رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل السابع
"لا تسأليني لماذا أنتِ، فمن وسط عالمٍ مليئًا بالرفضِ؛ أتيتِ أنتِ لتصبحي قبولي الوحيد"
_________________________
احتضن "مازن" شقيقه و هو يقول بصوتٍ متقطعٍ من البكاء:
"زعلوني يا زياد، كنت فاكرهم صحابي و أنهم هيخلوني معاهم، بس طلعوا كدابين، أول مرة أزعل كدا و أحس إن قلبي بيتكهرب"
عبارات رغم صغر سنه وصف بها الشعور المقيت الذي يشعر به للمرة الأولى، و كأنه لأول مرة يتذوق تلك المرارة في حياته، بينما البقية انتابتهم حالة ذهولٍ من حديث الصغير الذي تسبب بحزنهم، لذا أقترب منه "وليد" بلهفةٍ يجلس بجواره ثم أخذه بين ذراعيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"هما مش صحابك يا مازن، دول زمايل مش أكتر، مجرد مكان جمعك سوا بيهم، كل اللي يربطك بيهم معاملة طيبة و خلاص لحد كدا إنما الصحاب بجد، بيفكروا في شعور صاحبهم و ازاي يكون وسطهم زيه زي الباقي، أوعى تزعل نفسك علشان ناس متستهلش دا"
مسح دموعه ثم ابتعد عنه يقول بنبرةٍ غلفها الحزن:
"هما لما كانوا بيحتاجوا حاجة مني كنت بعملها، علطول كنت برسم ليهم و اساعدهم في النشاط و مالك دا لما راح من غير تيشيرت الألعاب أنا أديته التيشيرت بتاعي، لما هو عمل عيد ميلاده مقاليش ليه ؟!"
رد عليه "وئام" يمازحه:
"أحسن ياض وفر تمن الهدية"
انفلتت ضحكة خافتة من الجميع، بينما "طارق" جلس على ركبتيه أمام الصغير و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"بص !! مش هقولك متزعلش بقى و أنتَ راجل مش عيل و الكلام اللي ميأكلش عيش دا، بس هقولك إنك بتاخد دروس تعرفك مين هما صحابك، الموقف دا تزعل منه لو خرج من فارس ابن عمك او من علي أو من يونس، عمر، زين، دول كلهم صحابك بجد، إنما دول أغراب عنك و عن قلبك يا مازن، هقولهالك بطريقة أبوك...
اللي متعرفش تغيره....غوره"
زادت الضحكات أكثر بينما "جميلة" أقتربت منه تجلس بجوار زوجها و تمسك بكفي الصغير و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"الصحاب مش كدا يا مازن، الصحاب بجد بيخافوا على مشاعر بعض، بيراعوا بعض، مش مجرد ناس و خلاص، مش علشان صورتين و خروجة مع بعض بقوا صحابك، لأ، افتكر موقف سيدنا محمد و أبى بكر، و قوله تعالي:
{ إِذْ يقُولُ لصَاحِبِه لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }
تنقطع أسباب المخلوق فيرتجف الفؤاد كما ارتجف فؤاد الصديق في الغار فثبته الحبيب ﷺ
( لاتحزن إن الله معنا )
أعظم صحبة تلك التي تخفف عنك عناء الحياة والتي تواسيك وقت الضيق و أفضل صديق من احبك في الله ، و ذكرك بالله ويُعينك على طاعته ، وخوَّفك من غضبه ، ورغَّبك في لقاءه فذلك خير الزاد ليوم المعاد.."
استطاعت بفطنة حديثها أن تجذب الأنظار نحوها، بينما استطردت هي قولها:
"شوفت فارس علطول بيفكركم بالصلاة ازاي ؟! و شوفت يونس عمل جروب ينزلكم فيه أدعية و احاديث ازاي ؟! و شوفت بابا و خالو و عمو حسن و عمو وئام علطول بيروحوا مع بعض الصلاة ازاي ؟! متزعلش طالما معاك اللي ياخد بايدك للجنة، و حتى لو مش معاك دور عليه، إنما الباقيين دول صُحبة مزيفة، جمعتك بيهم ظروف حياتية مش أكتر"
مسح "مازن" دموعه ثم قال بحزنٍ بالغ و هو ينظر لشقيقه:
"أنا زعلان علشان كانوا بيخلوني أزعل من زياد علطول، بسببهم كنت بزعله علطول مني"
سأله "وليد" بعدما انتبه لحديثه:
"تزعل من أخوك ؟! إزاي و ليه ؟"
رفع رأسه بخزي و هو يقول بصوتٍ خافتٍ:
"علشان علطول بيقولولي أنه بيكرههم و أنه مش بيحبهم، كنت بفضل ازعله علشانهم، بس هو كان علطول يقولي أنهم مش صحابي.....ماكنتش بصدقه"
تنهد "زياد" ثم قال بعصبية زائدة عن الحد بعدما وصل لذروة غضبه:
"علشان أنا بشوفهم و أنتَ لأ، واحد عاوز منك رسمة علشان ينزلها عنده و الناس تقول عليه جامد، و التاني عارف إنك شاطر في الإنجليزي بيقعد جنبك لحد ما تغششه و بعدها يرجع لصحابه، و التالت لما يعوز ألوانك و حاجتك يجيلك، و لما اتكلم تقولي أني بغير عليك، آه بغير، علشان أنتَ صاحبي أنا و أخويا أنا، و أنتَ بتحبهم، و أنا بحبك أنتَ، بس هنا بيزعلوك يا مازن، و بابا قال اللي بيحب حد مش بيزعله"
كان "زياد" منفعلًا بطريقة تشبه غضب والده و خاصةً حينما يخص الأمر أحبائه، بينما "وئام" تحدث برزانةٍ:
"زياد !! بالراحة، أخوك زعلان علشان هو بيحبهم، مش معنى كدا أنه مش بيحبك، كلنا عارفين إن مازن روحه فيك أنتَ، مهما حصل محدش بيحب حد اكتر من أخواته"
رمقه "زياد" بسخريةٍ بينما "مازن" لم يجد مهربًا من الشعور بالذنب سوى بين ذراعي أخيه، لذا ارتمى عليه يعانقه، فرفع "زياد" ذراعيه يحتضنه بعمقٍ ممسدًا على ظهره، فقال "مازن" باصرارٍ:
"أنا مش هكلم حد فيهم تاني، و لو حد طلب مني حاجة منهم مش هعملها ليه، و لو لقتني بسمع كلامهم ابقى اضربني"
رد عليه "مازن" بسخريةٍ:
"طب ما أنا ممكن أضربك من غير حاجة عادي، هستنى ليه"
اقتربت منهما "عبلة" تحتضنهما و هي تقول بمرحٍ في محاولةٍ منها لتخفيف الحزن المخيم عليهم:
"خلاص ياض يا كئيب أنتَ و هو بقى !! بصوا صاحبوني أنا و خلاص، امري لله قابلة بيكم"
احتضنها الأثنين، و على حين غرة كان "طارق" يسحب "مازن" من بين ذراعيها و كذلك "وليد" قام بسحب "زياد" و تبعهما "وئام" بحمله لـ "فارس" يركض الثلاثة بالصغار على أذرعهم و ضحكاتهم الرنانة ترتفع بصخبٍ بعدما فعلوا ذلك لـلتخفيف عن "مازن" و من الواضح أن جميعم يحتاجون لذلك المرح و قد بدا عليهم و هم يركضون خلف بعضهم بالصغار الذين صرخوا بالتوسل للتوقف من بين ضحكاتهم.
________________________
أوقف "حسن" سيارته أسفل البناية بعدما رحل بأبنائه و زوجته من الحديقة، ثم التفت لهم يقول بمرحٍ:
"هنقضي السهرة مع تيتة و نمشي بعدها، أظن كدا أنا عملت بأصلي معاكم و مع أمكم، مسمعش سيرة خروج دي تاني غير السنة الجاية، ماشي يا صيع ؟!"
حركوا رأسهم بموافقةٍ فيما قالت "هدير" بمعاندةٍ:
"لأ هنخرج برضه و هنقول عاوزين نخرج، صح يا عيال ؟!"
رفع حاجبيه مستنكرًا بينما هي راقصت له حاجبيها قاصدة إثارة حنقه، حتى قال هو متوعدًا:
"براحتك، العبي في دماغهم كويس علشان المرة الجاية أخرجهم هما و أحبسك أنتِ في البيت، هترتاحي كدا يعني ؟!"
حركت رأسها نفيًا بذعرٍ ثم اقتربت منه تمسك يده و هي تقول بلهفةٍ:
"خلاص خلاص قلبك أبيض، أصلا مش هتقدر تعملها، هتزعلني يعني ؟!"
حرك رأسه موافقًا فشهقت هي بلهفةٍ ثم ابتعدت عنه تحدث صغارها و هي تقول بنفس المعاندة:
"طب اقولكم يا عيال !! أنا هخليها خروجة كل خميس و جمعة و كلمة كمان هتبقى خميس و جمعة و سبت و حد"
سألها "حسن" بسخريةٍ:
"طب و باقي الاسبوع ؟!"
ردت عليه بنفس السخرية:
"صيانة ليا يا خفيف"
بعد مرور ثوانٍ نزلوا من السيارة يتوجهون لشقة "ميمي" التي كعادتها دومًا تجلس على المقعد الخاص بها في الشرفة تقرأ القرآن من المُصحف الشريف حتى وصلها صياح الصغيرين بكلمة "تــيـتة".
تلك الكلمة التي تجعل قلبها يطير مثل الفراشات مُحلقًا نحو الضوء الوهاج، كذلك تركت المصحف من يدها بعدما أغلقته و صدقت بعد قرائتها ثم فتحت ذراعاها لهما يركضان نحوها بفرحةٍ تشبه فرحة الصغير عشية العيد ممنيًا نفسه بملابسه الجديدة و صباحٌ كُله بهجة و سرور، و كذلك هو حالها قبل حالهم، بينما تتبعهما "حسن" ثم اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم سألها بنبرةٍ حنونة:
"عاملة إيه يا ماما ؟! طمنيني"
ردت عليه بودها المعتاد:
"زي الفل الحمد لله، طالما انتم معايا و حواليا يبقى كله تمام"
اقتربت منها "هدير" ترحب بها ثم قبلت رأسها و كفها ثم سألتها بنفس الحنان:
"أخبارك إيه ؟! أحسن دلوقتي؟"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
"أحسن علشان شوفتكم داخلين عليا و مفرحني كدا، دا لو فيا أمراض الدنيا كلها، هبقى تمام بِـ طَلتكم دي"
التفوا حولها عدا "فاطيما" التي استقرت بين ذراعيها و الأخرى "ميمي" تحتويها و هي تربت على رأسها، فقال "حسن" بنبرةٍ ضاحكة:
"طب سيبي تيتة و تعالي اقعدي جنبي، هي مش هتطير يعني"
حركت رأسها نفيًا ثم تشبثت أكثر بجدتها، بينما "ميمي" ربتت على ظهرها و خصلاتها ثم قالت بنبرةٍ ضاحكة:
"سيبها و خليها في حضني، علشان تروح تغيظ جاسمين كويس و تيجي التانية تحضني عندًا فيها"
ردت عليها "هدير" بقلة حيلة:
"المصيبة أنهم حربايتين و صحاب، الله يصبر اللي يقع معاهم، طب أنا و عارفة اتعامل، خديجة دي بتتعامل إزاي ؟!"
ردت عليها "فاطيما" بضجرٍ:
"هو أنا بعمل حاجة ؟! الله ؟!"
رفعت "هدير" طرف شفتها ثم قالت بسخريةٍ:
"لأ أمي يا بت، أومال مين اللي معلي صوتي و مخرجني عن شعوري ؟!"
"مخرجك عن شعورك !! يلهوي بقيتي قرعة ؟!"
قالتها الصغيرة بفزعٍ بعدما فشلت في التوصل لمقصد والدتها، بينما من حولها ارتفعت ضحكاتهم عليها فيما أغمضت "هدير" جفونها ثم أضافت بنبرةٍ خافتة وصلت لـ "حسن" الذي جاهد لكتم ضحكته:
"صبرك عليا، أنا هخليكِ تغسلي المواعين حاضر، يا أنا يا أنتِ"
تدخل "علي" يسأل "ميمي" كما اعتاد دومًا على مراعيتها:
"هو أنتِ كلتي يا تيتة ؟! و لا لسه علشان الدوا ؟!"
ردت عليه بتأثرٍ:
"كلت يا علي، كلت يا حبيبي و خدت العلاج كمان، تسلم من كل ردي يا رب"
حرك رأسه موافقًا فيما قالت "هدير" بحماسٍ:
"حيث كدا بقى حسن ينزل يجيبلنا حاجة حلوة طالما هنقضي السهرة هنا، دا بعد اذنك طبعًا"
رد عليها هو بتهكمٍ:
"من غير ما تقولي كنت نازل أصلًا، مجبتيش حاجة من عندك"
تدخلت "ميمي" تقول بضجرٍ منهما:
"انتم يا عيال حصلكم إيه ؟! علطول ناقر و نقير كدا ؟!"
ضحك "حسن" بقلة حيلة ثم وقف يهندم ثيابه و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"أصل النكش دا محبة، و أنا واقع فيها مش بس حاببها"
صفقت بكفيها معًا مثل البلهاء فقال هو بسخريةٍ:
"طول عمري اسمع عن سقفة البطاريق أول مرة أشوفها"
ارتفعت الضحكات عليها بينما هو تحرك بعدما غمز لها جاعلها تتأكل من الغيظ خلفه خاصةً بنظرات صغارها الساخرة عليها.
_________________________
في بيت آلـ "الرشيد" وصل "عمار" أولًا بدراجته النارية فصفقت "جاسمين" بسعادةٍ و هي تقول:
"Yes وصلنا قبل بابا و ماما"
رد عليها "عمار" بسخريةٍ و هو ينزلها من أعلى الدراجة:
"أنا مشوفتش في قلة أصلك يا بت أنتِ، بدل ما تقلقي أنهم اتأخروا ؟!"
تجاهلت حديثه ثم اقتربت تمسك بكف "خلود" ثم أمرتها:
"خلود !! لميلي شعري"
زفرت "خلود" بقلة حيلة ثم أمسكت خصلات الصغيرة تقوم بضبطها بعدما خلعت الخوذة عن رأسها، بينما "عمار" تابعهما بنظراته و هو يرى العبوس البادي على وجهيهما و كأنهما نسخة واحدة من نفس الشيء !! زاد الأمر أكثر حينما وقفت "خلود" بجواره و بجوارها "جاسمين" التي سألت بحنقٍ:
"هو إحنا واقفين هنا ليه ؟!"
ردت عليها "خلود" بسخريةٍ:
"يعني نطلع من غيرهم ؟! دا إيه قلة الذوق دي ؟! لما ماما و أخواتك يوصلوا هنطلع سوا"
حركت رأسها موافقةً ثم اقتربت من "عمار" تمسك يده و هي تسأله بنبرةٍ طفولية:
"هو أنتَ مش هتحبني تاني خلاص ؟!"
عقد ما بين حاجبيه ثم نزل لمستواها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"ليه بتقولي كدا ؟! أنا بحبك علطول عادي يعني"
رفعت رأسها تشير بعيناها نحو "خلود" و هي تقول بنفس الطريقة:
"علشان اتجوزت خلود، كدا مش هتحبني تاني ؟! و برضه مش هتلعب معايا تاني ؟!"
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها:
"لأ أنا بحبك علطول و هلعب معاكِ علطول لحد ما تكوني أحسن عروسة في الدنيا كلها كمان و تروحي لعريسك زي خلود كدا، و حتى لو بحبها، أنا بحبك أنتِ كمان"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
"طب و هي كدا هتكون صاحبتك برضه زيي ؟! و لا لأ ؟!"
قبل أن يرد عليها هو، نطقت "خلود" تعاندها بقولها:
"آه بقيت صاحبته و مش زيك، لأ اكتر منك، في إيه يا بت ؟! مكوشة على أبويا و أخويا و أخويا التاني و جوزي كمان ؟! خلي بالك أنا صبري ملوش حدود"
رمقتها "جاسمين" بحنقٍ ثم حركت رأسها بآسفٍ تتعجب من أفعال خالتها التي عضت شفتها بينما "عمار" حال بينهما يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"خلاص دا انتم علاقتكم صعب أوي، أومال شبه بعض ازاي ؟"
ردت عليه "جاسمين" بحنقٍ:
"أنا عاوزة أكون شبه ماما علشان هي طيبة اوي، خلود شريرة"
شهقت "خلود" و قبل أن تمد ذراعها تمسك بخصلات الصغيرة كان اوقفها "عمار" بيده و هو يحاول جاهدًا كتم ضحكته حتى استكانت الأخرى على أثر لمسته فيما قال هو بهدوء:
"أهدي يا ستي أنتِ و هي، هو ياسين اتأخر ليه كدا ؟! ما كان ماشي جنبنا"
أشارت له "جاسمين" حتى نزل لها و اصبح في مستواها فقالت هي بنبرةٍ خافتة:
"بابا راح يجيب حاجة حلوة مش عارفة هي إيه، و جاي هنا علطول، بس أنا مش هقول لحد خالص والله"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بسخريةٍ:
"يا شيخة من غير حلفان باين على وشك، مين الكداب اللي يقول كدا إنك تقولي حاجة لحد"
حركت رأسها موافقةً بثقةٍ بينما هو حملها بين ذراعيه ثم استند بها على الدراجة فيما قالت هي بحماسٍ:
"عمار أفتح شنطتي بسرعة"
أشار لزوجته و هو يقول بمرحٍ:
"معلش يا خلود افتحي الشنطة علشان أنا شايلها"
اقتربت الأخرى منهما بحنقٍ تفتح الحقيبة فقالت "جاسمين":
"فيه شوكلاتة عندك هاتيها بقى"
زفرت "خلود" ثم امتثلت لمطالب الصغيرة و مدت يدها لها بالحلوى، فأخذتها الاخرى منها ثم فتحتها و قسمتها بينها و بين "عمار" و هي تطعمه في فمه، فسألها هو بتعجبٍ قبل أن يفتح فمه:
"مش هتدي خلود طيب ؟"
ردت عليه بلامبالاةٍ:
"خدت مني كتير قبل كدا، كدا هيكون هي بتستر.....بتكستـ...قول كدا اسمها إيه ؟!"
حاول كتم ضحكته عليها فيما رفعت الأخرى حاجبيها تراقبها حتى توقفت سيارة "ياسين" أمام البيت و نزل منها يقول بأسفٍ:
"أنا أسف بجد كنت بجيب حاجات و دخلت من شارع تاني الطريق واقف فيه، معلش"
التفتت "جاسمين" و لازالت بين ذراعي "عمار" تسأله بلهفةٍ:
"بابا....هي الكلمة بتاعة أني بضحك عليك دي اسمها إيه ؟!"
عقد ما بين حاجبيه و هو يقول:
"انهي كلمة دي ؟! بتاعة إيه؟!"
ردت عليه بطريقتها المعتادة:
"بتاعة بتستركـ....بتسكتـ... قول معايا كدا اسمها إيه ؟؟"
ابتسم بسخريةٍ و هو يقول:
"بتستكردني !! دي قصدك ؟"
شهقت بفرحةٍ و هي تقول:
"أيوا هي دي برافو عليك، شاطر"
تحدث "يزن" بضجرٍ منها:
"بتختاري الكلام الصعب ليه؟! كل مرة تسألي كدا ؟!"
حركت رأسها موافقةً فقالت "خلود" لـ "نغم" بسخريةٍ:
"خليكِ أنتِ مالكيش دعوة بحد، العيال دي هتبوظ أخلاقك"
حركت رأسها موافقةً و بعد مرور ثوانٍ كان "أحمد" يفتح شقة والده مرحبًا بهم و هو يقول بمرحٍ:
"يا هلا يا هلا بعرسانا الحلوين"
احتضنه "عمار" يرحب به و خلفه "خلود" التي تشبثت بشقيقها تشعر حقًا بالشوق نحوه، بينما هو ربت على ظهرها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"وحشتيني اوي يا خوخة"
ابتعدت عنه تطالع وجهه و هي تبتسم له ثم قالت بتأثرٍ:
"و أنتَ كمان وحشتني أوي"
ركضت نحوه "نغم" و هي تقول:
"خــالـو"
حملها "أحمد" بين ذراعيه و هو يقول بحماسٍ و فرحة بسبب رؤيتها:
"حبيبة قلب خالو، وحشتيني اوي اوي، كل دي غيبة ؟"
حركت كتفيها مما يدل على عدم علمها بالأمر بينما خرج "طـه" من الداخل مرحبًا بهم جميعًا حتى ركضت "خلود" نحوه بلوعةٍ بعدما قاربت على شهر تقريبًا لم تراه منذ زواجها و ذهابه لبيتها ليبارك لها.
احتضنها هو بتأثرٍ ثم قال يحاول إضافة المرح للأجواء:
"وحشتيني اوي اوي، ماكنتش متوقع أني هقول كدا في يوم بس البيت بقى وحش من غيرك أوي، بقى ضلمة و ساكت، طلعت شقاوتك فيه و مناهدتك معايا هي دي اللي مخلياه بيت بجد"
تشبثت به تشعر بكافة مشاعره نحوها خاصةً أنها قضت معه الكثير و الكثير بعد رحيل أخوتها من البيت، بينما هو ابتعد عنها ثم اقترب من "نغم" يحملها بين ذراعيه و يشدد عناقه لها يرى فيها "خديجة" الصغيرة، كل ما يخرج منها حتى ردود أفعالها الهادئة منذ صغرها، لذا قرر تعويض ما فاته معها هي، حيث حصلت "نـغم" على حبه و كامل قلبه فيكفي انها ابنة "خديجة".
خرجت "زينب" من الداخل ترحب بهم بحماسٍ و فرحةٍ بسبب تجمع أبنائها و أحفادها مع بعضهم و زوجي ابنتيها، المُجمل في الموضوع جعل السعادة باديةً على وجوههم جميعًا.
بعد مرور دقائق جلسوا جميعًا بجوار بعضهم فتحدث "طه" مرحبًا بهم:
"منورين يا ولاد، منور يا عمار"
رد عليه "عمار" بأدبه المعتاد:
"دا نور حضرتك يا عمي، البيت منور دايمًا بأهله و صحابه"
حرك رأسه موافقًا باستحسانٍ ثم رحب بـ "ياسين" الذي رد عليه التحية بقوله:
"دا نورك يا عم طـه، ربنا يجعله مفتوح بحسك و حس أحمد معاك يا رب"
وضعت "زينب" أطباق الحلويات و ضيافة الترحيب بهم و هي ترحب بهم بمرحٍ بينما "عمار" تقدم بجسده يعاونها حتى ربتت على كتفه و هي تقول:
"ربنا يبارك فيك يا حبيبي"
ابتسم لها ثم حرك رأسه موافقًا فتحدثت "خلود" تسأل شقيقها بتعجبٍ:
"أومال فين سلمى و ليلىٰ ؟"
رد عليها مفسرًا:
"تحت عند عمك محمد و هياخدوا لفة على عمك محمود و عمتك مشيرة، خليهم بقى، ليلى علطول عاوزة حد يشيلها"
رد عليه "عمار" بنبرةٍ ضاحكة:
"اديها لخلود، غاوية تشيل العيال لحد ما يوصلوا لسن جاسمين بعدها بتتبرى منهم"
ضحك الجميع على قوله بينما "جاسمين" اقتربت منه تجلس بجواره و هي تقول مدعية البراءة:
"هو أنا عملت حاجة ليها ؟!"
حرك رأسه نفيًا فالتفتت هي تقول:
"أهو هو قال لأ، شوف بنتك يا جدو بقى"
ضحك "طـه" ثم سحبها نحوه يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"هي بنتي كدا غريبة شوية، إنما أنتِ الله يحفظك سكر"
وضعت "جاسمين" رأسها على كتفه ثم أخرجت لسانها لـ "خلود" التي رمقتها بغيظٍ بينما "نغم" جلست توزع نظراتها بين الجميع بتعجبٍ تود كعادتها الاختلاء بنفسها و تغوص في عالم الكتب الخاص بها، لكنها قررت الجلوس وسطهم.
_________________________
بعد مرور بعض الوقت كانت الفتيات مع "زينب" بداخل الغرفة يجلسن معها و برفقتهن الصِغار، بينما الرجال مع بعضهم في الخارج و كانت "زينب" تطمئن عليهن في حياتهن و خاصةً "خلود" التي قالت بصوتٍ مضطرب:
"مش عارفة كدا حاسة أني استغفر الله العظيم بقيت واحدة مايعة كدا، و بعيط كتير و أعبر كتير، و الواد الله يصبره ساكت، هو دا إيه ؟! أنا مستغربة وضعي أوي"
ردت عليها "خديجة" بتفهمٍ:
"دا طبيعي، يعني أنتِ غيرتي حياتك كلها و سيبتي البيت هنا و أنتِ متعلقة بيه و بقيتي مع شخص تاني عايشين سوا تحت سقف واحد، أكيد فيه نسبة خوف بسيطة بتسيطر عليكِ، بس عمار متربي و طيب يا خلود، بلاش تخلي خوفك هو اللي يسيطر عليكِ"
ردت عليها بلهفةٍ:
"مش خوفي منه يا خديجة، قد ما هو خوف من نفسي، أنا لسه مش عارفة اتقبل فكرة إن حد عاوزني أصلًا، من بعد الجامعة و اللي حصلي و أنا بقيت كارهة كل الناس، علطول فكرة أني شخص ممل و مش محبوب تيجي في بالي، كل ما أحاول اتعامل عادي بطبيعتي ارجع أخاف، المفروض أني اتعامل إزاي طيب ؟؟"
ردت عليها "زينب" تتدخل في مجال الحديث:
"تتعاملي بالعادي بتاعك من غير ما تتصنعي حاجة مش فيكِ، و برضه تراعيه هو كمان يا خلود، أكيد مش هيكون فرحان و هو شايفك حاطة حواجز بينكم، الجواز مودة و رحمة يعني علاقات أكبر من علاقتك بينا هنا، حد قريب منك زي نفسك، كون بقى أنتم سايبين الحياة تخبط فيكم و الماضي يكون ليه دور يبوظ الحياة دي يبقى دا غباء، بطلي تفكري في اللي فات، و إذا كان على صحابك بتوع الجامعة فدول مش شبهك و لا أصلًا كان ينفع يفضلوا معاكِ، و كلامهم دا علشان هما مش زيك، مش علشان كلام قديم مُحبط نوقف حياتنا يا مدام خلود !!"
سألتها هي بلهفةٍ:
"طب يعني لو اتصرفت بتلقائية زي ما أنا عاوزة دا عادي ؟! و لا كدا ههبل ؟؟ يا جماعة أنا بقيت بموت في خلود القديمة من كتر خوفي منها"
ردت عليها "خديجة" بثباتٍ:
"لأ، محدش يستاهل إنك تموتي نفسك علشانه غير نفسك أنتِ، لو بتحاربي نفسك علشان تكوني شخص حلو فدا لنفسك أنتِ مش المفروض إنه بسبب كلام حد، مش كل الناس ذوقها واحد و مش كل الناس بتشوف الحلو و مش كل الناس بتقدر قيمة الغالي يا خلود، اللي واخد على السهل عمره ما هيقدر قيمة الصعب، أما عمار فهو شاري بكل حاجة فيكِ و أظن هو عارف كل حاجة عنك، صح ولا لأ ؟!"
أومأت موافقةً بإذعانٍ تدري أن حديثهما صحيحًا، و أن ثقتها المذبذبة في نفسها بالطبع ستقف عائقًا بينهما، لكنها قررت أن تستعيد نفسها القديمة إن كانت تود الحفاظ عليه هو.
في الخارج جلس الشباب مع بعضهم برفقة "طـه" الذي كان يحتضن "يزن" بين ذراعيه ثم رحب بالشباب للمرة التي لا يعلمون عددها، ثم وجه حديثه لـ "عمار" حينما لاحظ صمته و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"منور يا عمار، مالك ساكت ليه طيب ؟! شكلك لسه ماخدتش علينا بقى !! أومال لو مش معاك ياسين ؟!"
رد عليه "عمار" بحرجٍ منه:
"لا أطلاقًا يا عمي، هو أنا في العموم طبعي ساكت شوية، بس كفاية أني قاعد وسطكم، دا شيء يشرفني"
صدح صوت هاتف "ياسين" في تلك اللحظة و حينما وقع بصره على اسم المتصل قال بسخريةٍ موجهًا حديثه للأخر:
"شيء يشرفك ؟! طب الشيء اللي هيعرك بيتصل أهوه، هرد عليه و أشوفه عاوز أيه"
حرك "عمار" رأسه موافقًا بينما "ياسين" فتح المكالمة فوصله صوت "عامر" يقول بصوتٍ عالٍ بالتأكيد وصل للبقية:
"عملتوا في عموري إيه ياض ؟! الواد تليفونه مقفول ليه ؟! انطقوا ؟! مضيتوه على الشقة و لا لسه؟!"
رد عليه "ياسين" بحنقٍ بعدما لاحظ ضحكات البقية:
"شقة مين يا معفن ؟! هنعمل فيه إيه يا أخويا ؟! ماهو جنبي أهو زي الفل، اتهد أنتَ بس"
رد عليه "عامر" بنفس الانفعال:
"ياترى بقى فاكرنا و لا نسينا خلاص طالما راح عند نسايبه ؟!"
خطف "طه" الهاتف من الاخر ليتولى مهمة الرد على ذلك الوغد و هو يقول بنبرةٍ لازال بها مرحه:
"نسيك و شالك من ذاكرته كمان، عاوز إيه أنتَ ؟! مش خلود كانت عندكم ؟! حد راجع وراكم ؟؟"
رد عليه "عامر" بنبرةٍ مرحة:
"يعني هو أنتَ عزمتني معاه ؟! و لا هما علشان متجوزين بناتك يعني ؟! للأسف جيت متأخر و الدور راح عليا يا عم طه"
رد عليه "طه" بنبرةٍ ضاحكة:
"و دي تيجي ازاي ؟! مش حضرتك قولتلي إنك عندك شغل بكرة و مش هينفع تيجي ؟! عزومتك في الحفظ و الصون كمان"
رد "عامر" بنبرة صوتٍ مرحة:
"حبيبي يا عم طه، خلاص عموري عندك رهن لحد ما أجيلك أنا"
أغلق معه المكالمة و هو يضحك عليه بينما "ياسين" أمسك كف ابنه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"عن اذنك يا عمي هنزل بس أجيب حاجة من تحت و جاي علطول مش هتأخر"
سأله "أحمد" بتعجبٍ:
"حاجة إيه دي ؟! كل حاجة موجودة هنا، اقعد أنتَ بس"
رد عليه بهدوء:
"يا سيدي جاي بسرعة و هاخد يزن معايا متقلقش، عن اذنكم"
أمسك كف صغيره ثم نزل من الشقة بينما "أحمد" وجه حديثه لـ "عمار" بقوله:
"أدخل بقى غير هدومك دي و رحرح كدا و اعتبر البيت بيتك"
حرك رأسه موافقًا ثم استأذن منهما و دلف الغرفة الخاصة بزوجته بعدما وجهه "أحمد" نحوها، دلف "عمار" الغرفة فوجد ثيابه موضوعة على الفراش و قد أخبرته "خلود" بأنها مهداة له قِبل عائلتها.
ابتسم هو برضا و هو يطالع ذلك الطقم الشتوي الرياضي باللون الأسود و ما زاد من تعجبه هو الحرف الذي توسط تلك السترة حيث كان "Kh" ابتسم بسخريةٍ لا يدري هل هي صدفة عابرة أم أن من أختاره تعمد ذلك ؟!
جلس على طرف الفراش يراقب الغرفة بعينيه و خاصةً أنها لم تكن مجرد غرفة مثل غيرها، انما قامت هي بتزويدها بالكثير و الكثير مثل الاضاءات الخافتة و المرايا التي وضعتها على شكل سيارة، و صورها في مراحل عمرها وضعتها في إطار يشبه الحبال بـ مشابكات صغيرة، و اكثر ما لفت نظره هو مكتب دراستها، و تلك الجُمل الموضوعة على الحائط فوقه.
اقترب بخطى ثابتة نحوه و كفه يتلمس تلك الوريقات الصغيرة و هو يرى مختلف الجمل الذي سبق و قالها لها كنوع من أنواع الدعم حيث تنوعت ما بين:
"الشخص الوحيد اللي يحقلك تسابقه هو أنتَ"
"لازم تتحدى نفسك و تثبتلها إنك تقدر على كل حاجة"
"لو سيبت نفسك لنفسك هي هتتحكم فيك، قوم و حاربها"
"أنا واثق إن خلود هتتحدى خلود و تكسبها"
كل تلك الجمل الخاصة به لها جعلته يبتسم بفخرٍ، فيبدو إنه دون أن يعي لذلك كان له تأثيرًا عليها، دلفت هي غرفتها في تلك اللحظة شاردة الذهن و لم تلاحظ وقوفه إلا حينما استدار هو ينظر نحو الباب فوجدها تشهق بقوةٍ ثم وضعت كفها على صدرها، فسألها هو متعجبًا:
"مالك شوفتي عفريت ولا إيه؟"
حركت رأسها نفيًا ثم اقتربت منه تقول بتوترٍ من الموقف:
"لأ....بس يعني.... مستغربة بصراحة، عمار في أوضتي عادي كدا ؟! و أهلي برة و أنا جاية هنا، الموقف غريب شوية عليا"
حرك رأسه موافقًا فسألته هي:
"إيه رأيك في أوضتي بقى ؟!"
ابتسم و هو يجاوبها بهدوء:
"حلوة....زي كل حاجة ليها علاقة بيكِ"
ابتسمت هي له إبتسامة واسعة ثم قالت بنبرةٍ مرحة:
"هي حلوة آه، بس قضيت فيها أكئب أيام حياتي خصوصًا فترة الجامعة، أو بالأدق يعني لحد ما أحمد اتجوز و مشي من هنا، مكانش عندي حد يونسني غيره و كان هو اللي فاهمني، فجأة الجواز و الشغل خدوه مني، حتى مشاكلي بقيت اخبيها عليه علشان مزودش همه، و مع ذلك تخطيت كل دا و حاولت أحب الأوضة دي"
حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ بينما هي سحبته من كفه نحو الفراش يجلس عليه ثم قالت بلهفةٍ:
"خليك ثواني هنا"
نظر لها ببلاهةٍ بينما ع
هي كانت تتحرك بعشوائية مفرطة ثم ركضت تجلس بجواره تحمل في يدها الحاسوب الخاص بها و هي تقول بحماسٍ:
" كنت بسهر هنا أخلص موسم كامل من المسلسل في يومين، و كنت بحط كل اللي تتخيله هنا، لب و اندومي و كل حاجة تسليني، و كنت كل ما أخلص مسلسل أعيط علشان فارقني أبطاله، ممكن أبان سطحية بس أنا بتأثر بالحاجات دي اوي"
رفع كفه يضعه على كفها و هو يقول متفهمًا لها و ما تمر به:
"دي مش سطحية، دي مشاعر حقيقية أنتِ بتحسي بيها تجاه الحاجات اللي بتأثر فيكِ، يعني كل دا طبيعي جدًا، و أنتِ برضه شخص بيقدر قيمة المشاعر كويس أوي بالتالي هي بتكون صادقة حتى لو مجرد مسلسل أو حاجات أنتِ اتعلقتي بيها"
تنهدت هي بعمقٍ ثم ردت عليه بفرحة لم تقو على مدارتها:
"عارف ؟! كنت خايفة أوي اطلع تافهة بس بجد أنا بحب كل الحاجات و بتعلق بيها أوي، ممكن لو شنطة عندي بحبها و جرالها حاجة أحافظ عليها بس مرميهاش، أنا بستغرب ازاي ناس ممكن تخون العشرة و يأذوا ناس تانية بيحسوا لمجرد الأذى ؟! طبيعي إنك تخرج الوحش اللي جوايا علشان أنتَ تستاهله"
رد عليها هو بعدما فكر لوهلةٍ عابرة:
"بس مش كل حاجة تخلينا نطلع الوحش اللي جوانا، في النهاية كل واحد فينا هيتحاسب لوحده و يقف قدام ربنا لوحده، ساعتها بقى إيه العمل ؟! مين هينفعنا يا خلود ؟! مين اصلا يستاهل أني أضحي بالجنة علشانه ؟!"
عقدت ما بين حاجبيها و هي تقول مستنكرة:
"ايوا بس لو هما بدأوا بالأذى أسكت أنا إزاي ؟! أكيد لازم أرد الأذى أو على الأقل الإساءة ليهم"
ابتسم هو بحكمة ثم أردف بثباتٍ:
"طب لما هو يسيء ليا و أنا أرد إساءته و يرجع تاني يسيء ليا، امتى الإساءة دي هتنتهي ؟! مش هنخلص كدا، إنما لما اقول فوضت أمري إلى الله يبقى أنا كدا شخص حكيم، فيه مرة واحد شتم "خالد بن الوليد" ساعتها لفله و قاله جملة واحدة:
"إنها صحيفتك، املؤها بما شئت"
استحوذ بحديثه على كامل انتباهها لذا أضاف هو:
"يعني أنا لما هملى هملى في صحيفتي أنا، يبقى الأفضل أني أوكل ربنا و أكون أنضف من أني ارد أذى بشر بأذى زيهم و دا مش ضعف، بالعكس دي قمة القوة و أنا ثابت و قادر أني أرد و أغضب بس قررت أني اتحكم في غضبي، فهمتي بقى إن مش كل الناس تستاهل أننا نغضب بسببهم ؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم ركضت من جواره تقترب من مكتب غرفتها القديمة ثم عادت تجلس بجواره و هي تقول بلهفةٍ بعدما مدت يدها له:
"طب امسك، اكتبلي الكلام دا هنا بنفس الجملة علشان منساش، بس أكتب كل حاجة قولتها ماشي ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم سحب منها الورقة و القلم بينما هي تنهدت بعمقٍ و هي تتابعه عن كثب في كل تفصيلة لو بسيطة تصدر عنه ترى فيه كنزها الثمين، بينما هو كان يراقبها بطرف عينه يحاول كبت ضحكته و بسمته و هو يرى نظراتها نحوه.
_________________________
في الأسفل و على مقربة من بيت آلـ "الرشيد" كان "ياسين" يسير و بجواره ابنه يمسك كفه، بينما هو كان يشتري اشيائًا لابنائه و كذلك للبقية معه كعادته كلما أتى لهم، لكنه لاحظ سعال ابنه الذي بدأ يظهر أكثر من السابق لذا قرر أن يتجهز هو و يجلب له الدواء مُسبقًا، لطالما كان بارعًا في دوره كـ أب، و قد لاحظ هو تغير ابنه.
سأله "يزن" بتعجبٍ و هو يسير بجواره:
"بابا....هو ليه أنتَ جيبتلي دوا ؟"
رد عليه "ياسين" مفسرًا و هو يسير بدون توقف و كذلك الصغير بجواره:
"علشان بدأت تكح أكتر و أكيد مش هتعرف تنام بليل و صدرك هيوجعك، قولت خد احتياطك يا واد يا ياسين، قبل ما يعملها فيك"
ابتسم "يزن" بخفةٍ ثم سأله:
"طب لو تعبت هتعمل إيه طيب؟"
رد عليه "ياسين" بحنانه المعتاد:
"هزعل أكيد يعني، علشان مش بحب حد فيكم يتعب، بس برضه هديك العلاج علشان تخف و ترجع تاني أحسن"
توقف "يزن" عن السير ثم قال:
"طب حتى و أنا شقي كدا و مخلي ماما تتعصب ؟! هتديني الدوا ؟!"
التفت له و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"أكيد طبعًا، الشقاوة ملهاش دعوة بأنك تعبان، أنا هديك الدوا علشان مش هقدر أشوفك تعبان"
حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم رمش ببلاهةٍ يتذكر حديث والدته السابق لذا ركض نحو والده يمسك يده و هو يقول بنبرةٍ يغلبها البراءة:
"بابا أنا بحبك أوي"
التفت له "ياسين" يطالعه بتعجبٍ ثم سأله و شبح ابتسامة يهدد بالظهور على وجهه:
"اشمعنا يعني يا يزن ؟!"
حرك الصغير كتفيه و هو يقول بنبرةٍ تلقائية:
"مش علشان حاجة، بس ماما قالت إن لما أنا أحب حد أقوله، و قالت كمان إن ممكن هو يكون زعلان بس أنا لما اقول كدا هو يفرح، و أنا قولت كدا لصاحبي في الحضانة و هو فرح أوي و حضني، يعني هي بتفرح صح؟"
تنهد "ياسين" بعمقٍ ثم جلس على ركتبيه أمام الصغير و هو يسأله بوجهٍ مُبتسمٍ:
"ماما قالتلك إيه تاني ؟!"
حرك رأسه لليسار قليلًا ثم قال:
"آه....قالت إن بابا اللي هو أنتَ بيروح الشغل علشانا، يعني برضه لازم نحبك زي ما بنحبها، و قالت كمان نعرفك اننا بنحبك علشان هي كلمة حلوة و بتفرح و طالما أنتَ بتفرحنا، احنا نعمل زيك، بس مش عارف حاجة تاني"
احتضنه "ياسين" يربت على ظهره و هو يقول بتأثرٍ حاول صبغه بالمرح:
"الواد صاحبك دا شكله حَبيب ياض، بقالي ساعة بدور على حاجة ارد بيها مش لاقي غير أني أحضنك"
احتضنه "يزن" ثم قال بفرحةٍ:
"و أنا بحبك اوي أصلًا، و بحب ماما هي كمان، ماما جميلة أوي"
ابتعد عنه "ياسين" يقول بمرحٍ:
"لو حد غيرك كان زماني بترحم عليه، إنما أنتَ براءة يا نجم، يلا بقى بطل لكاعة عاوزين نروح"
حرك الصغير رأسه موافقًا ثم شبك كفه بكف والده الذي ابتسم له ثم سارا سويًا نحو البيت.
_________________________
كان "خالد" جالسًا أمام الحاسوب الخاص به يقوم بتكملة عمله بينما "ريهام" تشاهد التلفاز و "يسر" أيضًا معها، أما الضلع الأخير فكان بغرفته كعادته يجلس بها دون أن يفارقها.
تحدثت "ريهام" بعدما أزاحت نظرها من موضع التلفاز و هي تقول بتعجبٍ:
"هو يونس قاعد لوحده ليه ؟! ما ييجي يقعد معانا هنا، و لا هيتعصب برضه ؟!"
زفر "خالد" ثم ترك ما بيده و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"لأ مش هيتعصب يا ريهام، بس محدش يضغط عليه و سيبوه براحته، طالما مش بيعمل حاجة غلط يبقى خلاص"
سألته هي بلهفةٍ:
"ماشي أنا معاك بس دا سن خطر يا خالد، يونس من ساعة الإجازة يا نايم يا ماسك الموبايل، يا قاعد في أوضته، مش من حقي أقلق ؟!"
حرك رأسه نفيًا ثم أضاف:
"من حقك لو هو تصرفاته غلط، بصي يا ريهام علشان السن دا صعب و كل حاجة عنده بتتفسر بمزاجه، بلاش نقفله على الواحدة كل شوية، اتابعه آه بس من بعيد، من غير ما أحسسه أني بخنقه، اسيبه براحته بس في نفس الوقت عيني عليه، هو عاقل و ناضج أكبر من سنه بكتير، بس لما أبدأ أنا اديله أوامر هو كان في نيته يعملها، هيعند معايا لمجرد العند و خلاص، و أظن أنا بقالي فترة أهو بحاول و بهتم علشان ميطلعش زي الأشكال اللي بشوفها، كفاية أني وسط كل الناس بيتقالي يارب نشوف عيالنا زيه، ريحي أنتِ"
زفرت هي بعمقٍ ثم سألته بنبرةٍ هادئة:
"طب ممكن أدخل أشوفه و انكش فيه شوية ؟! الواد بقى بيبعد عني من غير ما أحس"
أشار لها ببساطة و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"اتفضلي هو أنا هقولك لأ يعني ؟! بس بلاش تقوليله كلام يحسسه إنه بيعمل حاجة غلط"
حركت رأسها موافقةً ثم دلفت للداخل بينما "يسر" اقتربت منه تجلس بجواره ثم همست في أذنه:
"بابا !! ما تقعدني جنبك و أنتَ بتشتغل و مش هعمل حاجة والله"
تنهد بقلة حيلة ثم رفع ذراعيه بينما هي جلست تحتضنه و عينيها ثابتتين على الجهاز اللوحي و هو يباشر عمله ثم وضعت رأسها على كتفه و قالت بنبرةٍ يغلب عليها النعاس:
"لو نمت شيلني بقى"
رد عليها بسخريةٍ:
"قال يعني هي مش هتنام، دا أنا ضهري اتقطم من شيلك أنتِ بالذات"
في الداخل دلفت "ريهام" غرفة ابنها بترقبٍ فوجدته يجلس و هاتفه في يده فجلست بجواره تسأله بنبرةٍ هادئة:
"حبيب ماما بيعمل إيه ؟!"
حرك كتفيه بقلة حيلة ثم قلب شفتيه للأسفل ثم قال:
"ولا أي حاجة !! بس كويس إنك جيتي تقعدي معايا، بدل ما الواد دا عمال يزن عليا"
عقدت ما بين حاجبيها تسأله بتعجبٍ:
"واد ؟! واد مين دا يا يونس ؟!"
رد عليها بقلة حيلة:
"واحد زميلي و بشوفه في حجز الكورة، بيلعب لعبة كدا غريبة و عمال يقولي العبها معانا في الأجازة بس أنا مش فاهم فيها حاجة علشان كدا كبرت دماغي و بحمل فيلم أكشن حلو كدا"
حركت رأسها بتحفظٍ ثم سألته بقلقٍ:
"طب و هو اللعبة دي عبارة عن إيه طيب ؟! قالك عنها إيه ؟!"
حرك كتفيه ثم قال بتشوشٍ:
"بيقولي لعبة بالأكونت بتاعك و لما بتكسب فيها الكوينات بتتحولك فلوس و لو دخلت ناس تانية كتير بيجيلك هدايا، و هو عمال يجمع في ناس كتير يلعبوا، واضح كمان أن كل اللي معايا بيلعبوها"
سألته باستنكارٍ واضحٍ:
"هي الحداية بتحدف كتاكيت يعني ؟! علشان لما تلعب لعبة تاخد فلوس ؟! أكيد فيها حاجة غلط، و طبعًا مش هتلعبها صح ؟!"
كانت تحذره دون أن تقصد بينما هو حرك رأسه موافقًا ثم تنهد بعمقٍ لذا قبلته هي على وجنته ثم ربتت على خصلاته و هي تقول:
"تعالى أقعد معانا برة شوية طيب، متقعدش لوحدك كدا"
حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"هاجي وراكي بس أقفل النور و الشباك"
خرجت من الغرفة و هي تبتسم له بينما هو لما يتحكم في فضوله تلك المرة و قد أثر الموضوع على عقله بشكلٍ ملحوظ لذا قرر أن يبدأ بالبحث عن تلك اللعبة و مصادرها و ما يمكن أن يلاحقه من لعبها، لا يدري ما هو كم الأضرار التي من الممكن أن تلاحقه لذا بدأ بآلية شديدة في البحث عنها و عن كل ما يخصها.
_________________________
في شقة "طـه" و قبل السهرة التي قاموا بتخصيصها كانت "خديجة" في غرفتها بمفردها تتحدث في هاتفها مع أحد الشباب المسئولين في الدار التي تعمل هي مسئولة بها و حينما وصلها حديثه فركت جبينها بتوترٍ ملحوظ و هي تقول:
"ماشي يا استاذ محمود أنا مع حضرتك بس على الأقل كنت أعرف قبلها بفترة مش في خلال الأيام دي ؟! و بعدين الحاجات اللي مطلوبة أكيد ملحقتش تتوفر"
رد عليه ذلك الشاب "محمود" بطريقة مهذبة متفهمة:
"أنا فاهم يا مدام خديجة بس للأسف الظروف كلها خارج طاقتنا و خارج إمكانياتنا كمان، لو استنينا أكتر من كدا للأسف هنخسر وقت و مجهود و فلوس كمان"
دلف "ياسين" غرفتها بمفرده في تلك اللحظة فانتبه لها و هي تتحدث فى الهاتف، بينما هي زفرت بقوةٍ ثم قالت:
"تمام يا استاذ محمود أنا هحاول اتمم على كل حاجة إن شاء الله و هبلغ حضرتك"
رد عليها هو مُسرعًا بآسفٍ:
"أنا آسف و الله يا فندم بس حضرتك عارفة ضغط الوقت اللي إحنا فيه فكان لازم نبدي حاجة على حاجة تانية"
ردت عليه بتفهمٍ ثم أغلقت معه الهاتف و قد التفتت تنظر خلفها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"متأخرتش يعني يا ياسين"
حرك رأسه موافقًا ثم قال ببساطةٍ:
"هتأخر ليه يعني ؟! كنت بجيب حاجات كلها من الشارع تحت، أنتِ مالك فيه إيه يا خديجة ؟!"
زفرت هي بقوةٍ فسألها هو:
"كنتي بتكلمي مين و شكلك متضايق كدا ؟! خير إن شاء الله"
تنهدت هي بعمقٍ ثم جلست بجواره على طرف الفراش و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"متغيلش بالك أنا هكلم وليد بس اسأله على حاجة يقدر يعملها ولا لأ"
قبل أن ينطق هو كانت أخرجت الرقم و قامت بطلب أخيها الذي رد على الفور بتعجبٍ و هو يقول:
"استر يا رب، مبخافش أنا غير من مصايب بليل دي، هاتي اللي عندك يا حلوة"
ردت عليه بضجرٍ:
"صدقني آخر حاجة ممكن اعملها دلوقتي هي أني اجادل معاك و أنتَ تعصبني، لو جهزت الحاجة اللي طلبتها منك هاتهالي"
رد عليها بسخريةٍ:
"على أساس يعني اني خارج من الفانوس السحري ؟! حاجة طلبتيها من اسبوع و هي بتاخد شهر، أكيد لسه"
زفرت بحدة ثم فركت وجهها و هي تقول بنبرةٍ عصبية:
"للأسف عاوزة الحاجة دي يوم الأربع الصبح، الميعاد اتقدم تاني، وأنا مش قدامي غيرك تساعدني"
كان "ياسين" يراقبها بتمعنٍ بينما "وليد" زفر بقوةٍ ثم قال بقلة حيلة:
"ماشي يا خديجة، اقفلي و أنا هتصرف بس موعدكيش، علشان متعدميش عليا بس"
ردت عليه بامتنانٍ تحييه قبل أن تغلق الهاتف بينما الأخر سألها بسخريةٍ:
"هتحني عليا و تقوليلي و لا أنا أباجورة هنا مليش لازمة ؟!"
ابتسمت له ثم اقتربت منه تلتصق به فقال هو بتهكمٍ:
"آه....طالما بدأنا شغل الدلع دا يبقى فيه مصيبة هتنزل دلوقتي عليا تجيب أجلي، خير !!"
ردت عليه بنبرةٍ ناعمة تعمدت التحدث بها:
"ياسين ؟! يعني هي أول مرة يعني أعمل كدا و أحطك في وش المدفع ؟! بقالي كام سنة ملبساك في الحيطة ؟!"
رد عليها بسخريةٍ:
"خليكِ لحد ما الحيطة دي تقع على دماغي في مرة و معرفش اتصرف، بس خير المرة دي"
اقتربت منه تمسك كفه بين راحتيها و هي تقول بنبرةٍ هادئة صادقة:
"والله العظيم أنا مش بتصرف كدا غير علشان اتعودت إنك ورايا علطول و بتلم ورايا كل حاجة، دلعتني أنتَ و دا مش ذنبي"
تنهد بعمقٍ ثم سألها:
"و المرة دي إيه المطلوب بقى؟"
ردت عليه مسرعةً:
"عاوزة ميكروباص"
رفع حاجبيه و رمش عدة مرات يعبر عن استنكاره حديثها بينما قالت هي بلهفةٍ:
"يوم الأربع عندنا ايفينت صغير كدا للمُسنين في الدار و أنا المسئولة عنه للأسف، و عاوزة ميكروباص ضروري جدا اليوم دا"
تنهد بقلة حيلة ثم قال:
"حاضر يا خديجة، هشوفلك عامر كدا يجيب حد من الناس اللي يعرفهم"
انفرجت أساريرها ثم ارتمت عليه تغمغم بسعادةٍ:
"كنت عارفة إنك مش هتسيبني احتاس كتير من غيرك"
ربت على ظهرها ثم قال بنبرةٍ هادئة يعبر بها عن قلة حيلته:
"هعمل إيه يعني ؟! طالما دا هيفرحك يبقى احنا في الخدمة يا بنت الرشيد، بس مقولتليش عاوزة ميكروباص ليه!"
اتسعت عينيها و ظهر التوتر عليها و هي تبتعد عنه فقال هو بحذرٍ و ريبةٍ:
"هو لسه فيه مصايب تانية ؟!"
حركت رأسها موافقةً بحركةٍ خافتة جعلته يضرب رأسه بكفيه معًا تزامنًا مع طرقات على باب الغرفة و لم يتطلب منهما الأمر كثيرًا لمعرفة الطارق حيث طلت "جاسمين" بعدما فتحت لها "خديجة" فقالت بحنقٍ:
"هتروحوني و لا أضربلكم خلود؟"