رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والتسعون97 بقلم شمس بكرى

رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السابع والتسعون بقلم شمس بكرى


_و كأن النهايات توضع و الحُبر شارف على الانتهاء و كذلك أوشكت الصفحات على الالتصاق ببعضها بعد نهاية تلك القصة، و لكن تعلم يا عزيزي أن كل نهاية هي بداية الشيء الجديد، يشبه الأمر مقطوعة موسيقية كلما أنهيت العزف على وترٍ ينهي تلك المقطوعة، تنتقل أناملك لوترٍ أخر يُعيد المقطوعة من جديد بنغماتٍ  أجدد، لذا هي معًا لنرىٰ بداية ما بعد النهاية.

         ***************

"قلبي بحدثني بأنكَ مُتلفي....و أنا طالبٌ من عينيكِ بالوعود أن تفي...."
أخرج تنهيدة حارة من جوفه، ثم تابع من جديد:
"فيه وعد عينك قطعته على نفسها من ٨ سنين إنها تكون ليا.... و أنا عبد مسكين عاش على الأمل دا، طمني قلبي يا خلود إن عيونك صانت العهد و هتوفي بالوعد"

كان يحتضنها بنظراته و يشملها كليًا ينتظر منها الجواب، و للحق لم يكن جوابًا فقط، انما هو الحرية لـ سجينٌ عاش مُكبل الذراعين وسط غرفة مظلمة رآى فيها ثُقبًا في أحد جدرانها، كان هو الأمل لمدخل نورٍ ينير ظلماتٍ تقبع في ثنايا روحه.

لم ترد عليه و لم تهرب و لم يظهر عليها أية ما يُطمئن قلبه، فقط ارتمت عليه تُحاوط عنقه بذراعيها معًا و قالت بنبرةٍ باكية:

"سامحني....سامحني علشان ظلمتك، عمار......أنا بحبك....بحبك أوي كمان".

إن كانت للكلمات دلالةً تتناسب مع الشعور، فها هو الأسير حُرر من إعتقاله ببعض الحروف التي شكلت الحياة في نظره، كم غريبة تلك الدنيا، و كم ضعيف المرء، فهل يعقل أن بعض الحروف الأبجدية إذا اقترنت ببعضها، كانت مثل النور لما عاش في غياهب الظلام ؟.

ارتخى ذراعيه بجانبه و وقف مصدومًا من طريقتها و نبرتها و احتضانها له بتلك الطريقة و كأن للعناق في تلك الأوقات مذاقه الخاص، فيما قالت هي ببكاءٍ:

"أنا كنت عارفة إنك هتستنى و كنت عارفة إنك مش هتزهق، عقلي كان بيحذرني منك، بس قلبي والله أمن و صدق بيك إنك مستحيل تزهق و تخلف بوعدك معايا، أنا غصب عني بحبك حتى من غير ما أحس بدا، مش أنتَ لوحدك اللي استنيت والله، أنا كمان زيك، كل يوم كنت بستناك تيجي و كل يوم كنت بقنع عقلي إنك مزهقتش"

سألها هو بنبرةٍ يغلفها التعجب و الدهشة معًا:
"طب أنتِ بتعيطي كدا ليه طيب؟!"

ردت عليه بنبرةٍ باكية:
"علشان بحبك يا عمار...."

ضمها هو له بقوةٍ و هو يحرر أنفاسه براحةٍ كبرى، ثم قال بصوته الرخيم و هو يتحدث بنبرةٍ هادئة:
"أنتِ حييتي عمار من تاني يا خلود.... بس أنا أضعف من أني أغضب ربنا في علاقة محرمة تضيعك مني، قلبي أضعف من أنه يضيعك منك، أنا سيبتك و أنا موكل أمري لربنا يحفظك ليا لحد ما أقدر اخدك من الدنيا كلها و تكوني ليا، الراجل بجد هو اللي يخاف على اللي بيحبها من إنها تشيل ذنب واحد بسببه، كان ممكن احبك و اكلمك و اتواصل معاكِ بس كل دا نهايته كانت مش هترضينا سوا، دي علاقات بدون روابط شرعية بتكسر القلوب و علشان كدا ربنا حرمها"

ابتسمت هي بفرحةٍ تشكلت على مُحياها ببراءةٍ تشبه براءة الأطفال، فيما مسح هو دموعها و قال بصوته الرخيم:
"شكرًا إنك خيبتي ظن عقلي"

احتضنته هي تلك المرة تتشبث به فابتسم هو بسعادةٍ بالغة ثم قال بسخريةٍ:
"دلوقتي بس عرفت كتب الكتاب حلو ليه، ماهو تسع سنين مش شوية برضه علشان الحضن ميكونش حلو كدا"

ابتعدت عنه بسرعةٍ و هي تردد بحنقٍ:
"إيه دا !!! أنتَ طلعت قليل الأدب يا عمار ؟؟"

حرك رأسه مستنكرًا قولها ثم أضاف بسخريةٍ:
"و هو فيه راجل مش قليل الأدب يا خلود ؟!"

ردت عليه بسرعةٍ كبرى:
"أنا كنت فاكرة إنك مؤدب"

رد عليها هو مُسرعًا:
"طب ماهو أنا كنت مؤدب علشان أنتِ مش من حقي، دلوقتي أنتِ مراتي، يعني براحتي، بعدين أنتِ اللي كلبشتي فيا زي الحديد في المغناطيس، أنا مالي"

وكزته في مرفقه بغيظٍ فقال هو بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص يا ستي قلبك أبيض بقى، تعالي علشان تشوفي المفاجأة اللي محضرها"

عقدت ما بين حاجبيها فيما اقترب هو من طاولة الطعام يكشف الطعام بعدما رفع الغطاء المعدني، حينها شهقت هي ببلاهةٍ و فرغ فاهها بينما هو غمز لها بثقةٍ، اقتربت هي منه بلهفةٍ فرأت العديد من طعامها المفضل "الشاورما" قام هو بوضع الشطائر متراصةٍ بجانب بعضها أفقيًا و يربطهم ببعضهم شريط احمر يتوسطه رابطة رقيقة و في المنتصف طبق المقبلات السورية "الثومية" و أطباق البطاطس المقلية بجوارها، اعتدل في وقفته و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:

"ساندويتشات شاورما و كتر التومية.....كدا جمعتلك كل اللي بتحبيه في مكان واحد أنا و الشاورما و التومية"
_________________________

في بيت آلـ"الرشيد" فوق السطح تحديدًا كانت الجلسة يسودها المرح و المزاح بكثرة عدد الأطفال، و خاصةً فيتات "طارق" الثلاثة و مزاحهن معه و مع البقية، فقال "وليد" بسخريةٍ:

"خير يا طارق، مش كل سنتين تجيب بنت، بقالك سنتين اهوه، عاوزين الرابعة بقى إن شاء الله"

رد عليه "طارق" بضجرٍ:
"أنتَ مالك يا تنح !! الحمد لله ربنا عالم أني مليش في تربية الولاد، علشان كدا رزقني ب ٣ ملايكة"

سألته "رؤى" بلهفةٍ:
"بجد !! أنا ملاك يا بابا ؟!"

حرك رأسه موافقًا بشدة فسألته "روزي" بغضبٍ:
"طب و أنا ؟!"

رد عليها مسرعًا:
"أحلى ملاك في الدنيا كلها"

نظر للصغيرة التي في عامها الثاني تجلس على قدم والدتها، فقبلها ثم حلمها من زوجته و هو يقول بسخريةٍ:

"مش هتفهميني طبعًا يا روشان بس أنتِ أحلى حاجة في الدنيا"

سأله "أحمد" بسخريةٍ:
"إيه الاسامي دي ؟! أيه و أميرة و أسماء و إسراء قصروا معاك في إيه مش فاهم ؟!"

تحدث "عامر" في تلك اللحظة بسخريةٍ تمتزج بالتهكم:
"جرى إيه يا أبو ليلى ؟؟ اللي يسمعك يقول مسمي شيماء، اتوكس"

ضحكوا عليه جميعًا فقال "احمد" مفسرًا:
"أنا بحب الاسامي القديمة أوي، بحب اسم ليلى و فريدة و فريال و فيروز، اسامي رايقة كدا، و إن شاء الله لو سلمى جابت بنت هسميها اسم من دول و لو ولد هيكون "رُحيِّم"

لاحظ "وليد" السهام المبتادلة ما بين "يونس" و "زياد" من خلال نظراتهما الموجهة لبعضهما، فزفر بقوةٍ ثم رفع صوته و هو يقول بنبرةٍ ثابتة:

"طبعًا إحنا في عيد و كل سنة و انتم طيبين، بس مينفعش نكون في عيد و فيه أخوات زعلانين مع بعض، علشان كدا يونس و زياد اتفضلوا قدامي هنا"

اشار باصبعه نحو المنتصف و البقية ينظرون له بتعجبٍ، فقال هو من جديد:
"أنا مش هكرر كلامي تاني، أظن أنكم مش صغيرين، يونس بقى عنده ١٢ سنة و اكتر و زياد قرب يتم ٩ سنين اتفضلوا قدامي"

تبادلا أولًا النظرات الحانقة لبعضهما ثم وقفا حيث أشار "وليد" على مضضٍ و كأنهما مجبران على ذلك، بينما هو قال بثباتٍ:

"طول عمرنا من يوم ما ربنا وصل كل طرقنا ببعض و مفيش واحد فينا زعل من التاني، مفيش حد رفع صوته على التاني، و دايمًا كتف واحد كلنا، هتيجوا انتم و تفرقوا ما بيننا ؟! واحد يعلي صوته التاني يشتمه يروح التاني ضربه ؟! خلاص بقينا بلطجية ؟! يلا صالحوا بعض"

تحدث "زياد" بضجرٍ:
"هو اللي ضربني و عورني في ايدي، و أنا شتمته، الشتيمة مأثرتش بس ضربته في كفي مأثرة، أنا اللي اتأذيت مش هو"

رد عليه "يونس" مسرعًا:
"طب ما أنتَ زقتني و كنت هقع من على السلم، مش أنتَ اللي بدأت !!"

احتدت نبرة كليهما فاقتربت "نـغـم" تقف في منتصفهما و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"خلاص انتم الاتنين، أنا اللي غلطت من الاول علشان خدت لعبة زياد و اديتها ليونس، و أنا أسفة، بس مينفعش يكون حد فينا زعلان من التاني، ماما قالتلي إن اللي بيبدأ بالصلح دايمًا كسبان راحته، صالحوا بعض علشان نرجع نلعب تاني سوا"

نظر لها كليهما فابتسمت هي لهما ثم اقتربت من الطبق الموضوع على الطاولة به الحلوى المُغلفة و قد أخذت اثنتين منهما ثم اقتربت منهما تمد كفيها و هي تبتسم و تقول:

"خدوا حاجة حلوة اهوه و صالحوا بعض يلا، الفرح بكرة"

اقترب "يونس" منها يأخذ الحلوى ثم اقترب من "زياد" و هو يقول بنبرةٍ هادئة و لهجةٍ ثابتة:
"حقك عليا أنا غلطان، بما أني الكبير أكيد لازم أكون هادي عن كدا، و ألف سلامة عليك"

نظر "زياد" لها فوجدها تحرك رأسها له تشجعه و تحثه على الموافقة، فقال "زياد" على مضضٍ:
"محصلش حاجة يا يونس، أنا مش زعلان منك علشان ضربتني، أنا زعلت علشان أنتَ صاحبي، مزعلتش من الموقف بس زعلت من صاحب الموقف"

رد عليه "يونس" بتفهمٍ:
"و صاحب الموقف أهو بيعتذرلك، أنا مش عاوزك تزعل مني و لا نغم كمان، احنا صحاب و مش هينفع نزعل من بعض"

ردت عليه هي بلهفةٍ:
"مش زعلانة منك خلاص، بس وعد إنك مش هتتعصب على حد تاني ؟!"

ابتسم لها بفرحةٍ كبرى ثم قال بوجهٍ مُبتسمٍ:
"وعد مني إن شاء الله"

صفقت بكفيها معًا فيما احتضنه "زياد" ثم قال معتذرًا هو الأخر:
"و أنا كمان مش هتعصب تاني عليك، بس لما أكون بلعب مع نغم متزعلش علشان هي أختي"

حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم قال:
"حاضر، و أنتَ متفضلش تكيد فيا علشان بتلعب معاها و أنا لأ"

رد عليه "مازن"  متدخلًا في الحديث بسخريةٍ و تهكمٍ كما النساء:
"مكانش يتعز يا ضنايا، ازاي نبقى ولاد وليد الرشيد ؟!"

ضحكوا عليه جميعًا فقال "ياسين" بحكمةٍ كعادته:
"زي ما وليد قال كدا، احنا عزوة لبعض، نقف مع بعض في وش الدنيا و نساند الغريب زي القريب طول ما هو محتاجنا، بلاش نستغل قوتنا ضد بعض، المفروض كلنا نكون مع بعض، دا أنتوا ناس حلوة حتى و احنا في عيد و يوم حلو"

أنهى "ياسين" حديثه ليتفاجأ بصوته المرح رغم صغر سِنه و هو يقول:
_إيه اليوم الحلو دااا ... إيه النــاس الحلوة دي ..... إيه اليوم الحلو دااا ..... إيه الناس الحلوة دي"

وقف "عمر" على المقعد يغني تلك الكلمات بمرحٍ فيما تحرك "وليد" نحو مكبر الصوت يرفع صوت الأغاني الشعبية و هو يقول بمرحٍ:

"جدع ياض يا عمر، ابن عامر بصحيح، يلا ياض"

ارتفع صوت الأغنية فيما أمسك "وليد" عصا كبيرة الحجم يرقص بها وسط الأطفال الصغار و كالعادة تطبيقًا لمقولة "جاور جميل الروح تصيبك عدوى جماله" انتشرت الفرحة تعم في الأجواء وسط زغاريد الفتيات و النساء، فيما تحرك "عامر" نحو "طه" يمسك يده و هو يقول بنبرةٍ عالية مرحة:

"ارقص يا عم طه.... يا عم طه يا عم طه"

رقص "طه" وسط الصغار فيما قام معه "مرتضى"  يرقص هو الأخر فقام الشباب بدورهم وسط البقية و كأن سطح عائلة الرشيد يحتفل بعيديْن مع بعضهما.
_________________________

تناولا كليهما الطعام سويًا و هما يتلقطان الصور لهما سويًا و كأنها أصبحت فتاةً أخرى غير التي قابلته، كانت جلستهما سويًا يسودها الود و المحبة و العشق بين حبيبيْن اجتمعا سويًا بعدما كان كما الشتيتان في الصحراء، فأصبحا كما الروح الواحدة تنقسم في جسدين.

بعدها رحلا سويًا يوصلها لبيتها بسعادةٍ بالغة، فأوقف السيارة في مقدمة الشارع الخاص ببيتهم و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"بكرة إن شاء الله أول يوم هنتجمع سوا، كدا أنا ضمنت إنك بتحبيني و إنك كنتي مستنياني"

ابتسمت له ثم قالت بتلقائيةٍ:
"مستنياك من يوم ما عنينا اتلاقوا سوا علشان يعرفوا هيستنوا بعض و لأ، اليوم اللي عنينا قطعت فيه الوعود لبعض أنهم يستنوا بعض"

اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال بصوتٍ رخيم:
"ربنا يقدرني و أسعدك و أعوضك عن كل حاجة و عن الصبر اللي صبرناه سوا يا خلود، رغم إن قلبي راضي بيكي عوض من الدنيا كلها عن كل حاجة"

ابتسمت هي بسعادةٍ ثم اقتربت منه تقبل وجنته بمرحٍ و تلقائيةٍ، فرمش هو ببلاهةٍ ثم قال بخبثٍ بعدما استعاد ثباته:
"طلعتي قليلة الأدب أنتِ كمان ؟! بتبوسيني يا خلود"

حركت رأسها موافقةً ثم غمزت له بعبثٍ و تحركت من السيارة تنزل منها فيما قال هو بنبرةٍ:

"الحمد لله إنه كتب كتاب مش خطوبة بس....عـسـل يا خـوخـة"
رفع صوته و هو ينزل من السيارة و قد وصلها صوت حديثه الضاحك.
نزل من السيارة هو الأخر ثم دلف معها البيت و منه نحو السطح مباشرةً و فور دخولهما رفع "عمر" صوته بصخبٍ و هو يقول:

"الـعــروســة وصـلـت.....الـعـريـس وصــل"

بعد تلك الجملة اقترتب الفتيات الصغيرات من "خلود" يمسكن ايديها و كذلك الصبية مع "عمار" و قد أوقفاهما في المنتصف حتى بدأت "خلود" تتمايل مع الفتيات و كذلك "عمار" رقص مع الشباب و الصبية.

بعد مرور ساعة تقريبًا، وصل "عبدالرحمن" و معه "مريم" و خلفه "رياض" و "ميمي" و بقية العائلة.

زاد الاجتماع فوق السطح و زادت البهجة أكثر حينما تبدلت الأغنية إلى أخرى عن الصداقة فقام "عبدالرحمن" باحتضان "عمار" و قال في أذنه بتأثرٍ و فرحةٍ لصديقه:

"ألف مبروك يا صاحبي، يا طوق نجاتي في الدنيا دي"

مسد "عمار" على ظهره و قال بصوتٍ مختنقٍ من شدة التأثر:
"الله يبارك فيك يا صاحبي، يا هدية ربنا ليا في أيامي"

لمعت العبرات في عين "عبدالرحمن" و كذلك "عمار" فيما رقص الشباب بجانب بعضهم و لكن ما جعل المنظر يزداد بهجةً هو ارتداء الشباب للعباءات البيضاء و يرقصون بها وسط الصغار.

كانت الأجواء سعيدة للغاية بمرحٍ و بهجةٍ جعلت القلوب ترقص فرحًا من فرط بهجتها في المكان و ها اليوم يشهد ذلك البيت سعادةً من نوعٍ أخر و كأنها ليلة الحِنة التي لم يتم التجهيز لها من الأساس.
     ****************
متأسفة طبعا البارت صغير بس كان فيه مناسبة عائلية عندنا و كان المفروض دا الاخير، بس الاخير بكرة إن شاء الله علشان نحضر فرح عمار من غير كروتة.

تعليقات



×