رواية سند كامله جميع الفصول بقلم من الفولى
في غرفة أحد المرضى بأحد المصحات النفسية الخاصة. يجلس على الفراش شاب وسيم مفتول العضلات يكسو ملامحه الألم ويسكن الحزن عينيه شاردا وهو ينظر لطبيبين يقفا بأقصى الغرفة يتهامسان. ـ طبيب روتنيا: الملف بتاع الحالة الجديدة يا دكتور سيف، هو اسمه سليم عبد الرحمن، لسه متحول لنا من ساعة تقريبا من مستشفى العهد هو كان محجوز هناك لأنه عمل حادثة عربية اتشل شلل نهائي فيها ووالده أتوفى [بإستياء] والمفروض أن الأخبار دي كانت توصل له بالتدريج وبطريقة مناسبة، لكن ممرضة غبية وقفت ترغى قدام أوضته وعرف، وده عمله صدمة ، وحاول الانتحار؛ والدكتور فضل أنه يتحول عندنا، وخصوصا أن حالته العضوية مستقرة ومفيش فيها جديد، حضرتك تتابع الحالة بليل، وأي ملاحظات حضرتك سجلها لي وأنا هاتابعه الصبح. ـ سيف وهو يتأمل سليم آسفا: كارثة فعلا أن التمريض وخاصة قسم الجراحة والطوارئ مش مؤهلين للتعامل النفسي مع المرضى، هاشوفه النهارده وهاكتب لحضرتك الملاحظات في المتابعة بإذن الله، شكرا يا دكتور فارس. ـ فارس مبتسما: العفو يا دكتور، طيب سلام بقى عشان الحق العيادة. ـ سيف مجاملا: سلام يا دكتور ربنا يعينك. رغم أنه لم يسمع همسهم إلا أنه متأكد من فحواه، فهما بالتأكيد يتناقلان أخباره من موت والده وأصابته بالشلل للأبد وأيضا محاولته للانتحار، يتبادلان تلك الكلمات وكأنهما يتبادلا تحية الصباح، وكل ما يهمهما هو معرفة ظروف الحالة لمعالجتها دون أن يدركا أن تلك الكلمات التي تبادلاها كانت كل عالمه وانهياره أيضا، فالأب الذي مات لم يكن مجرد أب بل كان كل عائلته فأمه قد ماتت وهو صغير جدا, وذلك الأب هو من عوضه غيابها وقام بدورها رافضا أن يتزوج حتى لا يقاسمه أحد بوقته واهتمامه لذا هو لم يفقد الأب فقط بل فقد السند والصديق كذلك، أما شلله فأن كان يعنى لهم انسحاب الحياة من قدميه فبالنسبة له هو ضياع لحياته بالكامل حيث فقد عمله و بالقريب ينتهي زواجه المنتظر بعدما لاحظ فتور خطيبته تجاهه الذي أثار دهشته في البداية وهو الذي كان ينتظر منها الدعم النفسي بمصابه بفقد والده وإصاباته الجسيمة؛ ليتيقن الأن هذا الفتور قد بدأ مع علمها بحقيقة حالته الصحية واستحالة عودته لسابق عهده، تمنى لو صبرت قليلا فهو بالتأكيد سيطلق صراحها ويحلها من عقد قرانهما بنفسه، صحيح أن طبيبه أخبره أن إصابته لم تأثر على مقدرته على الزواج والإنجاب؛ ولكن ما فائدة ذلك فليس من الأخلاق أن ينشأ أسرة لن يستطيع الاعتناء بها، بعد أن أصبح جثة تحتاج لمن يعتني بها. لاحظ خلو الغرفة من أي شئ يستطيع أن يؤذى بها نفسه فعرف أنهم يخشون أن يقدم على الانتحار مرة أخرى، لا يعلمون أنه نادم على فعلته، لا يتصور أنه أقدم علي فعلها ، هو لن يكرر تلك الحماقة؛ فهو يريد أن يجتمع بوالده الصالح بالآخرة فكيف يلاقى ربه بذنب عظيم كهذا، هو سيتقى الله ويؤدى فرائضه حتى يلحق جسده بروحه التي ماتت يوم موت أبيه، ولديه شعور بأن انتظاره لن يطول فروحه المثقلة بالأحزان حمل ثقيل على أي جسد. *************** في أحد المنازل بمنطقة راقية تتوارى فتاة بمنتصف عقدها الثاني خلف باب حجرتها تبكى بقهر وهى تنظر لهؤلاء الذين وقفوا يحددوا مصيرها دون أن يسمحوا لها بإبداء الرأي وكأن الأمر لا يعينها، ولكن ما الغريب فهما منذ طفولتها المبكرة يتحكمون بحياتها كما شاءوا دون أي اهتمام بمشاعرها ورغباتها هي، زاد نحيبها وهى ترى تلك السيدة الراقية التي تبكي متوسلة لذلك المتجبر الواقف أمامها وهى تحاول استعطافه بصوت خافت: أبوس أيدك يا سعد، البنت صغيرة، أنا هاعملك أي حاجة عايزها بس بلاش ترميها الرمية دي. ـ سعد محتدا: رمية أيه يا مجنونة هو أنا لما أجوزها وأسترها أبقى بارميها. ـ السيدة منتحبة: هو لما بنت تمنتاشر سنه تتجوز راجل خمسة وخمسين سنه ده يبقى أسمه جواز وستر ولا بيع وشرا. ـ سعد بطمع: لما تبقى جوازة لأكبر تاجر عربيات والبنت تعيش في قصر يبقي هو ده الستر كله. ـ السيدة مستنكرة: وهو أنت ناقص فلوس، فلوسي كلها، وميراث الغلابانه اللي عايز تبيعها، كل ده أخدته ومش مكفيك. ـ سعد هازئا: أنا ما خدتش حاجة منك يا داليا، أنا كنت مسافر وقت ما بيعتي ميراث بنت أخوكي القاصر من غير ما ترجعي للمحكمة. ـ داليا منفعلة: أنت اللي ضحكت علي وفهمتني أنك هتعمل مشروع كبير، هنتنقل به نقلة تانية, وخليتنى أسلمك فلوسي وفلوس سلمى، [نادمة] ده غير أنك ماضيتني ضامنة على ديون أنت اللي اخدتها من الناس، وبعد ما بقيت تحت رحمتك ظهرت على حقيقتك، وبتبيع وتشتري فى أنا وبنت أخويا. ـ سعد متهكما: القانون لا يحمي المغفلين، وبعدين ده حقي؛ تعويض عن حرماني من أني أكون أب، وكفاية قوي أن رضيت بيكي وما رمتكيش زى جوزك الأولاني لما عرف أنك أرض بور؛ [زاجرا وهو يدفعها بعنف] يبقى تحمدي ربنا، وبدل ما انت منكدة على عيشتي من ساعة ما عرفتي بموضوع الجواز ، تدخلي للبنت توعيها وتعرفيها تأكل عقل الراجل أزاي، وبدل الملاليم بتاعتكم اللي بتنوحي عليهم، ربنا رزقنا من وسع وأنت اللي عايزة ترفسي النعمة. كادت أن تواهجه بقوة وتخبره برفضها الحاسم لبيع تلك الصغيرة، تحت مسمى الزواج، ولكن نظراته الصارمة واعتيادها للخضوع له حاول تلك النية لرد مستعطف وحروف مرتجفة ذليلة. ـ داليا منتحبة بتذلل: وهو اللي بيحصل ده يرضى ربنا، ده حتى الجواز بالغصب باطل ولا عشان يتمية نتحكم فيها، حسبي الله ونعمه الوكيل. ـ سعد غاضبا وهو يقبض على يدها بقسوة: بتحسبني علي يا داليا [ ودفعها بقوة لتسقط أرضا وهو يصرخ قائلا] طيب أخر كلام عندي الجوازة دي هتم غصب عنكم كلكم، وإلا من بكره الشيكات اللى مضياها هتكون فى النيابة، ده غير أنى هبلغ عنك النيابة الحزبية للتصرف بأملاك قاصر من غير ما ترجعي للمحكمة، وخليكي تشرفي على البورش، وساعتها هرمي الهانم بنت أخوكي في الشارع للكلاب تنهش لحمها من غير البيعة والشراوة اللي مش عجباكي. ودفعها بقدمه بقوة وخرج وهو يدمدم غاضبا: فاكرة بنت أخوها سندريلا، ده أنا لي شهور بالعب في دماغ الراجل لحد ما وافق، ومصدقت رضي تيجي هي تقولي لا. أغلقت سلمى بابها بهدوء دون أن تحاول التدخل أو مساعدة عمتها التي زاد نحيبها، تجتاحها مشاعر متضاربة نحوها؛ هي تحبها لأنها لطالما عاملتها بحنو كأم لها، وناقمة عليها لأنها تشعر بأنها لا تكن لها حب حقيقي بل هي تعوض بها افتقادها للأمومة، تشعر نحوها بالشفقة لوقوعها تحت رحمة مثل هذا الرجل عديم الرحمة والأخلاق وأيضا تشعر نحوها بالغضب لأنها من أسلمت أمرها إليه ووضعتها تحت رحمته بتسليم ميراثها له دون وجه حق استجلابا لرضاه حتى لا يفكر بحرمانه من الأبوة، وهاهي تدفع ثمن ضعف عمتها وجشع زوجها من أحلامها ومستقبلها. *************** بإحد العقارات جلست ابتسام بجوار الباب، ينفطر قلبها من أجل تلك المسكينة التي لم تجرؤ على نجدتها يوما، ولكن هذه المرة يختلف الأمر، ففي كل مرة يضربها زوجها كانت أمه تخلصها من يده بعد فترة، ثم تأخذها لشقتها المقابلة لهم، أما اليوم فقد أستمر صراخها لفترة أطول كثيرا دون أن ينجدها أحد، خوفا من تطاول زوجها الوقح أو أمه المتجبرة، كانت حائرة لا تدري كيف تساعدها ليقطع حيرتها صوت شقة الحماة وهو يفتح بقوة وصوت دعاء القاسي يصيح بغضب. ـ دعاء بسوقية: أيه القرف ده، هي الواحدة متعرفش ترتاح وتنام لها شوية، من غير ما تصحى على صوتك أنت ومراتك يا
ناصر. ـ ناصر حانقا وهو يلكز زوجته بقسوة: ما أنتم اللي بلتوني بيها ياما أستحملوا بقى، قاعدتي تقولي نهى لحمك، بنت عمك اليتيمة الغلبانة المنكسرة، وهي كل يوم منكدة علي وفضحنا بصوتها. ـ نهى منتحبة: ولا أبدا يا مرات عمي ده هو اللي ضربني عشان بطلب منه.. ـ قاطعتها دعاء مؤنبة وهي تجذبه باتجاه بابها بعنف: أنت لسه هترغي وتقرفيه بنهنهتك، صحيح جوازة هم، ست نكدية كرهتي جوزك فيكي، العيال فين؟ ـ نهى خائفة وهي تحاول كتم نحيبها: نايمين. ـ دعاء مقرعة: وأنت بتصوتي بقى عشان تفزعيهم، ولا عشان تكرهيهم في أبوهم وتفهميهم أنه بيفتري عليكي. ـ نهى مذعورة وهي تهز رأسها سلبا منكرة خوفا من سماع زوجها الذي دلف لشقتهما لهذا الإتهام: والله أبدا دانا قافلة الباب عليهم، وبعدين.. ـ دعاء زاجرة: هترغي تاني، انجري على شقتي، هتكلم مع ناصر كلمتين وتيجي تعتذري له وتهمدوا بقى عشان أعرف أنام في ليلتكم دي، أما أشوف أخرتها معكي يا بنت ابتسام. أنسحبت نهى لشقة حماتها المقابلة لشقتها باستسلام، وهي تأمل أن تستطيع حماتها تهدئته؛ فلا يعاود ضربها حين تعود لشقتها، وعندما يهدأ ستحاول أن تعرف فيما أغضبته هذا المرة ولن تكرره، فحماتها على حق، ما كان يجب أن تستثيره وهي أكثر من يعلم بعصبيته، رغم طيبة قلبه وحنانه وقت الصفا. *************** بعد مرور شهرين داخل غرفة سليم بالمصحة النفسية الخاصة ـ سيف مبتسما: تعرف أن دي أول مرة أزعل أن مريض عندي خف وهيمشي. ـ سليم مشاكسا: طبعا ما هو أنت خسرت زبون. ـ سيف سعيدا: بس كسبت صديق، أنا مش هسيبك يا أستاذ، صحيح مش هلاقيك أقعد معاك كل يوم في النبطشية نتكلم، بس مش هاسيبك وكل أسبوع هاعدي عليك كل خميس قبل ما أرجع البلد زى ما اتفقنا. ـ سليم ضاحكا: لا يا ناصح أنت تيجني يوم السبت وأنت راجع من البلد بالخيرات. ـ سيف ضاحكا: أنت تؤمر يا سولي، ده حتى الحاجة بقيت بتعملك مناب مخصوص حتى فى الدعا؛ من كتر كلامي عنك. ـ سليم حزينا لتذكر حرمانه المبكر لوالدته ووحدته برحيل الوالد والصديق: ربنا يخليها لك وما يحرمكش منها. ـ سيف محاولا تغيير الحديث لشعوره بصديقه: المهم بقي ناوي على أيه. ـ سليم باستسلام ويأس: يعنى هاعمل أيه، موضوع شغلي منتهي متخيل مرشد سياحي على كرسي متحرك. ـ سيف معاتبا ورافضا لنبرته اليائسة: احنا سبق واتكلمنا فى الموضوع ده، احنا ممكن تغير طبيعة الشغل وتفضل برضه شغال في مجال السياحة. ـ سليم هازئا: أيه عايزني أحجز التذاكر، ولا كول سنتر. ـ سيف مستنكرا استهزاءه: لا عيب ولا حرام يا سليم. ـ سليم معتذرا بندم: لا طبعا مقصدش أي استهانه بالشغل ده، بس أنا كنت باشتغل في المجال اللي بأحبه، لكن لو مسألة مادة فالحمد لله أنا مش محتاج، عشان أخرج كل يوم أبهدل نفسي بوضعي ده. ـ سيف مهتما ومنصتا: ويا ترى ناوي على أيه؟ ـ سليم مفكرا ومقيما لظروفه الحالية بشرود: أنا فكرت كتير فكلام، عمي سامي ومحسن وكمان طنط شروق وجوزها، هما كتر خيرهم مسابونيش لحظة من يوم الحادثة، [بحيرة] بس أنا مش عارف أي مشروع مناسب أكتر، فقررت أني أدرس المشروعات دي وأشوف أي واحد ممكن أشرف عليه من البيت وأقرر. ـ سيف بفضول: دول قرايبك اللى شوفتهم عندك، اللي والدك كان مش علي صلة قوية بيهم، وقربوا منك بعد الحادثة. ـ سليم موضحا: أيوه هما، عمي سامي ومحسن دول ولاد عم بابا وهما ولاد عم مش أخوات، وطنط شروق دي بنت خالته بس مش بتحب عمي محسن وسامي وبتتكلم عنهم بطريقة مش لطيفة وبتيجى وهما مش موجدين، وهما كمان واضح أنهم مش بيرتاحولها هي وجوزها عمي كامل. ـ سيف متعجبا: غريبة! ليه يعني؟ ـ سليم غير مباليا: معرفش، يمكن عشان مش قرايب بما أنهم قرايبه من الأب وهي من الأم، [شاردا] بس حتى علاقتهم ببابا كانت شبه مقطوعة، يعني كانت بس مقابلات في عزا أو فرح، لكن بعد الحادثة لاقيتهم واحد ورا واحد، وكل واحد أتحجج بالمسئوليات وأنهم كانوا بعاد لأننا بخير، لكن دلوقتي هيريحوا المرحوم برعايتهم لي، وبصراحة مش من حقي ألومهم، ما بابا برضه كان مقصر ناحيتهم. ـ سيف متفهما: عندك حق كل واحد الدنيا واخده [باهتمام] بس أيه هي مشاريعهم دي؟ ـ سليم زافرة بقوة: كل واحد منهم أتكلم معي لوحده، فأني المفروض بما أني سيبت الشغل، أني أحاول ميراثي كله لسيولة وأعمل بيهم مشروع أصرف منه،[شاردا] وكمان كل واحد أقترح علي المشروع حسب خبرته، يعني عم محسن أقترح أشتري شقق وأجرها بما أنه بيشتغل في المقاولات، وعمي سامي عايزني أفتح مكتب استيراد وتصدير زيه، وطنط شروق جوزها مهندس اليكترونيات وشايفة أني لو فتحت مركز صيانة هاكسب دهب. ـ سيف متحمسا: وأنت حاسس، أي مشروع أنسب؟ ـ سليم حائرا: بصراحة مكتب التصدير ومركز الصيانة محتاجين خبرة بالحسابات، وأنا طول عمري فاشل فى الحاسبات وتأجير الشقق معقول بس وجع دماغ، عامة هافكر واكرر. ـ سيف مترددا: مش ده الموضوع الوحيد اللي مفروض تفكر فيه [بتردد] موضوع هدير كمان محتاج تفكير. ـ سليم منفعلا ورافضا الحوار بحسم: من فضلك يا سيف، الموضوع ده انتهى نهائي؛ مش أنا اللي أعيش مع واحدة رافضني وحاسة أني عبء عليها. ـ سيف مقنعا: باباها جه لغاية عندك واعتذر لك وأكد لك أن ده نصيبكم أنتم الاتنين، وأنه راضي باختيار ربنا لبنته، وأنك فهمت غلط و رد فعلها كان من الصدمة مش رفض لك. ـ سليم مصرا: عارف، ومش هتتخيل معزته واحترامه في قلبي كبروا قد أيه، بابا كان عنده حق، عمي شهاب فعلا هو صاحب العمر، بس ده مرجعنيش عن قراري، بالعكس هو يستاهل يفرح ببنته ويطمن عليها مع راجل يقدر يحميها ويراعيها. حاول سيف الاعتراض فمنعه سليم بنظرة زاجرة ليجعله يبتلع كلماته قبل قولها، فهو لن يخوض بهذا الحديث؛ خوفا من أن تنفلت منه بضعة كلمات تخالف عهده لهدير. فلاش باك ـ هدير خجلة: أنا مش رافضك يا سليم بس كمان مينفعش أكدب عليك. ـ سليم متفهما رغم ألمه: وعشان كده لما لاقيت أن عمي شهاب مصمم نكمل الجواز اتصلت بكي، وطلبت أنك تيجيني من غير ما هو يعرف. ـ هدير مضطربة ونظرات زائغة: مش عارفة أقولك أيه، أيوه أتغيرت لما عرفت أن اصابتك دايمة، بس مش نفور منك، واساسا محدش ضامن نفسه، بس خوفت يا سليم خوفت أكون مش قد المسئولية اللي بقت على كتافي، [بكلمات مبعثرة] أنت بحكم صداقة أهلنا كنت قريب مني وعارف أني عمري ما شيلت مسئولية، ده أنا كنت خايفة أفشل في جوازنا لما الظروف كانت طبيعية، تخيل احساسي دلوقتي بعد اللي حصل. ـ سليم متأثرا: قولي لي أنت احساسك دلوقتي يا هدير. ـ هدير متلعثمة حرجا: حاسة أني مش هاقدر أكمل يا سليم، أيوه مقتنعة برأي بابا أنك جوزي وأنه نصيبي زي ما هو نصيبك، بس حاسة برضه أن الموضوع فوق طاقتي، وأن هيجي وقت اللي هافقد قدرتي على الاحتمال وبرضه هسيبك، مش عارفة الوقت ده قريب ولا بعيد، بس حاسة أنه جاي جاي، ومش عارفة أتخلص من الاحساس ده. ـ سليم متفهما: عشان مش بتحبيني يا هدير، مفيش ما بينا اللي يخليكي تتحملي اللي فوق طاقتك عشاني، ارتباطنا كان تقليدي وكنتي موافقة عشان تخيلك عنه كان صورة مقبولة بالنسبة لك، [بحزن] لكن دلوقتي الصورة مش مقبولة ومفيش سبب قوي يخليكي تضحي وتتقبليها، كويس أنك كنت واضحة معايا ومع نفسك من الأول، أحسن ما لحظة انهيارك اللي أنت متوقعها تيجي، فوقت أصعب من كده، فالصح أننا نخد الخطوة دي دلوقتي والخساير بسيطة. ـ هدير قلقة: بس بابا.. ـ سليم حازما: سيبي عمي شهاب علي أنا، أنا هافهمه أني السبب وأني مش مستعد أتمم جوازنا، [واعدا بصدق] ومش هيعرف أي حاجة عن الكلام اللي دار بينا أو حتى زيارتك لي النهارده. فلاش باك لذا ورغم عرض والدها الكريم أصر على الانفصال غير نادم ، فارتباطه بها كان تقليديا رضوخا لرغبة والده لكن أكثر ما ألمه أنه لن يحصل يوما على ذلك الطفل الذى يطلق عليه أسم والده كما وعده، لن يجرب حياة الأسر التي حرم منها بموت والدته، سيعيش على هامش الحياة متقبلا ما يجود به الأخرون من اهتمام، ويموت وحيدا دون شريك أو امتداد. **************** بعد عدة شهور، في شقة فاخرة بأحد الأحياء الراقية وقف ذلك الرجل الوقور الذي غزا الشيب شعره ينظر بحزن وندم لسلمى التي تتمدد على الفراش دافنة وجهها الباكي بين الوسائد وهي تنتحب، لا يعلم كيف سمح لنفسه بالجناية علي تلك البريئة والاستماع لغواية زوج عمتها، الذي أستغل علمه بظروفه وابتعاد زوجته عنه واكتفاءها بصحبة الأبناء، ليوسوس له باستعادة شبابه عن طريق زوجة شابة تعيد حيويته وتبدد وحدته، صحيح أنه قاوم الفكرة بالبداية ولكنه استسلم أخيرا، ليفاجأ بأن الزوجة الشابة ما هي إلا طفلة صغيرة، لا تعي شيئ بدنيا النساء، وأن حظها العثر من جعل ذلك الدنئ وليا لأمرها ليستغلها لسداد ديونه لديه، والتودد إليه بالمصاهرة أملا أن تتحول لمشاركة تدفع نصيبه فيها تلك البائسة، التي تحملت وحدها تبعات ضعفه وجشع زوج عمتها، انتابته مشاعر الشفقة نحوها فقال بحنان: خلاص بقى يا سلمى، خلاص يا حبيبتي، اللي بتعمليه ده مش كويس علشانك، أنت مش سمعتي الدكتور وهي بتقول أهم حاجة الراحة. ـ سلمى باكية بطفولة وبراءة: أيوه، ماهي من ساعة ما مشيت وأنت زعلان مني وزعقت لي ومش بتكلمني، والله أنا مليش ذنب، أنا مقصدتش ده غصب عني. طعنته براءتها بمقتل وأحرقت كلماتها قلبه ليتذكر نظرات الطبيبة له بعد علمها بأنه زوجها وهي من ظنته والدها، وهي تنصحه بالاهتمام بها ورعايتها بما يتناسب مع شهور حملها الأولى خاصة مع سوء بنيتها وضعفها العام، ليفاجأ بالكارثة التي حلت عليه؛ فهو منذ زواجهما من ثلاثة أشهر وبعد ذهاب السكرة ، اكتشف بأي مأزق أوقع نفسه وكان ينتوي حل الأمر والانفصال، خاصة وأنه حتى الأن لم يصل خبر زواجه لزوجته أو أحد أبناءه، كما أنه قد ابتعد عنها جسديا بعد أسبوعين فقط من زواجهما بعد أن أدرك أن لكل سن قدراته، ومن يتحدى الزمن هو الخاسر الوحيد، وقد كاد أن يخسر حياته بالفعل نتيجة لتلك العقاقير التي أسأت لقلبه المنهك، ليفاجأ الآن بذلك الحمل الذي يهدم مخططاته، فصب جم غضبه علي تلك الغافلة التي تجهل كيفية الاحتياط للأمر، بل أنها حتى لم تعي لأمر حملها الذي تجاوز الشهرين، ولكن لما يوبخها فمن أين لطفلة مثلها بمعرفة مثل هذه الأمر فلو كان هناك ملام فهو على كل حال؛ فابتسم لها وقال بحنان: أنا أسف يا سلمى أنا بس خوفت عليكي وقلقت لما الدكتورة قالت أنك مش بتاكلي كويس واتضايقت عشان أنا عايز البيبي يبقي صحته كويسة. ـ سلمى بشك وقد هدأ نحيبها ورفعت رأسها ناظرة اليه: بجد يا صالح. ـ صالح بسعادة مصطنعة: طبعا مش ابني حبيبي وخايف عليه، وكمان خايف عليكي ومهتم بصحتك، هو من يوم متجوزنا عمري ضايقتك. ـ سلمى بصدق وهي تومأ برأسها نفيا: لا، والله أنت طيب جدا وأنا صحيح مكنتش مبسوطة واحنا بنتجوز، بس أنا دلوقتي فرحانة قوي أني أتجوزتك، ورغم أني مش فاكرة بابا بس حاسة أنه زيك بالظبط. ابتسم بمرارة علي صدقها فهي بالفعل تعده الآن أبا، ففي بداية زواجهما كانت نافرة وخائفة من علاقتهما الخاصة ولكنها خاضعة خوفا من عقاب زوج عمتها لو اشتكاها إليه، ولكن أثناء وعكته الصحية من جراء تعاطي العقاقير المنشطة، لمس اهتمام صادق وحزن عليه من جانبها، لتزداد مشاعرها الطيبة نحوه منذ انفصالهما الجسدي؛ الذي يبدو أنه كان يشوه صورته كأب أختارته بكامل إرادتها، تشتت مشاعره تجاه موقفها منه ما بين الألم لطعن رجولته علي هذا النحو وبين الرضا عن زهدها به؛ من ما يعفيه من الحرج لعجزه عن القيام بواجباته الزوجية نحوها، ولكن أي كانت مشاعره نحو الأمر فهو مصر الا يخذلها كأب كما خذلها كزوج **************** في منزل سليم ـ سيف حانقا لائما: ومخبي علي من ساعتها ليه؟ ـ سليم منكسرا: مكنتش عايز أتقل عليك. ـ سيف محتدا: كده يا سليم، وأنا اللي كنت حاسس أنك أخويا، وفاكر أن أنت كمان حاسس بكده. ـ سليم صادقا: طبعا، والله أنا كمان حاسس بكده. ـ سيف منفعلا: امال سكت على اللي بيحصل ومحاولتش تبلغني الا بعد ما وصلت لكده. ـ سليم خجلا منكسرا: كنت عاوزني أقولك أيه، تعالي الحقني، الرجل اللي بدفع له عشان يخدمني بيستغل عجزي، وبيستقوى علي. ـ سيف مستنكرا: أنت مش عاجز يا سليم، هو اللي حيوان، احنا مش في غابة عشان القوة تتقاس بالطريقة دي، ده انسان مستغل مش أكتر، وأنت ساعدته بتفكيرك ده، عامة زمان صفوت ظبطته في القسم وعرفه أن القوي في الأقوى منه، بس أنت عرفته أزاي ابن الكلب ده. ـ سليم بآسى: طنط شروق هي اللي عرفتني عليه وقت ما جيت أخرج من المستشفى وقلت أني محتاج مرافق، في الأول كان ممتاز، بيسمع الكلام ولطيف ومجتهد جدا، [مترددا] بس كنت حاسس كأنه بيتجسس علي، أول ما أتكلم في التليفون أو طول ما حد هنا خصوصا عمي محسن وسامي، كان بيتصرف بطريقة غريبة ويفضل رايح جاي، شككني فيه لحد ما أتأكدت. ـ سيف حائرا: وأتأكدت ازاي؟ ـ سليم بإيضاح: فاكر لما جيت اخدتني وديتني البنك عشان
أعمل الوديعة. ـ سيف بحيرة: أيوه بس أيه علاقة ده بيه؟ ـ سليم بضيق: وقتها كان كل واحد منهم ابتدى يضغط علي أنفذ مشروعه؛ لما عرفوا أني بعت كل حاجة وحولتها لسيولة، فبصراحة حسيت أني مش مرتاح لهم، وقررت أني أحط الفلوس كلها في الوديعة وأعيش من العائد بتاعها، وخليتك تيجي توديني البنك، ساعتها طبعا هو راح معانا وكان وقف بعيد وعمل تليفون ساعتها وفوجئت لما رجعنا أن طنط شروق مستنياني، [بضيق] كانت عصبية جدا، طلعت عارفة موضوع الوديعة وقالت أني كده عملت لها مشكلة؛ لأنها قعدت كتير تتحايل على عمي كامل جوزها يهتم بمشروعي علشان ظروفي، وأن الراجل أتفق فعلا على الأرض اللي هنعمل عليها مركز الصيانة والشركة اللي هتورد قطع الغيار، طبعا أنا قولت لها أني ما اتفقتش معهم على حاجة ، وأني قلت أني بس هافكر وكده هما اللي اتسرعوا، اتعصبت أكتر وحاولت كتير تقنعني الغي الوديعة، ولما لاقتني مصمم أتكلمت بطريقة وحشة عن بابا وعني وعن حالتي الصحية. ـ سيف حانقا: أيه الست الزبالة دي، وأنت أزاي سكت للزفت وائل بعد ما أتأكدت أنه بيتجسس عليك وبينقل لها أخبارك. ـ سليم حزينا: أنا واجهته وزعقت له بس هو حلف أنه مقصدش وأنها أتصلت تطمن علي واحنا في البنك وهو أتكلم بحسن نية. ـ سيف مستنكرا: وأنت أزاي صدقته وأنت من الأول حاسس أنه بيتجسس عليك. ـ سليم منكسرا: أنا مصدقتوش بس كنت مضطر أسكت لأني محتاجه, [بخزي] وائل هو اللي كان بيدخلني الحمام، وبينزل يشتري الأكل وكل حاجة. ـ سيف مشفقا: وبعدين؟ ـ سليم بصوت مهتز من التأثر: تاني يوم عمي سامي جه يزورني وقلت له على موضوع الوديعة، حاول يقنعني أن تشغيل الفلوس في السوق أكسب لي، بس لما لاقني مصمم سكت، وعمي محسن بعدها بيومين نفس الحكاية، بعدها كل واحد فيهم زارني كام مرة وفي كل زيارة كانوا بيحاولوا يفتحوا الموضوع تاني لكن لما أتأكدوا أن مفيش فايدة بعدوا عني وأتهربوا مني لما حاولت أتصل بيهم، [متهكما] الظاهر أن كل واحد فيهم كان بيقرب مني على أمل أن أمسكه هو إدارة فلوسي والمشروع اللى هيتعمل منها، وبعد موضوع الوديعة بقى مفيش فايدة ممكن تعود من وراي فبعدوا عني؛ [بانكسار] بعدها بفترة وائل أتغير لما لقى أني مليش حد، وأني بأعتمد عليه في كل حاجة، معاملته أتغيرت وبقي يسيبني أنادى وميردش أو يرد علي بحدة، وبقى يتأخر علي كتير وميجيش في ميعاده، ولما ينزل يشتري حاجة بيقعد كتير قوي ولما أسأله يتعصب، ده غير أن المصاريف زادت والأكل قل، وبقى يجيب الأكل على مزاجه من غير ما يسألني، وبطل ينضف الشقة، وأخر حاجة النهارده لما فوجئت أنه عازم أصحابه هنا، وكان شكلهم غريب وكأنهم شاربين وقاعدوا يضايقوني ويتريقوا علي، ولما زعقت له وقولت له يمشيهم وميعزمش حد في بيتي أتعصب وأتطاول علي، ودخلني أوضتي وقفل علي، أضطريت أكلمك وانت جيبت صاحبك الظابط وأخدهم. ـ سيف ضاحكا محاولا تخفيف حزنه: صفوت ده مشكلة، لما بيسلم عليا ايدي بتوجعني يومين، بس بصراحة وائل ابن حلال ويستاهل [ باهتمام] وأنا هاخد يومين اجازة وأقعد معك لغاية ما مكتب الخدمات يبعت مرافق مناسب. **************** بعد بضعة أشهر بالمصحة النفسية الخاصة. ـ سيف بضيق: برضو عملت اللي في دماغك. **************** ياترى سليم عمل أيه، وأيه رأيكم في البداية، وتفتكروا أيه الخيط اللي ممكن يربط بين الشخصيات دي كلها. ***************
|