![]() |
رواية عشق الادهم الجزء الثانى (طغيان) الفصل العاشر بقلم شهد السيد
مِن المُؤلِم أَن تُشتَاقَ لِمَن لَا تملكُ لهُ سِوَى الدُعاء .
"جميلتي سارة، زهرة عمر أبيكِ انتِ يا مَن إقتصرت حياتى عليكِ بعد فراق أمك الغالية عنا، إن كنتِ تقرأين حديثى هذا فـ ذلك يعنى أنى إنتقلت لرحمة الله، تذكرينى بدعائك دومًا وأخبرى آدم كم كنت أحبه، فقط المكوث معه كان يشعرنى بأنى عدت صبى بعمره، إن أحزنتك يومًا فـسامحينى يا جميلتي شجارنا ما كان إلا خوفًا عليكِ، كنت أرى طيفه بأعينك الحزينة مهما جاهدتى لإخفاء حزنك عنى، ومهما تصنعتى النسيان فـ أبيكِ ليس شخص سهل الإقناع، أعلم أنكِ مازلتى تحبيه حتى الآن، عليكِ البدأ من جديد فـ لكل نهاية بداية جديدة علها تكون سعيدة عليكِ يا أغلى ما أمتلكت، لا أريدك حزينة من بعدى والدك يحب رؤيتك بشوشة الوجه مُبتسمة كـعادتك وإن كان لى معزة فى قلبك لا تبكى يا حبيبة والدك، دومتى قريرة العين يا إبنتى"
أغشيت أعينها بالدموع بعدما تذكرت كلماته التى تركت أثر على روحها، نظرت لصغيرها الذى جلس جوارها يتأملها للحظات قبل أن يحادثها بهدوء تام:
_ثوما زعلان.
أزالت دموعها التى تساقطت وحملته تضعه فوق قدميها تعلم أنه يقصد والدها وتسألت بشبة إبتسامة شاحبه:
_زعلان ليه يا أستاذ آدم.
صمت الصغير للحظات قبل أن يشير نحو الوسادة الموضوعة فوق فراش جده الراحل وأجابها:
_لما تان(كان) هنا قال زعلان من ثاره(سارة) عثان(عشان)..عثان(عشان) تل(كل) ثويه(شوية) تعيطى تعيطى.
ضمته لأحضانها تُقبل قمة رأسه بحنو تبكى رغمًا عنها، فراقة لم يكن هين إطلاقًا عليها.
نهضت تجذب حجاب رأسها من جوارها عندما صدح رنين الباب الذي لم ينقطع طوال الثلاثة أسابيع الماضية، هبطت وهى تعقده حول رأسها بإحكام وإنحنت تحمل صغيرها فوق ذراعها، فتحت باب المنزل لتجد جاسر كـ عادته منذ وفاة والدها يأتى حاملًا أشهى المأكولات معه.
فتحت الباب على مصراعية وسمحت له بالدخول وتبعته لساحة المنزل تجلس واضعة آدم أرضًا الذى سارع بإحتضان والده، وضعه جاسر فوق قدميه يخرج له عربة بلاستيكية صغيرة جلبها من أجله ونظر لوجهها الشاحب وجسدها الذى أصبح هزيلًا ونحيلًا رغم ملابسها السوداء الفضفاضة:
_أخدتى العلاج.؟
اومأت بخفة تزيل سيلان أنفها بواسطة المنديل الورقي الذى بيدها، مد يده يفتح أغلفة الأطعمة ويقربها منها قائل برفق:
_أمبارح قولتلك عشان خاطري كُلى ومأكلتيش كويس، هنشوف بقى آدم باشا له خاطر عند ماما ولا لأ.
حاولت الرفض لكن أمام إصرارة وافقت تأكل بضع لقيمات صغيرة تمضغها ببطئ شديد تحارب ذاتها ألا تبكى، لم تستطيع التحامل وأكل المزيد لذلك توقفت عن الطعام ونهضت بجسد هزيل لا يقوى على الحركة تحادثة بصوت مختنق منخفض:
_الدادة فى المطبخ لو عوزت حاجه او آدم إحتاج حاجه هتعرف تتصرف، بعد إذنك محتاجة أرتاح.
لم تنتظر لسماع رده وتحركت صوب غرفتها بالطابق العلوي تتسطح كما هى بكامل ملابسها تخبئ وجهها بالوسادة تكتم صوت بكائها، لا تريد شئ سوى أن يزول ألامها وتجده عاد إليها بضحكته البشوشة من جديد.
أما بالأسفل...
إنشغل جاسر بإطعام الصغير بذهن شارد أستفاق على صوت مألوف بعض الشئ يأتي من خلفه:
_جاسر.!
إلتفت خلفه على آثر النداء ليجد خالتها وفاء وإبنتها شمس، شبه إبتسامة رسمية ظهرت على وجهة وحمل الصغير على ذراعه ينهض يصافح وفاء قائل:
_حمدالله على سلامتك.
_الله يسلمك..سارة فين.
لم تخفى عنه نبرة الإستنكار فى نبرتها وهى تبحث عن سارة بأعين مترابصه ليجيبها بهدوء:
_سارة تعبانة فـ طلعت ترتاح وانا كنت قاعد مع آدم شويه وماشى.
همهمت وفاء بتفهم وأجابته برسمية ونظرات حادة:
_معنديش مانع فى زيارتك لإبنك بس عندى مانع فى زيارتك لسارة كل يوم أعتقد إن علاقتكم خلاص إنتهت والوضع هيفضل زى ما كان عزام موجود وأحسن، زياراتك لإبنك فى حدود ومعاد يا حضرة الظابط.
قطع حديثهم فجأة إندفاع شمس بينهما تجيب والدتها بدفاع:
_خلاص يا مامي محصلش حاجه، أنا شمس فاكرنى.؟
أنهت حديثها توجهة لجاسر بعدما مدت يدها لمصافحته، صافحها يجيبها بإبتسامة هادئة:
_آه بس آخر مره شوفتك كنتِ أصغر من كده.
إبتسمت شمس بتوسع تجيبه بنبرة رقيقة وأعين لامعه:
_كبرت اهو وقربت أدخل تالتة ثانوي.
أومأ بإبتسامة بسيطة يجيبها:
_ربنا يوفقك.
نظر لوفاء الواقفة خلف إبنتها يجيبها بنبرة جادة:
_أعتقد إن سارة مهما كان أم إبنى وفى بينا عشرة وصداقة من قبل ما نتجوز، وواجب عليا أطمن عليها هى وآدم دائمًا.
إنتقلت نظراته لآدم يطبع قبلة رقيقة فوق وجنته قبل أن ينحنى لتركه فوق الأرضية قائل:
_هجيلك بكره.
تمسك آدم بـجاسر يرفض تركه بإصرار على الذهاب معه ليحادثة جاسر برفق:
_ماما هتقلق لو صحيت ملقتكش، هجيلك بكره وعد.
حرك آدم رأسه بالرفض يحتضنه جيدًا يجيبه بتمسك:
_معاك.
زفر جاسر بإستسلام وإستقام بوقفته وهو يحمله مجددًا يوجه حديثه لوفاء:
_آدم هيقضى اليوم معايا بلغى سارة وأنا هكلمها لما تصحى عن إذنك.
أنهي حديثة وإلتقط متعلقاته وغادر ولحقت به شمس تراقبه وهو يختفى عن نظرها، رجل وسيم كـ هذا كيف لحمقاء مثل سارة بأن تتركه!!
للحظات تخيلت نفسها زوجة له كما تقرأ فى الروايات الخيالية دون إهتمام من كلا الطرفين لفروق العمر، متغاضية عن ان هذه الحالات تكون قليلة للغاية ومعظمها ليس ناجح لكن لا بأس يكفى ان يكون وسيم ذو سلطة ومال يغدقها بالحنان والغيرة الشديدة، لما لا.!
لما لأ.!
سؤال طرح بعلقها كـ فكرة لامعة زادت من إبتسامتها البلهاء التى تناسب أفكارها الهوائية.!
_______________________________________
إنتهت من إعداد كل شئ وصعدت سريعًا لغرفتهم لتجده مازال كما هو منشغل بالحاسوب الموضوع أمامه فوق الطاولة والأوراق التى بجانبة، تقدمت بثوبها الأصفر القصير والمتسع بآن واحد بدون أكمام تزينة نقوشات بسيطة، وقفت أمامه بصمت حتى أستعجب صمتها ورفع نظره عن الحاسوب يزيح النظارة الطبية عن أعينه يتسأل:
_واقفه كده ليه.؟
إبتسمت بإتساع وتقدمت أكثر تجلس فوق ساقيه تعقد يديها حول عنقه متجاهلة نظراته المستعجبة، نزعت النظارة تضعها خلفها ورفعت يديها تبعثر خصلات شعره بعشوائية تحادثة مبتسمة بلطافة:
_هتفضل زعلان منى ومش مبين كده كتير.؟
نفى ذلك بهدوء تام يجيبها:
_لأ مش زعلان.
-فى علامات تدل على إنك زعلان، ده انتَ إبنى لازم أكون حافظة تصرفاتك.
شبه إبتسامة ظهرت فوق شفتيه يتسأل:
_زى اى.؟
همهمت تتصنع التفكير لثوانى قبل أن تجيبه ببساطة شديدة:
_ترجع من الشغل ساكت وتفضل تشتغل هنا مع إن من أول يوم عرفتك فيه وانتَ ضد الشغل فى البيت، ولما كنت تتأخر واقولك تعالىٰ كمل شغلك هنا مترضاش تقول البيت للحياة والشغل للشغل، تيجي تفضل قاعد معايا، طول الأيام اللى فاتت حاسه انى عايشه مع واحد معرفهوش، تنام تدينى ضهرك، مره والتانية أقوم أنام جمبك من الجهة التانية عشان أحضنك، لحد ما بقيت بسترخم نفسى فـ بسيبك براحتك، راحتك وجعانى أوي، غلطت وأعترفت سامحني والله ما هكرر اللى عملته تانى، متقساش عليا بعد ما عودتنى على حنيتك.
أنهت حديثها لتتساقط دموعها فوق وجنتيها تغلق أعينها بحزن لما وصل إليه حالهما، رفع يده يضم رأسها لأحضانه يطبع قبلة عميقة فوق خصلات شعرها، يكفى رؤيتها نادمة بعدما تعلمت من اخطأها، وجد أن أنسب حل لشخصية كـ ليليان حديث الذات ومواجهة نفسها بالخطأ والإعتراف به.
صدرت منها شهقة مكتومه ليرفع وجهها عن أحضانه يزيل دموعها برفق يلثم شفتيها برقة يجيبها بإبتسامة حنونة إفتقدتها كثيرًا بالأيام الماضية:
_مقدرش أقسى على بنتى حبيبتي، ليلو حبيبة بابا.
رغمًا عنها إبتسمت تحتضنه بكل ما تملك من قوة، تريد تعويض الأيام السابقة فى بعده عنها تضربة برفق فوق ظهره تحادثة بصوت منخفض:
_وحشتنى يا روح ليلو.
إبتسم يقبل رأسها لتبعد وجهها عن أحضانه تزيل بقايا بكائها تجيبه بإبتسامة مشرقة:
_تعويضًا عن الأيام اللى فاتت حضرتلنا سهرة تحفة، سيب الشغل وتعالا أقعد معايا.
إبتسم يلثم شفتيها بعمق يضع يد إسفل ركبتيها والأخري خلف ظهرها ينهض حاملًا إياها بين يديه يجييها بإبتسامة مشاكسة أشتاقتها:
_الأهم من الشغل مرات صاحب الشغل.
هم بوضعها فوق الفراش لكنها تمسكت به جيدًا تحاول رسم الجدية فوق وجهها قائلة بحزم:
_لأ..الدكتورة قالت لأ.
ظهر فوق وجهة العبوس بعض الشئ ينظر لمعدتها بتلقائية:
_من أولها هيبعد بينا ولا اى.؟
أطلقت ضحكة رنانة نبعت من قلبها على نبرته التى حملت بعض الغيرة من طفلهما تقبله من وجنته بقوة تبعثر خصلات شعرة بمشاكسة:
_محدش يقدر يبعدنى عنك يا دودى، ده انتَ أول فرحتى.
عادت الإبتسامة لوجهة برضا آثر حديثها وهبط بها للأسفل كما طلبت ليجد شاشة التلفاز مضاءة والطاولة التى أمامها يعلوها أنواع مختلفة من الفواكه والملسيات الموضوعة بطريقة أنيقة، جلس فوق الأريكة لتقترب منه تعقد يدها حوله تستند برأسها لصدره تنظر للتلفاز بإهتمام لمتابعة الفيلم الذى على وشك البدء، أحاطها بيد وبالأخرى أطعمها من ثمار الفاكهة يتسأل:
_جودى نايمة.؟
أجابته بالموافقة وإنسجم كليهما بمتابعة الفيلم الذى يعرض، سهرة عائلية دافئة مفعمة بالحب هو كل ما يحتاجة المرء، يحتاج لإقتراب من يحب حتى تكتمل السعادة وتعم الألفة.
_________________________________________
راقب سيارة مازن التى لا تبعد عن سيارتة سوى القليل فقط، إبتسم وهو يزيد من سرعته والآخر يلاحقه فى منافسة مشاغبة بينهما، تطايرت خصلات شعر فرح بعنف تلتصق بوجهها تحاول المحافظة على المشروب الغازى الذى بيدها حتى لا ينسكب فوق ملابسها:
_حازم براحه..
إبتسم حازم وهو يفسح المجال لمازن الذى فر من جانبه ونظر نحوها يبتسم بجاذبيه أهلكت فؤادها:
_هسيبه عشان عريس بس.
وضعت فرح المشروب بين ساقيها وجمعت خصلات شعرها بعكعة عشوائية فوق رأسها وتسألت بأستنكار:
_طب ده عريس ورايح شهر العسل احنا رايحين ليه معرفش.
غمزها بأعينه اليسيرى من أسفل نظارته الشمسية يجيبها بعبث:
_طب ما أنا كمان عريس ولسه مدخلتش دنيا، وبعدين أدهم وجاسر كلها يومين ويحصلونا.
اومأت بتفهم تنظر نحوه بإبتسامة هادئة شارده، حنون لدرجة تشعر روحها بالدفئ والإحتواء، مالت بجسدها نحوه تستند برأسها لذراعه بعدما عقدت يدها حول ذراعه تحتضنه.
أبتسم حازم ومال برأسه يطبع قبله رقيقة فوق رأسها وعاد للنظر أمامه من جديد بعدما وصلوا أخيرًا لأحد شواطئ الساحل الشمالي الراقية التابعة لسلاسل فنادق الشرقاوي.
________________________________________
أغلقت شمس الباب تتنهد بحالمية ساذجة تحادث صديقتها بهيام:
_كأنه خارج من رواية، اول ما شوفته خطف قلبي، من بدري اصلًا كنت بحب أجى هنا عشان أروح أبات عنده هو وسارة، مش عارفه بجد ازاى سارة الغبية دى تسيبه ده لقطه.
-يابنتى انتِ بتهرزي ده ضعف عمرك وانتِ بنفسك قولتى أنه بيحاول يرجع مراته وعلاقتهم كويسه حتى بعد الطلاق.
_فيها اى يعنى العمر مش عقبة، بجد شوجر دادي أوى فى نفسه عنده كام خصلة بيضا فى مقدمة شعره يهوسوا.
-أنا اللى بجد مش لاقيه حاجه اقولها غير ان اللى فى دماغك ده ممكن يوديكِ فى داهية لو مراته حست إنك بتحاولى تتقربى منه.
_لا متخافيش عرفت أنه طلقها وبقى سنجل..خلص من الإتنين عشان يفوقلى على رواقة ويبقى مفيش فى القلب غيرى.
-مش هقولك حاجه غير انك تافهة وخيالك ده هيوديكِ فى داهية.
_اسكتى انتِ مبتفهميش حاجه خليكِ فى نضارتك وكتابك.
-سلاح الست فى الحياة دراستها يا شمس، انتِ شوفتى بعينك لما طنط سارة انفصلت نزلت واشتغلت ونجحت فى فترة قصيرة وقدرت تعتنى بنفسها وبأبنها، أنا كمان الله واعلم ممكن حظى يكون فى الجواز عامل ازاى لازم يكون معايا سلاح فى الحياة.
_طيب خليكِ فى أسلحتك انتِ أنا هنام، باى.
-سلام.
أغلقت شمس الهاتف بضيق طفيف وفتحت أشهر برامج السوشيال ميديا" فيسبوك " تبحث عن الحساب الخاص بجاسر يعلوا وجهها إبتسامة هائمه وهى تتفحص الصور المنشورة.
بالأسفل.....
حملت عنه الصغير النائم تطبع قبلة رقيقة فوق رأسه تعطيه للمربية قائلة بصوت هادئ ضعيف:
_من فضلك حطيه فى أوضتى وسيبى الباب مفتوح أنا دقايق وداخله.
اومأت المربية ودلفت للمنزل لتشير سارة لجاسر بالجلوس فوق المقعد الموجود خلفه وجلست قبالته تعقد يديها أمام صدرها بإنتظار حديثه الهام الذى أخبرها به عبر مكالمته على الهاتف قبل مجيئه.
وضع علبة مغلقة أمامها وبجوارها حقيبة صغيرة يضيف بتوضيح:
_الدونتس اللى بتحبيها من إسكندرية جبتلك معايا وأنا راجع إمبارح، وده علاج عشان الصداع وفيتامينات تقويكِ شويه.
أبتسمت بشحوب تجيبه بصوت منخفض واهن:
_شكرًا انك إفتكرتنى.
أبتسم بدفئ قبل أن يكمل حديثه:
_ممكن أطلب منك طلب بقى.؟
شبه ضحكه أرتسمت فوق وجهها الشاحب، كـ عادته منذ صداقتهم قديمًا، عندما يريد شيئا يقوم برشوتها:
_لو فى إيدي أنفذ مش هتأخر عليك.
-تيجي معايا الساحل أسبوع.
نطقها بتلقائيه لتختفى إبتسامتها وينعقد حاجبيها قليلًا تحرك رأسها بخفه تسأله بصمت كيف هذا.؟
سارع بتصيح حديثه قائل:
_قصدى معانا، مازن وليان راحوا شهر العسل النهارده وحازم حصلهم هو ومراته بعد ما أخد أجازة أسبوع، فـ ليليان قالت ناخد أجازة أنا وأدهم وزياد ونروح كلنا أسبوع عائلى منها نفسيتك تتحسن شويه انتِ من يوم جنازة عمو عزام وانتِ مخرجتيش قربتى على شهر حابسه نفسك، أعتقد أنه مش هيبقى مبسوط وانتِ بتموتى نفسك بالبطئ كده.
أعادت رأسها للخلف تزفر بعمق شديد قبل أن تعيد النظر نحوه قائلة بهدوء:
_هحاول، اوعدك لو قدرت هروح معاكم.
اومأ ونهض يودعها ومن ثم غادر، أمسكت الحقائب تصعد لغرفتها بعدما أعدت كوب قهوة بالحليب، أطمئنت على نوم صغيرها وجلست على المقعد الموجود أمام الطاولة الصغيره بشرفة غرفتها، أخرجت حلوى الدونتس رائعة المذاق تأكل منها بتأنى ويدها الآخرى تحتوى كوب القهوة.
جلسة مفعمة بالهدوء النفسي الذى أحتل روحها وهى تتأمل السماء من حولها، ذكريات لطيفة تأتى بعقلها رفقًا بأيام الحزن التى مرت، إبتسمت تنظر للكعك الموضوع أمامها تستند برأسها لقدميها المرفوعتان بعدما تناولت الدواء الذى جلبه برفقة الطعام، يحاول بشتى الطرق إرضاءها وتعويضها عما فات تتذكر جملة والدها التى بالخطاب
" عليكِ البدأ من جديد فـ لكل نهاية بداية جديدة. "
_______________________________________
بأحد السجون الخاصة بالنساء....
دلفت الضابطة للغرفة لإصطحاب نسمة لزنزانة الحبس بعدما تعافت من مرضها لكنها شهقت بتفاجؤ عندما وجدتها ملقاة أرضًا ولجانبها رقعة من الدماء التى تسيل من معصمها، جاحظة الأعين شاحبة البشرة، إنتحرت.!!
أنهت حياتها بعدما لم ترضى بكونها حبيسه مُهانة من قِبا المسجونات، لم تتقبل ما أوصلتها إليه أفعالها لتهرب من عذاب الدنيا لتلقى مصيرها بالأخره...
بأحد السجون الآخرى...
أرتعشت يد حكيم الممسكة بسيجارته التى قاربت على الإنتهاء، أعينه حمراء بها نظرة إنتقامية داميه يحادث رجاله الجالسين أمامه بصوت لا يسمعه سواهم:
_منصور إتعدم، ونسمة إنتحرت، مراتى طفشت بعد معايرة أهل الحارة ليهم ومجاتليش ولا مرة، أنا خلاص نهايتى أتكتبت هنا وهو العمر فيه كام خمسة وعشرين سنة يعنى، وكله من إبن...
أنهى حديثة بسباب بذئ يخص به جاسر قبل ان يلقى سيجارته يدهسها بقدمة يقترب بوجهة منهم يضغط على أسنانه الصفراء المهترئة بغيظ وغل يكاد يفتك بجسده:
_أنا ليا فلوس برا هدلكم على مكانها وقصادها تشفولى غليلى منه، حسرة على مراته او إبنه، أقتلوه واحرقوا جتته الرخيصة، سامعين انتَ وهو.
أنهى حديثة بأصرار يمسك بملابس الجالس أمامه بتهديد وغل، نظر الإثنين لبعضهما بتوتر قبل أن يجيبه أحدهم:
_سامعين، الزيارة الجايه هنجيلك ويكون اللى رايده حصل يا معلم.
تركه حكيم ونهض يسير نحو الشرفة الحديدية المرتفعة الظاهر منها ضوء النهار قبض فوق كفيه بقسوة يحادث نفسه مطمئنًا:
_هاخد حقى لو آخر نفس فى عمري، مش حكيم أبو غالى اللى يتعلم عليه من حتة عيل.
_________________________________________
وضع السيجار بالمنفضة يفرك وجهة بإرهاق ظاهر بوضوح يستمع لمدير أعماله البديل لحين عودة مازن من شهر العسل، الكثير من الحسابات والطلبات والأعطال التى لا تنتهى.
أفاق على صوت السكرتيرة التى دلفت بعدما سمح لها تتهادى فى خطواتها بردائها الفضفاض وحجابها المحتشم تجيبه بعملية:
_كمال بيه والد حضرتك بره وطالب يقابلك يا بشمهندس.
أجابها بالموافقة وأشار للجالس أمامه بالتوقف يحادثه بصوت هادئ:
_حقيقي معدتش قادر أستمر أكتر من كده، نكمل بكره بأذن الله.
اومأ مدير أعماله ونهض يلملم الأوراق الموضوعة أمامهم بينما أستدار أدهم بمقعده يضع الأموال المتراصه أمامه فى خزينة مكتبة.
شعر بوالده يدلف ويتقدم منه ليغلق باب الخزينة يلتفت له يشير له بالجلوس يطلب لكليهما القهوة ينظر له بكل ما يملك من طاقة متبقية:
_خير فى حاجه حصلت.؟
-لأ كل خير، كنا محتاجين نتكلم معاك فى موضوع.
همهم بتفهم ساخر يعود بظهره للخلف قائل:
_مم كنا..محفظينك كلمتين يعنى..قول اللى عندك قول.
أحتدت نبرة كمال وهو يجيبه:
_أحترم نفسك أنا أبوك.
قاطع حديثهم طرق الباب، نظر أدهم بشاشة الكاميرات التى أمامه ليجد زياد واقف بالخارج، سمح له بالدخول وفور ما رأى زياد أبيه نظر نحوه بإزدراء، ذلك الكمال رفض حتى حضور كتب كتابه يخبر أدهم بكل وقاحة
"أنا معرفش حد أسمه زياد، خليه يعتبر أبوه مات"
هو بالفعل يعتبره مات منذ سنوات عديدة، أشاح بصره عن كمال يتقدم من أدهم يستند بكلتا يديه فوق سطح المكتب يحادثه بهدوء ولامبالاه تامة لكمال:
_مش كفاية كده ويلا نروح.
نظر أدهم لزياد يحادثة بأهتمام وتعجب:
_خلصت كل اللى بعتهولك.؟
إبتسم زياد بثقة يجيبه بفخر:
_عيب عليك تربيتك يا بوص.
أبتسم أدهم بخفه يطالعة بأعتزاز يزيد يومًا بعد يوم، أستطاع تربية رجل قادر على تحمل المسؤوليات ليثبت كفائته لشقيقه، فور ان أنهى زياد تعليمه الجامعى أتى لمساندة أخيه فى إدارة أعمالهم وقد قطع وعدًا بأنه سيكون دومًا تحت طوع أخيه يحترم حديثه وينفذ ما يقال، هما تمامًا كـ الأب وإبنه.
فتح أدهم أحد الأدراج التى أمامه يخرج مفتاح سيارة يلقيه بالهواء لزياد الذى إلتقطه، ليغمزه أدهم بأعينه اليسرى قائل بمشاكسة:
_كفائه وعجبتني، هتلاقيها فى الجراچ تحت ومتنساش تعدى على مراتك وانتَ مروح واستنى لحد ما اجى نتعشي سوا.
أبتسم زياد بأتساع وإمتنان يقترب من شقيقه يقبلة ويحتضنه يقبل يده بأحترام وإعتزاز، أبتسم أدهم بحنو يربت فوق رأسه، رحل زياد وتابعة كمال بأعينه وأعاد النظر لأدهم يحادثة بسخرية:
_جبتله عربية، طب هات لأبوك اللى مقضيها تكسيات.
تجاهل أدهم حديثه يشير له بالإسراع فى الحديث ليكمل كمال بجدية:
_عاوز حقى، كل اللى انتَ فيه ده أنا تعبت فيه من قبلك وأن الآوان أرجع أدير أعمالى وتقديرًا لمجهودك طول السنين اللى فاتت هتبقى شريكي بنسبة 45٪ وأنا بنسبة 55٪ عشان الإدارة تبقى ليا.
إلتقط أدهم سيجاره من علبته الخاصة وأشعلها ينفث دخانها بتأنى يجيبه ببعض الحده الممتزجة بالبرود:
_الكلام ده تخلى المدام تعملك عليه فنجان القهوة فى البيت، الشركة دى وكل اللى أنا بنيته بمجهودي وتعبى وفلوسي ملكى أنا وأخويا بس، الشركة دى أنا واخده منك على البلاطة ومديونه كمان، هعتبر انى أشتريت الشركة منك ورديتلك تمنها بالشقة اللى مقعدك فيها انتَ والمدام وعيالها، وبصرف عليكم مع إنى مش مُلزم بـ ده وحق أمى عمرى ما هسامحك فيه وغير كده معنديش اى كلام، وبصراحة أنا تعبان ومحتاج أروح وانتَ زمانهم قلقانين عليك فى البيت ولا أى.؟
أنهى حديثه بفظاظه ونهض يجمع متعلقاته ليطالعة كمال بضيق ونهض برفقته للخارج حتى يقم أدهم بتوصيله للمنزل.
________________________________________
تركت أحمر الشفاة من يدها بأصابع مرتبكة تتطلع للنتيجة النهائية، تحسست عنقها وباقى جسدها الظاهر من عنق الثوب بتوتر، كيف ستظهر أمامه بما هى عليه.؟
بذات الوقت تجيب نفسها بأنها قطعت عهدًا عاونها به على أكمال حياتهم معًا كأى زوجين وصبر كثيرًا وأكثر حتى تتأقلم على التعامل بينهم.
دق فوق الشرفة الزجاجية الخاصة بالشالية الذى يطل على الماية يحيطه حديقة متوسطة، تقدمت تختبئ خلف الستائر تطل برأسها، أبتسم فور رؤيته لأحمر الشفاه التى تضعه وأشار لها بالإسراع.
اومأت واغلقت الستائر تحاول دعم نفسها وفتحت الشرفة تخرج منها لترتسم إبتسامة هادئة فوق وجهها عندما رأت طاولة صغيرة موضوع فوقها طعام شهى وورود حمراء ملقاة فوق الرمال وفوق الطاولة واضاءات بسيطة تلمست أطراف الثوب البسيط الذى أحضره بسعادة تكاد تجعلها تحلق بعيدًا تخلق لها أجنحة لامعة.

شعرت بيده تحيط خصرها ورأسه تستقر أعلى كتفها يطبع قبلة رقيقة فوق وجنتها ينظر لملامح وجهها الخجلة بإبتسامة مفعمة بالحب:
_ذكرى جوازنا النهاردة.
ضمت شفتيها بأسف لأنها لم تتذكر لتزاد إبتسامتة ويتقدم يقف أمامها يسحب يديها برفق لتتمايل معه على أصوات الموسيقي المنخفضة، وضعت رأسها فوق صدره تحيط عنقه بيديها تتمايل معه بخفة تحادثة بصوت هادئ رقيق:
_على ما قد ما كنت حزينة ليلة فرحنا، على قد ما كان قلبى فرحان بأنك متخلتش عنى.
تحاشى الحديث عما حدث بالسابق ليحظوا بليلة سعيدة يجيبها بعبث:
_وأنا ميرضنيش وزتى تبقى زعلانه، أجدع فرح برايفيت اهو، عشان تعرفى قيمتى بس وأنا مقدرش على زعلك.
أبعدت وجهها عن أحضانه تبتسم بهدوء تجيبه بصدق وأعينها معلقة بأعينه:
_أنا عارفه قميتك من زمان، انتَ أجدع راجل شوفته وعمري ما هشوف غيره.
أنهت حديثها تعاود إحتضانه مجددًا تلتصق به أكثر، سلام وأمان داخلى يطفو حول قلبها الآن جعلها تنطقها بكل سلاسة وصدق:
_بحبك أوى.
ضحك بخفة وعدم تصديق يرفع وجهها من أحضانه يحادثها ضاحكًا:
_لقد هرمت يافرح.
شاركته الضحك وشاكسته قليلًا تجييه:
_متفرحش اوى بحبك زى أخويا، حب أخوى.
رأته ينوى جذب أذنها لتركض ضاحكة نحو الداخل ولحقها هو يغلق الزجاج والستائر من خلفهم عازمًا على إحراق صفحات قد مضت من حياتهما وبداية آخرى لا يوجد لها سواهما.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم