رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الخامس والتسعون بقلم شمس بكرى
"مَـــن صَــبــر ظــفــر"
_________________________
_" ياليت ما تريده يريدك و ياليت ما تمنيت وجوده في حياتك عليك مفروض، و ليس لمقارنتك مفروض، فخير ما تقدمه الأيام للمرء أن يحصل على ما وده، أن ينال ما تمنى و يكون له.
وصلت العائلة بالتتبع خلف بعضهم لقاعة المناسبات و التي قد يتم بها حفل زفاف العروسين، كانت الأجواء مبهجة منذ ركوبهم السيارات و تحركهم على الطريق، حيث السيارات الكثيرة التي تسير خلف بعضها مع اطلاق نغماتٍ عالية من السيارات في تناغمٍ ألهب حماس الجميع حتى وصلوا لقاعة الزفاف و أول سيارة توقفت كانت سيارة "أحمد" الذي نزل يبتسم بفرحةٍ كبرىٰ يريد اخذ الخطوة في اثنتين حتى يراها بفستان الزفاف.
في الداخل انتهت "سلمى" من وضع اللمسات الأخيرة و تم إنهاء تزيينها و تجهيزها حتى تلتقي بزوجها، التفتت لـ "خلود" التي ارتمت عليها تحتضنها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ نتيجةً لفرحتها:
"إيه القمر دا كله ؟! زي القمر يا قلب أختك، اللهم صل على النبي"
سألتها "سلمى" بلهفةٍ:
"بجد !! شكلي حلو ؟!"
ردت عليها "خلود" بتأثرٍ:
"زي القمر و أحلى كمان يا حبيبة قلبي، أنا زعلي إنك هتسبيني أكتر من زعلي إن أحمد هيمشي"
ابتسمت لها "سلمى" بفرحةٍ و كلتاهما تحتضن الأخرى بنظراتها حتى صعد صوت الزغاريد من فم "سهير" بفرحةٍ تدل على قدوم العريس، حينها توترت "سلمى" و شعرت بالخجل و هي تفرك كفيها معًا فيما غمزت لها "خلود" بعبثٍ.
دلف "أحمد" في تلك اللحظة بضربات قلب تتصارع خلف بعضها من فرط الفرحة و الحماس، لم يتخيل أن يرى ما تمناها أمام عينيه بتلك الطَلة الخاطفة، ففي المعتاد من نظرةٍ واحدة تسرق لبهُ و تُشغل عقله و تحتل مراكز قلبه، فكيف إذًا بهيئتها و هي عروس ؟! كانت يضرب الخطوة في اثنتين حتى يصل لها و حينما وصل أخيرًا !! لم يجد بُدًا من تشبيه نفسه بالمحارب الذي حصل على غنائم بلدةً ظَفر هو في حربه بها، لتصبح هي خير المكاسب في الدنيا.
انتشرت أصوات الزغاريد و الفرحة من خلفه فيما طالعها هو بنظراته يشملها بنظرةٍ هادئة و وجهٍ مُبتسمٍ و يبدو و كأن نجمة من نجوم السماء تقف أمام عينيه فلم يعي لنفسه و هو يقترب منها بلهفةٍ حتى احتضنها بقوةٍ يضغط عليها و هو يقرب جسدها الضئيل من جسده الذي يفرق عنها بطريقةٍ ملحوظة، أما هي فرفعت ذراعيها بتوترٍ تحتضنه حتى همس في أذنها بقوله:
"قبل كدا لما قولت الورد صار في أراضينا، أنا مكدبتش، النهاردة بقى أراضينا بترقص من فرحة دخولك فيها"
لمعت العبرات في عينيها تأثرًا بقوله فابتعد عنها هو يقبل قمة رأسها ثم أشار لها حتى تتمسك بمرفقه و بالفعل فعلت ما طلبه هو حينها خرج بها نحو الخارج و فور خروجهما انتشر صوت الألعاب النارية في الهواء بألوانها الساطعة و كذلك النيران من حولهما ترحيبًا بطلتهما الخاطفة و مع ذلك وجود إحدى الفرق التي تقوم بزفاف العروسين بالخيل و الطبول و قد اقترب منه "عامر" يمسك يديه حتى سحبه من جوار العروس و قربه من الخيل و هو يقول بمرحٍ:
"يلا يا بني الخيل مستني من الصبح، تطلع خلينا نشوف باقي الفقرات"
ضحك "أحمد" رغمًا عنه و هو يعتلي الخيل الذي تحرك راقصًا وسط العزف على الطبول و الرقصات الشعبية حتى تدخل الشباب جميعهم و الرجال أيضًا يرقصون سويًا مع بعضهم يلتفون في دائرةٍ و "أحمد" في المنتصف على الخيل الذي يرقص كما تم تدريبه.
و كذلك وقفت الفتيات مع بعضهن يصفقن و يطلقن أصوات البهجة و التصفيقات و الفرحة باديةً على الأوجه كافة، حتى انتهت الموسيقى و نزل "أحمد" من على الخيل فوجد "مُحمد" يقف بجوار ابنته و مع اقتراب "أحمد" منهما ابتسم له "محمد" ز قال بنبرةٍ هادئة:
"أنا كدا بديلك أخر حتة في قلبي و أنتَ للأسف واخدها مني بدري أوي، ربنا يكرمكم سوا و يرزقكم بكل الخير و يجعلكم خير الزوجين الصالحين لبعض...."
أخرج زفيرًا قويًا يحاول الحد من ظهور تأثره و ردع دموعه و لكن ظهر الاختناق مخيمًا على صوته و هو يقول بنبرةٍ أقرب للتوسل:
"حافظ عليها يا بني، أوعى تكسر عمك في يوم في إنك تجبهالي مكسورة الجناح، أنا بديك طير حر و عشمان إنك تكون الجنينة اللي الطير دا هياخد راحته فيها، مش عاوزك القفص اللي يسجنها"
ابتسم له يطمئنه و هو يقول بصوته الرخيم الهاديء أمامهم جميعًا:
"أنا مش عاوزك تخاف عليها معايا علشان أنا واحد من بين كل الدنيا دي شايفها كل الخير ليا و لقلبي، اللي بيحب الورد بيراعيه و أنا و الله هحطها في قلبي قبل عيوني، اتطمن، مش هغضب ربنا فيها و مش هستهون بوصية سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام في أني أخون العهد فيها"
اقترب منه "محمد" يحتضنه مُباركًا له فيما ابتسمت "سلمى" بفرحةٍ و هي تستمع لكلماته الصادقة التي نطقت بها عينيه قبل لسانه.
دلفوا للقاعة جميعًا، و كان أخرهم "أحمد" بزوجته بطلتها الرقيقة، حيث كان فستانها ناصع البياض مثل حبات اللؤلؤ و حجابها الرقيق يغطي رأسها بالكامل و كذلك مستحضرات التجميل التي وضعتها برقةٍ تتناسب من ملامح وجهها البهي، كما أن عسليتيها لم تحتاج لأي شيءٍ يبرزها، خاصةً أنها نطقت بكل كلمات الفرح و كأن الزهور تتراقص في موسم الربيع.
بدأت رقصتهما سويًا بعد دلوفهما حتى فوضع هو كفه في خصرها و بالكف الأخر أمسك يدها فبدأت الكلمات تعلو من حولهم ليذوبا سويًا في عالمهما الخاص بهما و كلٍ منهما يحتضن الأخر بنظراته حتى قال هو بنبرته الهادئة:
"كنت فاكر أننا شمس و قمر صعب يتلاقوا غير بعد كسوف أو خسوف يجمعهم صدفة، بس ربنا أحن على قلبي أني اتعلق كل دا، و في الأخر بقيتي ليا يا كل حاجة حلوة ليا"
تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل فقال هو بصوته الرخيم:
"الفرحة مش سيعاني إن بيتي هينور بوجودك فيه، و الله العظيم دا اكتر من اللي اتمنيته بكتير"
ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:
"خلاص طيب علشان هعيط، أنا كان نفسي أوي أعيش اللحظة دي من زمان، متبوظهاش عليا"
سألها مبتسمًا ببسمته الصافية:
"إيه هي اللحظة ؟! قصدك فرحنا يعني ؟؟"
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت:
"لأ، لحظة الرقصة الـ Slow، كنت عاوزة أعرف بيقولوا فيها إيه، بس شكلي هعيط"
حاول التحكم في ضحكته و قد نجح في ذلك فسألها هو بنبرةٍ هادئة:
"طب أنا قولت اهوه كلام حلو، أنتِ مش هتقوليلي ؟! لسه شايفاني برضه أحمد ابن عمك ؟! لسه مأخدتيش عليا ؟؟"
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت بنبرةٍ هادئة و هي تحاول الهروب بعينيها منه إلى الحشود المجتمعة خلفهم و هي تقول:
"لأ...بص أنا فترة كتب كتابنا دي خلتني اتأكد من حاجة، و هي أني بحبك بجد، و إنك بقيت كل الحاجات الحلوة اللي في حياتي، و أي حاجة مش هيكون ليها طعم من غيرك، يعني....يعني...."
طغى التوتر عليها و هي تحدثه و مما زاد من فرط توترها أكثر هو نظرته لها ينتظر منها المزيد حتى قالت هي من جديد:
"مش عارفة أقولك إيه بس بصراحة أنتَ بقيت أغلى ما في الدنيا دي، يمكن أنا قليل لما بعرف أقول حاجة أو أعبر، بس أنتَ مفيش حاجة توفيك حقك"
ابتسم هو بسمة المنتصر في مجادلةٍ حادة، حتى ارتفع صوت الكلمات و الألحان من خلفهم مرةً أخرى فقام هو بتدويرها في يده حتى زادت التصفيقات الحارة و الأصوات العالية من حولهم.
على طاولة الشباب كان كلٍ منهم يجلس بزوجته و أولاده حتى يتركون المساحة للعروسين سويًا، و أكثرهم بكاءًا كانت "نــغم" حتى سأل "ياسين" زوجته بنبرةٍ هادئة:
"هي مالها يا خديجة ؟! أوعي تكون عاوزة تغير !!"
حركت رأسها نفيًا فقال "عامر" بسخريةٍ و هو يجلس و "عمر" على قدمه:
"كنا شباب زي الفل، الواحد حر نفسه، اخرتها بقينا خايفين على عيل قد عقلة الاصبع علشان مغيرش هدومه !! يا حلاوة"
ضحكوا عليه جميعًا فتحدث "يونس" ببراءته المعتادة:
"هي بتعيط ليه يا خديجة ؟!"
ردت عليه بحيرةٍ:
"مش عارفة والله يا يونس، ممكن علشان الدوشة و هي واخدة على الهدوء"
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يربت على بطنها ثم أمسك كفها الصغير يحتضنه و هو يدلكه لها، حينها كان كل الجالسين يتابعونه باهتمامٍ و أكثرهم "ياسين" فنطق "وليد" في تلك اللحظة بضجرٍ:
"شيل إيدك يا حبيبي، شيل إيدك ياض بدل ما أعورك أنا"
رد عليه "يونس" بمعاندةٍ:
"لأ....هي بتعيط و ماما قالتلي لما حد يعيط بنطبطب عليه، و هي سكتت أهيه"
رمقه "وليد" بغيظٍ فيما قال "ياسين" بضيقٍ زائفٍ:
"خالد !! حوش ابنك عن بنتي بدل ما أزعلك و ازعله"
رد عليه "خالد" بلامبالاةٍ:
"زعله، لو جالك قلب تعملها وريني نفسك، بقى يونس اللي أنتَ مربيه على أيدك، هتزعله ؟! وريني !!"
زفر "ياسين" مستسلمًا ثم حمل "يونس" على يده ثم قبل وجنته، فقال "يونس" مسرعًا بلهفةٍ:
"ياسين هو أنا لما أكبر هحب نغم و أختي كمان !!"
قبل أن يرد عليه "ياسين" تحدث "وليد" بضجرٍ:
"اللهم طولك يا روح !! يا بني لم نفسك بدل ما أزعلك !! شكلك كدا مش هتلحق تشوف أختك"
ضحك "ياسر" حينها بصوتٍ عالٍ لفت نظرهم ثم قال متشفيًا:
"تصدق أنا فرحان فيك يا وليد !! ربك بيسلط أبدان على أبدان، اللي عملته في الحج محمد، يونس هيطلعه عليك"
ضحكوا عليه جميعًا فيما تحدث "وليد" بقلة حيلة:
"دا أنا غيران عليها من أبوها، مش هغير عليها من يونس؟؟"
نظر له "يونس" بتعجبٍ و لم يُعقب فقط وزع نظراته بينهم جميعًا حتى استقر ببصره عليها بعدما سكتت عن البكاء أخيرًا.
بعد مرور دقائق اجتمع الشباب مع بعضهم في منتصف القاعة يرقصون سويًا مع بعضهم بقيادة "عامر" الذي كان يرقص و هو يحمل ابنه معه يرقص بمرحٍ
استمر الفرح بالرقص والغناء و البهجة الواسعة التي شملتهم جميعًا في رحابها فرحًا بأخر شباب العائلة، كانت "خلود" تقف بجوار "سلمى" و لم تفارقها البتة و تبدو منذ الوهلة الأولى و كأنها والدة العروس، و لا سيما أن هناك زوج من الأعين يتابعها بعينيه، في كل مناسبةٍ جمعتهما سويًا تبدو و كأنها هلال السماء ينتظره حشدٌ وسط بلدةً كاملة ليقيموا عيدهم، و ها هو يرى هلال عيده أمامه و هي تضحك بمرحٍ وسط الفتيات و تشاكر توأمي روحها فرحتهما.
تنفس "عمار" بعمقٍ ثم نظر لصديقه "عبدالرحمن" الذي قال متمنيًا:
"عقبالنا إن شاء يا عمار، هفضل كدا كل ما أحضر فرح في العيلة دي أتمنى اتجوز، ما تقول لوليد يتبنانا"
ضحك "عمار" رغمًا عنه و في تلك اللحظة أتت لحظتهم المفضلة و هي رقصة الشباب الذي أوصى "عامر" بها حيث تكاتفوا جميعًا بجانب بعضهم و خلفهم كلمات الأغنية المعتادة:
"صاحبي اللي كتفه في كتفي بيخليني متطمن....عارفه هيفضل جنبي مهما لقاني بتجنن.... و مش من دمي و لا أخويا و لا عمي لكنه اختار يكون جـــنــبــي"
كانت الرقصة هي المفضلة لكل الشباب مع بعضهم و هم يتكاتفون سويًا في أجواء احتفالية رائعة.
_________________________
انتهى الفرح أخيرًا و بدأت العائلة في التوافد للخارج خلف بعضهم، و كما المعتاد في وجود "عامر" قام بعمل زفة خارجية للشباب جميعهم بالدراجات النارية و كان أولهم "عمار" بدراجته وسط الطريق المزدحم و السيارات المتكدسة على الطريق و خلفه الشباب و السيارات و قد شاركتهم باقي السيارات في فرحتهم حيث قاموا بإطلاق النغمات من السيارات و كأن الفرحة عدوى انتشرت في أرجاء البلدةِ بأكملها.
وصل "أحمد" أسفل شقته بزوجته مع بقية شباب العائلة وسط الزغاريد و الأصوات المبهجة حتى قام الشباب بإطلاق الألعاب النارية فور وصولهم لمقدمة الشارع، و كذلك ارتفعت صوت الموسيقى مرةً أخرى و كأن الفرح يتم إعادته مرةً أخرىٰ بطريقتهم الخاصة.
بعد ذلك صعد "أحمد" بزوجته للشقة، قام هو بفتح الباب فيما وقفت هي خلفه على استحياءٍ تفرك كفيها معًا، فالتفت لها يمسك كفها و هو يبتسم لها حتى بادلت بسمته الهادئة، بأخرى متوترة، حينها فهم هو سبب توترها و خجلها و ذلك لأنها المرة الأولى التي يكونا فيها سويًا بمفردهما، فأغلق هو الباب ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"مش عاوزك تخافي و لا تقلقي و أنتِ معايا يا سلمى، هنصلي سوا علشان ربنا يكرمنا و نبدأ صح، زي ما أنا من أول لحظة معاكِ ماشي صح"
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من أمامه فيما نظر هو في أثرها ببسمةٍ هادئة، و بعد قليل وقف هو على سجادة الصلاة و هي خلفه، فقام هو بتأدية الصلاة، و لم يشعر بنفسه سوى بدمعةٍ هاربة فرت من بين أهدابه تأثرًا بتلك الحالة التي يشعر بها و هو يصلي و زوجته خلفه !! الفكرة بنفسها تجعل قلبه ينبض بعنفٍ و كأنه أوشك على الخلوع من مكانه و لم يختلف حالها عنه كثيرًا، بل بكت هي بفرحةٍ و لم تصدق أنها تقف خلف "أحمد" ليصلي بها و يبدأ معها حياته من جديد في طاعة الله.
انتهت الصلاة أخيرًا فالتفت لها و هو يبتسم ثم اقترب منها يقبل رأسها و قال بنبرةٍ هادئة:
"عقبال ما ربنا يكرمنا سوا و نصلي في الحرم إن شاء الله"
ردت عليه هي بلهفةٍ:
"يا رب، نفسي أروح هناك أوي، نفسي أحس بنفس الاحساس اللي هدير قالتلي عليه، شوفت هدير بقت عاملة ازاي ؟!"
حرك رأسه موافقًا و عينيه تلمع بشغفٍ لها حتى قالت هي بخجلٍ:
"على فكرة.... صوتك حلو و أنتَ بتقرأ القرآن، عمري ما اتخيلت إن احساسي و أنا واقفة وراك نصلي سوا يكون حلو كدا"
ابتسم هو بنفس الهدوء ثم تنحنح يُجلي حنجرته ثم قال بصوته الرخيم:
"بما أننا بقينا سوا خلاص و بيتي نور بيكِ خلاص، أنا عاوز اتكلم معاكِ شوية، ينفع ؟!"
حركت رأسها موافقةً و قد استحوذ على كامل انتباهها بنبرته تلك و بحديثه الرزين، فأضاف هو بثباتٍ:
"دلوقتي أنتِ لسه بتتعلمي و قدامك سنين دراسة، أنا مش عاوزك تخافي منهم خالص، أنا معاكِ و في ضهرك، سواء بالفلوس أو الدعم أو المجهود كمان، أنا مش عاوز دماغك تفكر في حاجة تشغلك عن دراستك حتى لو كان جوازنا نفسه، أنا وجودك عندي قدام عيوني في بيتي بالدنيا و اللي فيها يا سلمى، مش عاوز جوازك مني يكتفك"
نزلت دموعها و هي تسأله بنبرةٍ باكية:
"أنتَ إزاي كدا ؟؟ ازاي قدرت تطمني و أنا خايفة، أنا مصدقاك و الله و عارفة إنك معايا علطول، ربنا يكرم قلبك بكل خير و يفرح قلبك علطول يا رب"
اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم ربت على رأسها و هو يقول بنبرةٍ هادئة و صادقة في حروفها:
"أنتِ خير الدنيا و عِزها كله"
رفعت هي نفسها ترتمي بين ذراعيه بعد جملته تلك، حتى ضحك هو بسعادةٍ بالغة ثم قال بعبثٍ:
"روحي ربنا ينجح مقاصدك دنيا و آخرة يا بنت الرشيد....يا عز أحمد و خيره"
_________________________
تلك المرة لم تمر فقط أيامٌ أو شهور إنما مر الكثير بالفعل، فقد رأينا معًا الكثير و الأكثر في تلك العائلة و ها قد نرى السنون و هي تمر بعد مناسبة أخر شباب عائلة "الرشيد"، إذًا دعونا نتخيل أن الزمن قد توقف لدينا و استمر في التحرك لديهم لنرى معًا تلك العائلة بعد مرور عدة سنواتٍ.
"بــــعــد مرور ســـبعــة ســنـوات".
لم تقف العائلة عند هؤلاء الأفراد فقط، إنما ازدادت أكثر من السابق، و اليوم قد يكون يوم السعد، حيث كانت "خديجة" تقف أمام ابنتها الصغرى "چاسمين" تحاول الباسها الفستان الخاص بها و الأخرى تعاندها حتى رفعت "خديجة" صوتها و هي تقول بنفاذ صبرٍ:
"يا بنتي البسي بقى !! بقالك خمس مطلعة عين أهلي، البسي"
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بمشاكسىةٍ:
"عاوزة ياسين هو اللي يلبسني"
زفرت "خديجة" بيأسٍ ثم تركتها و توجهت للغرفة الأخرىٰ، فوصلها صوته يقول للأخر بنبرةٍ جامدة:
"اقسملك بالله لو ما بطلت شقاوة أنا هجيبك من شعرك، نعقل و نركز و نبطل عفرتة، عيب يا يزن، احنا بقينا كبار، خمس سنين مش قليلين، احنا بقينا عشرة عمر"
رد عليه "يزن" بقلة حيلة:
"هو أنا جاسمين هتفضل كل شوية تحذرني كدا ؟! ما أنا مؤدب أهو يا مهلبية"
ضحك "ياسين" رغمًا عنه بعد كلمة ابنه الأخيرة، حتى دلفت "خديجة" لهما و هي تقول بقلة حيلة:
"هات الواد دا ألبسه أنا و روح انتَ للبت اللي محدش قادر عليها دي"
عقد حاحبيه يسألها بتعجبٍ:
"مين ؟! نغم ؟!!"
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بضجرٍ:
"لأ، التوأم بتاعة الأستاذ يزن، جاسمين هانم"
حرك رأسه موافقًا ثم تحرك من أمامها فيما اقتربت هي من ابنها تهندم ملابسه و هي تبتسم له حتى قال هو بمراوغةٍ:
"حلاوتك يا ست الكل، إيه السكر دا كله، عسل يا ماما"
آبتسمت رغمًا عنها و هي تقول بقلة حيلة أمام حِيله المعتادة:
"أنتَ بقيت لبط ياض يا يزن، كل شوية تضحك عليا بكلمتين ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يقبل وجنتها و يتعلق في رقبتها حتى حملته و هي تضحك بملء صوتها على أفعاله معها.
في الغرفة الأخرى وقف "ياسين" أمام ابنته صاحبة الخمس سنوات بعدما أكرمه الله بتوأم من بعد ميلاد "نغم" بعامين فقط، أنهت ارتداء ملابسها ثم التفت للمرأة خلفها تطالع نفسها، كانت هادئة تشبه ملامح أختها لحدٍ الكبير و كذلك "يزن" الذي أخذ الكثير من ملامح والده.
سألها هو بصوتٍ به أثر ضحكاته:
"ها يا آنسة جاسمين ؟! حلو؟!"
التفتت له تقول بحماسٍ:
"أوي يا ياسين، شكلي حلو اوي، زي ماما صح ؟!"
حرك رأسه موافقًا فسألته هي بسرعةٍ كبرى:
"مين أحلى أنا و لا هي ؟!"
تنهد هو بعمقٍ ثم قال بحكمةٍ:
"انتم الاتنين حلوين، بس لو أنتِ حلوة فأنتِ واخدة حلاوتك من ماما نفسها، هو مش أنتِ بنتها ؟! يعني اكيد حلاوتك دي من حلاوة ماما، تاني حاجة مهمة، اعرفي إن الحلو اللي فينا مش بنشوفه في المراية، الحلو اللي فينا في قلوبنا يا جاسمين"
سألته هي بلهفةٍ:
"طب و الناس هتعرف منين اننا حلوين ؟!"
انتبه هو لسؤالها و قبل أن يجاوبها وصله صوتها و هي تقول بنبرةٍ هادئة و رجاحة عقل اكتسبتها من والديها:
"مش مهم الناس تعرف إننا حلوين، المهم احنا نكون في عيون نفسنا حلوين، الشكل مش كل حاجة، جمال قلوبنا هو اللي بيحلي شكلنا، لو قلبك جميل.... الجمال هيظهر من غير ما تظهريه"
التفت لها "ياسين" يبتسم بفخرٍ حتى اقتربت منه "نغم" صاحبة السبع سنوات و هي تقول بحماسٍ:
"قولت صح يا بابا ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يقبل رأسها و قال بنبرةٍ هادئة:
"قولتي صح يا روح قلب بابا، ربنا يبارك فيكِ"
ابتسمت هي له حتى وصلهما صوت الأخرى تقول بيأسٍ:
"هو أنتَ هتحب فيهم كلهم و أنا لأ ؟! طب خاصمني يا ياسين"
ضحك بيأسٍ منها ثم التفت لها يقول بقلة حيلة:
"حاضر يا روح قلب ياسين و حبيبة عقل ياسين و عيون ياسين كمان"
نزلت من على الطاولة التي كانت تقف عليها ثم ركضت إليه حتى يحملها، فوافق على طلبها و أخفض جسده ليصبح في نفس مستواها حتى تعلقت هي بعنقه، و في تلك اللحظة دلفت "خديجة" و في يدها "يزن" الذي وقف يقول معاندًا توأمه:
"أنا ماما شالتني جوة و حضنتني و جريت بيا، و بابا الصبح باسني"
ردت عليه بلامبالاةٍ:
"عادي....خالو وليد كلمني و قالي إنه جايبلي حاجة حلوة أوي و مش هيدي حد غيري منها"
زفرت "خديجة" بقلة حيلة ثم قالت:
"أنا تعبت.... جيبتوا أجلي يا ولاد ياسين"
ردت عليها "نغم" بلهفةٍ:
"ألف سلامة يا ماما...حقك علينا"
تحدث "ياسين" بمشاكسىةٍ:
"هما برضه ؟! طب دا أنا حاسس أني معايا أربع عيال، أكبرهم أنتِ يا كتكوتة"
ابتسمت رغمًا عنها فقال هو أمرًا أولاده:
"طب يلا أتوضوا علشان نصلي المغرب قبل ما ننزل، يلا هنشوف مين أسرع واحد فيكم"
ركضوا الثلاتة خلف بعضهم من أمامه، فاقترب هو منها يسألها بنبرةٍ هادئة:
"مالك يا خديجة ؟! فيه إيه؟!"
ردت عليه بقلة حيلة:
"تعبت و الله، التوأم دول مطلعين عيني، بس أنا راضية الحمد لله"
ابتسم لها ثم ربت على كتفها و هو يقول بثباتٍ:
"إحنا في فضل و نعمة من ربنا سبحانه و تعالى، الحمد لله على نعمة وجودهم حتى لو أشقيا"
حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ، و قبل أن يتحدث مرةً أخرى وصله أبنائه في آنٍ واحدٍ بملابس الصلاة فابتسم هو بسعادةٍ بالغة و كذلك هي أيضًا.
بعد مرور دقائق كان "ياسين" يقف في مقدمتهم و بجواره "يزن" و في الخلف "خديجة" و ابنتيها معها، فرفع هو كفيه يكبر بقوله:
_"الـلـهُ أكـبـر"
فعلوا مثله جميعًا، فبدأ هو الصلاة بقراءة الفاتحة و ما تيسر من قصار السور في القرآن الكريم في منظر تبتهج العين برؤيته.
_________________________
وقف "وليد" في شرفة شقته يحتسي القهوة الخاصة به حتى وصله صوت زوجته تركض نحوه و هي تقول منفعلة:
"أنا تعبت يا وليد !! دول مبهدلين بعض جوة، شوفهم أبوس رجلك"
أشار لها بالتريث ثم ارتشف أخر ما في الكوب ثم أمسك العصا الكبيرة الموجودة بجوار المقعد و دلف بها مباشرةً نحو الغرفة و هي تنظر في أثره بخوفٍ.
وقف "وليد" أمام الباب و قبل أن يفتحه وصله صوت "مازن" يقول بضجرٍ:
"هلبس السويت شيرت يا زياد، و هات أخرك بقى وريني هتعمل إيه"
رد عليه "زياد" بنفس الانفعال:
" لأ السويت شيرت دا بتاعنا سوا هات أنتَ أخرك يا مازن علشان أنا ماليش أخر يتجاب"
اتسعت عيني "وليد" بدهشةٍ فها هو يرى بدل نسخته المصغرة نسختين و كلٍ منهما يحمل نفس الطباع، فتح الباب بعنفٍ و في يده العصا و حينما وقع بصرهما عليه، سكتا عن الحديث و تبادلت النظرات بينهما حتى قال هو بتريثٍ بث الرعب بداخلهما:
"يعني هو أنا معفن ؟! قولولي، أنا بخيل و مش بصرف عليكم ؟! هتموتولي بعض علشان سويت شيرت ؟! و بعدين هات أخرك إيه ياض أنتَ و هو، فوقوا بدل ما أفوقكم أنا، كل واحد يلبس أي زفت بدل ما يمين بالله اقفل عليكم هنا و أروح أنا و أمكم"
حركا رأسيهما بموافقةٍ فزفر هو بعمقٍ ثم رمى العصا من يده بعدما وصل لذروة غضبه، أما هما فقررا ملاحقته للخارج حينما وقف هو أمام "عبلة" يغمز لها، و من بعدها اقتربا منه كليهما فنطق "مازن" أولًا بلهفةٍ:
"أنا أسف يا بابا علشان خاطري، حقك عليا و على قلبي بس متزعلش مني"
طالعته "عبلة" بتأثرٍ و هو يتوسل لوالده بنفس الطريقة التي كان يصالحها بها، فاقترب "زياد" يقول بترددٍ رغم ثبات نفسه:
"أنا.....أنا آسف يا بابا، حقك عليا، و على فكرة أنا مش بقول آسف دي علشان مش بحبها، بس أنا بحبك أنتَ"
التفت لهما "وليد" يقول بثباتٍ:
"و اللي بيحب حد مبيزعلوش، مبيدوسش على محبته يا مازن أنتَ و زياد، أمكم اللي انتم مطلعين عينها دي لو جابت أخرها مننا و مشيت أنا مش هسمي على حد فيكم، مش كل يوم هتعيط بسببكم، أنا لو جيبت أخري منكم هتزعلوا مني، و أنا لحد دلوقتي بقول انتم أهلي و أخواتي و صحابي بس اللي هيستغل الحب دا غلط فيكم أنا هحرمه منه"
مسحت "عبلة" دموعها بعد حديثه بينما هما اقتربا منها سويًا يقبل كليهما كفها، و قبل أن يبتعدا عنها قال "وليد" بنبرةٍ جامدة:
"الحيوان اللي طردك من الأوضة مين فيهم ؟!"
ازدردت لعابها بخوفٍ ثم قالت بتوترٍ:
"مش فاكرة....كانوا لابسين زي بعض....و الكلام دا كان من ساعة"
رفع حاجبه الأيسر و قبل أن يتحدث مرةً أخرى ازدرد "زياد" لعابه بخوفٍ، حينها قال "مازن" مسرعًا:
"أنا....أنا اللي قولت كدا... قولتلها أخرجي برة ملكيش دعوة أنتِ"
نظرت له هي بتعجبٍ و كذلك أخيه، فقال "وليد" بثباتٍ:
"و ماله، أنا راجل محبش الظلم، و المساواة في الظلم عدل، عقابكم انتم الاتنين، مفيش مرواح يوم الخميس عند خديجة، و مفيش تليفونات كمان، و اللي هيكتر هسحب منه كل وسائل الترفيه.....ها فيه اعتراض ؟!"
حركا رأسيهما بنفيٍ فيما تشدق هو بنذقٍ:
"اتفضلوا يالا البسوا خلونا نلحق نروح علشان نخلص قبل ما الناس تروح"
انسحبا من أمامهما، فاقتربت منه هي تقول بنبرةٍ هامسة:
"زياد هو اللي زعقلي، بس مش عارفة مازن قال كدا ليه، علشان خاطري متزعلهمش"
حرك رأسه موافقًا ثم قبل قمة رأسها و قال بنبرةٍ هادئة:
"متخافيش والله، أنا عارف إزاي اربيهم من غير ما ازعلهم، دول كل روحي يا عبلة، تفتكري أنا هاجي على روحي ؟!"
حركت رأسها نفيًا فاحتضنها هو مُربتًا على ظهرها ثم قال متأسفًا لها:
"حقك عليا أنا و عليهم هما كمان، عارف أنهم بقوا صعب و إن شقاوتهم لا تحتمل بس والله العظيم فيه غيرهم بيعمل أكتر من كدا، دي جينات مهببة"
في تلك اللحظة صدح صوت جرس الباب فركض "زياد" يفتحه و حينما وجد "طارق" أمامه قال بمشاكسىةٍ:
"حمايا حبيبي، منور يا أبو رؤىٰ"
زفر "طارق" بقوةٍ ثم قال من بين أسنانه:
"هو أنا مش قولتلك بلاش كلمة حمايا دي يالا ؟! دا أنتَ رخم زي اللي خلفك"
اقترب منه "وليد" يقول بتهكمٍ:
"ما تخليك في حالك يا عم !! و فين بناتك التلاتة ؟! رؤى و روزي و روشان، إيه خايف عليهم من الحسد ؟!"
رد عليه بسخريةٍ:
"لأ خايف عليهم من إبنك، شغال معاكسة وقلة أدب"
اقترب منه "مازن" يقول بمرحٍ:
"ازيك يا خالو طارق عامل إيه ؟"
اقترب منه "طارق" يقبل وجنته ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"زي الفل يا حبيب خالو، أنا جيت اقولكم يلا بس علشان هنتأخر و عمو وئام مستني تحت"
سأله "وليد" بلهفةٍ:
"طب و أحمد ؟! مش هيروح؟!"
رد عليه بسخريةٍ:
"أحمد مش هيروح ؟! إيه المخ دا ؟! احمد مشي و خد سلمى و ليلىٰ بنته و مشي"
حرك رأسه موافقًا فقال "طارق" بلهفةٍ:
"يلا بس علشان نخلص"
_________________________
في شقة "حسن" المهدي دلفها متأخرًا بعدما تولى هو مسئولية العمل عن الشباب، وصل للداخل يبحث عن حياته كما يلقبهم هو، و قبل أن يصدح صوته عاليًا وصله صوتها تقول بمعاتبةٍ:
"كدا علي سمع و ذاكر و خلص كل حاجة، روح ألبس بقى علشان منتأخرش"
تحدثت "فاطيما" ابنتها بقلة حيلة:
"ملحقتش احفظ يا ماما و الله، بعدين أنا عندي ٦ سنين، هعمل كل دا إزاي ؟!"
ردت عليها "هدير" بضجرٍ:
"زي ما بتقفي قدام المرايا تلبسي و تحطي روج من ورايا، روحي ربنا يسامحك بوظتي حاجتي كلها"
ردت عليها "فاطيما" بمعاندةٍ:
"اشمعنا أنتِ بتحطي ؟! هو حلو ليكي و أنا لأ ؟!"
ردت عليها "هدير" بيأسٍ:
"يا بت تعبتيني، أنا بحط في البيت مش بروح بيه في حتة تانية، ثانيا أنا كبيرة و أنتِ لسه بتخرجي من البيضة، فهمتي ؟!"
دلف "حسن" و هو يبتسم لهم شهقت حينها "فاطيما" و ركضت نحوه تقف بجواره و هي تقول بلهفةٍ:
"احضني يا حسن"
ابتسم لها بيأسٍ ثم مال عليها يحملها بين ذراعيه ثم قبل رأسها و وجنتيها و هو يقول بمرحٍ:
"لو على حسن ميخرجكيش من حضنه أبدًا يا عيون حسن أنتِ"
قبلت وجنته هي ثم شبكت ذراعيها حول عنقه، فاقترب هو بها نحو "علي" يقبله ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"منور يا علي يا روح قلب ابوك"
رد عليه "علي" بحماسٍ:
"دا نورك يا أبو علي، اتأخرت ليه"
جلس بجانب "هدير" ثم رفع ذراعه يضمها إليه و الأخرى تتعلق بعنقه، فقالت "هدير" مسرعةً:
"ما ترد يا أبو علي، اتأخرت ليه ؟! كنت بتخوني صح ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بتبجحٍ:
"اتوكسي يا هدير، هو أنا فاضي اسرح شعري لما أخونك ؟! طب دا أنا أخاف من فاطيما قبلك"
ضحكت "هدير" رغمًا عنها و كذلك "علي" فيما سألته ابنته بنبرةٍ جامدة:
"ليه يا استاذ حسن هو أنا بخوف؟!"
رد عليه مستسلمًا ببراءةٍ زائفة:
"محدش يقدر يقول كدا يا وحش، بس اخاف اجرح مشاعرك يا حبيبتي، لكن هدير، حيالا مراتي و خلاص"
ردت عليه تؤكد حديثه:
"صح، هي مراتك بس، و علي راجل، حبني أنا بس علشان أنا صغيرة و عاوزاك تحبني، احضني بقى يا حسن"
شدد عناقه لها بيأسٍ و قلة حيلة فقالت "هدير" بسرعةٍ كبرى:
"يلا علشان كدا هنتأخر على الناس، قوموا البسوا و ابقوا حبوا في بعض بعدين"
ركض "علي" بسرعةٍ كبرى و خلفه شقيقته بعدما قبلت والدها، فالتفت هو ينظر حوله ثم مال عليها يقول بنبرةٍ هامسة:
"وحشتيني يا أم علي، أخواتي مرمطوا أهلي، و فاطيما هنا مطلعة عين أمي، أبو علي موحشكيش ؟!"
ردت عليه بنبرةٍ هادئة:
"وحشني يا سيدي، ربنا يعينك و يقدرك علينا و عليهم"
ابتسم هو بهدوء فقالت هي بنبرةٍ هامسة:
"بقولك إيه قبل ما هي تسمعني..... احضني يا حسن"
_________________________
في بيت آلـ"الرشيد" تجهزت "خلود" و قامت بارتداء فستانها و كانت "سلمى" بجوارها تعاونها و "ليلى" بجوارها صاحبة الثلاث سنوات، التفتت "خلود" تسأل رفيقتها:
"ها يا سلمى !! شكلي حلو؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بحماسٍ:
"زي القمر، فيه إيه يا خلود ؟! ما تخليكي واثقة من نفسك كدا"
ردت عليه بتوترٍ:
"خايفة أوي، بصي حاسة أني عاوزة ألغي الموضوع"
شهقت "سلمى" بخوفٍ و في تلك اللحظة دلف "أحمد" و هو يبتسم لهما ثم مال يحمل ابنته و هو يقول بمرحٍ:
"حبيب بابا عامل إيه ؟!"
قبلته و هي تبتسم له فقال هو بقلة حيلة:
"بكرة ماما تجيب النونة التانية إن شاء الله و أخدكم و نسيبها هنا علشان ماما جبانة"
وكزته "سلمى" في كتفه فقال هو بمشاكسىةٍ:
"هانت كلها ٧ شهور و تولدي يا أختي، و ترجعي فراشة خفيفة من تاني كدا"
تحدثت "خلود" تسأله بلهفةٍ:
"هما هييجوا امتى يا أحمد ؟!"
حرك كتفيه ببساطةٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أكيد جايين في الطريق يعني متقلقيش، خير إن شاء الله"
انتشر صوت الزغاريد في الخارج فاتتفضت "خلود" من محلها و حينها قالت "سلمى" بنبرةٍ ضاحكة:
"متخافيش كدا، دول الشباب بتوع العيلة، التانيين لسه مش دلوقتي"
في الخارج وقف "وليد" بجانب ولديه و معه جميع أفراد العائلة و رجالها و كذلك "وئام" بابنه "فارس" الحفيد الأكبر في أبناء العائلة و صغيرته "سيلينا" تجلس بجوار أخيها صاحبة العامين.
في الأسفل أمام البيت توقفت السيارات و نزل منها "عمار" أولهم و خلفه البقية و معهم "عبدالرحمن" و خطيبته "مريم" مع الفتيات.
مال "خالد" على اذن "عامر" يقول بنبرةٍ هامسة:
"لم نفسك و افتكر إن الليلة ليلة أخوك، اوعى تعكها على دماغنا"
أشار على عيناهُ بالتساوي ثم قال ببسمةٍ مكتومة:
"عيني الاتنين علشان خاطر عيون زينة بنت ياسوري و مرات ابني مش هعمل حاجة"
استمع "عمر" لجملته فقال بلهفةٍ:
"أقسم بالله أنتَ أرجل أب في الدنيا كلها"
غمز له "عامر" فقال "زين" بنبرةٍ هامسة لـ "يونس":
"شوفت الأبهات !! عقبالك"
حدجه "يونس" بشررٍ يتطاير من عينيه ثم تنفس بعمقٍ و قبل أن يدخل البيت خلف البقية وجد سيارة والدها تصف في مقدمة الشارع و نزلت هي أولًا منها، دون أن يدري لنفسه ابتسم بفرحةٍ كبرى، كانت ترتدي فستانًا يصل لبعد ركبيتها و خصلاتها البنية خلف ظهرها باسترسالٍ و بسمتها الهادئة التي توزعها عليهم جميعًا، فجأة اقتربت "نـغم" من شقيقته و هي تقول بحماسٍ:
يُسر !! زينة....وحشتوني أوي"
تلاشت بسمته و تصنع الجمود و تجاهل أمر وجودها من الأساس، و أول من لاحظه كان "خالد" و "ياسين" معًا بعدما اقترب منهم الأخر يرحب بهم.
_________________________
في الأعلى كانت الجلسة المقررة حتى يتقدم "عمار" لخطبة "خلود" بعد نهاية كافة مسئولياته و التزاماته، كانت الجلسة تمتلئ بوجود الشباب و الفتيات و "خلود" تقف خلف الستار تستمع لما يُقال عنها حتى أنهى والده الحديث ثم أضاف من جديد:
"أنا خلاص خلصت و قولت طلبي، دلوقتي رياض هيتكلم بما إنه مربي عمار معايا و قريب منه"
تحدث "رياض" بثباتٍ و هو يحمل "يزن" حفيده على قدمه:
"عمار ابني يا أستاذ طه و ميقلش مَعزة عن ياسين أو باقي الشباب، و كافح و خلص كل حاجة وراه علشان يقدر ييجي يتقدم، عنده الصيدلية بتاعته و مشارك فيها الدكتور عبدالرحمن صاحبه، إيه هي طلباتك علشان نسمع زغروطة حلوة"
ابتسم له "طـه" ثم قال بتفهمٍ:
"أنا شايف الكلام رسمي اوي و كأننا غرب عن بعض، عمار ابني و أستاذ فهمي أخونا كلنا زيك يا استاذ رياض، عمار بس يتكلم و يسمعني طلبه"
تنفس "عمار" بعمقٍ، و يبدو أنه لم يتغير كثيرًا، فقط ازداد جسده قليلًا نتيجة اهتمامه بقوة بنيته و يبدو أنه ازداد طولًا و كذلك خصلاته السوداء الكثيفة و لحيته المنمقة، ابتسم بتوترٍ ثم قال بصوته الرخيم:
"بص يا عمي، من غير لوع أنا جاي استرد الأمانة اللي ربنا سبحانه وتعالى أمنك عليها، ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
أنهى قوله بالآية الكريمة ثم تابع قوله من جديد:
"ربنا سبحانه و تعالى خلق الست من ضلع الرجل إكرامًا لها، و أنا جاي استرد ضلعي دا إن شاء الله، طمعًا في المودة و الرحمة في الدنيا معاها هي"
نظر له الجميع بدهشةً و فخرًا به، أما هي ففي الداخل، ارتفعت ضربات قلبها بعنفٍ و كأنه ينبض لمرته الأولىٰ، بعدما ظنت أنه نساها و نسىٰ ذكراها، الآن يطلب وجودها باقي حياته !!.
في الخارج قال "طه" بعدما نظر في وجه أخوته:
"و أنا أتشرف بوجودك في حياتي كمان يا عمار، نسمع رأي عروستنا و أنا عن نفسي و الله يا بني كفاية فرحتي إنك بس تكون في عيلتنا"
تنفست "خلود" بعمقٍ ثم خرجت لهم بتوترٍ و خجلٍ، فسألها "فهمي" بنبرةٍ ضاحكة:
"عروستنا الحلوة رأيها إيه ؟! موافقة يا خلود ؟!"
نظرت له بخجلٍ ثم مررت نظرها على الكافة، حتى التقت نظراتهما سويًا، لم تكن مجرد نظرات عابرة، إنما التوسل من جهته و الجمود منها و سرعان ما حل محله اللين، فقط رآت في نظراته أن الباقي في حياته توقف فقط على وجودها هي.
تنفست بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ مهتز:
"أنا.....أنا موافقة"
انتشرت الزغاريد على الفور و كذلك مباركات الرجال و الشباب، أما هو فأخرج زفيرًا قويًا يحرر أنفاسه المُقيدة، فقال "عامر" بلهفةٍ:
"طب بما إننا داخلين على رمضان و العيد و احنا جاهزين، كتب الكتاب يكون الخميس الجاي و الفرح تاني يوم العيد"
تدخل "وليد" يقول موافقًا باستحسانٍ:
"على خيرة الله، و المأذون عليكم و الجاتوه علينا"
ضحك الشباب عليهما و تم الاتفاق من بعدها على كل شيءٍ خاص بتلك المناسبة و تلك المرة كل شيءٍ بصورة رسمية دون أية عوائق تقف في وجهيهما، أما "خلود" فركضت للداخل هربًا منهم جميعًا حتى عانقتها "خديجة" بفرحةٍ و كذلك فتيات العائلة.
_________________________
بدأت أسرة "عمار" تنسحب خلف بعضها، و قبل أن يذهب هو طلب الحديث معها فوافقت هي أخيرًا بعدما ألح عليها "وليد".
وقف ينتظرها في الشرفة حتى دلفت له بملامح وجه جامدة، فسألها هو بنبرةٍ هادئة:
"هو أنتِ مش مبسوطة ؟!"
ردت عليه بتهكمٍ:
"ازاي بس ؟! دا أنا في قمة انبساطي، واحد معرفش عنه حاجة و الاسم أنه عاوزني معاه في حياته، و غاب عني ٦ سنين حتى نظرة العين مشوفتهاش منه، دا افتكرتك كرهتني"
سألها مستنكرًا كلمتها:
"أكرهك !! ليه و علشان إيه ؟! أنا بعدت عن أي حاجة ممكن تجمعني بيكِ علشانك أنتِ"
رفعت حاجبيها بتعجبٍ فقال هو بثباتٍ استعاده بعدما تنفس بعمقٍ:
"إن شاء الله قريب هقولك كل حاجة، مش هخبي عنك أي حاجة.... بس افتكري حاجة واحدة، إن الوقت قرب علشان عيونك توفي بالوعد"
قال جملته ثم رحل من أمامها و هي خلفه تنظر في أثره بدهشةٍ.
رحل هو و دلفت هي غرفتها و خلفها "خديجة" التي اقتربت منها تسألها بتعجبٍ:
"هو أنتِ مش فرحانة ؟!"
ردت عليها بحيرةٍ:
"مش عارفة يا خديجة، أنا فرحانة إن عمار لسه عاوزني، بس دا واحد مرة واحدة مبقتش اعرف حاجة عنه، حتى لو مناسبة صدفة جمعتنا بيهرب منها، علطول محسسني أني أقل منه، أنا فرحت أنه جاي يتقدملي بس فجأة افتكرت أنه كان ناسيني، متلغبطة و مش فاهمة حاجة، بس هكدب لو قولتلك أنا مش فرحانة، أنا فرحانة إن عمار جه"
ربتت على كتفها و هي تبتسم لها فارتمت "خلود" عليها تحتضنها و العبرات تلمع في مُقلتيها.
_________________________
مرت الأيام البقية بسرعة البرق حتى أتى موعد عقد القران، كان العمل في البيت على قدمٍ و ساقٍ و ها هي "خلود" في غرفتها تجلس بتوترٍ، بينما "فارس" و معه بقية أبناء العائلة دلفوا لها الغرفة حتى شهقت هي بخوفٍ و هي تقول بفزعٍ:
"بسم الله الرحمن الرحيم!! فيه إيه يا منك ليه و ليها !! إيه الرعب دا ؟!"
سألها "مازن" بنبرةٍ جامدة:
"هو أنتِ مش قولتي إنك مش هتمشي ؟! دلوقتي أنتِ هتتجوزي و تمشي"
تنفست بعمقٍ ثم قالت بوجهٍ مبتسمٍ:
"أنا مش هسيبكم لسه فاضل شهر و أسبوع لسه، النهاردة بس كتب كتابي زي الخطوبة يعني"
سألتها "نغم" بلهفةٍ:
"يعني النهاردة هتباتي معانا هنا ؟! مش هتروحي شقتك ؟!"
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فهلل الأطفال بفرحةٍ كبرى و هم يحتضنون بعضهم، حتى ابتسمت هي رغمًا عنها بعد رد فعلهم.
بعد مرور بعض الساعات القليلة اجتمع البقية أخيرًا و أتى المأذون يعقد قرانهما، حتى جلس "طـه" و "عمار" يضع كليهما يده في يد الأخر، و يردد خلف المأذون حتى انهتى بكلمة:
"بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير"
انتشرت الزغاريد من بعدها بفرحةٍ كبرى من الفتيات بعد توقيع "خلود" لتصبح بذلك زوجته رسميًا، كان "عمار" في تلك اللحظة أشبه بمن جاب عمره بأكمله في الصحراء بحثًا عن الماء حتى وجد بئر المياه أخيرًا، صبرٌ طال لمدة ٩ سنوات !! انتظرها و أحبها و طلب من الله وصالها دون أن يغضب المولى عز وجل بها، أو حتى يتسبب بتهوره في فراقها.
بعد عقد القران، أجلسهما "وليد" سويًا فوق السطح بعدما قام بتزيينه، كان "عمار" ينتظرها بلهفةٍ و هو يفكر هل الآن يحق له النظر لها !! هل الآن يحق له عناق كفها، بل عناقها هي بالكامل ؟! تلك الصغيرة التي لفتت نظره منذ أول مرة تقابلا بها !! أصبحت اليوم له ؟!"
وقف يفكر بها حتى صعدت له بفستانها الأبيض و حجابها بنفس اللون، عينيها الواسعة التي تشبه اللوحات المصرية القديمة و كأنها سرًا فرعونيًا أو رمزًا هيروغليفيًا يحتاج لمن يفك شفراته، لم يعي لنفسه و هو يقترب منها رويدًا رويدًا حتى وقف مقابلًا لها و هي تحاول الهروب من نظراته لها، فقال هو بنبرةٍ هامسة بعدما اقترب من أذنها:
"ساكتة ليه ؟!"
اقشعر بدنها من اقترابه بتلك الطريقة و سارت البرودة في جميع أنحاء جسدها فقال هو بنفس النبرة الهادئة:
"عارفة أنا بقالي قد إيه مستني اللحظة دي ؟! عارفة أنا بعد للحظة دي من امتى يا خلود ؟! ٩ سنين من أول مرة عيوني شافتك فيها في كتب كتاب ياسين، شغلتي عيوني و قلبي مشافش غيرك من بعدها"
حركت عينيها له فوجدته يحتضنها بنظراته و هو يقول بصوته الرخيم:
"٩ سنين بصلي و ادعي بيكِ في كل ركعة، ٩ سنين بتمنى من ربنا يجمعني بيكِ أنتِ، العين مشافتش غيرك و القلب مشغلوش غير طيفك"
نزلت دموعها رغمًا عنها فلم تتوقع كل ذلك منه، فرفع كفه يمسح دموعها و هو يقول بصوته الرخيم:
"أنا مبعدتش عنك بمزاجي و الله، بس خوفت أضعف و يبقى العقاب حرماني منك أنتِ، حبي ليكِ غريب، أنا بحبك يا خلود"
اتسعت عينيها بدهشةٍ فور نطقه تلك الكلمة فوضع هو راحة يده على وجنتها و هو يقول بصوته الهاديء:
"و الآن فقط حان الوقت لعينيكِ بالوعود أن تفي، و ها أنا حصلت عليكِ من بعد انتظارٍ طال حتى بكِ من العالم أكتفي، أصبحتُ أتغنى بحروف اسمكِ كما الغناء، و ذكر اسمكِ قبل نفسي أتيًا في الدعاء، فأكرمني الله و أهداني ما طلبتُ و شملني برحمته و أعطاني ما أحببت، فسبحان الله الذي وهبني قلبًا أحبَّ عبيرك المُسكر، و ها أنا بكِ من مطالب دُنياي أكتفيت".
استمرت العبرات تنزل من عينيها فاحتضنها هو بقوةٍ و هو يقول بلهفةٍ:
"و الله العظيم أنا بحبك، بحبك و محبيتش غيرك في الدنيا دي"
تمسكت هي بسترته و استمرت في البكاء بعدما ظنت به السوء فتفاجئت بكل الخير يأتِ منه لها.
ربت "عمار" على ظهرها ثم شدد عناقه لها و كأنه حتى الآن لا يصدق إنها أصبحت له أخيرًا.
_________________________
مرت الايام الباقية بالتتابع خلف بعضها حتى اليوم و هو أول أيام عيد الفطر المبارك، و من المفترض أن اليوم التالي هو يوم الزفاف المحدد كما اتفقوا عليه.
في صباح ذلك اليوم مع نسمات الهواء الباردة و بداية ظهور الخيط الابيض من النهار انتشر صوت التكبيرات و رائحة حلويات العيد بأنواعها المختلفة، ارتدى "ياسين" عباءته البيضاء و كذلك ابنه أيضًا، فيما ارتدت "خديجة" اسدال الصلاة و كذلك ابنتيها معها.
وقف "ياسين" في صالة شقته يعطيهم العيدية و هو يبتسم لهم جميعًا حتى وصل لزوجته فاقترب منها يقبل قمة رأسها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"كل عيد و أنتِ و هما معايا في حياتي يا رب، كل سنة و أنتِ طيبة"
ابتسمت هي له و قبل أن تتحدث تدخلت "جاسمين" تقول بضجرٍ:
"يوه !! و أنا يا ياسين ؟؟"
حملها على يده و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"و أنتِ يا روح قلب ياسين، هو أنا ليا غيرك أنتِ ؟! كلهم برة"
ردت عليه بتعالٍ:
"أيوا كدا"
ضحك هو بيأسٍ ثم فتح باب الشقة يشير لهم بالخروج من المكان و هم يضحكون بفرحةٍ.
في الأسفل وقف "عامر" و بحانبه "عمر" و "سارة" تحمل على يدها ابنتها الصغرى "ريتاچ" في عامها الأول، و كذلك نزل "ياسر" بزوجته و معه "زين" و "زينة" و كعادتها كانت تمسك يده و أخيها يسير مع والدته و نزل خلفهم "خالد" بزوجته و "يونس" و "يُسر" معهم.
اقترب منهم "ياسين" يرحب بهم و يعانق أخوته و كذلك الأطفال الصغار يرحبون ببعضهم و هم يرتدون الملابس ناصعة البياض و الفتيات يرتدين اسدالات الصلاة التي قامت "سارة" بعملها لهن.
تحدث "عامر" بلهفةٍ:
"استنوا نتصور قبل ما نروح نصلي، و أحنا نضاف كدا"
وقفوا بجانب بعضهم و كلٍ منهم يحمل صغيره و قد التقط لهم الصورة حارس عقار "عامر" الذي أخرج أمواله يعطي الصغار العيدية و هو يضحك بسعادةٍ فسأله "ياسين" بمرحٍ:
"و أنا يا عامر ؟! مش هاخد عيدية ؟!"
رد عليه بمعاندةٍ:
"الدور على ياسر يدينا، وزع يا ياسر يلا"
رد عليه "ياسر" بضجرٍ:
"نعم !! مش مكفيك اللي واخده مني ؟! ياض دول نص مليون جنيه خلي عند أهلك دم"
رد عليه "خالد" بضجرٍ:
"هتدينا عيدية و لا نخطف عيل من عيالك ؟! اختار"
تدخلت "إيمان" تقول بلهفةٍ:
"اخطفوا زينة، صدقوني هتخلي العصابة تتوب عن أفعالها"
ضحكوا عليها جميعًا و في تلك اللحظة صدح صوت الألعاب النارية الذي قام "عمر" بتشغيلها بجوار "يونس" و "زين" اللاذي ركضا خلفه و هو يضحك بصوتٍ عالٍ فقال "خالد" بيأسٍ يتخلله الضحكات:
"الدنيا بتعيد نفسها من تاني"
رد عليه "ياسين" براحةٍ:
" و أحلى إعادة في الدنيا كلها، كل سنة و أنتم طيبين"
*****************
_متأسفة عن بارت امبارح علشان بس كنت مضغوطة، البارت نزل اهو إن شاء الله فيه واحد كمان بكرة و تالت يوم العيد و أخر واحد رابع يوم العيد و كدا هتكون الرواية خلصت إن شاء الله، طبتم و طاب عيدكم برفقة من تحبون.