رواية صرخات انثي الفصل الواحد و السبعون 71 بقلم آيه محمد رفعت

رواية صرخات انثي الفصل الواحد و السبعون بقلم آيه محمد رفعت



طرق باب الشقة، وتمنى أن تفتح هي الباب، فلبت نداء قلبه المشتاق، حينما طلت من أمامه، ابتهجت معالم "آيوب" حينما رآها أمامه، بينما رددت "سدن" بابتسامة هادئة: 
_آيوب! 
منحها ابتسامة جذابة وقال وهو يضع أكياس المشتريات جانبًا: 
_عاملة أيه يا سدن؟ 
رددت بنبرتها التي بات يعشقها:
_الحمدو لله، أنا كويس أوي، وإنتي عامله أيه؟ 

اتسعت ابتسامته وانقلبت لضحكةٍ جعلتها تتابعه بابتسامة يتلألأ بها حبه الساكن بين مُقلتيها، استعاد اتزان نبرته المرتشعة من الضحك وقال: 
_الحمد لله بخير، أينعم مطحون في المذاكرة بس بخير، هسافر بعد يومين إن شاء الله عشان امتحاناتي. 

تلاشت ابتسامتها ، بل شحبت تعابيرها وتجمدت، لدرجة جعلتها تتمسك بكف يده وتتساءل بدهشةٍ: 
_هتمشي وتسيب سدن هنا! 
خفق قلبه طربًا، لمستها جعلت جسده ينتفض من فرط مشاعره، تعمق بحدقتيها وقال يهمس لها: 
_لازم أسافر عشان امتحاناتي يا سدن، ومينفعش أخدك معايا، لسه حوار عمك متنساش. 

سحبت كفها منه وبعصبيةٍ رددت بالانجليزيه ما يعني وصولها لذروة غضبها: 
_وكأنك تكثر من حجتك بما حدث، فلتكن صادقًا آيوب أنت تريد الذهاب بمفردك، لقد أخبرني الشيخ مهران أن الكذب من المعاصي والمحرمات ومازلت تلجئ لحجتك الكاذبة كلما رأيتني. 

واستطردت ودموعها تنهمر من مُقلتيها: 
_قول إنك عاوزة تبعدي عن سدن، بس مش تكذبي آيوب حرام عليكي الكذب حرام. 

وتركته وغادرت لغرفته، بينما يتابعها هو في صدمةٍ وعدم استيعاب، دفع "آيوب" باب الشقة بيده وتفحص الردهة بحرجٍ، يخشى الولوج للداخل بوجود "خديجة"، ابتسمت من تراقبه من على بعدٍ، فتركت المنشفة والملعقة من يدها، واتجهت له تخبره: 
_تعالى يا قلب أمك، هو أنت غريب! 

استدار تجاه الرواق؛ فوجد والدته تتابعه ببسمةٍ خبيثة، أوحت له بسماعها لحواره مع زوجته من البداية، تنحنح بخشونةٍ وهو يشير لها على الأكياس المركونة خلف باب الشقة: 
_يونس جابلك الطلبات اللي بعتيها مع فارس بالورقة يا حاجة، إتاكدي إن مش ناقصك حاجة، لو كده هنزل أجبها من المحل. 

ربعت يديها أمام صدرها وهدرت بسخريةٍ: 
_بتتماكر على أمك يابن الشيخ مهران. 
وأشارت على نفسها باعتزازٍ: 
_ده انا اللي مربياك وأفهمك من نظرة يا بشمهندس. 
واستطردت وهي تشير له: 
_هات الحاجة وادخل، خديجة طلعت تهوي الشقة بتاعت أمها، وقررت إنها هتنقل فيها بعد ما الدكتور طمنا أنها بقت أحسن. 
وأضافت بمكرٍ: 
_يعني تقدر تدخل وتطلع براحتك، مفيش حد غريب. 

حمل الأغراض ووضعها بالمطبخ وهو يتهرب من عينيها بحرجٍ، فغادر يتجه لباب الشقة قائلًا: 
_طيب هطلع أكمل مذكرة أنا بقى. 
إهتز بوقفته فزعًا حينما صرخت به: 
_استنى عندك يالا!! 

استدار للخلف لها، فوجدها تسرع إليه، انتشلته الحاجة" رقية" وأبعدته من أمام باب الشقة الذي أغلقته بغضبٍ، ووقفت قبالته تصيح بغيظٍ: 
_واد يابن الشيخ مهران إنت، ارحمني أنا عندي الضغط. 
ارتاب آيوب من أمرها، وقال: 
_ألف سلامة عليكي يا حبيبتي اطلبلك دكتور؟!
راقبته بصدمةٍ، بينما يتابع بفزعٍ: 
_أكيد نسيتي تأخدي الحباية بتاعت الضغط النهاردة صح! 
واستطرد وهو يتجه لغرفتها: 
_حالًا هجيبها لحضرتك. 
جذبتها بعصبيةٍ وانفجرت به: 
_إنت اللي هتجلطني، بقولك محدش هنا ومفيش حد غريب، اتلحلح وادخل صالح مراتك، أنا شوفتها وهي بتجري كانت بتعيط!! 

اعتلاه الحرج، وتمكن منه لاقصى درجة، فقال بارتباكٍ: 
_ميصحش أدخل وحضرتك موجودة. 
طرقت جبينها بقوةٍ ورددت بتعبٍ: 
_عوض عليا عوض الصابرين يا ررب، أقوله أيه ده!! 
وتابعت بنزقٍ: 
_يابني  الله يحفظك افهمني، تربية الشيخ مهران دي مش هتنفعك مع مراتك صدقني، اتحرك وكده وخليك زي الشباب الروشة، دي مراااااتك مراتك على سنة الله ورسوله، فاهمني! 

أسبل بجفنيه بصدمة مما توحي به وقال: 
_يعني حضرتك عايزاني أعمل أيه؟  الشيخ مهران لو رجع من المحل ولقاني هنا هيتضايق مني، سبيني أطلع شقة يونس قبل ما يرجع. 

نزعت الحاجة "رقية" حجابها، وعصبت به رأسها وراحت تردد في تعبٍ: 
_عوض عليا عوض الصابرين يارب! 

أحاطه القلق فأمسك يدها وسألها بخوف: 
_مالك يا ماما، إنتِ مش طبيعية النهاردة. 
شملته بنظرةٍ محتقنة، وهتفت بسخريةٍ: 
_والله يابني ما حد عارف مين فينا اللي مش طبيعي. 
ونادته ببسمة مغتاظة: 
_آيوب. 
اجابها بلهفة: 
_آيوه يا أمي، قوليلي بس حاسة بأيه وأنا هتصرف. 
أجابته بصدر رحب: 
_حاسة بمرارتي هتفرقع في وشي وشك بعد شوية يا روح قلب أمك! 
وسحبت كفها بعنفٍ من بين يديه، وصرخت بانفعال: 
_اجري من وشي روح صالح مراتك وثبتها بكلمتين من بتوع الشباب بدل ما أقلب عليك قلبة القطة على عيالها، وأحرمك من كفتة الرز اللي مهدود حيلي فيها لبكره دي. 

جحظت عينيه صدمة، فرمش بعدم استيعاب، وراح يتساءل: 
_يعني إنتِ كويسة،  مش حاسة بأي تعب؟ 
رمقته بنظرة شرسة واستدارت تبحث عن أي شيء يجاورها، جذبت المكنسة اليدوية، وهرع إليه تصرخ: 
_روح صالح البت هتجلطني بتربيتك دي!  

ركض آيوب تجاه غرفته ضاحكًا، بينما تابعت "رقية" بغيظ: 
_ده الشيخ مهران رومانسي وبيفهم عنه! 
على ذكر محبوب قلبها، جلست على مقعد السفرة، تهيم به مستندة على ذراعها، وقالت ببسمة هائمة: 
_ربنا يباركلي فيه ويحفظهولي يارب! 
  
بينما بداخل غرفة "آيوب". 
ولج للداخل يكبت ضحكاته بصعوبة، لقد أجاد تمثيل دور العفاف على والدته جيدًا، بينما بداخله يتراقص فرحة ويتمنى أن تصر على دخوله لها، ليضمن إن تم القبض عليه من قبل الشيخ مهران فيخبره بصدق أنها من دفعت به إلى ذلك، دون اللجوء إلى الكذب. 
بحث عنها آيوب فوجدها تجلس على الأريكة القريبة من الشرفة، تميل على ذراعيها وتبكي بخفوتٍ، وما أن شعرت بحركة خلفها حتى رددت ببكاء: 
_آيوب عاوز يسيب سدن ويمشي لندن وحده خديجة، أنا قولت ليك إنه مش يحبني، هو عمل كده عشان محمد. 

أتاها صوته الحنون ينفي اتهامها: 
_سبكتي التهمة على مقاسي يا سدن! 
استدارت خلفها، فتفاجئت به يقف قبالتها، نهضت تبحث عن حجابها وهي تردد بغضب: 
_إنتي داخله هنا ليه، امشي بره، أنا مش لابس! 

ضحك رغمًا عنه على مظهرها المضحك وهي تبحث عن اسدالها، فكانت تجلس ببيجامة من اللون الأسود، وشعرها الأصفر يندرج من خلفها بحريةٍ، بينما وجهها يضربه حمرة البكاء فجعلها فاتنة بكل معنى الكلمة. 
تركها آيوب ترتدي اسدالها ولم يرغب في مضايقتها، بل استدار عنها حتى انتهت من عقد حجابها، وفور أن انتهت هتفت بحنقٍ: 
_كيف تجرأ على الدخول إلى هنا؟  هيا انصرف قبل عودة الشيخ مهران! 

دنى إليها مبتسمًا، وقال ببساطة: 
_ولو حضر العالم بأكمله إلى هنا لا يعنيني، إنتِ زوجتي سدن!  هل تعي ذلك؟ 

وقال بثقة يشير لها من حيث وقوفه: 
_اقتربي مني! 
زوت حاجبيه باستغراب، ومع ذلك اقتربت، أمسك يدها المضمومة على الأخرى وقال وفيروزته  تحاوطها: 
_لم أكن يومًا كاذبًا، أقسم بالله أن قلبي إنفلت زمام الأمر عنه وبات سجينًا داخل قلعتك، أنا أحبك وإحتسبتك زوجة لي من اللحظة التي أعتنقتي بها الإسلام. 
وتابع بحبٍ: 
_كل ما في الأمر أنني أريد الأمان لكِ، وسفرك الآن برفقتي ليس لصالحك. 
ومنحها ابتسامة هادئة، ريثما يردد بعاطفة: 
_أتركِ من خلفي وما أنتِ بمنسية، وضعتك داخل قلبي ووهبتك كل ما تمنيت أن أمنحه لمن ستكون زوجة لي، ومع ذلك مازلتِ تشككين بحبي لكِ! 

انهمرت دموعها عن مُقلتيها، بينما يدها ترتعش بين كفيه، جذب كفه برفقٍ إليه، فانساقت من خلفها، أزاح دموعها وقال: 
_طيب أفهمك بأي لغة تانية إني بحبك!  
وأضاف مازحًا: 
_ده الحاجة رقية لمحتها من على بعد ومدخلاني ليكي بإيد المقشة! 

ضحكت رغمًا عنها وهو يمنحها نظرة دافئة، وابتسامة لا تفارقه، أحاطها إليه، وضمها بحنانٍ، فتعلقت به بقوةٍ وقالت: 
_مش تتاخري ماشي؟ 

انفصل عن لحظة رومانسيته ومال على كتفها يضحك بصخبٍ، وهو يخبرها بصعوبة: 
_خلي الشيخ مهران يعلمك الفرق بين المذكر والمؤنث عشان الوضع ده مش نافع بأي شكل! 
ابتسمت وهي تخبره على استحياء: 
_لا تقلق آيوب، السيدة رقية تبذل قصارى جهدها. 

مازحها ضاحكًا: 
_جهودها منطلقة في كل الاتجاهات ست الكل خيرها مغطي! 
تلونت عينيها حزنًا، وقالت بحياءٍ: 
_سأفتقدك أتعلم ذلك؟ 
اتسعت ابتسامته، وبعشقٍ قال: 
_يارتني أقدر أترجم مشاعري ليكِ، بس أنا واثق إن لما يجي الوقت اللي نشهر فيه جوازنا هتقدري تكتشفيني بالشكل اللي أنا عايزه. 

واستطرد بمشاكسةٍ جعلتها تضحك من قلبها: 
_هطلع قبل ما الشيخ مهران يقفشني معاكي هنا، هيحرمني من الامتحانات وفيها اعادة سنة تأديب واصلاح وأنا عايز أنجز عشان أدخل دنيا! 
واتجه ليغادر هاتفًا بحنان: 
_قبل ما أسافر هنخرج انت وأنتِ وهنلف بالسكوتر بتاعي للصبح، على فكرة مخدتش حد قبل كده ورايا. 
غمز بفيروزته يشاكسها: 
_انتي هتبقي الأولى. 
                               ****
أغلقت باب شقتها، واستعدت للهبوط وابنها يتشبث بيدها، مرت من طابقها واتبعت الطابق الآخر، فسحب ابنها كفها منها فور أن رأى ذلك الذي كان بطريقه لشقته، ركض الصغير اليه وهو يناديه بلهفةٍ: 
_بــــابـــــــا. 
حمله "يونس" بين ذراعيه بفرحةٍ، وضمه إليه، وعينيه تراقب من تقف على بعدٍ منهما، حمله واتجه إليه يتساءل باستغرابٍ: 
_رايحين فين بالوقت ده؟ 

أجلت أحبالها وعينيها تتهرب من لقائه: 
_نازلين محل البقالة اللي على رأس الشارع نجيب شوية طلبات. 
وما كاد بالحديث حتى قال فارس: 
_أنا طلبت من ماما تعملي سندوتشات لنشون وسحلب سخن فقالتلي هننزل نجيب ونرجع. 

ترك الصغير عن ذراعه، ونهض يستقيم بوقفته، يعاتبها بضيقٍ: 
_مش أنا قولتلك لما تعوزي أي حاجة أبعتيلي رسالة وأنا هجبلك طلباتك، بتكسري كلامي من أولها يا خديجة؟! 
ردت عليه من خلف نقابها الأسود: 
_أبدًا والله، بس محبتش أشغلك عشان طلب بسيط زي ده، أنا قولت هنزل بسرعة وهرجع. 

إحتدت نبرته غضبًا: 
_ونازلة من غير إذن! 
قرأ بعينيها تكدس حديث لا تستطيع البوح به، لكنه بارعًا بقراءتها، لطالما كانت كالكتاب المفتوح إليه منذ أن كانت بالعاشرة من عمرها، وما أزعجه الآن بقراءته، التفت "يونس" لصغيره وقال: 
_انزل عند آيوب تحت يا فارس، شوية وجايلك. 

هز الصغير رأسه وهرع للاسفل، بينما اقترب "يونس" منها يتفوه بعصبيةٍ: 
_إنتِ مراتي وفي عصمتي وملزومة مني غصب عنك وعن الكل، الفاصل بينا فترة عدتك واللي بتمنى آنها تخلص وتنتهي لأنها بتفكرني بأسوء ذكريات بتمنى أنساها وتتمحى من ذاكرتي. 

رفع اصبعه يشير لها بغضبٍ: 
_نظرة الانتظار اللي في عينك دي بتقتلني أكتر من اللي فات ده كله، مسؤوليتي معاكي مش شفقة مني ده واجب عليا لانك مراتي حتى لو فاضل كام يوم على كتب كتابنا. 

كسى الحزن تعابيره، وتشربته نبرته حينما أردف: 
_أنا لحد اللحظة دي مش مستوعب إننا افترقنا وإنك بقيتي لغيري، لسه شايفك مراتي اللي اتحرمت من حضنها، طول السنين اللي فاتت دي كنت بعد الأيام عشان أطلع وأرجع هنا يقولولي إن كل ده وهم، خديجة مستنياك، كل ده كدب ومحصلش. 
واستكمل بعجزٍ شعرت به: 
_اللي فات ده مش هيرجع تاني يا خديجة، هترجعي تكوني ملكي وحلالي، والمرادي مش هيفرقنا غير الموت. 

انهمرت دموعها تباعًا وهي تتطلع إليه، وكسرت صمتها، حينما هتفت بانكسار: 
_أنا اتبهدلت أوي من غيرك يا يونس، كل اللي بتمناه إنك تاخدني في حضنك وتطبطب عليا زي زمان. 
ابتسم وهو يتطلع لها بحبٍ، وقال: 
_أول حاجة هعملها بعد ما المأذون يكتب الكتاب. 
وأشار بعينيه للدرج قائلًا بحزمٍ: 
_ودلوقتي على فوق ومتخطيش السلم ده برجليكِ من غير إذن، طاوعيني أنا مش عايز أبتديها بزعل من أولها يا ست البنات! 

ضحكت من قلبها، وازاحت دموعها التي أغرقت نقابها، مرددة بفرحةٍ: 
_لسه ست البنات في عيونك يا يونس؟ 
انتعش بنطقها لاسمه وقال بحب: 
_في عين يونس وقلبه ست الهوانم كلها يا خديجة. 

تاهت بعينيه وابتسامتها الخجولة ترفرف بالارجاء، فمازحها ببسمة جذابة: 
_أنا بقول كفايا ذنوب كده وتطلعي فوق يام فارس، وانا هنزل أخده واجيبله اللي هو عايزه وهطلعلهولك تاني. 
أومات برأسها بخفة وصعدت للأعلى بملامح مبهجة، تتشرب الحب بعد جفاء، فارتوت أرضها القاحلة وأينعت بثمارها. 
                            *****
لم يصدق أنه هو نفسه الذي قام باختطافه، وقف يطالعه بغرابةٍ بينما يحدجه الطاووس بنظرة متعالية لا تليق الا به، وببرودٍ قال: 
_قولتلك قبل كده إن العيلة اللي مفهاش صايع حقها ضايع، وأنا فاضيلك ومعاك للآخر يا نعمان، كل اللي عملته في حياتك وعدتهولك كوم واللي عملته معايا ومع جمال ده كوم لوحده. 

احتقنت معالمه وبعصبيةٍ صاح: 
_إنت ليك عين تقف وتهددني، مسلط بلطجية يخطفوا خالك يا عُمران!! 
منحه بسمة ساخرة، وببرودٍ قال: 
_عادي يا خال ما أنت سلط نفس البلطجية عليا وخلتهم يعملوا اللي إبليس ميفكرش فيه! 
وأضاف ساخطًا: 
_ مش كل اللي مسك طبلة ورا العالمة بقى طبال يا نعمان، كنت فاكر إنك طلعتني المسرح جنبها بس أنا اللي طلعتك وبلبسها.

كبت آدهم ضحكاته بصعوبةٍ، صمد لدرجةٍ غير معقولة حتى لا تتوارى عنه، بينما هتف نعمان بعصبية: 
_أنت بتتخطى حدودك معايا، صدقني مش هعدهالك يابن فريدة. 

رنا إليه بخطواتٍ متهدجة، يطالعه ببرودٍ لحق نبرته الواثقة: 
_هات أخرك وأنا جاهز وهديك اللي فيه النصيب يا خال. 
واستطرد بعدائية شديدة: 
_خروج من هنا انسى، إنت نزلت من نفسك باللي عملته معايا، وعشان إنت للاسف الشديد حامل نسل الغرباوي، مضطر أنزل لمستواك وأعيد تربيتك الناقصة من تاني. 
وقبل أن يترك له مجال الحديث، صاح بخشونة: 
_مغرفة!

هرول إليه أحد الرجال يجيب: 
_أمرك يا باشا. 
قال ومازالت رماديته تحيطان بنعمان: 
_اهتم بالخال ووجب معاه عشان اللي جاي سواد على دماغه. 

وتركه دون أي كلمه وغادر على الفور، جحظت أعين نعمان صدمة، فصرخ به يوقفه وهو يصيح بانفعال: 
_هتدفع التمن غالي يا عمــــــرااان مش هسيبك سااااامع! 
                         *****
طرق الباب للمرة الثانية والعرق ينهمر على وجهه من فرط مجهوده المبذول، فتحت الخادمة الباب وقالت بابتسامة واسعة: 
_بشمهندس آيوب البيه بانتظارك جوه. 

أومأ برأسه بخفة، واتجه سريعًا للداخل، قاصدًا غرفته، وجده يتمدد على الفراش والتعب يجول ملامحه كالوحش الكاسح، أشار له بيده وهمس: 
_آيوب تعالى يابني! 

رنا إليه متلهفًا وهو يردد: 
_ألف سلامة على حضرتك يا عمي، أول ما كلمتني سبت كل حاجة وجتلي، تحب أطلب الدكتور؟ 
تمعن به مصطفى بنظرةٍ حزينة، وقال: 
_لا يا حبيبي أنا خدت أدويتي وهبقى كويس. 
وبحرج قال: 
_معلش ازعجتك في وقت متأخر زي ده، أنا كنت فاكر عمر معاك موبيله مقفول وبحاول أكلمه من الصبح. 

ابتسامته البشوشة تشكلت على وجهه وهو يجيب: 
_مفيش إزعاج ولا حاجة، مش انا زي آدهم ولا أيه؟ 

تدفق الدمع من عينيه وهو يطالعه بنظرة شملت كل آلآمه، تفاجئ آيوب باشارة يده التي تطالبه بالاقتراب، فترك مقعده ودنى إليه. 
اعتدل مصطفى بجلسته وضمه إليه يبكي كالطفل الصغير، اخترق سهام الألم قلب آيوب وبات عاجزًا عن التصرف أمامه، فرفع ذراعيه يحيطه والقلق يعتلي ملامحه، تحرر مصطفى عن صمته أخيرًا، وقال: 
_سامحني يابني، حقك عليا يا آيوب، مش عايز منك غير السماح والغفران على ذنبي!

ابتعد عنه آيوب يقابله بنظرة حائرة: 
_مش فاهم حضرتك بتتكلم عن أيه؟  أسامحك على أيه بالظبط؟! 
                             ******
عاد علي للقصر بعد يوم عمل طويل، ولج جناحه يحرر جرفاته وينزع جاكيته بارهاقٍ، صوبت نظراته تجاه فراشه، وهو يتوقع رؤية ملاكه يغفو بسكون، زوى حاجبيه بذهول حينما وجده فارغًا. 

اضاءت المصباح المجاور لمقعدها، فاستدار علي للخلف، فوجدها تجلس بانتظاره، اقترب منها فتفاجئ بآعينيها المتورمة من أثر البكاء، انقبض قلبه من رؤيتها هكذا، فأسرع اليها ينحني أسفل مقعدها، يناديها بلهفة: 
_فطيمـة! 

رفعت عينيها ببطءٍ له، وقالت بصوتها المبحوح: 
_أنا آسفة. 
ابتلع ريقه بارتباكٍ وتساءل: 
_على أيه يا فاطمة؟ 

انتقلت ببصرها للخزانة المفتوحة على مصرعيها، فتطلع لما تتأمله، فوجدها تتأمل علبة مجوهراتها المغلقة، ضم شفتيه بغضب لتذكره أنها كانت مفتوحة وقام هو باغلاقها بنفسه، بالتأكيد علمت بأنه قد رآها،  استمد ثباته ورزانته، وقال: 
_مفيش حد يملك القرار ده غيرك يا فاطمة، أوعي تعتذري أبدًا، إنتِ مغلطتيش. 

هزت رأسها نافية، وقالت: 
_لازم أعتذرلك ألف مرة، علي أنا مش هقدر أجبلك الابن اللي بتتمناه، لاني ببساطة مش عايزة أكون أم، ولا إنت هتكون أب لاني هكون أنانية ومش هسمحلك تتجوز عليا ولا يكونلك أولاد من غيري ســـــامع!! 
                               *****
صعد الجوكر على متن الطائرة يموج غضبًا من أخيه، يتمنى لو يعود لمبنى الجهاز ويقتله بدم بارد، عساه يحصل على الراحة الابدية من شخصًا برأسٍ سامة مثل "رحيم زيدان"  ، وبينما كان منشغلًا بأفكاره الاجرامية، انتباه صوتًا يجاوره، يهتف بحنقٍ: 
_اشتقتلي يا شريك؟! 
تعليقات



×