رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل السادس والثمانون بقلم شمس بكرى
"الفصل السادس و الثمانون"
"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ_الجزء الثاني"
_________________________
"أنا الأسير في جمالكِ....تُشبهين القمر في دلالك".
_________________________
كُتِبَ علىٰ قلبي أن يحيا في ظلامٍ دامسٍ، امتلكت الأحلام و لم أحققها في يومٍ، أحببت الحياة لكنها كرهتني بشدة، عاملتُ دنياي باللين؛ فصفعتني بضربات القسوة، بئس المصير لاحقني حينما تمنيت كل الأشياء البسيطة و رغم ذلك لم تتحقق لي و حصل عليها غيري و كأنني خُلقت فقط للحلم دون تحقيقه.
عقد ما بين حاجبيه ينتظر منها تكملتها فقالت هي بحماسٍ:
"أنا عاوزة أطلب منكم ايد خديجة لابني هو زمانه جاي في الطريق و هتشوفه و إن شاء الله ربنا ييسر"
رمش ببلاهةٍ عدة مراتٍ لم يصدق ما يسمعه هل تلك المرأة مجنونة ؟! تطلب من الله التيسير في أمر الزواج لابنها من زوجته ؟! أخذه تفكيره لتلك النقطة و سرعان ما اتسعت عينيه بشررٍ و هو يفكر فيها و هي تطلب الزواج لابنها من زوجته و بكل راحةٍ و تيسيرٍ !!
تنفس بحدة يسحب الهواء داخل رئتيه ثم قال بنبرةٍ جامدة غَلِظة دون أن يعي لنفسه:
"اللي بتطلبيه دا مستحيل يحصل غير على جثتي دي مـ..."
قبل أن يُكمل حديثه أوقفته و هي تقول بلهفةٍ:
"استنى بس عماد وصل أهو و هيشوفها و يقول رأيه، استنى"
تركته و رحلت من أمامه دون أن تعطيه فرصةً لإكمال حديثه أما هو فقد ضرب كفيه ببعضهما و لربما ضُرب عقله و كاد أن يفتك بتلك المرأة التي رحلت من أمامه تقترب من ابنها و زوجها، زفر هو بقوةٍ ثم وقف و ترك جلسته فتفاجأ بتلك "المحاسن" تقترب منه تبتسم ببشاشةٍ و هي تقول:
"عماد أهو يا بشمهندس ياسين"
حدجها "ياسين" بشررٍ فتحدث ابنها بلهجةٍ حادة:
"هو أنا سايب اللي ورايا و شغلي و جاي علشان اتعرف على ياسين ؟! فين العروسة ؟! البت فين خليني أشوفها ؟!"
قلبت والدته شفتيها بتهكمٍ من طريقته فيما اقترب منه "ياسين" يلف ذراعه على كتفه و هو يقول بنبرةٍ ثابتة تشبه هدوء ما قبل العاصفة:
"عاوز إيه يا عمدة ؟؟ سمعني تاني كدا ؟! ارفع صوتك يلا !!"
نظر الشاب لذراع "ياسين" الملفوف حول كتفه ثم نظر له و هو يقول بنفاذ صبرٍ:
"جاي علشان أشوف العروسة خلونا نخلص، نعم حضرتك مين ؟!"
همَّ "ياسين" بالنطق معرفًا عن نفسه لِـ تتدخل المرأة تقول مسرعةٍ بعتابٍ لابنها:
"يوه ؟! ما قولتلك دا ياسين"
في تلك اللحظة اقتربت "زهرة" منهم و معها "خديجة" التي طالعتهم بتعجبٍ و حيرةٍ غلفت نظراتها فقالت "محاسن" بفرحةٍ و صوتٍ مُبهج:
"أهيه عروستنا الحلوة جت أهيه، إيه رأيك يا عماد ؟! حلوة صح ؟!"
اتسعت عيني "خديجة" بدهشةٍ و هي تزدرد لُعابها خوفًا من القادم فيما تحدثت "زهرة" بنبرةٍ جامدة تسأل الأخرى:
"عروسة مين دي ؟! قصدك إيه يا ميس محاسن ؟!"
ردت عليها مسرعةً:
"عاوزة أطلب أيد خديجة بنتك لعماد ابني، إيه رأيك يا ميس زهرة ؟!"
شهقت "زهرة" بخوفٍ و نظرت للأخرى التي حركت رأسها نفيًا بحركةٍ خافتة فتحدث "ياسين" بتهكمٍ:
"إيه رأيك يا ميس زهرة ؟! ها يا موافقة ؟! ولا ناخد رأي عروستنا ؟! أنا بقول نشوف رأي العروسة"
طالعته "خديجة" بخوفٍ بسبب تهكمه و نظرته المعاتبة التي استشفتها هي، فيما تحدث "عماد" ببلاهةٍ:
"طب نقعد مع بعض شوية ؟! نتكلم و نتفاهم ؟! إيه رأيك يا عروسة ؟!"
تحدثت "زهرة" تلك المرة بخوفٍ بعدما لاحظت النيران المنبثقة من نظرات ابنها لهم:
"يا بني بس أنتَ بتنيل الدنيا ؟! تتجوز مين أنتَ ؟! إيه الهطل دا ؟!"
سألتها "محاسن" بلومٍ و معاتبةٍ:
"ليه يعني يا ميس زهرة ؟! هو عماد مش قد المقام ولا إيه ؟!"
تحدث "عماد" بنبرةٍ جامدة:
"احنا نشوف رأي العروسة ؟! إيه رأيك يا عسل ؟! بصراحة أنا اتفائلت خير"
ضغط "ياسين" على كتفه و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"و تاخد رأي العروسة ؟! ما تاخد رأي جوزها بروح أمك !!"
شهقت النساء فيما رماهُ "ياسين" على الطاولة يخنقه بيده اليسرى و هو يقول بلهجةٍ حادة:
"عاوز تتجوز مراتي ؟! و عاوز تقعد معاها ؟! أنا اللي مضايقني طريقتك الزبالة يعني أنهي انثى ممكن تقعد بالوضع دا !!"
كان يتكأ على حروف كلماته حتى اقتربت منه "محاسن" تبعده عن ابنها بلهفةٍ خوفٍ فيما تحدثت "زهرة" تتوسل ابنها بقولها:
"خلاص بقى يا ياسين ؟! فيه سوء تفاهم أكيد سيبه يا حبيبي عيب كدا، خــلاص"
كان "ياسين" ضاغطًا على عنق الشاب بغلٍ و شرٍ تجسد في نظراته التي حدجت الأخر بسهامٍ فيما اقتربت "خديجة" منه تتوسله هي الأخرى ببكاءٍ و تقول:
"علشان خاطري أنا طيب خلاص، سيبه بقى خلاص هيموت في إيدك"
أغمض عيناهُ فور استماعه لصوتها الباكي و هي تتوسله أن يتوقف و يبتعد عن الشاب، لذا رفع الشاب بيده حتى اضحى واقفًا في مواجهته حينها قام "ياسين" بحدفه على الطاولة البلاستيكية حتى سقطت به أرضًا فتأوه الشاب بعنفٍ و قال بنبرةٍ جامدة وصوت متقطعٍ:
"هتلاقيها مش طايقاك يا جاموسة، اقسملك بالله لو كنت أعرفها قبلك ما كنت سيبتهالك"
حسنًا إن اردتم اخراج الوحش الكامن بداخله فعليكم متابعة الآتي و لأول مرة يتنازل "ياسين" عن أدبه و أخلاقه و قام بالقفز على الشاب و هو يسبه بِـ سبةٍ بذيئة ثم قام بلكمه في وجهه و متفرق أنحاء جسده، حتى ابعدته كلٍ من "زهرة" و "خديجة" أخيرًا عن الشاب الذي سعل بقوةٍ، فيما اقتربت منه والدته تحاول معاونته على الوقوف.
تنهد "ياسين" بقلة حيلة و صدره يعلو و يهبط من فرط الانفعال، ثم حدجهما بنظره و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"قـــدامـــي !! يــالا !!"
حركت والدته رأسها بخوفٍ فيما تسمرت الأخرى مكانها بذعرٍ تمكن منها و حينها أمسك يدها يسحبها خلفه بعنفٍ حتى نزلت دموعها دون أن تدرك ذلك، فقط هيئته و نبرة صوته العالية عكست شخصًا آخر لديه و كأنها لم تعرفه يومًا قط !! وصلوا للسيارة فقام هو بفتح الباب الخلفي لوالدته التي حمحمت بهدوء و قبل أن تتحدث وضع سبابته على فمه مُشيرًا لها بالصمت، ثم أشار بكفه لها حتى تدخل السيارة؛ فانصاعت هي لأمره بخجلٍ و خوفٍ منه.
أما الأخرى فكانت دموعها تنزل على وجنتيها و عينيها زاغتا في الفراغ لا تعي ما حولها، فقام هو بفتح الباب المجاور لمقعد القيادة و أدخلها به دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة، و كأنه فقد نطقه بالداخل و نظراته جامدة بثت الرعب في نفسيهما و خاصةً "زهرة" التي لوت فمها بتهكمٍ ثم حاولت كتم ضحكتها و كأنها منفصمة شخصيًا !! تحرك هو بالسيارة بعنفٍ حتى أصدرت صريرًا عاليًا فور احتكاك الاطارات بالأرض الاسفلتية.
_________________________
في أحد الكافيهات العامة جلس "وليد" أمامها يحتسي قهوته و هي تطالعه بتوترٍ بسبب نظراته الموجهة نحوها حتى سألها بثباتٍ:
"مقولتليش ليه إنك بتيجي لدكتورة هناء ؟؟ دي حاجة في صالحك على فكرة !! و كانت هتكبرك في نظري أكتر، خبيتي عليا ليه ؟!"
زفرت هي بقلة حيلة ثم قالت:
"علشان مش عاوزة أكبر في نظر حد، كفاية أعرف أنا اتقبل نفسي و أخلص من عيوبي، بعدين أنتَ شاغل نفسك بيا ليه ؟؟"
رفع حاجبه لها و هو يقول بنفس الثبات:
"يعني إيه شاغل بالي بيكي ليه ؟! أنتِ عمتي و أظن خلاص أي حاجة كانت بيننا عدناها و نسيناها خلاص، ها بتروحي فين تاني غير عيادة هناء ؟!"
ظهر التوتر أكثر على ملامح وجهها و زاغ بصرها في الفراغ حولها، حتى سألها هو من جديد بنبرةٍ جامدة:
"ها !! بتروحي فين يا عمتو ؟!"
سألته هي تلك المرة بحدة:
"هو أنتَ بتراقبني ؟! مالك أنتَ بروح فين ؟! أديك عرفت أني باجي عند هناء أهوه، هكون بروح فين تاني ؟!"
ابتسم بثقةٍ:
"هقولك أنا، من يوم الحد لغاية يوم الأربع بتنزلي كل يوم من الساعة ٥ للساعة ١١ بليل، و ساعات عم حسان هو اللي بيجيبك، بتروحي فين ؟! و باقي الأيام من الصبح لحد المغرب، مش معقول يكون شغل ؟! الله أكبر كل شهر بتقبضي من أخواتك نصيبك في الشغل، دا غير بقى إنك لحد دلوقتي ساحبة فوق الـ ٢٠ ألف جنيه و محدش عارف المصدر اللي راحوه، أو محدش يعرف عنهم حاجة غيري، فَـ متحوريش عليا أحسنلك علشان أنا حافظ كل خطواتك، ها هتعرفيني و لا أكلم العيلة كلها تعرف منك أحسن ؟!"
أغمضت عيناها فورًا و أطبقت فمها بشدة حتى تنفست بعمقٍ و حركت رأسها موافقةً و قالت بصوتٍ خافتٍ موجزةٍ في حديثها:
"طيب !! تعالى معايا"
عقد ما بين حاجبيه فقالت هي بتعجبٍ من سكون حركته و صمته:
"الله ؟! مش عاوز يابني تعرف بتهبب أروح فين ؟! قوم معايا"
أخرج الحساب يلقيه على الطاولةِ ثم قام و هي تجمع حاجتها و لحقته حتى خرجا من المطعم سويًا و ركبا السيارة و هي بجواره، فقاد هو السيارة و هي تُشير له على الطُرقات التي يجب عليه سَلكها حتى يتوجه نحو الوجهة التي لا يعرفها هو و لا يدرك أي سُبلٍ توصله بها.
بعد تقريبًا عشرون دقيقة من القيادة السَلِسة أوقف السيارة أمام بناية قديمة إلىٰ حدٍ ما بعدما طلبت منه هي ذلك، فـ قطب جبينه مُتعجبًا حتى سحبت الهواء داخل رئتيها ثم قالت بتوترٍ منه:
"هـ...هـننزل هنا و أنتَ هتيجي معايا بس مش عاوزة منك أي كلمة، عاوزاك تكون هادي، ممكن ؟!"
حرك رأسه موافقًا و لا زالت الحيرة الممتزجة بالدهشة تغلف نظراته و تظهر عليه بوضوحٍ و قد نزلت هي من السيارة و هو خلفها مباشرةً مُقررًا الاستسلام لها على الرغم من مظهر البناية القديمة و الظلام المحيط لها فيما عدا لوحة كبيرة مُضاءة و جلد اللوحة المخصص للدعاية متهالكًا لم يظهر منه شيءٌ، قبل أن تدلف البناية من البوابة القصيرة اوقفها هو قائلًا بسخريةٍ:
"استني عندك ؟! أنتِ بتاجري في الأعضاء ولا إيه ؟! رايحين فين إحنا ؟!"
التفتت له بضجرٍ و هي تقول بنفاذ صبرٍ:
"جايباك هنا !! علشان تعرف أنا بروح فين ؟! مش واثق في عمتك ولا إيه ؟!"
_"لأ طــبـعًـا"
قالها دون تردد أو تفكيرٍ حتى سألته هي بلهجةٍ حادة:
"أنتَ بتقول إيه ؟!"
رد عليها بتبجحٍ كعادته:
"بقولك الحقيقة، لأ مش واثق فيكي، أثق فيكي ازاي ؟!"
زفرت هي بقوةٍ ثم سحبته من يده بعدما أطبقت اسنانها في بعضها، فيما رفع هو حاجبه ثم دلف معها لذلك المكان، فهو اقرب في تصميمه إلى بيتٌ قديم الأزل أو مشفى متهالكة، شيءٌ من هذا القبيل أو ما شابه.
دلفت هي أولًا بعدما تركت يده فقعد هو ما بين حاجبيه و زوى نظراته نحوها و هي تتقدمه للداخل، و قد غابت عن نظراته لمدة دقيقة تقريبًا ثم عادت له من جديد تأخذه معها نحو الداخل، حينها فقط شعر بالقلق حينما وجد المكان أشبه بالمشفى حقًا و قد ظهر ذلك من خلال أجهزة التنفس الموضوعة و الغرفة التي كُتِبَ عليها "العيادة" كل ذلك تابعه هو بتوترٍ و كل ما فكر به أن عمته تابعة لإحدى العصابات الدولية في متاجرة الأعضاء و حينها شهق بقوةٍ ثم قال ببلاهةٍ دون أن ينتبه لصوته العال:
"يا وقعتك السودا يا مشيرة ؟؟ طلعتي بتاجري في الأعضاء ؟! طب استني افرح بابني و خدي العضو اللي تعوزيه"
نظر لهما العاملون بالمكان بدهشةٍ فيما كممت هي فاههِ و هي تقول بقلة حيلة:
"بس يخربيتك أمك !! هتفضحنا يا حيوان، بس و يلا قدامي"
حرك رأسه موافقًا فابعدت كفها عن فمه و هي تتنفس الصعداء ثم قالت للناس خلفها:
"معلش أنا متأسفة ابني بس بيحب يهزر كتير، كملوا شغلكم"
عادوا لما كانوا يفعلونه فتحدث هو متهكمًا بسخريةٍ لاذعة:
"دا إيه دا بقى إن شاء الله ؟! دكاترة التخدير ؟؟ أوعي تكوني تاجرة مخدرات ؟!"
أغمضت عيناها و هي تستغفر ربها في سرها ثم أخرجت مفتاحًا من حقيبتها و قامت بفتح أحد الأبواب الخشبية الموجودة في المكان، كل ذلك تابعه "وليد" بتعجبٍ فسبقته هي نحو الداخل ثم عادت له من جديد تطلب منه الدخول معها.
دلف "وليد" بخوفٍ من المكان و الوضع بأكمله ليقع بصره على إمرأة مُسنة تجلس على أحد المقاعد الخشبية الكبيرة حجم و قديمة الطراز، فوزع حينها نظراته بينهما حتى اقتربت منه "مشيرة" تقول بنبرةٍ هامسة:
"خليك هنا متعملش صوت، هروح اكلمها و أجيلك تاني"
حرك رأسه موافقًا و لازال بصره مُثبتًا على تلك المرأة التي تجلس بسكونٍ تام و كأنها ضمن عداد الموتى، فجلست "مشيرة" على ركبتيها أمامها و هي تقول بتأثرٍ و صوتٍ مختلط المشاعر المتأججة:
"ازيك يا ماما ؟! أنا جيتلك أهوه و متأخرتش عليكِ، اوعي تكوني زعلانة مني ؟!"
حركت السيدة رأسها نحوها و هي تقول بنبرة صوتٍ واهنة تدل على تقدم عمرها:
"هيثم فين ؟! جبتيه معاكِ ؟!"
حركت "مشيرة" رأسها للخلف تنظر نحو موضع وقوفه فحرك هو رأسه مستنكرًا، حينها أعادت رأسها تنظر للمرأة من جديد و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ بعدما داهمها البكاء:
"جيبته....هو معايا اهوه....تعالىٰ يا ولـ....يا هيثم"
وقف متسمرًا في مكانه و خاصةً و هو يرى عمته تذكره باسم شخصٍ غيره، فنادته هي تلك المرة بنبرةٍ أقوى:
"تعالى يا هيثم، ماما أهيه تعالى"
اقترب منها بخطى متمهلة و كأنه يخشى الاقتراب حتى جلس بجوار عمته أمام تلك السيدة و نظرًا لِـ رقة قلبه المنافي لطباعه الجامدة شعر بوخز الدموع خاصةً حينما رفعت المرأة كفيها تحاوط وجهه و هي تقول بنبرةٍ باكية:
"هـ...هيثم..... وحشتني اوي....كل دا مستنياك تيجي، مش قولتلي إنك رايح تحط البنزين و راجع؟"
كانت نبرتها معاتبة و متألمة و منكسرة، كان عتابًا بخرج من فم أمٍ مكلومٍ قلبها حتى وجد نفسه يشاركها الوجع حينما شعر بسخونة تسري على وجنتيه كان منبعها الدموع، فقال بصوتٍ مختنقٍ:
"معلش.... الدنيا كانت زحمة و روحت اغير و رجعتلك تاني، بس أنتِ و أجدع مني علشان استنتيني، شكرًا"
اقتربت منه تقبل قمة رأسه و طالعت عيناه و هي تقول ببكاءٍ:
"واستناك العمر كله كمان، متتأخرش عليا تاني"
حرك رأسه موافقًا فبكت هي من جديد و معهما "مشيرة" أيضًا بشفقةٍ عليها و على عمرها.
_________________________
في شقة "رياض" وصلوا جميعهم للشقة و قد كان "رياض" في انتظارهم، فدلفوا معًا و حينها هب هو منتفضًا و هو يقول بلهفةٍ:
"جيتوا بدري يعني ؟! دا أنا قولت انتوا هتيجوا آخر السهرة، كويس أني ماكلتش"
ألقى بحديثه دُفعةً واحدة في وجههم دون أن ينتبه لهيئتهما الخائفة و مظهره القاسي و خلو نظراته من اللين، فسأل بتيهٍ:
"إيه مالكم فيه إيه ؟! حصل حاجة في الحفلة ؟! مالكم يا زهرة ؟!"
اقتربت منه بخوفٍ تقف خلفه و تأخذه حاميًا لها من مظهر ابنها فيما وقفت "خديجة" مطرقةٍ برأسها للأسفل لم تقو على رفع رأسها و مواجهته بذلك الجمود، أما هو فزفر بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ جامدة قبل أن ينطق والده:
"مش عاوز حد يتكلم معايا !! لو سمحتوا، و بالنسبة للأستاذة خديجة تنسى الجمعية بالموضوع كله على بعضه أنتِ مش هتكملي فيه، و بالنسبة لخروجك مع أمي، دا بقى ممنوع نهائي، خروجك معايا أنا بعد كدا"
التفت بعد حديثه دون أن ينتظر رد فعلهم أو ملامح وجوههم ثم دلف غرفته و صفع الباب خلفه بعنفٍ أجفلت أجسادهم بسبب قوة الصفعة، و على الفور بكت "خديجة" بشهقاتٍ مثل الطفل الصغير حتى اقتربت منها "زهرة" تحتضنها و هي تربت على كتفيها، فتشبثت بها "خديجة" و هي تبكي بشدة، و قد وقف "رياض" تائهًا بحيرةٍ لا يدري ماذا حدث لكل ذلك حتى يرى ابنه بتلك الهيئة التي يكرهها هو به حتى أنه هو نفسه يكره ذاته بتلك الشخصية.
جلست "خديجة" على الأريكة بجوار "زهرة" التي كانت تربت عليها و تحاول تهدئتها فيما جلس "رياض" أمامهما يقول بسخريةٍ:
"هو إيه اللي حصل علشان هولاكو دا يخرج منه كدا ؟! عملتوا في الواد إيه ؟!"
زفرت "زهرة" بقوةٍ ثم قصت عليه ما حدث بنبرة صوتٍ منخفضة حتى لا يصل الحديث لابنها في الداخل، انصت هو لها بدهشةٍ لا يصدق ما حدث، فأضافت هي بترددٍ و خزيٌ من نفسها:
"هو بصراحة يعني الغلط غلطي، أنا ماشية عمالة اقول إنها بنتي و نسيت أوضح إنها مرات ابني، بس والله أنا مش بعتبرها كدا، هي بالنسبة ليا بنتي يا رياض"
طالعها "رياض" بقلة حيلة ثم وجه بصره نحو "خديجة" التي كانت تبكي فسألها بتعجبٍ:
"و أنتِ بتعيطي ليه ؟! هو أنتِ غلطانة في حاجة ؟!"
ردت عليه بصوتٍ متقطعٍ بسبب الشهقات التي خرجت من بكاؤها:
"علشان أنا ماليش ذنب و الله، هو هيمنعني من الحاجة اللي بحبها و عاوزة أعملها..... أنا ماليش دعوة و ماكنتش أعرف حاجة والله"
احتضنتها "زهرة" من جديد تربت عليها فتحدث "رياض" بهدوءٍ جاهد ليتصف به:
"متخافيش يا خديجة، ابني و أنا عارفه، هو لما يفكر و يحسبها صح أكيد مش هيفضل على رأيه"
مسحت دموعها و حركت رأسها موافقةً ثم قالت بصوتٍ باكٍ:
"طب أنا هدخل غير علشان عاوزة أنام عن اذنكم"
سألتها "زهرة" بتعجبٍ:
"مش هتتعشي معانا طيب ؟!"
حركت رأسها نفيًا ثم وقفت حتى تدخل الغرفة، سارت بخوفٍ حتى وصلت للغرفة ثم فتحت الباب بخوفٍ فتفاجئت به يجلس على الأريكة بعدما بدل ثيابه و ارتدى أخرى بيتية، فاقتربت منه هي و قبل أن تنطق هي، سبقها هو بقوله:
"أنا مش عاوز كلمة الله يرضى عنك، أنا على أخري و الله يا خديجة، تصبحي على خير"
طالعته بدهشةٍ و تحجرت الدموع في عينيها و وقفت متسمرةً مكانها لم تصدق أنه يحدثها بتلك الطريقة، أما هو فزفر بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ خافتة:
"معلش أنا مخنوق شوية، عن اذنك"
تحرك من أمامها بعد حديثه يتوجه نحو الخارج هربًا منها و من سلطتها على قلبه و على الرغم من أنه يحتاج للحديث معها، لكن بداخله رغبة جامحة تؤيد خروجه من أمامها حتى لا تصل الأمور إلى نِصابٍ مغلقة.
جلست "خديجة" على الفراش تبكي من جديد حتى تكورت على نفسها و هي تكتم صوت بكاؤها في الوسادة حتى لا يصل صوتها للخارج.
_________________________
في بيت آلـ "الرشيد" كان "حسن" جالسًا بجوار زوجته و "محمود" و هو يشاهد صور زوجته في صغرها بمختلف الأعمار، منذ ولادتها حتى صور تخرجها من الجامعة، كان "حسن" يشعر بسعادةٍ بالغة و هو يسخر منها و معه والدها أيضًا، فقامت هي بوكزه في ذراعه و هي تقول بحنقٍ:
"يوه ؟! خلاص بقى يا حسن، كل شوية تتريق عليا ؟! خليك هيقعدلك في عيالك كدا، أنتَ حر"
رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
"يلهوي رخمة من يومك، فيه حد يتصور كدا، إيه التكبر دا ؟؟"
ظهر التبرم و الضيق على ملامح وجهها فقال هو مُعدلًا على الصور:
"مين الحمار اللي كان بيصورك دا ؟! شكلك يموت من الضحك"
تدخل "محمود" يقول بنبرةٍ ضاحكة هو الأخر:
"صحابها و ولاد عمها البنات و هدى اختها، هدير ليها في كل مراحل حياتها صور، من يوم ما عنيها فتحت على الدنيا، كنت جايب كاميرا و مخليها هنا علشانها هي مخصوص، هدى مش بتحب الصور، لكن هدير تعيش في استوديو عادي"
ضحك "حسن" و هي أيضًا و استمرت جلستهم بذلك الوضع حتى استأذن منهما "محمود" يدخل غرفته، و بعد اختفاء أثره قالت "هدير" بأسفٍ له:
"معلش بقى هنبات هنا علشان بابا مسك فيا، عارفة إنك ماكنتش عامل حسابك"
ابتسم لها يُطمئنها و هو يقول:
"لأ خالص متقوليش كدا، أنا مقدرش اقول لعمو محمود لأ، بعدين أنا حاسس بيه و عارف إن احساس الوحدة عليه صعب، و بعدين هو أبويا برضه ولا إيه ؟"
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له ثم اقتربت تجلس بجواره تلتصق به حتى فهم هو ما تريده، و احتواها بين ذراعيه و هو يقول بسخريةٍ مقلدًا لها:
"احضني يا حسن !! صح ؟!"
ضحكت هي رغمًا عنها و هي تهز رأسها موافقةً بحماسٍ فتنهد هو بعمقٍ ثم لَثمَ جبينها و قال بهدوء:
"و حسن معاكي اهوه يا ستي احضنيه براحتك يا هدير، احضنيه بعدما نورتي حياته و لسه هتنوريها تاني كمان بابني اللي جاي منك"
ردت عليه هي بهيامٍ:
"أنا أصلًا مش مصدقة أني هكون أم، بصراحة يعني مش قادرة اجمع شكلي، أو يمكن علشان محطيتش في دماغي إن دا يحصل، أقولك على حاجة ؟! أنا متلغبطة، خايفة من كل حاجة، و خايفة أكون أم فاشلة، خايفة يكونوا زيي بسبب حبي ليهم"
عقد ما بين حاجبيها فقالت هي بندمٍ:
"اللي ضيعني إن ماما كانت بتحبني حب غريب، حب ضيعني منها من غير ما تحس، دلعتني و خلت عندي كل حاجة، بس المشاعر و الحنية دول أنا ماكنتش أعرف عنهم حاجة، علشان كدا بخاف، لأني متأكدة أني هحبهم حب غريب، خايفة حبي ليهم يضيعهم مني"
تنهد هو بعمقٍ ثم قال مُطمئنًا لها:
"مش عاوزك تفكري بالطريقة دي علشان ساعتها هتتعبي نفسك على الفاضي، فكري فيها بطريقة تانية، زي ما حبي ليكي غيرك و خلاكي واحدة تانية و زي ما حبك حياني من جديد، حبك ليهم أكيد هيكون في صالحهم، هياخدوا أم حنينة و طيبة زيك، يا بخته بيكي و يا بختهم بيا علشان مش هيلاقوا أب زيي يحبهم و يحب أمهم كدا"
ابتسمت بيأسٍ منه ثم ألقت رأسها على كتفه فقال هو بلهفةٍ:
"تتفرجي معايا على كروتون ؟!"
رفعت رأسها و عينيها تلمع بشغفٍ أشبه بوميض النجوم في السماء، فقام هو بفتح التلفاز على أحد أفلامهما المفضلة و هو "الجميلة و الوحش" فابتسم كليهما للآخر و جلسا معًا يشاهدا الفيلم سويًا حتى مدت هي يدها تملس بطنها بفرحةٍ و هي تفكر في اليوم الذي سوف يأتِ لتشاركه هو و ابنائه في مشاهدة أفلامهما المفضلة بتلك الطريقة.
_________________________
جلس "وليد" بجوار المرأة يطعمها الغِذاء في فمها و هي تبتسم له بفرحةٍ و عمته بجوارها تعتني بها و تتاولها الماء بين الحين و الآخر ثم قامت بتمشيط شعرها و أنهت عنايتها بها ثم خرجت من الغرفة هي و "وليد" معًا و قبل أن يرحل طلبت منه المرأة أن يأتي لها من جديد و أخذت منه وعدًا أن يعود لها من جديد فقال هو بتأثرٍ:
"أوعدك.... هاجيلك تاني"
حركت رأسها موافقةً ثم وضعت رأسها على الفراش تنعم بنومةٍ هادئة بعدما اعتنى بها ابنها أو هكذا تظن، خرج من عندها بعدما تبدل حاله و كأنه شخصًا غير الأخر، و كذلك عمته، ركبا السيارة سويًا فسألها هو بتيهٍ:
"مين دي يا عمتو ؟! و بتيجي هنا تعملي عندها إيه ؟! و مين هيثم ؟!"
تنفست بعمقٍ ثم قالت:
"دي ماما سميحة، كانت مُدرسة و معندهاش غير ابن وحيد اسمه هيثم، كبرته و علمته و صرفت عليه و جوزته و للأسف تعبت و بدأت تتوه و تنسى، خدها رماها في الشارع و معاها ورقة و فلوس إن اللي يلاقيها يحطها في أقرب دار مسنين و معاها صورة بطاقتها، أخر حاجة هي فكراها إنه قالها رايح أحط بنزين، و نزلت من العربية تستناه و لسه لحد دلوقتي من ٣ سنين مرجعش و لا هي نسيته"
لمعت العبرات في عينيه من جديد و كساها الاحمرار فقالت "مشيرة" ببكاءٍ:
"باجي هنا علشان اساعدها يمكن أسامح نفسي، صدقني والله من يوم ما بقيت معاها و أنا بقيت واحدة تانية، قلبي بقى مسالم و هادي و مش عاوزة غير أني أموت وسطكم بس و أنا مستورة في بيتي، كل مرة بشوفها واقعد معاها هنا بحس بتأكد أنها دنيا ملهاش لازمة، اوعدني أني ميحصلش فيا كدا، اوعدني اموت وسطكم في بيتي و انتم حواليا..... اوعدني يا وليد"
لم يرد عليها بالحديث فقط خطفها بين ذراعيه يبكي معها هو الأخر حتى شهقت هي بين ذراعيه فقال هو بصوتٍ متحشرجٍ:
"بس متقوليش كدا، ربنا يخليكِ لينا و تفضلي معانا لحد ما تفرحي بأحفادك و بعيالهم كمان، أنا معاكِ و الله و عمري ما هسيبك، متخافيش"
تمسكت به تبكي بحرقةٍ و هو الأخر ربت عليها بحنانه المعتاد ثم قبل رأسها و دموعه تنهمر على وجهه تأثرًا من اليوم بأكمله و بكل تفاصيله.
_________________________
جلس "ياسين" في الشرفة بمفرده يفكر فيما حدث و في تصرفاته معها، هي لم تُخطيء في شيءٍ و هو لم يخطيء، إذن من السبب في كل ذلك ؟! لما يشعر و كأن ضيق الدنيا بأكملها يخيم فوق صدره، لم يعد يعلم هل هو فوق الارض أم هي من تجثو فوقه ؟! زفر بقوةٍ ثم رفع كفيه يمسح وجهه و رأسه بعنفٍ، فتفاجأ بوالده يقف مقابلًا له ضاممًا ذراعيه أمام صدره، رفع "ياسين" رأسه يطالع الواقف أمامه ثم اعتدل في جلسته احترامًا له و هو يقول:
"اتفضل يا بابا اقعد، فيه حاجة؟"
جلس "رياض" أمامه و هو يقول بنبرةٍ هادئة لكن بين ثناياها المعاتبة:
"ينفع اللي حصل دا ؟؟ هو دا ياسين الهادي العاقل ؟! خلاص ما بقيت تصدق تتعصب تخرج أسوأ ما فيك ؟!"
زفر بقوةٍ ثم قال:
"يعني أنا اللي غلطان كمان ؟! رايح حفلة علشان احضر خطوبة مراتي ؟! خلاص شوال بطاطا مليش لازمة ؟! طبعًا مقدرتش اتحكم في نفسي، و كويس إنه خرج من تحت ايدي سليم"
ضيق "رياض" عيناه و هو يقول بثباتٍ:
"و خديجة ذنبها إيه ؟! الغلط من عند أمك من الأول يا ياسين، زهرة هي اللي قالت إنها بنتها، لكن البنت مفيش عليها أي ذنب"
تنهد "ياسين" بعمقٍ ثم قال بقلة حيلة و خجلٍ منه نفسه:
"عارف إنها ملهاش دعوة و عارف إنها مكانتش تعرف حاجة، بس أنا لو كنت اتكلمت كنت هخليها تزعل علشان كدا خرجت و سيبتها"
حدجه "رياض" بغيظٍ و هو يقول:
"ولا ؟! أنا مش قصدي على كدا، أنا بتكلم على موضوع الجمعية، هي مالها توقف مستقبلها ليه ؟! منكد عليها و مزعلها ليه ؟!"
رد عليه "ياسين" بنبرةٍ جامدة:
" علشان أنا مش فاضي كل شوية حد ييجي يحرق دمي، أنا عاوزها تنجح و تحارب و تعمل اسمها بس أنا خايف، خايف هي تضيع مني، الدنيا دي غدارة و أنا مش هقبل إنها تغدر بيا في خديجة، أنا غلطان أنا عارف بس أنا بحبها و الله"
ابتسم له "رياض" بتفهمٍ فقال "ياسين" بنبرةٍ أهدأ:
"أنا النار مسكت فيا أول ما سمعت الواد و أمه، كل اللي فكرت فيه إن الدنيا بتضربني بالقلم و بتاخدها مني، أنا مش أناني و مش وحش، بس أنا خايف هي تضيع مني"
ربت "رياض" على كتفه بتفهمٍ ثم تحرك من أمامه فيما جلس هو بمفرده من حديد يرفع رأسه للسماء بشرودٍ، أما هي فكانت تجلس على الفراش بعدما بدلت ثيابها و رغمًا عنها بكت كلما تذكرت طريقته معها، شعرت به يقترب من الغرفة و حينها نزلت بجسدها للفراش و دثرت نفسها جيدًا و أولت الباب ظهرها حتى لا يراها، دلف الغرفة يتنهد بقلة حيلة و خاصةً حينما رآها نائمةً، اقترب من الفراش يجلس عليه بجوارها، كانت كما هي توليه ظهرها و تمسح دموعها دون أن ينتبه هو لها، فمال عليها يسألها بنبرةٍ هادئة:
"خديجة ؟؟ أنتِ صاحية؟!"
لم يصله منها ردٌ، فقط صمت و حينما حاول كشف الغطاء عنها، حينها سحبته هي بعنفٍ تدثر نفسها جيدًا، فخرج هو من الفراش و سحب المقعد يقربه من جهتها و يجلس عليه ثم كشف الغطاء عنها دون أن تعانده هي، أما هو فوقع بصره على وجهها الأحمر و عينيها المنتفختين و سهام العتاب التي ترمقه بها من نظراتها، تنهد هو بعمقٍ ثم رفع كفه يمسح دموعها و قال بنبرةٍ هادئة:
"قومي يا ست الكل علشان نتكلم سوا، قومي مينفعش تنامي زعلانة و لا معيطة"
رفعت كفها تسمح وجهها ثم اعتدلت تجلس على الفراش مقابلةً له و نظراتها تسأله عما يريد دون أن تتفوه بكلمةٍ واحدة، فقال هو بلينٍ و هدوءٍ:
"حقك عليا متزعليش، أنا أسف و الله يا خديجة، أنتِ ملكيش ذنب بس أنا غلطت لما دخلت الدنيا في بعضها، حقك عليا"
نزلت دموعها من جديد و هي تستمع لحديثه، فقال هو مسرعًا:
"أنا أسف و الله بس غيرتي عليكِ هي اللي خلتني اتصرف كدا، حطي نفسك مكاني و خلي واحدة تيجي تقولك أنا عاوزة اتجوز ياسين، شوفي نفسك هتعملي فيها و فيا إيه"
تبدلت نظرتها من المعاتبة إلى الحِدة فقال هو مسرعًا:
"شوفتي بقى ؟! عينك بس هتاكلني، و أنا بقولك فكري بس، رغم إنك ست و أنا راجل بس المشاعر عندي مفيهاش الكلام دا، المشاعر واحدة و كلنا بنحس، متزعليش مني بقى"
ردت عليه هي بلومٍ و معاتبةٍ:
"طب و أنا ذنبي إيه؟! تشخط فيا و تمنعني من حلمي ؟! تقف في وشي ؟! دا أنا مليش غيرك و الله"
استطاعت بحديثها أن تحمله فوق طاقته فأمسك هو كفيها و قال بأسفٍ و ندمٍ:
"أنا مكانش قصدي و الله ازعلك، أنا الدم غلي في عروقي لما حسيت بس إن حد غيري بيفكر فيكِ، مين دا اللي يجي ياخد مني خديجة ؟! مين اللي محاسن داعية عليه علشان يبص للكتكوتة ؟! مين اللي يبص لدنيتي و يعوز ياخدها مني ؟!"
ابتسمت رغمًا عنها بعد حديثه فاقترب منها يقبل رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"حقك عليا و على راسي من فوق، أنا عيل مترباش و غلط، و أنتِ ست الكل قلبك كبير و هتسامحيني"
سألته هي بمعاتبةٍ:
"طب و الجمعية ؟! و الفكرة اللي مشيت فيها كتير ؟! هتمنعني برضه ؟؟ لسه عند رأيك ؟!"
زفر بقوةٍ ثم تحرك من المقعد و لف حول الفراش يجلس بجوارها و هي تتابعه بتعجبٍ من صمته، فاقترب منها يسحبها بجواره و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أهي دي بالذات أنا مش عارف أعمل فيها إيه ؟! بس برضه مش هاين عليا ازعلك، أنا مش وحش علشان أقف في طريقك بس أنا بحبك و عاوز أحافظ على نصيبي فيكِ من الدنيا، لما حسيت إن فيه حاجة هتاخدك مني قولت بلاها و خلاص، بس لما فكرت قولت مينفعش أزعلك مني، الزعل غلط علشانك و علشان ابني اللي جاي في السِكة دا ميلاقنيش منكد عليكِ"
ابتسمت هي له فأضاف هو مُكملًا:
"هتروحي عادي و كملي اللي بتعمليه بس و الله العظيم لو حصل حاجة كدا تاني أنا هحبسك في البيت و أخلص"
اقتربت منه تحتضنه بفرحةٍ فضحك رغمًا عنه ثم مسد بكفه على ظهرها و سألها بوجهٍ مُبتسمٍ:
" خلاص يا ست الكل مش زعلانة ؟! قوليلي و أصالحك أنا عيوني ليكي"
ابتعدت عنه تقول بنبرةٍ جامدة:
"لأ طبعًا أنا زعلانة احنا هنهزر؟!"
قلب عينيه مفكرًا ثم قال بحيرةٍ:
"طب أصالحك ازاي ؟! اعملك إيه علشان ترضي عني ؟! أنا أصلًا مش طايق نفسي علشان زعلتك"
ردت عليه هي بحماسٍ:
"بقالك كتير مقولتش ليا كلام حلو بالفصحى، قولي يلا"
لوى فمه بتهكمٍ من حديثها فقالت هي بسخريةٍ:
"إيه الحروف ضاعت منك ؟؟ يلا يا مهلبية، اتحفني"
دفع الغطاء بعيدًا عنهما ثم عدله من جديد يدثر نفسه و هي معه ثم قال بسخريةٍ:
"نامي يا خديجة، البرد غلط عليكِ و على اللي في بطنك، نامي يا كتكوتة"
عاندته هي بقولها:
"طب مش هنام غير لما اسمع كلام حلو باللغة العربية الفصحى"
تنهد هو بعمقٍ ثم احتواها بين ذراعيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"حفظتُ كَلمات الغَزل و نِصوص الحُبِ لَكنْ مَن غَيركِ يَستحق ذلك كي له أقول، فقد أحياني حُبكِ كما تُحيا الزهرة بعد الذبول، فحبي لكِ لم يخطر على قلبٍ و لم يجول بالعقول، أنتِ فقط من استأنس قلبي بها، و ازدهرت حياتي بحبها"
ابتسمت براحةٍ تشكلت على محياها فقال هو بمرحٍ كعادته بعدما يغازلها:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتي يبقى كدا اتثبتي"
ابتسمت هي له ثم حركت رأسها موافقةً فقبل هو جبينها ثم سألها بنبرةٍ هادئة حنونة:
"لسه زعلانة مني ؟! أو فيه حاجة مزعلاكي أصلًا"
هزت رأسها سلبًا تنفي حديثه فاحتضنها هو ثم ربت على ظهرها و هو يشعر بالراحة خاصةً بعدما استطاع محو حزنها و تأكد هو من ذلك حينما ألقت برأسها على كتفه و قبل أن يسألها إن كانت نائمةً أو غير ذلك فتفاجأ بها تقول بنبرةٍ خافتة من بين الصحو و الغفوة:
"الـــدار أمـــان يـا يـاسـيـن"
ابتسم هو لها ثم قبل قمة رأسها و وضع رأسه فوق رأسها مُبتسمًا بأمان اقتبسه من تواجدها بجواره.
_________________________
في اليوم التالي كانت الأمور على ما يرام مع الجميع عدا "خلود" التي كانت تشعر بالتوتر خاصةً أن نتيجة امتحانها الأول في المركز التعليمي شارفت على الظهور بعد قليل، ارتدت ثيابها حتى تذهب للمركز التعليمي، لم يهمها من الأساس الاختبار أو درجاته لكن ما يهمها حقًا هو نتيجة تعبها و سهرها على الرغم من كونها مرتها الأولى.
دلفت "سلمى" غرفتها و هي تقول بضجرٍ منها:
"هو أنتِ لسه مخلصتيش ؟! يلا علشان الدرس هتتأخري عليه و علشان أحمد يوصلك قبل ما يتعصب علينا"
حركت رأسها موافقةً ثم حملت حقيبة ظهرها و هي تقول بقلة حيلة:
"هعمل إيه يعني ؟! الامتحان نتيجته هتظهر في الدرس النهاردة و أنا خايفة أوي، دي أول مرة اخاف من نتيجة امتحان كدا"
سألتها "سلمى" باهتمامٍ:
"ليه طيب ؟! مش أنتِ ذاكرتي؟"
ردت عليها بقلة حيلة:
"ما هو دا اللي مقلقني، أني ذاكرت و دي أول مرة اذاكر بضمير كدا و ابقى عاوزة أشوف نتيجة اللي عملته، أنا لو جيبت درجة وحشة مش هقدر أكمل بنفس الحماس و الطاقة دي"
امسكت "سلمى" كتفيها و هي تقول بثباتٍ و تشجيعٍ لها:
"أوعي تفكري كدا !! حاولي تاني و تالت و دوسي على نفسك و حاربيها، صحيح المذاكرة ممكن تتعب يوم أو اتنين أو تيرم كامل، بس اهمالها تعبه طول العمر و خصوصًا لما تكوني اهملتي في حق نفسك، أنا معاكِ هنا اهو مش هسيبك، أنا في ضهرك يا خوخة"
احتضنتها "خلود" بعاطفة جياشة و هي تبتسم بتأثرٍ فيما ربتت "سلمى" على ظهرها، و في تلك اللحظة دلف "أحمد" الغرفة و حينما وجدهما في عناق بعضهما اقترب منهما يقول بحماسٍ:
"طب و الله ما يحصل من غيري، خدوني معاكم أنا غلبان هنا"
اقترب منهما بعد حديثه يحتضنهما و هو يضحك بمرحٍ و فرحةٍ و كلٍ منهما بين أسفل ذراعه، فقال هو براحةٍ:
"أنا بحب اشوفكم مع بعض أوي، بتطمن و انتوا سوا، ربنا يخليكم ليا يا كل ما ليا"
ابتسمت كلتاهما له فقام هو بطبع قبلة هادئة على جبين كلٍ منهما ثم سأل أخته بخبثٍ:
"بقولك يا خوخة !! ما تخرجي كدا و تخلي أخوكِ يفضفض مع مراته بكلمتين حلوين، يلا"
سألته هي بسخريةٍ:
"هو أنتَ مدريتش ؟! مش عمو محمد جندني عنده و بأجر شهري كمان ؟! يرضيك أخون الأمانة ؟!"
ضحكت "سلمى" بصوتٍ عالٍ فيما قال هو بغموضٍ:
"طب و الله لأسلط عليه وليد"
بعد مرور دقائق نزلوا سويًا و كان "حسن" في انتظارهما في الأسفل، و بمجرد ما رأهم سألهم بلهفةٍ:
"إيه اللي أخركم كدا يا جماعة الراجل قرب يوصل هناك و لسه هنوصل خلود كمان، بسرعة يالا"
ركبت "سلمى" السيارة و بجوارها "خلود"، فاقترب "أحمد" من "حسن" يحدثه بنبرةٍ خافتة و هو يقول:
"بقولك !! أنا الفلوس اللي محوشها من شغلي مش كتير و لسه معرفش بابا شايلي كام، فهم الراجل إن التوضيب يكون في الحنين لحد ما أشد حيلي كدا"
وضع "حسن" يده على كتفه و هو يقول بتفهمٍ معه:
"ملكش دعوة بحاجة أنا معاك و في ضهرك يا أحمد، متشيلش هم حاجة، لو ربنا كان كرمني بأخ من دمي كنت هديله دم قلبي مش فلوسي بس، و أنتَ بقى ؟! غلاوتك عندي زي غلاوة أخويا و أكتر و شقتك كأنها شقة أخويا، أنا معاك و لو احتاجت حاجة مَيِل على أخوك هيسندك، و متزعلنيش منك علشان أنا عشمي فيك كبير إنك اكتر من أخويا"
احتضنه "أحمد" و هو يقول بتأثرٍ:
"ربنا يديمك ليا أخ و صاحب جدع، شكرًا إنك علطول معايا"
رفع "حسن" كفه يربت على رأس "أحمد" ثم قال بعدما تنهد بعمقٍ:
"و يخليكم كليا ليا يا رب"
بعد ذلك ركب "حسن" السيارة و بجواره "أحمد" ثم تحركوا جميعًا نحو المركز التعليمي أولًا لكي يتم توصيل "خلود" و بعدها نحو بيت آلـ الرشيد حتى يقوم "أحمد" بالبدء في تجهيز شقته لعش الزوجية.
دلفت "خلود" المركز بتوترٍ و اقتربت من مكتب الاستقبال لكي تدفع ثمن الحصة فتفاجئت به أمامها يقوم بتسجيل الاسم، رفرفت باهدابها ببلاهةٍ فقال هو بثباتٍ:
"سجلت اسمك يا آنسة اتفضلي الحصة قربت تبدأ و النهاردة مفيش امتحان"
اعطته ثمن الحصة فأعطاها هو البطاقة الخاصة بالدخول، دلفت الحصة بتوترٍ زاد أكثر خاصةً بعد تواجده هنا، نعم هي تعلم أنه عاد للعمل حتى تبدأ الدراسة من جديد لكنها لم تتصور أنه يعمل هنا، دلف المشرفون و بقية الطُلاب لقاعة الشرح و أخرهم كان المُعلم، تنفست بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ خافتٍ:
"يا رب أجبر بخاطري مرة واحدة و أحس أني شاطرة، مرة واحدة بس، إن شاء الله لو أخر واحدة أنا راضية"
بدأ المعلم بذكر اسماء الطلاب الذين حصلوا على الدرجات العليا في الاختبار و بدأ بطريقةٍ تصاعدية بدءًا من الأقل حتى الأعلىٰ، وقف "عمار" في الخلف يتابع ما يحدث بتوترٍ هو الأخر و هو يرى المعلم يذكر اسم الطالب فيقوم من موضعه و يقترب منه يأخذ الشهادة و حقيبة الهدايا الصغيرة، استمر الوضع كذلك حتى انهى المعلم ذكر الاسماء دون أن يذكر اسمها من الضمن، فظهر الاحباط على ملامح وجهها و هو أيضًا، لم يكن حزنًا منها، إنما حزنًا لأجلها، زفر هو بعمقٍ و خاصةً حينما اخفضت رأسها للأسفل، فقال المعلم بطريقةٍ عملية:
"طبعًا أنا كرمت الطلاب من الأقل للأعلى لحد أخر واحد ناقص نص درجة بس، طبعًا الامتحان دا مش آخر الدنيا و مستني منكم تعويض في اللي جاي، أدينا بنجرب لحد ما ربنا يكرم و تبقى تجربة بجد أخر السنة، طبعًا دي مش نهاية التكريم، لأن فيه نتيجة أعلى من كدا، طالب واحد بس اللي حصل عليها، و الحقيقة إن الطالب دا اتحدى نفسه كتير و الفرق بان من أول السنة لحد الامتحان دا و إنه بذل مجهود خرافة، كانت نتيجته إنه قفل الامتحان"
أوقف المعلم الحديث عن ذاك الطالب ثم قال من جديد بنبرةٍ أعلى و حماسٍ أشد:
"حييوا معايا خلود طه فايز الرشيد، لحصولها على الدرجة النهائية في أول امتحان شامل في مادة اللغة الإنجليزية"
ابتسم "عمار" بفرحةٍ و كذلك هي الأخرى و رمشت عدة مراتٍ حتى طلبها المعلم فقامت له بمشاعر مختلطة و لأول مرّة تشعر بتلك المشاعر، فأعطاها المعلم شهادة تقدير ورقية كبيرة الحجم و صندوق هدايا متوسط و ورقة مالية فئة الـ مئتين جُنيه.
طالعت الاشياء بدهشةٍ ثم رفعت رأسها تنظر حولها و كأنها تتأكد أن هذا هو واقعها و لم يكن حُلمًا من خيالها نسجه عقلها اثناء نومها، و حينما تلاقت نظراتهما سويًا رفع ابهامه يُحييها و كأنه يخبرها أن كل شيءٍ على ما يرام في تلك اللحظة تأكدت هي أن هذا هو خيالها، فهل من الممكن أن ترضى عنها دنياها في يومٍ واحدٍ بتلك الطريقة.
_________________________
في شقة "عامر" أجتمع الشباب بزوجاتهم بعدما أصر هو عليهم أن يقضوا اليوم معه و يتناولون الطعام سويًا، و أمام الحاحه وافقوا أخيرًا و اجتمعوا في شقته.
كانت الطاولة ممتلئة بالطعام والشراب و هم يتناولون الطعام في مرحٍ مع بعضهم، فقال "خالد" بنفاذ صبرٍ:
"العزومة دي كانت عليا أنا، مش عارف صممت ليه إنك تعزمنا أنتَ، يابني لسه خارجين من عقيقة و فلوس ولادة، شموا نفسكم شوية"
رد عليه "عامر" بحنقٍ منه:
"وحد الله يا خالد مطفحناش اللُقمة، كل و أنتَ ساكت، يا عم قولت مرة من نفسي اعزمكم، تصدق بالله أنا راجل واطي محدش رباني"
أيده "ياسين" موافقًا ثم أضاف:
"بالظبط محدش رباك، قوم بقى يا عديم الرباية ناولني المياة من وراك"
أمسك "عامر" الزجاجة من خلفه ثم قذف "ياسين" بها في وجهه دون أن يقصد ذلك حتى ضحكوا جميعهم فحدجه "ياسين" بشررٍ و قبل أن يقترب منه أمسكت "خديجة" يده توقفه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"وحد الله كدا و اهدا و افتكر إنه بقى أب"
زفر "ياسين" بقوةٍ فقال "عامر" بسخريةٍ:
"كل يا ياسوري، أنتَ معاك توأم يعني الله يصبرك، حاجة كدا زي البيضا أم صفارتين تفرح بس تشبع بسرعة"
انتشرت الضحكات عليه فقام "ياسر" بامساكه من رأسه و الأخر يتأوه بعنفٍ حتى ابعدت "إيمان" زوجها و هي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"و الله العظيم أنا حاسة إن التوأم دول هما انتو، كم الصدف اللي حصلت معاكم تموت بصراحة، و أنتَ يا ياسوري كل كدا و اتغذا علشان أنتَ معاك توأم يعني عاوز صحة تانية على صحتك"
رد عليها بنبرةٍ هادئة:
"اللي بيرزق هو ربك متشيليش هم الصحة و الفلوس علشان دول مش بأيدينا، دول بيد ربنا سبحانه و تعالى و بعدين طالما ربنا رزقني بيهم يبقى أكيد معاهم رزقهم"
ردوا جميعًا عليه في آنٍ واحدٍ:
"و نعم بالله العلي العظيم"
في تلك اللحظة صدح صوت جرس الباب فقال "عامر" بسخريةٍ:
"إيه دا معقول الرزق جه بالسرعة دي ؟!"
ضحكوا عليه فاقترب هو من الباب يفتحه فوجد أمامه حارس العقار و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"معايا واحد برة بيسأل عن الدكتور ياسر يا أستاذ عامر، محروس بعته على هنا و قاله إنه عند حضرتك"
رد عليه "عامر" بتعجبٍ:
"أيوا ياسر عندي هنا، بس واحد مين دا معرفتش ؟!"
اقترب منه رجل أقرب إليه في السن يبدو عليه الهيبة و الوقار و هو يقول بصوتٍ رتيب:
"مساء الخير ؟! ممكن لو دكتور ياسر موجود أقابله ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم عاد بجسده للخلف و هو يقول لأخيه:
"واد يا ياسر !! شكل الرزق جالك بجد تعالى كلم حد عاوزك"
عقد "ياسر" ما بين حاجبيه و قام من موضعه و خلفه "ياسين" و "خالد" فقال هو بنبرةٍ هادئة:
"أيوا يا فندم ؟! مع حضرتك ياسر أبو اليسر الغزولي، مين حضرتك ؟!"
ابتسم له الرجل و هو يقول برزانةٍ و هدوءٍ يليق بمظهره المنمق:
"أهلًا يا دكتور ياسر، مع حضرتك جورج سامح، محامي و جاي أسلم حضرتك ميراثك في والدك الاستاذ سمير رحمة الله عليه"