رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل التاسع 9 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل التاسع 


"تعامدت آشعة الشمس على عيناكِ فتوغل الدفء إلى قلبي"
_________________________

_أنهى "وليد" مكالمته مع "عامر" بعدما اتفقا سويًا على ما سيتم فعله في ذلك اليوم من قِبلهما ثم عاد لما كان يفعله برفقة "مازن" الذي اندمج مع والده كثيرًا و مع تكرار ما يقوم بفعله كانت النتيجة تزداد وضوحًا و إثمارًا.

اندمج "وليد" في عمل الوريقات الصغيرة تُشبه القلوب المطوية و بداخلها عبارات كتبها بخطها و "مازن" يعيد الرسمة الخارجية للنمط، خرجت "عبلة" من غرفتها و هي تتثاءب و حينما لمحتهما اقتربت منهما تقول بتعجبٍ:

"انتم صاحيين دلوقتي ليه ؟!"

اقتربت منهما بعد جملتها تجلس على الأرض و تستند بمرفقيها على الطاولة التي يعمل عليها كليهما، فيما قال "وليد" مُفسرًا:

"بنعمل حاجات لخديجة علشان الجمعية، بس هي كانت عاوزاه حاجات مطبوعة بس أنا عملتها بالايد، إيه رأيك ؟!"

سألها بنبرةٍ غلفتها الحيرة و الاحباط، بينما هي سحبته ورقة من الوريقات الصغيرة تقوم بفتحها بحماسٍ و هي تشهق بقوةٍ و قد اتسعت عينيها بزهوٍ ثم قالت:

"يا عفاريت ؟! دي عظمة على عظمة أوي بجد، تحفة"

سألها "مازن" بلهفةٍ:
"بجد !! أنا اللي عامل الرسمة على شكل قلوب و بابا اللي كاتب الجُمل دي، و هنخلص و نلونها"

ردت عليه بفخرٍ كونه قام بصنع ذلك:
"حبيب ماما عسل، ربنا يحفظه سكر مسكر زي أبوك يالا"

ضحك "وليد" رغمًا عنه من طريقتها، بينما هي ركضت من امامهما نحو الداخل حتى نظرا لبعضهما بتعجبٍ و قبل أن يطل تعجبهما خرجت هي ركضًا لهما و هي تقول بلهفةٍ:

"يلا أنا هلون و أنتم كملوا، إيه رأيكم ؟! قولولي بس عاوزين ألوان إيه ؟!"

سألها "مازن" بتعجبٍ:
"بجد ؟! هتقعدي تعملي معانا، طب بصي اعملي اللون مقارب للورق، تمام ؟!"

حركت رأسها موافقةً بحماسٍ ثم أمسكت الورقة الأولى و شرعت في تنفيذ ما عرضته هي عليهما، و كذلك "مازن" بينما "وليد" دون أن يعيِّ لذلك وجد نظره يتعلق بها و هي تجلس على الطاولة تستند بمرفقها عليها و كفها أسفل وجنتها، و كفها الاخر تمسك به القلم الخشبي الملون و تقوم بتلوين الورقة الصغيرة و جديلتها الكبيرة موضوعة على أحد كتفيها، كانت كما في صِغرها لذا ابتسم هو بشرودٍ ثم مدَّ أنامله يُزيح عن عيناها تلك الخصلة المتمردة التي انفردت عن الباقي.

رفعت "عبلة" عيناها له بمفاجأةٍ من فعلته بينما قال هو مُفسرًا بنفس التيه:

"الخصلة دي كانت مضايقاكي"

ابتسمت هي له ثم عادت لما تفعله بينما هو تنهد بحرارةٍ و البسمة الصافية ترتسم على عيناه قبل وجهه، خرج "زياد" من الداخل يضع السماعات الكبرى على أذنيه و هو يحرك رأسه مع الموسيقى بداخلها ثم دلف المطبخ دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة، في نفس الوقت قام "مازن" بدفع الطاولة بقدمه دون أن يقصد ذلك حتى رفع "وليد" صوته يعنفه و هو بتذمرٍ:

"يا حيوان !! بوظت الجملة !!"

ابتسم له "مازن" ببرودٍ فيما تدخلت "عبلة" تقول بصوتٍ عالٍ:

"أنتَ بتزعقله ليه ؟! محدش يزعل عيالي طول ما أنا عايشة حتى لو أنتَ، مفهوم ؟!"

رفع حاجبيه بسخريةٍ و قد وقع بصره على "زياد" و ما يفعله في المطبخ من خلال النافذة المُطلة على صالة الشقة، فأشار لها بسخريةٍ و هو يقول:

"والله ؟! طب بصي كدا المحروس التاني بيعمل إيه؟!"

عقدت ما بين حاجبيها و هي تلتفت خلفها و سرعان ما شهقت بقوةٍ و قالت بصراخ:

"ولا !! بــتــعــمل إيــه بالــخلاط يالا ؟! يـــا حــيـوان !!"

لم يستمع لصوت صرخاتها بالطبع نتيجة السماعة الموضوعة على أذنه فقامت هي تركض نحوه و هي تنادي عليه بملء صوتها وحينما اقتربت منه عنفته و الأخرين يتابعاها و هي تتشاجر مع "زياد" ثم عادات تجلس كما كانت و زفرت بقوةٍ ثم قالت ببراءةٍ:

"شوفت بقى كل حاجة بتتحل بالهدوء ازاي ؟! من غير عصبية و صوت عالي و لا حتى تنرفز نفسك"

نظر "مازن" و "وليد" لبعضهما باستنكارٍ و قد أتى"زياد"  من الداخل و هو يرقص دون أن ينتبه للبقية حتى تعرقل في طرف السجادة الموضوعة على الأرض، و ما زاد من دهشتهم هو اعتداله جالسًا دون أن يتأوه ثم قال مبتسمًا بسماجةٍ: 

"لامؤاخذة....السجادة وقعتني في حبها"

نظر في وجوههم فوجد الدهشة باديةً عليهم لذا سألهم بتعجبٍ:

"مالكم عاملين كدا ليه ؟!"

ضحك "مازن" بشدة و معه "زياد" أيضًا و هما ينظران لبعضهما و قد تبعتهما "عبلة" و هي تضحك عليهما، بينما "وليد" ضرب كفيه ببعضهما و ضحك رغمًا عنه و هو يردد بسخريةٍ غلفها الاستنكار:

"يا شقة بنت مجانين !!"
_________________________

في شقة "طـه" كان "عمار" جالسًا في الشُرفة بمفرده بعدما خرج من الغرفة و نظرًا لأنها مرته الأولى في ذلك المكان لم يقو على النوم و قد غلبه السهرِ لذا خرج من الغرفة و دلف الشرفة يجلس بها حتى يَحين موعد صلاة الفجر.

شعر بكف أحدهم يُوضع على كتفه من الخلف فالتفت برأسه نحو الخلف فوجد "ياسين" و هو يقول بنبرةٍ ساخرة رغم هدوئها:

"صاحي ليه يا عموري لحد دلوقتي ؟! خير إن شاء الله"

ابتسم له "عمار" ثم قال بقلة حيلة:
"عادي يعني معرفتش أنام و البركة في الكنزاية بتاعتك خدت مكاني، يلا مسامح علشانك"

ابتسم "ياسين" ثم جلس مقابلًا له و هو يقول بسخريةٍ:

"اسمها دُمية، بت هربانة من أفلام الكرتون باين ولا إيه"

تنهد "عمار" ثم رفع رأسه بشرودٍ يطالع السماء حتى سأله "ياسين" بتعجبٍ بعدما أمعن النظر فيه:

"مالك يا عمار ؟! أنتَ فيه حاجة مزعلاك ولا إيه ؟! مالك ؟!"

تنهد بثقلٍ ثم قال مستسلمًا:
"كنت فاكر إني لما اتجوزها كدا هي هتكون ليا خلاص و كل حاجة بينا هتختفي، بس خلود بعيدة عني أوي يا ياسين، بتحسسني أني غريب عنها، مش قادرة تثق فيا"

عقد "ياسين" ما بين حاجبيه فأضاف "عمار" متابعًا بنفس الطريقة:

"خايفة مني و من كل حاجة، أنا كنت عارف إنها مش زي ما بتبان بس متوقعتش كدا أبدًا، حتى مش مستوعبة أني مش مؤذي، و حتى لو أنا مؤذي مع العالم كله، هي الوحيدة اللي مش هقدر آذيها في حياتي كلها"

فهم "ياسين" حديثه لذا قال بنبرةٍ هادئة و لهجةٍ ثابتة:
"دا طبيعي لأي اتنين متجوزين يا عمار لسه حياتهم بتتبني مع بعض، اتنين أغراب عن بعض فجأة بقوا سوا و مقفول عليهم باب واحد، أكيد مش هيكون البيت زي بيتهم اللي اتربوا و عاشوا حياتهم فيه، أكيد الحياة دي بتكون مختلفة، بس مع الوقت بناخد على بعض و تبدأ الحياة دي تبان قدامنا"

سأله "عمار" بتعجبٍ:
"حتى أنتَ و خديجة ؟!"

ابتسم "ياسين" بشرودٍ ثم تنفس بعمقٍ و قال بنبرةٍ هادئة:
"يمكن يكون اكترهم أنا و خديجة، كانت بتخاف مني و من اسمي حتى، عملت كل حاجة تخليها تبعد عني، علشان كدا خدت دور الدفاع، كان لازم أكسب ثقتها و اطمنها، و لما اطمنت ليا قدرت تشوفني بقلبها، و لما قلبها شافني ... حبني، الحكاية كلها بدأت من الأمان يا عمار، طالما عرفت تطمنها يبقى خلاص، الإنسان مننا نقطة ضعفه الأمان و يكون متطمن مع اللي حواليه، من غير الأمان هنفضل مستوحشين في دنيتنا دي، مفيش حد يقدر عايش في خوف علطول و يقدر ياخد خطوة في حياته"

عقد "عمار" ما بين حاجبيه و قبل أن ينطق مستفسرًا وجد "يزن" يركض نحوهما و هو يقول بخوفٍ من نبرته الناعسة التي غلبها النوم:

"بابا....خرجت ليه و سيبتني لوحدي مش عارف أنام"

احتضنه "ياسين" و هو يربت على ظهره ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"خرجت أشرب لقيت عمار قاعد قعدت معاه شوية، صحيت ليه ؟!"

رد عليه بنفس النبرة:
"علشان كنت خايف و أنتَ مش جنبي، صحيت أدور عليك"

ابتسم "ياسين" رغمًا عنه ثم قال يمازحه:
"جرى إيه يا بطل بقى ؟! ما أنا سايب النور مفتوح علشان متخافش، مكبر الموضوع ليه؟"

احتضنه "يزن" و هو يتثاءب فسأله "عمار" بسخريةٍ:
"أنتَ هتنام دلوقتي يعني ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم التفت له يقول مفسرًا:

"آه علشان دلوقتي مش خايف"

حمله "ياسين" على ذراعيه ثم سأل الأخر متكئًا على حروفه:

"فهمت..فهمت هي ماشية ازاي"

حرك "عمار" رأسه موافقًا بعدما نظر لـ "يزن" على ذراعه ثم حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم و نظراته تنطق بما فهمه، فيما تحرك الأخر بصغيره نحو الداخل بعدما بادله النظرة بأخرى مُطمئنة.

وقف "عمار" يستند على سور الشُرفة بشرودٍ فوجد "زينب" تأتي من خلفه و هي تحمحم بقوةٍ جعلته يلتفت لها و حينما رآها قال بحرجٍ منها:

"أنا متأسف حضرتك عاوزة تدخلي هنا أو محتاجة حاجة ؟"

ردت عليه بودٍ ترفع عنه حرجه:
"لأ يا حبيبي، أنا قابلت ياسين برة و قالي إنك صاحي هنا، خير فيه حاجة مضايقاك ؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم قال بترددٍ:
"يمكن بس علشان أول مرة و كدا مش عارف اتأقلم، لكن اتطمني أنا مرتاح والله، دا طبعي عمومًا"

أومأت له بموافقةٍ و هي تبتسم له فيما سألها هو بلهفةٍ:
"هو أنا ممكن أسأل حضرتك عن حاجة ؟! حاجة بخصوص خلود؟"

حركت رأسها موافقةً فاقترب منها يقف أمامها و هو يقول بثباتٍ:

"خلود مكانتش كدا، اللي اعرفه إنها كانت قوية و جريئة و مش بتخاف من حاجة، كان عندها ثقة في نفسها و يمكن دي من أكتر الصفات اللي خلتني معجب بيها، كل دا لقيت عكسه تمامًا بعد الجواز، إيه اللي حصلها ؟!"

تنهدت "زينب" بعمقٍ ثم قالت:
"زي ما أنتَ قولت كدا حصلها إيه، خلود كانت جامدة و قوية و واثقة في نفسها زي ما وليد و أحمد عودوها طول عمرها، لما دخلت الجامعة لقت مكان جديد عليها و مش عارفة تتعامل معاه، رغم حبها لدراستها و للكلية بس كانت كل مرة تيجي من هناك مخنوقة و متضايقة و أنا و طه لاحظنا دا، بدأ طـه يركز معاها و يوصلها و ساعات يروح يجيبها علشان متفضلش لوحدها كدا"

توقفت عن الاسترسال بينما هو انتبه لها بكامل حواسه لطالما كان الموضوع يخصها هي، بينما استطردت "زينب" حديثها بقولها:

"بدأت هي تنسى زعلها شوية لما لقت طـه بيركز معاها خصوصًا بعد جواز أحمد و سلمى و أنها بقت لوحدها، قابلت واحدة هناك من دفعتها و قربوا من بعض شوية و بدأت خلود تحب المكان و تفرح أنها تعرف حد هناك، حتى بقت بتحضر كل المحاضرات و بطلت تغيب كمان و بقى عندها حماس غريب إنها تحضر لدرجة أنها يوم الإجازة بقت بتتخنق"

سألها هو بتعجبٍ:
"دا طبيعي، أنا لما اتعرفت على عبدالرحمن في الكلية كنت فرحان لدرجة بقت بتخليني عاوز انزل علشانه و كان مهون عليا، أنا جربت شعورها دا و حسيت بيه"

بعد حديثه ابتسمت بسخريةٍ ثم قالت:
"أنتَ قولت أهو !! عبدالرحمن، إنما دول حاولوا يأذوها بأكتر من طريقة، و كل دا علشان كلام أهبل أصلًا"

سألها بنبرةٍ أودعت كامل اهتمامه:

"عملولها إيه ؟!"

_"خلود من حبها في دراستها اللي وليد كان مشجعها عليها بدأت تهتم بيها و بدأت ترسم أحلام كبيرة أوي لنفسها، و كل الدكاترة عرفوها و خصوصًا في السكاشن و المحاضرات العملية، بس صاحبتها دي بدأت تضايق من كدا و تغير منها، خاصةً لما شافت دكتور السيكشن مهتم بيها لأنها شاطرة و حابة دراستها، علشان كدا بدأت تخليها تتأخر في الدراسة و تحبط فيها و لما فشلت في دا، بوظت سمعتها قدام الدكتور و سلطت عليها ولد من زمايلهم، و ساعتها الدكتور فهم غلط و عاتبها خصوصًا إنها كانت بدأت تكره الدراسة تاني و ترجع زي الأول"

اتسعت عينيه بدهشةٍ فاستطردت "زينب" حديثها:
"خلود لما سألت صاحبتها انكرت وقالتلها انها شايفة أنها معجبة بالولد دا علشان كدا بتسهل عليهم الطرق، بس خلود مش كدا و لما قالتلها إنها مش كدا و دا مش طبعها و لا تربيتها، التانية زعقت فيها و قالتلها إن تمثيلها مش لايق و أنها كدابة و عاملة نفسها متربية، و الموضوع كان هيكبر لولا وليد و أحمد راحوا ليها و خلصوه و كملت خلود الباقي من جامعتها مش طايقة المكان و لا الناس اللي فيه و لحد دلوقتي مش قاردة تنسى اللي عملوه فيها، على قد حبها للنت دي على قد زعلها منها، خلود كانت فاكرة إن الناس كلها برة حقانية زيها و بيدافعوا عن بعض زي ما اخواتها بيعملوا كدا هنا، و إن الناس عمرها ما هتفتري على حد مظلوم و خصوصًا لو سمعة بنت زيها، بس خلود اللي زعلها أنها وثقت فيها من الأول، علشان كانت عاوزة أي صحاب يونسوها ماخدتش بالها أنها بتصاحب غلط، علشان كدا بقت بتخاف و علطول حاطة في دماغها أنها هي المذنبة، رغم اننا كلنا أكدنا ليها أنها ملهاش ذنب و طـه نفسه كان أول واحد في صفها، بس عندها خلاها تقفل على نفسها و لحد دلوقتي خلود زعلانة على سنين عمرها اللي كانت المفروض أنها أحلى سنين في الجامعة، بس كدا اتحسنت كتير، كانت الأول بتسرح و تعيط و يصعب عليها نفسها، حاولنا معاها لحد ما خرجت من اللي هي فيه، ماهو أنا أم و كان صعب عليا أشوف بناتي الاتنين بيضيع منهم عمرهم في الحزن"

تهدج صوتها و ظهر أثر البكاء، بينما "عمار" اقترب منها يمسك كفها مربتًا عليه ثم قال بثباتٍ:

"و بنتك متربية أحسن تربية و أنا أتشرف بيها طول عمري، و إن شاء الله أي حاجة وحشة أنا هخليها تنساها، أنا مش عاوز غير أنها تكون فرحانة و هي معايا و دا أنا بفضل ربنا هقدر عليه إن شاء الله، متقلقيش"

هزت رأسها موافقةً ثم قالت بصوتٍ باكٍ:
"هي خايفة منك أو يمكن خايفة من الأيام ولسه مش عارفة تطمن، بس عاوزاك تكون هادي معاها، خلود طيبة و قلبها أبيض رغم انها عنيدة شوية و دماغها ناشفة بس كل دا وراه خلود قلبها أبيض زي العيل الصغير"

حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"لو هي عنيدة و دماغها ناشفة فأنا أعند منها بمراحل و مبعرفش اتخلى عن حاجة عاوزها و أنا عاوز خلود تكون فرحانة، دا حقها عليا، اتطمني"

ربتت على كتفه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

"و أنا واثقة فيك يابني"

تحركت بعد جملتها تلك بعدما أستأذنته بالرحيل بينما هو وافق مُرحبًا و هو يتابع تحركها من أمامه و في قرارة نفسه عزم النية على استعادة ثقتها.
_________________________

في صباح اليوم التالي تجهز "ياسين" حتى يذهب لعمله ثم دلف غرفة "خديجة" و قد فتحت له "نغم" الباب و هي تقول بحماسٍ:

"صباح الخير يا بابا"

اقترب منها يقبلها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"صباح الخير يا عيون بابا فين ماما و فين جاسمين ؟؟"

اقتربت منه "خديجة" و هي تقول بنبرةٍ هادئة وفي يدها سجادة الصلاة:
"كنت بصلي الضحى، نازل دلوقتي ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"آه و هحاول أجي بدري إن شاء الله، مش ورايا حاجات كتير، عاوزين حاجة و أنا جاي ؟!"

حركت رأسها نفيًا و هي تبتسم له فقالت "نغم" بحماسٍ:

"آه....عاوزة أشرب عصير قصب"

قلب عيناه يفكر في مطلبها ثم تنهد بعمقٍ و قال مقترحًا:
"ماهو صعب أجيب و أنا جاي هنا، إحنا مروحين النهاردة و إحنا ماشيين هجيبلك اللي أنتِ عاوزاه"

صفقت بكفيها معًا ثم قفزت بمرحٍ و في تلك اللحظة فُتح باب الغرفة لتطل منه "جاسمين" و هي تقول بتبرمٍ و ضيقٍ:

"هو انتم هنا من غيري ؟! مخبطش عليا ليه لما صحيت ؟"

زفر "ياسين" بقلة حيلة ثم قال:
"هخبط إزاي و فيه ناس معاكِ في الأوضة، أنتِ قليلة ذوق أنا مش زيك يا ستي"

اقتربت منه تمسك يده و هي تقول بلهفةٍ:
"هاتلي حاجة حلوة كتير و أنتَ جاي بقى و هاتلي معاك أي لعبة، و هاتلي شوكلاتة"

حرك رأسه نفيًا فاقتربت تقول بدلالٍ تستعطفه كعادتها:

"بابا هو مش أنتَ بتحبني ؟"

ابتسمت "خديجة" و كذلك "نغم" بينما هو حرك رأسه نفيًا بجمودٍ جعلها تشهق بقوةٍ ثم سألته بصوتٍ مستنكرٍ:

"يلهوي ؟؟ مش بتحبني ؟!"

حملها على ذراعيه ثم قال بنبرةٍ لعوبة تدل على خبثه في حديثه:

"لأ مش بحبك.....أنا بموت فيكِ"

صفقت بكفيها معًا ثم احتضنته و قامت بإخراج لسانها تعاند "خديجة" و "نـغم" التي قالت بضجرٍ:

"يلهوي على الرخامة، كيادة"

راقصت "جاسمين" حاجبيها لها بينما "ياسين" تركها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"مش هنبه أني مش عاوز شقاوة و مش عاوز عفرتة يا جاسمين و يزن معاكِ، و هكلم ماما لو قالتلي سكتت هجيبلك اللي عاوزاه، غير كدا لأ، مفهوم ؟؟"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت بحماسٍ:

"مفهوم يا روح قلبي"

حرك رأسه بيأسٍ منها ثم خرج من الغرفة بعدما أخذ حقيبته بينما هي ركضت نحو "خديجة" و هي تقول بتوسلٍ:

"ماما !! أنا جعانة أوي يلا علشان نفطر"

سألتها "نـغم" ببلاهةٍ:
"هو أنتِ قولتي برة إنك جعانة ؟"

حركت رأسها نفيًا بسرعةٍ كبرى و أضافت بلهفةٍ يشوبها القلق:

"لأ والله مقولتش أني جعانة"

تنهدت كلتاهما براحةٍ فأضافت هي بنبرةٍ ضاحكة:

"أنا قولت إن كلنا جعانين و خليت جدو طـه ينزل يجيب فطار و جابلي حاجة حلوة معاه"

في الخارج تقابل "ياسين" مع "يزن" و "عمار" و هما يحملان الأطباق سويًا نحو الطاولةِ، بينما و خلفهما "خلود" و "طـه".

رمقهم "ياسين" متعجبًا من حالة النشاط تلك، فسألهم:
"ما شاء الله على الهِمة و النشاط دا كله، صاحيين بدري كلكم كدا"

ردت عليه "خلود" بضجرٍ:
"علشان حتة بت ميدالية جعانة، قلبت نظام البيت كله، عاوزة أفطر يا جدو، جعانين يا جدو، أنا مالي، يصحوني بدري علشان الطعمية سخنة ليه ؟!"

تحدث "طـه" مُحتجًا عليها:
"طلباتهم أوامر بطلي أنتِ نفسنة منها و اكبري"

ردت عليه بتبرمٍ:
"متدافعش عنها، أنتَ أبويا أنا مش أبوها هي، متعصبونيش"

أتت "جاسمين" من الخلف و هي تقول بسخريةٍ:
"و نمتي في حضني ليه بقى؟"

_"علشان أنتِ اللي حشرتي نفسك و نمتي غصب عني"

_"عادي دا بيت جدو مش بيتك"

هكذا دار الحوار بينهما حتى أوشكت "خلود" على الاقتراب منها لكن "عمار" دون ذلك فقالت "خلود" بضجرٍ:

"يا بت بطلي بجاحة، يخربيت بجاحتك يا شيخة"

تحدثت "زينب" بقلة حيلة:
"خلاص بقى منك ليها !! اكبري يا خلود بتعملي عقلك بعقلها ؟!"

ردت عليها بحنقٍ:
"و هي متكبرش عقلها لعقلي ليه"

طُرق باب الشقة في تلك اللحظة فانسحب "ياسين" يفتحه و هو يضحك بيأسٍ حتى رحب بالطارق و هو يقول:

"آهلًا آهلًا حج مرتضى، دا إيه الصباح اللي كله خير و بركة دا"

احتضنه "مرتضى" و هو يرحب به ثم دلف للشقة و هو يلقى التحية على الموجودين بأكملهم حتى ركضت "جاسمين" نحوه و هي تصرخ باسمه فحملها بين ذراعيه و هو يقول بشوقٍ:

"ياربي على الطعامة، حبيبة مرتضى و روح قلب مرتضى"

ضحكوا جميعًا عليهما فيما سأله "طـه" بتعجبٍ من تواجده:

"أنتَ بتعمل هنا إيه ؟! مروحتش الشغل يا مرتضى ؟!"

رد عليه ببساطةٍ:
"آه مروحتش الشغل، اشمعنا أنتَ و محمد متروحوش يعني ؟!"

رد عليه بجمودٍ:
"علشان عيالنا هنا، هنروح ازاي"

تحدث "مرتضى" بتهكمٍ:
"يا ســلام ؟! يعني علشان عيالكم هنا أشيل الطين أنا، و بعدين أنتَ هتعايرني يعني ؟! أفرض أنا عقيم مبخلفش، هتعايرني بخلفتك يعني ؟!"

ضحك الجميع على حديثه بينما "طـه" ضرب كفيه ببعضهما، أما "مرتضى" فأخرج من جيب سترته الرياضية حقيبة بلاستيكية صغيرة ثم قال لتلك الدُمية:

"بصي !! الشيكولاتة دي بتاعتك أنتِ و أخواتك هديها لماما علشان مش ضامنك بصراحة يعني، ماشي ؟!"

حركت رأسها موافقةً بينما هو مد يده بالحقيبة لـ "خديجة" التي أتت من الداخل تبتسم له.

بعد مرور بعض الوقت هدأت الأوضاع قليلًا و تناولوا الفطور مع بعضهم وسط مرح الصغار و مشاكسة الكِبار لهم و "خديجة" التي تضحك بيأسٍ بين الحين و الآخر على أفعال هؤلاء الصِغار.
_________________________

رحل "ياسين" لعمله و ظل باقي أفراد الأسرة مع بعضهم يقومون بالتحضير لوجبة الغداء، بينما جلس "عمار" وسط الصغار الثلاثة في الشرفة يلعب معهم و هو يقوم ببناء الأشكال المختلفة بالمكعبات البلاستيكية و يلتقط لهم الصور برفقة تلك الأشياء.

اقتربت منه "نـغم" تقترح بلهفةٍ:
"عمار تيجي نلعب كلنا استغماية، يعني احنا نغمض عيونك و أنتَ تجري ورانا و اللي تمسكه يكون عليه الدور، إيه رأيك ؟!"

رد عليها بنفس الحماس:
"موافق طبعًا، يلا بينا"

في تلك اللحظة دلفت "خلود" لهم بتعبٍ و هي تزفر فوجدتهم يستعدون للعب، حينها سألتهم بتعجبٍ:

"انتم بتعملوا إيه ؟! نازلين؟!"

رد عليها "يزن" باستمتاعٍ:
"هنلعب استغماية كلنا و عمار هو اللي فيها، تلعبي معانا ؟!"

حركت رأسها موافقةً فقال "عمار" مقترحًا:
"لو هتلعب يبقى بشرط، هي اللي فيها و تجري ورانا لحد ما تمسكنا"

وافق الصغار بمرحٍ بينما هي وافقت على مضضٍ حتى لا تُفسد فرحتهم، فاقترب منها "عمار" يقوم بتغطية عيناها بحجابٍ من البيت، ثم تفرقوا جميعهم و خرجت هي تبحث عنهم في حدود صالة البيت و الشرفة، و قد سبق "عمار" و أمرهم بالتخبئة في مكانٍ أخر و لم يبقى سواهما فقط.

بدأت "خلود" رحلة البحث عنهم و بدأت تُنادي عليهم بصوتها و هي تتفحص المكان و حينما طال ذكرها لهم كل ذلك كان يراقبه "عمار" حتى أوشكت على الاصطدام في الطاولة و قبل أن ترتمي عليها بثقل جسدها اقترب هو يقف بينها و بين الطاولة فقالت هي براحةٍ:

"كنت عارفة إنك هتلحقني لو حصل و اتخبطت، أنا ناسية حوار الترابيزة دي"

قام هو بتحرير عيناها من الحجاب الموضوع عليها ثم قال بنبرةٍ هادئة و صوتٍ رخيم:

"و دا اللي عاوزك تتأكدي منه، أني مش هسيبك تتأذي أو أي حاجة تحصلك، أنا موجود علشانك أنتِ"

سألته بلهفةٍ:
"لحد أمتى طيب ؟! أنا بخاف"

_"لحد أخر نفس فيا"

ابتسمت له ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"يا رب نفضل سوا لحد أخر نفس يا عمار، يا رب أنتَ تفضل معايا طول العمر اللي الجاي"

رفع كفه يمسح على وجنتها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"اللي فات خلص و راح لحاله، إحنا كلنا ولاد النهاردة، نقدر نغير حياتنا و نبدأ من جديد كأن صفحاتنا متكتبش فيها أي حاجة قبل كدا، أوعي تخافي تبدأي من جديد، علشان وارد إن الجديد دا يكون افضل ١٠٠ مرة من اللي فات و انتهى"

ردت عليه هي بلهفةٍ تقاطع استرسال حديثه:
"صعب....صعب يا عمار... أنا مبعرفش انسى أي حاجة تزعلني"

_"هتنسي لما تتأكدي ان اللي جاي يستحق منك المحاولة"

قال حديثه بنفس النبرة الناعمة التي جعلتها تبتسم له ثم قالت:

"طب هتساعدني أنسى؟! أو على الأقل تدعمني يعني ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"أنا قولتلك....أنا يا سكر العمر أشيلك العُـمر كله بين جفوني"

تنفست بعمقٍ ثم اقتربت منه تقول بنبرةٍ هامسة:
"و الله ما فيه حاجة عِدلة في العمر دا غيرك أنتَ و قلبك"

نظر لها بتعجبٍ و البسمة البلهاء تُهدد بالفضح في نظراته فيما غمزت له و هي تقول بمراوغةٍ:

"عــم الـعَـالَـم"

رمش "عمار" ببلاهةٍ فيما قبلته هي على وجنته ثم دلفت للداخل حتى رفع هو صوته قائلًا بمشاكسىةٍ:
"خليكِ فاكرة أنتِ اللي بدأتي..ها"
_________________________

في المساء بعدما عاد "ياسين" من عمله و تناولوا الطعام سويًا بأسرة "طـه" بأكملها و معهم "سلمى" أيضًا قرر الرحيل بأسرته مُتحججًا بحضانة الصِغار حتى سمحوا لهم بالرحيل و كذلك "عمار" متحججًا بعمله فرحل هو الأخر بزوجته بينما "أحمد" ظل مع والديه بأسرته.

أوقف "ياسين" السيارة بعد مدة من القيادة عند أكثر الأماكن المفضلة لديه و لدى زوجته و أولادهم أمام النيل مباشرةً بجوار عربة عصير القصب التي داوم على ارتشافه منذ صغره.

اقترب منه العامل يضع العصير أمامهم و هو يقول بنبرةٍ مرحة:
"نورت الدنيا يا بشمهندس ياسين، و الكتاكيت الصغيرين كمان، متبقاش تتأخر علينا بقى"

رد عليه بمرحٍ:
"عيني يا حمادة، بس أنتَ عارف الدنيا تلاهي و كل واحد في دنيته، بس هعملك زيارة أسبوعية، أوضة الاجتماعات مش أحسن منك في حاجة يعني"

رحل العامل من المكان بينما قالت "نـغم" بفرحة الطفلة الصغيرة:
"بابا شكرًا علشان جيبتلي العصير اللي بحبه، أنا بحبك اوي اوي"

قبل أن يرد عليها قالت "جاسمين" باستخفافٍ:
"يا عبيطة هو حد بيشكر باباه ؟! خالو وليد قالي شكرًا دي بنقولها للغريب، إنما بابا و أي حد قريبنا عادي ناخد منهم"

رد عليها "ياسين" بضجرٍ:
"طب خالو وليد بتاعكم دا فاهم التربية غلط، أنا ذنب أمي إيه يكون دا انتاجي يعني ؟!"

تدخل "يزن" يقول بحيرةٍ:
"بس ماما قالت شكرًا دي نقولها لكل الناس، حتى لو لبابا أو ماما و أنا بحب اسمع كلام ماما"

ردت "خديجة" بسخريةٍ:
"اقسم بالله هيجيلكم تضارب في التربية كدا، أنا ابني و وليد يهد، ربنا يسترها عليكم"

نطقت "جاسمين" بمعاندةٍ:
"أنا كدا كدا بسمع كلام خالو وليد"

نظر "ياسين" و "خديجة" لبعضهما بيأسٍ فسألتهما "نغم" بحماسٍ:

"بابا هو أنتَ بتيجي هنا من امتى ؟! جدو رياض قال إنك بتيجي هنا من زمان، كنت قد إيه؟"

تنهد بعمقٍ ثم قال مبتسمًا:
"من و أنا في ثانوي كدا، باجي هنا من زمان و بعدها جيبت عمامك معايا، بعدها ماما"

سألته "جاسمين" بتعجبٍ:
"ماما جت معاك في ثانوي ؟!"

ضحكت "خديجة" بيأسٍ فيما عض "ياسين" شفته السفلى ثم قال بتهكمٍ:
"هتلبسيني مصيبة أنا و أمك ؟! جيبتها في ثانوي منين أنا ؟! جيبتها لما كتبت كتابي و بقت مراتي، اتنيلي"

حركت رأسها موافقةً فقال هو:
"وبس من ساعتها و أنا لما باجي هنا بجيب ماما معايا لحد ما ربنا كرمني بــ نغم و بقينا نيجي احنا التلاتة، و بعدها جه يزن و ساحب في أيده الدمية الصغيرة و بقينا بنيجي إحنا الخمسة، و كأن المكان دا غلاوته في قلبي مش مكتوبلها تقل أبدًا"

تحدثت "جاسمين" بضجرٍ:
"دُمية ؟! أنا دمية ؟! بابا هو أنتَ ليه علطول مقتصتسـ....مقطصـ..إيه قول معايا كدا اسمها إيه ؟!"

سألته حينما فشلت في العثور على الكلمة بينما هو قال بنفس التهكم و قلة الحيلة:

"يا بنت الحلال فيه كلام سهل، بتصعبيها على أمي ليه ؟! بستقصدك، دا قصدك يعني ؟!"

ردت عليه بحماسٍ بعدما أشارت له بسبابتها:

"أيوا صح هي دي برافو عليك، شاطر"

ضحكت "خديجة" بيأسٍ حتى أدمعت عينيها، و كذلك البقية بينما قال "يزن" مقترحًا بعدما ضحك هو الأخر:

"يلا نتصور أحسن، إيه رأيكم؟"

أخرج "ياسين" هاتفه و هو يبتسم لهم ثم شرع في التقاط الصور لهم سويًا، على الرغم من اختلاف شخصياتهم و تنوعها إلا أن الحب داخل قلوبهم يجعلهم في أوجٍ من سعادتهم و خصيصًا "خديجة" و معها "ياسين".
_________________________

بعد مرور ثلاثة أيام من ذلك اليوم وقف "يونس" في غرفته يمسك حقيبة ظهره يضع بها عدة أشياء حتى دلفت شقيقته و هي تسأله بتذمرٍ:

"يا يونس هو أنتَ جيبت الحاجات دي ليه ؟! مش هتقولي بقى ؟! هتاخد كل حاجة لوحدك من غيري ؟!"

ابتسم لها ثم قال مفسرًا:
"دي حاجات واخدها علشان نفرح الناس بيها، يعني شوكلاتة صغيرة و معاها الاسورة دي يفضلوا فاكرينا بيها، و متخافيش هخليكِ أنتِ و نغم تدوا الستات و أكيد جاسمين معاكم"

قفزت بفرحةٍ و هي تُظهر حماسها أمامه بينما "ريهام" دلفت لهما و هي تقول على عجالةٍ:

"يلا علشان بابا ينزلكم معاه خديجة مستنية تحت، خلصتوا ؟!"

تحركا سويًا نحو الخارج حتى تقابلا مع "خالد" الذي أخذهما ثم ودع زوجته متجهًا بهما للأسفل.

في الأسفل وقفت "خديجة" مع الحشد بجوار سائق الميكروباص و "ياسين" بجوارها أيضًا يمسك صغاره، فنزل البقية مع بعضهم يتقدمهم "عامر" و هو يرتدي ملابس عصرية على عكس الرسمية التي يرتديها في عمله دومًا، فسأله "ياسين" بتعجبٍ:

"إيه دا ؟! أنتَ لابس جينز ليه، هتروح شغلك كدا يا عامر ؟!"

حرك رأسه نفيًا و هو يبتسم له ثم قال موضحًا:
"لأ هروح مع المدام خديجة و واخد أجازة علشان اليوم كله هقضيه هناك"

نظرت له "خديجة" بتعجبٍ بينما "وليد" أوقف سيارته بجوارهم و نزل منها مع الصغار يقترب منهم و هو يبتسم لهم و قد لحقه "حسن" بسيارته و نزل منها برفقة صغاره، فقال "ياسين" بتعجبٍ:

"هي الرجالة دي مورهاش حاجة ولا إيه ؟! على فين العزم يا شباب إن شاء الله"

قال "وليد" بمعاندةٍ:
"رايحين مع أختي علشان إحنا عالم فاضية زي ما عموري قال كدا، مش كدا يا عموري ؟!"

_"كدا يا ليدو"
قالها "عامر" بنفس المعاندة، بينما "خالد" قال بضجرٍ:

"أنا مش فايق لهبلكم دا على الصبح، خدوا العيال معاكم أهيه، و سلام علشان ورايا شغل"

رحل "خالد" من المكان، بينما "حسن" تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:

"أنا معرفش أنا دوري معاكم إيه، بس الاستاذ عامر قالي أجيب الكاميرا و أجي و اخدلي إذن من صحاب الشغل كمان، فلو حد يقولي دوري إيه هكون شاكر ليكم جدًا"

ضحكوا عليه جميعًا فيما قال "ياسين" بقلقٍ واضحٍ:
"هي فيها عامر ؟! لأ خير إن شاء الله يا رجالة، أنا كدا تفائلت، على العموم تحسبًا لأي حاجة أنا هكلم أبويا"

سألته "خديجة" بلهفةٍ:
"برضه مش هينفع تيجي ؟! كنت عاوزاك تكون معايا أوي"

رد عليها معتذرًا بقلة حيلة:
"ماهو لو كان يوم عادي و أنا عامل حسابي كنت خلصت كل حاجة قبلها، بس أنا مش هخلص غير بليل للأسف و حاولت أخد إجازة بس هما مضيقينها عليا"

حركت رأسها بتفهمٍ ثم اقتربت تأخذ الصغار معها تدخلهم في الحافلة الكبيرة و صعد معها الرجال، بينما "وليد" قال يطمئنه:

"احنا معاها متخافش، كل حاجة هتكون كويسة يا ياسين و اليوم هيمشي زي الفل"

حرك رأسه موافقًا ثم انتظر حتى رحلت الحافلة بهم من المكان بينما هو ركب سيارته ثم ذهب لعمله.
_________________________

توقفت الحافلة أمام مقر الجمعية المسئولة بها "خديجة" و قد كان "وليد" هو متولي الحماية لهم جميعًا و على النقيض تمامًا "عامر" حيث تولى مهمة المرح للكبار قبل الصغار و هذا ما لم يُوضع بالحسبان، ولم يتوقعه أيًا منهم، أما "حسن" فهو مسئول التصوير الخاص باليوم.

بعد دخولهم المكان تحدثت "خديجة" بلهفةٍ تسأل "وليد":
"وليد عملتلي الحاجة اللي طلبتها منك ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف مفسرًا:
"عملتها احسن من اللي طلبتيها كمان، تعالي بس ندخل و هتشوفي بنفسك"

دلفوا الغرفة جميعهم يقومون بتجهيز ما تم إحضاره فاقترب "يونس" منهم يخرج كيس الحلوى من حقيبته و هو يقول بودٍ:

"دي شوكلاتة و حاجات أنا جيبتها بس خدت الفلوس من بابا بصراحة، علشان هما بيفرحوا بالحاجات دي أوي، حلوة ؟!"

اقترب منه "حسن" يقول بمرحٍ:
"حلوة ؟! أنتَ ابن خالد ازاي نفسي افهم ؟"

تدخل "عامر" يقول بزهوٍ:
"لأ ماهو تربيتي و تربية الأفاضل"

دلف الشاب المسئول عن المكان و هو يقول بعدما رحب بهم:
"أستاذة خديجة لو فيه حد جاهز علشان يصور الناس للاستقبال ياريت يتفضل"

اقترب منه "حسن" و هو يبتسم له ثم غمز له و أشار على الكاميرا فركضت "فاطيما" نحوه و هي تسحب "جاسمين" معها ثم قالت بحماسٍ:

"هنيجي معاك و نتصور معاهم"

حرك رأسه موافقًا قاقترب منهم "يونس" يعطيهم بعض الحلويات و الاساور القماشية و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"كل واحد واحدة شوكلاتة و إسورة من دي، متلغبطوش"

رحل بهم "حسن" نحو الخارج ز خلفه "وليد" بالبقية و معهم "عامر" و ظل بجوار "خديجة" "زياد" بمفرده و معه الحقيبة الخاصة بما قام والده بصنعه، سألته "خديجة" بمرحٍ:

"هتفضل راهن الحاجة دي كدا كتير يعني ؟! هاخدها أمتى يا زياد ؟! بعدين قاعد معايا ليه ؟! اطلع جهز معاهم الحاجة برة"

رد عليها مفسرًا:
"ماهو بصراحة أنا بحب اقعد معاكِ، هساعدك هنا و أنتِ بتجهزي الحاجة، هما برة كتير و بابا و عمو عامر و عمو حسن معاهم، و أستاذ محمود دا كمان، هتفضلي لوحدك يعني ؟!"

ابتسمت له ثم داعبت خصلاته و هي تقول بحماسٍ:
"لو الحب بيتورث أنتَ أكيد ورثت حب أبوك و طريقته معايا، هو برضه كان بيحب يكون معايا"

قام بفتح الحقيبة بعد حديثها و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"ومازن كمان على فكرة، بصي عملوا علشانك إيه، عملوا حاجات حلوة أوي و ماما كانت معاهم"

قام بإخراج القلوب المطوية من الحقيبة يعرضها عليها و هي تتابعه بشغفٍ و حبٍ بينما قال هو بمشاكسىةٍ:

"بابا قال إن اللي بيتعمل بالحب حتى لو بسيط بيدخل القلب علطول من غير استئذان علشان كدا هما عملوا الحاجات الحلوة دي، المهم إنك تكوني فرحانة"

احتضنته "خديجة" و هي تربت على ظهره و رأسه و البسمة الصافية ترتسم على ثُغرها، و قبل أن تندمج اكثر في شرودها لفت انتباهها صوت الطرق بالخارج أشبه بالعزف !! عقدت ما بين حاجبيها و سرعان ما شهقت و هي تقول بفزعٍ:

"يلهوي دا عامر برة !!"

ركضت نحو الخارج و خلفها "زياد" و هو يضحك و حينما وصلا للخارج وجدا "عامر" يطرق على الدُف مُرحبًا بكبار السن و معه الصغار أيضًا يرقصون و يمرحون لينشر البهجة في خلال ثوانٍ قليلة و "حسن" يلتقط لهم الصور من مختلف الزوايا.

رمشت "خديجة" ببلاهةٍ و هي ترى ما خططت له ضُرب عرض الحائط لذا قالت بتمني:

"فينك يا ياسين، ياريتك كنت هنا و كملت اليوم معايا على الأقل تفهمني دا حلو و لا وحش اللي بيحصل دا"

شعرت برائحته خلفها فالتفتت له و سرعان ما شهقت بفرحةٍ حينما وقع بصرها عليه لتسأله بلهفةٍ:

"أنتَ جيت بجد ؟! مش تهيؤات"

ابتسم لها و هو يقول بصوتٍ رخيمٍ:

"لكل مَرءٍ مَوطِنَهُ و أنا بدونِ عَيناكِ غريبًا"

رمشت ببلاهةٍ فيما غمز هو ثم قال لها بمرحٍ كعادته:

"خلاص يا ست الكل طالما سكتي يبقى كدا اتثبتي"

تعليقات



×