رواية أنا لها شمس الحلقة الخاصة بقلم روز امين

رواية أنا لها شمس الفصل الحلقة الخاصة بقلم روز امين

حبيبي، ما زلت أذكر تفاصيل لقاءنا الأول، تلك الرجفة العنيفة التي اهتزت لها قلوبنا بفضل سحر نظرات العيون عنفوان مشاعرنا واقتحام العشق لقلوبنا كغيمة مشاعر ملتهبة انهمرت كمطر غزير لتروي أرواحنا العطشة، غزو عشقك لقلبي وامتلاكك لجوارحي حتى بات غرامك في الوريد يتوغل ليستوطن كاملي، ليمر الوقت وأصبح أسيرة لعشقك الجارف وبالمقابل، فقد امتلكت زمام قلبك واستطعت كبح جماح غرورك، امتلكتك حتى أصبح غرامي بقلبك لهيبا مستعر، وغيرتك جنون تضرم كالسنة نار تسري وتحرق جل ما بطريقها، انصهرت أرواحنا واندمجت لتصبح لي شمسا ساطعة وأصبح أنا قمرك المنير".

ملحوظة هامة قبل القراءة

الحلقة تعود للماضي لما بعد ولادة التوأمين بستة أشهر
كانت تغفو بسلام وسكون تتنعم بدفء أحضانه الحنون وسط ليالي ديسمبر الباردة، يلتصق وجهها بصدره العاري ليشملها أمان الدنيا بأكملها لمجرد التصاق بشرتيهما معا، مكبلة بذراعيه حيث يلفهما حول جسدها بتملك كمن يخشى إفلات جوهرته الثمينة من بين أحضانه، حتى بغفوته لم يتركها لتبتعد عنه، استمعا لصوت طرقات فوق الباب لتتململ تلك الجميلة تحاول فتح أهدابها، تطلعت للأعلى على وجه ذاك الغافي بجوارها وبتلقائية تبسمت، كادت أن تُغلق عينيها من جديد لولا تجدد الطرقات لتنتفض على إثرها فخرج صوتها متحشرجا

وهي تقول:

- فؤاد، حبيبي..

- إممم... همهم بها بنُعاس وهو يُشدد من ضمتها لتتابع وهي تستمع من جديد إلى صوت الطرقات

حد بيخبط على الباب يا حبيبي.
فتح عينيه مجبرًا ومال للجهة الأخرى ليضغط على زر الإضاءة، ثم نظر لشاشة هاتفه الموضوع فوق الطاولة الجانبية لينطق بصوت متحشرج بفعل نعاسه

الساعة ثلاثة الفجر!

انتفضت لتهب جالسة حينما استمعت لصوت صغيرتها الباكية "تاج" التي بالكاد أكملت شهرها السادس هي وشقيقها التوأم "زين" لتهتف بصوت متلهف

- دي" تاج".

وبلحظة اتسعت عينيه على مصراعيهما ليقفز من فوق الفراش وبلحظة كان يرتدي مئزره مهرولا باتجاه الباب يفتحه بلهفة لتباغته تلك الثرثارة التي تحمل أميرته الباكية

هو إنتوا نايمين على ودانكم ولا إيه؟! بقالي ساعة بخبط والبت اتفلقت من العياط.
اختطف الصغيرة ليضمها بلهفة لصدره، ثم ثبت عينيه عليها

وبات يُهدهدها بدلال قائلا:

- إيه يا "تاج" بابي، بتعيطي ليه يا حبيبي؟

وكأن الصغيرة كانت تنتظر رؤية والدها لتزيد من شهقاتها وكأنها تشتكيه مرجوعها، نطقت متلهفة وهي تفتح ذراعيها

هاتها يا فؤاد علشان أرضعها هي أكيد جعانة يا قلبي.

لوت تلك الواقفة تراقب الوضع عن كثب فاهها ساخرة لتنطق متهكمة

وأنت يختي غرقانة في النوم والبت بتصرخ ليها ساعة

قدام الباب، إيه قلبك محسش ولا صدرك حن؟ !

أغلق فؤاد عينيه يعتصرهما يستدعي الصبر ويطلبه من الله كي يتحمل حشر تلك الثرثارة بأنفها داخل كل ما يخصهما بشكل يستفز داخله، ثم نطق بنبرة جادة بعدما وضع الصغيرة بأحضان حبيبته:

أنت مش جبتي "تاج" يا عزة؟
واستدار يطالعها بجدية وهو يُشير على الباب

اتفضلي روحي على الأوضة علشان "زين" لو صحي يلاقيك جنبه.

بنبرة باردة أجابته:

 *

الناني اللي الدكتورة جابتها نايمة في الأوضة معاه، لو صحي هتشيله على ما اروح لها.

وكانت السيدة "عصمت" قد خصصت حجرة للتوأمين بجوار جناح نجلها وزوجته ليكونا بالقرب منهما وقد قامت أيضا بتوظيف امرأة متخصصة لتهتم بأمور الطفلين وكل ما يخصهما بجانب "عزة"، طالعها بنظرة تفهمها جيدا لتنطق وهي تتراجع للخلف بعدما رأت بعينيه طوفان الغضب قادم

- طب بالإذن أنا بقى، ولو احتجت حاجة يا سيادة المستشار

انده عليا صوت هتلاقيني قدامك في غمضة عين.

ضيق بين عينيه يستدعي الصبر لتفر هي هاربة بساقين تتخبطان ببعضهما من شدة الخوف من فقدانه لقدرة الاحتمال
زفر ليخرج ما أصابه من حدة قبل أن يستدير وما أن رأى حبيبته تحتضن أميرته الصغيرة وتطعمها انشرح صدره حين انتابته قشعريرة لذيذة عقب اقتحام داخله مشاعر من نوع خاص، مشاعر لم يتذوقها سوى على يد تلك الساحرة الصغيرة وشقيقها التوأم، كم لام حاله على حرمانه تلك السنوات الطويلة التي قضاها داخل وحدته وافتقاده ذاك الشعور المنعم، إنه الشعور رائع، بل من أرقى المشاعر التي يمكن أن يشعر بها الإنسان، لكنه بالوقت ذاته توجه الله شاكرًا على أن رزقه صغيراه من تلك المرأة بالتحديد هي من أعادت إليه الحياة من جديد ليشعر بوجوده حيًا بأحضانها بعد أن ظن أن روحه صعدت لبارئها وبقي جسدًا دون روح .

اقترب ليجلس بجوارها كالمسحور، نظراته مثبتة فوق ملاكه التي دارت عينيها عليه وتبسمت برغم انشغالها للنهل بنهم من حليب والدتها، استند بذقنه على كتف إيثار ليقرب إبهامه وكأنها كانت تنتظر لتلتقطه بين أناملها الصغيرة حيث تشبثت بإصبع والدها بقوة وما زالت عينيها مثبتة بمقلتيه نطق كالمسحور

- هي تاج بابي جعانة قوي كده؟

تبسمت لمناغشة والدها لتهز ساقيها تعبيرًا عن سعادتها، ليتابع هو بدلالها المفرط

- يا تاج فؤاد يا مالكة قلبه وسالبة عقله.

تركت الصغيرة ثدي والدتها لتضحك بصوت مرح جعل قلبه يتراقص فرحا لتنطق الصغيرة بهمهمة

جد جد

مال على وجنتها الناعمة ليلثمها بنهم وهو يقول:

يا قلب دادا وعيونه يا تاجي.

نطقت تلك الحبيبة بتذمر :

- بطل تدلع فيها وخليها ترضع يا فؤاد.

شايفة مامي غيرانة من حبنا لبعض، مقهورة إيثار ومش متحملة دلالي لتاج قلبي.
وكأنها تفهم كلماته فباتت تحرك ساقيها تزامنا مع ذراعيها بطريقة مرحة أظهرت مدى سعادتها وعشقها لذاك الحنون امتلكت قلبه بقهقهاتها الرنانة، حيث كان وقعها على أذنه كمعزوفة موسيقية راقية لينشرح قلبه على الفور، رفع قامته ليعتدل من جديد وأكمل مسترسلا

- يلا حبيبي كملي رضعتك.

على الفور استمعت لحديثه والتقطت ثدي والدتها لتضحك إيثار

وهي تقول:

الله عليك يا باشا وأنت مسيطر، حتى البنت اللي مكملتش ست شهور مسلمتش من تأثير جنابك.

غمز بعينيه قبل أن ينطق بمشاكسة

هي مدام فؤاد علام مستقلية بقدرات جوزها ولا إيه؟

ضغطت بأسنانها على شفتها السفلية قبل أن تنطق بمغزى

مدام فؤاد علام أكثر واحدة عارفة قدراتك اللا محدودة يا باشا .
تنهيدة حارة خرجت من صدره تبوح عن مكنون قلبه المحمل بنسمات عشقها الجارف لينطق بنبرة تحمل أسمى معاني الغرام

بحبك يا إيثار، بحبك ولو عيشت أشكرك على كل حاجة حلوة قدمتيها لي عمري كله مش هيكفي.

ابتسامة سعيدة غزت القلب وتوغلت بجميع كيانها لتنطق بنبرة ثملة تأثرًا من شدة العشق

- نظرة واحدة من عيونك الحنونة تكفيني يا حبيبي.

شقت ابتسامة رائعة ثغره لينتقل ببصره إلى الصغيرة ليجدها غاصت بغفوتها، بتلقائية تبسمت عينيه لينطق وهو يتحسس وجنتها الوردية

قلب فؤاد نامت.

زمت شفتيها بغيظ قبل أن تنطق بتذمر واعتراض :

- ولما شبر ونص دي قلب فؤاد، أنا أبقى إيه بقى إن شاء الله يا جناب المستشار ؟- 
حول بصره باتجاهها ليقول بملاطفة

- أنت ساكن الروح ومالك الفؤاد كله يا باشا.

ما زالت ملامحها عابسة ليحمل هو الصغيرة ويضمها إلى صدره وتحرك متجها بها إلى غرفتها المشتركة مع توأمها،

دق الباب لتنطق "عزة" متعجبة ما أن رأته

وده يصح تجيبها بنفسك بردو يا باشا، متصلتش عليا وأنا

جيت خدتها ليه؟!

أجابها وهو يتحرك قاصدًا مهد الصغيرة

- حبه من أجاك أو "عزة".

يا باشا إزعجني براحتك على قلبي زي العسل.

وضع نجلته وبات يتأمل ملامح وجهها وأقسم بداخله أنه ما رأى أبدع منها بالكون، مال يطبع قبلة حنون، ثم دثر جسدها الصغير بالفراش الوثير ليتحرك لمهد ملاكه الغافي بسلام يميل عليه هو الآخر ليلثم وجنته الناعمة ويبتسم تلقائيًا، يصاحب

تلك الابتسامة شعورًا رائعًا بالسعادة
يلازمه إحساسا طيبا منذ أن رزق بتوأمه بامتلاكه للعالم أجمع جراء النظر لوجهيهما الملائكيين، أخذ نفسا عميقا تحت نظرات عزة وتلك المربية المتأثرة بمشاعر ذاك الراقي الواضحة انتصب بظهره ليتبادل نظراته الحنون بين صغيريه، ثم نطق بتوصية

- خلي بالك من الولاد يا عزة، وتتأكدي طول الوقت إنهم متغطيين كويس.

هزت رأسها بملائمة ليتابع مؤكدًا:

- الجو برد يا "عزة".

واستطرد مشيرا لكليهما:

الولاد لو تعبوا إنتوا الإتنين اللي هتبقوا مسؤولين قدامي.

نطقت السيدة

اطمن يا جناب المستشار الولاد في عيوننا.

لتنطق "عزة" هي الأخرى:

يا باشا روح نام وحط في بطنك شادر بطيخ صيفي.
لتتابع وهي ترفع قامتها للأعلى:

- عيالك في إيد أمينة.

ماشي يا ست أمينة .. قالها بمزاح وانسحب للخارج لتنطق

وهي تتباهى أمام العاملة

ميجلوش نوم من غير مينكوشني.

ابتسمت المرأة على تلك السيدة خفيفة الظل.

عاد إلى جناحه ليجدها ما زالت مستيقظة تنتظر عودته تدثر

تحت الغطاء بجوارها ليسألها مستفسرا

أنا قلت هرجع ألاقيك نايمة؟

أجابته بابتسامة هادئة

- مستنياك علشان أنام في حضنك.

فرد ذراعه لترتمي بأحضانه فضمها مقبلا جبهتها، ثم تحدث

وهو يعتدل متخذا وضع النوم:

- تعالي في حضني يا بابا.
قاطعته حين بسط ذراعه كي يطفئ زر الإضاءة

حبيبي.

التفت إليها لتكمل بعينين حائرتين

عاوزة أتكلم معاك في موضوع مهم.

ضيق عينيه بتعجب ليحول بصره لتلك الساعة المعلقة على الحائط وهو يقول:

موضوع إيه اللي هنتكلم فيه الساعة أربعة الفجر يا قلبي؟!

لوت فاهها بتوتر قبل أن تنطق بحذر

موضوع الشغل.

نطق باستهجان :

- أنت شايفة إن هو ده الوقت المناسب للكلام في الموضوع

ده يا إيثار؟

نطقت بنبرة حادة بعض الشيء

وامتى كان الوقت مناسب يا فؤاد؟ ده من وأنا حامل وكل ما افاتحك في موضوع الشغل تقول لي مش وقته.
ضيقت عينيها وهي ترمقه بنظرات متشككة واسترسلت

- أنت مش هتخليني أشتغل يا "فؤاد" صح؟

اتسعت عينيه وتحدث بتفكر:

- مش ملاحظة حاجة يا إيثار ؟

قطبت جبينها تطالعه بحدة ليتابع مبتسما :

المشهد ده فلاش باك للمرة الثانية يا حبيبي.

 *

تعجبت من حديثه ليجول بخاطرها ما حدث بينهما في الماضي * من حديث مشابه بفترة حملها، فسألته بحدة

- تقصد إيه؟!

بابتسامة حنون أجابها:

- أقصد أني مبحبش التكرار، جهزي نفسك بعد بكرة علشان هروح معاك وأنت بتستلمي منصبك في الشركة.

- بتتكلم بجد يا فؤاد؟
قالتها متلهفة ليتحسس وجنتها بنعومة قبل أن يقول بعينين

حنونتين

- أه يا حبيبي بتكلم جد.

ألقت بحالها على صدره لتقول وهي تشدد من احتضانه

ربنا يخليك ليا يا حبيبي.

قبل جبهتها وهو يقول:

- تأكدي إن أهم حاجة عندي هي إني أشوفك دايما سعيدة ومهما كان حجم قلقي من الشيء اللي هيوصلك للشعور ده، إلا إني هعمله علشان خاطر أشوف الضحكة اللي في

عيونك دي.

طالعته بعشق وحال قلبها المتحدث:

- عارف أنت نصيبي الحلو من الدنيا يا فؤادي.

رفع حاجبه الأيسر لينطق ساخرًا

 *

الوقت بقيت فؤادك من دقيقتين بس كنت شرشبيل *

الشرير.
أطلقت ضحكة عالية شاركها بمثلها لتنطق بمداعبة

- ميبقاش قلبك أسود بقى يا حبيبي.

ابتسم لينطق بعدما مال على وجنتها يلثمها برقة

طب يلا يا حبيبي علشان ننام عندي شغل كمان كام ساعة ولازم أبقى فايق.

أطاعته وتمددت لتندثر بأحضانه وبعد مدة دخلت في سبات عميق.

بعد يومين، كانت تجاوره نزول الدرج بكامل أناقتها حيث ترتدي بذلة نسائية باللون البنفسجي مع حجاب من اللون الأصفر الداكن، قبض على كف يدها برعاية لتطالعه مبتسمة تحدثت بحرج

حبيبي مش لازم تاخد إجازة النهارده وتعطل شغلك علشاني، أنا هعرف أستلم شغلي كويس وأدبر أموري.
ثم ابتسمت لتنطق ساخرة

- أنت محسسني إني تلميذة بمريلة وباباها رايح يوصلها أول يوم مدرسة علشان يطمن عليها.

ابتسم ليُجيبها بصوت رجولي

طب ما أنت بنتي فعلا يا إيثار نطق كلماته بمنتهى العفوية ولم يع وقع تلك الكلمات عليها ، فقد تزلزل جسدها بالكامل من شدة ما شعرت من احتواء لكيانها بالكامل، طالعته بعينين كستهما غشاوة دموع حنينها لتنطق بصوت متأثر:

- ربنا يخليك ليا يا حبيبي.

تحدث وهو يُشدد من احتواء قبضته لكفها الرقيق

ويخليك لقلبي يا بابا.

ولجا لغرفة الطعام ليجدا سيادة المستشار وقرينته يتناولان طعامهما ويجاورهما يوسف الذي أهدى ابتساماته إلى فؤاد حيث تقربا كثيرًا بفترة ما بعد ولادة التوأم، وذلك كي لا يشعر الصغير بالغيرة نتيجة انشغال والدته عنه برعاية الطفلين

فبات ذاك الخلوق يغمره بحنانه وحبه مما جعل الصغير يتعلق به بطريقة هائلة، تحدث فؤاد بنبرة رجولية

- صباح الخير.

رد الجميع، ثم اقترب على الصبي ومال ليقبل رأسه وهو

يقول:

- إزيك يا بطل؟

- الحمد لله يا أنكل.

جلسا وبدئا بتناول فطوريهما لتنطق وهي تملس على شعر صغيرها

- "عزة" جهزت لك اللانش بوكس یا چو؟

لم تمنحه تلك الثرثارة الفرصة للرد حيث اقتحمت الغرفة لتتحرك وهي تمسك حقيبة الصغير:

- مش عيب عليك تسألي سؤال زي ده بردو يا إيثار؟

ثم استرسلت بعدما جاورت الفتى الوقوف

اللانش بوكس جاهز من مجاميعه، والشنطة كمان أهي.

تابعت وهي تمسك كف الفتى لتحثه على المضي معها:

يلا يا حبيبي الباص وصل.

مالت على الصغير تضع قبلة حنون على وجنته لتقول :

تاكل كل أكلك يا حبيبي وتخلي بالك على نفسك، أوك يا چو؟

أوك يا مامي. ثم نظر إلى علام وتحدث بابتسامة رائعة

- باي باي يا جدو.

ليجيبه الآخر بسعادة بالغة وحب صادق للفتي:

باي باي يا حبيب جدو.

وأنا مليش باي باي يا چو؟ نطقتها عصمت"؛ ليهرول إليها الصغير ويقوم بوضع قبلة فوق وجنتها التي أحنتها له تلك

الراقية، ثم احتضنته لتقول:

- خلي بالك من نفسك يا حبيبي.

- حاضر يا تيتا.
قالها لتنطق "عزة" باستعجال :

يلا يا جو للباص يمشي ويسيبك.

- متسبيش إيده غير وأنت بتسلميه للمشرفة يا عزة.

جملة قالها فؤاد بتوصية، لتنطق الأخرى بثرثرة

أكيد هعمل كده يا باشا، أنا عايزاك تطمن قلبك من ناحية يوسف خالص.

لتخرج ولم تتوقف عن حديثها ليختفي صوتها رويدا رويدا، تسائل علام وهي يطالع تلك التي يعاملها كابنة له:

- مستعدة لاستلام منصبك الجديد يا إيثار ؟

ابتلعت ما في جوفها من طعام لتجيبه ببشاشة:

- إن شاء الله يا بابا.

استرسل ليبث داخلها الطمأنينة

- أنا واثق فيك ومتأكد إن الشركة معاك هتبقى في حتة تانية.
- شعرت بارتياح جراء كلماته المريحة لتبتسم في حين تحدثت والدة زوجها

إيثار ست شاطرة ومكان ما هتكون هتنجح.

- ميرسي على ثقتكم الكبيرة فيا، ويا رب أكون قدها.

كلمات نطقتها بنظرات ممتنة ليحتوي من يجاورها كفها وينطق بعينين مؤمنتين بقدرات زوجته

- أنت قدها يا حبيبي، وأنا واثق إنك هتنجحي وتحققي كل أحلامك.

احتوت كفه الموضوعة فوق الطاولة بخاصتها وابتسمت لتتوه أعينهم بنظرات الغرام، قطعت وصلة نظراتهم عصمت التي تحدثت بنوع من المؤازرة

روحي يا بنتي واطمني زين وتاج هيكونوا في عيوني أنا وعمتهم فريال.
سألتها باستغراب

هو حضرتك مش رايحة الجامعة النهاردة؟
أجابتها باقتضاب

- أخدت إجازة عارضة علشان أخد بالي من الأولاد.

رفع فؤاد كفها ليلثمه بشفتيه الغليظة، ثم تحدث بمشاكسة لزوجته الحبيبة:

- إيه بقى؟ أخدت لك إجازة من شغلي علشان أعمل لك

تشريفة تليق بجنابك وأنتِ داخلة الشركة لأول مرة و دكتور عصمت دويدار بذات نفسها واخدة إجازة عارضة علشان تقعد لك بأولادك.

ثم نظر لوالده وتحدث وهو يُشير إليه:

- والباشا الكبير بجلالة قدره قاعد يشجع فيك، طب إيه؟

ابتسمت خجلا من مداعبات زوجها لها أمام والديه اللذان ما عادا يتعجبان من تغيرات نجلهما التي أصابته بعد زواجه من امرأة حياته واكتفيا بضحكاتهم السعيدة لتنطق هي بنبرة

متلبكة:

طب يلا علشان متأخرش على شغلي من أول يوم واخد جزا
رفع حاجبه لينطق مستهجنا

أكثر مما ينبغي

 *

ده مين ده اللي يجرأ يبص لك وأنت مرات فؤاد علام؟

ليداعبه علام بعدما عقد النية على مشاكسته

- أخلاقك اتغيرت خالص من يوم ما اتجوزت يا سيادة المستشار، بقيت ممشيها وسايط ومحسوبية وأنت اللي طول عمرك حازم في موضوع الوسائط.

قهقه الجميع، ليجيب والده

القلب له أحكام يا باشا، وإيثار هانم ليها كل الاستثناءات بس هي تأشر وتؤمر.

قال كلماته الأخيرة وهو يتعمق بمقلتيها كعابد في محراب عينيها، انتفض قلب كلاهما لتبتسم بعذوبة ولولا وجود والديه لارتمت بين أحضانه تتذوق حلو دفئها، ليتحمحم هو بعدما رأى أنه زادها حين سمح لمشاعره الجياشة تتحرر ويثور بكلماته العاشقة حتى أدخلها بحالة من الحرج، انسحب مصطحبًا إياها لتستقل بجواره السيارة تحت دعوات عزة المصاحبة لها بالتوفيق والسداد وكأنها والدتها التي أنجبتها،
بعد قليل كانت تجاوره الجلوس بمقعد القيادة لتنطق وهي

تطالعه:

ينفع اللي عملته قدام باباك ومامتك ده يا سيادة المستشار ؟

طالعها بجانب عينيه ليسألها بمراوغة

- إيه اللي أنا عملته؟

- فؤاد ... نطقت اسمه بتذمر لمراوغته بالحديث لينطق هو بوله وصوت حنون

- قلبه وحياته كلها.

على الفور تبسمت برقة لتنطق بأنوثة وغنج

متعملش كده تاني علشان بتكسفني.

طالعها بابتسامة جذابة لينطق بغمزة من عينيه

أنا بعمل كده مخصوص علشان أشوف خدود حبيبي اللي

بتحمر، ولونها اللي بيبقى يجنن لما يتكسف.
لكزته بكتفه وهي تقول:

- قد إيه أنت مراوغ.

واسترسلت بنظرات هائمة

بس بموت فيك.

انتهت من كلماتها لتقترب منه وتلقي رأسها مستندة بكتفه القوي تحت سعادة ذاك العاشق الهائلة.

بعد قليل كانت تتحرك بجواره داخل الممر الطويل المؤدي * لمكتبها بتلك الشركة العملاقة، ابتسم وشعر بالرضا حين وجد عمه "أحمد" ونجله "بسام" يقفان بانتظارهما أخر الممر وخلفهم مجموعة من الموظفين، حيث تم جمعهم من قبل أحمد للترحيب بزوجة نجل العائلة التي حضرت لاستلام منصبها احتوى كفها وسار بقامة مرتفعة متفاخرًا برائعته، فتح أحمد

ذراعيه ليحتضن نجل شقيقه قائلا بحبور

- نورت الشركة يا سيادة المستشار.- 
الشركة منورة بوجود سعادتك فيها يا باشا. قالها بوجه بشوش لينتقل الآخر ببصره إلى تلك الراقية ليقول وهو يصافحها بحرارة

نورتي شركتك يا أستاذة مكتبك جاهز وفي انتظارك.

قالها وهو يُشير بكفه لتبتسم له بسعادة وهي تقول:

ميرسي يا باشمهندس، وإن شاء الله أكون قد المسئولية اللي أنتم سلمتوها لي.

وجدت من يحاوط كتفها ليقول بثقة:

- كلنا واثقين فيكِ يا أستاذة إيثار، أنتِ ليك سنين متواجدة في سوق العمل وبالفعل ناجحة وقدرتي تثبتي وجودك.

كانت تتطلع عليه بعينين تفيض بالامتنان لتنتبه على صوت

"بسام "الذي تحدث مرحبا

- أهلاً وسهلاً بيك في شركة الزين.

- ميرسي يا أستاذ بسام.
- اقترب عليها أيضا شقيقها ليصافحها بحفاوة

- مبروك يا أستاذة.

بابتسامة حنون تحدثت إلى شقيقها الأقرب لقلبها:

ميرسي يا "أيهم".

اقتربت إحدى الموظفات الأنيقات تحمل باقة من الزهور

لتقدمها لها وهي تقول:

نورتي الشركة يا فندم، أنا هند"، سكرتيرة حضرتك.

اومات لها لتقول:

- أهلا بيك يا هند.

رحب جميع الموظفين بها لتتحرك بعد ذلك إلى مكتبها، انبهرت بفخامة المكتب والتنظيم والذوق الرفيع بكل قطعة أثاث، فاقت من شرودها على صوت "أحمد" حيث أشار لها

على ذاك المقعد الفخم:

- إيه رأيك في المكتب يا إيثار ؟

اجابته بأعين منبهرة

- حلو جدا.

سعد برأيها، ثم نطق بإشادة :

- أنا جبت لك أشطر مهندسة ديكور في البلد كلها، علشان

تخرجه بصورة تليق بمرات فؤاد باشا علام.

ثم استرسل وهو ينظر إلى فؤاد

- وأنت جاي مع إيثار علشان تطمن عليها ولا إيه يا سيادة المستشار ؟

ثم طالعه بنظرات عاتبة

للدرجة دي مش واثق من استقبال عمك لمراتك يا فؤاد؟


أجابه بتوقير:

- يا باشا حضرتك قد الدنيا كلها، وبعدين أنا جاي أسلمها لأبويا الثاني وامشي.- 
أشار "أحمد" بكفه للخارج بممازحة

معاينة

طب يلا يا حبيبي علشان بنتي الحلوة وراها شغل.

ابتسمت لمداعبته ليتابع "أحمد" بلباقة:

-   *

هسبقك على مكتبي علشان تشرب قهوتك معايا.

ثم تابع حديثه إلى إيثار

- لما الباشا يخرج هبعت لك الموظف المسؤول اللي هيفهمك شغلك، وكمان السكرتيرة معاك وهتساعدك كتير، أنا اخترتها شاطرة وعندها خبرة عالية علشان تفيدك في شغلك، وطبعا مش محتاجة أقول لك إني معاك لو احتجتي أي حاجة، ومكتبي مفتوح لك في أي وقت.

نطقت بكثير من الامتنان

- أكيد حضرتك، وبجد متشكرة جدًا على لطفك .

نطق بهدوء

- دي شركتك، وعاوزك تتعاملي مع الكل على ده الأساس.



ربنا يبارك فيك يا باشا.

قالها فؤاد لينسحب عمه مغلقًا خلفه الباب، تحرك ليقف مقابلاً لها، ثم حاوط خصرها بيديه لينطق بملاطفة:

- إيه بقى؟ الكل في خدمة معاليك وبيسعى لرضا جنابك.

لفت ساعديها حول عنقه لتهمس أمام شفتيه

ده لأني من رعاياك يا مولاي الكل بيتودد لأنهم عارفين إني المفضلة عند الملك.

رفع حاجبه الأيسر ليجذبها عليه بحركة مباغتة هزت كيانها لينطق بنبرة ذات مغزى

الكلمة عظيمة وضرورية في المجتمع المنظم.

ابتسمت لتسأله بمراوغة:

و يا ترى مقر الاجتماع العظيم ده هيكون فين يا باشا؟

بملاطفة أجاب:

في المكان الأنسب بل الأروع على الإطلاق.
قطبت جبينها لتحثه على المتابعة فامتثل قائلا بعدما ضغط بأسنانه العلوية على شفته السفلى بإغراء

الجاكوزي طبعًا.

تبسمت وكاد أن يميل على شفتيها لتفلت حالها من قبضته

متراجعة للخلف قائلة:

المكان ليه حرمته يا سيادة المستشار.

رفع كفيه للأعلى لينطق معتذرا

- العفو والسماح يا باشا.

ثم غمر قائلا وهو يُشير بكفه

هستناك علشان نحتفل الجاكوزي يُنادينا.

ضحكت بسعادة وهي تتابع خروج زوجها الحبيب التي تتيقن من أعماقها أنه يفعل كل هذا لأجل جلب الطمأنينة على قلبها ذهب إلى مكتب عمه الخاص وتركها لتتابع هي عملها باليوم الأول.
مر شهرين بالكامل منذ استلامها مهام العمل الجديد، استطاعت خلالهما الاندماج سريعًا داخل الأجواء، كانت بمكتبها تجلس فوق مقعدها الخاص، تتناقش مع أحد العملاء فيما يخص إحدى الصفقات الهامة، وأثناء اندماجهما بالحديث قال العميل دعابة لطيفة فضحكت بمجاملة وليتها لم تفعل، فصادفت إطلاق ضحكاتها دخول ذاك الثور الهائج الذي اقتحم المكتب بدون استئذان بعدما علم من السكرتيرة وجود زوجته بصحبة عميل بالداخل بمفردهما، اتسعت عينيه شذرا وهو يستمع لضحكاتها، رمق ذاك الوسيم الجالس بارتياح أمامها وبكامل أناقته ونظراته اللعوب تجوب ملامحها، نطقت بابتسامة سعيدة برغم تعجبها من دفعه للباب دون أخذ الإذن:

- أهلا يا سيادة المستشار.

ثم انتفضت واقفة لتنطق بترحاب يرجع لسعادتها:

اتفضل.
واسترسلت وهي تقوم بتقديمه للعميل:

أحب أقدم لك سيادة المستشار فؤاد علام زين الدين، رئيس مجلس إدارة الشركة.

هم الرجل بالوقوف لينطق وهو يبسط ذراعه استعدادًا للمصافحة:

أهلا يا فندم اتشرفت بمعرفتك.

تعمق بالنظر لمقلتيه ولهيبا مستعرًا سكن عينيه ليمد يده يقبض على خاصة الآخر بقبضة من حديد وضغط بإيلام للآخر لينطق بحدة وصرامة مكملاً على حديثها وكأنه لم يستمع بترحيبه على الإطلاق

- وجوز الأستاذة.

ابتلعت لعابها وعلمت أن أعاصير غضبه قادمة لا محال، فهي باتت تحفظه عن ظهر قلب وتعلم أن غيرته دمار، فقد أصبح مؤخرًا أكثر شراسةً وعنفًا حين يلمح رجلاً يقترب من أنثاه تعجب الرجل من هيئته
وقد ألمه كف يده ليحاول الفكاك من قبضة الأسد دون جدوى حتى قرر ذاك القوي هذا ، سحب كفه ليتعمق أكثر بنظراته ليهتف مستدعيا السكرتيرة بصوت دب الرعب بأوصال تلك الواقفة بجسد متخشب

- أستاذة "هند"، أنت يا أستاذة.

هرولت الفتاة لتنطق بساقين ترتجفان تأثرًا بهيئة ذاك الحانق

أفندم يا سيادة المستشار ؟

خدي الأستاذ... قالها ليتوقف يسأله بطريقة مقللة من شان الرجل:

أنت قولت لي اسمك إيه؟

استشاط الرجل لينطق بحدة لشعوره بدونية المعاملة



- مقولتش.

لم يستطع نطق باقي حروف الكلمة حتى باغته ذاك المستبد وهو يطلق أوامره للموظفة

خدي الأستاذ أيا كان اسمه، ووصليه لمكتب أستاذ "بسام" يخلص له شغله.

شعرت بالإهانة والتعدي على مهامها فتحدثت معترضة بلهجة جامدة ونظرات حادة أظهرت كم استيائها

شغل باشمهندس "علاء" معايا يا سيادة المستشار.

لم يكلف نفسه عناء النظر لتلك المشتعلة لينطق بصرامة وهو يرمق العاملة:

مستنية إيه؟

واسترسل مشيرًا باتجاه الباب وهو ينظر إلى الرجل

- وصلي الأستاذ مكان ما قلت لك.

ابتلعت لعابها خجلا بعدما رمقها الرجل بنظرات استفهامية لتسحب عنه بصرها باستسلام مهين فتحدث الرجل إلى "إيثار" متجاهلا حديثه بعدما عقد النية على إثارة حنق ذاك المتغطرس

- أجيلك مرة تانية نكمل شغلنا يا أستاذة "إيثار".- 
- استشاط داخله، لكنه استطاع كبح جماح غضبه الذي لو خرج الأطاح بطريقه بالأخضر واليابس، ما زاد من حدة غضبه هو ابتسامة تلك البلهاء حيث تصنعتها وهي تقول للرجل من باب المجاملة

- مع السلامة يا فندم.

خرج العميل ولحقت به السكرتيرة وما أن أغلقت الباب هتفت تلك الحانقة بحدة:

- ممكن أعرف إيه اللي أنت عملته ده؟

رمقها بنظرات مشتعلة فأكملت بحذر وبنبرة أهدأ بعدما دق ناقوس الخطر داخلها

- أنت أحرجتني وخليت شكلي وحش جدا قدام الراجل يا فؤاد.

وما أن انتهت حتى انفجر هاتفا بسخط وعينيه تطلق شررا

ومين ده أساسا علشان تعملي لشكلك حساب قدامه يا هانم؟!

تعلم غيرته المرة وكم وصل وتعمق عشقها داخل قلبه، لكنها تأبى أن يُحجم من شخصها ويقلص من أهمية قدراتها كامرأة مستقلة ولها كيان، فتحدثت باعتراض ناعم

- يا حبيبي ده شغلي وأنت أكيد يهمك إني أثبت جدارتي واملى مكانتي قدام العملا.

هز رأسه بابتسامة ساخرة وبدون سابق إنذار هرول إلى الباب وفتحه ليتحدث إلى السكرتيرة

- إبعتي للباشمهندس بسام وقولي له إني في انتظاره في مكتب أستاذة "إيثار".

تحركت الفتاة على عجلة ليدخل هو من جديد إلى تلك التي سالته مستفسرة:

عاوز بسام في إيه يا فؤاد؟

- لما ييجي هتعرفي.

...

نطقها بعناد وتحدي داخل عيناه مما دب الرعب داخل أوصالها، لم يمر بضعة دقائق حتى حضر "بسام" مرحبا

منور يا سيادة المستشار.

التفت إليه فؤاد ليتابع الآخر بملاطفة

- يظهر أننا هنشوف جنابك كتير هنا في الشركة من بعد ما

مدام إيثار بقت مسؤولة في الشركة.

لم يعر لكل ما قيل اهتمام وتحدث بجدية أربكت بسام

- هي أستاذة إيثار مش ماسكة منصب المدير المالي بالشركة؟

- أه. نطقها باقتضاب.

سأله الآخر باحتدام حاد:

- على حد علمي إن المدير المالي هنا مسؤول عن كل ما يخص الأمور المالية للشركة، ومش من اختصاصها استقبال العملاء بمكتبه، يا ترى فكرتي صح ولا إيه يا باشمهندس؟- 

اوما له قائلا:

بالظبط يا سيادة المستشار.

نطق بعملية متغاضيًا عن شعور تلك المشتعلة

- طب ممكن أفهم الأستاذة إيثار بتستقبل عملا في مكتبها على أي أساس؟!

أجابته بدلا عن الآخر:

ده المدير المالي لمؤسسة عريقة أبرمنا معاها اتفاقية من كام يوم، وكان جاي....

قضم كلماتها بقوله الحاد

ميهمنيش هو مين ولا كان جاي في إيه.

واسترسل بحدة أعظم:

اللي يهمني إن نظام شركتي اللي حطناه من سنين أنا وأبويا وعمي ما يتغيرش أيا كانت الأسباب.


أو ما بسام قائلا:

تمام زي ما تحب.

واستطرد وهو يستعد للرحيل

- لو مفيش حاجة تانية تقولها، أنا مضطر أروح على مكتبي لأن عندي شغل كتير.

تحدث بهدوء

متشكر يا بسام تقدر تتفضل.

خرج وأغلق خلفه الباب ليحول بصره يتطلع على تلك التي اتخذت الصمت من نصيبها ليفاجأ بغيمة من الدموع تغشى وتتلألأ بداخل عينيها، سألته بصوت يمتلأ بالوجع:

- ليه عملت كده يا فؤاد، استفدت إيه لما قللت مني وطلعتني

صغيرة قوي كده قدام ابن عمك ؟!
شعر بانكسارها وهذا ما جعل الألم يقتحم قلبه بشراسة، لكنه تلاشى ذاك الشعور وتحدث بقوة تعود لخوفه عليها من جميع البشر :

اسمه الأستاذ بسام مش ابن عمي ده أولا.

واستطرد بحدة

ثانيًا فين التقليل في إني بطالب موظفيني بالالتزام بقوانين الشركة؟!

ثم اقترب عليها وهتف من بين أسنانه بشراسة عندما تذكر ضحكاتها مع ذاك الأبله:

وبعدين يا هانم يا محترمة، بدل ما تقفي وتبجحي فيا كده كان من الأولى تحترمي نفسك ومنصبك والراجل اللي أنت على ذمته.

اتسعت عينيها من إهانته لتحتد لهجتها وهي تسأله بغضب:

- أنت بتقول إيه؟! إيه اللي شفته مني علشان تكلمني بالطريقة السخيفة دي؟
شعر بانكسارها وهذا ما جعل الألم يقتحم قلبه بشراسة، لكنه تلاشى ذاك الشعور وتحدث بقوة تعود لخوفه عليها من جميع البشر :

- اسمه الأستاذ بسام مش ابن عمي ده أولا.

واستطرد بحدة:

ثانيًا فين التقليل في إني بطالب موظفيني بالالتزام بقوانين الشركة؟!

ثم اقترب عليها وهتف من بين أسنانه بشراسة عندما تذكر ضحكاتها مع ذاك الأبله:

وبعدين يا هانم يا محترمة بدل ما تقفي وتبجحي فيا كده كان من الأولى تحترمي نفسك ومنصبك والراجل اللي أنت على ذمته.

اتسعت عينيها من إهانته لتحتد لهجتها وهي تسأله بغضب:

- أنت بتقول إيه؟! إيه اللي شفته مني علشان تكلمني بالطريقة السخيفة دي؟
- صاح وجنون الغيرة يحوم بعينيه

- اللي شفته إن الهانم المحترمة قاعدة بتضحك ومبسوطة

قوي مع راجل غريب.

صاحت رافضة حديثه بقوة

- أنا مسمحلكش تكلمني بالطريقة دي وتتهمني بالباطل، وقبل ما تخرج الكلام فكر فيه كويس يا سيادة المستشار، أنا إيثار الجوهري اللي عمر ما حد مسك عليا غلطة لا في شغلي ولا في حياتي الخاصة، مش على آخر الزمن هتيجي تتهمني في شرفي.

أفلتت كلماتها المنفعلة من بين شفتيها بحدة وغضب أثار حنقه؛ فاقترب منها حتى بات لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة وتحدث بفحيح أمام عينيها:

أنا متهمتكيش في شرفك، لأن يوم ما هشك لحظة في شرف الست اللي معايا القتل هيكون أقل شيء ليها.

- اطلع بره.
- نطقتها بأعين تطلق سهاما نارية لو انطلقت لحولته إلى أشلاء

يصعب تجميعه، اتسع بؤبؤ عينيه لينطق بصدمة

أنت بتقولي إيه؟

بحروف متقطعة كررت حديثها

- بقولك، اطلع بره.

هز رأسه بتوعد وتحدث

تمام ماشي يا إيثار، هطلع بره بس وحياة ولادي لدفعك تمن الكلمة دي غالي.

استدار ليتحرك صوب الباب ليباغته حديثها الحاد

- يكون في علمك دي آخر مرة هسمح لك تدخل فيها في شغلي.

استدار يقابلها بجبين مقطب لتتابع مسترسلة بوعيد غاضب وهي تشير بسبابتها:

- ولو الموضوع ده اتكرر استقالتي هتكون على مكتب المدير التنفيذي للشركة في نفس اللحظة.
- بمنتهى البرود أجابها:

وماله، ولادك محتاجين لك أكثر.

رفعت رأسها لأعلى لتنطق مستنكرة

- ده في أحلامك، اللحظة اللي هقدم فيها استقالتي هخرج من هنا على شركة أيمن الأباصيري استلم وظيفتي الأولى.

ابتسامة ساخرة ارتسمت على محياه لينطق متهكما

- الحلم حق مشروع للجميع، لكن التنفيذ بيكون حسب الإمكانيات يا مدام وإمكانياتك أصبحت ملكي وتحت تصرفي من اليوم اللي بقيتي فيه مراتي.

واستطرد وهو يُشير بسبابته نحو رأسه
ياريت احط الكلام دة ف راسك وتعقليه عشان ماتتعبيش معايا
واستطرد متحديًا:

وتأكدي إنك لحد الآن لسه متعرفتيش على غباوة فؤاد علام

وجحيمه قدام اللي يقف قصاده ويتحداه.

استدار يتجه نحو الباب تحت صياحها الصارخ

الأيام بينا يا سيادة المستشار.

خرج ليصفق الباب من خلفه بقوة رجت جدران المكان تحت غضبها العارم الذي لو خرج لحول المكان بأكمله لكتلة مشتعلة.

عادت من عملها لتجد ذاك المستبد يحمل صغيره بالحديقة يداعبه؛ ليطلق الصغير قهقهاته التي تدوي بالمكان وتنشر السعادة في الأجواء لتخترق قلبي جديه حيث تحدث علام بقلق شديد بعدما رأى نجله يرفع الصغير لأعلى في الهواء

ويتلقفه بيديه بعناية:

حاسب لـ "زين" يقع منك يا فؤاد
أجاب والده بتباهي وهو يُكرر إلقاء الصغير لأعلى مرةً أخرى:

متقلقش يا باشا، ده حفيد سيادة المستشار "علام زين الدين"، يعني عصبه شديد وقوي، ووقوعه شيء مستحيل بإذن الله.

- السلام عليكم.

نطقتها باقتضاب ليرد عليها الجميع وتتابع "عصمت" التي تحمل الصغيرة وتداعبها بمشاركة جدها

غيري هدومك يا حبيبتي وانزلي بسرعة علشان هخليهم يحضروا الغدا حالا.

اقتربت على صغيرتها التي هللت وهي تشير لغاليتها بحفاوة لتحملها وتقوم باحتضانها وتقبيلها، ثم تحدثت بنبرة جاهدت لتخرج هادئة:

إتغدوا إنتوا يا ماما ، أنا مش قادرة أكل الوقت، هاخد شاور وأنام ولما أصحى هبقى أكل.

نطقت كلماتها قاصدة كي تحرم ذاك العاشق من راحته في جوارها، حيث أصبح متيمًا لدرجة أنه ما عاد يتذوق للحياة طعما بدونها، جال بخاطرها أن بذاك التصرف ستجبره على الرضوخ والعدول عن قراره الصارم الذي اتخذه اليوم بحقها، لكنها أخطأت تلك المرة، فلكل منهما حسبته الخاصة ولقد عقد هو الآخر النية على إعادة تشكيلها من جديد لتتخلى عن عنادها الكافر، باغتها بتجاهله التام حيث نطق وهو يداعب صغيره ويزيد من قبلاته:

اكتفيت من دلع بابي ولا لسه عاوز تاني يا زين باشا؟

بدأ الصغير بمناغاة أبيه حيث نطق بصوته الذي يدخل السرور على قلب والده

مع مع

قلب بابا، وعقل بابا، وعيون بابا من جوة أنت.

غلت الدماء بعروقها حين شعرت بتجاهله وعدم النظر إليها لتستعيد وعيها على صوت علام الحنون
اتغدي معانا الأول يا بنتي وبعدين إبقي نامي براحتك.

نطقت بصوت محتقن ناتج عن اختناق الدموع بعينيها

صدقني يا بابا مش هقدر، محتاجة أنام فعلا.

واسترسلت كلامها إلى "عصمت".

- أنا هاخد "تاج" معايا علشان أرضعها، وبعد إذنك يا ماما

يا ريت تبعتي لي "زين" مع "عزة".

حاضر يا إيثار.

تحركت صوب باب القصر الداخلي لينطق علام بتساؤل لنجله

- أنت متخانق أنت ومراتك ولا إيه يا فؤاد؟

استدار ليجلس وبأحضانه الصغير، ثم قال بمراوغة

- مش خناقة بالمعنى الحرفي يا باشا، تقدر تقول احتكاك بسيط أدى إلى عدم التوافق الفكري لكلا الطرفين
- تطلعت عليه عصمت لتلومه بنظراتها العاتبة

حرام عليك يا فؤاد البنت يا حبيبتي مبترتاحش، ما بين رعاية ولادها اللي صممت تساعدني بيها وتشرف عليها بنفسها، والرضاعة، وما بين اهتمامها بعلاقتها بيك اللي أنا بنفسي شايفة إنها مش مقصرة فيها على الإطلاق، ده غير شغلها.

فيه أوقات بيبقى مطلوب فيها الشدة والحزم يا ماما، أنا عمري ما كنت راجل متحكم ولا ديكتاتور، بس فيه * لحظات لازم فيها الحسم والحزم.

أوما والديه ولم يعلقا لعلمهما بمدى عقلية نجلهما ونضوجه الفكري.

بعد قليل صعدت عزة بالصغير لتأخذ منها "تاج" لينهل الصغير من حليب والدته، سألتها مستغربة تجهم ملامحها

مالك يا إيثار ؟ مصدرة لنا الوش الخشب ليه يا حبيبتي من ساعة ما رجعتي من شغلك؟

بنبرة غاضبة تحدثت

- سبيني في حالي يا عزة، أنا مش نقصاكي.

لوت فاهها بسخرية لتنطق:

وأنت بقى فاكرة إنك لما تقولي لي الكلمتين دول هخاف وأكش ومسألكيش؟

التزمت الصمت لتلح عليها الأخرى:

- ما تنطقي يا أختي هشد الكلام من على لسانك ولا إيه؟!

زفرت بقوة لتنطق متذمرة

- أنا عارفة إني مش هخلص من زنك النهاردة إلا لما تعرفي الموضوع وبالتفصيل الممل.

- طب يختي الحمد لله إنك عارفة، يلا قولي ومتغلبنيش معاك أمال.

أخذت تقص عليها ما جرى لتنطق الأخرى

تصدقي بالله أنت بوز نكد زي أمك منيرة بالظبط.
اتسع بؤبؤ عينيها لتتابع الأخرى توبيخها

أه وربنا زي ما بقولك كده، واقول لك على اللي أنقح من كده كمان شرشبيل ده ليه الجنة من ورى عمايلك السودة

معاه إن شاء الله.

واستطردت مستهجنة بإيضاح

قولتي عاوزة اشتغل الراجل عداه العيب عينك في شركة عيلته واداكي منصب لو عيشتي عمرك كله تنحتي في الصخر مكنتيش هتوصلي له.

تناسق:

- فيها إيه لما توزني أمورك وتسمعي كلامه وتبعدي عن اللي بيجننه ويطلع عفاريته الزرق ويطلقهم علينا ؟!

هتفت بحنق:

وتوسعي في شغلي وتحقيق ذاتي هو اللي بيطلع عفاريته الزرق يا ست عزة؟!
أجابتها بحدة


- لا يا متعلمة يا بنت المدارس اللي بيجننه غيرته عليك الراجل بيحبك وبيموت في التراب اللي بتمشي عليه من ساعة اليوم المشؤوم اللي جابك فيه من البلد وهو مش عارف يعمل لك إيه ولا إيه علشان يرضيك وينول المراد.

لتنطق بعدما تلاعبت بحاجبيها بمشاكسة

ومن يوم ما داق حضن الجميل وهو اتغير وبقى ماشي وراك زي ضلك بس الراجل غيرته عليك بتجننه، مبيطقش يشوف جنس راجل بيقرب منك، بيتجنن وشياطينه المسلسلة بتتفك ويطلع جنانه على الكل، هاوديه وسايسي عناده، قال لك مش عاوزك تختلطي بالرجالة في شغلك تقولي له أمرك يا سيد الرجالة، حقه يختي.

هتفت بعينين متسعتين

وأقتل طموحي واتحول الجارية مطيعة يا عزة؟!
لوت فاهها لتهتف موبخة وهي تشير بكفها:

- يختي اتنيلي، أنا مفهمش في الكلام الكبير اللي بتقوليه ده، كل اللي أعرفه طالما الراجل محترم معاك وبيحبك وملبي

لك كل طلباتك، يبقى الواجب على الست الطاعة العمياء.

زفرت لتنظر لصغيرها وجدته قد غفى أثناء الرضاعة مسحت على وجهه بحنان وقبلت وجنته، ثم تحدثت إليها:

روحي نيمي "تاج" وابعتي الناني علشان تاخد "زين" تنيمه هو كمان في سريره.

أتى الليل وهبطت للأسفل بعدما وجدت من زوجها تجاهلا عن عمد حتى أنه لم يصعد لأخذ قيلولته اليومية، حيث قضى النهار بالمكتب وظل يعمل، وما أن هبطت حتى صعد هو ليتركها وحيدة بجوار أهله.

دقت تلك الفضولية الباب لتستمع أذنه للطارق، ولجت وبيدها صينية موضوع عليها قدحًا من القهوة يجاوره كأس من الماء البارد،
ونطقت بحبور وضحكة بشوش



لقيتك طلعت بدري على غير عادتك قولت أعمل لك فنجان قهوة يظبط لك الدماغ.

كان يجلس فوق المقعد الهزاز يقرأ كتابًا بيده فتحدث بهدوء

- متشكر يا "عزة"، أنا فعلاً كنت محتاجه.

- ومين غيري يحس بيك ويعرف اللي أنت محتاجه يا باشا.

طالعها رافعًا حاجبه باستغراب لحديثها المبالغ به ليسألها ساخرا:

- خير إن شاء الله يا عزة؟!

هزت رأسها بتفاخر لتقول:

- كل خير يا باشا، هي عزة بردوا بيجي من وراها غير كل الخير.

- أنت هتقولي لي.
نطقها متهكما، ثم ارتشف من القهوة لتشمئز ملامحه وهو

يقول:

- مين اللي عامل القهوة دي؟

أجابته بابتسامة بلهاء :

- أنا.

أعاد الكوب إلى الصينية وتحدث بعدما تناول كأس المياه


- طب يا ريت دي تكون آخر مرة تتطوعي فيها وتعملي لي قهوة.

غالي والطلب رخيص يا باشا.

قالتها بلا مبالاة لتتابع:

نخش بقى في المهم، أصلا فنجان القهوة ده خطة تمويه مني.

هز رأسه ليجيبها:

- خدت بالي، كملي.


- بص بقى يا سيدي، البت إيثار دي غلبانة.
واسترسلت بتأكيد

- أه والله غلبانة وقلبها زي البفتة البيضا، وهبلة واللي في قلبها على لسانها.

اتسعت عينيه لينطق معترضا بحدة

- حيلك حيلك يا ست أنتِ هي مين دي اللي هبلة، أنت اتجننتي يا عزة، بتتكلمي عن مراتي بالطريقة دي وقدامي؟!

نطقت بعدما علمت أنها كالعادة فلت منها زمام الحديث:

- يو، يقطعني يا باشا ما أنت عارفني، جاهلة ومبعرفش أرص الكلام وازوقه زيكم بس المهم اللي في قلبي ليكم انتوا عارفينه.

نطق بحنق بعدما فاض به الكيل:

عزة، أنا مش فاهم منك أي حاجة، وبصراحة كده لا عندي استعداد أسمع منك ولا من غيرك كلمة زيادة
وتابع بحدة

أنا دماغي مصدعة وفيها صراعات من الشغل تخليني

مش طايق حتى البيجامة اللي أنا لابسها.

واستطرد مشيرًا إلى الصينية

فخليك لطيفة كده ووريني جمال خطوتك ومتنسيش

تاخدي معاك قهوتك.

 *

انحنت تحمل الصينية لتنطق باستياء

- خلاص يا باشا فهمنا

- قال على رأي المثل، خير تعمل شر تلقى. قالتها وهي تهمهم بعدما استدارت لتغادر؛ ليسألها بلكنة حادة

- بتقولي حاجة يا عزة؟

التفتت لتجيبة بابتسامة صفراء

سلامتك يا باشا، ده أنا بدعي لك إن ربنا ما يحرمني من بشاشة وشك ولسانك اللي بينقط سكر.
اقفلي الباب وراك. قالها باقتضاب وهو يشير بكفه لتستدير وهي تبرطم

يا باااي على تكشيرة وشك يا جدع الله يكون في عونك يا إيثار.

ولجت إلى الغرفة وجدته يتمدد فوق الفراش يستعد للنوم فوقفت أمامه تتحدث بنبرة حادة أظهرت كم غضبها والاستياء من ذاك التجاهل

- حصل اللي النهارده ده لو اتكرر تانی، ورحمة بابا يا فؤاد ما هديه على خير.

بنبرة باردة كالثلج حدثها دون عناء النظر لوجهها:

- اللي عندك كله هاتيه، ووريني أخرك معايا.

اشتعل قلبها بنار الغضب من حديثه الوقح معها؛ فثارت لتنطق حانقة
أنت بني أدم مستبد، بتستغل سلطتك عليا كزوج وكصاحب شركة علشان تقهرني وتفرض عليا سيطرتك حقيقي أنا مصدومة فيك.

انتفض من فوق الفراش وبلحظة كان يقابلها الوقوف والشرر ينطلق من مقلتيه كقذائف نارية

مصدومة فيا علشان بحاول أحافظ على مراتي وأحميها؟

تحميني من إيه يا محترم؟

أجابها بقوة قاصدًا خطر ذاك الهارب "عمرو"

- أولا من الخطر اللي بيحوم حواليكِ يا مدام واللي أنت عارفة مصدره كويس، واللي لولا ما من شركتنا ومأمن حراستك وأنت رايحة وراجعة من الشركة مكنتش هوافق ابدا وأفرط في أمنك تحت أي ظروف.

واستطرد بغيرة مرة ظهرت بمقلتيه المشتعلة حينما تذكر نظرات ذاك الحقير لجميلته
ثانيًا بحميك من النفوس المريضة اللي بقت عايشة وسطينا هي الهانم مكانتش شايفة نظرات الحقير اللي كانت قاعدة معاه وهي هتاكلها؟!

تجاهلت القسم الأول من حديثه ليزداد حنقها عند الاستماع للجزء الثاني، اتسعت عينيها لتنطق بعدم استيعاب

- لا ، أنت مش طبيعي، أنت أكيد اتجننت.

أجابها متعجبا:

اتجننت علشان بغير على مراتي؟!

هتفت بحدة

- لا يا بيه اتجننت علشان مش واثق في الست اللي أنت

متجوزها، ودي إهانة لا يمكن أسمح بيها.

نطق بحدة مثيلة لحدتها

أنا واثق في مراتي كويس قوي، ولو مش واثق مش هسمح لك تخرجي بره باب البيت.
واستطرد بغضب

- عدم الثقة عندي في الآخرين ونواياهم الخبيثة يا مدام والراجل ده نظراته مكنتش بريئة وأنا عارف الأشكال دي كويس.

- أيا كانت مبرراتك مش هتخليني أتغاضى عن الإهانة اللي عرضتني ليها النهارده قالتها بألم ممتزج بغضب حاد لتسترسل متسائلة:

مفكرتش في شكلي قدام ابن عمك وأنت بتطلب منه يمنع أي اجتماع منفرد بيني وبين أي راجل؟

نطق لإيضاح الأمور لها:

- أولا أنا محددتش منع اجتماعك مع أي راجل، أنا منعت أي اجتماعات ليك واللي وارد جدا تكون مع مدراء ستات.
- ليتابع مسترسلا:

ثانيا يا أستاذة اللي حصل ده تهريج وخرق صريح لنظام العمل، وبصفتي المدير التنفيذي وصاحب أكبر أسهم في الشركة، كان لازم أتدخل وأمنع الهرج والفوضى اللي بتحصل.

هتفت تجابهه متهكمة

بصفتك المدير التنفيذي ولا بصفتك جوز المدير المالي للمؤسسة؟

في حركة باردة منه زادت من لهيب غضبها أشار بسبابته

والوسطى قائلا باستفزاز

الاتنين يا مدام.

استدار متجها إلى السرير لينطق مسترسلا

لحد كده والكلام بالنسبة لي انتهى ويا ريت تقفلي النور علشان عندي شغل بكرة بدري، وأظن المدام كمان عندها شغل بكرة. 

بحدة وعناد تحدثت

أنا مش رايحة الشغل ده تاني ولا هعتب باب الشركة لحد ما تتصل ببسام وتلغي قرارك، وترجع لي كرامتي اللي اتهانت قدامه.

تحدث مواليها ظهره بعدم اهتمام وهو يُعدل فراشه

يبقى هتقضي عمرك كله في الانتظار، وبصراحة تبقى عملتي فيا جميل هفضل أشكرك عليه العمر كله.

تمدد ثم أشار لتلك المشتعلة نحو زر الإضاءة

- النور لو سمحتي.

كادت أن تصرخ لتخرج غضبها الحاد الذي تكون من برود ذاك المستبد، تمالكت حالها لأبعد حد وتحركت إلى الباب وكادت أن تدير مقبضه ليباغتها صوته الصارم

ارجعي مكانك ويا ريت قبل ما تتصرفي بتهور تفكري في النتايج كويس، لأنك مش متخيلة رد فعلي لو خرجتي من الأوضة هيبقى عامل إزاي لم تقهر بحياتها بتلك الطريقة من قبل، لا تعلم لم عليها أن تفعل الآن، كل ما خطر بذهنها هو تهديد ذاك الحانق الذي لا ينطق بكلمة هباءً، أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تتراجع للخلف، ثم تحركت إلى التخت لتضع وسادة تفصل بينهما وتتمدد موالية ظهرها له بعدما أمسكت جهاز التحكم الموضوع فوق المنضدة المجاورة للتخت وتُغلق الأضواء منه، تنفست عاليا عدة مرات كي تستطيع كبح غضبها العارم تحت ابتسامة ذاك المجاور لها، كانت تلك من أطول وأصعب الليالي التي مرت عليهما، قضتها هي بحزن واستشاطة من تصرف زوجها المستبد وتقليله لشأنها أمام نجل عمه، أما هو فحزنه كان لأجلها أكثر، لكنه أصر على عدم رضائها كي يستطيع كبح جماحها، فهي أشبه بفرسة جامحة شرسة لا ترضخ لمخلوق ولا حتى لخيالها الفارس، فقرر معاقبتها وترويض تلك الشرسة بالطريقة التي ستجعلها تفكر آلاف المرات في المستقبل قبل أن تضع حالها بخانة التحدي معه.
فاق على صوت التنبيه ليغلقه، ثم نظر عليها وجدها تتظاهر بنومها العميق، تحرك إلى الحمام توضأ ثم قام بصلاة الضحى وبعدما ارتدى ملابسه العملية خرج إلى مرآة الزينة ليصفف شعر رأسه بعناية وهو ينظر لانعكاس صورتها، يعلم أنها واعية لكنها تعاند أمسك زجاجة عطره ونثر على عنقه ثم ارتدى ساعة يده ليتحرك للمقعد يلتقط حقيبة عمله، وتحرك للخارج ليغلق خلفه الباب حركت أهدابها تفتح عينيها لتنظر إلى الباب المغلق، اشتعل داخلها من ذاك المتسلط العنيد، كانت تتوقع ان يوقظها من غفوتها ويطلب منها الذهاب إلى عملها متراجعًا عن قراره المتعنت ذاك، لكنه خيب أمالها ليرحل ويتركها بحال لا تُحسد عليه الآن أصبحت أمام اختيارين كلاهما سيفقدها الكثير، الأول هو أن تنفض ذاك الغطاء من عليها وتستعد للذهاب لمتابعة عملها وتتغاضى عن الأمر برمته وكأن شيئًا لم يكن لكنها بتلك الحالة ستخسر حرب الكرامة أمام زوجها وتكون تلك هي بداية التنازلات
والآخر أن تكمل بخطتها وتتابع تمردها وعصيانها عليه كي تجبره على الاستسلام والاعتراف بحقها الكامل بإدارتها في مباشرة عملها دون تدخل منه بالنهاية زفرت بقوة لتسحب الغطاء لأعلى بعدما قررت التمادي بخطتها لتعود للنوم مرة أخرى.

بعد مدة نزلت الدرج حاملة صغيرتها تجاورها عزة تحمل هي الأخرى الصغير وذلك بعدما قامت بتحميمهما وارضاعهما، وجدت فريال باستقبالها أسفل الدرج تفتح ذراعيها وهي تقول * لذاك الصغير الذي أشار بكفيه على تلك العمة الحنون التي تغمره بالكثير من الدلال والحنان، لم يكن هو فقط من أشار عليها، بل توأمه أيضا رفرفت بساعديها لتنطق فريال بسعادة
 *

- يا صباح الفل على حبايب قلب عمتو اللي هيجننوها بجمالهم.

تلفقت الصغير وباتت تنثر عليه قبلاتها الحنون؛ فأثار اهتمامها ذاك غيرة الصغيرة التي انكمشت ملامحها وبدون سابق إنذار شهقت وبدأت ببكاء مرير يقطع نياط القلب
ضمتها إيثار لصدرها وبدأت بهدهدتها ومناغشتها بكلمات

حنون لتنطق فريال بتعالي مصطنع

متتعبيش نفسك، حبيبة قلب عمتو مش هتسكت غير لما اخدها في حضني واديها الروتين اليومي من الدلع.

نطقت الأخرى بتذمر مفتعل:

- طبعا يا هانم ما أنت استغليتي فترة وجودي في الشغل علشان تقلبي ولادي عليا وتخليهم يحبوك أكثر مني.

رفعت حاجبها لتسألها بمشاكسة

- طب ودي حاجة تزعلك؟

ابتسمت لتجيبها وهي تتطلع على صغيرها السعيد بقبلات تلك العمة الحنون

- أنت عارفة كويس أنتِ بقيتي بالنسبة لي إيه ده أنا كل يوم بشكر ربنا على وجودك أنت وماما "عصمت" في حياتي وحياة الأولاد.
- ناولت "زين" لعزة من جديد، ثم فتحت ذراعيها لترتمي الصغيرة داخل أحضانها وهي ترفرف بيديها كفراشة سعيدة تتطاير بين الزهور، لتضمها بسعادة وهي تقول بحبور هائل

يا تاج عمتو يا ستو أنا يا أميرة عيلة الزين كلها وملكة قلب جدو وتيتا.

انطلقت ضحكات الصغيرة لتملئ المكان برمته وتصدح وهي تناغي

هذا هو هذا.

لتتابع الأخرى دلالها الزائد:

- أنتِ غيرانة على عمتو من "زينو" يا "تاجي"؟

حضرت سعاد من المطبخ لتنطق وهي تطالع "إيثار"

بتوقير:

- صباح الخير يا فندم تحبي أحضر لحضرتك الفطار

واطلعه الجنينة، ولا هتفطري في أوضة السفرة؟
تطلعت إلى فريال لتسألها:

- مش هتفطري معايا يا فيري؟

أجابتها:

- ما أنت عارفة إني بصحى بدري علشان شغل "ماجد"

وبفطر معاه.

وتابعت بابتسامة مرحة

- بس ممكن أشرب معاك قهوة.

أومات لتتطلع للسيدة وتجيبها:

خلاص يا "سعاد"، إبعتي لي الفطار على الجنينة وبعدها اعملي لنا القهوة.

أحنت السيدة رأسها قليلا لتنطق باحترام

- تحت أمرك يا هانم.
- أخذت" زين" من "عزة" التي تحدثت

هروح أجهز لك الفطار بنفسي بدل ما سعاد تكروتك بأكلها الغريب ده، وبعدين هعمل لكم فنجانين قهوة تحلفوا بحياتهم.

- بلاش أنت وحياتك يا "عزة". نطقتها "فريال" بعجالة لتسألها الأخرى وهي ترمقها باستنكار

بلاش ليه يا ست فریال؟!

ثم حاوطت فكها بكف يدها تسألها بنبرة متهكمة:

لتكون قهوتي مبقتش بتعجبك أنت كمان؟

ابتسامة مصطنعة ارتسمت فوق ثغرها لتجيبها بزيف ظهر بعينيها

- معقولة قهوتك متعجبنيش يا زوزة، ده أنا بقولك بلاش علشان مش عايزة أتعبك.
- تبادلت النظرات فيما بينهما لتنطق بجدية

هو أنت هتجامليها يا "فريال"، ما تقولي لها الحقيقة وخليها ترحمنا من قهوتها اللي قربت تخلينا نتوب عن شربها ونبطلها خالص.

كظمت الأخرى ضحكاتها التي خذلتها وانفلتت رغمًا عنها بينما اتسع بؤبؤ عيني "عزة" لتشهق متسائلة:

- قصدك إيه بالكلام ده يا ست إيثار ؟!

قصدي واضح ومش محتاج تفسير يا "عزة"، بصراحة كده قهوتك مبقتش تتشرب.

- هي بقت كده، آخر خدمة الغز علقة مش قهوتي دي اللي يا ما زمان كنتي بتقولي لي... وأكملت بطريقة مسرحية :

مبعرفش أتكيف غير من فنجان قهوتك يا عزة القهوة متبقاش قهوة غير لما تبقى من صنع إيديك يا عزة"، الوقت "عزة" بقت كوخة؟!

رفعت كتفيها لتنطق:
منكرش إن فعلاً كنت بقول لك كده، وفعلاً محدش كان يقدر يعلي على فنجان قهوتك بس متنكريش إنك مؤخرًا بقيتي بتكروتيها مرة تطلع نية ومرة مميية ومرة تفور منك وتجبيها من غير وش.

نطقت فريال تؤكد على حديثها

بصراحة يا "عزة" "إيثار" معاها حق.

هتفت بصرامة وإصرار

- طب إيه رأيكم منتوش شاربين القهوة النهاردة غير من إيدي، ولا رجع أمجادي من جديد واخليكم تحلفوا بحياة قهوة عزة من تاني.

اشارت "إيثار" نحو المطبخ قائلة:

- اتفضلي استعيدي أمجادك وورينا، والماية تكدب الغطاس.


هتشوفي.

قالتها بتحدي لتضحك فريال وهي تقول:

- فظيعة عزة، من يوم ما دخلت البيت عمرها ما فشلت في إنها تموتني من الضحك.

تحركتا صوب الخارج لتنطق قائلة بنبرة حنون

- "عزة" دي حظي الحلو من الدنيا دي اللي ربنا بعتها لي علشان تاخدني في حضنها وتحن عليا أنا ويوسف، في الوقت اللي الدنيا كلها كانت ضدي ومش لاقية حضن واحد اتحامى فيه.

ابتسمت الأخرى لتشعر بالرضا من تلك التي لا زالت تحمل

داخل قلبها حبًا كبيرًا وامتنان لتلك السيدة البسيطة.

تناولت طعامها، ثم حضرت عزة بقدحين من القهوة وتحدثت بإصرار

اتفضلوا دوقوا وقولولي رأيكم.

أمسكت بالقدح وقربته من أنفها لتشتم عبقه الساحر حيث يُساعدها على الاسترخاء وتحسين المزاج

بينما الأخرى ارتشفت بعض القطرات لتغمض عينيها وتنطق بتلذذ ظهر فوق ملامحها

- الله الله الله على عزة وجمال قهوة عزة.

ثم رفعت أهدابها تتطلع على تلك الواقفة ترفع قامتها لأعلى وكأنها وحدت القطرين لتتابع الأخرى بثناء محق:

- أهو بالفنجان ده أقدر أقول لك إنك رجعتي لأمجاد عزك من جديد.

ابتسمت بحفاوة لتجيبها وهي تهز رأسها بزهو

- ربنا يجبر بخاطرك يا بنت الأصول.

ثم تطلعت على تلك التي ما زالت تُغلق جفنيها مستمتعة بتذوق قهوتها

وأنت يا ست "إيثار"، هتفضلي مغمضة لي عنيك كده كتير وسيباني واقفة؟

فتحت عينيها لتطالعها بهيام يرجع لعشقها لتلك الساحرة المسماة بالـ "قهوة"
حيث تستطيع تحسين مزاجها وجعلها بأفضل الأحوال من مجرد ارتشاف القطراتٍ من حلو مرها، ثم نطقت بصوت دل

على ارتياحها

تسلم أيدك يا عزة رجعتيني لأول فنجان أشربه من أيدك.

بألف هنا على قلوبكم. نطقتها متأثرة لتكمل:

هروح أشوف اللي ورايا واسيبكم تتكلموا مع بعض.

كان يتابع عمله من داخل مكتبه الخاص المتواجد بمبنى النيابة العامة، بينما عقله منشغل بتلك الفرسة الجامحة كما يطلق عليها مؤخرًا، يرغب في معرفة ما إذا كانت ذهبت المتابعة عملها وتغاضت عن الأمر، أم أنها تركت حالها للعناد واتبعت الشيطان كي تنفذ رغباتها، استغل استراحته ليترك مقعده متجها إلى نافذة مكتبه الزجاجية لينظر للخارج، ثم أخرج الهاتف بعدما عقد النية على مهاتفة كبير حرس البوابة الخارجية للقصر كي ينهي على ذاك التوتر الذي أصابه بفضلها،
بالفعل هاتفه ليستعلم منه إذا كانت سيارة الحراسة رافقتها إلى الشركة فأخبره الآخر أنها لم تتحرك بسبب عدم ذهاب زوجته أغلق معه ليحك ذقنه بتسلية وهو يقول:

هاتي ما عندك أيتها الشرسة وسنرى بالنهاية لمن النصر، يبدو أنك لا تعلمين مع من تعبثين، ولكن مهلا ستعلمين وتقرين بهذا بعدما تتعلمين من درسكِ القاسي، فلقد صور لك غرورك بأن باستطاعتك السيطرة على ابن الزين بذريعة عشقك، نعم أحبك، بل تغلغل عشقك الهائل * بعروقي وتوغل، لكن دعيني أخبرك بأنك لم تتعرفي بعد على فؤاد علام أيتها الجميلة، فلم تخلق بعد تلك الأنثى التي تستطيع إخضاعي حتى ولو كانت تملك بيديها زمام حياتي، صبرا يا غرامي فسألقنك درسا قاسيا كي تستقيمي وتعلمي أن قوة المرأة تكمن داخل نعومتها مع الحبيب لا عنادها.

انقضى ثلاثة أيام وبقى الوضع كما هو عليه، هي بعنادها وهو بتجاهله المميت، لقد أوشكت على فقدان عقلها بفضل استخفافه وعدم مبالاته لكونها تركت العمل لعدة أيام، فقد أخبرت "أحمد زين الدين" عبر الهاتف أنها تريد إجازة من العمل لمدة خمسة أيام من أجل الاعتناء بصغيريها الرضع، لكن الوقت يمضي دون جديد، ولو استمر الوضع على هذا النحو ستفقد مصداقيتها وجديتها بالعمل أمام "أحمد" ومجلس إدارة الشركة بأكملها، هبطت للأسفل لتنتظر عودة صغيرها من المدرسة كي تستقبله

بعدما غفى الصغيرين واطمأنت عليهما مع المختصة برعايتهما، جلست بصحبة والدة زوجها تحتسيان القهوة وهن تنتظرن عودة الجميع للاجتماع على وجبة الغداء، حضرت سعاد من المطبخ وتحدثت إلى السيدة باحترام.

عصمت" هانم سعادة الباشا الصغير اتصل وقال إنه عدى على مدرسة يوسف وأخده، وقالي أبلغ حضرتك أنهم هيتغدوا مع بعض بره
شعورًا مريرًا ممتزجا بكم ليس بالقليل من الأسى والحزن اقتحموا قلبها بعد شعورها بالإهانة الذي وصلها من تصرفه ذاك، نطقت عصمت بهدوء بعدما لمحت الحزن سكن عيني تلك العنيدة:

- أنا مش عاوزة أتدخل وأسألك إيه اللي بيحصل بينك وبين جوزك علشان مكونش ست متطفلة.

واسترسلت بحيرة وأسى

بس كمان مش قادرة أقف ساكتة وأنا شايفة إن الفجوة اللي بينكم بتكبر كل يوم عن اللي قبله، لدرجة إن فؤاد بيتصل بمديرة العاملات علشان تبلغك إنه مش جاي على الغدا هو ويوسف

نطقت متلعثمة بفضل عدم راحتها بالحديث عما يحدث بينها

وبين زوجها ومشاركته مع الآخرين

صدقيني يا ماما مفيش أي حاجة، أنا وفؤاد كويسين الحمد الله.
طب ولما أنتوا كويسين ليك كذا يوم مبتروحيش الشغل ليه؟!
 *

واستطردت متعجبة

- ولا حتى بتنزلي مع جوزك تفطري معانا زي عوايدك؟!

لم تجد بداخلها من كلمات لتجيب ففضلت الصمت، لتكمل الأخرى بحكمة عرفت بها

بصي يا بنتي ربنا يعلم أني بعتبرك زي فريال بالظبط علشان كده هنصحك زي ما كنت هنصحها لو كانت في نفس موقفك الرجالة مبتحبش العند، دايما بينظروا للست العندية على إنها جبارة ومفترية وواقفة للراجل الند بالند وصدقيني، العلاقة طالما دخل فيها العند الطرفين بيخسروا.

تنهدت إيثار بأسى، لتتابع الأخرى بتفهم :

- أنا مقدرة تجربتك القاسية وإنك عيشتي آخر كام سنة وأنتِ متحملة مسئوليتك كاملة أنت وابنك
- سواء في الماديات أو اتخاذ القرارات المصيرية والمهمة في حياتك، بس الوضع حاليًا اختلف، أنت بقيتي في عصمة راجل، وفؤاد مش أي راجل.

تنهدت لتتابع بنصح وإرشاد:

الست الناعمة بتعرف تكسب قلب جوزها وتاخد كل الامتيازات عنده بدون أدنى مجهود.

تناسق:

- فؤاد راجل محترم ومريح جدا في معاملاته، ومش بقول كده علشان هو ابني بالعكس، أظن أنت أكثر واحدة متأكدة من كلامى ده فؤاد حنين وممكن بكلمة تكسبيه.

احتوت كفها بخاصتها لتتطلع بحنان بمقلتيها وهي تقول بهدوء

بلاش تخلي الفجوة بينكم تكبر أكثر من كده، وخليكِ أنتِ الطرف الأعقل المرة دي وحاولي تصفي اللي بينكم
بدون تفكير أومأت بموائمة لتنطق باقتناع وعلى وجهها علامات الامتنان، لتنطق الأخرى وهي تهم بالوقوف

عربية الباشا خلاص على وصول، هدخل أبلغهم يجهزوا لنا الغدا.

تنهدت فور انصرافها وباتت تفكر بحديث تلك الراقية بجدية.

مع غروب الشمس، اجتمع علام وزوجته وإيثار بصحبة فريال ونجليها ليداعبوا الصغيرين، ولجت سيارة فؤاد لتتوقف ويترجل منها بصحبة يوسف، حضر الحارس ليحمل الكثير من الأكياس والصناديق التي تخص الصغير، فقد تعمد فؤاد أخذ الصغير جولة ليبتاع له جل ما يخطر على باله كي لا يدع الحزن يسكن بقلبه البريء جراء غيرته من الاهتمام المبالغ الذي يحظى به الصغيرين من الجميع، فأراد أن ينأى بذاك البريء من ذاك الشعور المؤلم لقلبه الجميل، هلل الفتى وأسرع يحتضن كف فؤاد بسعادة ويهرول باتجاه الجميع وهو يهتف بصوت أوضح كم السعادة التي غمرته

- إحنا جينا.
- تراقص قلبها فرحًا وهي ترى حبور نجلها الأقرب إلى الروح ولما له من غلاوة تعود للظروف المحيطة به، ليتابع الصغير وهو يتحدث إليها:

شوفتي يا مامي الحاجات اللي أنكل "فؤاد" جابها لي.

واسترسل بحماس تحت سعادة إيثار

جاب لي كل الحاجات اللي شاورت عليها.

واقترب على بيسان لينطق بسعادة

- أنا جبت لك عروسة حلوة قوي يا بوسي

ابتسمت بحبور لتنطق وهي تنظر لعينيه

هل أنت قادم أم تشو؟

نطق علام معاتبا الصغير بملاطفة

بقی کده یا چو تنسی جدو ومتكلمنيش طول اليوم ولا حتى مرة؟
أفلت من كف فؤاد حين فتح ذاك الحنون ذراعيه على مصراعيهما ليدعوه للدخول في عالم حنانه الأمن، ليحتمي

الصغير بكنفه وهو يقول بإحساس صادق

- أنا مقدرش أنساك يا جدو، ده أنت حبيبي.

شدد من ضمته ليميل نحو رأسه يقبلها ويمسح بكفه الحنون على شعر رأسه مما ادخل الفتى في حالة من السكون والأمان

ليزداد بكلمات ذلك الراقي

- أنت اللي حبيبي يا چو.

كادت أن تدمع عينيها من فرط شعورها بالسعادة لأجل نجلها الحبيب، فقد من الله عليه بعائلة بديلة لتكون عوضا له عن تلك العائلة التي لم يجني من انتمائه لها سوى المتاعب وجلب العار له، كانت تراقب عينيه كي ترى ما إذا كان ينظر إليها أم أنها أوصلته لمرحلة ما عاد يطيق النظر لوجهها، حزنت عندما وجدته يحمل صغيرته ويتجه للمقعد بعدما ألقى التحية على الجميع عداها،
هتفت "فريال" بنبرة حماسية كعادتها

- على فكرة يا سيادة المستشار أنت كده بتعمل تفرقة عنصرية بين الجنسين.

رفع حاجبه ليطالعها منتظرًا مقصد كلماتها لتتابع وهي تشير إلى تلك التي ترفرف بيديها وساقيها تعبيرًا عن مدى سعادتها برؤية والدها الحبيب

الباشا مدي كل الاهتمام للبرنسيس "تاج" ومطنش "زينو" خالص.

ابتسم وهو يتطلع لنجله الجالس على ساقاي جدته الحنون لينطق بسعادة ظهرت بنبراته

ابني هيطلع راجل زي جده علام ومش هيغير من أخته.

ثم التفت إلى يوسف وتابع:

يوسف هيخلي باله من أخواته زي ما اتفقنا، ولما زين يكبر هما الاتنين هيخلوا بالهم من أختهم، مش إحنا اتفقنا على كده النهارده يا چو؟
أوما برأسه ليهتف بحماس

أه يا انكل، إحنا اتفقنا إني كبير وهخلي بالي من أخواتي كويس.

باتت تراقبه عن كثب، فقد اشتاقت للنظر داخل مقلتيه كما اشتياق الزهور القطرات الندى الصباحية، لكن ما اثار حفيظتها هو تجاهله التام لها حتى من النظرات.

أسدل الليل ستائره على الأرض، ولجت إلى جناحها بعدما اطمئنت على جميع صغارها، أخذت حمامًا دافئا وانتظرت ذاك العنيد كي تتحدث إليه وينهيا خلافهما، مر الوقت ولم يصعد إلى الآن، ارتدت منزرًا وتوجهت إلى الشرفة لاستنشاق بعض الهواء النقي كي يساعدها على الاسترخاء والهدوء لحين صعود حبيبها، صدمت من رؤيته يجلس أمام المغطس يوليها ظهره ويبدو أنه شاردًا ، تنفست باسى لتعود من جديد للداخل ارتدت ثوبا محتشم وتحركت للأسفل بعدما عقدت النية على البدء في فتح حديث بينهما
وصلت إلى الحديقة وجدت عزة تضع أمامه قدحا من القهوة لينطق بمشاكسة لتلك التي أصبحت مداعبتها جزءًا من يومه لا يستطيع الاستغناء عنه:

عارفة يا عزة ما يطلع زي فنجان أول امبارح هعمل فيك إيه؟

- إيه؟

 *

نطقتها ببلاهة ليتابع بمكر :

هجوزك وأخلص منك للأبد.

نطقت بمشاكسة

والنبي ولا تقدر على بعدي يا باشا، ده أنت اليوم اللي

مبتشوفنيش فيه مبيتحسبش من عمرك.

ابتسم ليجيبها:

طب يلا يا ست أم كلثوم وريني جمال خطوتك وسيبيني أشرب قهوتي بمزاج.
رأت إيثار تقترب ويبدو من ملامحها أنها أعلنت استسلامها ورفعت الراية البيضاء أمام ذاك القوي، فهتفت بصوت

حماسي:

- أهو المزاج كله جالك بنفسه.

قطب جبينه مستغربًا كلماتها حتى شعر بخيال أحدهم خلفه فتوقع بدهائه أن حبيبة القلب قد حضرت غمزت لها عزة بعينيها لتهمس بأذنها

- أنا خليت لك مزاجه عال العال أهو الباقي عليك أنتِ بقى.

واسترسلت بجدية وهي تلكزها بذراعها

- على ما تليني الجو بينكم هكون جهزت لك المايوه عشان الزاكوزي.

وغمزت بعينيها غمزة ذات مغزى

ومتشيليش هم العيال طول ما عزة موجودة.

اتسعت عينا إيثار من جرأة تلك المتطفلة وكادت أن تنفلت من بين شفتيها ضحكة لولا موقفها الذي لا تحسد عليه، لتنسحب الأخرى للداخل، وقفت بجواره تتطلع عليه وتفرك كفيها ببعضيهما، ثم نطقت بصوت خرج متلبكًا من شدة حرجها

- إيه اللي مقعدك لحد الوقت في البرد ده؟

ارتشف بعض قطرات من قدح القهوة لينطق وهو ينظر لمياه المسبح

حبيت أريحك مني لحد ما تنامي، بما إن وجودي معاك في نفس المكان بقى بيزعجك.

تألمت لنبرة صوته المحبطة لتنطق بعدما انتوت تحسين الوضع بينهما فقد اشتاقت إليه وساقها الحنين:

إزاي جالك قلب تفكر كده يا فؤاد، ده أنت الهوا اللي من غيره أموت.
طالعها متعجبا لينطق ساخرًا

 *

- أه، بأمارة المخدة اللي حطاها بيني وبينك علشان جسمي

ميلمسكيش حتى بالغلط.

أمسكت كف يده لتحثه على الوقوف وهي تقول:

طب يلا نطلع فوق علشان متبردش

رفع حاجبه ليسألها مستفسرا:

- أنت عاوزة إيه يا إيثار ؟

نطقت بنبرة حنون

- عوزاك تنسى كل اللي حصل بينا الكام يوم اللي فاتوا.

عاتبها بنظراته فتابعت نادمة

- أنا آسفة لأني مش مقدرة خوفك عليا، آسفة لأني بعاند معاك مع إن من جوايا عارفة إن رفضك لأي حاجة

تخصني بيكون الدافع الأول هو تأميني وحمايتي.

وقف ليقابلها، ثم احتوى كفيها وتحدث بصوت حنون

عارفة أنت ناقصك إيه؟
طالعته بتمعن واهتمام ليتابع بعينيه قبل لسانه:

- تثقي فيا أكتر من كده، وتتأكدي إنك أغلى حاجة في حياتي، ساعتها بس هترتاحي وتريحي قلبي اللي وجعاه معاك.

همست بنبرات تقطر حنانا

سلامة قلبك يا روح قلبي.

مسد بأنامله على وجنتها الناعمة لتبتسم وهي تقول بعينين تقطران عشقًا وهيامًا:

- أنا بحبك قوي يا فؤاد، ممكن متبعدش عني تاني؟

رفع حاجبه متعجبا لينطق بمشاكسة

- هو أنا كنت بعدت أولاني علشان أبعد تاني؟!

ابتسمت خجلة فحاوط خصرها وجذبها بقوة لتلتصق به، ثم

همس أمام شفتيها:



وحشتيني يا بابا.
شعرت بفراشات الغرام تتراقص من حولها مع انتفاضة قوية

بقلبها العاشق، تحدثت بهمس حنون

وحشتني كلمة بابا منك يا حبيبي، لما بيعدي يوم من غير

ما تقولها لي..

تابعت بعتاب حنون

بحس إني يتيمة.

أخذ نفسا عميقا قبل أن ينطق وهو يمرر إبهامه فوق شفتها

السفلي:

- حقك على قلبي يا بابا، متزعليش مني.

احتضنت كفه لتقبله عدة قبلات ناعمة وهي تقول بعينين أسفتين

- أنا اللي آسفة يا حبيبي زعلتك مني وأنت كنت خايف عليا.

حاوط وجنتيها ليسألها مستفسرا كي يطمئن عليها

هترجعي شغلك بكرة؟
- تو همست بها بدلال مفرط وهي تتحرك بين ذراعيه لتسترسل بمغزى

- بكرة مش هبقى فايقة علشان أقوم بدري وأروح الشغل.

ابتسم بعدما فهم مغزى حديثها، لكنه أصر على سؤالها بمراوغة

ويا ترى بقى إيه اللي مش هيخلي حبيبة حبيبها تكون فايقة؟

عبثت بأناملها الرقيقة بأزرار قميصه المفتوحة لتعبث بشعر صدره مما ادخله في حالة مرتفعة من الهيام لتنطق بما أجهز عليه

السهرة اللي ناوية أخلي حبيبي يفضل فاكرها العمر كله.

- أرجوك. قالها والرغبة بالتهامها تملؤ عينيه ليتابع وهو يمرر لسانه فوق شفتيه

- أنا شايف إننا نحترم نفسنا ونطلع على جناحنا حالا، بدل ما سيادة المستشار يظبطنا متلبسين بفعل فاضح من أمام البيسين
أطلقت ضحكاتها الرنانة على دعابته التي نالت استحسانها، تحركت بجانبه ليصعدا إلى جناحهما وكلا منهما ينتوى أن يغمر حبيبة داخل أحضانه عوضا عن تلك الأيام التي مضت بصعوبة على كلاهما، فقد اتحد قلبيهما وأصبح كلاهما للآخر يمثل الحياة بأكملها.

 الجزء الثانى الفصل الاول من هنا

تعليقات



×