رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثالث والتسعون بقلم شمس بكرى
"الفصل الثالث و تسعون"
"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ_الجزء الثاني"
_________________________
"تطل أمام عيني من بعيد فيظن قلبي أن هذا هو هلال العيد"
_________________________
_ كُف عن مقارنة نفسك بالآخرين و حرر نفسك من المقارنات القاتلة، فهل رأيت يومًا أحدهم يقارن الشمس و القمر ببعضهما ؟بالطبع لا؛ فلكلٍ منهما وقته في الظهور و كذلك في إخراج ما به من ضوء.
حديثه غريب و طريقته أغرب جعلها تطالعه بدهشةٍ فيما تنفس هو بعمقٍ ثم قال بثباتٍ يتنافى مع توتره:
"أنا مش قصدي حاجة وحشة لحد و مش عاوز اتحكم في حد يا خديجة بس أنا أكتر واحد عارف يعني إيه وجود أخت و بتكون سند لإخواتها ازاي، عاوز ولادي يكبروا مع أخت حنينة زي ما أبوهم كبر كدا، بس مش عاوز حاجة تكون حرام تشيل حد منهم ذنب، من رحمة ربنا عليا اننا رضعنا سوا، و علشان كدا عاوز ولادي يتربوا مع أخت تكون واخدة حنية الدنيا كلها، ماهو اللي تتربى في حضن ياسين الشيخ و خديجة الرشيد يبقى دي هتاخد الحنية بالمعلقة زي دوا الشرب"
تنفست هي بعمقٍ ثم سألته بثباتٍ:
"يعني هو دا السبب الرئيسي بس ؟! مفيش سبب كدا و ولا كدا ؟!"
ضيق المسافة ما بين حاجبيه يرمقها بتعجبٍ من حديثها فقالت هي بثقةٍ من تفكير الجالس أمامها:
"أصل أنا فاهمة وليد و تفكيره و عارفة دار في راسك إيه، لو قولته ليك أنتَ هتتفاجأ أني عارفة طريقة تفكيرك"
انتبه لها بكامل حواسه و حدثه فقالت هي بثباتٍ و ثقةٍ لم تتزعزع:
" يعني حضرتك مش خايف الاتنين يكبروا و يحبوا نفس البنت ؟! مش خايف واحد فيهم يميل و أخوه هو كمان يميل ليها"
اتسعت عينيه بدهشةٍ من حديثها فأضافت هي من جديد:
"زي ما أنتَ سمعت كدا، أصل أنا حفظاك خلاص، و بصراحة معاك حق تفكر كدا، بس اشمعنا بنتي ؟!"
تنفس بعمقٍ ثم قال مُفسرًا:
"بصي، أنا مش هلف و أدور خلاص، بس أنا فرحتي بولادك مش هتكون فرحة عادية، يمكن أحس بكدا مع هدير أو جميلة أو هدى أو سلمى حتى، إنما أنتِ و خلود !! لأ.....غصب عني مش مقتنع غير انكم بناتي، تجيبني يمين تجبيني شمال أنا مش مقتنع غير بكدا، غصب عني عيالكم هياخدوا مكان زيادة في قلبي، و خصوصًا لما عرفت إن عبلة صعب تخلف تاني، بناتكم هيكونوا بناتي يا خديجة، مش عاوزهم يكونوا مع ولادي و بينهم حاجة غلط اتحاسب عليها، بنتك دي لو جت أنا مش هقدر احوش نفسي عنها، و واثق إنها هتكون ليهم زي ما أنتِ كنتيلي، عاوزهم لو زعلوا يلاقوها هي معاهم، صدقيني أنا أكتر واحد عارف يعني إيه مشاعر اخوات و خصوصًا وجود الأخت البنت للولد"
ابتسمت هي بتأثرٍ ثم قالت بصوتٍ متحشرجٍ:
"و أنا موافقة و كان نفسي دا يحصل، نفسي بنتي تطلع عندها أخوات ولاد أكبر منها، و أكيد مش هيكون فيه أحسن من ولاد وليد علشان يحافظوا عليها، أكيد اللي حصل ليا و ليك علمنا كتير ازاي نربي عيالنا و نحافظ عليهم، بس أكيد الدنيا دي عندها كتير و لازم الأخوات يكونوا ضهر بعض، مهما الانسان حب صحابه برضه أخواته هما أكبر كنز ليه، و لحد ما ربنا يكرمني تاني و أخلف فولادك هما اخوات ابني أو بنتي اللي جاية"
حرك رأسه موافقًا بفرحةٍ ظهر أثرها في نظره و ابتهاج ملامح وجهه ثم اقترب منها يقبل قمة رأسها و قال بعدها بنفس الفرحة:
"خلاص اتفقنا، يلا بقى أأكلك علشان العلاج"
حركت رأسها موافقةً فملأ هو ملعقة الطعام ثم أدخلها فمها و هو يبتسم لها، ثم أمسك قطعة الدجاج ثم قام بتفكيكها من بعضها حتى يسهل عليه اطعامها، و حينها بكت هي كعادتها، و قد ابتسم هو لها و كأنه يسخر منها بذلك فسألته هي من بين بكاؤها:
"أنتَ بتضحك ليه ؟! أوعى يكون عليا ؟! هعضك و الله"
ابتسم لها باستسلامٍ و قال بقلة حيلة في أمرها:
"علشان أنتِ مش بتتغيري خالص يا خديجة، هتفضل دموعك هي اللي بتتحرك و تحركك معاها، لسه قلبك أخضر و معرفش يعني إيه قسوة، لسه شوية حنية و طيبة قادرين يخلوكِ تفرحي"
ابتسمت هي له ثم مسحت دموعها بظهر كفها و حينها فُتِح الباب و طل منه "ياسين" فابتسمت هي لرؤيته في حين تحدث "وليد" بتهكمٍ:
"ما كانت القعدة حلوة و الدنيا زي الفل، جيت ليه ؟!"
رمقه "ياسين" بغيظٍ ثم جلس بجوارها يسألها بنبرةٍ هادئة:
"عاملة إيه يا ست الكل ؟! إيه أخبارك النهاردة ؟!"
حركت رأسها موافقةً و قبل أن ترد عليه تجاوب سؤاله لاحظ هو احمرار عينيها فسألها هو باهتمامٍ:
"أنتِ كنتِ بتعيطي ولا إيه ؟ الواد دا مزعلك ؟!"
حركت رأسها نفيًا فيما وقف "وليد" يقول بضجرٍ:
"الواد !!! يعني أنا سايب عيالي و حالي و محتالي و جاي آكلهالك و اخرتها الواد مزعلك ؟! تصدق إنك أبو طويلة فعلًا"
ضحك "ياسين" رغمًا عنه فيما تحرك الأخر يقترب من الباب و هو يقول بمرحٍ:
"أكلتهالك و فرحتهالك و عيطهالك و نكدت عليها و جيت أنتَ سديت نفسها، أروح بقى أشوف حبايب قلب أبوهم"
رد عليه "ياسين" ساخرًا:
"و هو حد قالك تسيب حبايب قلب أبوهم و تيجي تقعد هنا ؟!"
رد عليه باستفزازٍ أثار حنقه:
"ما تبطل حقد علينا بقى !! و لا هو علشان أنتَ معندكش أخوات بنات و مجربتش المشاعر دي ؟!"
ضحكت "خديجة" بصوتٍ عالٍ فيما أمسك "ياسين" المصباح المجاور للفراش "الأباجورة" بعنفٍ حتى ضحك "وليد" مستسلمًا و قال:
"خلاص يا عم بهزر، ربنا يخليكم لبعض و يقومهالك بالسلامة"
ابتسم "ياسين" بيأسٍ منه و هو يرى انسحابه من الغرفة، فسألته هي تلك المرة باهتمام:
"عامل إيه ؟! شكلك تعبان النهاردة"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بانهاكٍ واضحٍ:
"شوية بس مش أوي، المهم أنتي إيه اخبارك ؟! لسه المغص بيجيلك ؟!"
حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة فربت على كفها مبتسمًا براحةٍ و هي تبتسم له و هو يحاول إخفاء حماسه بقدوم طفله الأول منها.
_________________________
عاد أفراد البيت من الخارج و كذلك "خلود" عادت من مراجعتها بضجرٍ لم تعد تتحمل الباقي على الرغم من كونها أخر مادة دراسية سوف تقدم الاختبارات بها.
كانت "سلمى" تشعر بسعادةٍ بالغة وسط أفراد العائلة و كذلك "أحمد" أيضًا و العائلة حولهما يشاهدون ما قاما بجلبه سويًا، و قد شارك معظم أفراد العائلة في مشاهدة تلك الأشياء.
بعد حلول منتصف الليل شعرت "خديجة" بالألم يشتد عليها و خاصةً في منطقة البطن حينها تحاملت على نفسها و أطبقت فمها على بعضه و هي تتمسك بالفراش تحاول تجاهل الألم حتى لا تفزعهم خصوصًا أن البيت بمفرده قد خلد للنوم.
نزلت من الفراش تحاول الذهاب للمرحاض و فجأة شعرت بضرباتٍ في منطقة الرحم و كأن معدتها تتلوك مثل العلكة في الفم فلم تعد تتحمل أكثر من ذلك، حينها صرخت بصوتٍ عالٍ و هي تمسك بطنها و قد قفز "ياسين" من على الفراش منتفضًا و هو يقول بصوتٍ عالٍ:
"فيه إيه مالك ؟! فيه إيه !!"
_"الــــحــقني بـــولد !!"
_"إيـــه ؟! فجأة كدا ؟! أنتِ بتشتغليني ؟!"
صرخ في وجهها بدهشةٍ فيما تأوهت هي بصوتٍ عالٍ ثم قالت بنفس الصراخ:
_"هـو عـيـد مـيـلاد أمــي هـعـزمك عليه !! اتـــصــرف بـــقــىٰ"
تشتت حركته و ظهر تشوشه و هو يسحب أول ما قابله و هو إسدال الصلاة يضعه عليها ثم حملها على يده يركض بها و هي تصرخ بآلمٍ و قد استيقظ أفراد أسرتها بخوفٍ من الصراخ فقال هو منفعلًا بخوفٍ:
"خديجة بتولد، تعالى يا أحمد سوق العربية بسرعة يلا"
ركض "أحمد" و خلفه "طه" و سحبت "زينب" عباءتها و حجاب رأسها و هي تركض خلف ابنتها تطمئنها بالحديث و الدموع تنهمر على وجنيتها و على الرغم من ان الموضوع عاديًا لكن صوت صراخ ابنتها جعل قلبها ينتفض من محله.
لاحظ جميع من في البيت صوت صراخاتها فانتفضوا جميعًا يخرجون نحو أبواب الشقق يفتحونها فوجدوا "أحمد" يركض على السلم و أول من أوقفه كان "وليد" حينما سأله بلهفةٍ:
"فيه إيه يا احمد ؟! مين بيصرخ كدا ؟! و أنتَ رايح فين دلوقتي!"!
رد عليه "أحمد" بقلقٍ و خوف و هو يحاول اللحاق بأخته:
"دي خديجة بتولد يا وليد"
شهق "وليد" بفزعٍ ثم ركض بملابسه البيتية و خلفه "وئام" أيضًا و أثر النوم لازال ظاهرًا على ملامح وجهيهما و خلفهما رجال العائلة الكبار.
ركب "ياسين" سيارته في الخلف و هي على ذراعيه تتأوه بألمٍ يضرب في أنحاء جسدها و بأنفاسٍ متقطعة تحاول سحب الهواء لرئتيها و "أحمد" يقود السيارة و "طـه" يجلس بجواره و يلتفت بجسده يمسك كفيها و هو يدلكهما بخوفٍ عليها خاصةً مع ارتفاع صرخاتها.
_________________________
في المشفىٰ دلفت "خديجة" غرفة العمليات بعدما تم وضعها على الفراش المتحرك و دلف معها الطاقم الطبي و على رأسهم الطبيبة التي طمئنتهم بالحديث بتولي مسئوليتها.
وقف "ياسين" بخوفٍ أمام غرفة العمليات و كذلك "وليد" أيضًا، كليهما وقف يتابع الغرفة بنظره شاردًا في عالمه معها و هو يتمنى من قلبه أن تخرج بمولودها بكامل عافيتها و هو كذلك.
جلست "زينب" ترتجف بخوفٍ على ابنتها فاقتربت منها "مروة" تحتضنها و تربت على ظهرها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"إن شاء الله هتخرج بالسلامة، ادعيلها يا زينب"
رفعت "زينب" رأسها لها و هي تبكي ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ:
"صوتها و هي بتصرخ مقطع قلبي يا مروة، مش عاوز يروح من ودني"
ربتت على كتفها و هي تضرع لله بقلبها أن يحفظ لها ابنتها الكبرى، فيما زفر "ياسين" بعمقٍ ثم رفع كفيه يمسح وجهه بعنفٍ فسأله "وليد" بصوتٍ متحشرجٍ يتعجب من حالته:
"مالك ؟! هتخرج إن شاء الله"
رد عليه "ياسين" بقلة حيلة:
"أحنا كنا متفقين أنها هتولد من غير آلم أو قيصري علشان متتوجعش، بس كدا الولادة طبيعية و بألم، سبحان الله الحِسبة طلعت غلط"
ربت "وليد" على كتفه بتفهمٍ ثم قال بثباتٍ يتنافى مع خوفه:
"متقلقش ربنا هيقويها إن شاء الله لحد ما يخرجوا لينا بالسلامة"
رفع "ياسين" رأسه للأعلى و هو يقول بتمني و توسلٍ:
"يــا رب .... يــا رب"
في تلك اللحظة ركض "رياض" و معه "زهرة" خلف بعضهما و خلفهما الشباب ليكونوا بجوار أخيهم، و أولهم كان "خالد" الذي سأله بلهفةٍ:
"هي عاملة إيه ؟! و أنتَ ؟!"
حرك "ياسين" كتفيه بحيرةٍ و لم يُعقب بكلمةٍ واحدة فـ لازال أثر فذعه و صوت صراخها يتراوح في أذنه روحةً و جيئة حينها اقترب منه "رياض" يربت على كتفه و هو يطمئنه بنظراته فيما جلست "زهرة" بجوار "زينب" ثم ربتت على كفها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"هتخرج بألف خير إن شاء الله، خديجة طيبة و جميلة و ربنا هيقويها لحد ما تخرجلنا بالسلامة إن شاء الله".
بكت "زينب" رغمًا عنها فيما وقف البقية بقلقٍ بالغٍ عليها و أعمامها بجوار أبيها الذي تابع الغرفة ببصره و لم يقوى على إبعاد بصره و لو لـ سنتيمترًا واحدًا.
بعد مرور بعض الوقت من دلوفها غرفة الولادة و اختفاء أثر صوتها على الرغم من كونها ولادة طبيعية و لكن أبواب الغرفة كتمت الصوت تمامًا، و بعد مرور بعض الوقت من اختفاء الأثر لصوتها خرجت الطبيبة من الغرفة تزفر بقوةٍ ثم قالت بانهاكٍ:
"الحمد لله الولادة نجحت، رغم إن المولود راسه كانت هتتحشر بس الحمد لله عدت على خير، جابت بنوتة زي القمر، مبروك"
ظهرت الراحة على وجوههم فسألها "ياسين" و "وليد" في آنٍ واحدٍ:
"طب و هي ؟! خديجة عاملة إيه"
نظر كليهما للأخر بتعجبٍ فردت عليهما الطبيبة بنبرةٍ هادئة:
"هي بخير الحمد لله نفسها كان طويل معايا، متقلقوش عليهم"
تحركت الطبيبة من المكان فقال "وليد" له بثباتٍ:
"لما يخرجوا من جوة كل واحد فينا ياخد اللي يخصه، أنتَ تاخد بنتك و أنا هاخد أختي، أظن كدا أنا موجب معاك"
ابتسم "ياسين" رغمًا عنه بقلة حيلة، فوجد أخوته كلًا منهم يقترب منه يحتضنه و هو يهنئه بقدوم مولودته و هو يبتسم لهم بمجاملةٍ و قلبه و عقله لازالا معها بالداخل و كأنها أخذت معها كل ما يخصه ليغدو بدونها كما العائل بدون ما يحاوطه و يُضلل عليه.
_________________________
بعد مرور ساعات تقريبًا من تقديم كامل الرعاية لـ "خديجة" و ابنتها تم نقلهما لغرفة أخرى طبيعية و كان ملازمًا لهما "ياسين" و "وليد" و "طـه".
كانت "خديجة" على الفراش تبتسم بهدوء و هي ترى ابنتها على ذراع "ياسين" و كأن ما حَلُمت به يومًا ما أصبح واقعًا ملموسًا أمام عينيها و يتجسد في أكثر الهيئات الخاطفة للقلب و سارقة للعقل.
اقترب منها "وليد" يقبل رأسها ثم سحب المقعد يجلس بجوارها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"الحمد لله انكم خرجتولي بالسلامة، شكلها حلو أوي يا خديجة، عاملة زي الهلال في ليلة السحور، فرحة للكل"
ردت عليه هي بوهنٍ:
"ياسين مش عاوز يديهالي من ساعة ما فوقت و رضعتها، بس أنا عند وعدي هتكون أخت مازن و زياد"
حرك رأسه موافقًا ثم قبل كفها و قال براحةٍ ظهر أثرها في صوته:
"يا بختهم يا خديجة و يا بختي أنا كمان بقى عندي ٣ عيال في سنة واحدة"
ابتسمت هي له فيما جلس "ياسين" على المقعد يحمل ابنته و رغمًا عنه شعر بانتفاضةٍ في قلبه و تجمدت أطرافه من فرط فرحته و كأن الدماء توقفت عن السير في جسده و كذلك الوقت وقف عليه في لحظةٍ لم تكن عابرة و لكن سيبقى أثرها باقي العمر في قلبه، اليوم يبدو و كأنه أول رجلٌ يحمل هلال السماء بين كفيه، لم تكن مجرد أبنة رُزق بها، إنما حياة كاملة وهبها الله لها، طفلةٌ صغيرة وهبها الله لتعوضه عن مشاعر كثيرة ودَّ هو أن يتذوق حلاوتها يومًا ما، انتفاضة قلبه تلك و تحركه بتلك الطريقة يبدو و كأنه ينبض للمرةِ الأولىٰ.
ابتسم بحنانٍ بالغٍ يُقطر من عينيه لها حتى وجد نفسه يرفع ابنته نحو فمه ليقبل رأسها ثم قبضة كفها المتكور و هي تغمض عيناها، وجه "وليد" رأسه نحو "ياسين" بملامحه الهائمة في وجه ابنته، حينها غمز لأخته حتى تنتبه لهما ثم انسحب بهدوء.
تحدثت "خديجة" تلفت نظره لها و هي بضيقٍ زائفٍ:
"إيه يا أستاذ ياسين ؟! راحت عليا من أول ساعة كدا ؟! طب عبرني يا عم طيب"
ابتسم هو رغمًا عنه ثم اقترب منها يجلس بجوارها و ابنته على يده ثم قال بوجهٍ مبتسمٍ:
"إزاي بس و الفرحة دي أنتِ سببها يا خديجة ؟! تروح عليكِ إزاي و فرحتي دي اللي محسسني بيها أني شايل بنتي على أيدي و هي منك أنتِ، اتطمني مكانك في القلب محفوظ"
نزلت دموعها بتأثرٍ ثم مالت على ابنتها تقبلها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"ربنا يحفظكم ليا و يفرحنا سوا و مع بعض علطول يا ياسين، انتوا كل دنيتي و الله، حتى هي من أول مرة ايدي لمست جسمها و قربتها من قلبي علشان أرضعها أول مرة أحس بدقة القلب دي، و كدا قلبي دق مرتين في حياتي، المرة الأولى ليك و المرة التانية ليها هي.
رفع ذراعه يقربها منه حتى وضعت رأسها على صدره و ذراعه الأخر يمسك ابنته حتى رفعت هي ذراعها تمسكها معه؛ و في الخارج وقف "طـه" يراقبهم من زجاج باب الغرفة حتى نزلت دموعه بتأثرٍ و قد قرر العودة للخارج و لا يفسد عليهم تلك اللحظة.
_________________________
في اليوم التالي عادت "خديجة" لبيت العائلة في صباحه الباكر و قد أنهت "خلود" امتحانها ثم قامت هي و أبناء العائلة بتزيين البيت و تجهيزه ترحيبًا بشقيقتها و ابنتها الصغرىٰ.
كان العمل على قدمٍ و ساقٍ في البيت حيث جلست "عبلة" و "أحمد" و "سلمى" يقومون بوضع الديكورات المُزينة و معهم الكور البلاستيكية "البلالين" و بقية الشباب يقومون بوضع الاضواء و المقاعد و الحلويات و المشروبات الخاصة بالاحتفال.
توقفت سيارة "ياسين" أمام البيت و نزل منها هو و زوجته و ابنته على يدها و خلفهم "وليد" و بقية أفراد العائلة و مع دخولها البيت انتشرت البهجة و صوت الموسيقى المرحبة بهم الذي تولى "عامر" مهمتها و كذلك اجتماع العائلة أمامها يرحبون بها.
اجتمعت العائلة بأكملها في الطابق الأول بمرحٍ و كذلك الفتيات و معهن أزواجهن و اولادهن الصغار، فيما اقترب "يونس" من "خديجة" يود احتضانها حتى أعطت هي ابنتها لـ "طه" ثم فتحت ذراعيها له حتى ارتمى عليها يشدد عناقه لها و هي كذلك ربتت على ظهره و هي تقول بشوقٍ له:
"وحشتني أوي يا يونس، عامل إيه يا حبيبي"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بفرحةٍ:
"أنا كويس و أنتِ و النونة ؟!"
تدخل "عامر" يقول بمرحٍ:
"أيوا ياض كدا اتطمن على عروستك، النونة عاملة إيه؟!"
ضحكوا عليه جميعًا فيما اقترب "يونس" منها يقبل رأسها ثم التفت للحشد خلفه يقول بمرحٍ:
"بص يا بابا دي جميلة"
تحدث "خالد" بثباتٍ:
"ابني باس راس بنتك يا ياسين، يعني دي عدم المؤاخذة عندنا زي قراية الفاتحة كدا، ما هو عامر مش أحسن مني علشان يأمن مستقبل ابنه و أنا لأ"
تدخل"وليد" يقول بثقةٍ:
"الحمد لله أنا راجل مؤدب و قولت عاوزها أخت لولادي، اصلي هاخدها لمين فيهم ؟! دا أنا ناوي أخدها من ياسين إن شاء الله"
تحدث "رياض" يقول بضجرٍ منهم جميعًا:
"طب اتنيلوا و شوفوا اسم ليها و بعدين اتكلموا، جتكم خيبة"
تحدثت "خلود" بمرحٍ:
"بصوا علشان حوار الاسم يعني و هما شكلهم متفقوش عليه، أنا عندي فكرة، كل واحد فينا يحط اسم في ورقة و نحطهم في علبة و نخلي يونس هو اللي يسحب الورقة دي و الاسم اللي يطلع يكون هو دا اسمها، رأيكم إيه ؟!"
وافقوا جميعًا على فكرتها فشرعت هي في تنفيذها و قامت بتوزيع الأوراق على كل زوجين معًا لـ يكتبا الاسم سويًا عدا "ياسين" فقد قررت "خديجة" أن يكتب الاسم بمفرده.
قامت "خلود" بإجماع الأوراق أخيرًا ثم وضعتهم في علبة زجاجية و قامت بـ هز العلبة حتى اختلطت الأوراق في بعضها ثم اقتربت من "يونس" حتى يسحب الورقة أمامهم جميعًا فتحدث "حسن" بقهرٍ زائفٍ:
"معلش يعني !! اشمعنا يونس هو اللي هياخد بنت ياسين ؟! ليه مش علي ابني، هو أنا مش هأمن مستقبل ابني أنا كمان ؟!"
تحدث "مرتضى" بنبرةٍ ضاحكة:
"إن شاء الله طارق و خالد يجيبوا بنات و فارس و علي موجودين، أصلها جمعية اشتراكية ماشيين نوزع فيها عرايس، اتوكسوا"
تحدث "طارق" بثباتٍ:
"مع احترامي ليكم كلكم طبعًا، بس طول ما هما صغيرين الكلام دا مش هيتفتح خالص، أظن أنا اكتر واحد مجرب حاجة زي دي و خلاص اتعلمت الأدب، الطفل بيتأثر بالكلام دا و بيحفظه في عقله و قلبه، بلاش نأثر عليهم و لما يكبروا لو هما نصيب بعض يبقى ربنا هيكرمهم ببعض غصب عن الكل.
وافقه الجميع في الحديث فيما قام "يونس" بسحب الورقة ثم اقترب من "خديجة" تفتحها و حينها ابتسمت هي له ثم قامت بأخذ الورقة تقرأ ما تم تدوينه بها ثم ابتسمت بحماسٍ و قامت بوضع الورقة نصب أعينهم جميعًا ليتضح الاسم و حينها ظهر الإعجاب على أوجه الجميع حتى قرأه "ياسين" بفرحةٍ:
"نـــغَـم ياسين رياض الشيخ"
صفقوا جميعًا بفرحٍ و قد لاقى الاسم استحسانهم جميعًا، و خصوصًا "خديجة" التي نظرت في وجه ابنتها ثم قالت بعاطفة الأمومة الجياشة:
"نَــغـم و هي أحلى نغم في الدنيا كلها، صوتها نـغـم و وجودها زي نغم الألحان بعد السكوت"
اقترب "يونس" يسألها بحماسٍ:
"هي اسمها إيه يا خديجة ؟!"
ابتسمت له هي فحمله "ياسين" على ذراعيه و هو يقول بنبرةٍ مرحة:
"اسمها نـغَـم يا أستاذ يونس"
ردد "يونس" خلفه بصوتٍ ضاحك:
"نـغـم !! هي نــغم و أنا يونس !!"
حرك "ياسين" رأسه موافقًا فابتسم "يونس" ثم صفق بكفيه معًا و هو يثبت نظره عليها دون أن يحيده ثم كرر من جديد ذكر اسمها بقوله:
"نــغــم !!"
تدخل "وليد" يقول بحنقٍ:
"خلاص يا حبيبي، أنتَ هتلحنها !! مين اللي مختار الاسم دا يا جدعان ؟!"
رد عليه "ياسين" بثباتٍ:
"أنا يا سيدي اللي كتبت نغم، أول مرة سمعت صوتها حسيته زي النغمة في الودن، و يونس الله يكرمه سحب الورقة الصح"
ابتسموا له جميعًا فيما قَبل هو "يونس".
استمرت الجلسة المرحة بينهم جميعًا و هم يحتفلون جميعًت بتلك المولودة و كأن السعادة زارت البيت معها.
_________________________
بعد مرور عدة أيام كثيرة من ولادة "خديجة" و انتهاء امتحانات مرحلة الثانوية العامة أقترب موعد النتيجة و إعلان ظهورها أخيرًا، و كان البيت في تلك اللحظة على أهب لحظاته حتى تطمئن قلوبهم على "خلود".
في المساء قبل ظهور النتيجة بيومٍ كانت "خديجة" تبدل ملابس ابنتها على الفراش الصغير في بيت والدها، و "ياسين" معها يعاونها كعادته منذ ولادتها، لم يتركها بمفردها و لو للـحظةٍ واحدة، ابتسمت "نــغـم" على الفراش فيما سألته "خديجة" بحماسٍ:
"النتيجة بكرة و وليد مش سايب خلود، بالله عليك متتأخرش علينا بكرة علشان نروح بدري، فيها إيه لو كنا روحنا النهاردة ؟!"
رد عليها هو بثباتٍ و هو يداعب ابنته على الفراش:
"البيت كله توتر و زحمة و أنا جاي متأخر و نغم مش هتنام كدا يا خديجة، و مازن و زياد كمان هناك و علي و فارس، خلينا هنا و بكرة قبل ما أروح شغلي هوصلكم حلو كدا ؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم حملت ابنتها على يدها بعدما أنهتها من ارتداء الملابس، فوقف "ياسين" يتابعهما بعينيه و هو يبتسم لهما خاصةً حينما دارت بها "خديجة" و هي تمسد على ظهرها و تهدهدها و الأخرى تقوم بعض أناملها الصغيرة، لاحظ "ياسين" الشبه بينها و بين والدتها عدا خصلاتها البنية الناعمة بشكلٍ ملحوظ كما خصلات والدته "زهرة" أما الملامح الهادئة فهي تعود لوالدتها برقتها فتمنى هو أن تكبر على تلك الهيئة.
_________________________
في بيت آلـ "الرشيد" كان "وليد" جالسًا بجوار "خلود" فوق سطح البيت و على ذراعه "مازن" و على ذراع زوجته "زياد" و مقابلًا لهم يجلس "أحمد" و "سلمى"
ربت "وليد" على كتفها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أهو سايب بيتي و حياتي و شقتي و جاي علشانك إنتِ، مالك بقى يا خلود !!"
تنفست هي بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ مهتز الوتيرة:
"خايفة....وليد دا تعب سنة كاملة عملت فيها كل اللي أقدر عليه، طاقتي كلها خلصت فيها، مفيش فيا نفس احارب تاني، أنا شقلبت وضع حياتي فيها كله، عملت كل حاجة أكبر من طاقتي، خايفة أخد بالقلم على وشي بكرة"
تحدثت "عبلة" تطمئنها بقولها:
"يا حبيبتي خير إن شاء الله، طالما عملتي اللي عليكِ يبقى كله خير، و بعدين أنتِ الحمد لله مش معشمة نفسك بحاجة معينة، ربنا يكرمك بكلية حلوة تدرسي فيها الحاجة اللي بترتاحي فيها"
تدخل "أحمد" يسألها بنبرةٍ هادئة:
"طب أنتِ نفسك في إيه ؟! عاوزة تدرسي إيه يا خلود ؟!"
ردت عليه هي بحيرةٍ:
"مش عارفة بس مش حاسة إن فيه كليات مناسبة لشخصيتي، يعني مثلًا ألسن و الجو دا مش هينفعني، أنا حافظة حروف الانجليزي بالعافية، و برضه الباقي مش حساهم كدا، تربية مش هقدر بصراحة لاني مش بتاعة شرح و خلقي ضيق، بصوا !! أنا هدخل كلية مش عارفة هي إيه، بس هحس كدا أنها شبهي"
نظروا لها بتعجبٍ أما هي فرفعت رأسها للسماء تتمنى من الله أن يكرمها من رحمته في الغد إن شاء هو ذلك.
في شقة "فهمي" كان "عمار" يصلي قيام الليل و في كل سجدةٍ يقترب منها لله سبحانه وتعالى يدعو الله بقلبه أن يوفقها و يدخل السرور على قلبها، لم يتذكر نفسه في الدعاء كما تذكرها هي، لم يغفل و لو لثانيةٍ عن الدعاء لها قبل نفسه.
أنهى صلاته ثم رفع كفيه يقول بخشوعٍ:
"اللهم أنك ربي و وليِّ فأكرمني بكرمك و رحمتك، اللهم ربتُ على قلبي و قلبها و لا تذيقني مرار فقدانها و لا تجعلني أشعر بحسرة غيابها، اللهم قلبها و ما به، اكتب لها برحمتك الواسعة السعادة في أمرها، و أجعل السرور يعرف الطريق لقلبها، و الراحة تاخذ سكنًا بين ضلوعها، اللهم لا تريني فيها ما يضعف قوتي، و لا شيءٌ يُظهر حيلتي، اللهم اني وكلتك في أمري و سري و أنتَ خير المُعين"
كان "عامر" واقفًا على أعتاب الغرفة يريد التحدث مع شقيقه و على ذراعه "عمر" الذي اخفض نفسه حتى تركه "عامر" فركض بخطواته الغير منسقة نحو عمه يحتضنه، فالتفت له "عمار" يحمله بين ذراعيه ثم قبل وجنته و هو يقول بصوتٍ متحشرجٍ:
"حبيب قلب عمار، الحمد خلصت صلاة و هلعب معاك"
اقترب منه "عامر" يقول بخبثٍ:
"خلصت صلاة و لا خلصت الدعا للعروسة ؟! طب افتكرني طيب ؟!! دا أنا أبو عموري"
ابتسم "عمار" رغمًا عنه حتى جلس "عامر" أمامه يقول مطمئنًا له:
"فيه إيه يا عم ؟! دا أنتَ يوم نتيجتك مخوفتش كدا !!"
رد عليه "عمار" بلهفةٍ:
"علشان المرة دي غير يا عامر، المرة دي أنا شاغل بالي بيها هي، مش عارف هي ممكن تحس بإيه بس إن شاء الله ربنا يفرح قلبها و يستجب لدعائي، أنا بدعيلها قبلي و الله"
ربت "عامر" على كتفه و هو يبتسم له فيما قفز "عمر" على ظهر عمه و هو يضحك بسعادةٍ يريده أن يحمله على ظهره، حينها وقف "عمار" و كبله بذراعيه ثم دار به في الغرفة و الأخر يقهقه بصوتٍ عالٍ و "عمار" يضحك معه و "عامر" يتابعهما مبتسمًا بحنينٍ لما فات عليهم جميعًا و خصوصًا "عمار" ذلك الصغير الذي كان يحمله على ظهره و يدور به في الشقة بأكملها و ها هو يُعاد الزمان من جديد و أخيه يحمل إبنه بنفس الطريقة.
_________________________
في صباح اليوم التالي قام "ياسين" بتوصيل "خديجة" و ابنتهما لبيت العائلة حتى تكون مع أختها في ذلك اليوم، و قد قابلهما "وليد" في الصباح و من شدة فرحته حمل "نــغـم" يقبلها و يداعبها ثم رحب بهما و ذهب مع "ياسين" حتى يتجه لعمله.
صعدت "خديجة" للأعلى بابنتها فركضت نحوها "عبلة" تسحب منها "نــغـم" بمرحٍ و هي تقبلها و تعانقها خاصةً بعدما قامت بارضاعها مع صغارها، فشعرت و كأن الله رزقها بما ظنت أنها حُرمت منه، حيث مـنَّ الله عليها بتلك الفتاة بجوار أبنائها و كذلك "خديجة" كانت تشعر بسعادةٍ بالغة بعدما أرضعت أبناء أخيها.
بعد مرور ساعات تقريبًا من إعلان موعد النتيجة، أجتمعت فتيات العائلة معًا و الرجال و كذلك الشباب ينتظرون إعلان النتيجة و لكن "خلود" تصنعت الثبات و هي تجلس أمام الحاسوب و بجوارها "أحمد" يمسك كفها و كأنها يدعمها بتلك الطريقة و بين الحين و الآخر يربت عليها و هي تنظر له بخوفٍ.
كان "أحمد" يتابع الحاسوب و يتابع الموقع، فقالت هي بتوسلٍ:
"يا رب أنا مش طماعة، أنا عاوزة بس مجموع من الـ ٩٠٪ فيما فوق، يا رب ٩١٪"
ضحكوا عليها جميعًا فيما قالت "مشيرة" بحماسٍ:
"إن شاء الله هتجيبي أكتر من كدا كمان و تقولي عمتو مشيرة قالت، يا بت كلنا شوفناكِ و أنتِ بتذاكري، متخافيش"
انتفض "ياسين" في تلك اللحظة و هو يقول بحماسٍ:
"فتح !! الموقع فتح خلاص"
ظهر الخوف على ملامح وجوههم فيما اندفع "أحمد" نحو الحاسوب يُدخل رقم الجلوس بأنامل ترتعش من شدة الخوف لتظهر النتيجة بعد مرور ثانية أو لربما ثانيتين.
فين نفس الوقت كان "عمار" جالسًا أمام الحاسوب في غرفته و قد قام بإدخال الرقم بعدما أرسله له "ياسين" فجلس منتظرًا النتيجة لثانيةٍ مرت كما الدهر الكامل على قلبه لتظهر بعد مرور ثانيةً أخرى.
قفز "أحمد" و هو يقول مهللًا بفرحٍ:
"الله أكبر !! ٩٠٪ يا خوخة"
شهقت هي بقوةٍ ثم نظرت في الحاسوب و بعدها صرخت بملء صوتها و هي تضرب الأرض بقدميها من هول المفاجأة فارتمت عليها "سلمى" تبكي من فرط فرحتها بها و كذلك انطلقت الذغاريد من فم نساء العائلة و الفتيات و "خلود" تبكي بمشاعر عديدة لم تستطع تفسيرها لكنها كانت تعلم أن الله لن يُضيع مجهودها سدىٰ، و هي قامت بما توجب عليها فعله و ها هي نتيجة تعبها.
قفز "عمار" من على الفراش و هو يمسك الحاسوب في يده و هو يرفع صوته الذي غلفته البهجة:
"يا أم عامر، خلود نجحت يا أم عامر، ابنك فرحان من قلبه"
ركضت له "سيدة" من المطبخ بتعجبٍ حتى تقابلا سويًا في الرواق فاحتضنها هو بفرحة و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"خلود جابت ٩٠٪ يا ماما، ربنا استجاب ليا و فرح قلبي و قلبها مع بعض، السكة بتقصر على ابنك علشان يفرح"
ربتت على ظهره و بكت تأثرًا بفرحته و هو يلقي برأسه على كتفها و يردد بنبرةٍ خافتة:
"الحمد لله يا رب..... الحمد لله"
في بيت آلـ "الرشيد" انتشرت التبريكات و التهنئات بين الجميع و أكثرهم فخرًا بها كان "وليد" الذي أحتضنها أمامهم جميعًا و هي لأول مرّة تظهر تأثرها و تبكي أمامهم، و في تلك اللحظة تحدث "محمد" يلقي بمفاجئته أمام الجميع بقوله:
"طب بما إن ربنا كرمنا و فرحنا كلنا خلاص بنتيجة خلود و خلفة خديجة و هدير و حمل جميلة، قررت أني اكمل الفرحة دي و أقول إني استخرت ربنا و موافق إن أحمد يعمل الفرح في الأجازة دي"
نظروا له بدهشةٍ جميعهم و رفرف "أحمد" بأهدابه و كذلك "سلمى" التي فرغ فاهها حتى أوشك على التيبس، فهل ما سمعته كان حقًا ما سمعته أم أنها أمنية من وحي الخيال.