رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السادس والتسعون 96 بقلم شمس بكرى


 

رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السادس والتسعون بقلم شمس بكرى


سَرىٰ طَيفُكِ أمام عَيني من بعيد فخفق قلبي فَرحًا و كأنه يوم عيد.
_________________________
_"و الآن فقط حان الوقت لعينيكِ بالوعود أن تفي، وها أنا حصلت عليك من بعد انتظار طال حتى بكِ من العالم أكتفي، أصبحتُ أتغنى بحروف اسمك كما الغناء، و ذكر اسمك قبل نفسي أتيًا في الدعاء، فأكرمني الله و أهداني ما طلبت و شملني برحمته و أعطاني ما أحببت، فسبحان الله الذي وهبني قلبًا أحب عبيرك المُسكر، وها أنا بكِ من مطالب دنياي أكتفيت"

_الله أكبر كبيرًا و الحمد لله كثيرًا و سبحان الله بُكرةً و أصيلًا....الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر، الله أكبر.. ولله الحمد
الله أكبر كبيرًا، والحمدلله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرة وأصيلا.. لا إله إلا الله، وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مُخلصين له الدين ولو كره الكافرون.. اللهم صلِّ على سيدنا مُحمّد، وعلى آل سيدنا مُحمّد، وعلى أصحاب سيدنا مُحمّد، وعلى أنصار سيدنا مُحمّد، وعلى أزواج سيدنا مُحمّد، وعلى ذُرية سيدنا مُحمّد وسلم تسليمًا كثيرًا.

انتشر صوت التكبيرات في المكبرات و المساجد، و جلس الشباب بأبنائهم خارج المسجد وسط الرجال و كذلك الفتيات في الداخل وسط النساء ينطقون بتكبيرات العيد سُنةً مؤكدة.

كان المنظر بالخارج تملئه البهجة حيث انتشار الناس فَرحين بذلك اليوم و هو بمثابة الهدية التي أعطاها الله للعباد.

في بيت آلـ "الرشيد" في أقرب المساجد للبيت كان الرجال في المسجد و معهم الاطفال الصغار و في الأعلى السيدات و فتيات العائلة يرتدين اسدالات الصلاة الجديدة، كان العيد لهم جميعًا عيدين حيث اقتراب اليوم التالي و هو موعد زفاف أخر فتيات العائلة "خلود".

أنهى "ياسين" و الشباب الصلاة في المسجد ثم اجتمعوا سويًا في هيئةً خطفت الأنظار نحوهم حيث سار الشباب مع بعضهم يرتدون نفس العباءة البيضاء و كذلك الصِبية الصغار يرتدون مثلهم و أكثرهم لُطفًا كان "يزن" بهيئته الصغيرة تلك و هو يسير بجانب والده يمسك كفه.

بعدها توجهوا جميعًا نحو مكان أمانهم الأول شقة "ميمي".

كانت هي جالسةً على المقعد تنتظر قدومهم بفارغ الصبر حتى فُتح الباب و ركض الأطفال نحوها مهللين بفرحٍ، فصفقت هي بكفيها معًا ترحب بهم و بقدومهم نحوها حتى ارتموا عليها جميعًا و هي تضحك بسعادةٍ بالغة رغم كبر عمرها و سنها إلا أنها لازالت كما هي وسطهم و السبب في ذلك الرعاية التي حصلت عليها من الشباب و الفتيات معهم.

اقتربت منها "نـغـم" تقبل رأسها ثم قبلت كفها و قالت برقتها المعتادة:
"كل سنة و أنتِ طيبة يا تيتة، السنة الجاية إن شاء الله تكوني في الحرم، و نروح نوصلك كلنا"

رفعت "ميمي" كفيها و هي تقول بتمني:
"ربنا يكتبهالي تاني، الحمد لله روحت هناك و نفسي أروح تاني"
رد عليها "يونس" مسرعًا:
"إن شاء الله تبقى المرة الجاية، حج مش عمرة بس، و تقفي على جبل عرفات كمان"
سحبته نحوها تقبله ثم ربتت على ظهره، فسألها "عمر" بلهفةٍ:
"فين الترمس يا تيتة ؟! ماما قالتلي إنها عملته و بعتته هنا"

ضحكت بيأسٍ منه فيما قالت "إيمان" بقلة حيلة:
"مفيش فايدة فيك، نسخة منه"
رد عليها "عامر" بزهوٍ:
"طبعًا، مش حبيب أبوه دا ؟!"

أمسكت "ميمي" حافظة نقودها تفتحها و هي تبتسم لهم جميعًا، فيما قال "يزن" بفرحةٍ كبرى:

"الله أكبر يا تيتة، العيدية و حلاوة العيدية"

ارتفعت ضحكات الجميع فيما قال "ياسين" بحنقٍ:
"الواد دا أكيد مش واخد جيناتي، دي جينات خاله"

قامت "ميمي" بإعطائهم العيدية و هي تقبل كلٍ منهم على وجنته و تهنئه بالعيد، ثم قالت بنبرةٍ هادئة:

"كدا خلصنا الاطفال، يلا أمهات الأطفال بقى، اقفوا جنب بعض"

وقفت "ريهام" أولًا و البقية خلفها، فقامت "ميمي" باعطائهن العيدية هن الأخريات بفرحةٍ كبرى، حتى نطق "ياسر" يمازحها:

"يعني أنتِ اديتي العيال و أمهات العيال و أبهات العيال فين ؟ هتاكلي حقنا يا ميمي؟!"

ردت عليه بدهاءٍ:
"هتشتغلني يا ياسر ؟! فين العيدية بتاعتي ؟! هتاكلوها عليا ؟!"

تحدث حينها "عامر" بتهكمٍ:
"أهو اتفضل، هما يضحكوا عليها و ياخدوا عيدية، و هي تاخدها مننا تاني، طب ليه التعب كنا ادناهم احنا و خلاص"

ضحك الجميع عليه، فقام الشباب كلٍ منهم على حدة يقترب منها يعطيها العيدية الخاصة بها كعادتهم منذ ريعان شبابهم أو بالاقرب بداية زهور عمرهم.

قامت "سارة" بإعطاء ابنتها الصغيرة "ريتاج" إلىٰ "عامر" ثم دلفت للداخل قامت بجلب حلويات العيد و كافة أنواع التسالي تضعها أمامهم جميعًا فقالت "إيمان" بصوتٍ عالٍ:

"قبل ما تاكلوا، اقسم بالله لو لقيت قشرة لب واحدة بس على الأرض ولا ورقاية واحدة، هبلعهالكم، الشقة تفضل نضيفة، طلع عنينا فيها"

أيدتها "خديجة" بقولها:
"معاها حق بصراحة، انتوا عيال صعب أوي، مبهدلين الدنيا كلها و خصوصًا جاسمين"

نظرت لها ابنتها بحنقٍ و لم ترد عليها بل ركضت نحو "ياسين" تجلس بجوارها و فعلت مثلها "زينة" هي الأخرى تجلس بجوار والدها، أما "نغم" و "يسر" فجلست كلتاهما بجوار "ميمي"

تابعهم "يونس" بعينيه ثم نظر لـ "ياسين" و "خالد" و بعد تبادل النظرات بينهم اقترب من "زين" يجلسا سويًا على طاولة السفرة بعيدًا عن البقية.

قال "ياسين" حينها بثباتٍ:
"تخلصوا بسرعة علشان هنروح نعيد على اجدادكم و بعدها هنروح البيت عند جدو محمود كلنا، ماشي ؟!"

حركوا رأسهم بموافقةٍ جميعهم بفرحةٍ كبرى، فقام "عامر" باخراج هاتفه و هو يقول بمرحٍ:
"يلا أجمعوا علشان نعمل تيك توك يا عيال، يلا بسرعة"

اقتربوا جميعهم منه فيما وقف هو في مقدمتهم يمسك الهاتف و يقوم بالتقاط الفيديوهات القصيرة لهم بمرحٍ و هو يقف وسطهم و كأنه من عمرهم، لذا أصبح يتمتع بمكانةٍ كبرى وسطهم جميعًا.
_________________________

أسفل بيت آلـ "الرشيد" وقفوا جميعًا أسفل البيت يلتقطون الصور سويًا و يمرحون معًا حتى قام "وليد" و "أحمد" بالركض لهم يمسكون في أيديهم الألعاب النارية و البالونات الملونة فركض نحوهم الصغار و هما يوزعا عليهم الألعاب فقال "وئام" بنبرةٍ ضاحكة:

"تعالوا يلا علشان تاخدوا مني العيدية، قبل ما أنام و أنسى يلا"

ركضوا جميعًا نحو "وئام" الذي أخرج أمواله يوزعها عليهم جميعًا بالتساوي، فقال "وليد" مسرعًا:
"أنا هديكم بس لما عمتكم خديجة تيجي، هي هتروح عند جدو رياض الأول و تيجي هنا، علشان منساش حد بس"

اقتربت منه "خلود" و هي تبتسم له، فنظر لها مبتسمًا ثم غمز لها و وضع يده في جيب عباءته البيضاء ثم أخرج لها ورقة مالية يعطيها لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"عروستنا الحلوة، كل سنة و أنتِ و طيبة، دي ملهاش دعوة بالعيدية، دي مني ليكِ علشان خروجتك اللي كمان شوية دي"

حركت رأسها موافقةً فسألها هو بتعجبٍ من صمتها:
"مالك يا خلود ؟! أنتِ زعلانة ليه ؟!"

زفرت هي بقوةٍ ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ:
"علشان همشي و أسيبكم، مش عاوزة أبعد عنكم و في نفس الوقت أنا متلغبطة أوي"

ربت على رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"عمار طيب و استنى كتير أوي، الواد كان هيروح مننا، أنتِ معاه هتعرفي إن قلب عمار طيب و يشيل الدنيا بحالها كمان"
قبل أن ترد عليه وصل "عمار" أمام البيت و هو يبتسم لهم جميعًا ثم قال بمرحٍ:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كل سنة و انتم طيبين"

ردوا عليه جميعهم بينما هو اقترب من الأولاد يعطيهم العيدية و هو يبتسم لهم حتى وقف أمامها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"صباح الخير يا خلود، كل سنة و أنتِ طيبة يا رب"

ردت عليه بثباتٍ:
"و أنتَ طيب يا عمار"

أخرج العيدية الخاصة بها و هو يبتسم في ظرف لونه أسود و حروف اسمها عليه من الخارج باللون الذهبي، ابتسمت هي بتعجبٍ فيما قال هو مفسرًا:

"دي العيدية بتاعتك، كل سنة و أنتِ طيبة"

نظرت هي في أوجه الجميع ثم مدت يدها تأخذها منه و هي تبتسم باتساعٍ فوجدت بداخل الظرف بطاقة صغيرة الحجم كُتِبَ بداخلها:
"خشيتَ أن أكون في ذلك اليوم وحيدًا، و أكون عن مرمى بصرك بعيدًا، رأيتكِ حالًا كما الهلال في السماء مُضيئًا، و رؤية ضحكتكِ تُحتَسبُ عيدًا".

ابتسمت هي باتساعٍ تحاول تجاهل ضربات قلبها المرتفعة بصخبٍ حتى رفعت عينيها تنظر له و هي تبتسم باتساعٍ فغمز لها بعبثٍ ثم اقترب منها يقول بنبرةٍ هادئة:

"الكل مشغول في العيد و أنا ضحكتك عندي بالعيد"

حاولت كتم ضحكتها فقال هو بنفس الهدوء:
"أنا همشي دلوقتي و أجيلك بليل علشان هنروح مشوار سوا، تجهزي بدري علشان مش هستنى كتير"

حركت كتفيها بتعالٍ و هي تقول:
"مش راجل ؟! استنى و فيها إيه يعني ؟!"
رد عليها بتهكمٍ:
"استنى أكتر من كدا !! تسع سنين مش مكفينك استنى فيهم"

هربت بعينيها من نظراته فيما قال هو من جديد:
"ماشي....هستنى، بس كله من وقتك أنتِ يا خوخة"

رماها بغمزةٍ عابثة دون أن ينتبه له سواها، ثم ودع الجميع و قبل أن يرحل مرة أخرى أوقفه "طارق" بقوله:

"استنى طيب يا عمار، اقعد معانا أخواتك هيجيوا هنا كمان شوية"

رد عليه بنبرةٍ هادئة:
"هروح أعيد على ميمي علشان متزعلش و هاجي بليل إن شاء الله....يلا سلام عليكم"

رحل بعد توديعه لهم، فيما قال "زياد" بضجرٍ:
"اللي مصبرني عليه إنه عم عمر، غير كدا كنت زعلته علشان هياخدك مننا"
ابتسمت له "خلود" بقلة حيلة فيما نظر له "وليد" بتوعدٍ و هو يشير له بالانتظار و كأنه يقول له سترى.
_________________________

في شقة "ميمي" استمر المرح بينهم جميعًا و الضحكات و التقاط الصور و الفيديو الساخرة الهزلية التي يقوم "عامر" بتصويرها بعدة مقاطع ساخرة و ضاحكة، حتى دلف لهم "عمار" و هو يرحب بهم و خلفه "رياض" و "فهمي" و النساء الأربعة مع بعضهن.

سألهم "ياسين" بتعجبٍ:
"جيتوا هنا ليه ؟! احنا كنا هنروح ليكم دلوقتي"

ردت عليه "زهرة" بمرحٍ:
"احنا قولنا نعيد كلنا هنا سوا علشان رياض عازمنا على رنجة كلنا، كلوا معانا و شوفوا وراكم إيه بعدها، الفرح بكرة خلاص"
ركضت "جاسمين" نحو جدها تقف بجواره و هي تقول بلهفةٍ:
"أنا مقولتش لبابا إنك بتحبني أكتر منه و مقولتش ليزن أنك جيبتلي عصير يوم ما روحنا سوا نجيب العيش"

ضحكوا جميعهم عليها، و كذلك "رياض" الذي حملها على يده، فيما قال "عامر" بسخريةٍ موجهًا حديثه لـ "ياسين" بقوله:
"بيعجبني في بنتك أنها عمرها ما فتنت و لا طلعت سر حد برة"

رد عليه "ياسين" متهكمًا:
"طبعًا، طول عمرها ساترة عليا"

اقترب "عمار" يجلس بجوار "ياسين" فقالت هي بضجرٍ:
"متقعدش جنب بابا، أنا أصلًا يعني زعلانة منك"

سألها "عمار" بتعجبٍ:
"ليه يا آنسة أنتِ هو أنا جيت جنبك ؟! عملتلك إيه ؟!"

ردت عليه بمعاتبةٍ:
"علشان هتاخد خالتو خلود و لما نروح هناك مش هنلعب معاها"

نظروا لها بدهشةٍ فيما وقف هو ثم اقترب منها و هي على ذراع جدها ثم قال بنبرةٍ هادئة و خبثٍ زائفٍ يتناسب مع عمرها حتى تفهمه:
"يا هبلة، مش أنا شقتي جنب شقتكم ؟! أنا كدا بجيبها جنبكم علشان تقعدي معاها لوحدك أكتر منهم كلهم"

شهقت هي بفرحةٍ ثم ارتمت عليه بمرحٍ حتى حملها هو فيما قالت بتلقائية تتناسب مع عمرها:
"أنا بحبك أوي علشان أنتَ طلعت طيب يا عمار، خلاص اتجوزني مع خالتو خلود"

ارتفع صوت الضحكات أكثر عليها فشدد هو عناقه لها ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"حاضر، هاخد البت بخالتها مع بعض"
_________________________

قام "عبدالرحمن" بتأدية صلاة العيد مع والده ثم صعدا سويًا لشقتهم خصوصًا أنهم لا يعرفون أناسٌ بجوارهم، دلف غرفته يرتمي على الفراش بتعبٍ بعد سهره طوال الليل في الصيدلية مع "عمار".

نام على الفراش و أغلق عيناه و على حين غرة وصله عبيرها فتجاهل كل ذلك و قرر الهروب من هوسه بها في النوم حتى شعر بأناملها تمتد في كف رجله بنعومةٍ ثم دغدغته بمرحٍ حتى انتفض هو بلهفةٍ تمتزج بضحكاته و هي تبتسم له، فقال هو بقلة حيلة:

"أنا ملحقتش أنام يا مريم"

ردت عليه هي بتذمرٍ:
"فيه واحد ميجيش يعيد على عروسته ؟! أنا هربت منهم علشان اجيلكم"
اقترب منها يقبل وجنتها ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"ماهو لو تبطلي ظلم أنا هرتاح، قطعتي برزقك يا فقر"
انتبهت له فغمز لها ثم أشار خلفها، فالتفتت هي على الفور حتى وقع بصرها على الصندوق المغلف الموجود على أريكة غرفته، شهقت بقوةٍ فقال هو بصوته الرخيم:
"دا أول عبد لينا و أنا كاتب كتابي، تفتكري هنساكِ، بس أنتِ علطول متسربعة"

التفتت له تقول بندمٍ:
"آسفة بقى علشان كل شوية بظلمك و بسوء الظن فيك، بس أنا بخاف والله، فاكر لما سيبتني قبل كدا ؟!"
رد عليها مسرعًا بلهفةٍ:
"بس أنا مسبتكيش يا مريم، أنا كنت بحافظ عليكِ و الله، قربي منك أكيد كان هيحرمني منك، كنا بنتكلم و نضحك و نسلم على بعض، كل دا عرفت إنه غلط لما عرفت عمار، حتى اهالينا كان عندهم كل دا عادي، نهاية كل دا بقى لما انا فهمت صح، إنك بقيتي مراتي و كلها شهرين و حاجات بسيطة و نتجوز خلاص"

ابتسمت هي له بسعادةٍ و فجأة طرق باب غرفته فركضت هي تختبأ خلف الستار في غرفته، فيما دلف والده و هو يقول بثباتٍ:
"قوم يلا أغسل وشك و فوق كدا علشان تروح تعيد على مراتك"

حاول "عبدالرحمن" كتم ضحكته فدلفت والدته و هي تقول بلهفةٍ:
"البت مريم كانت برة معايا، قومت أعمل الشاي ملقتهاش، هي فين ؟!"

خرج "عبدالرحمن" من الفراش ثم سحب الستار فجأةً لتطل هي من خلفه بانكماشٍ في نفسها، فيما قال هو بزهوٍ:

"أقدملكم يا جماعة، مريم مراتي...ورا الستارة في أوضتي"

وكزته في كتفه، فضحك والده و هو يقول بسخريةٍ:
"طب يا سيدي كل سنة و أنتم طيبين، يلا يا ستي قدامي خلينا نشرب الشاي و ناكل الكحك.... إبنك هنا بيحلي بالبوتيفور"

ضحك "عبدالرحمن" رغمًا عنه و هو يرى انسحاب والديه من أمامه، و قبل أن تعنفه هي التفت لها يقبل رأسها ثم قال بمشاكسىةٍ:
"كل الناس عن قلبي بعيد و فرحتي بشوفتك زي فرحة العيال بالعيد"

ضحكت هي بفرحةٍ فسألها هو بمشاكسىةٍ:
"طب إيه مش هاخد عيدية ؟!"

أشارت له بالنفي ثم غادرت من أمامه و هي تتدلل في خطواتها حتى رفع صوته يقول بسخريةٍ:

"خليكِ أنتِ حرة، أنا هروح أدي الهدية دي لعمار..... أهو كتر خيره مستحملني".
_________________________

في بيت آلـ "الرشيد" كان البيت تملئه البهجة بكثرة الأحفاد و صخبهم و لعبهم سويًا و دلال الفتيات، حتى وصل البقية لهم و أولهم ركضًا للداخل كان "يزن" الذي بحث عن "زياد" و "مازن" و رفع صوته ينادي عليهما حتى ظهرا سويًا له فركض هو نحوهم.

احتضنه "مازن" بسعادةٍ بالغة فيما وقف "زياد" ينظر لـ "يونس" و كأن السهام تخرج من نظراته نحو الأخر الذي رمقه بغيظٍ و هو يعلم الآتي.

خرج "وليد" من الداخل حينما رآهم، اقترب منهم بلهفةٍ يرحب بالشباب ثم اقترب من "خديجة" يحتضنها و هو يرحب بها، ثم مال على "نـغـم" يقبلها و هو يحتضن وجهها بكفيه و قال بحبٍ بالغٍ لها:

"حبيبة قلب خالو و روح قلب خالو كمان، كل سنة و أنتِ طيبة

ردت عليه بفرحةٍ:
"حبيب قلبي يا خالو و أنتَ طيب يا رب"

التفت بعدها للأخرى التي قالت بمرحٍ:
"شيلني يا خالو

حملها "وليد" يقبل وجهها ثم قال مرحبًا بقولها:
"بس كدا يا عيون خالو ؟! روح قلب خالو و نور عين خالو"

دلفوا جيمعًا للداخل و منه نحو سطح البيت حيث التجمع العائلي بالأعلىٰ، وقفوا جميعًا بفرحةٍ يرحبون بهم و بالأولاد فوقف "حسن" في المنتصف و هو يقول بنبرةٍ عالية يلفت نظر الجميع:

"أحبائي أحفاد العائلة و العائلات المجاورة، اجمعوا سوا صفين واحد للبنات و واحد للولاد بسرعة"

وقفوا بجانب بعضهم في صفين متناسقين فأخرج "حسن" الأموال من جيب عبائته يوزعها عليهم و البقية خلفه يضحكون بفرحةٍ، بعدها كرر "طارق" نفس الفعل و بعدها "وليد" ثم رجال العائلة و أخرهم كانت "مشيرة" و زوجها.
اقتربا "مازن" و "زياد" معًا من "نغم" فقال الأخر بنبرةٍ هامسة:
"عاوزك معانا هنوريكي حاجة، تعالي بسرعة

حركت رأسها موافقةً ثم انسحبت معهما نحو ما أرادا، نزلوا للأسفل في غرفة والدهم بشقة "مرتضى" فسألت هي بتعجبٍ:
"خير عاوزين إيه علشان أنا بتوتر اوي، يارب متكونش مصيبة أو أني اقنع خالو بحاجة !!"
ابتسما لها كليهما فيما تحرك "مازن" نحو حقيبة ظهره يفتحها ثم اقترب منها و هو يضحك بينما "زياد" أوقفها أمام المرآة ترى انعكاسها بها بحيرةٍ حتى اقتربا منها كليهما يضعا فوق رأسها تاجًا باللون الفضي يُزين رأسها، فشهقت هي بفرحةٍ كبرى، حتى تحدث "زياد" بحبٍ:

"أنتِ أميرة و الأميرات بيلبسوا تاج، و التاج دا قليل عليكِ"

التفتت له بفرحةٍ كبرى فقال "مازن" هو الأخر:
"أول ما شوفناه قولنا إنك اكتر واحدة ينفع تلبسه، على فكرة دا بفلوسنا سوا، مش من بابا"

دارت هي حول نفسها بفرحةٍ و صوت ضحكاتها الرنانة يرتفع بصوتٍ عالٍ كما بهجة العصافير فوق الأشجار و تطوف حولها الفراشات

بينما "زياد" و "مازن" ابتسما لفرحتها تلك و كأنهما صنعا انجازًا بضحكاتها تلك، وقف هو في الخارج يختبأ خلف الباب يتابعها بصمتٍ دون أن يُظهر نفسه و حينما دارت حول نفسها بتلك الطريقة ابتسم هو بسعادةٍ بالغة، و قبل أن يلتفت مغادرًا اصطدم بـ "وليد" الذي وقف خلفه، حينها ظهر توتره و قرر الهروب من أمامه، فأمسك "وليد" كتفه يوقفه و هو يقول بثباتٍ:
"هما اخواتها يا يونس، يعني يحق ليهم أنهم يكونوا معاها، انما أنتَ غريب عنها، عارف إنك كنت عاوزها تكون صاحبتك، بس مينفعش، حرام إن ولد يصاحب بنت و هي مش أخته، متزعلش نفسك"
ابتسم له ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أنا مش صغير يا عمو وليد، أنا كبير و فاهم، بس أنا مستغرب علشان أنا و هي كنا صحاب و احنا صغيرين، أنا متعود عليها مع يسر علطول، علشان كدا بزعل اننا مش بنتكلم، بس أنا عارف إن غلط نتكلم سوا، عن اذنك"
حرك "وليد" رأسه بتفهمٍ ثم أفسح له المجال حتى يبتعد عنه، ثم وقف يتابعهم ببسمةٍ هادئة حتى قالت "نـغـم" بمرحٍ:

"حلو أوي يا مازن، شكرًا يا زياد، أنا كمان لما العيد يخلص هجيب ليكم حاجة حلوة أوي....علشان أنا بحبكم"
تحدث "وليد" في تلك اللحظة يقول مُسرعًا:
"طب و أبو مازن و زياد هياخد إيه ؟!"
اقتربت منه تقول بلهفةٍ يخالطها المرح:

"ياخد عيوني"
اقترب منها يقبلها ثم طالع عينيها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أنا زمان كنت فاكر إن خديجة هي حتة من روحي، لما بشوفك بتأكد إن خديجة بكل اللي منها هما روحي، أنتِ الوحيدة اللي وصلتي لنفس مكان خديجة عندي، الوحيدة اللي بقول عليها بنتي بعد خديجة"
ابتسمت له "نـغـم" فاحتضنها هو ثم ربت على ظهرها و غمز لأولاده، حتى غمز له كليهما بعبثٍ، في تلك اللحظة دلفت "جاسمين" و هي تقول بضجرٍ:
"هو أنتَ حاضنها هي و أنا لأ ؟!"

ابتعد عن الأخرى التي ضحكت بيأسٍ فقال هو مؤنبًا نفسه:
"يقطعني....عيل سافل مترباش"

أشارت له بيدها على كتفيها، ثم أشارت عليه، فهم هو مقصدها، فجلس على الفراش بقلة حيلة و هو يقول:
"اتفضلي، يلا خلصيني"
ركضت هي نحو الفراش بفرحةٍ كبرى ثم رفعت نفسها حتى جلست على كتفيه بمرحٍ ثم صفقت لنفسها و البقية يضحكون عليها، و قبل أن يقف بها، سألته هي بدهاءٍ:
"رايح فين ؟! فين الحاجة اللي جبتهالي !! مش ناسية"
زفر هو بيأسٍ منها، فيما اقتربا التوأم، فألبسها "زياد" سوار من الفضة يتوسطها وردة صغيرة الحجم، شهقت هي بفرحةٍ كبرى فيما قال "مازن" بنبرةٍ ضاحكة:

"وردة حلوة شبه اسمك، عجبك"

حركت رأسها موافقةً ثم قبلت "وليد" على رأسه و حاوطت رأسه بكفيها الصغيرين معًا حتى ضحك هو عليها ثم وقف بها و البقية يسيرون خلفه و قبل أن تخرج "نغم" قال "وليد" لها:

"شيلي التاج يا نغم و البسيه بكرة علشان محدش يشوفه"

حركت رأسها موافقةً ثم وضعته في الحقيبة من جديد و هي تبتسم له فيما قالت الأخرى باصرارٍ:
"أنا مش هقلع الغويشة دي، بس مش هقول لحد متخافش"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بتهكمٍ:
"طبعًا عمرك ما هتقولي لحد، هتقولي لأيام الاسبوع كله"
_________________________

صعد بهم "وليد" للأعلى و الأخرى لازالت على كتفيه، ثم بحثت بعينيها عن توأمها، فوجدته يجلس على قدم "طـه" يمسك هاتفه و القدم الاخرى تجلس عليها "ليلى" ابنة "أحمد" فقالت هي بنبرةٍ ضاحكة:

"خالو وليد جابلي غويشة عليها وردة زي اسمي، بس أنا مش هقول لحد و الله"
ضحكوا عليها جميعًا فقال "خالد" بنبرةٍ ضاحكة:
"جدك رياض فخور بيكِ أوي، المفروض يكتب الورث باسمك"
رد عليها "يزن" بضجرٍ:
"كل حاجة تفتني كدا ؟!"
حركت رأسها موافقةً بشجاعةٍ تشبه شجاعة "خلود" في صغرها، و على ذكر "خلود" انتبهت للتوقيت فوقفت و هي تقول بثباتٍ:
"طب عن اذنكم علشان ورايا مشوار مهم، عاوزين حاجة ؟!"

سألتها "زينب" بتعجبٍ:
"رايحة فين ؟! النهاردة عيد و الناس قافلة"

تدخل "فارس" يقول بسرعةٍ:
"فيه حاجات للفرح هي عاوزاها، أنا هنزلها علشان متتأخرش"
ابتسمت له "خلود" ثم سارت معه للخارج فسألته بنبرةٍ هادئة:
"مالك يا فارس ؟! أنتَ زعلان ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"آه زعلان، علشان أنتِ هتمشي من هنا، بس مش مشكلة المهم أنك هتفرحي، أنا بحبك علشان أنتِ فهماني علطول"

لمعت العبرات في عينيها تأثرًا بصدق حديثه، ثم مالت عليه تقبل قمة رأسه و قالت بصوتٍ متحشرجٍ:
"متخافش أنا هبقى أجي علطول، و بعدين المكان مش بعيد عنكم، أنا مش هنساكم"

حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها، فاقترب منهما "علي" يقول بلهفةٍ:
"عاوزة حاجة ؟! أجي معاكِ ؟!"

ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"تسلم يا علي يا أبو الشهامة كلها، صحيح ابن حسن المهدي"
ابتسم لها "علي" فيما تحركت هي من أمامهم جميعًا نحو الأسفل.

في الداخل جلست "فاطيما" في حضن والدها تمسك بثيابه حتى نامت مكانها، فتحدث "يزن" بسخريةٍ:
"الحقي يا خالتو هدير، بنتك نامت مكانها"

ردت عليه "هدير" بسخريةٍ:
"نامت علشان سهرانة بقالها ٣ أيام، بنت الهبلة فاكرة أنها لو نامت العيد هيضيع منها"
ضحكوا عليها جميعًا فقالت "إيمان" بسخريةٍ:
"ما شاء الله طالعة لأمها، خايفة تنام يوم الوقفة علشان تلحق الصلاة"

انتشرت السخرية و الضحكات عليهم جميعًا، فيما جلست "زينة" بجوار "ياسر" تلتصق به كعادتها منذ صغرها و "عمر" يتابعها بعينيه و هو يضحك حتى رفع صوته دون وعيًا منه و هو يقول:

"يا بختك يا عمو ياسر"
ضحكوا جميعهم عليه فيما رفع "ياسر" حاجبيه مستنكرًا قوله، أما هي فكتمت ضحكتها و حركت رأسها للجهة الاخرى، فمال "عامر" على اذن ابنه و هو يقول بنبرةٍ هامسة:

"هربيك يا صايع يا كلب"
رد عليه الأخر بنفس الهمس:
"أنا عندي سؤال مهم، هما الحلوين علشان حلوين بيعملوا كدهو ؟!"

ضحك "عامر" رغمًا عنه، فيما غمز له الأخر بمشاكسىةٍ كعادته تماثل مشاكسة والده و كأنه يطبق عمليًا.
_________________________
ارتدت "خلود" فستانًا باللون الأسود، و به زهور صغيرة باللون الأبيض منقوشة بشكلٍ رقيق، و قد أردت أسفل حمالاته العريضة قميصًا باللون الأبيض، و من عند الأكمام توجد تطريزات رقيقة باللون الأسود و زره على شكل نجمة برونزية.


وضعت الحجاب على رأسها باللون الأبيض ثم وضعت سلسالًا في وسط عنقها يحمل شعار مالانهاية، و ارتدت الحذاء باللون الأبيض و الحقيبة الصغيرة تحملها على ظهرها بذراعٍ واحدٍ فقط.
نزلت أسفل البيت تقف في انتظاره فاقترب هو بسيارة "عامر" و هو يبتسم لها، تنهدت هي بعمقٍ ثم ركبت بجواره، فقال هو بمشاكسىةٍ:
"اللهم صل على النبي، دا العيد عيدين كدا، وحشتيني"
تجاهلت كلمته و قالت ببرودٍ:
"عليه افضل الصلاة والسلام، شكرًا"
رفع أحد حاجبيه فسألته هي بلامبالاةٍ:
"هنرجع امتى ؟! علشان منتأخرش و احنا ورانا بكرة فرح لو مش واخد بالك"

رد عليها بنفس البرود:
"لأ واخد بالي، بس هو يوم عادي زيه زي أي يوم، هنعمل إيه يعني"
نظرت له بتعجبٍ فتجاهل هو نظراتها ثم قاد السيارة و كأنها لا تعنيه، و في منتصف الطريق سألته بضجرٍ:
"هو لسه كتير ؟!"

_آه....كتير أوي، اتعلمي تصبري"
رد عليها بذلك بلامبالاةٍ جعلتها تزفر بقوةٍ ثم نظرت من النافذة، أما هو فنظر لها بتعجبٍ من طريقتها معه، طوال الشهر الماضي و هي تعامله بجمودٍ حتى ظن أنها لا تحبه، و اليوم سيتأكد هو من ذلك بطريقته الخاصة.

وصلت السيارة أمام أحد الأماكن الفخمة المُزينة من الخارج باضاءاتٍ عالية على شكل مثلثاتٍ معكوسة الوضع، نظرت هي له بتعجبٍ، فيما غمز هو لها ثم نزل من السيارة يتوجه نحوها حتى يفتح لها الباب و يمد لها كفه، عانقت هي كفه بتوترٍ فيما أغلق هو السيارة، ثم سار بها داخل تلك المثلثات و هي تمسك بيده.

دلفا سويًا للداخل حيث توجد حديقة واسعة يكسوها اللون الأخضر بالزرع و يتوسطها زهرة دوار الشمس كبيرة الحجم مصنوعة من الخشب و أسفلها كُتِبَ اسمها، انتبهت هي لذلك فرمشت ببلاهةٍ و فرغ فاهها، فاقترب هو منها يقف مقابلًا لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:

"أنا عمال اكدب في نفسي اللي بتقولي إنك مش بتحبيني، عمال أقول إني بتوهم علشان اكيد دا مش حقيقي، مش معقول الـ ٩ سنين اللي استنيتك فيهم يطلعوا على الفاضي، خلود أنتِ مش عاوزاني ؟!"

رفعت عيناها التي غلفها الاحمرار تطالعه فحرك رأسه لها حتى ترد عليه هي، و قبل أن تتحدث هي، قال مسرعًا:
"قبل ما تجاوبي، أنا فيه حاجة مجهزها ليكِ، علشان لو الإجابة وصلتني أكون خلصت كل حاجة كان نفسي فيها معاكِ، استني"

عقدت ما بين حاجبيها و هي تزدرد لعابها بخوفٍ فيما أشار هو للرجل خلفه، فانسحب الرجل من المكان الذي خلا من الجميع عداهما سويًا، بعد مرور ثوانٍ أتى الرجل بطاولةٍ خشبية يسحبها نحوهما و يغلفها بأدوات الطعام المعدنية ثم تركها و رحل من المكان.
بعد مرور ثوانٍ انتبهت "خلود" لقلة الأضواء حولها و ارتفاع قصيدة مؤثراتٍ صوتية كما الطرق على الدفوف صداها يتردد في المكان بالكلمات الآتية من أقوال "ابن الفارص" حينما قالها "عمار" بعدما وقف خلفها :

قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي
روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ
لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي

ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ
في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف
فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني
يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي
ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ

عَطفاً على رَمقي وما أبقَيتَ لي
منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي
والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي
لم أَخلُ من حَسَدٍ عليك فلا تُضِعْ
سَهَري بتَشْنِيع الخَيالِ المُرجِفِ

واسأَلْ نجومَ اللّيلِ هل زارَ الكَرَى
جَفني وكيف يزورُ مَن لم يَعْرِفِ
لا غَرْوَ إن شَحّتْ بغُمْضِ جُفُونها
عيني وسَحّتْ بالدّموعِ الذّرّفِ

وبما جرَى في موقفِ التوديعِ مِنْ
ألمِ النّوَى شاهدتُ هَولَ الموقفِ

إن لم يكن وْصلٌ لدَيْكَ فعِدْ به
أَمَلي وَمَاطِلْ إنْ وَعَدْتَ ولا تفي

فالمَطْلُ منكَ لدَيّ إنْ عزّ الوفا
يحلو كوَصَلٍ من حبيبٍ مُسْعِفِ

أهْفُو لأنفاسِ النّسِيمِ تَعِلّةً
ولوَجْه مَن نقَلَتْ شَذَاهُ تشوّفي

فلَعَلّ نارَ جوانحي بهُبُوبِها
أن تنطَفي وأوَدّ أن لا تنطَفي".
التفتت له "خلود" بلهفةٍ بعدما وقف هو خلفها يردد تلك الكلمات، فيما تابع هو بقوله:

"قلبي بحدثني بأنكَ مُتلفي....و أنا طالبٌ من عينيكِ بالوعود أن تفي...."
أخرج تنهيدة حارة من جوفه، ثم تابع من جديد:
"فيه وعد عينك قطعته على نفسها من ٨ سنين إنها تكون ليا.... و أنا عبد مسكين عاش على الأمل دا، طمني قلبي يا خلود إن عيونك صانت العهد و هتوفي بالوعد"
كان يحتضنها بنظراته و يشملها كليًا ينتظر منها الجواب، و للحق لم يكن جوابًا فقط، انما هو الحرية لـ سجينٌ عاش مُكبل الذراعين وسط غرفة مظلمة رآى فيها ثُقبًا في أحد جدرانها، كان هو الأمل لمدخل نورٍ ينير ظلماتٍ تقبع في ثنايا روحه.

لم ترد عليه و لم تهرب و لم يظهر عليها أية ما يُطمئن قلبه، فقط ارتمت عليه تحاوط عنقه بذراعيها معًا و قالت بنبرةٍ باكية:

"سامحني....سامحني علشان ظلمتك، عمار......أنا بحبك....بحبك أوي كمان".

إن كانت للكلمات دلالةً تتناسب مع الشعور، فها هو الأسير حُرر من إعتقاله ببعض الحروف التي شكلت الحياة في نظره، كم غريبة تلك الدنيا، و كم ضعيف المرء، فهل يعقل أن بعض الحروف الأبجدية إذا اقترنت ببعضها، كانت مثل النور لما عاش في غياهب الظلام ؟!"


تعليقات



×