رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع و السبعون 74 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع و السبعون بقلم سهام صادق



انتشر خبر قدومه اليوم إلى المصنع الجديد الذي لم يتم الإحتفال بإفتتاحه رغم بدء الإنتاج به، جميع العاملين ترقب مجيئه واستعد لتهنئته إلا هي قررت الانزواء بنفسها. 

أغلقت "أميمة" ورائها باب المرحاض الخاص بعاملين المصنع ثم وضعت يديها على أذنيها حتى لا تسمع أصواتهم بالخارج. 

_ "عزيز" بيه وصل يا جماعه.
 
قالها أحد العاملين حتى يستعد كل من رغب بتقديم التهنئة إليه.

وضعت يدها هذه المرة على شفتيها بعدما شعرت بحاجتها إلى البكاء، فـ اسمه وحضوره مازال له وَقْع عليها.
 
_ فوقي يا "أميمة" خلاص ده بقى راجل متجوز، هتفكري فيه إزاي، أه يا قلبي ليه بس اختارت الشخص الغلط. 

مررت يدها على قلبها لعله يرجع لسلامه وصموده مرة أخرى ثم أطلقت زفيرًا طويلًا من بين شفتيها.

 أخذت نفسًا عميقًا و رفعت كتفيها المتدليين ثم تحركت نحو حوض المياة واستندت على حافتيه للحظات تُردد لنفسها. 

_ هتقدرى يا "أميمة"، هتقدري تتجاوزي وجوده.. فكري في بنتك أنتِ متملكيش رفاهية الحب دلوقتي ولو سيبتي المصنع هنا مش هتلاقي فرصة شغل كويسة، أيوة خدي نفس عميق وارجعي لنفسك من تاني...
...

استقبل "عزيز" تهنئة العاملين وهو يتحرك بينهم بوجه بشوش، سمعته كانت تسبقه دائمًا في بساطته وتعامله اللطيف. 

أطربت أذنيه تلك الدعوات التي قالها البعض وتسللت إلى قلبه العطش لسماعها. 

_ شكرًا ليكم. 

هتف بها "عزيز" بعدما توقف عن السير ودار بعينيه بينهم ثم أردف بصوت جَهْوري. 

_ بشكركم من قلبي حقيقي وإن شاء الله هتنضاف مكافأة لرواتبكم. 

تعالت الأصوات فرحًا لهذا الخبر، فابتسم "عزيز" -العم- الذي صار يعمل بهذا المصنع مشرفًا. 

انسحب "بسام" من بين العاملين وتحرك قاصدًا الطابق الذي يعمل به وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة ساخرة عندما تذكر السبب الذي كان وراء نقله لهذا المصنع. 

تنهيدة عميقة خرجت من صدره، فهل كان "عزيز الزهار" يظنه خَصْمًا أمامه ويستطيع الفوز عليه، فـ "ليلى" لم تنظر إليه سوى ڪ زميل عمل. 

خرجت شهقة متألمة من بين شفتي "أميمة" وتراجعت إلى الوراء بعدما اصطدمت به، فأسرع "بسام" برفع رأسه ليتفاجئ من وجود تلك الزميلة الصامتة وقد نعتها بهذا الاسم لقلة كلامها. 

_ آسف، آسف بجد مأخدتش بالي. 

تمتم بها وهو يخلل أصابعه في خصلات شعره ثم تساءَل بحرج. 

_ أنتِ كويسة؟ 

أومأت "أميمة" برأسها إليه وهي تُدلك جبينها. 

_ حصل خير، عن اذنك. 

تحركت من أمامه مُتجِها نحو الغرفة التي تعمل بها دون التفوه بكلمة أخرى، فأخذ يهز رأسه بإستنكار ثم دخل الغرفة التي تجاورها مغمغمًا بصوت خفيض. 

_ الزميلة الصامتة!! 
... 

ارتخى "عزيز" بجلوسه على مقعده المريح وراء طاولة مكتبه بعدما غادر أخر فرد -من مدراء الأقسام- غرفة مكتبه. 

استند بظهره إلى ظهر مقعده و أخذ يدور به وقد داعبت شفتيه ابتسامة صغيرة بعدما تسلل إلى عقله مشهد تدليلها له بالصباح حتى ينهض ويذهب إلى عمله. 

_ يا ترى بتعملي إيه في غيابي؟ 

خرج هذا السؤال من بين شفتي "عزيز" ثم التقط الهاتف حتى يُهاتفها. 

_ "ليلى" ، "ليلى".. أبيه "عزيز" بيرن عليكي.
 
هتفت بها "شهد" بصوت عالي، فأسرعت "ليلى" بترك السكين الذي كانت تقطع به حبات الفاصوليا الخضراء. 

_ براحة يا حبيبتي.
 
قالتها "عايدة" بابتسامة ثم تنهدت وأكملت تقطيع الفاصوليا. 

التقطت "ليلى" الهاتف من "شهد" وابتسمت ثم ابتعدت قليلًا حتى تستطيع التحدث. 

_ كل ده عشان تردي يا "ليلى" ، مش قولتلك خلي التليفون في ايدك دايمًا. 

_ معلش يا "عزيز" كنت قاعده مع مرات عمي والتليفون كان في أَوضة "شهد". 

تلاشى العبوس عن وجهه وعاد الشوق يتلألأ بعينيه. 

_ وحشتيني. 

توردت وجنتيها خجلًا وأطرقت رأسها وبهمس خافت تمتمت. 

_ لحقت أوحشك في الكام ساعه دول. 

تنهد "عزيز" وتوقف عن الدوران بمقعده. 

_ أنا لأول مرة في حياتي ميكنش ليا نفس للشغل وعايز ارجع للبيت جري. 

تسارعت دقات قلبها واستدارت بجسدها، فوجدت "شهد" تقف ورائها وتسترقي السمع. 

_ "ليلى" أنا خلاص أخدت قراري وراجع البيت. 

أنهى "عزيز" المكالمة ثم أسرع بإلتقاط سترته وغادر غرفة مكتبه. 

نظرت "ليلى" إلى الهاتف بعدما انقطعت المكالمة، فتراجعت "شهد" إلى الوراء بإرتباك. 

_ صوتك كان واطي أوي ومسمعتش أي كلمة. 

غمغمت بها "شهد" ثم هربت من أمامها ليتعالا صوت "عايدة". 

_" شهد" كفاية قاعد على التليفون وتعالي ساعديني. 

هزت "ليلى" رأسها ضاحكة من أفعال "شهد" وعادت إلى زوجة عمها وقد شعرت بالحرج من إخبارها أن عليها العودة إلى الڤيلا قبل قدوم "عزيز". 

تركت "عايدة" ما بيدها ونهضت قائلة:

_ اقوم اعمل لينا كوبايتين شاي.
 
_ خليهم تلاتة يا "عايدة". 

قالها العم "سعيد" وهو يدلف من باب المسكن وعلى محياه ارتسمت ابتسامة سعيده ثم واصل كلامه. 

_ وسبيني شويه على إنفراد مع "ليلى"، ده أنا مصدقت "عزيز" بيه فك الحصار من عليها.
 
ارتفعت ضحكات "عايدة"، فأسرعت "ليلى" نحو المطبخ لتعد لهم أكواب الشاي. 

_ أنا هعمل الشاي. 

ضحك العم "سعيد" على هروبها ونظر نحو "عايدة". 

_ دي لسا بتتكسف. 

واستطرد قائلًا وهو مازال يضحك. 

_ لأ ده أنا رايح وراها المطبخ عشان أكسفها اكتر واشوف خدودها اللي بتحمر. 

_ بلاش تحرجها يا "سعيد" 
... 

أخفض "مازن" رأسه سريعًا بعدما تلاقت عيناه بعينين والدته التي أخذت تخبر الصغير أن يقص له عن اليوم الذي قضاه برفقة عائلة "يزيد" والأشياء التي اشتروها له. اعتصر الآلم فؤاده كأب وهو يرى سعادة صغيره بهذه الأشياء ويحكي له بحماس عن تفاصيل هذا اليوم. 

_ أنا بحب طنط "زينب" وعمو "صالح" أوي يا بابي ونفسي يكون عندي ماما زي طنط "زينب". 

هَـز كلام صغيره قلبه، إنه يكررها للمرة التي صار لا يعرف عددها منذ أن دخلت "زينب"  حياتهم.

_ "عُدي" خد حاجتك يا حبيبي وحطها في أوضتك.
 
قالتها جدته السيدة "أسمهان"، فأسرع الصغير بحمل أغراضه واتجه بها إلى غرفته. 

أشاح "مازن" وجهه عن نظرات والدته المترصدة لردة فعله، فأطرقت رأسها وتنهدت بحزن على حاله. 

_ وبعدين يا حبيبي هتفضل لحد امتى كده؟ فكر في ابنك شويه... انا مش هعيش ليكم واختك قربت تتجوز ومبقتش حتى فاضية لأبنك وأنت أغلب الوقت بقيت مسافر.. حرام عليك ابنك يا بني ليه تخليه يبص على حياة صاحبه ويتمناها.. 

_ صاحبه محظوظ، تفتكري هو هيكون محظوظ زيه..ابوس ايدك يا أمي كفايه، كفايه بجد.
 
صرخ "مازن" ثم جلس قُبالتها و وضع رأسه بين يديه. 

_ ياريت ما كنت وافقت على اقتراح مديرة المدرسة وقربت ابني منهم، أنا بفكر انقل ابني من المدرسة. 

_ أياك، أياك يا "مازن".. 

صاحت به ونهضت من على الأريكة الجالسة عليها واقتربت منه. 

_ الحمدلله دروس الرسم وقفت لفترة، اهو على الاقل بنخفف ترابط الولد بعيلة صاحبه شوية لكن تنقل الولد من المدرسة كده أنت بتدمره. 

رفع "مازن" رأسه إليها بعدما شعر بيدها على رأسه ، نظرته لها أرجفت قلبها كأم... دمعت عيناها وأخذت تمرر كفوف يديها على وجهه. 

_ هتفضل واجع قلبي عليك لحد امتى؟ نفسي أشوف مرتاح. 

_ ادعيلي يا أمي، ادعيلي.
 
خرج صوته بتحشرج، فاحتضنت رأسه. 

_ بدعيلك يا بني بدعيلك والله بس عشان خاطري افتح قلبك من تاني وفكر في موضوع الجواز... مين عالم يمكن تلاقي واحدة زي "زينب".
 
وكيف له أن يهرب من امرأة تُحاصره بحضورها في كل مكان؟!! 

ليته يجد شبيهتها، ليته يكون محظوظً مثل "صالح". 
.... 

ابتلعت قطعة الكعك التي تلوكها بفمها فور أن رأت اسمه يُضئ شاشة هاتفها، نظرت لها "عايدة" بإستغراب وتوقف العم "سعيد" عن مزاحه وتساءَل بحيرة. 

_ مالك يا "ليلى"، اتنفضتي كده ليه. 

_"عزيز" 

قالتها وهي تضع الطبق الذي تحمله على الطاولة ثم أسرعت بالنهوض واتجهت نحو الشرفة التي تطل على باحة المنزل الأمامية حتى تتأكد من قدومه. 

_ "عزيز" بيه مبيرجعش دلوقتي.
 
تمتم بها العم "سعيد" ثم حدق بذهول نحو السيارة التي خرج بها هذا الصباح. 

_ معقول "عزيز" بيه رجع بدري، مش عادته إنه يجي في الوقت ده إلا لو كان تعبان... 

كادت أن تخبره أنه بخير لكن العم "سعيد" أسرع بخُطواته نحو الڤيلا قلقً، فتحركت ورائه بعدما ودعت زوجة عمها. 

داخل الڤيلا..... 

كان "عزيز" يهبط الدرج وهو ينظر إلى هاتفه. 

_ هل أنت بخير سيد "عزيز"؟ 

قالتها "كارولين" وهي تربط رباط مئزرها حول جسدها، ليرفع "عزيز" عينيه عن الهاتف. امتقعت ملامح وجهه بغضب وأشاح وجهه عنها. 

ارتبكت من تلك النظرة التي رمقها بها وهتفت وهي تتحرك جهته. 

_ لم يكن أحدًا بالڤيلا فقررت السباحة...

وأردفت بصوت خافت دون أن تبعد عيناها عنه. 

_ بالتأكيد أنت تُريد "ليلى" هناك في .. 

لم يتركها "عزيز" لتواصل كلامها بل تحرك ليُغادر الڤيلا. توقف بالخارج يزفر أنفاسه بضيق.. فكم مرة حذر ابن أخيه من أمور كهذه. 

_ استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم. 

_ إيه اللي رجعك بدري يا "عزيز" بيه فيه حاجه تعباك والله أنا قولت لازم عينك تصيبك. 

خرج الكلام من فم العم "سعيد" دفعة واحده ثم أخذ يلتقط أنفاسه ليختفي التجهم من ملامح "عزيز" و يبتسم إليه. 

_ خد نفسك يا راجل يا طيب، ما أنا واقف قدامك بخير.
 
اقترب منه العم "سعيد" بلهفة حتى يتأكد بنفسه، فضحك "عزيز" عندما وجده يضع يده على جبينه. 

_ مش سخن ولا حاجه، أنا قولت عين وصابتك يا بني وأولهم عيني ما أنا فرحان بيك وقلبي مش مصدق إنك اتجوزت. 

أخذ "عزيز" يُحرك رأسه وقد ظَنّ العم "سعيد" أنه يفعل ذلك تأكيدًا على كلامه. 

_ هجيب المبخرة وابخرك. 

تقابلت عينين "عزيز" بعينين "ليلى"، فاقتربت منهم بإرتبارك. 

_ حمدلله على السلامه، مكنتش فاكرة إنك هتيجي بسرعة. 

رمقها "عزيز" بصمت، فازداد توترها...، فاستدار العم "سعيد" إليها وهتف بلوم. 

_ يا بنتي الواحده تجري على جوزها تشوف ماله في إيه مش تقوله رجعت بسرعة، متزعلش يا بني هي لسه صغيرة برضو وبكرة تتعلم. 

ثم واصل كلامه وهو يتحرك إلى الداخل. 

_ أنا هروح المطبخ احضر البخور.
 
_ أنا كويس يا راجل يا طيب بس محتاج ارتاح شويه، "ليلى" من فضلك حصليني. 

لم يجادل العم "سعيد" كعادته وأسرع بدفع "ليلى" التي وقفت مكانها لا تستوعب الدور الجديد الذي صارت عليه الآن.

_ اطلعي يا بنتي ورا جوزك متخليهوش يستنى كتير.

تحركت "ليلى" ورائه بعُجالة ثم توقفت بالممر الذي يأتي بنهايته غرفتهم. تراجعت "كارولين" وتوارت بجسدها بعدما استدارت "ليلى" بجسدها. 

أكملت "ليلى" سيرها نحو الغرفة ثم توقفت مجددًا لترتب الكلام الذي ستخبره به وتبرر له عدم وجودها بالمنزل قبل قدومه. 

وجدت "عزيز" يجلس على الفراش، فأغلقت الباب واقتربت منه. 

_ كنت فاكره إني هسمع صوت عربيتك أول ما توصل... 

أشاح "عزيز" وجهه عنها، فتنهدت وجلست جِواره. 

_ اول ما رنيت عليا جيت بسرعه.
 
نظر إليها بعدما تمالك شعور الغضب الذي تملكه لحظة رؤيته لــ "كارولين". 

_ مش شايف لهفتك يا "ليلى" رغم إني سايب شغلي عشانك. 

_ طيب ممكن متزعلش وأنا مش هكررها تاني.
 
تنهد بقوة ثم نهض من جوارها واتجه نحو الغرفة الصغيرة الجانبية حتى يبدل ملابسه. 

_ حصل خير. 

رده المقتضب جعلها تتأكد أنه غاضب منها، فنهضت سريعًا واتجهت إليه حتى تساعده في تبديل ثيابه. 

_ قولي عملت إيه النهارده من ساعة ما خرجت.
 
تساءَلت بها وهي تزيل عنه سترته، فعقد ما بين حاجبيه وتمتم بحنق طفولي. 

_ يا سلام، دلوقتي بتسأليني لكن ارجع الاقيكي مستنياني... 

وضعت يدها على شفتيه حتى لا يُكمل بقية كلامه. 

_ خلاص بقى يا "عزيز" بلاش قلبك يكون اسود.
 
_ أنا قلبي اسود.
 
ردت سريعًا دون تفكير. 

_ أه قلبك أسود. 

تظاهر "عزيز" بالصدمة من ردها وزم شفتيه بعبوس. 

_ غلطتين النهاردة يا حبيبتي ولازم تصالحيني عشانهم. 

والصلح لا يكون إلا بالطريقة التي يستطيع فيها ترجمة رجولته إليها...

الرضى كان يرتسم على شفتيه وهو يراها تنظر إليه بتلك النظرة التي تسعده بعد جولة من العشق. تنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيه عندما وجدها تضع رأسها على صدره وتخبره بسعادتها لأنها تزوجت رَجُلًا جميلًا مثله... غفت في حضنه ليشعر بثُقل شديد داخل صدره، إنها نيران الماضي والخوف من المستقبل. 

_ سامحيني يا "ليلى"، سامحيني إني عايز اقفل عليكي حدود مملكتي... 
...

التقطت" زينب" هاتفها بعدما ارتفع رنينه، فحدقها الصغير لتبتسم له ثم ربتت على رأسه بلُطف.

_ كمل حل الهوم ورك بتاعك وأنا هدخل اعمل مكالمه ورجعالك يا حبيبي. 

هَـز "يزيد" رأسه إليها، فتحركت صوب غرفتها وردت سريعًا.

_ أيوة "مرام" سألتيلي ينفع صاحبتي تاخد قرض. 

أخذت تُحرك رأسها بتفهم ثم تنهدت وأخفضت رأسها بعدما ضاع هذا الأمل منها.

_ شكرًا يا "مرام"، اه هبلغ صاحبتي بالكلام ده.. اشكريلي "محمد". 

أنهت المكالمة و ألقت بهاتفها على الفراش ثم دارت حول نفسها في يأس..

 فهي لا تستطيع إخبار جدها وطلب مساعدته، بالنهاية ستظل دائمًا تظهر لأهل والدها أنها تستغل حُب جدها لها. 

_"صالح".
 
هتفت اسمه ثم نفضت رأسها على الفور، فهي لن تطلب منه المال حتى لو انغلقت جميع الأبواب أمامها. 

رفعت كلتا يديها ووضعتهما على رأسها حتى تُفكر في حل أخر تحصل به على المال، فالمبلغ الذي تملكه بحسابها لن يفعل شئ.

_ أيوة بيت تيته القديم في البلد، "نسمة" قالتلي جوزها بيشتغل في العقارات ممكن يعرف يبيعه وعلى المبلغ اللي معايا في البنك اقدر حتى ادفع جزء كويس من المبلغ وبعدين اقسطه، يارب اقدر اشتري الشقة من غير ما احتاج لمساعده حد. 

التقطت هاتفها هذه المرة بأمل أخر وأسرعت بالبحث عن رقم "نسمة" زميلتها بالمعهد. ابتهجت ملامحها ونسيت أمر مكالمتها وهي ترى الهاتف يُضئ برقم "سما".

_ اختفيتي فجأة ليه، كده يا "سما"...أنا زعلانه منك.
 
أشارت "سما" إلى إحدى زميلاتها بالمطار وهتفت بأسف. 

_ معلش يا "زوزو" غصب عني بعد أجازة شرم جاتلي رحلة لـ هولندا وبعدين النرويج، بنت عمك بتكلمك وهي بتفكر في المخدة والسرير. 

ابتسمت "زينب" وجلست على الفراش.

_ وحشتيني يا وحشة. 

_ طيب ما دام وحشتك بقى وصي عليا جوزك. 

قهقهة "زينب" بصوت عالي.

_ هو أنتِ محتاجه توصيتي، ما أنتي بعتيني له وبعتيله ڤيديو الرقص وأنا عدتلك ده بمزاجي ولا فاكرة إني معرفتش. 

_ سوري يا "زوزو"، ليكي عندي هدية هتعجبك. 

_ مش عايزه هدية، اعزميني على الغدا. 

وقفت "سما" أمام الخزانة التي يضعون بها متعلقاتهم وضحكت بصوت خافت.

_ عينيا ليكي يا "زوزو". 

لم تذكر "سما" شئ عن رحلة شرم، فتساءَلت "زينب" بففضول. 

_ عملتي إيه في رحلة شرم؟ 

أغلقت "سما" عينيها وانفلتت زفرة طويله من بين شفتيها، فشعرت "زينب" بالقلق نحوها. 

_ هو فيه حاجه حصلت؟ 

ردت "سما" بعدما نفضت ذلك الشعور الذي يحتل قلبها عن تلك الرحلة التي لا تعرف كيف تُحددها. 

_ هحكيلك لما نتقابل. 
... 

اندهش "سيف" من وجود سيارة عمه بهذا الوقت ليتحرك نحو غرفة مكتبه ليجدها فارغة، اعتلت ابتسامة ساخرة شفتيه وقد حصل على الإجابة، بالطبع عمه بالأعلى مع العروس التي قلبت لهم قواعد منزلهم وحياتهم. 

زفر أنفاسه بغضب واتجه نحو الدرج ليتوقف مكانه عندما استمع إلى صوت العم "سعيد". 

_ أنا النهاردة عامل ليك محشي ورق العنب بنفسي.
 
التف "سيف" إليه وابتسم بصعوبه. 

_ شكرًا يا عم "سعيد"، بس أنا مش هتعشى النهاردة معاكم لان عندي عشاء عمل.
 
_ يا خسارة وأنا اللي عملته مخصوص ليك. 

اقترب منه "سيف" وربت على أحد كتفيه بلُطف. 

_ سيبلي نصيبي لما ارجع هاكله. 

حرك له العم "سعيد" رأسه بسعادة. 

_ من عينيا، أنا عندي كام "سيف". 

اتسعت ابتسامة "سيف" وقد أسعدته تلك العبارة التي أعادت له شعور افتقده.

_ تعيش يا راجل طيب.
 
كاد أن يضع قدمه على أول درجات الدرج ويصعد إلى غرفته لكن دفعه فضوله ليسأل عن الوقت الذي عاد فيه عمه إلى المنزل. 

_ هو عمي رجع امتى يا عم "سعيد"؟ 

والجواب كان يخبره به العم "سعيد" بالتفصيل.. أسرع "سيف" بالصعود إلى غرفته حانقًا ليجد "كارولين" تجلس على الفراش وتركز انتباهها على تقليم أظافرها. 

أغلق الباب بقوة، فانتفضت من على الفراش وقد أصابتها الدهشة وهي تراه يُلقي سترته بعنف ويُغمغم. 

_ اكلت بعقله حلاوه، ما لازم طبعًا تخليه ليل نهار في حضنها... ما هي عرفت تلعبها صح. 

_ ما الأمر "سيف"، لِما أنت غاضب. 

زجرها بنظرة قوية، فاقتربت منه قائلة:

_ لقد صدقت كلامك اليوم، "ليلى" فتاة مخادعة... أنا لا أصدق أنها استطاعت بتلك السرعه أن تجعل عمك لعبة في يدها... إنها ليست سهله "سيف". 
...
... 
خرجت "زينب" من المطبخ وهي تحمل بين يديها كوب القهوة سريعه التحضير، أغلقت عينيها بمتعه وهي تستنشق رائحة مشروبها. 

_ كنتِ محتاجاكي أوي عشان اعرف أركز. 

تحركت نحو الغرفة التي جهزها لها وهي سعيدة. 

_ مج نسكافيه مع صوت فيروز والدنيا هادية. 

وسُرعان ما كانت تلوي شفتيها بعبوس وتستدير بجسدها وتنظر نحو الساعة المُعلقة على الجدار. 

_ غريبة مرجعش من بره لسا، هو أصلاً النهاردة الصبح كان شكله غريب. 

رفعت إحدى يديها لتمسد بها عنقها. 

_ أنتِ مالك يا "زوزو" بقيتي تهتمي كده ليه، لا ركزي في شغلك ومستقبلك.. مش عشان عمل شوية حاجات حلوه خلاص.
 
ثم انفلتت تنهيدة طويلة منها وأخذت تهز رأسها رافضة لمشاعرها التي عادت تتولد من جديد نحوه. 

_ فوقي يا "زوزو" ومتبقيش زي البنات الصغيرة بتفرح بكلمه حلوه وهديه. 

تدافقت الدموع في مقلتيها وأطرقت رأسها بروح مهشمة. 

_ بس أنا بفرح بكلمة حلوة وهدية بسيطة. 

انغمست في حديثها مع نفسها ثم نفضت رأسها لمرات حتى تفيق. 

_ مج النسكافيه برد، أنا مش عارفه امتى هبطل عادة الكلام مع نفسي. 

أكملت سيرها نحو الغرفة التي تقبع بالجزء الأخر من الشقة لكنها عادت تتوقف مجددًا عندما استمعت إلى صوت الباب يغلق. 

نظر إليها ثم تحرك نحو غرفته قائلًا:
 
_ مساء الخير.
 
ارتشفت رشفة سريعة من كوب قهوتها وردت. 

_ مساء النور، على فكرة بكره أول يوم دراسي لـ "يزيد" والمفروض نروح سوا معاه نوصله. 

_ حاضر. 

رده المختصر في كلمة واحدة أدهشها، فالتوت شفتيها بإستنكار. 

_ أنا قولت افكرك لتكون نسيت يعني.
 
_ متقلقيش، تصبحي الخير. 

احتقن وجهها بشدة بسبب ردوده الفاترة، فاتجهت نحو الغرفة التي تُقابل غرفة نومها الجديدة ثم أغلقت الباب بقوة وقد عبرت بتلك الطريقة عن سخطها منه. 

أغلق عينيه وتنهد، إنه يهرب منها حتى لا ترى ضعفه.

_ يومين بس يا "زينب"، يومين هحاول ابعد فيهم عنك. 

استلقى على الفراش بملابسه وحذائه وحدق بسقف الغرفة تاركًا نفسه لذكرى لم يكن وحده مذنبًا فيها. 

لا يعرف هل غفىٰ وقتً طويلًا وهو هكذا أم مجرد دقائق، التقط المنبه الموجود بالقرب منه ينظر إلى الوقت...إنها الثالثة والنصف صباحًا. 

رفع جسده لأعلى قليلًا ليخرج تأوه من بين شفتيه بعدما شعر بتشنج عضلات رقبته. 

ضاقت حدقتاه فجأة عندما تسلل إليه صوت سقوط شئ أرضًا، فأسرع بالخروج من الغرفه. 
التفت" زينب" إليه ثم عادت تُجمع قطع الكوب الذي سقط من يدها. 

_ شكلي صحيتك من النوم، المج فلت من ايدي.
 
استجمع تركيزه ونفض النُعاس من عينيه واقترب منها. 

_ ابعدي يا "زينب" لتتعوري. 

التقط يدها حتى ينهضها من على الارض، فتلاقت عيناهم. 

_ أنت نمت بهدومك ليه؟ 

ابتسم رغمًا عنه ودون شعور منه اجتذبها إليه يُقبلها قبلة حملت معها يأسه وحاجته إليها. 

دفعته بقبضة يدها، فابتعد عنها.  كادت أن تنفلت من يديه، فأسرع بجذبها إليه واحتضنها.

_ آسف، آسف يا "زينب" بس أنا كنت محتاج أعمل كده. 

ولا تعلم لِما استكانت بين ذراعيه، ربما نبرة صوته اليائسة، ربما حاجتها لتلك المشاعر التي تجتاحها من حينً إلا آخر أو ربما لشئ أخر لا تعلمه..

_ خليكي في حضني أنا محتاجك يا "زينب"، خليكي النهاردة أكرم مني. 
.. ... 

ابتسمت "حورية" ونظرت نحو زوجها بسعادة، فرمقها "صفوان" بنظرة مستنكرة. 

_ متفرحيش أوي، الخوف لسا جاي الساعات الجاية.
 
َالتقطت منه "حورية" الجريدة التي يقرأها وهتفت بضيق. 

_ وليه مفرحش يا "صفوان"، أهو اول حاجه اتمنينا تحصل حصلت...
"صالح" مهربش كعادته واختفى زي ما اتعودنا قبل ليلة ذكرى وفاة "سارة". 

حدجها "صفوان" بنظرة ممتقعه ثم زفر أنفاسه. 

_ ربنا يستر ويعدي العيد ميلاد ده على خير. 

_ هيعدي يا "صفوان"، هيعدي أنا قلبي حاسس.. ابنك بيحب "زينب" وبيحسب  أي خطوة بيعملها عشان ميرجعش يكسرها تاني.
 
وواصلت كلامها بمزاح. 

_ ولا أنت خايف تخسر الرهان يا دكتور.
 
ابتسم "صفوان" واحتل الأمل ملامح وجهه، هو يريد أن يتجاوز ولده الوحيد تلك الذكرى التي حمل نفسه ذنبها. 

_ اتمنى يا "حورية" تكسبي الرهان... 

داعبت شفتي "حورية" ابتسامة واسعة وعادت تستكمل فطورها. 

_ هتشوف يا "صفوان"، هتشوف النهاردة بنفسك إن كلامي صح
تعليقات



×