رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن و السبعون بقلم سهام صادق
بالأمس يُخبرها إنه سيحررها منه بعدما أزال الستار عن تلك الحقيقة المخزية وتَعَرَّى من ماضيه المظلم، لم يُبرر ذنبه بل قال لها إنه المذنب والضحية وقد شاركه جده في جُرمه حتى لو كان مغيبًا ولم يملك القدرة على التحكم برغبة جسده.
أغلقت "زينب"جفنيها بوهن عندما عاد صوته يخترق جدار قلبها الذي يحمل ندوبًا تخفيها وراء قوتها الواهية وقدرتها على تصنع سعادة مزيفة.
« عمرها ما كرهتني، عمرها ما شفتني في صورة وحشة، كنت ديما في نظرها صالح الطيب حتى بعد ما ده حصل، كنت هعيش عمري كله ليها و لأبني يا زينب، أنا مش شاكر الزيني. »
اهتزاز الهاتف من بين يديها، نَبَّهَها على وصول ما ارسلته لها "سما".
فتحت عينيها ثم اخذت نفسًا عميقًا وضغطت على إشعار الرسالة. حدقت بمقطع الفيديو الذي يتم تكريمه فيه ومع اِنفراج ثغره بتلك الابتسامة الخفيفة ونبرة صوته أدركت تمامًا إنه يتمالك نفسه بصعوبة ويتظاهر بالثبات حتى يمر هذا التكريم دون أن يرى أحدًا ما تراه هي بوضوح.
مررت أنامل يديها على شاشة الهاتف حتى تشاهد المقاطع والصور الآخرى لتتوقف عند أحد الصور ولم تشعر بنفسها إلا وهي تُقرب الهاتف منها وتحملق بملامح تلك الشقراء الجميلة.
صدح صوت رنين الهاتف مرة أخرى برقم "سما"، فزفرت أنفاسها وردت عليها.
_ "زوزو" الصور والفيديو وصلوا، شوفتي البنت الصحفية.. فظيعة يا" زوزو" تحسيها جاية من نسل الأستراليون، حاجه كده تخليكي تغيري منها.
قالتها ثم ضحكت، فهي رغم أنها لا تتمتع بقدر عالي من جمال الملامح إلا إنها تعشق كل ما هو جميل.
_ اتفضلي يا فندم الكريدت.
هتفت بها عاملة المتجر وهي تنظر إليها ، فتوقفت عن الضحك وتنحنحت بحرج وهي تلتقط منها بطاقة الائتمان خاصتها.
_ شكرًا.
لفت الأمر انتباه "زينب" بعدما بدأت تنفض عن رأسها كل ما هو عالق به.
_ "سما" أنتِ فين، شكلك بتشتري حاجة.
تساءلت "زينب" وقد وجدت فرصتها في تغير دفّة حوارهم.
تنهيدة "سما"، جعلت "زينب" تتأكد أن هناك ما تخفيه عنها.
_ "سما".
توقفت "سما" أمام المتجر وأخذت تُحرك يدها على خصلات شعرها.
_ كنت بشتري هدية، "زينب" بصراحه انا بقيت على علاقة بدكتور "مازن".
قطبت "زينب" حاجبيها ولم تنبس ببنت شفة، فزفرت "سما" أنفاسها دفعة واحدة واستكملت كلامها لتوضح لها صورة علاقتهم.
_ علاقة أصدقاء، يعني مش أكتر من كده يا "زوزو".
_ من ساعت رحلة شرم الشيخ صح.
اطرقت "سما" رأسها، فهي بعد تلك الرحلة قررت أن تبتعد عنه لكنها لا تعرف كيف جذبها إليه مجددًا ورغم الحيرة التي تشعر بها معه إلا إنه سعيده في علاقتهم التي تعطيها مسمى الصداقه لكنها بعيدة تمامًا عن هذا الأمر.
_ لما نتقابل هحكيلك كل حاجه، هستناكي في الكافيه بتاعنا بعد ساعه، تمام.
أنهت "سما" المكالمة معها لتنظر "زينب" نحو الهاتف بشرود وسرعان ما كانت ملامح وجهها تتحول إلى التجهم بعدما تذكرت أمر الصور.
اخذت تقلب بين الصور ثم تنهدت بكبت.
_ هو أنا ليه مضايقه كده، من إمتى أصلا حد فينا بيشارك التاني في أمر يخصه.
كادت أن تنهض لكن ذلك المقطع القصير الذي به جزء من اللقاء الصحفي عاد يتردد صَدَاهُ في ذهنها.
أعادت تشغيل المقطع ثم ضاقت حدقتاها عند عبارة المزاح التي أطلقتها تلك التي تُجري اللقاء لتتساءل بصوت خرج عاليًا.
_ كأنها تعرفه من زمن، طريقة كلامها معاه فيها حاجة غريبة مش قادرة أعرفها.
لوهلة تركت عقلها يدور هنا وهناك لتجحظ عينيها بذهول.
_ فوقي لنفسك يا "زينب"، أنتِ شاغله عقلك كده ليه لتكوني..
وسرعان ما كانت تهز رأسها برفض نحو ذلك الشعور الذي دفعها إليه عقلها.
_ لا، لا. أنا مش بغير عليه، إحنا اصلا عايشين مع بعض زي الأخوات وقررنا نطلق.
...
تجمدت ملامح وجهه وقد طالت نظرته إليها، فهو بالفعل يرى المراهقة التي صارحته بحبها يومًا وصارت الآن في الثوب النساء الجريئات المتمردات، إنه يليق بها أن تكون صحفية صاعدة لها مستقبل لامع في هذا العمر.
اِستدار بجسده دون أن يُعلق على كلامها لتمتعض ملامح وجهها، فهو مازال فظً لا يهتم بمشاعر أحد.
_ لسا زي ما أنت، مغرور، متغطرس، رافع مناخيرك في السما ومعندكش قلب.
اغلق عينيه وقد عاد به الماضي لذلك اليوم الذي اعترفت فيه بحبها له ، رجل أرمل لمر يمر على وفاة زوجته سوى شهرين وأبنة صديق والده المراهقة التي لما تتجاوز عمر السابعة عشر تعرض عليه حبها وتتوسله أن يتركها لتكون بجانبه وتسانده في أزمته.
اقتربت منه عندما وجدته يقف ساكنًا وكأنه يعيد شريط تلك الليلة التي أفصحت له بمشاعرها ودون أن تمنحه فرصه ليستوعب ما أخبرته به باغتته بقبلتها ورجائها له أن يتقبل حبها وهي راضية بأن تكون أي شئ بحياته حتى لو ستمنحه جسدها دون مقابل.
_ مش قادر تبص ليا مش كده، أوعى تكون فاكر إني فاكره حاجة من الماضي، أنت كنت صفحة وأتقفلت.
إنها كاذبه وتعلم هذا تمامًا لكن عليها التظاهر بكرهها له، أبتسم عندما القت عليه عبارتها.
_ أنت أبشع صورة لنموذج الراجل الناجح في العلاقات، حقيقي أنا بشفق على مراتك.
اِستدار برأسه نصف استدارة ، فتقابلت نظرته الخاوية بنظرتها الغاضبة.
_ فرصة سعيد يا "رغد" ووصلي سلامي لـ دكتور "منتصر".
❤️❤️❤️❤️
صعد سيارته تحت أنظارها المشتعلة غضبًا، فاحتدت عيناها وهتفت.
_ إحنا رجعنا نستقر في مصر تاني، مش مجرد زيارة.
...
التقط "إيهاب" كوب الماء الذي أمامه ليرتشف القليل منه بتوتر، فهو منذ اِتصال "صالح" به بالصباح وهو قلق من لقائه.
_ قال ربع ساعة ودلوقتي خمسة وعشرين دقيقة عدت، أنا هتعبر ده إهانه لينا.
وأردف بضجر جعل "جيلان" تُقاوم رغبتها بالضحك، فـ زوجها يخشى لقاء "صالح" لتعامله معه في كل لقاء يجمعهم بلغة الذراع.
_ لولا "زينب" اصلا مكنتش قابلته.
استرخت "جيلان" في مقعدها بإستمتاع وأخذت تُحرك له رأسها بتأكيد.
_ أنت بتتلكك يا حبيبي لأن شكلك خايف من حاجه كده.
ثم أشارت نحو وجهه وأسرعت بوضع يدها على شفتيها حتى لا تضحك، فاحتدت عيناه بالغضب.
_ عارفه يا حببتي طول عمرك سخيفة، كان عندها حق ماما لما قالتلي بلاش تتجوزها.
لم تتحمل كبت ضحكتها طويلًا وانفجرت ضاحكة.
_ كنت سمعت نصيحتها يا حبيبي مع إني أشك إنها قالت كده، انطي "ناهد" روح قلبي اصلًا وماما التانية، ده أنا ياريت سمعت نصيحة بابا كان عايزني اقبل بـ "راكان" ابن عمو "غازي".
ازدادت ملامح وجهه قتامة ونهض دافعًا المقعد إلى الوراء ثم لطم الطاولة بقوة.
اِنفلتت شهقة قوية من بين شفتيّ "جيلان" وأصبحت أنظار الجالسين بالمكان عليهم.
_ قولتلك مليون مرة متجبيش سيرته قدامي، مافيش هزار في الكلام ده يا هانم ولا أنتِ لازم تستفزيني.
ارتفعت الأصوات حولهم، فهتفت بحرج.
_ "إيهاب" وطي صوتك فضحتنا في المكان، إحنا مش في بيتنا.
نظر حوله ليجد الكل ينظر إليهم مترقبين ما سوف يحدث بينهم.
_ شوفت فضحتنا إزاي بتهورك، أنا لازم أطلق منك يا "إيهاب".
قالتها وهي تلتقط حقيبتها.
_ بكره ألاقي ورقة طلاقي بدل ما أخلعك يا "إيهاب".
اتسعت حدقتاه وأسرع بالتحرك ورائها ملتقطًا ذراعها.
_ "جيلان" أنتِ رايحة فين، جيلان" حببتي، يا عمري استني.
_ أبعد أيدك عني، هخلعك يعني هخلعك يا" إيهاب" وهفضحك في المحاكم.
تراجع" صالح" إلى الوراء عندما اصطدمت به" جيلان" أثناء خروجها من المقهى لترتسم الدهشة على ملامحه وتساءل.
_ مدام" جيلان" مالك في إيه؟ مالها يا استاذ" إيهاب".
_ ألحقني يا كابتن "صالح"، أرجوك أتدخل فورًا مش أنا صاحبك برضوه.
...
زاغت نظرات "سيف" بذهول وهو يسمع الخبر الذي تُخبره به والدته بكل سعادة.
_ "بيسان" وافقت على العريس، صحيح كان نفسي تكون من نصيبك بس خلاص بقى البنت لازم تشوف نصيبها والعريس بصراحه ميترفضش.
أخذت تخبره عن مكانة العريس ونجاحه في عالم البيزنس مع والده وفروع شركاتهم في بعض الدول العربية وقريبًا ستكون لديهم أفرع في أوروبا.
توهجت عينين" سمية" بنظرة ثاقبة وأقتربت منه.
_ مالك يا "سيف"، سكت ليه بعد ما سمعت الخبر هو صدمك ولا مكنتش متوقعه.
ابتلع ريقه وأشاح وجهه عنها ليخرج صوته متحشرجًا.
_ "بيسان" تستاهل كل خير.
أومأت "سميه" برأسها والتمعت عيناها بوهج ماكر وهي تراه يتحرك من أمامها ليُغادر غرفة مكتبها.
_ أوعى تنسى تبارك ليها، ما هي زي "نيرة" عندك برضوه.
حدقت "سمية" بالباب بعدما غادر الغرفة، فأخيرًا تأكدت من تغير مشاعر أبنها نحو "بيسان"... إنها احكمت خيوطها هذه المرة ببراعة.
_ لازم أتخلص من "كارولين" بأي طريقة عشان أفضى للعروسة الحلوة، هسرق فرحتك يا "عزيز" زي ما وجعت قلبي وحرقته سنين طويلة.
...
دارت عيناه بينهم بضجر وقد أخذ كل منهم يتصيد أخطاء الآخر مهما كانت صغيرة.
_ من ساعت ما اعترفت بحبي ليكي وأنا ولا بنسى عيد ميلاد ولا عيد حب.
_ لأ نسيت مره عيد ميلادي.
نظر "صالح" إليهم بنظرة يائسة ثم ضم رأسه بين كفوف يديه.
_ شايف يا كابتن بتفتكر ليا إيه وهي اصلا مش مكسوفه من نفسها، قوليله السنه ديه نسيته ليه، قوليله.
اخفضت "جيلان" رأسها، فحدقها "صالح" بنظرة مترقبة وشعر بالفضول بسبب صمتها.
_ خلاص بقى يا "إيهاب" نسيت إنك يومها كنت عامل حادثة.
لطم "صالح" جبينه ، فنظروا إليه لينفرج ثغره بابتسامة عريضة سمجة.
_ كملوا عتابكم، شكلكم زعلانين من بعض جامد.
_ أحكم بينا يا كابتن "صالح".
هتفت بها "جيلان" بصوت هادئ أدهشه.
_ ايوة أحكم بينا وقول مين على حق.
قالها إيهاب وهو يعقد ساعديه أمام صدره، فـ أطلق "صالح" زفيرًا طويلًا.
_ هي نوعية القضايا المختص بيها يا أستاذ "إيهاب" إيه بالظبط.
حرك "إيهاب" كتفيه بغرور وفخر.
_ اختصاصي في القانون المدني، هو أنت عندك قضية عايزني ارفعها ليك.
اعتدل "صالح" في جلوسه وافتر ثغره عن ابتسامة خفيفة.
_ لا أبدًا مجرد فضول يا" إيهاب" باشا، خليني دلوقتي أحكم بينكم بالعدل بما إن أختارتوني حكم.
التمع الحماس في عينيهم واتسعت ابتسامتهم وبصوت واحد هتفوا.
_ قول وإحنا سامعينك.
تساءل "صالح" بعدما قطب جبينه.
_ وهتعملوا بنصيحتي.
أومأوا برؤوسهم ، فسترخى "صالح" في مقعده وأرجع ظهره إلى الوراء.
_ انتوا محتاجين تقضوا وقت هادي ولطيف مع بعض بعيد عن دوشة الحياة لأن شكلكم مضغوطين جامد وأعصابكم مشدودة.
تحمست "جيلان" للفكرة وهتفت سريعًا.
_ أيوة صح، أنا محتاجة أغير جو وقولتله من فترة كده قالي مش فاضي، قولي يا كابتن أنت بتعمل كده مع "زينب" وديما تقولها مش فاضي.
رمقها "صالح" ثم اشاح عيناه عنها وتنحنح بخشونة.
_ خلينا فيكم أنتوا يا مدام "جيلان".
اسرع "إيهاب" بالرد حتى يعترض؛ فهو مشغول هذه الأيام.
_ أنا الايام ديه...
قطع استرساله بالكلام نظرة "صالح" بعدما غمز له بطرف عينه.
_ العيلة بتملك يخت في النيل، إيه رأيكم تقضوا في ليلة.
نظرة كل منهم للأخر جعلته يزفر أنفاسه براحة، لتتسع ابتسامة" إيهاب" ثم نهض من مقعده واتجه إليه حتى يحتضنه.
_ والله يا راجل أنت غيرت فكرتي عنك، وأنا في الخدمة ليك في أي وقت.
ابتسم "صالح" وتقبل احتضانه بود لتتساءل "جيلان" وقد تذكرت أخيرًا أمر طلبه لمقابلتهم اليوم.
_ صحيح يا كابتن "صالح" ، أنت كنت محتاج تقابلنا ليه النهاردة.
ابتعد "إيهاب" عنه لتتنقل عينين "صالح" بينهم ثم قهقه عاليًا.
_ أنا ممتن ليكي يا مدام "جيلان" إنك منستيش موضوعي.
شاركه "إيهاب" الضحك وربت على كتفه.
_ اقعد يا كابتن، ده أنت ليك جميل في رقبتي.
...
اتسعت ابتسامة" سما" وهي ترى الرسالة المرسلة من" مازن" بعدما أكد عليها تفرغه بالغد وأنه لن يخلف موعده كالعادة.
لم تشعر" سما" بوقوف زينب أمامها إلا عندما تنحنحت وهتفت بمزاح.
_ شكل الموضوع كبير وفي قصة حب.
تركت "سما" الهاتف من يدها ونهضت من مقعدها سريعًا لتحتضنها.
_ وحشتيني يا "زوزو" وجدو كمان وحشني وشكله نسينا خالص.
ابتعد "زينب" عنها وهتفت بنبرة حزينة.
_ أنا مش عارفه ليه طول هناك، بس هقول إيه هو بيقول إنه مبسوط.
جلست "سما"، فجلست "زينب" قبالتها.
_ عموما فرح "أشرقت" قرب فأكيد هيرجع قريب
تمتمت بها "سما"، فضمت زينب شفتيها بحزن.
_ متعودتش على بعده يا "سما".
غمزت لها "سما" وأخذت تهز رأسها بشقاوة.
_ يا بنتي كلامك ده عيب في حق الكابتن، أه لو سمعك دلوقتي.
داعبت شفتي "زينب" ابتسامة باهتة لكنها كالعادة تصنعت السعادة.
_ احكيلي بقى ليه كنتي مبسوطة وأنتِ ماسكة التليفون.
توردت وجنتيّ "سما" بخجل، فالتمعت عينين زينب.
_ قولي يا شهرزاد.
نظرت إليها "سما" ثم تلاعبت بأصابع يديها.
_ مبقدرش أخبي عليكي حاجة يا "زوزو".
اتخذت" زينب" دور المستمع الجيد وتركت أوجاعها جانبًا.
شعرت "سما" بالتوتر من نظرات "زينب" إليها، فأسرعت بتوضيح الصوره للمرة التي لا تعرف عددها.
_ "زوزو"، أنا بتعامل مع دكتور "مازن" حاليًا كصديق بس، تمام.
وضعت "زينب" يديها على الطاولة ورمقتها بنظرة زادت من توتر" سما".
_ مش باين يا "سما" إن ديه علاقة صداقة.
هربت" سما" بنظراتها وتنهدت بضيق.
_ "زينب" حاولي تقتنعي وتقنعيني إننا مجرد أصدقاء وبس لأني مش عايزه أحط إطار لعلاقتنا غير كده.
حركت "زينب" رأسها لها بقلة حيلة ومدت يدها لتربت على كفوف يديها المتشابكتين ببعضهم.
_ بلاش يا "سما"، صداقه بين راجل وست يعني واحد فيهم بيطلع خسران.
لم تكن "سما" يومًا بالفتاة المندفعة نحو العلاقات سواء صداقة أو حب لكن هذا الرجل أتى ليغير شئ بداخلها لم تكن مقتنعة به من قبل.
_ "زينب" ممكن أطلب منك طلب ومتسأليش عن السبب دلوقتي.
تحولت ملامح" زينب" فجأة إلى الوجوم والصدمة معًا.
_ حاولي تقطعي أي تواصل بينك وبين دكتور" مازن" ومن فضلك متسأليش ليه.
رفرفت "زينب" بأهدابها حتى تستوعب حديثها لتنهض" سما" من أمامها قائلة:
_ خلينا نروح عند عمو "هشام" وبلاش تقولي لا،
" أشرقت" حددت ميعاد فرحها وكانت من فترة تعبانه ومحدش فينا سأل عنها و أه نحاول نقرب منها، في النهاية إحنا كلنا ولاد عم وكبرنا على شغل الأطفال.
...
تركت" ليلى" تلك القطعة التي تقوم بتطريزها ونظرت نحو زوجة عمها بعدما أنهت مكالمتها مع الحارس "مسعد".
_ مين الضيوف يا مرات عمي.
وضعت عايدة" الهاتف على الطاولة وأسرعت بجمع أدوات الحياكة خاصتها قائلة:
_ أتنين من زمايلك ، قولتله يجيبهم على هنا، جمعي معايا الحاجات ديه بسرعه.
وضعت " ليلي" يدها على الأشياء التي تجمعها وهتفت بتساؤل.
_ ما اخدهم على الفيلا عادي.
ردت" عايدة" معترضة عن الأمر.
_ لأ يا "ليلى" بلاش، البنت اللي أسمها "سلوى" ديه مش برتاح ليها.
عندما استمعت "ليلى" إلى اسم سلوى انقبض قلبها، فضمت "عايدة" الأغراض التي جمعتهم إلى صدرها.
_ اقري يا بنتي المعوذتين، البنت ديه قلبي بيقولي إنها بتحقد عليكي وبتكرهك، "عزيز" بيه كان عنده حق لما قالك اقطعي علاقتها معاها.
....
_ طريق الفيلا من هنا يا عم.
قالتها عبير" وهي تنظر نحو الممر الذي سلكه الحارس صاحب الوجه المتجهم كما نعتته داخل رأسها، فالتف الحارس" مسعد" إليها بوجه عابس.
_ " ليلى" هانم موجوده عند الست" عايدة" زوجة عمها.
نظرت" عبير" نحو" سلوى" التي ازداد إمتقاع وجهها والتوت شفتيها وغمغمت بصوت حانق.
_ بقى اسمها دلوقتي "ليلى" هانم، أه يا ناري.
_ اعدلي وشك يا "سلوى"، إحنا جايين نهني ونبارك.
حدقتها" سلوى" بنظرة ممتعضة.
_ شايفه عايزة تقابلنا فين، كويس إنها عارفه أصلها.
وكزتها" عبير" بذراعها عندما فتحت "ليلى" الباب وابتسمت في وجههم ولم تزيد ابتسامتها إلا حقد "سلوى" التي رمقتها بنظرة ثاقبة، فالثراء صار واضحًا عليها.
...
شعرت "زينب" لأول مرة بالراحه في منزل عمها بعدما رحبت بهما زوجة عمها بحفاوة.
_ انتوا كده هتتغدوا معانا النهاردة ومش عايزه أسمع اعتراض.
ابتسمت "سما" وردت سريعًا.
_ أنا معنديش مانع، نشوف "زوزو" بقى ليكون عندها خطط تانيه مع الكابتن.
توردت ملامح زينب بحرج، فابتسمت "لبنى" وتساءلت.
_ و أنتِ يا زينب".
لطف زوجة عمها جعلها تقبل الدعوة رغم تَعنَّتها بالرفض قبل مجيئهم.
_ معنديش مشكله، هكلم بس" صالح" الأول.
رمقتها زوجة عمها بنظرة لم تفهمها، فاتسعت ابتسامة "سما" .
_ يا سيدي على دور الزوجة المطيعة، عقبالنا يا ناس.
ضحكت" لبنى" على مزاحها.
_ ما أنتِ زي بنت عمك، كل شوية رفض رفض بس اه خلاص هنخلص من واحدة فاضل أنتِ يا "سما" وطبعًا مش هنقبل بأي حد لازم مواصفات تليق بالعيلة، ولا أنتِ إيه رأيك يا "زينب".
ابتسمت "زينب" ، فاردفت "لبنى" وهي تتحرك أمامهم متجها نحو غرفة الضيافة.
_ بصراحه لولا مميزات "صالح" الفوق ممتازة كنا رفضناه، يعني مش حلوة في حقنا بنت من العيلة نجوزها أرمل ومعاه طفل.
تلاشت ابتسامة "زينب" لكن فجأة اعتلت الدهشة ملامح "سما" وتهللت أساريرها وامتعضت ملامح "لبنى" .
_ أنتِ قولتي يا طنط، "صالح" في مميزات كتير أوي مافيش أي عيلة ترفضه... كفاية إني أقول أسم عيلة الزيني في أي مكان، أصل الواحده بعد جوازها ديما بتفتخر بعيلة جوزها مش ده كلامك لينا ديما يا طنط "لبنى".
انحشر الكلام بحلق "لبنى"، فهل من تراها اليوم أمامها هي زينب؟
....
وضعت "ليلى" اكواب العصير وأطباق الحَلْوَى أمامهم لتتساءل "سلوى" بعدما التقطت كوب العصير.
_ هو أنتِ على كده يا "ليلى" بتقومي بشغل البيت.
أسرعت "عايدة" بالرد وقد أتت ورائها بطبق الفاكهه.
_ لأ طبعًا يا حببتي، الفيلا فيها خدم هي بتأمرهم.
_ طيب ما نروح الفيلا ونتفرج على بيتك الجديد يا "ليلى".
قالتها "عبير" وهي تمضغ قطعة من الحَلْوَى ثم وضعت يدها على فمها حتى لا تتفوه بالمزيد من الكلام.
_ إحنا شكلنا يا "عبير" مش قد المقام و "ليلى" خايفة على نفسها من الحسد.
نظرت إليها "ليلى" وابتسمت ابتسامة مقتضبة.
_ مين قال كده يا "سلوى"، انتوا صحابي وأكيد عمري ما هفكر كده بس انتوا لما جيتوا أنا كنت قاعده هنا في بيت عمي.
أدركت "سلوى" سريعًا، إنها لو أطالت الأمر ستكون الخاسرة.
_ خلاص يا" ليلى" ، أنا و "عبير" بنتكلم معاكي بعشم مش اكتر...
جلست "ليلى" بينهم وشاركتها "عايدة" تلك الجلسة الثقيلة التي اضطرت بعد وقت أن تنسحب منها بعدما أتاها إتصالًا.
_ "ليلى" هو أنتِ هترجعي المصنع تاني.
تساءلت بها عبير"، فاسرعت" سلوى" بالرد.
_ ترجع إزاي المصنع يا" عبير" وهي دلوقتي مرات البيه لا مبقاش قيمتها الشغل ولا يليق عليها البهدلة.
_ ليه يا " سلوى" الشغل في المصنع مكنش فيه بهدلة.
اِنفلتت شهقة قوية من شفتي" سلوى" جعلت ما تأكله يقف بحلق" عبير" فأخذت تسعل بشدة.
_ وأنتِ ليه مستعجلة على البهدلة يا "ليلى"، يا حببتي استمتعي بالدور الجديد قبل ما يضيع منك...
_ أنتِ بتقولي إيه يا "سلوى".
أسرعت "سلوى" بالنهوض من مكانها واقتربت منها.
_ "ليلى" أنتِ زي أختي، فتحي عينك شوية يا حببتي وفوقي من السذاجة.
احتدت ملامح "ليلى" وحدجتها بنظرة غاضبة، فاردفت "سلوى" بعدما وضعت يدها على كتفها.
_ أنا عارفة إن كلامي هيزعلك مني بس يا "ليلى" راجل زي" عزيز" بيه هيتجوز بنت فقيرة كانت متبناه من عيلة وعمها شغال عنده ليه؟
لم تمهلها "سلوى" لتتحدث وبنبرة خبيثة متلاعبة واصلت كلامها.
_ أنتِ جميلة يا "ليلى" وجميلة أوي كمان والجمال أوقات كتير بيكون نقمة على صاحبه... وعشان أقولها ليكي صراحة أنتِ زوجة للمتعة مش أكتر ووقت ما متعته منك تخلص هيفوق ويشوف ست تناسب وضعه ومكانته أصل يا حببتي إحنا عاملين زي الحلاوة وقت ما بيضيع الطعم وجودنا بيخلص خلاص...
❤️❤️❤️
زوجة للمتعة؟ فهل يراها البعض بهذه الصورة؟ .. إنها ليست إلا للمتعة لأنها لا تليق برجل كـ عزيز الزهار ومن هي لتليق به، فالكل يعرف حكايتها.. الفتاة التي أتت من مدينتها لتبحث عن عم ألقى بها في دار الأيتام بعدما أجبرته الظروف وسوء نفسه أن يتخلى عنها في مكان يراه سيحتضنها أكثر منه ليفيق بعدها على الحقيقة المريرة إنه لم يحفظ أمانة شقيقه له.
شعرت "سلوى" بالسعادة وهي ترى ملامح "ليلى" التي شحبت وبصوت كالفحيح تساءلت.
_ "ليلى" هو أنتِ ممكن تزعلي من صراحتي.
تقوست شفتي "عبير" بإستنكار واخذت تدس قطعة أخرى من الحَلْوَى في فمها ولأول مرة تشعر بالشفقة نحو "ليلى" ثم أشاحت بوجهها عنهم.
رفعت "ليلى" رأسها ونظرت إليها ثم ابتسمت عندما رأت تلك اللمعة السعيدة التي احتلت عينين "سلوى".
_ ازعل منك ليه يا "سلوى"، أنا زعلانه عليكي مش أكتر، أصلك لو عرفتي الحب بجد مكنش ده هيكون وجهة نظرك عن الجواز والحب ، أتمنى يجي يوم تلاقي راجل يحبك وتحبيه.
اختفى شعور الزهو الظاهر بوضوح على ملامح "سلوى" واحتقنت ملامحها بالحقد، لا تصدق أن "ليلى" أصبح لديها لسان تُلجمها به.
_ شاطره يا "ليلى"، الست العاقلة تكسب.
أندفع الكلام فجأة من شفتي "عبير" ثم لعقت أصابعها بعدما انتهت من تناول طبق الحَلْوَى.
ازدادت ملامح "سلوى" إحتقانًا والقت بنظرة غاضبة نحو "عبير" التي ارتبكت وأسرعت بإلتقاط كوب العصير لترتشف منه.
_ مش كفاية أكل بقى يا" عبير" ولا أنتِ لازم تفضحينا كده في كل مكان نروحه وكأننا محرومين من الأكل.
اخفضت "عبير" عينيها من شدة الحرج، فاسرعت "ليلى" نحو الطبق الأخر الممتلئ لتضعه أمامها.
_ متسمعيش كلام "سلوى" يا "عبير"، البيت بيتك وكلي يا حببتي زي ما أنتِ عايزة ده أنا مبسوطه أوي إن الجلاش عجبك، على فكرة ده من عمايل أيديا.
_ بجد يا "ليلى"، أنتِ عملاه.. ده أنا قولت من جماله إنه من محل حلويات مشهور.
_ أنا من زمان بحب شغل المطبخ وشاطره في الحلويات والأكل عموما وزيك بنسى نفسي وأنا باكل الحلويات.
توهجت ملامح "عبير" بالغِبْطة وابتعلت تلك الغصة التي دائمًا تشعر بها نحو زيادة وزنها وحبها لتناول الطعام.
_ كملي الطبق ده كمان وأنا هدخل المطبخ أعملك طبق تاخدي معاكي.
تحركت "ليلى" من أمامهم، فهتفت "عبير " سريعًا دون أن تنظر نحو "سلوى" التي أخذت ترمقها بنظرة متوعدة.
_ متتعبيش نفسك يا "ليلى"، أنا خلاص شبعت.
...
توقف "إيهاب" عن مضغ الطعام بعدما انفلتت تنهيدة أخرى قوية من شفتي "جيلان"، فتأفف "إيهاب" حانقًا.
_ "جيلان" يا حببتي أنا على أخرى منك النهاردة، فياريت نبطل مدح في الكابتن أنا مصدقت غيرت وجهة نظري عنه.
_ جينتل مان أوي يا "إيهاب" ، بصراحه "زوزو" محظوظه بي..يا خرابي يا "إيهاب" شوفت وهو بيقولنا الاتفاق ده سر بينا مهما حصل منخليش "زينب" تعرف إنه هيدفع الجزء المتبقي من فلوس الشقة، شايف خايف على شعورها إزاي مع إنه عادي يدفع الفلوس وتعرف.
_ على فكرة في رجالة كده، مش الكابتن بس لوحده بيخاف على شعور مراته وياريت نقفل السيرة يا" "جيلان" لأن شكل الإتفاق هيتكشف على أيدك أنتِ.
اِلتوت شفتي "جيلان" بحنق، فزجرها بنظرة حادة، فغرست الشوكة بقطعة الدجاج.
_ أنت بقيت خنيق كده ليه يا" إيهاب"
_ أنا خنيق؟
ردت بشفتين مزمومتين.
_ جدًا وكل كلمة بقيت تقف عليها، شايف الكابتن كان بيتكلم عن" زينب" إزاي... عينه كانت بتلمع من الحب، هو أنت ليه مش بتتكلم عني كده يا "إيهاب".
القى الشوكة من يده بغيظ ثم التقط محرمة الطعام ليمسح بها شفتيه.
_ أنا بقول تخلصي أكلك بسرعه ونكمل خناقنا في البيت يا حببتي لأن أنتِ الفترة ديه أوفر دراما.
اتسعت عيناها بدهشة وأشارت نحو نفسها تتساءل.
_ أنا أوفر دراما يا "إيهاب".
أومأ برأسه، فمطت شفتيها بعبوس ثم اشاحت بوجهها عنه.
تنهد بضيق وكاد أن يخبرها سبب غضبه منها، فهي صارت لا تراعي شعوره ليجدها تنظر إليه وتحرك له رأسها بتأكيد.
_ أنا فعلا بقيت حاسه نفسي إني سخفية ودرامية زيادة عن اللزوم الفترة ديه يا "إيهاب"، مش عارفه فيا إيه، يمكن عشان خايفه من فشل مشروع الكافيه ولا عشان بابا وماما واخواتي وحشوني أوي هو إحنا ليه رجعنا نستقر في مصر من غيرهم.
انسابت دموعها، فانتفض من مقعده فزعًا واقترب منها.. فــ "جيلان" قليلة البكاء.
_ "جيجي" معقول بتعيطي، لأ فعلا كلام كابتن "صالح" صح، إحنا محتاجين نغير جو ونتبسط شوية.
...
زفرت "ليلى" أنفاسها براحه بعد رحيلهن، فهي حاولت كثيرًا قطع علاقتها مع "سلوى" لكن لا تستطيع أن تقولها لها صراحةً.. إنها تخجل من جرح أحدًا حتى لو بكلمة لكن "سلوى" تدفعها لتكون سيئة وبغيضة مثلها.
_ واقفة عندك كده ليه يا "ليلى".
قالتها "عايدة" وهي ترتدى حذائها حتى تغادر وتذهب للمتجر الذي صارت تصنع له بعض المشغولات اليدوية بالمنزل بعدما تقاعدت عن عملها بالفيلا.
_ مش عارفه بس حاسة إني بدأت أتخنق من البيت.
انتصبت "عايدة" في وقفتها وقد اِنتهت من إرتداء حذائها واتجهت إليها.
_ اتكلمي مع "عزيز" بيه يا "ليلى"، هو أغلب الوقت في شغله ومشغول عنك وأنا بقيت مشغوله في شغلي الجديد و "شهد" بدأت دراسة وعمك في شغله و"سعيد" وليه اهتماماته والفترة ديه بقى بيحب يخرج كتير يعني كلنا مشغولين عنك.
مررت "ليلى" يدها على جبينها بسبب شعورها بالصداع وخرج صوتها بأمل.
_ تفتكري هيوافق.
_ خدي الخطوة واتشجعي واتكلمي معاه، "عزيز" بيه دلوقتي جوزك والست يا بنتي لو متكلمتش مع جوزها وفكرت معاه بصوت مسموع هتفكر وتتكلم مع مين.
هزت "ليلى" رأسها إليها بإقتناع.
_ عندك حق، أنا لازم اتكلم معاه.
...
وضعت "أشرقت" حقيبة عملها على أقرب مقعد قابلها عندما دلفت الغرفة التي جلست بها والدتها مع "زينب" و "سما" وبوجه مبتسم صدح صوتها بترحيب.
_ "سما" حببتي، أخيرًا افتكرتي إن ليكي بنت عم... وميرسي خالص على البيرفن زي ما طلبته منك بالظبط.
نهضت "سما" لتُعانقها، فوضعت "زينب" كأس العصير من يدها على المنضدة الصغيرة التي أمامها.
_ أهم حاجه إنه عجبك يا "شوشو".
اِتسعت ابتسامة "أشرقت" و رمقت "زينب" بابتسامة خاطفة.
_ ذوقك واختياراتك ديما بتعجبني يا "سولي".
ابتلعت "زينب" غصتها بعدما شعرت بثقل وجودها بينهن وكالعادة تُشعرها" أشرقت" أنها ليست مرئية بالنسبة له.
_ هاي يا "زوزو"، عامله إيه.
تمالكت "زينب" شعور الإختناق الذي اِلتف حول عنقها ثم رفعت رأسها ببطئ وانفرج ثغرها بابتسامة هادئة.
_ بخير الحمدلله.
قطع ترحيب "أشرقت" الفاتر صوت والدها وهو يسأل الخادمة عن هوية ضيوفهم لتنهض" لبنى" قائلة:
_ الحمدلله "هشام" وصل، أدخلي يا" أشرقت" غيري هدومك عشان نتغدا كلنا سوا.
دخل "هشام" الغرفة مبتسمًا، فاسرعت "سما" إليه لتحتضنه.
_ كل مرة بشوفك فيها بلاقيك بتصغر يا سيادة المستشار، وكده طنط "لبنى" لازم تاخد بالها كويس.
قَهْقَهَ "هشام" بقوة، فضحكت" لبنى" ورفعت رأسها بشموخ.
_ متقلقيش يا "سما" أنا ليا وضعي كويس في قلب عمك ولا إيه يا "هشام".
توقف "هشام" عن الضحك وتحشرج صوته ونظر إليها.
_طبعًا يا حببتي.
أندفعت "أشرقت" نحو والدتها تحتضنها.
_ سيادة المستشار ميلاقيش زيك يا مامي ولا إيه يا بابي.
هربت" زينب" بعينيها بعيدًا عنهم حتى لا ينتبه أحد على نظرتها التي تنكسر في كل مرة ترى فيها مشاهد حب العائلة ولا تجد نفسها فيها.
_ "زينب".
تمتم بها "هشام" وهو يمد يده لها لمصافحتها، فاتجهت عيناها إليه ليبتسم قائلًا بود غريبًا منه.
_ مالك واقفة بعيد كده.
انتقلت أعينهم إليها ليقترب "هشام" منها.
_ سمعت من أحد اصدقاء العائلة إن "صالح" نال تكريم لأفضل مدرب أمن الطيران.
تجمدت ملامح "زينب" عندما علمت سبب لطف عمها معها اليوم وقد داهمها شعور الرغبة في البكاء كالأطفال عندما ينزون بأنفسهم بركن بعيد.
ربت "هشام" على خدها وقد تلاقت نظرتها الحزينة بنظرة عينيه التي لمع بهما الفخر وأردف.
_ حقيقي كابتن "صالح" اسم تتشرف بي عيلتنا.
"صالح" هو فخر عائلتهم، "صالح" الزوج الذي أضاف لها قيمتها وسط العائلة، "صالح" الرجل الذي حظيت به وكأنه ورقة يناصيب،"صالح" وعائلته نسب يُشرف أي عائلة وكما اخبرتها زوجة عمها منذ قليل أن العائلة تجاوزت عن كونه أرمل ولديه طفل من أجل اسم عائلة الزيني التي لا يستطيع أحد رفض مُصاهرتها.
_ لسا كنت بقولها كده يا "هشام"، إن لولا مكانته ومكانة عيلته مكناش قبلنا نجوز واحدة من بنتنا لراجل أرمل.
قالتها "لبنى"، فعقب "هشام" على كلامها.
_ وهي "زينب" كانت هتلاقي احسن من
"صالح الزيني" فين، راجل ميترفضش.
كادت أن تتحدث "سما" وتخبرهم أن "صالح" هو المحظوظ بأبنة عمها لكن صياح" أشرقت" بضجر جعلها تبتلع كلامها وتنظر نحو "زينب" التي وقفت صامته.
_ من فضلك يا مامي خلي" سهير" تحضر لينا الغدا لأن بعد ساعتين هخرج اقابل "مراد" عشان نروح الفيلا ونشوف العمال وصلوا لحد فين... الواحد تعب خلاص منهم.
ثم تأففت واتجهت نحو غرفتها ، فتحركت "لبنى" ورائها سريعًا.
_ حاضر يا حبيبت مامي.
...
وضع العم "سعيد" أمامها كوب الشاي ونظر نحو الكتاب الذي تقرء فيه.
_ القراية حلوه بتفتح العقل يا ست البنات.
رفعت "ليلى" رأسها عن الكتاب الذي وجدت نفسها غارقة فيه سطوره حتى تهرب من ذلك الثقل الذي يجثم على روحها المهشمة.
_ كنت محتاجه كوباية الشاي بتاعتك يا عم "سعيد".
اِفتر ثغر ذلك العجوز بابتسامته الطيبة وجلس قبالتها.
_ و عمك "سعيد" أول ما شافك قاعدة ومركزه في الكتاب، قال ست البنات محتاجه كوباية شاي تظبط دماغها.
انْفَرجت أسارير " ليلي" وربتت على يده المجعدة برفق.
_ ربنا يخليك يا راجل يا طيب.
_ اضحكي يا بنتي ، عايز ديما أشوفك سعيدة.
ابتسمت "ليلى"حتى تخفي حزنها عن عينيه، فكلام "سلوى" يُمزقها وقد أتى بالوقت الذي صرح فيه "سيف" لزوجته ألا تتعمق بالعلاقة معها، فهل يراها هو الآخر في حياة عمه زوجة للمتعة سيأتي وقتً وينفر "عزيز" منها بعدما يُدرك بنقص قدرها في حياته.
وآة قوية اِعتصرت قلبها ، فمن تبوح له بضياعها وشَتَاتها، ليتها تمتلك أمً تُرشدها أو صديقة تشكو لها همها.. فهي لا تستطيع الحديث مع زوجة عمها حتى لا تجرحها دون قصد منها.
_ هقوم بقى أشوف حالي وأنتِ كملي الكتاب، النهاردة الجو جميل ومنعش وعلى فكرة أنا عاملك ورق عنب على العشا عارف إنك بتحبي من أيدى.
لطف العم "سعيد" معها وحبه الذي تشعر فيه بالأبوة يجعل روحها تعود لبهجتها.
_ شكرًا يا عم "سعيد".
..
انتهوا أخيرًا من تناول ذلك الغداء الذي ابتلعت فيه "زينب" الطعام بمرارة غاصت في حلقها.
_ "سما" خلينا نمشي
نظرت إليها "سما" بعدما جلسوا مرة أخرى في غرفة الجلوس حتى يرتشفوا الشاي ويتحدثوا قليلًا.
_ حاضر ، هحاول أتحجج بأي حاجة ونمشي علطول.. بس سبيني اتكلم شوية عن الكابتن وأمدح فيه وأنتِ اظهري حبك لجوزك ولا عجبك سخافة "أشرقت" على الاكل.
وبوجه ممتقع اردفت "سما".
_ "مراد" عمل عشاني، "مراد" جاب ليا.. "مراد" ،"مراد" تصدقي كرهت اسم "مراد".
انفلتت ضحكة خافته من شفتي "زينب" لفتت أنظار "لبنى".
_ بتضحكوا على إيه يا بنات.
أسرعت "سما" بالرد.
_ أصل أنا و "زوزو" أفتكرنا موقف مضحك حصل يوم فرحها.
فور أن التقطت "أشرقت" حديثهم انهت مكالمتها واقتربت منهن.
_ "سما" أعملي حسابك تنزلي معايا نشتري شوية حاجات خاصة ، أنا محتاجاكي معايا يا "سولي" الفترة ديه.
تلاشت تلك الابتسامة التي داعبت شفتي "زينب" لترمقها "أشرقت" بنظرة ساخرة عندما وجدتها تلتقط هاتفها وتبتسم.
_ وأنتِ يا" زينب" لو فاضية تعالي معانا.
إنها تستطيع تصنع ابتسامتها كما أعتادت وحينما تختلي بنفسها وتحتضن وسادتها تبكي حتى تنام بسلام.
_ هشوف ظروفي يا "أشرقت"، أنتِ عارفه إني بدرِّس في معهد لغات غير بحضر حاليًا ورقي وبستعد لمقابلة عمل في السفارة.
_ ما تشتغلي في شركة عيلة جوزك يا "زينب".
قالها "هشام" وقد انضم إليهم لتنظر "سما" نحو "زينب" بحماس.
_ فعلا يا "زوزو"، شركة الزيني شركة كبيرة، وفرصة لأي حد يسعى عشانها وأكيد هيكونوا مرحبين بكده.
إنهم حشروها في الزاوية وعليها أن تتحلّى بالثبات لبعض الوقت.
....
زفر "صالح" أنفاسه بضجر بعدما ارتفع رنين هاتفه للمرة الخامسة بتلك النغمة القصيرة الخاصة بالرسائل النصية، ضيقه لَفت أنظار الواقفين أمامه وقد قطعت تلك الرسائل مناقشتهم الهامة حول بعض المشاكل التي تخص الشحن الجوي.
_ بعد إذنكم لحظه.
قالها ثم اتجه إلى طاوله مكتبه حتى يقوم بكتم صوت الهاتف.
صدح رنين رسالة أخرى عندما مد يده ليلتقطه، فتنهد بحنق اختفى في لحظة عندما أدرك هوية المُرسل.
ضاقت حدقتاه في دهشة وهو يرى كل رسالة مرسلة منها.
" اتصل بيا من فضلك"
" اتصل بيا حالا"
" 'صالح' أنت فين"
" أنت ديما مش موجود لما بكون عايزاك"
" رد يا 'صالح' بقى"
" على فكرة يا 'صالح' لو متصلتش دلوقتي أنامش هتصل بيك تاني"
لوهله وقف مدهوشًا لا يستوعب رسائلها لينفض رأسه سريعًا عن دهشته.
لم تجد مهربًا من حديثهم إلا بمرسالته وفي نفسها كانت تعترف بالحقيقة التي تأكدت منها اليوم، هي دون" صالح" ناقصة بين عائلتها التي لا تؤمن إلا بالمظهر الاجتماعي.
_ مش شايفك قربتي جوزك من العيله يا "زينب" ولا حتى فكرتي تربطي نفسك صح بـيهم.
تركت "سما" كوب العصير من يدها ونظرت نحو "زينب"، فالأمر أصبح سخيف ودون قصد منها تشاركت معهم في تلك السخافة وعليها أن تجد حلًا سريعًا حتى يُغادروا.
_ عمك يقصد طفل يربطك بعيلة جوزك.
تمتمت بها "لبنى" وهي تنظر نحو زوجها "هشام"، فالتوت شفتي "أشرقت" بتهكم.
_ مامي مش أنتِ قولتي في دكتور شاطر في الأمور ديه و"سوزان" بنت آنطي "تيسير" حملت بعد كام مره متابعه عنده.
_ أه فعلا، "سوزان" بتقول عليه شاطر جدًا، إيه رأيك يا "زينب"..
قطع رنين الهاتف حديثهم الذي لم يزيدها إلا إختناقًا.. فهي أتت منزل عمها مع" سما" من أجل الاطمئنان على "أشرقت" ومشاركتها فرحتها بعدما تم تحديد موعد الزفاف.
اسرعت بالرد وقد اجتذبت ردة فعلها عيناهم.
_ أيوة يا حبيبي، بتقول إيه.. اه حاضر يا "صالح" هكون موجوده قبل رجوعك يا حبيبي متقلقش
حدق "صالح" بالهاتف بعدما رفعه عن أذنه، فمن هو حبيبها ومن هو الذي سوف تعود للمنزل قبل قدومه لتنتظره...
_ "زينب"، أنتِ فيكي حاجة.
تساءل بصوت أجش بعدما أفاق من ذهوله وبدء يستوعب حديثها.
_ عمو "هشام" وطنط "لبنى" بيسلموا عليك وبيقولولك مبروك على التكريم.
واخيرًا فهم سبب تلك الكلمة«حبيبي» التي أخترقت فؤاده، أغلق عينيه متنهدًا ومتمنيًا أن يسمعها منها يومًا ثم تحركت شفتيه بهمس خافت غير مسموع وهو يخبر نفسه إنه حبيبها.
فتح عينيه بعدما أستمع لصوت تنهيدتها التي جعلته يفيق من حلمه.
_ بلغيهم سلامي يا حببتي وقوليلهم إننا عزمينهم أخر الاسبوع عشان يحتفلوا معانا.
وها هي حقيقة أخرى تتأكد منها، إنها صارت مكبلة بهذا الرجل الذي أذاقها العلقم وأذاقها حلاوة الأيام واعطاها ما لم تمنحه لها عائلتها.
....
اندهش "عزيز" من إنسحاب "ليلى" سريعًا بعد تناولها لطعام العشاء حتى إنها الليلة كانت صامته وحزينه.
جلس قليلًا في مكتبه يتحدث مع "نيهان" في أمور العمل حتى ضجر "نيهان" من شروده.
_ لقد تغيرت كثيرًا يا رجل.
تنهد "عزيز" والتقط فنجان القهوة الذي صار باردًا، فاردف "نيهان" ضاحكًا.
_ صيرت دائمًا شارد، أين صار عقلك يا ابن الزهار؟
_ خلصت تريقه يا "نيهان"، ما الفرصة جتلك على طبق من ذهب.
استمر "نيهان" بالضحك.
_ امزح معك "عزيز"، رغم إرهاق وجهك من العمل إلا إنني أراك تشع حياة، الحب صنع منك رجل آخر"عزيز".
اطلق "عزيز" تنهيدة طويلة خرجت من صدره المُثْقل بالهموم من أحوال ابن شقيقه التي تحيره منذ زواجه.
_ تعبان أوي يا "نيهان" ومحتاج اتكلم معاك، أنت نازل مصر أمتى؟
حرك "نيهان" يده على خصلات شعره وقد فهم السبب من وراء تعاسة "عزيز".
_ قريبًا سأتي مصر وإلى أن أتى إليك لا تفرط في سعادتك "عزيز"..."ليلى" فتاة جيدة.
رد "عزيز" سريعًا، فـ "ليلى" أصبحت سعادته التي وجدها أخيرًا في زخم الحياة.
_ عارف يا "نيهان"، "ليلى" حقيقي حظي الحلو من الدنيا.. عمري ما كنت أتخيل إني هغرق في الحب كده وعقلي هتاخده واحده ست.
داعبت شفتي "نيهان" ابتسامة واسعة وهتف بمزاح.
_ اطربني "عزيز"، إنني أرغب بالرقص يا رجل.. أخيرًا وقعت بالعشق.
انتبه "عزيز" على نفسه ليجلي حنجرته ويتنحنح يخشونة.
_ أنا شايف إن مكالمتنا طولت وأنا تعبان وعندي سفر لبورسعيد بكره.
كاد أن ينهي "عزيز" مكالمتهم عبر أحد تطبيقات التواصل ليصيح "نيهان" به.
_ انتظر "عزيز" لدي خبر سيُفرحك.
أخذ "نيهان" نفسًا عميقًا، فالتمعت عينين" عزيز" بترقب.
_ سأصبح أب "عزيز" لقد سبقتك في هذا الأمر، إذا كان ولدًا سيكون بالتأكيد على اسمك وسأزوجه لأبنتك.
صوت "نيهان" الفرح جعل قلب "عزيز" يخفق بقوة لينهض من وراء طاولة مكتبه ويمسح على وجهه، فهو لا يعرف كيف يعبر عن فرحته.
_ "نيهان" بتكلم جد.
حرك" نيهان" رأسه سريعًا وواصل كلامه بسعادة طغت على نبرة صوته.
_ هيا "عزيز"، انتظر أن تلحق بي نحو عالم الأبوة... إنجب لي فتاة حتى أزوجها لأبني، فأنا أشعر أن "نارفين" ستجلب لي صبي.
...
اندفع "يزيد" نحو والده فور أن أستمع لفتح الباب ليرتفع صوته بشقاوة.
_ بابي.
انحنى "صالح" بجسده نحوه حتى يحمله ثم أخذ يُقبل وجنتيه بشوق.
_ وحشتني يا بطل.
رفع الصغير كفوف يديه حتى يتحسس جبينه.
_ "زوزو" قالتلي إنك سمعت كلامها وشربت الدوا عشان كده خفيت بسرعة.
استدارت "زينب" بجسدها سريعًا حتى تختفي عن انظاره، فهي مازالت لا تعرف كيف تعتذر منه على رسائلها وحديثها معه اليوم.
التقطتها عيناه وهي تتحرك نحو غرفتها هربًا.
_ "زوزو" قالت كده يا "يزيد".
توقفت مكانها، فأسرع الصغير بهز رأسه وأَفْصَح له عما قالته له أثناء عودتهم.
_ وقالتلي كمان إنك أتصورت كتير النهاردة وأخذت جايزة عشان أنت طلعت شاطر.
قطب "صالح" حاجبيه وحدق بمكان وقوفها متسائلًا.
_ يعنى طلعت عند "زوزو" بسمع الكلام وشاطر.
رد الصغير بعدما وضع قبلة على خده.
_ شاطر وحلو كمان يا بابي.
وضعت "زينب" كلتا يديها على رأسها بعبوس ، فـ "يزيد" لا يحفظ سرًا وهي كالغبية تتحدث أمامه.
_ "زوزو" قالت عليا حلو يا "يزيد" .
...
أغلق "عزيز" باب الغرفة ورائه عندما وجدها تنزع المنشفة عن شعرها وعلى ما يبدو إنها تنعمت بحمام ساخن جعل خديها يزدادوا توردًا.
_ بقيتي كويسه دلوقتي.
تساءل بها "عزيز" وهو يقترب منها، فحركت رأسها له بصمت ثم تحركت نحو طاولة الزينة حتى تجفف خصلات شعرها.
_ فيكي حاجه غريبة النهاردة يا "ليلى" وكأن حد مزعلك.
قالها ثم التقط منها المجفف حتى يقوم بتلك المهمة، فهو بات يحب الاهتمام بأدق الأشياء الخاصة بها.
_ مافيش حاجه يا" عزيز".
_ على "عزيز" برضوه يا "لولو".
داعب أنفه بأنفها بمزاح، فابتسمت رغمًا عنها.
_ ما أنا كل ما اقولك عايزه اتكلم معاك مبعرفش ولازم حاجه تقاطعنا وأنت مش مهتم تعرف.
توقف "عزيز" عن تحريك مجفف الشعر فوق خصلات شعرها الرطبة.
_ ده شكل الموضوع كبير وأنتِ زعلانه مني.
رمقها بنظرة مُشاكسة وحاوط خصرها حتى يُقربها من صدره.
_ طيب ممكن نأجل كلامنا للصبح وتركزي معايا يا "ليلى".
فهمت مقصده بعدما دفن وجهه في عنقها ثم نثر قبلاته عليه.. تنهدت بصوت خافت عندما بدأت يديه تعرف طريقها على جسدها لتجد بعدها نفسها على الفراش معه، أنتفض فجأة مبتعدًا عنها وقد أَصَمه رفضها له.
_ أنا تعبانه يا "عزيز"...