رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن والثمانون بقلم شمس بكرى
"الفصل الثامن و الثمانون"
"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ_الجزء الثاني"
_________________________
"كم قاسي الكتمان في حين أن كل ما بداخلك يود الصراخ"
_________________________
هل ظننتُ أن هذه الحياة ستتوقف عن تلقينك الدروس على هيئة صفعاتٍ موجعة؟ هل ظننتُ أن كل ما لديها من جديدٍ انتهىٰ؟ فلازالت تملك من الدروس المزيد و كل درسٍ يترك أثرًا لا يزول من القلب حتىٰ و إن زالت الحياةِ نفسها.
لم يصدق "وليد" ما وقع على سمعه و ارتمى في حضن "خديجة" مثل الطفل الصغير الذي يبحث عن ملجأه وسط خوفٍ من قبيلةٍ بأكملها، صدمة لم يتحملها عقله و قلبه و أثرت على كيانه، فيما نظر "طارق" لـ "سلمى" التي ارتمت عليه تبكي بقوةٍ و هي تتذكر حديث شقيقتها معهما بالأمس.
دلف الطبيب لها من جديد فيما وقفوا جميعهم بالخارج ينتاب القلق قلوبهم و يغلف الخوف نظراتهم و أكثرهم تأثرًا كانت "هدير" نظرًا لمكانة الأخرى لديها، فارتمت على "حسن" تبكي بخوفٍ فرفع كفه يربت عليها و هو يحاول طمئنتها لكن خوفها تغلب عليها و خاصةً بعد حديث الطبيب و نظراته المتأسفة.
كان "وليد" بين ذراعي "خديجة" و هي تربت عليه و "ياسين" أيضًا يُطمئنه حتى خرجت له الممرضتين بعد مرور ساعتين أخرتين تحمل كلٍ منهما طفلًا على ذراعيها، حينها وقف "وليد" أمامهما فمدت الأولى يدها له و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"اتفضل ابنك الأول"
أخذه من يدها بكفين مرتجفين و حمل "مرتضى" الأخر على يده و هو يبتسم بتأثرٍ، فسألها "وليد" بخوفٍ و صوتٍ مختنقٍ:
"طب هي ؟! عبلة عاملة إيه طيب ؟! كويسة صح ؟!"
ابتسمت له تطمئنه و هي تقول:
"الحمد لله، سيطرنا على الوضع، هتخرج قريب إن شاء الله من العمليات"
تنهد هو براحةٍ، فاقترب "طارق" يسألها بلهفةٍ:
"بجد ؟؟ يعني هي هتبقى كويسة طيب ؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من أمامه، فأعطىٰ "وليد" ابنه لـ "طارق" و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا مش هسيبها يا طارق، أمسك"
أخذ "طارق" منه الصغير فيما ابتعد "وليد" عنهم يطلب من "ياسر" بتيهٍ:
"أنا عاوز أدخلها يا ياسر، ينفع ؟"
رد عليه "ياسر" بثباتٍ مقدرًا حالته و ما يشعر به:
"مش هينفع يا وليد، دي أوضة عمليات و مش اي حد يدخلها، اتطمن طالما الممرضة طمنتك يبقى خير إن شاء الله"
ابتلع "وليد" غصة في حلقه ثم نكس رأسه للأسفل فاقترب منه "عامر" يربت على ظهره و هو يقول مؤازرًا له:
"متخافش والله دا اختبار من ربنا ليك، ادعي و إن شاء الله تخرجلك بالسلامة زي ما ولادك خرجولك"
رفع رأسه للأعلى يقول بقلبٍ موجوعٍ:
"يـــا رب !! خرجهالي بالسلامة"
اقترب منه "وئام" يقول بنبرةٍ هادئة يحاول إزالة خوفه:
"هتخرج إن شاء الله، صدقني ربك كريم و رحيم بعباده و أنا جربت احساسك دا من سنة و أكتر لما هدى كانت مكانها، ربنا يطمن قلبك عليها زي ما طمنك على ولادك، تعالى شوفهم"
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ متحشرجة:
"مش هشوفهم و لا اسميهم غير و هي معايا، دا كان اتفاقنا سوا، إننا نشوفه سوا و نسميه مع بعض و لحد ما هي تخرج أنا مش هعمل أي حاجة"
ربت "خالد" على كتفه ثم قال بتأكيدٍ لحديث أخيه:
"صدقني !! هتخرج و هتشوفوهم سوا، أنا مقدر اللي أنتَ فيه، اتطمن و متقلقش"
حرك رأسه بحركةٍ خافتة بالكاد تُرى بالعين ثم حرك رأسه للخلف ينظر لـ "طارق" الذي أمسك الصغير على يده و هو يحاول الثبات أمامهم جميعًا و "سلمى" التي كانت تبكي بخوفٍ و "أحمد" بجوارها يربت على كتفها، حينها تحرك "وليد" يجلس على ركبتيه أمام "طارق" يسأله بخوفٍ:
"هي...هي عبلة لما طلبتك أنتَ و سلمى امبارح كانت عاوزاكم ليه ؟! قالتلك حاجة أنا معرفهاش ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم اخفضها من جديد يتابع الصغير على يده، فاقترب منه "محمد" يربت على ظهره و هو يقول:
"قلبي بيقولي أنها هتخرج إن شاء الله، صدقني يابني، عبلة هتبقى زي الفل و أنتَ بنفسك هتتأكد من كدا لما تخرجلك، قلبي مش هيكدب عليا في حب بنتي"
سأل "وليد" الأخر بنبرةٍ جامدة:
"هي قالتلك إيه يا طارق ؟!"
نظر له "طارق" ثم بدأ القول بحديثها معهما في الأمس حينما طلبتهما لغرفتهما
(بالأمس قبيل منتصف الليل)
كانت تجلس على الفراش تحتضن بطنها بكفيها حتى دلف لها "طارق" و "سلمى" خلفه، فابتسمت هي لهما ثم أشارت لهما حتى يجلسان بجوارها، جلسا سويًا فتنفست بعمقٍ تُهديء من توترها ثم قالت:
"أنا جايباكم علشان أوصيكم لو حصلي حاجة وليد و عيالي أمانة في رقبتكم، الدكتورة قالتلي انهم توأم إن شاء الله، وليد طيب و حنين أوي و عمره ما زعلني و حتى لو حصل فدا حصل من غير قصده، عاوزاك تكون معاه يا طارق، مش عاوزاك تسيبه"
لمعت العبرات في عينيه تأثرًا بحديثها ثم سألها بلهفةٍ:
"أنتِ بتقولي إيه يا عبلة ؟! إن شاء الله هتخرجي و تبقي زي الفل كمان، مين قالك إنك مش هتخرجي ؟! ليه تفكري كدا ؟!"
حركت كتفيها ثم قالت ببساطةٍ و نبرةٍ يخالطها البكاء:
"يمكن علشان أنا حاسة بكدا ؟! قلبي بيقولي اني هتعب أوي و ممكن مخرجش منها، يا رب تبقى أوهام مش أكتر"
اقتربت منها "سلمى" تحتضنها و هي تقول بسرعةٍ:
"أوهام إن شاء الله، كل دا هيبقى أوهام و هتخرجي زي الفل إن شاء الله، و هتفرحي بيهم كمان، بطلي خوف بقى و ادعي ربنا يخيب ظنونك دي"
بكت "عبلة" بين ذراعيها و هي تقول بنبرةٍ باكية:
"أنا خايفة أوي يا سلمى، أول مرة أخاف كدا، علشان خاطري خلوا بالكم منهم لحد ما أخرجلكم، و وليد طمنوه علشان بيخاف أوي و علطول بيعمل نفسه جامد"
اقترب منها "طارق" يخطفها بين ذراعيه ثم ربت على ظهرها و قبل قمة رأسها ثم تحدث بثباتٍ يتنافى مع خوفه:
"كل الكلام دا فاضي و ملوش أي لازمة، مش دي عبلة اللي أنا ربيتها على أيدي، عبلة متبقاش خايفة كدا، إن شاء الله هتخرجي لينا بالسلامة أنتِ و عيالك كمان"
تشبثت في ثيابه و "سلمى" تربت على رأسها؛ أما "طارق" فشرد أمامه و هو يفكر في طريقتها و خوفها و الذي للأسف أضرم النيران في صدره.
قص "طارق" حديثها على "وليد" فيما زاغ بصر "وليد" في الفراغ و هو يتذكر عناقها له و حديثها مع "خديجة"، خرجت الطبيبة من غرفة العمليات تطلب قدوم زوجها، فركض لها "وليد" مسرعًا بلهفةٍ، حينها طلبت منه الحديث على انفرادٍ فوافق على الفور و دلف معها الغرفة و البقية خلفه ينظرون في أثره بخوفٍ و خصيصًا والدتها التي ارتمت على "مشيرة" تبكي بقوةٍ و "خديجة" بجوارها تربت عليها.
في الداخل وقف أمام الطبيبة بتوترٍ فقالت هي بثباتٍ يتناسب مع طبيعة عملها التي تتطلب منها الرسمية:
"أنا طلبت حضرتك علشان ابلغك الكلام دا ضروري جدًا، مدام عبلة الرحم عندها كان ضعيف و للأسف حصل أضرار كتيرة أثناء الولادة كانت هتسبب إننا نشيل الرحم بس دكتور زاهر جراح كبير و متخصص في الحالات دي و سيطر على الوضع كويس، الخلفة تاني هتبقى صعبة شوية غير لما تتعالج تمامًا، بعد ما تفوق من الولادة و تأثيرها يفضل إنها تتابع مع دكتورة نسا علشان تعالج الأضرار اللي عندها، أنا متأسفة بس كان لازم أعرف حضرتك بما إنك جوزها"
تنهد هو بعمقٍ ثم سألها بجمودٍ:
"عبلة كويسة ؟! دا اللي يهمني أنا، إنها تكون بخير و مش فارق معايا أي حاجة تاني، لو على الخلفة الحمد لله ربنا رزقنا بتوأم فضل و نعمة، المهم هي تخرجلي بالسلامة و أنا مش طالب حاجة تاني غيرها"
ابتسمت له تطمئنه ثم قالت بهدوء:
"هي هتبقى كويسة إن شاء الله، لحد أخر لحظة كنا هنشيل الرحم خالص، بس الحمد لله ربنا كتبلها عمر جديد و فرصة تانية تعيش بيها، اتطمن و كلها ساعات و هتخرج و تبقى زي الفل"
خرج هو من غرفة الطبيبة يقف أمام غرفة العمليات ثم أغمض عيناهُ و ضرب رأسه في الباب و كل ما يجول برأسه أنه منذ لحظات كان على وشك فقدانها للأبد لولا كرم الله عليه أعطاها فرصة أخرى لتعيش معه و كأن حياته تفننت في اعطائه الدروس بمنتهى القسوة دون أن ترأف به لو لبرهةٍ عابرة !!"
اقتربت "خديجة" منه تقف بجواره و هي تربت على كتفه فحرك رأسه لها حتى قالت هي بنبرةٍ هادئة:
"اتطمن و وكل أمرك و أمرها لله، فاكر قولتلك إيه ؟! لما تحب حاجة و تخاف عليها قول استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه، و أنتَ من امبارح مسلمها لله في رعايته، تفتكر بقى ربنا هيبخل على قلبك برعايته و حفظه ليها ؟!"
حرك رأسه نفيًا و كأنه طفلٌ يستمع لحديث والدته فأضافت هي تؤكد حديثها:
"طيب !! يبقى بطل خوف من حاجة بيد ربنا سبحانه و تعالى و احنا كل اللي علينا بس اننا نطلب منه اللطف بينا و بحالنا"
تنهد هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ متحشرجة:
"شكرًا علشان أنتِ موجودة"
ربتت على كتفه ثم قالت هي بتمني:
"إن شاء الله تخرجلك بالسلامة و تبقى أحسن من الأول كمان، ربنا يجمعكم سوا و ما يفرقش بينكم"
_________________________
تم أخذ الصِغار في الحضانة لتوفير الرعاية لهما لحين موعد خروج والدتهما، و كان معهما "ياسر" و "ياسين" أيضًا الذي قرر البقاء بجوارهما و كأنه يرعاهما منذ صغرهما، و بعض أفراد العائلة في الخارج يقفون أمام الحضانة و البقية في الأعلى أمام غرفة العمليات.
في الأعلى خرجت "عبلة" اخيرًا من العمليات و تم وضعها في غرفة عادية تخلو من الجميع عداها هي و "وليد" فقط الذي قرر المكوث بجوارها رغمًا عن الجميع حتى سمحت له المشفى بذلك بعد تعقيمه و تأهيله لذلك.
كانت هي على الفراش ساكنة الحِراك تمامًا لم تدري بما حولها، بل كانت مُغيبةً تمامًا في حين سحب هو المقعد يجلس بجوار الفراش ثم أمعن النظر في وجهها و هو يبتسم بخفةٍ، اختلطت بسمته بالوجع و الألم حتى تنفس بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ متحشرجة:
"و الله ما كنت أعرف إنك هتتعبي كدا، حقك عليا المرة دي، بس هما قالولي إنك هتكوني بخير و العملية مضمونة، قومي علشان نشوفهم سوا، قومي علشان مش عارف أفرح بيهم من غيرك أنتِ، عملتي فيا مقلب محترم و جبتيلي ولدين حتة واحدة ؟! بس مش مهم، كفاية إنك أمهم و إنك معايا نربيهم و نكبرهم، عارفة ؟! خيالي عمره ما وصل بيا لمرحلة أني أبقى أب، معاكِ أنتِ كل دا اتحقق و حصل، قومي عبلة علشان مقصر معاهم و مش عاوز أخلف وعدي و أشوفهم من غيرك، قومي يا سوبيا !!"
قالها بصوتٍ مختنقٍ و في تلك اللحظة ظهر ضعفه و قلة حيلته فألقى رأسه على الفراش كفه موضوعٌ على كفها الحر حتى شعر بها تتململ في نومتها و تنازع بألمٍ فانتفض هو على الفور يتابعها حتى بدأت بفك حصار عينيها و هي تطلب بنبرةٍ واهنة و كأنها لم تتحدث من الأساس:
"مياه.....عاوزة أشرب"
انتفض هو من مكانه يركض للخارج و هو يطلب الطبيب بلهفةٍ و خوفٍ حتى ركضت له الطبيبة إثر صراخه و تهليله و خلفها الممرضة، تعاملت معها الطبيبة و تابعت المحلول الطبي، و قد بدأت "عبلة" في الافاقة على الرغم من تشوش الرؤية لديها و تيه وضعها، لكنها تحاملت على نفسها تاركةً التفكير في الألم حتى ابتسمت لها الطبيبة و هي تستفسر منها عن وضعها فأجابتها "عبلة" ببداية إداركٍ بدأ يتوغل لعقلها، و "وليد" يتابعها بعينيه حتى ابتسمت له الطبيبة ثم طمئنته و طمئنت الجميع بالخارج فركضت لها والدتها و "سلمى" أيضًا و كلٍ منهما بلهفةٍ نحوها حتى بكت "سهير" و هي تحتضن ابنتها و كذلك "سلمى" فوقف "وليد" متابعًا لهما من على بُعدٍ بعدما سمحت لهم الطبيبة بالدخول لها لكن فُرادةٍ أو بتقسيمةٍ حتى لا يتسببون لها في إزعاجٍ، أخر من دلف لها كان "طارق" و معه "جميلة"
اقترب منها شقيقها يقبل رأسها ثم قال بمرحٍ بعدما صبغ حديثه به حتى يمازحها:
"شوفتي بقى إنك خوفتي على الفاضي ؟! أهو فوقتي و بقيتي زي الفل كمان، بتخضينا ليه بس"
ابتسمت له بقلة حيلة ثم قالت بنبرةٍ خافتة:
"أعمل إيه ؟! كنت حاسة أني هتعب و أطول و أهو قعدت يوم كامل، بس هما فين يا طارق ؟! عاوزة أشوفهم"
حرك رأسه موافقًا لها فيما قالت "جميلة" بحماسٍ:
"دول اللهم بارك قمرين، ربنا يحفظهم و يبارك فيهم يا رب"
ابتسمت لها "عبلة" و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"طب شدي حيلك بقى و هاتيلهم عروستين علشان ميضوعوش منكم، عملالكم خصم علشان عيون طارق"
ابتسم "وليد" رغمًا عنه و كذلك هما ثم رحلا من الغرفة أخيرًا و فرغت عليهما فاقترب منها هو يجلس على طرف الفراش مقابلًا لها و عينيه تتابع قسمات وجهها بشغفٍ حتى احتضنته و هي تقول بفرحةٍ:
"أنا كنت حاسة أني مش هخرج و الله، هما عاملين إيه ؟! شوفتهم؟!"
رفع ذراعيه يحتضنها و هو يمسد على ظهرها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"لسه، مشوفتهمش أنا وعدتك مشوفهمش من غيرك، و لا حتى سميتهم، مقدرتش افرح فرحة زي دي من غيرك و الله"
ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة فيما ابتعد عنها ثم قال بألمٍ:
"و الله ماكنتش أعرف إن الولادة صعبة كدا، هما طمنوني عليكِ و قالولي إنها ولادة سهلة"
ردت عليه هي مسرعةً:
"دا نصيب يا وليد، كل حاجة بإذنه و إرادته هو مش بايدينا احنا، الحمد لله فوقت اهوه و أكيد هبقى كويسة"
ابتسم هو لها ثم قبل رأسها و وقف بعدما ابتعد عنها فسألته هي بتعجبٍ:
"رايح فين ؟!"
رد عليها بوجهٍ مُبتسمٍ:
"هكلم ياسر علشان يطلعهم لكِ"
بعد مرور دقائق صعد "ياسين" و معه "ياسر" و كلٍ منهما يحمل طفلًا على ذراعيه حتى دلفا معًا لغرفة "عبلة" التي ابتسمت بفرحةٍ متناسية كل آلامها و اوجاع جسدها، فاقترب منها "ياسر" يعطيه لها و كذلك "ياسين" أعطاه لـ "وليد" ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"يتربوا في عزك إن شاء الله، ربنا يحفظهم هما و والدتهم ليك و ميوجعش قلبك عليهم"
رد عليه "وليد" بلهفةٍ:
"يا رب يا ياسين، ادعيلي"
ربت "ياسين" على كتفه ثم اقترب من "ياسر" حتى يخرجا من الغرفة فأوقفهما "وليد" بقوله مستفسرًا:
"دكتور ياسر ؟! اعذرني معلش بما إنك خبرة، بتتعامل ازاي مع التوأم ؟!"
ابتسم له "ياسر" و هو يقول بثباتٍ:
"اللي يعيط بالقلم علطول"
ظهر الاستنكار على ملامح وجوه البقية فأضاف هو مفسرًا بقلة حيلة:
"بالقلم على وشك علشان اللي أنتَ عملته في نفسك، لنا الله يا بني"
رد عليه "ياسين" بسخريةٍ:
"الواد لسه بيقول يا هادي يا ياسر، قولتلك هاتلي زين اربيه أنا أنتَ مش راضي"
رد عليه "ياسر" بغيظٍ:
"شوف قلة الأصل ؟! عاوز ياخد زين و يسيبلي زينة، علشان مبتطلش عياط"
ابتسم له "ياسين" باستفزازٍ ثم حرك رأسه موافقًا ثم خرج هو أولًا و خلفه "ياسر".
نظرت "عبلة" في وجه صغيرها فترقرت الدموع في عينيها تأثرًا بذلك الشعور الذي اجتاحها و لمس قلبها، فيما ابتسم "وليد" براحةٍ و هو يرى صغيره على يده، حينها جلس أمامها على الفراش كلٍ منهما يحمل طفلًا على يده، فقال "وليد" بنبرةٍ متحشرجة:
"الحمد لله اننا حسينا الاحساس دا سوا و فرحنا بيهم مع بعض، حلوين أوي يا عبلة"
حركت رأسها موافقةً و هي تذرف الدموع ثم احتضنت ما تحمله في يدها فاقترب منها "وليد" يقبل قمة رأسها ثم أعطاها الأخر و حمل هو ما كانت تحمله فسألته هي بصوتٍ خافتٍ:
"هنسميهم إيه ؟! من ساعة ما عرفت انهم ولدين توأم و أنا عمالة افكر، هنعمل أيه ؟!"
تنهد هو بعمقٍ ثم قال بوجهٍ مُبتسمٍ:
"مازن و زياد، إيه رأيك ؟!"
ابتسمت هي باتساعٍ ثم سألته باستنكارٍ:
"أنتَ لسه فاكر لما قولتلك المفروض يبقى اسمك زياد علشان كلهم أشقيا ؟!"
حرك رأسه موافقًا فابتسمت هي ثم قالت بهدوء:
"حلوين مازن و زياد، أنا بحب اسم مازن أوي"
احضتنها أسفل ذراعه و هو يقول براحةٍ كبرى:
"أنا بحبك و بحبهم و دلوقتي بس ارتاحت و شميت نَفسي"
وضعت رأسها على كتفه فيما وقف هو يوزع نظراته على الثلاثة و هي معهما مُجزمًا بأنه أصبح مُمتلكًا للدنيا و ما فيها.
_________________________
في الخارج وقفت "هدير" بجوار "حسن" بعدما اطمئنت على "عبلة" فمال هو عليها يقول بنبرةٍ هامسة:
"مش يلا نمشي احنا بقى علشان ميعاد الاستشارة ؟! أنتِ تعبتي من الوقفة النهاردة و كفاية تعب الأعصاب دا عليكِ"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنفس النبرة التي يحدثها بها:
"طب هعرف بابا و عمو مرتضى و نمشي احنا، عبلة خلاص بقت كويسة و أنا كدا ارتحت"
حرك رأسه موافقًا فاقتربت هي من عمها و هو معها فقالت هي بنبرةٍ هادئة:
"معلش يا بابا، معلش يا عمو مرتضى همشي بقى علشان عندي ميعاد كشف النهاردة و اتأخرت عليه، بس هروح على البيت عندكم"
رد عليها "محمود" بتفهمٍ فيما قال "مرتضى" يمازح "حسن" بقوله:
"شد حيلك بقى يا حسن، عاوز أفرح بأحفادي كلهم مفاضلش غيرك أنتَ"
رد عليه "حسن" بضجرٍ:
"أعمل إيه تاني يعني ؟! ماهي حامل قدامكم أهيه، انفخ في وشها أولدها يعني ؟!"
ابتسموا له فيما قال "مرتضى" بتهكمٍ:
"اهوه أنتَ مش فالح غير في الكلام و بس !! ياباي منك عيل"
وضع "حسن" كفيه على بعضهما و هو يقول بقلة حيلة:
"حاضر يا عم مرتضى !! أنتَ تؤمر، حاجة تاني ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"آه....عم مرتضى دي مسمعهاش منك تاني !! حفيدي اللي جاي يقول عليا إيه لما يلاقي أبوه بيقولي يا عم ؟! اسمي بابا مرتضى، لو مضايقاك يبقى بابا ميمو"
ضحك "محمود" و "هدير" و "وئام" أيضًا الذي وقف على مقربةٍ منهم فابتسم "حسن" رغمًا عنه ثم قبل رأسه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"طول عمرك أبويا و فوق راسي يا حج مرتضى، عيني هقولك يا بابا....سلام يا بابا "
ابتسم له "مرتضى" ثم ربت على كتفه و قال بنبرةٍ هادئة:
"روح ربنا يكرمك و يجبر بخاطرك، خلي بالك من مراتك و حفيدي، عقبال طارق علشان ابقى اطمنت عليكم انتوا الأربعة كدا"
انسحب "حسن" بزوجته من أمامهم فقال "محمود" لشقيقه:
"ربنا يكرمك على حبك لحسن يا مرتضى، الواد وشه نور بعد كلامك معاه"
ابتسم له "مرتضى" بتأثرٍ ثم قال بقلة حيلة مفسرًا حديثه:
"حسن طيب و الدنيا كسراه، طول عمره حاسس إنه أقل من الكل، بس و الله مش ببالغ بحبه نفس حبي لعيالي، يوم ولادة هدير إن شاء الله كلنا هنيجي هنا علشان حسن و علشان يعرف إنه عنده عيلة يتسند عليها، ربنا يكفيك شر اليُتم و الاحساس بالكسرة"
ربت "محمود" على كتفه ثم قال بنبرةٍ أقرب للبكاء:
"حسيت بيه يا مرتضى، للأسف حسيت بيه و قدرت حسن و حطيته فوق راسي بعد اللي حصل و خصوصًا تقديره لبنتي"
على مقربةٍ منهم كانت "خديجة" تجلس مع "طـه" يعتني بها خاصةً بعد ابتعاد "ياسين" عنها منشغلًا مع أخوته، فسألها "طـه" باهتمامٍ:
"طمنيني اخبارك ايه ؟! تعبانة؟!"
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت بوجهٍ مُبتسمٍ:
"لا الحمد لله، كنت حاسة بس بشوية تعب علشان عبلة و قلقانة عليها، بس لما شوفتها و اطمنت خلاص كدا ارتحت، الله يعين ياسين بليل بقى هطلع عينه"
ابتسم لها "طـه" ثم سحبها داخل عناقه يربت عليها حتى قالت هي بفرحةٍ:
"أنا بحب حضنك أوي، بس بلاش دلوقتي علشان لو نمت هتبقى فضيحة"
ابتسم "طـه" ثم ابعدها عنه و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ و على إيه ؟! خليكِ صاحية مين هيشيلك ؟! خليكِ معايا قبل ما ياسين ياخدك و يمشي"
ابتسمت هي له فسألها هو باهتمامٍ:
"صحيح عاملة إيه في الجمعية و تنفيذ فكرتك ؟! ماشية كويس ؟!"
ظهر الحماس في نظراتها و هي تقول بلهفةٍ تُجيب على سؤاله:
"في الدار بقت كويسة جدًا و الأطفال مستواهم اتحسن كتير و ظهر دا في كل تصرفاتهم مع اللي حواليهم، برة الدار بقى مش عارفة بس وليد قالي إنها ماشية كويس و ياسين قالي إنه بقى بينشر الفكرة كتير و ساعدني و عرفني على ناس ليهم علاقة بالموضوع دا و قالي أنهم هيفيدوني، لسه مش عارفة، تفتكر هنجح ؟؟"
سألته بترددٍ و ترقبٍ خوفًا من إجابته فقال هو مسرعًا:
"طبعًا هتنجحي و هتشوفي كمان نجاحك هتبقى فكرته عاملة إزاي، أنا و كل اللي يعرفوكي واثقين فيكِ، أوعي تخافي أو تيأسي"
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له فاحتضنها هو مُربتًا على ظهرها يتنعم بكل ثانية تسمح له بالقرب منها ليصنع بها حياة جديدة تُزيل عبء الماضي المُر الذي تجرعت هي منه بما يكفي.
_________________________
في عيادة الطبيبة النسائية أتى دور "هدير" في الكشف فدلفت مع "حسن" ثم جلست على المقعد أمام الطبية التي سألتها بنبرةٍ ضاحكة:
"متأكدة إنك حامل ؟! بطنك صغيرة خالص على أواخر الشهر الخامس، فين بطنك !"
حركت "هدير" كتفيها بحيرةٍ و هي تبتسم لها فاشارت لها الطبية حتى تذهب لفراش الكشف، فمددت عليه "هدير" جسدها و فارقت ما بين قدميها حتى تستطيع الطبيبة مباشرة الكشف.
وضعت الطبيبة جهاز السونار على بطنها و "حسن" بجوارها لم يفهم شيئًا، فقط وقف يتابع بتشوشٍ و الطبيبة تشير على الجنين في بطن والدته حتى قالت بنبرةٍ ضاحكة:
"ما شاء الله اللهم بارك، تحبوا تعرفوا نوعه ؟! و لا عادي ؟!"
نظرا لبعضهما و هما يبتسمان فقالت الطبية مسرعةً:
"إيه رأيكم تسمعوا نبضات قلبه؟"
زاد الحماس أكثر فقامت الطبيبة برفع صوت الجهاز حتى يصلهما صوت نبضات قلب طفلهما، فأغرورقت في الحال عيني "هدير" و هي تشعر بضربات قلبه و كأنها تنبض مع قلبها إذا توقف أحدهما وقف معه الأخر فيما ابتسم "حسن" و هو يقول بهيامٍ بعدما استشعر نبضات قلبه:
"قلبي بيقولي أنه ولد !! حاسس بنبضاته كدا، هو ....هو ولد صح"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"ولد آه، ربنا يحفظه و ييجي بألف خير و سلامة يا رب"
ابتسمت "هدير" بسعادةٍ و دخلت في عالم الأحلام حتى قالت الطبيبة بنبرةٍ ودودة:
"إن شاء الله الفيتامينات زي ما هي تمشي عليها و برضه تخلي بالك من الأكل و العصير"
اومأت لها "هدير" فيما سألها "حسن" عن التعليمات و كيفية التعامل معها بكل آذانٍ صاغية و بعدها خرجا سويًا من العيادة و ركبا السيارة فقالت هي بنبرة ضاحكة:
"كدا اتأكدنا إنه علي رسمي، مبروك يا أبو علي، ربنا يكرمك و يجيلك بالسلامة"
ابتسم لها و هو يقول بفرحةٍ:
"ربنا يقوملي أم علي نفسها بالسلامة، ربنا يكرمك و أشوفك أحسن أم في الدنيا كلها"
ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة ثم ألقت رأسها على كتفه و هي تتمسك بذراعيه حتى أوقف هو السيارة بعد مدة من القيادة أمام أحد المحال التجارية الخاصة ببيع منتجات الأطفال، عقدت ما بين حاجبيها و لازالت هناك بسمة تهدد بالظهور على طرف شفتيها، فقال هو مفسرًا:
"بما اننا اتأكدنا إنه علي خلاص، يلا بينا علشان نجيبله حاجته، مكتوبلي انقيها أنا برضه زي ما بنقي لأمه"
ابتسمت هي ثم خرجت من السيارة بعدما تممت على حجابها فأمسك هو كفها ثم دلف بها المكان و هي معه بفرحةٍ كبرى بمجرد وقوع بصرهما على منتجات الأطفال بكامل أنواعها.
________________________
رحلوا جميعًا من المشفى و معهم "عبلة" أيضًا بعدما أصرت على ذلك نظرًا لكرهها للمشافي بأنواعها و عدم شعورها بالراحة بها، عادت لبيت والدها مع زوجها و أبنائها بعدما تم اخبار الجميع عن اساميهما و قد نالت الاسماء استحسان الجميع.
جلست "عبلة" في غرفتها و معها نساء العائلة كلٍ منهن تحاول معها حتى تقوم بارضاع صغيرها، و كم كان الأمر شاقًا في بدايته حتى نجحت أخيرًا و قامت بارضاعهما من تلك الهبة التي أنعم الله عليها بها و هي لبن الأمومة التي تربط بين قلب المرء و أمه، كانت "عبلة" تشعر بفرحةٍ غريبة و هي تحتضن صغارها لم تتخيل أن يمن الله عليها بتلك الهبة الثمينة.
خرجت النساء تباعًا من الغرفة بعد اطمئنانهن عليها و تناولها الطعام؛ فدلف "وليد" أخيرًا الغرفة يطمئن عليهم، حتى وجد الصغيرين في الفراشين المصنوعين من الخشب لعمرهما و هي تنام على الفراش من فرط التعب.
تنهد هو بعمقٍ ثم جلب مقعدًا خشبيًا يجلس عليه أمامهم و في يده المصحف الشريف فتحه ثم قام ببدء التلاوة بقلبٍ وجلٍ خاشعٍ بعدما استشعر نعم الله عليه في وجود أغلى ما ملكه ذات يومٍ أمام عينيه بكل خيرٍ.
_________________________
في شقة "ياسين" بعد منتصف الليل كانت "خديجة" تشعر بعدم الراحة و ثمة بعض الروائح الكريهة تنوه عن نفسها، كانت هي تجلس على الفراش و هو ممدًا بجوارها لم يشعر بشيئًا من فرط التعب و المجهود الذي بذله في المشفى في تقديم المعاونة للجميع و عرض خدماته.
وكزته في كتفه حتى ينتبه لها، فتململ هو في الفراش ثم فتح عينيه بقدر ما سمح له الضوء، فقالت هي بضجرٍ:
"أنتَ نايم و سايبني ليه ؟!"
رفع جسده على الوسادة خلفه و هو يقول بسخريةٍ:
"تربية ناقصة بقى نقول إيه ؟!"
زفرت هي في وجهه ففرك هو وجهه بكفيه معًا فسألته هي بنبرةٍ أقرب للبكاء:
"ياسين أنا مخنوقة !! عاوزة أصرخ و مش عارفة، و عاوزة أعيط و برضه مش عاوزة، أعمل إيه ؟!"
ربت على كتفها و هو يقول بإيجازٍ:
"نامي يا ست الكل"
رمقته بغيظٍ فقال هو بقلة حيلة:
"أنا بيدي إيه أعمله و معملتوش طيب ؟! مش أنتِ اللي قولتيلي إنك عاوزة تروحي شقتك ؟! جيبتك هنا، عاوزة إيه تاني ؟!"
حركت كتفيها بحيرةٍ فتنهد هو بعمقٍ ثم سألها:
"طب تاكلي ؟! أقوم احضرلك حاجة تاكليها ؟!"
ردت عليه بتقززٍ:
"لأ قرفانة من الأكل و الأوضة ريحتها وحشة اوي"
رفع طرف أنفه يستنشق هواء الغرفة ثم وجه بصره نحو جهاز المُعطر الذي يعمل دون هوادة، فقال هو بتلقائيةٍ:
"الأوضة زي الفل و ممسوحة كمان و ريحتها فل"
أجابته هي بتلقائيةٍ:
"ماهو الفل دا اللي مقرفني، ريحته مش حلوة، قلبت معدتي"
مسح وجهه بكفيه مرةً أخرى ثم أقترب من الجهاز يغلقه و هو يقول بنفاذ صبرٍ:
"حلو كدا ؟! كتمتلك أمه خالص"
تجاهلته هي ثم فتحت الهاتف تتفحصه ثم قالت بحماسٍ:
"الحق !! حد بيشوي درة ؟! فين دا بسرعة ؟!"
حرك كتفيه بتعجبٍ فقالت هي بحماسٍ:
"بالله عليك شوف مين بيعمل درة !! ريحته ضربت في دماغي، هو فين ؟!"
رد عليها ببساطةٍ:
"و الله العظيم معرفش !! أكيد محدش هيشوي درة في عمارة الساعة ١ بليل !! دا هطل"
_"أو وحم !! أنا بتوحم على درة"
قالتها هي بسرعةٍ كبرى بعد حديثه فلوىٰ هو شفتيه بتهكمٍ و ظهر الاحباط على ملامح وجهها و هي تفكر في كيفية الحصول على مبتغاها في ذلك التوقيت !! فقال هو مسرعًا:
"بقولك إيه ؟! مش أنتِ زهقانة ؟! تعالي أمشيكِ و أجيبلك درة !! إيه رأيك ؟!"
انتفضت هي من موضعها فقال هو من جديد:
"بسرعة قرري !! هتيجي ؟!"
اقتربت منه هي تقبل وجنته ثم صفقت بكفيها و رحلت من أمامه بطريقةٍ أثارت ضحكاته حتى قال بسخريةٍ:
"الكتكوتة عسل و هي حامل"
بعد مرور بعض الدقائق ارتدت هي ثيابها ثم جلست على المقعد تحاول ارتداء الحذاء حتى نجحت أخيرًا في ذلك فصفقت بكفيها معًا لنفسها و هو يحاول كتم ضحكاته.
اقترب منها يقف مقابلًا لها فتلاشت بسمتها و هي تسأله بنبرةٍ جامدة:
"إيه اللي أنتَ لابسه دا ؟! إيه الهدوم الحلوة دي ؟! ادخل غير"
رفع حاجبه لها و هو يقول بسخريةٍ:
"يا عسل ؟! لابس قميص زيتي و بنطلون بيج !! هو أنا لابس بدلة غطس ؟!"
ردت عليه هي بحنقٍ:
"الطقم حلو !! مشكلتك إن الطقم حلو و خايفة تتعاكس مني، هعيط كدا"
رد عليها بضجرٍ:
"مين هيعاكسني الساعة ٢ بليل ؟! و بعدين دي اوهام في دماغك، الكلام دا يتقال لياسر مش ليا، يوسف نفسه عاكس ياسر"
ضحكت هي رغمًا عنها فقال هو بقلة حيلة:
"ربنا يهون علينا فترة حملك إن شاء الله علشان نعدي كلنا بيها على خير لحد ما اللي جوة دا يشرف"
نزل هو من البيت و هي معه حتى ركبا السيارة و بعد فترة من القيادة أوقفها أمام أحد العربات المتخصصة في عمل الذرة المشوي و تحديدًا عند أول مرة تناولا فيها الذرة مع بعضهما.
جلست هي على المقعد البلاستيكي و هو بجوارها و أمامهما نهر النيل فتنفست بعمقٍ و هي تبتسم فقال هو بخبثٍ مُشيرًا بحديثه لموقفٍ مثل ذاك فيما يقرب العامين:
"المناظر الطبيعية أكتر حاجة بتخليكي تخلصي من التوتر و تساعد على هدوء الأعصاب، مش كدا ؟!"
وجهت رأسها نحوه و هي تبتسم باتساعٍ و سرعان ما ضحكت بقوةٍ ثم قالت:
"سبحان الله كأن الموضوع دا كان امبارح، سنتين عدوا هوا و كانوا أحلى سنتين في عمري كله، مين كان يصدق !!"
ابتسم لها ثم نظر أمامه بشرودٍ حتى وصلهما الذرة المشوي فابتسمت هي باتساعٍ و هي تشم رائحته، فضحك هو عليها بيأسٍ و هي تعامل الذرة و كأنه ثروة قومية حصلت عليها.
_________________________
في شقة "عامر" كان ابنه يبكي بشدة و لم يتوقف و "سارة" تدور به تهدهده حتى تتوقف نوبة بكائه، و كان "عامر" يتابعها بشفقةٍ حتى ارتمت هي على المقعد تمسك رأسها و هي تقول بقلة حيلة:
"يابني بقالي شهرين على الحال دا !! نام علشان خاطري بقى !!"
اقترب منها "عامر" يمسكه منها فقالت هي بقلة حيلة:
"يا عامر قولتلك نام بقى علشان شغلك !! هترجع تعبان و مصدع، خلاص اتعودنا بقى على كدا"
حرك رأسه نفيًا ثم حمله على يده يهدهده ثم رفعه على كفيه حتى أصبح مقابلًا له ثم حدثه بمرحٍ حتى توقف "عمر" عن البكاء أخيرًا و هو يشهق بسبب صوت بكائه، فحمله "عامر" على يده كعادته كلٍ يومٍ بمجرد حمله على ذراعه يصمت عن البكاء و يظل متشبثًا بوالده.
لاحظت "سارة" ذلك فقالت بضجرٍ زائفٍ:
"الواد دا ندل !! بيرضع مني و يصحيني و أول ما أنتَ تصحى و تشيله يسكت ؟؟ ليه هو أنا سكاتة ؟!"
ابتسم لها "عامر" بسخريةٍ ثم قال:
"الواد طالع لأبوه، لازم اشيله و أهديه، أنتِ هتقارني علاقتك بيه، بعلاقتك بيا ؟! أنا أبوه !!"
ضربت كفيها ببعضهما فيما هدهد هو صغيره حتى ابتسم له و كأنه يفهم طريقته فجلس "عامر" به من جديد ثم وضع كفه على رأس "عمر" و قرأ له ما تيسر من القرآن الكريم حتى نام "عمر" أخيرًا بين ذراعي والده و كفه يقبض على ملابس "عامر" حتى ابتسم "عامر" ثم ربت على خصلاته السوداء الكثيفة تشبه لون خصلات والدته بنفس كثافتها، اقتربت منه "سارة" تقول بامتنانٍ:
"و الله العظيم لولا أنك كل يوم تصحى كدا معايا كان زمان عقلي فك مني، ربنا يخليك ليا و ليه"
ابتسم هو لها ثم قال بنبرةٍ خافتة:
"دا واجبي أنا على فكرة و عمو رياض قالي لو معملتش كدا هبقى نطع و واطي، رغم إن أم ياسين قالتلي كان بينام ساعات و يسيبها، بس أنا مش هيجيلي قلب أنام و هو صاحي بيعيط و لا و أنتِ تعبانة"
ابتسمت هي له وضعت رأسها على كتفه تتثاءب ثم قالت:
"نيمني بقى زي ما نيمته كدا"
وضع كفه على رأسها يقرأ لها آياتٍ من القرآن الكريم حتى نامت هي على كتفه و ابنه على ذراعه فابتسم هو بسخريةٍ و قال محدثًا نفسه:
"يا ولاد الدايخة !! بتغفلني يا عمر أنتَ و أمك ؟! ماشي"
_________________________
في شقة "خالد" كعادته هو ترك ابنه و زوجته بمفردهما يسهران سويًا بعد يومٍ شاقٍ مر عليه في المشفى دون طعامٍ.
كان "يونس" جالسًا برفقة والدته يتابع التلفاز و هي معه و هو يناقشها في مشاهدة فيلمه المفضل بين الحين و الأخر مشاورًا على التلفاز و هي تبتسم له بوهنٍ حتى أرجعت رأسها للخلف مغشيةً عليها دون أن تشعر بما حولها، فيما انتبه لها "يونس" فانتاب القلق قلبه فرفع جسده على الأريكة يحاول ايقاظها و هو يضرب وجهها، ثم اقترب منها يقبل وجنتها عدة مرات ظنًا منها أنها تداعبه كعادتها، لكنه تفاجأ بسكون حركتها و طيلة رد فعلها في الصدور.
ركض من مكانه لغرفة والده بهلعٍ من صمت والدته ثم قفز على الفراش يحاول ايقاظه حتى تقلب "خالد" على الفراش ثم قال بنفاذ صبرٍ:
"ياض أنتَ مش خدت مني مراتي ؟! سيبني أنام، هتاخد مني شوية الراحة ؟!"
حاول "يونس" هز جسده بخوفٍ فقام "خالد" بسحب الغطاء على كامل جسده فبكي "يونس" بصوتٍ عالٍ بخوفٍ من سكون الأجواء حوله و خاصةً بعد رؤيته لوالدته في تلك الحالة.
لم يستمع "خالد" لصوت ابنه الذي نزلت دموعه تنهمر على وجنتيه فصعد "يونس" على ظهر والده وهو يبكي لعله ينتبه له فهل سيحدث ذلك و يشعر به "خالد" ؟!
___________________
الفصل صغير، بس أنا متأسفة جدًا لكدا و إن شاء الله فيه فصل بكرة هيكون صغير كدا برضه و إن شاء الله ينزل بدري، كل سنة و حضراتكم طيبين.