رواية طوق النجاة الجزء التكميلى من بك أحيا الفصل الثامن 8 بقلم ناهد خالد

رواية طوق النجاة الجزء التكميلى من بك أحيا الفصل الثامن بقلم ناهد خالد


" في لعبة كرة القدم إن أخطأ لاعب لا يتم طرده مباشرة بل يصدر الحكم الإنذار اولاً, إن صدر حكم محكمة بإخلاء منطقة سكنية لا يتم اخلائها فورًا بل يتم إنذارهم اولاً, لا يوجد شيء في الحياة يصدر قراره بالطرد فورًا, فقانونًا وشرعًا لابد أن يسبق الطرد إنذار, وإن كان هذا حال الدنيا ماذا عن حكمة الخالق؟ إن كان العباد رحماء فالله أرحم, وإن كانوا مراعين فالله خير مراعيًا, وبفطنتك انتَ إما تستغل إنذارك الأخير إما تلقي بنفسك للتهلكة" 

-  اقعدي يا خديجة بقى هتدوخي!

قالها "مراد" وهو يراها تطوف بلا هوادة في أرجاء غرفة مكتبه بعدما تلقت خبر القبض على "إبراهيم" بتهمة قتل وسفر "باهر" لسوهاج ليتقصى الواقعة, زفرت أنفاسها بقوة وهي تقول:

-  قلقانة يا مراد, الراجل لو مات إبراهيم هيكون قضى على نفسه خلاص.

رد بهدوء تام:

-  والله يا حبيبتي يستاهل, هو اللي طايح في الكل وواخد الدنيا بصدره, والغشومية دي اخرتها وحشة, على فكرة من أول مرة شوفته يوم عزا ابوه وانا عرفت انه هينهي نفسه بنفسه. 

جلست أمامه تقول:

-   مش هكدب عليك انا قولت لنفسي نفس الكلام ده لما عرفت بالحادثة بتاعته, مش شماته بس فعلا اللي حصله زي انذار من ربنا عشان يفوق ويتقي نفسه واللي حواليه, لكن للأسف خرج منها اسوء كأنه حالف ما يتصلح حاله, رغم ان ربنا عمال يبعتله إنذارات لكن نقول ايه بقى شيطانه غالبه.

-  ده إبراهيم؟ 

قالها متسائلاً بأعين ضيقة وقد شعر أن حديثها الأخير به تلميح واضح, ولم تكذب وهي تقول صراحةً:

-  انتوا الاتنين, فيكوا شبه من بعض على فكرة فبلاش تعايب عليه. 

رفع حاجبه الأيسر مستهجنًا:

-  انا شبهه؟!

اومأت برأسها مؤكدة لتشهق فجأة حين جذبها من كفها لتصبح جالسة بجوارة فوق الأريكة وقال ناظرًا لها عن قرب:

-  انا لو شبهه مكنتيش زمانك عايشة معايا, ده فريال متحملتش تعيش معاه كام شهر, انا لو شبهه مكنتش سيبتك الفترة اللي فاتت تعملي اللي نفسك فيه وسمحتلك تتشرطي عليا وقريت معاكِ كتابين في يوم ونص لدرجة اني مش عارف اخلص الشغل اللي فوق دماغي ولا روحت الشركة النهاردة بسببك.

مالت برأسها فجأة على كتفه وتعلقت بذراعه وهي تقول بكياسة:

-  أنتَ فاكر إنك شبهه بجد! اسم الله عليك وده ييجي ايه جنبك.

قطب ما بين حاجبيه بشدة مستغربًا جملتها الأخيرة والتي بدت له سوقية بشكل ما أو وكأن من يقولها امرأة بلغت المشيب, فردد ذاهلاً:

-  اسم الله عليك؟ انتِ بتكلمي ابنك!

اعتدلت في جلستها بعدما أصبحت تواجهه الآن وقالت بأعين تلمع حبًا له:

-  وفيها ايه, ما نتَ فعلاً ابني وجوزي وحبيبي وصاحبي وساعات كتير كده بحسك ابويا كمان لما تقعد تسألني كلتي, روحتي, أنتِ تعبانة, ورغم يعني إني ساعات بحس قلقك وخوفك عليا مبالغ فيه, بس بحبه.

اقترب برأسه منها حد الخطر وهو يسألها وقد تاه في حديثها ونظراته لا تفارق عينيها:

-  هو مين ده؟ 

لتبتسم بوله من قربه ونظراته لها وهي تهمس:

-   بحب خوفك عليا, وبحبك. 

وسقط تمسكه في اللحظة التالية ليغيب معها في لحظة خاصة بهما قبل أن يفصلها رنين هاتفها المزعج, ابتعدت عنه بأنفاس متسارعة وهي تلتقط هاتفة وتقول:

-  ده باهر.

نهضت حتى تستطيع محادثة باهر بعيدًا عن تأثيره عليها:

-  باهر طمني عملتوا ايه؟ عمالة ارن عليك بقالي كتير مبتردش.

استند على ظهر الأريكة برأسه وهو ينظر لها وقدمه لا تتوقف عن الاهتزاز, للآن لا يستسيغ علاقتها به, ولا يتقبل حديثهما معًا, لكن كلما يتطرق للحديث معها في الأمر تخلق له الف مبرر وحجة وفي الأخير يضطر للصمت.

أغلقت المكالمة وهي تتنهد براحة قبل أن تنظر له تقول:

-  الحمد لله خرج.

سألها باستغراب:

-  خرج ازاي؟

أجابته بعدما عاودت تجلس جواره:

-  الراجل مماتش, هو زقله بحاجة في راسه فوقع سايح في دمه ونبضه كان ضعيف ففكروا انه مات, لكن الحمد لله طلع جرح عميق شوية وكويس, وبعد ما فاق اتفاوضه معاه والراجل كتر خيره راعى حالته واتنازل عن المحضر.

ردد ساخرًا:

-  صحيح هيبقى مشلول ويتحبس! 

-  مراد! بلاش تريقة.

رددتها بتحذير فأومأ برأسه يسألها:

-  هو ايه اللي خلاه يضربه اصلاً!

-  العجول اللي جابها جديد ماتت كلها بسبب نفس الفيروس, الدكتور كان قايله مش هينفع تجيبهم دلوقتي بس هو صمم, ولما ماتوا طبعا إبراهيم اتجنن وفقد اعصابه واتهمه انه هو اللي قصر, كلمة من ده وكلمة من ده راح ضربه.

هز رأسه ساخرًا:

-  اهو إبراهيم ده بيثبت كل يوم ان ابوه كان صح لما ورثه مزرعة العجول, محدش يعرف يتعامل معاهم غيره.

ضحكت رغمًا عنها وهي تنهض متجهها لمكتبته الصغيرة التي تقبع في ركن الغرفة والتي أمرت هي بصنعها منذ عدة أيام, وسحبت كتاب منها وهي تقول:

-  في دي معاك حق.

نظرت لأسم الكتاب برضا وهي تتجه ناحيته, لينتفض واقفًا برفض:

-  لا بقى, كده كتير يا خديجة هنقضي ال 24 ساعة في القراية! حبيبتي في حاجات تانية كتير ممكن نعملها, زي اننا نشوف الناس اللي عايشين معاهم بره دول بيقولوا ايه.

امتعضت ملامحها تقول:

-  هيقولوا ايه يعني! مصطفى يا بيذاكر يا قاعد على الفون, وتيتا يا بتصلي يا بتتفرج على التلفزيون, وطنط يا بتشارك في المطبخ, يا قاعدة في أوضتها بتشغل نفسها في أي حاجة بعيد عن تيتا سميرة, سيبك بقى من كل دول وخليك معايا.

هز رأسه يائسًا:

-  والله يا حبيبتي انا احب ما على قلبي أكون معاكِ بس لو تسيبي الكتاب ده وتركزي معايا انا وانتِ هنتبسط. 

نظرت له بتفكير تحاول سبل اغواره مفكرة في جعل وقت القراءة أكثر متعة له, فقالت:

-  طب تعالى. 

وسبقته خارجه من المكتب ليتبعها بصمت حتى وصلا لغرفتهما فدلفت بعدما وضعت الكتاب فوق الفراش لغرفة تبديل الملابس, جلس فوق الفراش ينتظرها وقد التقط الكتاب قارئًا اسمه بفضول ليعرف المحتوى الجديد الذي اختارته:

-  ما لا يسع المسلم جهله.

وبعدما قرأ الاسم ردد بفضول اكبر:

-  ده ايه ده كمان؟ 

وفتحه يقلب بين صفحاته بفضول فطري حتى وقعت عينيه على جملة جذبته:

" وعلم العقيدة لضبط العقل وما يصدر عنه من أفكار ترسخ في القلب فتحصل بالله معرفة, وهذا هو الإيمان" 

وقلب عدة صفحات أخرى ليقرأ:

" فنجد الإجابة عن سؤال الإسلام تتضمن (أفعالًا)، والإجابة عن سؤال الإيمان تتضمن (أفكارًا)، والإجابة عن سؤال الإحسان تتضمن (مشاعرَ وأمورًا قلبية)"

قرأها بصوتٍ عالٍ ثم تسائل بعدم فهم:

-  يعني ايه؟ 

واتاه صوتها يقول بعدما خرجت من الغرفة:

-  يعني يا حبيبي الإسلام مش إنك تقول انا مسلم وافعالك كلها بتدل على غير كده, والايمان مش بردو انك تقول انا مؤمن بالله وافكارك بعيدة عن الايمان, يعني أنتَ قولتلي انا مؤمن بالله بس الايمان مش معناه الايمان بالله بس, ده الايمان بالله والملائكة ورسله من اول سيدنا ادم لحد سيدنا محمد, وكتبه زي الانجيل والتوراة واخرهم واهمهم القرآن, واليوم الآخر اللي هو يوم القيامة, يكون عندك ايمان ان فيه يوم هنتحاسب فيه من ربنا,  والقدر, لازم يكون عندنا ايمان ان القدر والظروف اللي بتحصلنا من عند ربنا وكلها اختبارات سواء شر او خير, والإحسان هو ان قلبك ومشاعرك يتعلقوا بالله وبالاعمال الكويسة.

اومأ برأسه متفهمًا ثم قال مستغربًا وهو ينظر لها باعين ضيقه:

-  هو انتِ متخبيه ليه؟ 

قالها حين وجدها تخرج رأسها فقط من باب غرفة تبديل الملابس, لتقول بوجه احمر خجلاً:

-  عشان تركز معايا.

-  مش فاهم هو انتِ لو طلعتي تكلميني مش هركز معاكي؟ اومال هركز في ايه؟ 

ابتلع لسانه فور خرجت أمامه تتحرك في الغرفة بتوتر وهي تقول:

-  انت قرأت قبل ما اجي, يلا بقى نبدأ الكتاب من الأول.

نهض يمسك ذراعها ليوقفها عن حركاتها المتوترة وهو يقول بينما نظراته تجري فوقها:

-  تعالي هنا كتاب ايه وبتاع ايه, هي الحاجات دي فين من زمان!؟

وقصد قميصها الحريري نبيذي اللون الذي لائم لون بشرتها الخمرية بشكل مبهر, لم تكن المرة الأولى التي ترتدي فيها شيء كهذا لكن دومًا كان طويلاً ادنى طول وصل له هو ركبتيها, ولكن هذا الذي ترتديه الآن بالكاد يغطي فخذيها غير فتحة عنقه الواسعة...الواسعة جدًا! 

-  بص بلاش تبصلي كده انا أصلا هموت من الكسوف, بس قولت اعمل حاجه جديده تشجعك يعني اننا نقرا وتبقى زي مكافأة ليك... يوووه, انا هدخل اغير..

لحقها قبل أن تتحرك وحاوطها بين ذراعيه يقول برفض قاطع وانفاسه بالكاد تخرج:

-  تغيري ايه بس, دي احلى مكافأة ممكن اخدها في حياتي.. 

واقترب منها أكثر كاسرًا المسافة بينهما وقد ترك لعاطفته التعبير عن اعجابه بمكافأتها, ابتعدت عنه بالكاد حين شعرت بتماديه معها وهي تقول بينما تحاول الابتعاد:

-  خلينا نقعد نقرأ الكتاب بقى.

اجابها وعينيه لا تستطيع التركيز معها:

-  مش قولتي مكافأة انا حابب اخد مكافأتي.

قطبت ما بين حاجبيها رافضة باستنكار:

-  هو احنا لسه قرأنا حاجة عشان تقولي مكافأة, المكافأة دي بعد القراية. 

هز رأسه رافضًا:

-  بصي, انا احب اضمن حقي الأول, أخد مكافئتي تلاقيني رهوان معاكي في القراية, بعدين وحياتك عندي ما اعرف اركز ابدًا في حاجة تانية غيرك دلوقتي. 

ضجرت تقول:

-  يالهوي عليا, انا اللي جبته لنفسي.. مراد اعقل بقى وخلينا نقرا الكتاب.

حمل الكتاب من جواره يلقيه على الأريكة المقابلة وعاد برأسه لها ومازال يحتجزها بين ذراعيه:

-  والله ما هعرف, يرضيكِ مجهودك يروح على الفاضي؟ اقولك, خليكِ معايا دلوقتي وان شاء الله هنمسك الكتاب ده مش هنقوم غير لما نخلصه حتى لو قعدنا للصبح. 

وهي ليست معه, هي قلبها يرفرف من كلماته الجديدة على سمعها والتي هتف بها للتو غير قاصدًا, منذ متى ومراد يقول " الله" و يقدم المشيئة, تأتي بثمارها... المحاولة تأتي بثمارها هكذا رددت قبل أن تبتسم باتساع وهي تهمس له بأعين دامعة:

-  وانا معاك يا حبيبي.

وقد كان له ما نوى...

-----------------------

بسوهاج..

وقف "باهر" أمامه ينظر لحالته الغريبة منذ خرجا من القسم، صامت، حزين، منكسر، وضع لم يعهد ابراهيم عليه ابدًا! زفر انفاسه بضيق قبل ان يجلس امامه قائلاً:

_ خلاص يا ابراهيم الحمد لله عدت على خير، كويس ان الراجل رضي يتنازل، المهم تتحكم في عصابيتك بعد كده، الراجل مغلطش ومش ذنبه، المشكلة كانت عندك انت، انت اللي صممت تجيب مواشي جديدة والمزرعة لسه ماطهرتش.

لم ينظر له فقط صدح صوته يقول:

_ خلاص يابن ابوي، ملوش عازه اللي هتجوله، اسمع يا باهر انا مهانزلش الشغل تاني... عالاجل دلوق، لحد ما حس حالي زين.

سأله "باهر" مستغربًا:

_ لكن ليه؟

وهنا افضى بالحقيقة التي اعترفها بها اخيرًا لنفسه اولا:

_ الدكتور مغلطش، انا اللي عاندت وده كان ذنبي لكن لما عرفت بالخسارة مجدرتش اتحمل وطيحت فيه، انا من زمان خلجي ضيج واخلاجي زفت، لكن دلوق مبجاش هينفع اتعامل أكده مع الناس، وضعي بجى حساس، كيف مانت شايف لو كنت اتحبست واني بحالتي دي كنت هموت جوه... لو كنت ابراهيم الواجف على رجله كنت هطلع معاك دلوق ولا هاممني اتحبس ولا لاه، لكن دلوق الوضع اختلف يا خوي، واني كنت بكابر وبجول اني زين وبثبت للكل بزعيجي وجعجعتي وصوتي العالي، لكن النهاردة انا عرفت اني مش زين واني لازم اراعي حالتي ومبهدلش حالي كفايني بهدلة يا باهر.. كفايني بهدلة.

تأثر "باهر" بحديثه وشعور العجز الذي يسمعه في نبرته ويلتمسه في حديثه فقال بلهجته الأم:

_ بس انت زين يا ابراهيم، احمد ربنا ان الحادثة طلعت منيها سليم، ان كان على اللي انت فيه فهو مؤقت يمكن في يوم ترجع زين وربك يريد.

اومأ برأسه بلامبالاة وقال:

_ حتى لو مرجعتش راضي يا خوي راضي، لكن مهينفعش اتعامل في شغل دلوق، لحد ما هدى ومحتاج اراجع حالي في امور كتير محتاج وجت مع حالي ارتب فيه حياتي واعدلها.

ربط "باهر" على كتفه يخبره:

_ خد وجتك ياخوي، وانا معاك.

نكس نظراته خجلاً منه فهو الأخر لم يلق منه سوى الغضب ومُر الكلام.

خرج "باهر" من الغرفة ووقف لثواني يفكر في حديث "ابراهيم" للتو ثم قال بين نفسه:

_ سبحان الله كأن ربنا بعتله انذار أخير عشان يلحق نفسه ويفوق.. ربنا يهديك يا ابراهيم ويصلح حالك..

--------------------- 

-  تعبت ارحمني يا مراد انا جالي شد عضل في صوابعي حتى.

انطلقت ضحكاته عالية لا يستطيع التحكم بها وهو يراها تجثى ارضًا بتعب بعد قضائها لساعة على الأجهزة الرياضية, وساعة أخرى تتدرب معه على الملاكمة, خلعت القفازات من كفيها وهي تهتف نزقة:

-  اضحك يا بيه, مانتَ على قلبك مراوح, والله ما قادرة ارفع راسي ابصلك حتى.

جثى امامها على ركبتيه يقول بضحك:

-  معلش عشان بس ده لسه تالت يوم ليكِ, صدقيني كام يوم وجسمك هيتعود.
نظرت له غاضبة من ضحكه عليها وقالت وهي تلقي له بالقفازات:

-  اسمع يا بن ليلى عشان مبحبش ابوك, انا لا هتدرب تاني ولا هتدخل الصالة دي تاني, انا يا حبيبي انثى رقيقة ايه يخليني اتهبل واعمل في نفسي كده. 

ولم يزيده حديثها إلا ضحكًا, فتعصبت وكادت تنهض بعنف لتذهب لكنها صرخت فور أن حاولت التحرك وهي تقول:

-  يا لهوي, مبقاش في جسمي حتة سليمة, منك لله يا مراد. 

حملها برفق بين ذراعيهِ وهو يقول من بين ضحكه:

-  والله لو عملتِ ايه هتدربي يعني هتدربي .

--------------------------- 
أواخر مارس لعام 2021... 

شدت ذراعيها وهي تفرد ظهرها بينما تركز بعينها على الهدف أمامها لحظة, والثانية, والثالثة اطلقت لتصيب الهدف ببراعة, اعتدلت في وقفتها تنفخ في فوهة المسدس بغرور قبل أن تنظر للواقف خلفها وتقول بثقة واضحة:

-  مش قولتلك مهما تبعد الهدف هصيبه.

-  بلاش غرور, الشطارة مش من التلميذ, الشطارة من المعلم.

قالها وهو يسحب منها السلاح واقفًا جوارها لكنه لم ينظر للهدف بل نظر لها لتلفت رأسها له تطالعه باستغراب فسمعته يقول غامزًا بعينه:

-  شوفي بقى شطارة المعلم.

وأصاب هدفه دون النظر له, لتجحظ عينيها ويفغر فاهها بصدمة وهي تنظر للهدف كأنها تسأله هل أًصابك حقًا! 

ضحك بخفوت على مظهرها وصدمتها, ليقترب مقبلاً وجنتها وهي بهذا المنظر الشهي له فبدت كالطفلة المنبهرة بلعبة ما, وقال بعدما ابتعد:

-  يلا يا حبيبتي عشان نرجع البيت.

فقد كان تدريبها على حمل السلاح في منطقة بعيدة تمامًا عن مجمعهم السكني. 

أردفت وهي تتبعه:

-  معلم فعلا.

----------- 
وباليوم التالي... 

ظلت تبحث عنه في ارجاء الفيلا حتى وجدته يسبح في حمام السباحة, اتجهت له بابتسامة واسعة وجلست على حافة المسبح تتابعه بحب, حتى سبح إليها مستندًا على الحافة جوارها يسألها:

-  لسه صاحية؟ 

اومأت برأسها تقول:

-  مش عارفة بقالي كام يوم بنام كتير اوي. 

نظر لها بحنو يخبرها:

-  معلش يمكن مرهقة عشان بطلتِ تدربي الفترة دي فجسمك بيرخي.

شاكسته وهي تقول:

-  مانا اخدت شهادة التخرج خلاص. 

ابتسم ابتسامته الجميلة وهو يؤكد لها:

-  خدتيها وبامتياز. 

مدت أصابعها تقرص وجنته بلطف تقول:

-  ده عشان معايا اشطر مدرب.

اقترح عليها وهو ينظر للمياه:

-  تعالي عومي شوية بقالك فترة منزلتيش, غيري هدومك وتعالي.

رفضت تقول بتعب:

-  مش قادرة, حاسة إن راسي مش مظبوطه وفي دوخة بسيطة كده.

سألها بقلق واضح:

-  مالك يا خديجة انتِ بقالك فترة مش كويسة, لو في حاجه تعباكِ قوليلي.

هزت رأسها رافضة بلطف:

-  مفيش حاجة يا حبيبي, صدقني مفيش حاجه تعباني, بس مش عارفه ارهاق مستمر وحاسه اني كسلانة اوي. 

رفع كم كنزتها الخاصة ليرى جهاز السكر المثبت على ذراعها الايسر فوجد مستواه طبيعي, فقالت هي:

-  ما الدكتور قال ان الحمد لله شبه اتعافيت من السكر, بعد ما حالتي النفسية بقالها فترة متحسنة, ولولا اصرارك على اني افضل سايبه الجهاز كان زماني شيلته. 

زفر أنفاسه يقول:

-  مفيهاش حاجه لو سبتيه شويه كمان زيادة تأكيد, بس انتِ مالك بقى!

-  مش عارفه.

قالتها بخفوت وهي تشعر بتوعك بسيط يصيب معدتها, فتأفأفت وهي تنهض واقفة:

-  يووه.

صعد من حمام السباحة واقفًا أمامها يسألها باستغراب:

-  في ايه؟ 

اتجهت للكراسي المفتوحة الموضوعة بالقرب من المسبح وجلست فوق احدهم تنحني على نفسها قليلاً, فجلس القرفصاء أمامها ينظر لها منتظر اجابته, لتقول بتعب:

-  مغص بيجيلي كده دقايق بسيطة وبيروح. 

التقطت المنشفة الموضوعة على الكرسي المجاور ووضعها على جسده العلوي بينما يقول لها:

-  لا بقولك ايه قومي نروح لدكتور كده مش هينفع.

رفعت رأسها له تقول:

-  بس ده شوية مغص الموضوع مش مستاهل. 

عقب بنبرة لا تقبل النقاش:

-  يلا يا خديجة.

وسحبها من ذراعها لتنهض معه واقفة واتجها للداخل لتتنهد بضيق تقول:

-  البيت وحش من غيرهم.

اومأ برأسه يقول:

-  فعلا, بس هانت كلها 10 ايام ويرجعوا, مش متخيل انا تيتا وليلى راحوا مكان سوا.

ضحكت وهما يصعدان السلم وقالت:

-  هم رضيوا يروحوا من غير مصطفى, وتيتا تقولي انا رايحة عمرة صحيح مش رايحة اتساير معاها بس بردو خلي مصطفى يكون معانا عشان لو الأمور ولعت يهديها. 

-  يلا كويس انه خلص امتحانات الترم الأول هو أصلا كان نفسه يروح.

ابتسمت تسأله:

-  قولي بقى صليت الضهر ولا استغليت نومي وحمرقت؟

-  حمرقت!

رددها بحاجب مرفوع مستنكرًا كلمتها ثم قال:

-  لا صليت, محمرقتش, عشان أصلا انا بصلي لاني مقتنع حتى لو بنسبة 70% بس بقيت مقتنع ان دي حاجه ربنا فرضها علينا عشان كده بقيت بصلي وبحاول على ما قدر ماضيعش فروض كتير مني.

-  عشان ربنا قال...

قالتها تحثه على توطيد موقفه ليقف في منتصف الغرفة محاولاً تذكر كلمات الآية الكريمة ثم قال فجأة:

-  آه, افتكرت.. "  اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ"

اتسعت ابتسامتها تقول:

-  صح يا حبيبي, بس مستحب تسمي الله قبل ما تقول الآية.

-  ايوه صح. 

دلف ليغير ثيابه أولا, فسألته بينما يفعل في الغرفة الملحقة:

-  اختارت كتاب, الدور عليك. 

فلقد اتفقا أن يختار هو كتابًا مرة والمرة التالية تختار هي وهكذا, بعد أن قرأ سويًا عدة كتب في الفترة السابقة: 
" حوار مع صديقي الملحد" 
" رحلتي من الشك إلى اليقين"
"تحت راية القرآن" 
" فاتتني صلاة" 
" رسائل من النبي"

سمعت اجابته من الداخل يقول:

-  ايوه, اختارت كتاب اسمه " الله لا يرمي النرد" هو عنوانه شدني.

-  تمام لما نرجع نبدأ قراية فيه. 

------ ------- 

انتهت الطبيبة من كشفها في المستشفى التخصصي المعروفة في المنطقة, لتقول:

-  بصي الاحسن تروحي كشفا نسا, انا كشفت باطنة وعملت سونار بس مقدرش اقولك أي تشخيص يخص مجال تاني, هو بالنسبه لتخصصي انتِ زي الفل, فهحولك دلوقتي كشف نسا وهم هناك هيفيدوكي. 

وبالفعل هي الآن متسطحة على فراش الكشف وطبيبة النسا أمامها تتابع الشاشة التي تظهر ما بداخل رحمها, لتسألها وهي تمارس عملها:

-  قوليلي يا مدام خديجة عادتك الشهرية متأخرة؟

صمتت قليلاً تحسب ثم قالت بحرج وعينيها تنتقل بين الطبيبة وبين "مراد" الذي أصر على حضور الكشف معها خلف الستار:

-  يعني... 

-  يعني قد ايه؟ 

تنحنحت تجيب بخفوت حرِج:

-  يمكن خمس أيام كده مش كتير. 

سألتها الطبيبة ثانيًة:

-  أنتِ عندك ولاد؟

نفت تقول:

-  لا, لسه محصلش نصيب.

وحقًا الأمر كان يؤرقها من مدة, فلقد تأخر حملها وهي تجهل السبب, حتى انها فكرت بعد انتهاء أزمة مراد واقناعه بالابتعاد عن عمله حتمًا ستذهب للطبيبة, ابتسمت الطبيبة تخبرها:

-  طيب يا ستي الف مبروك, اهو النصيب حصل.

-  بجد؟ هي حامل؟ 

قالها "مراد" متسائلاً من بين صدمته, لتؤكد له الطبيبة تقول:

-  هو لسه كيس الجنين مش باين اوي, غالبًا هي يدوب كملت شهر, بس الحمل موجود اكيد.

ادمعت عينيها بشدة وهي تنظر للشاشة التي لا ترى فيها شيء ملحوظ لكنها وكأنها شعرت به للتو, شعرت بوجوده داخلها الذي جهلته, وتشعر ان قلبها سيتوقف من شدة النبض, شعور رائع, بل هو في الحقيقة اكثر من رائع بكثير..

وهو مسح وجهه بكفه عدة مرات كأنه يفيق من تأثير مخدر مجهول ليستوعب الخبرية, وفجأة ابتسم واتسعت ابتسامته شيئا فشيء حتى صدحت ضحكة خافتة منه واتجه لها غير مهتمًا بوجود الطبيبة يقبل جبهتها بعمق وسقطت دمعة وحيدة من عينه على جبهتها وابتعد ينظر لها بتأثر:

-  أنتِ حامل!

لم تعرف هل يسألها أم يخبرها لكنها هزت رأسها عدة مرات مبتسمة ببكاء.. 

والطبيبة تبتسم بتأثر من الموقف أمامها لطالما كانت هذه اسعد لحظات يومها على الإطلاق... 

----------- 

وصلا المنزل ليخبر "مراد" الخدم أن يأخذوا اليوم إجازة وممتد لأسبوع كامل تحت استغرابهم.

صعدا للأعلى وجلس أمامها فوق الفراش محاولاً قول الكثير من الكلمات لكن كلما حاول النطق يصمت, حتى قال أخيرًا كلمات بسيطة لم يستطع التعبير بأكثر منها:

-  أنا...أنا مبسوط اوي.

هزت رأسها مرارا تسأله بدموع كأنها تسأل طفلها:

-  فنقول ايه؟ 

ابتسم وضحك ثم ابتسم وهو يقول بنبرة متأثرة:

-  الحمد لله... الحمد لله.

القت بنفسها عليه تعانقه بقوة ليعانقها بالمثل وهي تبكي بسعادة وهو يتنهد تنهيدات كثيرة بفرحة عارمة.. 

---------------- 

بمكان آخر.... 

-  ها عملتوا ايه؟ 

قالها رجل يجلس على كرسي مكتبه ويبدو من مظهره ان الشر يكمن داخله ليرد الواقف امامه:

-  نفس الخطة الخيبة يا باشا, سفر امه وجدته واخو مراته من كام يوم, ولسه لحد دلوقتي مرجعوش, والنهاردة كان مع مراته في المستشفى وقبلها راح مكان يدربها على ضرب النار اللي بقاله مدة بيدربها عليه.

نهض الرجل ممسكًا بسيجارته يبتسم ساخرًا ابتسامة مقيتة:

-  اول مرة اعرف ان مراد غبي, طب لما يحب يهرب هو كمان يهرب بخطة جديدة, مش يمشي على نفس نهج اللي قبله, عموما, انا كلمت البوص الكبير وخدت منه أمر التصفية.
جحظت عين الرجل الواقف أمامه يسأله بصدمة:

-  اصفي مين يا باشا؟ 

نظر له بحدة يقول:

-  مراد وهدان, هيكون مين, صفيه هو و مراته وكل اللي في بيته, مش هنسمح اللي حصل مع دياب وطارق و هاجر يحصل تاني, محدش تاني هيهرب واسرار المنظمة في جيبه... نفذ.

تحرك الرجل فورًا من أمامه لينفذ طلبه, بينما قال هو بضيق:

-  انتَ اللي اختارت نهايتك, خسارة يا مراد... خسارة.

--------------------- 

ارتدت "ترنج" بيتي مريح وربطت شعرها ذيل حصان قبل أن تنزل لبهو الفيلا بالأسفل وهي تسأله بينما تسمع صوته في المطبخ:

-  تحب اساعدك؟

-  لا شكرًا, ايه اللي نزلك؟ 

رفعت صوتها تخبره:

-  لا مانا مش هعيش جو الحوامل ومتتحركيش والكلام ده, انا خارجة الجنينة شوية. 

قالتها وهي تتجه بخطواتها للحديقة الخلفية لأنها بشعرها وثياب غير مناسبة فلا يجب أن تظهر في الحديقة الأمامية والحرس هناك... 

ضحكت وهي تتذكر القائمة الطويلة التي القاها "مراد" على مسامعها من تعليمات تلتزم بها الفترة المقبلة لتنتظر حتى انتهى ثم أخبرته بهدوء انها لن تفعل أيًا مما قاله وبالكاد سمحت له بالطهي لهما اليوم حتى يعود الخدم بعد اسبوع فقد قرر أن يبقيا على راحتهم هذه الأيام دون وجود أحد معهم حتى عودة الغائبين..

وبينما تستمتع بالأجواء والهواء الطلق شعرت بحركة غريبة خلف الاسوار واستمعت لاصوات إطارات سيارات تصطف خلف بعضها, رجعت بخطواتها حتى أصبحت بجوار عمود عالي يحجب الرؤية, وظلت تتابع, فجحظت عينيها حين رأت عدة رجال يتسلقون السور وقد بدا الشر محيطًا بهم...

وفجأة وجدت نفسها منحصرة خلف هذا الجدار غير قادرة على التحرك خطوة حتى لا يروها, وسمعت بدأ تصاعد أصوات الطلقات... 

وبالداخل خرج "مراد" يركض من المطبخ خوفًا عليها, قفز درجات السلم صعودًا حتى وصل لغرفته فخطف سلاحين وعاد ينزل كل درجات السلم في قفزتين, خرج بحذر وهو يرى بعض الرجال, يعلم جيدًا أين سيجدها وبالفعل وجدها تختبأ خلف الحائط الطويل المقابل للمسبح, ليتجه لها محاولاً عدم لفت نظرهم , لكن لم يمر الأمر كما توقع, ووجد كل ارجاء الحديقة مليئة بالرجال, ورأوه فبدأوا يطلقون عليه من مكانهم فاضطر هو لتبادل اطلاق النيران معهم من جهة وحراسه يفعلون المثل من جهة أخرى.. حتى وصل لها, واختبأ بظهره خلف الحائط الكبير يسألها بذعر: 

-  أنتِ كويسة؟

اومأت تقول بخوف حقيقي:

-  في ناس كتير اوي, ومعاهم سلاح, شكلهم خطر. 

-  امسكِ.

قالها يعطيها سلاح, لترفعه في وضع الاطلاق.

-  مش هينفع نفضل هنا كتير لازم نتصرف ونرجع للبيت. 

نفت برأسها بذعر تقول:

-  مش هينفع, هيشوفونا وهيضربوا علينا قبل ما نوصل.

-  مقدمناش حل تاني.

سب سبة عنيفة حين انتبه لهويتهم ليقول بصدمة:

-  دول من المنظمة, طب ليه؟ ليه يهجموا على بيتي؟ ياولاد ال****.

نظر لها يقول:

-  لازم نهرب من هنا, دول ما دام هجموا على بيتي يبقوا جايين يصفوا. 

سألته بارتعاش:

-  نعمل ايه؟ 

-  هنرجع زي ما جيت, أنا هجري قدامك وانتِ هتكوني في ضهري بس تضربي نار عشوائي بمسدسك.

نفت برأسها خائفة:

-  هتكون قدامي ازاي كده أي رصاصة هتيجي فيك! خلينا نكسر الازاز ده.

قالتها مشيرة للزجاج خلفها الذي يظهر منه المنزل, ليقول:

-  مستحيل, ده مقاوم للصدمات والرصاص لو عملتِ ايه مش هيتأثر, احنا هنعمل زي ما عملت هنعدي عمود عمود.

-  مراد انا مش هسيبك تكون قدامي.

حاول تهدئة نفسه في هذا الموقف العصيب وقال مقترحًا:

-  خلاص انا هفضل هنا ازاولهم واضرب نار لحد ما توصلي العمود الجاي تتخبي وراه وتضربي انتِ لحد مانا اجري واوصلك وهكذا لحد ما نوصل لباب البيسين. 

وقد كان يفصلهم عن باب البيسين اربع عواميد عريضة يسهل الاختباء خلفها وبين الواحد والأخر مسافة ليست بعيدة, اومأت موافقة وتم تنفيذ الخطة... 

اطلق النيران و ركضت فوصلت للعمود الأول, واطلقت هي فركض ووصل لها, وبعدها ركضت هي..... حتى وصلا عند العمود الثالث, وبدأت طلقات النيران تزداد عليهما.

-  الحرس بتوعي ماتوا. 

بكت بانهيار مفاجئ وهي تدرك حقيقة ما قاله قبل أن يقوله, فالدخلاء جميعهم اصبحوا يحيطون بهم.

-  خديجة اهدي, اهدي واجري يلا.

وبالفعل ركضت, وحين استقرت اطلقت نيرانها لكن بايدي مرتعشة متذبذبة, وركض وقبل أن يصل للعمود أصابته رصاصة غادرة في جانبه الأيسر ليكتم ألمه حتى أصبح يجاورها وهبط على الأرضية رغمًا عنه من الألم, فهبطت جواره تبكي بقوة وهي تشعر بالنهاية..

تهاوت دموعها برعب وطلقات الرصاص لا تتوقف وصوتها يربكها ويرعبها أكثر.. 

لأول مرة تُوضع في موقف كهذا، تقسم أن قلبها يكاد يتوقف من الرعب، اغمضت عينيها مع تتابع الصوت وارتفاعه حولها، دموعها لم تجف بل تزيد لتغرق وجنتيها وجسدها يرتعش كأنها تجلس تحت المطر في منتصف يناير والصقيع يضربها، فتحت عينيها على صوته الناهج وهو يخبرها:

_ خديجة اسمعيني، أنتِ لازم تخرجي من هنا، لازم تبعدي عن الجنينة لو فضلتي اكتر من كده لا انا ولا انتِ هنعرف نهرب.

سألته بتيه واضح وعينيها تطوف في المكان:

_ اهرب ازاي؟ اخرج فين؟ أنتَ مش شايف! مفيش مكان إلا وهم فيه...

اغمض عينيه وسب من بين اسنانه على الوضع القائم، ثم فتحهما يقول:

_ هتدخلي من باب البيسين، هتدخلي للفيلا من غير ما يشوفوكي، من هناك هتدخلي المطبخ هتلاقي باب صغير ورا ركن القهوة اول ما هتسحبيه هتلاقي الباب وراه، هو لون الحيطة لكن لو خبطي بايدك هتسمعي صوت الخشب اضربيه برجلك جامد هيتفتح... الباب ده اخره هيطلعك على فتحة زي فتحة البلعات بعد الفيلا وقرب بوابة الكمبوند، بعدها تجري ومتبصيش وراكي لحد ما تحسي نفسك في مكان آمن، وامسكِ.

قالها وهو يخرج هاتفه من جيبه يعطيه لها:

_ ده تلفوني الباسورد "deja" بالانجليزي، اول ما تلاقي نفسك في أمان طلعي رقم غسان كلميه خليه يجيلك، بس اوعي تتصلي من تلفوني سامعة، اوعي يا خديجة..

هزت رأسها عدة مرات نافية وهي تعود للخلف خطوة بجسدها:

_ لا، انتَ ليه بتتكلم عني بس؟ انتَ مش هتيجي معايا؟

حرك رأسه نافيًا وكفه في الخفاء يضغط على جرحه النازف في جانبه الأيسر:

_ مش هينفع، لازم افضل هنا اضللهم لحد ما تهربي.

انهارت في البكاء وهي تقول بصعوبة من بين شهقاتها:

_ لا.... مش هسيبك يا مراد، مش هسيبك.. انا لو سبتك مش هتخرج حي..

يعلم انها لن ترضخ لرغبته بسهولة لكنها عليها التنفيذ تحت أي ضغط، فقال محاولاً اقناعها:

_ لازم تسبيني يا خديجة، لو مش عشاني فعشانه.

قال الأخيرة مشيرًا لبطنها لتنهار أكثر وهي لا تعلم ما عليها اختياره، وليطمئنها قال:

_ صدقيني هكون كويس، غسان هيبعتلي الرجالة وهكون كويس.

_ انا بعرف اتعامل مع المسدس، انت شوفت اهو، هفضل معاك لحد ما يوصلوا.

لم يعد يستطيع المقاومة ويشعر بأنفاسه تقل، عليها الذهاب في اسرع وقت ممكن..

_ خديجة قومي... قومي..

صرخ بالاخيرة بها فانتفضت واقفة فقام بالكاد محاولا عدم إظهار آلامه، التفا بموازاة الحائط المختبئان خلفه حتى ظهر الطريق أمامهما.. اشار لها يقول:

_ هتجري من الطريق ده وانتي موطيه وهتدخلي من باب البيسين، تجري باقصى سرعتك يا خديجة عشان محدش يلحق يشوفك، وانا هلفت انتباههم في الجهة التانية..

اومأت برأسها وهي لا تتوقف عن البكاء، ليمسك وجهها بكفه وقد ادمعت عينيه بينما يقول بتأثر:

_ أنتِ عارفه اني بحبك صح؟

اومأت برأسها وهي تشهق ببكاء، ليقترب مقبلا جبهتها بحب يقول:

_ انا محبتش في حياتي غيرك ولآخر نفس فيا قلبي مسكنتوش غيرك، بحبك يا خديجة. 

مالت برأسها ببكاء تقول:

_ بلاش كده، متتكلمش كده..

- حاضر يلا بسرعة، اول ما اروح الجهة التانية وابدأ ضرب اجري على طول..

وركض عائدًا للعمود السابق حتى يشغل انتباههم.. 

وركضت وهي تبكي بصوت مرتفع وصراختها تعلو مع علو أصوات الرصاص من حولها, ركضت ولم تنظر خلفها ولا تستطيع التوقف عن الصراخ حتى بعد أن وصلت لمطبخ الفيلا, سحبت القطعة الخشبية بعنف فتهاوت ارضًا مصدرة صوتًا هائلاً, وضربت الحائط بقدمها عدة مرات حتى كسر الباب فوجدت درج يوصل للاسفل وفي الظلام ودون الاهتمام لأي شيء نزلته... هي لا تفكر سوى في شيء واحد الهرب والوصول لغسان ليأتي لمساعدة مراد قبل فوات الأوان...

ركضت في الممر المظلم وكأن أنفاسها ستنقطع, ركضت وصراخها لم ينقطع رغمًا عنها وكأنها أصيبت بحالة نفسية سيئة, ركضت ولسانها يردد كلمة واحدة "مراد" ...

و "مراد" يصارع للبقاء حيًا, يصارع للحاق بها يخشى ألا تصل وألا يصل لها غسان, يخشى أن يقضوا عليه ويدخلوا الفيلا وتكون مازالت موجودة... 

زفر نفسًا قويًا متحاملاً على نفسه وكابحًا ألمه, قبل أن يقرر النهوض والركض للداخل غير مباليًا بشيء آخر غيرها...

ونهض راكضًا ومسدسه لا يتوقف عن الاطلاق, لكنه توقف حين فرغت خزينته, فاكمل طريقه ركضًا دون مسدسه وفجأة شعر وكأن سهم تأججت النيران في مقدمته أصاب ظهره وقد كان على مشارف باب المسبح, ليتخطاه بالكاد دالفًا للفيلا ثم... سقط دون حراك وقد فقد الشعور بأي شيء حوله... وتوقفت الطلقات وقد بدأ الدخلاء بالتوجه للفيلا بحذر.... 
تعليقات



×