رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخامس و السبعون 75 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخامس و السبعون بقلم سهام صادق


عليه أن يبتسم اليوم وأن يكون صامدًا، ألا يُظهر لها تلك النيران المشتعلة داخله ، فيكفيها منه ما صنعه بيديه فيها.


مرر "صالح" يده على طول عنقه بإختناق بعدما شعر بعدم قدرته على إلتقاط أنفاسه. ازدادت خنقته، فأغلق عينيه ثم زفر أنفاسه ببطء متمنيًا أن يصمد قليلًا. لوهلة ظَنّ أن الصورة التي تخترق رأسه هذه اللحظة صورة "سارة" وهي ملطخة بدمائها لكنه يرى الآن صورة لـ أخرى، صورة لـ امرأة عذبت فؤاده وأحيته من ظلمته التي غرق بها منذ ذلك اليوم الذي خضع فيه لقرار جده وتزوج ابنة عمه وكانت ضحيتهم.

 

اِفتر ثغره عن ابتسامة عذبه ثم انفلتت من بين شفتيه تنهيدة طويلة عندما داعبت مخيلته لحظة استيقاظه بالصباح ووجودها بين ذراعيه.


نظرت "زينب" نحو هاتفها و اعتلت الحيرة ملامحها من أسئلة حماتها لها. 


تنهدت ثم التقطت يد "يزيد" وتحركت به نحو السيارة تُخبر نفسها أن تستمر بالتظاهر أمامه أن نومها بجانبه واستسلامه لطلبه أمر انتهى بالصباح ولا تتذكره. 


فتح عيناه فجأه عندما وجدها تفتح باب السيارة الخلفي وتهتف لصغيره.


_ أنا مش عارفه اتأخرنا ليه وإحنا صاحين من بدري.

 

حرك لها "يزيد" كتفيه ببراءه وكأنه يخبرها بحركة كتفيه أنه لا يعرف السبب مثلها، فابتسمت بحب ثم داعبت خديه قائلة:


_ عايزة اكل خدودك. 


_ متوحشة يا "زوزو".

 

انفجرت ضاحكة و استقلت السيارة ثم استدارت برأسها نحوه حتى تشاكسه. 


_ بقى أنا متوحشة، ماشي يا "يزيد".. 


رد عليها الصغير وهو يلتصق بظهر المقعد. 


_ أه متوحشة بتعضيني من خدودي وأنتِ بتبوسيني، بابي هي"زوزو" بتعضك من خدودك زيّ. 


اتسعت حدقتي "زينب" وأخذت تسعل بشدة ليلتقط "صالح" زجاجة المياة التي تكون دائمًا معه في السيارة. 


_ اشربي مايه. 


التقطت منه زجاجة المياة وارتشفت منها القليل ثم نظرت إلى الطريق. 


_ خلينا نتحرك لأننا متأخرين.

 

رمقها "صالح" بنظرة طويلة ثم صوب عيناه على الطريق وانطلق بالسيارة. 


احتل الصمت أفواههم لبعض الوقت ليشعر "يزيد" بالملل في مقعده، فهتف بحماس وهو يضع رأسه بين مقعديهم. 


_ "زوزو" تعالي أنتِ وبابي خدوني من المدرسة، مش عايز أرجع في الباص النهاردة.

 

و واصل كلامه برجاء وهو يتنقل بعينيه بينهم. 


_ بليز يا "زوزو" متزعليش "يزيد" منك. 


استدارت نحوه بلهفة وضمت وجهه بين كفوف يديها قائلة: 


_ هو أنا أقدر برضو ازعل "يزيد" باشا. 


_ بحبك يا "زوزو".


صاح بها الصغير بسعادة ثم نظر نحو والده. 


_ بابي أنت ليه مكشر، متخافش أنا بحبك أنت كمان... أنا بحبكم انتوا الاتنين.

 

ابتسم "صالح" بعدما نفض من داخله ضجيج الذكريات التي تسحبه معها. 


_ وأنا بحبك كمان يا حبيبي. 


_ و "زوزو" يا بابي! 


تقابلت عيناه بعينين "زينب"، فأسرعت بالنظر نحو الجهة الأخرى حتى لا يرى تلك المشاعر التي تجلت بوضوح على ملامحها. 


_ و "زوزو" كمان بابي بيحبها. 


تسارعت دقات قلبها بعد تصريحه هذا، فأخذ الصغير يصفق بيديه وقرر أن يفصح عن سرهم.


_ بابي أنا و "زوزو" عاملين مفاجأة...

 

كتمت "زينب" صوت شهقتها التي انفلتت منها واستدار سريعًا بجسدها بالكامل نحو الصغير ثم وضعت بيدها على فمه حتى لا يفضح أمرهم. 


_ "يزيد" حبيبي، كفايه كلام..خلينا نقول أذكار الصباح مع بعض لحد ما بابي يوصلنا المدرسة. 


أومأ الصغير برأسه، فسحبت يدها عن فمه وهي تنظر إليها بنظرة فهمها. 


_ مفاجأة!!، انتوا مخبيّن عني إيه؟ 


ردة فعلها العجيبة جعلت لديه فضول لمعرفة ما يخفوه عنه. 


نظرت إليه بنظرة سريعة ثم سحبت الهاتف من حقيبتها. 


_ هنخبي إيه عنك وكمان ده سر بيني وبينه. 


هَـز رأسه بيأس منها مغمغمًا بنبرة صوت خافته لكنها سمعت ما قاله. 


_ الرد المتوقع منك دايماً. 

... 


استدار "مراد" بجسده بعدما خلع قميصه، ينظر نحو زوجة والده الوقحة التي تكبره بأعوام و لا تنفك عن اقتحام غرفته. 


_ أنت خلاص هتتجوز "أشرقت"، "مراد" ارجوك متعملش كده. 


تحرك من أمامها متجهًا نحو غرفة الملابس ليلتقط من داخلها قميص أخر يرتديه، فأسرعت بلف ذراعيها حول خصره. 


_ "مراد" مش هقدر اشوفها كل يوم معاك، صدقني مش هقدر. 


نفضها عنه بقوة. 


_ أنتِ اتجننتي كام مره اقولك اللي كان بينا خلاص انتهى، هي ليلة قضيناها في إيطاليا وصحيت من النوم ناسيها.. 


وأردف ساخرًا وهو يشملها بنظرة محتقرة. 


_ ملاقتيش فرصة مع الابن قولتي تلعبي على أبوه.. 


أرادت أن تتحدث وتخبره بتلك المبررات التي لا تزيده إلا حقدًا واحتقارًا لـ النساء. 


_ اطلعي بره اوضتي مش كل مرة هطردك منها. 


وقبض على ذراعها وجرها ورائه، فهتفت راجية. 


_ بلاش يا "مراد" تتجوز البنت دي، أنا عارفه علاقتكم السرية سوا. 


تجمدت ملامح وجهه لوهله ثم دفعها إلى خارج الغرفة:


_ انطقي بكلمة واحدة وأنا أمحيكي وأنتِ عارفه كويس إني أقدر أعمل كده. 


أغلق الباب وأوصد هذه المرة غلقه، حدقت "سيلين" بالباب الذي انغلق بوجهها ثم دارت حولها خوفًا من رؤية أحدًا لها واندفعت نحو غرفتها التي لا يُشاركها بها "عدنان". 


اِستلقى "مراد" على الفراش مُحدقًا بسقف غرفته شاردًا في تلك الليلة التي قضاها مع "سيلين" وهو مَخْمور وقد خططت لها هي تمامًا ظنًا منها أنها تستطيع إسقاطه في لُعبتها. 


_ كلهم في طبعهم الخيانه. 


وسُرعان ما كانت تأتي صورتها أمامه. 


_ يا ترى أنتِ زيهم ولا مختلفة يا "زينب". 


ثم لاحت على شفتيه ابتسامة قبل أن يغلق عينيه ويستسلم إلى النوم. 


_ قلبي بيقولي إنك غيرهم، أنتِ غيرهم يا "زينب". 

... 


عانقهم الصغير قبل أن يتجه نحو إحدى المعلمات ويلتقط يدها ويتحرك معها إلى داخل المدرسة، استمر بالنظر إليهم ثم لوح لهم بيده قبل أن يختفي عن أعيُنهم. 


أغلق "مازن" عينيه حتى يهرب من رؤية مشهد كهذا ثم أطلق زفرة عميقه من صدره وفتح عيناه. 

ابتسم بمرارة عندما وجد "صالح" يضع يده على كتفها ويتجه بها نحو السيارة. 


اندهشت "زينب" من رؤية اتصال "حورية"، فهي تحدثت معها قبل ساعه لتطمئن على الصغير وحالهم. 


ردت عليها بعدما حدقها "صالح" بنظرة تحمل فضولًا. 


_ أيوة يا طنط، آه لسا متحركين من قدام المدرسة.. "يزيد" كويس ومبسوط.. "صالح". 


تمتمت بها "زينب"، فنظر "صالح" إليها وأشار لها أن تعطيه الهاتف. 


_ متقلقيش عليا يا دكتوره، أنا موجود المرادي ومهربتش. 


مد يده لها بالهاتف بعد حديثه المقتضب مع والدته، فحدقته بنظرة طويلة وقد بدأت تشعر بوجود شئ لا تعرفه... فـ حماتها منذ الصباح غريبة معها بأسألتها حتى هو منذ أمس وهي تشعر بشئ غريب به خاصةً بعد رجائه لها أن تحتضنه وتنام بجانبه. 


_ التليفون، كلمي دكتوره "حورية". 


قالها حتى يُخرجها من شرودها ولولا تلك النظارة السوداء التي يرتديها لكانت رأت نظرة لا يرغب أن تراها. 


نفضت رأسها سريعًا والتقطت الهاتف من يده. 

زفرت "حورية" أنفاسها بعدما انتهت المكالمة ليحرك "صفوان" رأسه بقلة حيلة منها. 


_ كفاية يا "حورية" اتصالات بالبنت، بأفعالك دي هتخليها تشك..


دارت "حورية" حول نفسها حتى هدأت ثم سحبت مقعد طاولة الطعام وجلست عليه لـ تُكمل تناول فطورها. 


_ بحاول اطمن عليه يا "صفوان"، أنت عارفه إنه مش بيرد علينا اليوم ده وبيحملنا الذنب كلنا. 

... 


وقف بالسيارة أسفل البناية وقد أتت أخيرًا الفرصة التي سيعتذر منها عن إرغامها أمس لتنام بجانبه وعن تقبيله لها وعن عدم قدرته على العوده للمنزل هذا المساء. 


_"صالح" من فضلك ارجع بدري النهاردة، وخلينا نروح نجيب "يزيد" من المدرسة. 


أرغمته على ابتلاع أي حديث أراد قوله ونظر إليها بعقل مشوش وهو يراها تخرج من السيارة. 


_ اوعى تقفل تليفونك أو تتأخر النهاردة، سلام. 


سارت نحو مدخل البناية ثم توقفت واستدارت جهته وابتسمت. 


وهل يستطيع بعد كل ما تمنحه له ولـ صغيره أن يهرب منها؟ 


_ أه يا "زينب"، دخلتي حياتي عشان تكون دوائي. 


تحرك بسيارته وهو غارق في أفكاره لتخرج من البناية بعد رحيله وتتجه نحو سيارتها. 


_ اليوم النهاردة طويل، اتمنى ألحق اجهز كل حاجه. 


ثم أخذت تفرقع أصابعها حتى تشجع نفسها. 


_ هتقدرى يا "زوزو" تعملي كل حاجه بس أنتِ ركزي. 


وكأنها تخبر عقلها أن يتذكر ليلة أمس، فهزت رأسها سريعًا. 


_ لا لاا بلاش تفكري في الحاجات دي يا "زوزو"، أنتِ قبلتي تنامي جنبه عشان صعب عليكي.. أيوة صعب عليكي. 

.... 


أشار "شاكر" إلى سائقه ألا يتحرك وقد تعمد أن تقف السيارة بعيدًا مثل كل مرة حتى لا ينتبه "صالح" على وجوده. 


أخفض رأسه بألم عندما رأى صالح يتحرك نحو المقبرة وفي يده تلك النفاخات التي كانت دائما تطلب منه أن يشتريها لها وحلوى غزل البنات وباقة من الورود الحمراء التي كانت تحب زراعتها في حديقة القصر. 


عادت دموع "شاكر" تنساب على خديه، فرغم كل الأموال التي يمتلكها إلا أنه دمر عائلته.


_ كنت خايف اسيبها لوحدها، اهي ماتت وسابتنا إحنا. 


شعر السائق بالشفقة على سيده الذي لا يراه ضعيفًا إلا عندما يأتي هنا. 

... 


نظر نحو القبر الذي وجد عليه باقه من الأزهار، فجده بالتأكيد أتى قبله.


تنهد ثم خلع نظارته وسترته واقترب من اليافته التي وضع عليها اسمها وتاريخ مولدها ووفاتها. 


_ ربطلك اهو البلالين جنبك يا "سارة"، وحطتلك الورد حواليكي.. أكيد دلوقتي أنتِ فرحانة.. 


دمعت عيناه وهو يمرر يده على قبرها. 


_ "يزيد" كل ما بيكبر بيكون شبهك يا "سارة"، عارفه النهاردة لأول مرة ميعيطش وهو رايح المدرسة... ابننا كبر وبقى جميل، سامحيني إني بطلت اجيبه معايا هو بيخاف يجي هنا. 


أغمض عينيه، فنهمرت دموعه على خديه. 


_ قوليلي اسامح نفسي إزاي، مش قادر اسامح نفسي... 


ارتفع صوت بكائه، فلولا خروجها لتشتري له تلك الهدية اللعينة لكانت إلى هذا اليوم معه، إنه رضى بها زوجة.. رضى أن يكون الرَجُل الذي ينظر إليه الناس مستنكرين زواجه من امرأة غير مؤهله وإنجاب طفلًا منها..  إنه كان راضيًا تمامًا أن يعيش عمره كله أبً لها و لصغيره. 


_ طول اليوم كنت بحاول اتماسك عشانها، هي كمان كانت ضحيتي زيك ... افتكرت لما اجرحها بعاقب "شاكر" باشا، شوفتي حالي وصل لأيه يا "سارة".. "صالح" مبقاش طيب بقى شرير.


وابتسم وسط دموعه بابتسامة باهته عندما تذكر كلامها له عندما كانت تغضب من جدها وتأتي إليه فيدللها. 


«أنت طيب يا "صالح" مش شرير زيه» 

... 


وضعت "زينب" الأغراض التي جلبتها من أجل حفل اليوم في المطبخ ثم اتجهت نحو البراد لتلتقط منه زجاجة مياة. 


سكبت الماء بالكوب وارتشفت نصفه وتنهدت. 


_ كنت عايزه اعزم "سما"، اهو كانت تيجي تساعدني...


ثم حركت كتفيها حتى لا تفكر في سبب إصرار "حورية" أن تجعل الحفل عائلي ويقتصر عليهم. 


_ عائلي!!، عائلي.. يمكن فعلاً يكون ده افضل، اكيد ليها وجهة نظر في الموضوع.

 

اتجهت نحو غرفتها حتى تستبدل ملابسها وتبدأ في التجهيزات قبل موعد ذهابها إلى مدرسة الصغير كما وعدته. 


كادت أن تدلف إلى الغرفة لكن رنين جرس الباب جعلها تتساءَل. 


_ يا ترى مين هيجي ليا دلوقتي؟ 


لم يدهشها قدوم "حورية" بهذا الوقت بل ما أدهشها قدوم "نعمات" معها وخادمة أخرى. 


_ أنا عارفه إننا جايين من بدري ليكي بس قولت نيجي نساعدك يا حبيبتي. 


دخلت "حورية" الشقة و ورائها "نعمات" والخادمة وقد تحركت "زينب" من أمامهن ليدلفن. 

... 


أخرج "صالح" الهاتف من جيب سترته قبل أن يصعد اليخت الخاص بعائلته، تنهد بقوة بعدما انتهى من تدوين رسالته ثم أغلق هاتفه ووضعه داخل سترته. 


رنين هاتفها بنغمة قصيرة لم يلفت انتباهها، فإنشغالها بتعليق الزينة جعلها لا تهتم لكن عندما تذكرت موعد عودة "يزيد" تركت ما بيدها.

 

_ براحه يا حبيبتي، مالك في إيه؟ 


التقطت "زينب" هاتفها حتى تهاتف "صالح" وتسأله أين هو. 


_ الوقت سرقني وانا وعدت "يزيد" اروح اجيبه من المدرسة.

 

ثم هتفت بضيق عندما وجدت هاتف "صالح" مغلق. 


_ أكدت عليك متقفلش تليفونك. 


اقتربت منها "حورية" تسألها بتوجس. 


_ مين تليفونه مقفول؟ 


زفرت "زينب" أنفاسها بضيق، فما الذي تتوقعه منه. 


_ مين غيره دايمًا بيقفل تليفونه وكأنه مش مسئول عن عيلة ومش بعيد كمان بعد ما حضرت كل حاجه ميحضرش...


تجمدت ملامح "حورية" وانحشر الكلام بحلقها، فهذا ما تخشى حدوثه. 


_ أنا هنزل اجيب "يزيد" من المدرسة عشان ميزعلش مننا. 


أسرعت "حورية" بإلتقاط ذراعها وخرج صوتها مهزوزًا. 


_ خليكي أنتِ يا حبيبتي، عايزه اروح أنا واعملها له مفاجأة. 


ترددت "زينب" بالبداية لكن نظرة "حورية" لها ورجائها أحرجها. 


_ من حقك طبعًا يا طنط. 


اتجهت "حورية" نحو حقيبتها تلتقطها وقد ارتسم القلق على ملامحها ثم أغلقت عينيها و أخذت تدعو الله داخلها أن لا يخذل ولدها اليوم "زينب". 


نظرة "زينب" الشاردة نحو الهاتف اجتذبت عينين "حورية" قبل أن تُغادر، فاقتربت منها وربتت على ظهرها بحنان. 


_ "صالح" دايماً كان بعيد عننا وشغله واخد كل وقته لكن من ساعه ما دخلتي حياتنا يا "زينب" وكل حاجه اتغيرت للأحسن.

 

التفت "زينب" إليها، فابتسمت "حورية" وحركت لها رأسها بتأكيد. 


_ اكيد عنده حاجه مهمه في شغله عشان كده بعتلك رسالة قبل ما يقفل تليفونه، أنتِ بقيتي عارفة دلوقتي طبيعه شغل جوزك.

 

وكلمة زوجك صارت تتعمد "حورية" قولها لعلها تزيل تلك الفجوة التي وضِعت بينهما. 

... 


ارتبكت "ليلى" وأسرعت بخفض صوت الهاتف، فحدقها "عزيز" بنظرة حائرة تلاشت سريعًا وتحولت إلى ابتسامة مستمتعه وهو يرى ما تضعه على وجهها. أغلق باب الغرفة ورائه وتساءَل وهو يرفع أحد حاجبيه. 


_ أنتِ كنتي بتلعبي بالألوان يا "ليلى". 


قالها بصوت ضاحك وهو يشير نحو وجهها، فتركت أدوات الزينة التي بيدها وأشاحت وجهها عنه. 


_ كنت بحاول اتعلم عشان اعرف احطها ليك. 


وضع الأوراق التي بيده على الفراش ثم اقترب منها وعلى محياه ارتسمت ابتسامة واسعة. 


_ ولو قولتلك إنك مش محتاجة أصلاً تحطي الحاجات دي ولا تتعلمي حتى تتحط إزاي، يا حبيبتي أنتِ جميلة من غير حاجه. 


التمعت عيناها من السعادة ونهضت من أمام طاولة الزينة. 


_ بجد يا "عزيز" أنا حلوه في عينك. 


اقتربت منه ، فضحك والتقط كلتا يديها. 


_ بذمتك ده سؤال تسأليه ليا!. 


_ قولها يا "عزيز" من فضلك، قولي إني حلوه في عينيك. 


رجائها الذي يحمل في طياته غَنِجً، جعل دقات قلبه تخفق بجنون. 


_"عزيز" هيتجنن على ايدك يا "ليلى".


ثم جذبها إليه ليتنعم قليلًا من رحيق شفتيها وبأنفاس لاهثة أخذ يُخبرها.

 

_ أنتِ أجمل ست في عنيا يا "ليلى"، شقلبتي حالي من ساعة ما شوفتك زي الحورية. 


تورد وجهها و وقفت على أطراف أصابع قدميها حتى تستطيع احتضان وجهه بين كفوف يديها ليباغتها بحملها، فانفلتت منها شهقة خافته ضاعت في ثورة مشاعرهم وقد سقط الورق الذي وضعه منذ دقائق على الفراش ليفترش أرضية الغرفة. 


ربما كانت جولة من الحُب سريعة لكن هذه المرة الأولى التي يشعر بها "عزيز" أنه متحررًا من كل عُقد الماضي، وقد أخذ لمرات عديدة يخبرها بحبه وهوسه بها. 

... 


ابتسمت "حورية" بتوتر وهي تنظر نحو "زينب" بعدما خرجت من غرفتها بكامل أناقتها، فأسرع الصغير إليها وقد ارتدى ملابسه هو الأخر بمساعدة الدادة "نعمات" التي حضرت اليوم من أجل مساعدتهم لتحضير هذا الحفل. 


_ حبيبي طالع زي القمر. 


_ وأنتِ كمان طالعه حلوه أوي يا "زوزو"، شبه السندريلا. 


اقترب منها "حورية"، فابتسمت "زينب" إليها.


_ ما شاء الله عليكي يا حبيبتي، زي القمر. 


_ ميرسي يا طنط. 


ترقرقت الدموع بعينين "حورية"، فالندم احتل قلبها هذه اللحظة خوفً من خسارة لن تؤذيها لكنها ستأذي قلب تلك الواقفة أمامها. 


_ أنتِ بتعيطي يا طنط؟ 


مسحت "حورية" دموعها سريعًا وهزت رأسها وبصوت خرج متعلثمًا قالت. 


_ أنا بعيط من السعادة يا "زينب".


_ لأ من فضلك متعيطيش النهاردة، إحنا من الصبح بنضحك ومبسوطين.

 

هتفت بها "زينب" ونظرت حولها، فمظاهر الاحتفال صارت واضحة في أرجاء الشقة رغم أن الإحتفال مقتصر عليهم. 

....


رفع "عزيز" عيناه عن الأوراق التي انشغل قليلًا في مطالعتها لينظر إليها بعدما جففت خُصلات شعرها. 


_ حبيبتي شوية بس وننزل نتعشى تمام. 


أومأت برأسها وجلست جِواره ثم فركت يديها بتوتر. 


_ شكلك عايزه تقوليلي حاجه. 


نظرت إليه واستمرت بفرك يديها من تلقي رد يحزنها. 


_ "عزيز" هو أنا ينفع...


قطع كلامها طرق العم "سعيد" على باب الغرفة. 


_ "عزيز" بيه، في ضيوف تحت.

 

تنهد "عزيز" وترك الأوراق التي بيده على المنضدة الصغيرة التي أمامه قائلًا بصوت رخيم. 


_ هنزل أشوف مين تحت وأنتِ اجهزي يا حبيبتي عشان نتعشى. 


أسرعت بتحريك رأسها إليه ثم أخفضت رأسها وقد أصابها الإحباط لعدم قدرتها على مواصلة الكلام أمامه.


_ "ليلى". 


قالها "عزيز" بعدما استدار جهتها قبل الخروج من الغرفة، فرفعت عيناها إليه لتتسع ابتسامته. 


_ على فكرة أنا مش هنسى إن فيه حاجة كنتي عايزه تقوليها قبل ما يقاطعنا عم "سعيد". 


أشرق وجهها بعد كلامه، ليغمز لها بطرف عينه ثم غادر الغرفة. 


اقترب العم "سعيد" منه بعد أن وجده يخرج من الغرفة، فتساءل "عزيز" على الفور. 


_ مين هما الضيوف يا عم "سعيد". 


امتقع وجه العم "سعيد" وقال وهو يتأفف. 


_ عيلة "هارون" بيه تحت، أنا مش عارف إزاي يجوا من غير ميعاد.. 


استاءت ملامح "عزيز" ونظر إليه ثم تحرك نحو الأسفل..


_ لأ طبعًا يا "هارون" بيه أنت تشرفنا في أي وقت. 


وصل ترحيب ابن شقيقه إليه قبل أن يدلف إلى الغرفة الجالسين بها. 


_ أهلاً "هارون" بيه، شرفتنا. 


استدار "سيف" نحو عمه، فابتسمت "سمية" عندما استمعت إلى صوته لكنها ابتسامتها اختفت عندما وجدته يرحب بها بترحيب فاتر عكس ترحيبه بـ "هارون" و "بيسان". 


_ اسفين على إزعاجك يا "عزيز" بيه ، بس قولنا نيجي نباركلك بما إننا عيلة واحده.

 

_ تشرف في أي وقت. 


ابتسم "هارون"، فهو يحترم "عزيز" ويقدره ويشهد بحقه دائمًا بحسن خلقه. 


استمر الحديث بينهم لبعض الوقت عن العمل وقد جلست "سمية" صامته... فالحقد اشتعل داخلها وهي ترى "عزيز" يضحك وقد ظهرت السعادة بوضوح على ملامحه. 


_ اومال العروسه فين يا "عزيز" ولا أنت مخبيها. 


رمقها "عزيز" بنظرة جعلتها تبتسم، فهي أثارت حنقه. 


_ ما أنتِ قولتي يا "سمية" هانم إنها عروسة وبصراحه من حقي اخبيها شوية عن العيون. 


ضحك "هارون"، واندهش "سيف" من صراحة عمه.. فأسرعت "بيسان" بالتدخل بالحديث. 


_ حقيقي يا "عزيز" بيه عروستك زي القمر ونفسي بجد اتعرف عليها. 


تجهمت ملامح "سمية" وأشاحت وجهها عندما استمعت إلى مدح "بيسان". 


قدم لهم العم "سعيد" أكواب العصير وقد اضطر "عزيز" إلى الصعود إلى الأعلى حتى يبلغ "ليلى" بوجودهم ورغبتهم في تقديم مباركتهم لها لكنه توقف في منتصف الدرج بوجه محتقن عندما وجد "سيف" يخبرهم أن يتناولوا طعام العشاء معهم. 


زفر أنفاسه بقوه ثم رفع رأسه حتى يكمل صعوده إلى أعلى ليجد "كارولين" أمامه وقد عادت إلى ارتداء ملابسها المتحرره. 


_ مساء الخير. 


تجاهل "عزيز" تحيتها، فاستدارت برأسها جِهته وهي تزم شفتيها ثم زفرت أنفاسها وأكملت هبوط الدرج.

...

 

_ "ليلى" أنتِ لسا مجهزتيش؟ 


تساءَل "عزيز" فور رؤيته لها تتحرك داخل الغرفة، فرفرفت بأهدابها وأخفضت رأسها لتخبره بما التقطته أذنيها عندما اقتربت من باب الغرفة بعد خروجه. 


_ أنا سمعت عم "سعيد" بيقولك إن الضيوف عيلة السيد "هارون"، واكيد هي معاه تحت.

 

واتجهت نحو الفراش وجلست عليه وكأنها تخبره بفعلتها هذه أنها لن تهبط معه إلى الأسفل وترحب بضيوفه. 


_ أنا مبحبش الست دي يا "عزيز".. 


قالتها وهي تنظر في عينيه، فتنهد واقترب منها. 


_ ولو قولتلك مضطرين نستقبلهم في بيتنا. 


هزت رأسها رافضه، فجلس جوارها والتقط يديها. 


_ صدقيني لولا وجود "هارون" وبنته مكنتش نزلتك تستقبليها ولا ترحبي بيها. 


_ اعتذر منهم يا "عزيز" قولهم إني تعبانه، أي حاجه..


ثم تركت يديه ونهضت من على الفراش وأخذت تتحرك مجددًا بالغرفة بدون هوادة. 


_ أنا لما بكره حد مش بعرف اتعامل معاه والست دي أنا بكرها وعمري ما هنسى كلامها ليا ولا هنسى في يوم إنها كانت مراتك. 


أطرق "عزيز" رأسه، فهو حائر في أمره لأنه لا يستطيع إجبارها خاصةً أنه يعلم بما قالته لها "سمية" من قبل. 


_ يا حبيبتي أنتِ ست البيت دلوقتي ووجودك معايا ضروري حتى لو في ضيوف مضطرين نقابلهم. 


حركت رأسها برفض، فابتسم و اقترب منها وحاوط كتفيها بذراعيه. 


_ لو قولتلك عشان خاطري يا "ليلى". 


حايلها بكل الطرق بصبر ، فزفرت أنفاسها دفعة واحدة.


_ خلاص يا "عزيز" موافقة انزل بس هرحب بيهم واطلع على طول.. 


ضمها إلى صدره، فـ ابن شقيقه هو من وضعه بهذا المأزق.


_  أنا هنزل عشان خاطرك أنت. 


أبهجت الكلمة قلبه، فأبعدها عنه وأخذ يمرر كفوف يديه على وجهها.


_ طيب اعمل إيه انا دلوقتي اقعد جنبك ونسيبهم لحد ما يمشوا لوحدهم. 


وتحرك بها نحو الفراش وقد فهمت ما ينوي عليه، فدفعته عنها ضاحكة.


_ لأ، لأ ننزل خلاص أحسن. 

...


_ إيه يا حبيبي هو عمك طول كده ليه فوق... ولا وجودنا عمل للعروسة إزعاج. 


هتفت بها "سمية" وهي تلوي شفتيها، فزجرها "هارون" بنظرة قوية.


_ من فضلك يا "سيف" شوف "عزيز" بيه لأن محتاج امشي، أنت عارف فيه ميعاد أدوية باخدها. 


ازداد حرج "سيف" ونهض قائلًا:


_ طيب و العشا يا "هارون" بيه، لازم نتعشى سوا. 


_ أعذرني يا بني، نخليها مرة تانيه وتكون عندنا إن شاء الله.


فاتجهت عينيّ "سيف" نحو "بيسان" التي تغيرت ملامح وجهها عندما أتت "كارولين" وانضمت إليهم. 


_ أه من فضلك يا "سيف" ممكن تستعجل "عزيز" بيه لأن أنا كمان عندي مشوار مهم. 


أخفض رأسه وتنهد بقلة حيلة ثم تحرك من أمامهم متجهًا إلى أعلى قاصدًا غرفة عمه. 


_ يا حبيبتي امسكي ايدي ويلا بينا. 


نظرت "ليلى" نحوه يده الممدودة وقد عاد إليها نفس الشعور الذي شعرت به عندما طعنتها تلك المرأة بشرفها.


_ "عزيز" بجد مش عايزه انزل. 


_ طيب اتحايل اكتر من كده عليكي إزاي، عشان خاطري يا "ليلى". 


توقف "سيف" أمام غرفة عمه مصعوقًا مما يسمعه وقد تراجع بخطواته يهز رأسه رافضًا أن يرى صورة عمه هكذا.


أغلق عينيه، وقد اخترقت تلك الصورة -التي طُبعت بذاكرته وهو طفلًا- رأسه ... والده يجلس عند أقدام والدته يتوسل إليها بألا ترحل وتتركهم. 


_ "ليلى" ،اتأخرنا على الناس وممكن يمشوا. 


وانفلت منها الرد بدلال. 


_ خليهم يمشوا واتصل بيهم بعدين اعتذر منهم.

 

_ والله انا عرضت عليكي العرض ده من شويه وأنتِ رفضتي، ها ننزل بقى ولا..


اتجهت عيناه نحو الفراش، فهربت من أمامه وهي تضحك.


_ خلاص ننزل عشان خاطرك يا "زيزو ". 


_ كمان بقيت" زيزو"، يا فرحتك يا ابن "الزهار" وشماتت "نيهان" فيك. 

....


ألقى "صفوان" نظرة لائمة نحو "حورية" بعدما رأي سعادة حفيده و "زينب" بتلك الأجواء التي صنعوها بالمنزل. 


هربت "حورية" بعينيها عنه، فالنتيجة تم حسمها وأصبحت هي الخاسرة وما ظنته بالصباح سيحدث تأكدت الآن أنه كان أملًا ضعيفًا خططت له.


دمعت عينين "زينب" عندما اختلت بنفسها داخل المطبخ وقد أزالت عنها قناع السعادة حتى لا يرى أحدًا كسرتها. 


_ المرادي مش هسامحك يا "صالح"، كل مره بحط فيك الأمل و بتكسر نفسي. 


_ بابي وصل، بابي وصل يا "زوزو". 


قالها الصغير بصياح وهو يحمل في يده تلك العبوة الطويله التي يتناثر منها قصاصات صغيرة من الزينة.


أسرعت "زينب" بمسح دموعها وخرجت من المطبخ بلهفة، إنه أتى ولم يخذلها أمام عائلته. 


حضنته "حورية" بأعيُن دامعة. 


_ كل سنة وأنت طيب يا حبيبي. 


لم تنتظر منه" حورية" أن يمنحها ردًا، فهي ترى الصدمة في عينيه.

 اقترب منه والده واحتضنه في صمت ثم أخذ يربت على كتفه ومن نظرة والده له اتضحت له الصورة. 


_ "زينب" عملت ده كله عشانك.

 

هتفت بها "حورية" ثم ضحكت عندما انتبهت على نظرات حفيدها لها. 


_ و "يزيد" كمان.

 

تلاقت عيناهم، لتخفض"زينب" برأسها.. فدفعته "حورية" برفق. 


_ إيه يا "زوزو" إحنا حضناه وهنيناه ، فين بقى حضنك أنتِ كمان ليه. 


اتجهت عينين "زينب" نحوها، فما الذي تقوله لها حماتها. 


ركض "يزيد" نحو والده حتى يحتضنه. 


_ أنا هحضن بابي الأول. 


انحنى "صالح" بصمت ورفع صغيره بين ذراعيه ليقبله لكن عيناه كانت معها وحدها. 


إنها اليوم جعلته ينتصر على أوجاعه وقسوة الشعور الذي يمزق روحه كلما أتى هذا اليوم من العام حتى الضجيج الذي يطرق رأسه هذه اللحظة وهو يرى مظاهر الإحتفال بحفل مولده.


أسدل جفنيه متظاهر بإستنشاق رائحة صغيره لكنه كان يُقاوم ذلك الصوت الذي أخترق رأسه الآن. 


«خرجت تشتريلك هدية، قالتلي يا عمو عايزة اشتري هدية لـ"صالح" حبيبي» 


نظرت "حورية" نحو "صفوان" الذي دمعت عيناه مثلها. 


_ "زوزو" كمان ليها حضن يا بابي.

انفلت "يزيد" من بين ذراعين والده الذي ترقب قُربها، فاتسعت عينين "زينب".. فـ الصغير وكأنه يتآمر اليوم عليها مع جدته. 

حركها الصغير بخفة نحو والده، فازداد حرجها واقتربت منه. 

_ كل سنه وأنت طيب. 

_ احضني بابي يا "زوزو"

صاح بها الصغير تحت أنظار جديه ثم دفعها لتسقط في حضن والده ليفرقع بعدها تلك العبوة التي رفعها إلى أعلى فوقهما. 

الفصل السادس والسبعون من هنا

تعليقات



×