيه يا كارين،  عمال أتصل عليكِ من إمبارح ما بترديش". 

أجابت بتوتر: 
"أصلي كنت تعبانة فعملت الفون silent و نمت و صحيت علي صوت الجرس، أتفضل". 

أشارت إليه فولج إلي الداخل، اخترقت رائحة الطعام أنفه، نظر إليها فوجدها تنظر نحو باب الغرفة المغلقة: 
"أنتِ كنتِ نايمة و لا بتعملي أكل؟". 

انتبهت إليه و غرت فاها ثم اجابت: 
"لاء، قصدي كنت عاملة فطار لچوليانا و رسلان و السواق خدهم علي النادي فقولت أنام شوية و أصحي أروح أجيبهم، كويس أنك صحتني". 

أومأ لها و حاول أن يصدقها، فهو كما أخبرها شقيقه، من النظرة الواحدة يدرك الكذب من الصدق لاسيما أقرب الناس إليه

"واقفة عندك ليه ما تيجي تقعدي". 

ابتسمت لتخفي التوتر الذي علي وشك فضحها أمامه: 
"ما أنا كنت لسه هاقعد، كنت بس هسألك تشرب إيه و لا لسه ما فطرتش؟". 

"تعالي أقعدي، أنا مش هفطر دلوقت". 
فعلت كما أمرها: 
"بس قولي أنت، إيه المفاجأة الحلوة دي، لازم يعني ما أردش علي الفون عشان تقلق و تيجي تطمن عليا؟". 

تنهد بعمق و أخبرها بنبرة مليئة بالشجن: 
"و الله يا كارين ربنا اللي عالم باللي أنا فيه، و مشاكل جوة الشغل و برة الشغل، مش عارف ألاقيها منين و لا منين". 

"إيه ده أنا كنت بقول عليك ديماً جبل، إيه اللي حصلك؟". 

أخرج من جيبه سيجاره و القداحة، أنزلقت من يده، فأنحنت مسرعة لتمسك بها و تعطيها إليه،  نظر إلي ظهر يدها فأمسكها برفق: 
"إيه ده، أنتِ كويسة؟". 

نظرت إلي الإبرة التي تخترق وريد يدها و اجابت بتوتر: 
"أنا الحمدلله بخير، أصل كنت تعبانة و روحت كشفت علقوا ليا محلول و نسيت أشيلها". 

"أوعي تكوني ما بتاخديش علاجك؟". 

"لاء باخده بس اللي حصلي كان نتيجة إجهاد و تعب و مكنتش باكل كويس". 

ابتسم بمكر و سألها: 
"و يا تري الإجهاد ده بسبب قلة الأكل و لا من كتر التفكير في حبيب القلب؟". 

"بس ما تجبليش في سيرته، أنا بحاول أنسي أحسن بدل ما أروح أخنقه". 
كانت ردة فعلها المبالغة زادت من شكوكه أن تخفي أمر ما، نهض و هو يشعل سيجاره: 
"أنا هاروح أشرب السيجار في البالكونة، اعملي لي فنجان قهوة و تعالي عشان عايزك في موضوع". 

ابتسمت بترحاب و قالت: 
"أحلي فنجان قهوة للكينج، روح و أنا هعملها و جاية لك". 

ولج إلي داخل الشرفة و ينفث دخان السيجار، انتبه إلي الثياب المعلقة علي المشجب الداخلي، أقترب منها و تأكد إنها ثياب رجالي،  بنطلون چينز و قميص قطني و فانلة و سروال و جوارب أيضاً، لم ينتظر أكثر من ذلك و قام قطع الشك باليقين، أطفأ سيجاره ثم ألقاها من الشرفة،  أخرج هاتفه و قام بالإتصال علي شقيقه، عاد إلي الداخل و يسمع صوت رنين الهاتف يأتي من غرفة الأطفال، ذهب ليأتي به من الداخل و عينيه صوب الباب المغلق لغرفة النوم، أتجه إليه، بينما هي تأخذ الفنجان من ماكينة عمل القهوة و وضعته أعلي الصينية ثم ذهبت إليه، لم تجده داخل الشرفة لكن رأت الثياب المعلقة بالداخل، شهقت و ألقت ما بيدها، عادت إلي الداخل لتجده يضع يده علي مقبض باب غرفة النوم و كاد يفتحه، أوقفته بتوسل: 
"قصي استني". 
༺༻
"أتفضلي يا مدام علا، معلش هي الشقة ضيقة بس فيها حبة هوا يردوا الروح، يوه نسيت أعرفك بنفسي، أنا خالتك أم حسين و أبقي جارة عمك صابر، بيته قصاد بيتنا". 

 سألتها الأخري بعدما شعرت بالطمأنينة هنا في هذا المكان الهادئ، و رغماً من مظهره الرث يكفي إنه بعيداً عن السيدة شيريهان و ابنها الذي حاول الإعتداء عليها و يتوعد إليها بالأذي، كما تخشي علي ابنها من شرهما: 
"و المقدمة و الإيجار هيبقوا كام يا حجة أم حسين؟". 

أجابت السيدة بترحاب وإبتسامة:
"عمك صابر ربنا يبارك لك فيه دفع كل حاجة، مقدمة و إيجار خمس شهور، هو أنتِ تبقي بنت أخوه زي ما قالي؟". 

أدركت علي الفور أن العم صابر أخبرها ذلك حتي يتجنب أحاديث أهل الحارة، هزت رأسها بالإيجاب قائلة: 
"اه، هو عمي". 

ربتت الأخري علي ذراعها بـ ود و حنان: 
"ربنا يخليكم لبعض يا حبيبتي، عم صابر ده راجل طيب و أمير و كل أهل الحارة هنا بيحبوه، أسيبك أنا بقي تاخدي راحتك و هابقي أبعت واحدة تنضف لك الشقة". 

"لاء، قصدي شكراً مفيش داعي، أنا هروقها بنفسي". 

ابتسمت السيدة و قالت: 
"علي راحتك يا حبيبتي، اسيبك أنا بقي عشان أنا سايبة الأكل علي النار زمانه أتحرق، فوتك بعافية". 

ذهبت أم حسين و أغلقت الباب خلفها و أصدر صوتاً أفزع الصغير الذي ألقي بنفسه بين ذراعي والدته بخوف قائلاً: 
"حمزة خايف يا ماما". 

ربتت عليه بحنانها الفياض و أخبرته: 
"ما تخافش يا حبيبي، إحنا هنا في أمان". 

نظر إليها و ببراءة قال: 
"الراجل الوحش هيجي يخطفنا تاني، و يخلي حمزة يعيط و ماما تعيط". 

احتضنته بقوة تبث إليه الشعور بالأمان: 
"ما تخافش يا حمزة، الراجل الوحش ده مش هيعرف يوصلنا تاني لأننا بعيد عنه، و بعدين حمزة راجل شجاع ما بيخافش من حد". 

عانقها بقوة و أخبرها: 
"حمزة شجاع و بيحب ماما أوي". 

"و أنا روحي فيك يا قلب ماما". 
قامت بتقبيل وجنته و ظلت تحتضنه، شردت في أحداث أمس و التي كانت بالنسبة إليها كالمعجزة... 

فتحت الخادمة الباب و تحمل صينية الطعام،  حدقت إليها علا بعدائية و قالت: 
"أنا مش هاكل حاجة  أنا و ابني من الأكل ده غير لما تاكلي منه أنتِ الأول". 

أخبرتها الأخري بصوت خافت: 
"أطمني يا مدام علا، أنا جاية لك من طرف عم صابر، هو بيقولك جهزي نفسك أنتِ و ابنك عشان هيجي لك بعد ساعة و هيهربك من هنا، ست شريهان رايحة مشوار و البيه ابنها بيحب ينام في الوقت ده". 

سألتها علا بتوجس: 
"طيب و الحراسة اللي برة دي كلها هنهرب منها إزاي؟". 

أجابت الفتاة بثقة: 
"إزاي دي بتاعتي، طقم شاي ليهم كلهم يتحط لهم منوم فيه يهد جبل و بكدة يقدر عم صابر يدخل ياخدك و تهربوا علي طول و أنا هابقي أراقب لكم الجو". 

بعد قليل، جاء إليها بالفعل العم صابر و أشار إليها: 
"يلا أتحركوا بسرعة قبل ما حد يصحي من اللي برة و لو أتمسكنا هانروح في ستين داهية". 

كان يتمسك الصغير بيدها و يتلفت من حوله بخوف، سارت خلف العم صابر تتبع خطواته، رأت جميع رجال الحراسة في الخارج يغطون في النوم، عبروا بوابة صغيرة تقع في خلف الحديقة و كان في إنتظارهم سيارة أجرة

"يلا أركبوا و خلي بالك من ابنك و خدي التليفون ده عشان أعرف أكلمك و أطمن عليكم أول ما توصلوا". 

سألته قبل أن تولج إلي السيارة: 
"طيب و أنت يا عم صابر هاتعمل إيه؟". 

"ما تقلقيش عليا، أنا هارجع مكاني علي البوابة و هعمل نفسي نايم زيهم عشان محدش يشك في حاجة، أنتِ لحد دلوقت ما تعرفيش الست دي و ابنها ممكن يعملوا فيكِ إيه أنتِ و ابنك". 

خفق قلبها من الخوف و خاصة علي ابنها فسألته بتوجس: 
"هم بيعملوا معانا كده ليه، أنا قولت لهم مش عايزين منكم حاجة و يسيبوني في حالي أنا و ابني". 

اجاب عليها و يشعر بالشفقة عليها: 
"أنتِ غلبانة أوي يا علا يا بنتي، اللي ما تعرفهوش و اللي المحامي المفروض جاي عشان يعلنه في وجود ابنك، هو أن يسري بيه الله يرحمه كاتب كل أملاكه بإسم حمزة ابنك و أنتِ اللي هاتبقي واصية عليه، الحاجة الوحيدة اللي سابها لمراته و ابنه الكبير الفيلا و و فلوس في البنك بإسم مراته، برغم اللي كانوا بيعملوه معاه مارضاش يسيبهم متبهدلين من بعده". 

كانت تستمع و لم تصدق أذنيها، فقالت: 
"ده لو اللي أنت بتقوله حقيقي كده ممكن يخلصوا من أنا و قبلي ابني لو عرفوا بالخبر ده". 

"أنا كنت عارف من فترة كبيرة و من قبل وفاة يسري بيه الله يرحمه، و وصاني أخد بالي منكم و ربنا قدرني و لحقت أنقذكم من ايد الشياطين اللي جوه، يلا اركبي يا بنتي و ربنا يستر طريقكم، السواق هيوصلك لحد باب البيت هتقابلك واحدة اسمها أم حسين". 

عادت من طيات الذاكرة إلي الوقت الحالي، استمعت إلي رنين الهاتف داخل حقيبتها،  قامت بأخذه من داخل الحقيبة، أجابت: 
"ألو يا عم صابر، الحمدلله إحنا وصلنا بالسلامة ". 

"طيب الحمدلله يا بنتي ربنا يحفظك أنتِ و ابنك". 

"يارب، طمني عليك و قولي هم عرفوا؟". 

أخبرها بصوت خافت: 
"أيوه عرفوا، و مدام شيريهان قعدت تزعق في الخدم و كل اللي موجودين، و ابنها خلي الرجالة كلهم يقلبوا عليكِ الدنيا و عيونه بتطق شرار". 

"بالله عليك يا عم صابر، خلي بالك من نفسك،  و لو فيه أي جديد  بلغني". 

"عينيا يا بنتي و أنتِ كمان لو في أي حاجة ابعت لي علي طول و أنا عينيا ليكِ ". 

"تسلم لي ياعم صابر". 

" يلا مع السلامة، في حفظ الله". 

"الله يسلمك". 

أنهي مكالمته و نهض من مكانه ليذهب و يري ماذا حدث حتي الآن، وجد باب غرفة الأمن يندفع علي مصرعه و ولج إلي الداخل أحمد بطوله الفارع و علي يمينه و يساره يقف رجاله، ابتلع ريقه ريقه بتوتر و خوف ثم سأله: 
"خير يا أحمد بيه فيه حاجة؟". 

تعليقات



×