رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل التسعون 90 بقلم شمس بكرى

 

رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل التسعون بقلم شمس بكرى

"الفصل التسعون"
"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ_الجزء الثاني"
_________________________

"فُرضت عليَّ حرب مسلوبة الراء؛ كان سهم عينيكِ فيها بتارًا"
_________________________

_لم اتصور في حياتي أن يأتي اليوم الذي أتنازل فيه بكامل إرادتي عن أكثر الأشياء التي احترقت شوقًا للحصول عليها، لم أتوقع و لو لمرةٍ واحدة أني و بملء إرادتي قررت المضي قدمًا تجاه أكثر الأشياء البعيدة عني و عن قلبي، لم يكن الأمر سهلًا، لكن ما قدمته لي الأيام؛ جعلني أصنع من هزائمي نصرًا جديدًا يُكتَبُ لي.

و كأنما اختلط واقعه بحلمه فلم يعد يعي ما وُقع على سمعه، حتى نظر لها "طارق" ببلاهةٍ فأكدت هي قولها حينما حركت رأسها موافقةٍ بحماسٍ، حينها ظهر شبح ابتسامةٍ هادئة على شفتيه يطلب منها المزيد من التأكيد فحركت هي رأسها موافقةً للمرةِ الثانية ثم قالت بهمسٍ امتزج بالحماس:

"والله مش بكدب عليك، أنا لما فكرت روحت كشفت و الدكتورة بالصدفة طلبت مني تحاليل و أنا جهزتها لقيتها بتقولي أني حامل في الشهر الأول، شوفت بقى الثقة في ربنا !!"

فور انتهاء حديثها وجدت نفسها بين ذراعيه في عناقٍ لم تدري هي متى دخلته حتى اصطبغ وجهها بحمرة الخجل حينما أدركت تواجد الجميع حولهما، فيما لاحظ البقية ما فعله "طارق" فرفع هو صوته بنبرةٍ عالية:

"شوفتي بقى أنا فرحت ازاي ؟! اهوه أنا كنت مستني اللحظة دي من شهور علشان أفرح كدا معاكِ"

ابتعد عنها بعد حديثه ينظر في عينيها ثم اقترب منها يُلثم جبينها و لازالت هي أسيرة خجلها فقال "أحمد" بتهكمٍ موجهًا حديثه لعمه:
"إيه يا حج محمد ؟! مش سامعلك صوت يعني !! و لا هو علشان ابنك ؟!"

ارتفعت ضحكات الجميع فيما حدجه "محمد" بوجهٍ ممتعضٍ فقال "طارق" بفرحةٍ خنقت صوته من فرطها:
"اعذرني يا أحمد، بس أنا دلوقتي عاوز اتنطط زي المجنون، جميلة حامل يا جماعة"

اختلفت التعابير من بين شهقاتٍ فرحة و بين حماسٍ و استنكارٍ فاقترب "حسان" من ابنته يسألها بلهفةٍ و عبراتٌ تلمع في مُقلتيهِ:
"بجد ؟! طارق بيتكلم بجد يا جميلة ؟!"

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم فعانقها "حسان" بفرحةٍ و عاطفةٍ أبوية لم يقو على التأثير عليها فاحتضنته و هي تبكي بتأثرٍ و من بعدها توالت الأدوار في ردود الأفعال من العائلة بأكملها و كان آخرهم "أحمد" الذي اقترب منها يحتضنها و هو يقول بفرحةٍ ظهرت عليه:

"ألف مبروك يا حبيبة قلب أخوكِ، ربنا يفرح قلبك و أشوفك أحسن أم في الدنيا كلها، أنا فرحان علشانك اوي"

احتضنته هي تلك المرة تقول بحماسٍ:
"و أنا واثقة إنك هتكون أحسن و أجمل خال في الدنيا كلها، زي ما أنتَ أجمل أخ كدا"

ربت على رأسها بودٍ و امتنانٍ لها ثم اقترب من "طارق" يحتضنه مُباركًا له و كذلك بادله الأخر العناق بمثيله و في تلك اللحظة صعد "وليد" و معه "مشيرة" في آنٍ واحدٍ مع بعضهما، و حينما لاحظا الأوضاع حولهما من حماس الفتيات و فرحة الرجال و عناق "طارق" و "أحمد" حتى قال بسخريةٍ:

"جرى إيه هو احنا مفسدين الفرحة عليكم ؟!"

رد عليه "ياسين" بتهكمٍ يسخر منه:
"لأ يا راجل، هو أنتَ وش ذلك برضه ؟! اخس على اللي يقول كدا"

اقترب "وليد" منه يقف مقابلًا له و هو يقول بنفس التهكم:
"خلي بالك بقى أنتَ خدت عليا أوي، فاكر أستاذ وليد ؟"

أطاح له "ياسين" برأسه و هو يقول بضجرٍ منه:
"أمشي يالا من هنا، قال أستاذ وليد قال، الله يرحم"

دلفت "مشيرة" تقترب من الجميع و هي تقول بتعجبٍ من حالتهم:
"مالكم فيه إيه ؟! شكلكم فرحان اوي، ربنا يفرحكم دايمًا"

اقتربت منها "جميلة" تقول بفرحةٍ بادية على وجهها و نبرة صوتها:
"أنا حامل يا ماما"

اتسعت عيني "مشيرة" بصدمةٍ لم تتصور ما سمعته من ابنتها، فاقتربت "جميلة" تمسك كفيها و هي تقول بحماسٍ:
"و الله حامل في الشهر الأول، أنا فرحانة أوي"

احتضنتها "مشيرة" ببكاءٍ و هي تقبل وجهها و رأسها و كفيها معًا، فيما ابتسم "وليد" بتفهمٍ لما تشعر به عمته بعدما حاولت مرارًا في محو ما سبق، اقترب هو من "جميلة" يبارك لها ثم اضاف بسخريةٍ:

"ياريت يبقوا بنتين توأم علشان مليش خلق ادور على عرايس، كان نفسي أخد بنت ياسر بس عامر سبق بقى"

تحدث "عامر" مندفعًا:
"ولا !! أوعى حسك عينك تفكر بس مجرد التفكير فيها، بعدين دي أكبر من عيالك"

حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول:
"و فيها إيه ؟! الفرق مش كتير يدوبك شهور، بعدين هو أنتَ سايب فرصة لحد ؟؟ البت نزلت من بطن أمها كنت قاري فاتحتها"

تحدث "ياسر" بقلة حيلة:
"رجالة !! أنا أسف على المقاطعة و الله مش قصدي، بس دي بنتي اللي انتوا بتبيعوا و تشتروا فيها، يا رب نهدى و نتلم !!"

سكت "عامر" و "وليد" أيضًا فيما تحدث "رياض" بنبرةٍ ضاحكة يسخر منهم:
"يا سلام بقى لو كبرت و اديتكم على دماغكم كلكم و جابت عريس من برة !! ساعتها هتبقى كسفة ليكم كلكم"

تحدث "عامر" بنبرةٍ جامدة:
"أقسم بالله أعوره، اللي هييجي جنب زينة بنت ياسوري أنا هزعله، زينة لعموري قلب عامر معروفة"

تحدث "خالد" مؤيدًا له:
"حصل و أنا خالها و شاهد"

كل ما فات كان عاديًا أمامهم جميعًا حتى تحدث "خالد" بذلك الحديث فنظروا له بدهشةٍ حينها قال هو مفسرًا بإحراجٍ من نظرتهم له:
"مالكم بتبصولي كدا ليه ؟! لأ ماهو عامر صحيح جايبلي الكافية بس برضه ليه غلاوة عندي و معاه في أي حاجة، دا عاموري قلب خالد"

قال جملته الأخيرة بسخريةٍ مقلدًا طريقة "عامر" في التحدث فارتفعت صوت الضحكات عليهم جميعًا، فيما قال "حسن" بتعجبٍ من حالتهما:
"أنا بستغربكم بجد، ناقر و نقير علطول و مع ذلك بحس أنكم قريبين لبعض بطريقة غريبة"

رد عليه "ياسر" بسخريةٍ:
"ماهو القط ميحبش إلا خناقه"

ظهرت ملامح السخرية المرحة على أوجه الجميع فتحدث "خالد" بقلة حيلة:
"بحبه، و الله العظيم بتشل منه بس بحبه، الفكرة أني بلاقي مع عامر خالد الصغير، هو بيرخم و أنا برخم و البقاء للأرخم بقى"

أيده الجميع و "عامر" أيضًا و استمرت الجلسة بينهم جميعًا في فرحٍ و تهانٍ و مباركات تتبادل بينهم في ليل أُنسٍ على الجميع.
_________________________

في غرفة "طارق" طلبت منه جميلة أن يؤدي كلٍ منهما ركعتي شكر لله على فضله و كرمه عليهما، أنهت هي الركعتين قبله و أنهى هو بعدها ثم رفع كفيه يدعو الله أن يديم عليه الفضل و الكرم، و يثني عليه فضله، كانت هي تتابعه بعينين دامعتين ثم اقتربت منه تجلس أمامه و هي تبتسم فابتسم هو لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"ربنا دايمًا مخليكِ سبب فرحتي يا جميلة، من يوم ما وعيت على الدنيا و أنا كانت الفرحة مش سيعاني بيكِ، و لما رجعتيلي من تاني أنا الروح ردت فيا، و لما عيشتي معايا حياتي احلوت و دلوقتي هكون أب و برضه منك أنتِ"

تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت باحراجٍ منه:
"أنا أسفة أني زعلتك و قولتلك أنه مش وقته، بس أنا كنت خايفة إنك تكون يأست من رحمة ربنا، أحنا بقالنا سنة و حاجات بسيطة مش كتير اوي، خوفت تكون سلمت دماغك للشيطان يوسوس جواك، علشان كدا قولتلك نصبر على الرزق"

تحدث هو بلهفةٍ:
"محصلش، أنا بس خدت بالاسباب إننا نسعى و نشوف الحل علشان لو فيه مشكلة، غصب عني حسيت أني عاوز المشاعر دي زي كل اللي حواليا، أنتِ مش غلطانة و أنا مش غلطان بس كل واحد فينا ليه وجهة نظر"

ابتسمت هي بتفهمٍ ثم قالت بخجلٍ حينما تذكرت:
"خلاص بقى اللي حصل حصل، و بعدين شكلي كان وحش أوي قدام الدكتورة و أنا رايحة اكشف و في الأخر طلعت حامل، حاجة مضحكة أصلًا"

سألها هو بتعجبٍ من ذهابها بمفردها:
"و ليه روحتي لوحدك ؟؟ ماخدتنيش معاكِ ليه؟"

حركت كتفيها ثم قالت بترددٍ: 
"بصراحة.....يعني ماكنتش حابة إن يكون فيه حاجة تخلي واحد فينا يزعل، علشان كدا قولت اكشف أنا لو فيه حاجة أعرفك بس أصلًا قبل ما أكشف لقيت نفسي حامل و شكلي كان أهطل أوي و أنا رايحة عبيطة كدا"

ابتسم هو لها بقلة حيلة فسألته هي بحماسٍ عاد لها من جديد:
"المهم !! أنتَ مبسوط ؟!"

حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يقبل وجنتها و قال بعدها بنبرةٍ هائمة:
"مينفعش السؤال دا يتسأل و أنتِ معايا، الإجابة محسومة"

ابتسمت هي بفرحةٍ ثم جلست بين ذراعيه تقص عليه حياتهما القادمة سويًا و حماسها في رؤية طفلهما تربيه هي كما تريد و هو يعاونها في ذلك و لأول مرّةٍ يشعر بلذة تلك الأحلام معها دون أن تجحمه خيالاتٍ تشتت ثبات نفسه.
_________________________

في غرفة "وليد" قام هو بنقل كافة أشياء أبنائه إلى غرفته في شقة والده بعد إلحاحٍ دام لهم جميعًا من قبله وأمام اصراره وافقوه أخيرًا، و كان الوضع في غرفته كالآتي أمسكت "عبلة" أحد الصغيرين تُرضعه و الأخر على ذراعي والده يهدهده و هو يدور به في الغرفة مُمعنًا النظر في قسمات وجهه و رغمًا عنه زاحمت الراحة نظراته و هو بينهم ممررًا بصره على ذويه حتى نام "مازن" على يد زوجته فتنهدت هي براحةٍ ثم قالت بنبرةٍ هامسة:

"الحمد لله نام، حساه هادي اوي عن اللي معاك، أول ما برضعه بيفوق، ربنا يعينا يا ليدو"

اقترب منها بصغيره على يده ثم جلس أمامها على الفراش و هو يقول بنفس النبرة الهامسة:
"هيعينا، أنا طالب من كل قلبي إنه يقدرني على تربيتهم، غلاوتهم اللي اتزرعت في القلوب دي مش من فراغ يا عبلة، قلبي اللي دق دقة غريبة عليه أول ما بصيت ليهم مش حاجة عادية إن حد يحس بيهم، مازن اللي على ايدك و زياد اللي على أيدي دول، حياة تانية ربنا بيوهبها للإنسان علشان يعيد حسبته في كل حاجة، دول بس أنا مجبر أربي نفسي علشانهم هما، و علشانك أنتِ، كفاية عليكِ نسخة واحدة مني"

استطاع بحديثه التأثير على مشاعرها و عاطفة الأمومة لديها، فأخفضت رأسها تنظر لصغيرها على يدها ثم وجهت بصرها نحو الأخر على ذراع والده، فابتسمت بسخريةٍ و هي تقول بقلة حيلة:

"يؤسفني أقولك إن للأسف هما هيكونوا نسخة واحدة منك هما الاتنين، قلبي قالي كدا"

ابتسم هو بخبثٍ ثم قال:
"الله يصبرك بقى على اللي هتشوفيه، مش بايدي دي"

استيقظ من كان يحمله "وليد" و هو "زياد" فابتسمت هي بيأسٍ و هي تحرك رأسها نفيًا فيما ابتسم هو رغمًا عنه و نظراته نطقت بقلة حيلة بدلًا من لسانه:
"مش قولتلك !!"

_________________________

أسفل بيوت الشباب توقفت السيارات بعدما تسوقوا في عودتهم و قاموا بجلب المشتريات للبيت سويًا، وقفوا جميعًا مع بعضهم في الشارع فلاحظوا جميعهم أن "ياسر" يقف بنعاسٍ تغلب عليه، فتحدثت "إيمان" بضجرٍ:
"يا ياسر !! فوق بقى يا ياسر"

فرق ما بين جفنيه بتعبٍ و هو يتثاءب ثم قال بقلة حيلة:
"نعم !! عاوز أنام يا إيمان هيكون مالي؟ من يوم ما بقيت أب و أنا فارقني النوم"

ابتسموا بسخريةٍ فقال "عامر بتشفٍ في "خالد":
"تصدق أني كنت بدأت أحسد الواد خالد ؟! قوم إيه بقى !! ربك يكرمه بعيل تاني علشان النوم يطير من عينه و يكرر اللي حصل"

رمقه "خالد" بغيظٍ فقال "ياسر" مقترحًا على "عامر":
"بقولك يا عامر، مش أنتَ كنت طالب مني أيد زينة بنتي لعمر ابنك ؟!"

انتظر "عامر" تكملته و كذلك البقية فأضاف هو بنبرةٍ ناعسة:
"مش عيب أنتَ و ابنك تسيبوا بنتكم كدا تبات برة البيت ؟؟ دا أنا دافع مهر نص مليون جنيه حتى لابنك، هات ٣٠٠ ألف و خدها يا عم"

حاول الواقفين كتم ضحكتهم فيما اتسعت عيني "عامر" بدهشةٍ حتى أضاف "ياسر" متابعًا:
"اسمع مني أنا كدا كارمك و الله، خدها من دلوقتي و أنا أنام أسبوع كدا ولا حاجة و نبقى نصحى نقرأ الفاتحة"

رفع "عامر" صوته و هو يقول منفعلًا بضجرٍ منه:
"ما تفوق بقى يا عم !! أنتَ مخك فوت من يوم ما بقيت أب !! ما تشوف أخوك يا عم خالد"

مال "خالد" بجزعه على الصغيرة "زينة" على يد والدتها ثم قال موجزًا:
"بقولك إيه ؟! خلص على ٢٥٠ ألف و أنا هكلمه ليك في الباقي"

حاول "ياسين" كتم ضحكته و كذلك "خديجة" التي رمشت ببلاهةٍ لا تصدق ما تراه عينيها، فيما ضرب "عامر" كفيه ببعضهما و هو يقول بغير تصديق:

"ما شاء الله عيلة واطية بالوراثة، عرق داسس في العيلة كلها، فوق يالا، دا بيبعلي بنت أختك !!"

رد عليه "خالد" بلامبالاةٍ:
"و فيها إيه ؟! البت عيونها زرقا و شعرها أصفر، على الأقل هتحسن النسل اللي جاي، اسمع مني كدا احنا كارمينك"

اقتربت "خديجة" من "إيمان" تقول بلهفةٍ تقترح عليها:
" بقولك إيه ؟! هاتيها تبات معايا و بكرة الصبح و ياسين رايح الشغل هخليه يجيبهالك، علشان خاطري"

نظرت لها "إيمان" بدهشةٍ فقالت "ريهام" بسخريةٍ:
"وحدي الله بس يا كتكوتة، أنتِ لسه بدري على الكلام دا، تاخدي مين أنتِ ؟!"

ردت عليها بتلقائيةٍ:
"هاخد زينة، أنا مش بنام غير الصبح تقريبًا و هي كمان زيي، حرام نخلي زين و دكتور ياسر يناموا و أنا أسهر معاها بدل ما ياسين بيسيبني و ينام"

ضحك الشباب على حديثها فيما حدج "ياسين" فيها بصدمةٍ فقالت هي بتوترٍ:
"اقصد يعني أنه بيتعب من السهر جنبي فبينام، علشان خاطري يا إيمان هاتيها و الله لو عيطت هجيبهالك"

ردت عليها "إيمان" بقلة حيلة:
"أنا مش عاوزة ازعلك والله، بس هي بتصحى بليل علشان ترضع، هنتصرف فيها إزاي دي ؟! إن شاء الله تشد حيلها شوية و أنا هسيبهالك"

نظرت لها "خديجة" بإحباطٍ فقال"ياسر" متدخلًا في الحديث:
"طب خلاص خالد ياخدها تبات عنده المهم أنام يوم واحد"

سأله "خالد" بسخريةٍ:
"و هو أنتَ هتسيب بنتك تبات عندي و أنا عندي شاب أعزب ؟"

رد عليه الأخر يستفسر بنفس السخريةِ:
"دا على أساس أنه ابن حمدي الوزير ؟؟ ماله يونس زينة الشباب و الرجالة ؟!"

نظروا له بدهشةٍ فقال هو بقلة حيلة:
"خلاص يا جماعة ناموا أنتم و أنا هسهر ببنتي زي كل يوم إن شاء الله لحد ما نشوف أخرتها"

صعدوا جيمعًا كلٍ منهم إلى شقته أخيرًا بعدما انتهت وقفتهم سويًا، و بعد مرور بعض الوقت و كعادة "ياسر" منذ أن أصبح أبًا، حمل "زينة" على يده يهدهدها و هو يتحرك بها في أنحاء الشقة حتى نامت هي أخيرًا فجلس هو على أقرب مقعد يقابله بعدما زفر براحةٍ، فحدث نفسه بسخريةٍ و هو يقول:
"تعبتيني يا بنت الكلب، تصدقي ؟! أنا عذرت أبويا، ما هو أكيد مستحملش الهم دا، حتى دي مسبهاش ليا أتصرف فيها، لولا بس اني خايف يقولوا عليا طالع لأبوه كان زمان طافش و سايبكم، بس خوفت يتقال إن العرق دساس، المهم نامي أنتِ و أنا هسهر أحرسك، لحد ما نشوف أخرها يا زينة"

استمعت "إيمان" لحديثه بالكامل فاقتربت منه تقول بسخريةٍ:
"اطفش يا حبيبي، هو احنا ماسكين فيك يعني ؟؟"

رمقها بلامبالاةٍ فاقتربت هي منه تأخذ ابنتها حتى تضعها في الفراش و بمجرد ابتعادها عنه بكت بملء صوتها حتى ضرب رأسه بكفيه ثم اخذها بين ذراعيه من جديد فسكتت "زينة" على الفور و حينها قالت "إيمان" بضجرٍ من ابنتها:

"لأ دا شغل ضراير رسمي، البت دي من هنا و رايح هتبقى ضرتي و هحطها في دماغي"

ابتسم "ياسر" رغمًا عنه و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
" بس أنا فرحان أنها متعلقة فيا كدا، حاسس أني بنجح في دور لسه مبدأش"

رفعت زوجته صوتها بحنقٍ من همسه:
"أنتَ موطي صوتك ليه يا عم !! موطي صوتك ليه ؟! خايف على مشاعرها ؟! طب و مشاعري !"

ابتسم هو بقلة حيلة فاقتربت منه تجلس بجواره و حينها بكت "زينة" من جديد، فتحدث هو مُسرعًا:
"قومي يا إيمان نامي جوة و لا روحي عند أمك بقى، البت مش طايقة وجودك"

نظرت لهما بغموضٍ ثم ابتعدت عنهما بعدما زفرت في وجهه بقوةٍ فابتسم هو بسخريةٍ و قال لابنته بنفس النبرة الهامسة:
"تصدقي فرحان فيها ؟؟ أحسن"
________________________

في شقة "حسن" كانت "هدير" ممدةً على الفراش تنام دون أن تشعر بما حولها و هو بجوارها يملس خصلات شعرها بحنانه المعتاد كما لو أنها ابنته، ابتسم "حسن" بسخريةٍ و هو يتذكر ما مر عليه معها مرورًا بنزاعهما في الصغر حتى نومها جواره ببطنها المنتفخة، ارتفع صوت ضحكاته أكثر و هو يتذكرها في صغرها، فاستيقظت هي على إثر صوت ضحكاته الرنانة و فركت وجهها ثم سألته بصوتٍ متحشرجٍ:

"إيه يا حسن في إيه ؟! أنتَ ملبوس ؟ بتضحك لوحدك"

تحكم في ضحكاته ثم قال بنبرةٍ لازال بها أثر ضحكاته:
"لأ كل الحكاية بس أني كنت بفتكر شكلك و أنتِ صغيرة، و بصراحة مش قادر أمسك نفسي و أنتِ بطنك منفوخة كدا، شكلك يموت من الضحك يا هدير"

وكزته في كتفه بغيظٍ فتأوه هو بعنفٍ ثم قال:
"إيه دا !! نحلة بتقرصني ؟؟"

ابتسمت هي بقلة حيلة ثم اقتربت منه تضع رأسها على صدره و هي تقول بنبرةٍ ناعسة:
"الله يسامحك ما بصدق أنام شوية، بعد كدا مش هنام غير بعد ما أنتَ تنام، دا إيه التعب دا"

ربت على كتفها و كفه الأخر مرره في خصلاتها و هو يقول بثباتٍ:
"بعد الشر عليكِ من التعب، تتعبي إزاي بس و أنا موجود"

ابتسمت بسمة بجانب شفتيها فقال هو مسرعًا بلهفةٍ:
"صح أنا كلمت عم محمود و اعتذرتله اننا مشينا، علشان هو كان مصمم نقعد معاهم شوية"

ردت عليه هي باستحسانٍ:
"طب كويس، أنا فهمته أني بتعب بليل و هنا أحسن ليا، أنا مش برتاح غير هنا"

ابتسم هو لها ثم قال بمراوغةٍ:
"هو أحسن بصراحة كتير، أعاكسك براحتي، أرخم عليكِ، أصحيكي بعدما تنامي، أنا حر في بيتي، أنا واحد مش بتطمن غير في بيتي مع مراتي"

تمسكت به أكثر و هي تقول بسخريةٍ هي الأخرى:
"يعني هو أنتَ بتحب البيت هنا و أنا بحب البيت الأبيض ؟! ما أنا بحب هنا أنا كمان و بحبك يا أبو علي، هو بابا بس بيحبنا نقعد عنده علشان لوحده"

ابتسم هو براحةٍ ثم حرك رأسه متفهمًا فيما قالت هي بنبرةٍ هادئة:
"احضني يا حسن و طبطب عليا علشان أنام زي ما صحتني، اقسملك بالله لو منمتش هزعلك"
_________________________

في شقة "ياسين" اشتد التعب على "خديجة" و زاد الأمر إلى الغثيان و التقيؤ، فقضت ليلها روحةً و جيئة في الذهاب للمرحاض حتى خارت قواها و ارتمت على أول المقاعد التي قابلتها، و كل ذلك كان هو معها لم يتركها بمفردها حتى في المرحاض كان داعمًا لها و هي تستند عليه.

جلست على المقعد تنتفض بألمٍ في أنحاء جسدها حتى أمسك هو المنشفة يمسح لها وجهها، فقالت هي بنبرةٍ باكية بسبب رؤيته لها في هذا الوضع:

"أنا آسفة والله، ماكنتش عاوزاك تشوفني كدا، قرفتك معلش"

ابتسم هو بقلة حيلة ثم قال مُطمئنًا لها و يرفع عنها حرجها:
"بس يا عبيطة، أنتِ بتقولي إيه يا خديجة ؟! دا فرض عليا و الله، أنا لو معملتش كدا ابقى قليل الأصل، المهم أنتِ"

ارتجفت هي بسبب البكاء فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"تعالي علشان تاخدي الدوا، تعالي يا خديجة و بطلي هبل"

مسحت دموعها ثم تنفست بعمقٍ فيما سندها هو نحو الغرفة ثم أجلسها على الفراش و جلس هو مقابلًا لها على ركبتيه يمسح وجهها مرةً أخرىٰ ثم سحب فرشاة الشعر من جواره يُعيد ترتيب خصلاتها المشعثة و هي تبتسم له حتى انهى هو ما يفعله ثم غمز لها يشاكسها و هو يقول ممازحًا لها:

"أي خدمة يا ست الكل، استغليني بقى علشان مقلبش على الوش التاني و أسيبك و أنام"

ردت عليه هي بنبرةٍ خافتة:
"ميعملهاش، ياسين اللي أنا عرفاه ميعملش كدا أبدًا، هيستحملني لحد ما الفترة دي تعدي على خير"

جلس هو بجوارها ثم ضمها بين ذراعيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة و هو يربت على ظهرها:
"إن شاء الله هتعدي على خير و تبقي زي الفل أنتِ و اللي في بطنك كمان، إن شاء الله خير و أنا متطمن"

بكت هي بين ذراعيه بصوتٍ عالٍ لفت نظره فسألها بقلقٍ بالغٍ:
"مالك طيب بتعيطي ليه ؟! لسه فيه حاجة وجعاكي طيب ؟؟"

ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"عاوزة أكل محشي بتنجان و فراخ محمرة بس مش هقدر أعملهم"

اتسعت عينيه بدهشةٍ ثم سألها بترقبٍ للآتي:
"خديجة ؟! عاوزة المحشي دا دلوقتي ؟! النهاردة يعني ؟"

حركت رأسها موافقةً فيما لوى هو فمه بتهكمٍ مثل النساء و قال محدثًا نفسه بسخريةٍ:
"محشي بتنجان و فراخ محمرة الساعة ١٢ بليل !! لأ متيسرة"

قرر الانصياع لرغبتها حتى لا يُلقى اللوم عليه، فقام بطلب رقم أحد المطاعم المختصة في عمل تلك الانواع من الأطعمة و على الرغم من إحراجه من ذلك الطلب في ذلك التوقيت لكنه قرر تحدي خجله و قرر المجازفة و طلب المطعم لكنه تعجب من ترحيب المكان بطلبه في ذلك الوقت حتى حدث نفسه بتعجبٍ:

"هي مصر كلها متوحمة على محشي ولا إيه ؟! مش كانت رنجة باين ؟! و لا دي اشتغالة"

وصلهما الطعام أخيرًا فجلست هي بجواره تأكل بشهيةٍ مفتوحة دون أن يشاركها هو الطعام، فقط كان يراقبها و هو يحتسي مشروبه المفضل "النسكافيه" فمدت يدها له بالطعام و فمها ممتلء، فرفع كفه يضعه على صدره و هو يقول بسخريةٍ:

"ألف هنا و شفا يا ست الكل، لسه متوحم على طاجن بامية باللحمة، مرة تانية إن شاء الله"

ضحكت هي بصوتٍ عالٍ بعدما ابتلعت الطعام، فضحك هو رغمًا عنه ثم ضرب كفيه ببعضهما و هو يقول بسخريةٍ مما يراه:
"يا وقعة سودا ؟؟ دا أنا شكلي هشوف المر بكاسات العذاب ألوان"
_________________________

بعد مرور عدة أيام قليلة شارفت على الاسبوع بعد ولادة "عبلة" قرر "وليد" الوفاء بوعده أخيرًا و قام باصطحابها إلى المكان الذي يتردد عليه معه عمته دومًا دون أن يعلم أيًا من أفراد العائلة بذلك.

توقفت السيارة أمام الدار و "عبلة" في الخلف مع أبنائها تطالع ما حولها بخوفٍ و ترقبٍ حتى التفت هو لها يقول مُطمئنًا لها:
"متخافيش أنا معاكِ، هو المكان بس شكله مرعب حبتين تلاتة، و تحسيه مشرحة زينهم و ضلمة كأنه مكان تجارة أعضاء و تحسيه بيت الرعـ...."

صرخت في وجهه و هي تقول بصوتٍ عالٍ:
ما خلاص يا بني !! هو أنتَ بتخوفني و لا بتطمني ؟!"

ابتسم هو لها ثم نزل من السيارة يعاونها في النزول حتى نزلت هي و حمل هو أحد أبنائه و حملت هي الأخر حتى يدلفان سويًا، كانت الأوضاع حولهما أكثر من مُخيفة و خاصةً بسبب الصمت الذي خيم على المكان، و يبدو كأنه شعر بها، فالتفت لها يُطمئنها و هو يقول:

"متخافيش والله أنا معاكِ، بطلي التوتر دا، هتطمني دلوقتي"

حركت رأسها بخوفٍ سيطر عليها فاقترب هو من الغرفة يقف أمام الباب و قبل أن يطرقة التفت بلهفةٍ و كأنه انتبه لتوه:
"عبلة، أنا جوة هيبقى اسمي هيثم و أنتِ اسمك أميرة، تمام ؟! لو اتشتمتي مشيها، لو اتقالك إنك عديمة الرباية عديها، لو اتقالك إنك حيوانة فوتيها ولو اتقالك إنك بنتـ....."

اوقفت حديثه و هي تسأله هامسةً بحنقٍ حتى لا تلفت الأنظار نحوهما:
"و لما هو أنا بت زبالة كدا متجوزني ليه، إيه السُمعة دي"

غمز لها بمشاكسىةٍ و هو يقول:
"اتجوزتك علشان أنتِ السوبيا بتاعتي، و حقي في الدنيا"

ابتسمت هي له ففتح هو الباب لها حتى تدلف معه و بالفعل دلفا سويًا لتتسع عينيها بدهشةٍ حينما وجدت عمتها تجلس أسفل قدم المرأة المُسنة تقوم بوضع الجهاز الطبي لها في قدمٍ من قدميها، فحمحم "وليد" حتى انتبهت له عمته و قامت و هي تبتسم لهما، حينها وزعت "عبلة" نظراتها بينهما بخوفٍ لم تفهم ما يدور حولها.
_________________________

في مقر الجمعية زاد عدد الشباب بها و زاد الإقبال على فكرتها حيث توافد الشباب بمختلف نوعيهما حتى يتم معرفة الأمر بطريقةٍ أفضل بعدما قدم لها أفراد عائلتها كل الدعم للوصول لهؤلاء البشر.

كان "عمار" من ضمن هؤلاء الشباب الذين ذهبوا إلى هناك حتى يعاون في شئون الجمعية و كان هذا هو السبب الظاهري و لكن ما خفي كان غير ذلك حيث طلب منه "ياسين" ذلك حتى يطمئن عليها أثناء غيابه في العمل.

اقترتب "خديجة" من مكان جلوس "عمار" تجلس أمامه و هي تبتسم بغموضٍ، فسألها هو بتعجبٍ:
"خير بتبصيلي كدا ليه ؟!"

ردت عليه بشرٍ زائفٍ:
"عاوز تقنعني يعني أنك بقالك أسبوع كدا بتيجي هنا كل يوم علشان تعمل خير ؟! بتروح محاضراتك و تجيلي على هنا !! مش غريبة دي"

ابتسم هو لها بقلة حيلة حينما تأكد من كشف أمره ثم أضاف:
"والله النية مكانتش كدا من البداية بس سبحانه ربك مغير الأحوال بقى"

في تلك اللحظة دلف أحد العاملين بالجمعية و معه رجلٌ أخر يسير خلفه، فتوقف العامل أمامها باحترامٍ يلفت نظرها لمن خلفه فاشار لها "عمار" بالوقوف ثم اقترب هو منهما يقول بأدبٍ:

"اؤمر، تحت أمر حضرتك"
اعطاه الرجل ورقةً بيضاء و هو يقول بنبرةٍ عملية:
"دي ورقة عاوزين أستاذة خديجة تمضي عليها"

عقدت ما بين حاجبيها فيما أخذ "عمار" منه الورقة يقرأ ما دون به حتى ردد ببلاهةٍ:
"إيه دا ؟؟ إخطار من الوزارة جاي باسمك أنتِ ؟!"

تعليقات



×