رواية طوق النجاة الجزء التكميلى من بك أحيا الفصل الخامس 5 بقلم ناهد خالد


 

رواية طوق النجاة الجزء التكميلى من بك أحيا الفصل الخامس بقلم ناهد خالد



"الردع هو في حد ذاته نجاة... كالذي سار في طريق مهجور ارتاده لأول مرة, لا يعرف انه مجهور ولا يرتاده أحد كما لا يعرف ما سيلاقيه فيه, وفجأة يبعث الله له شخص يُعرفه ما جهله ويُحذره من الطريق الواعر والمحفوف بالمخاطر, وهذه هبه من الله له, إما يستغلها ويعود أدراجه إما يتجاهلها ويصمم على استكمال السير...  أحيانًا قد تنهي شخص قريب لك عن فعل ما لأنك موقن أنه سيُهلك به لكنه لا يستمع لك وقتها ولأنك تخشى عليه وليس مجرد أداء واجب تضطر للردع بالقوة كي تحميه مما هو مقبل على الوقوع فيه دون إدراك لخطورته, وأحيانًا تنصح أحد بشيء و تهمس لذاتك أنك أديت واجبك فإن أخذ بالنصيحة أم لا لقد أخليت مسؤوليتك تجاهه,  الردع مسؤولية كبيرة وهبة أكبر, لا يدركها الجميع ولا يستغلها فيكن أكبر أحمق قد تعرفه يومًا" 

فرد سجادة الصلاة في ركن الغرفة باتجاه القبلة ووقف مستعدًا لإداء صلاته مهمومًا وقد بدأ يتملكه اليأس بعدما اكتمل الشهر الثالث ولم تفيق ولا يوجد أي جديد و حالتها مستقرة كالعادة, وبعد أن أنهى الصلاة شعر براحة غريبة ليست من أداء الصلاة فقط بل شعور آخر كأنه شحن طاقته من جديد! ويقين تسلل له بأن كل شيء سيكون على ما يرام, اغمض عينيهِ وأخذ نفسًا قويًا يزفره بعدها بمهل وهمس:

-  يا رب. 

والرب وهبه الراحة أخيرًا وفك الكرب, كانت منذ عشر دقائق قد بدأت في الإفاقة, تحريك أصابع يدها ببطء, واهتزاز جفونها, ونصف الوقت الماضي حاولت أن تفتح عينيها وقد نجحت للتو, ثواني حتى اعتادت على ضوء الغرفة واستطاعت أن تتبين سقفها, حركت رأسها بصعوبة حتى استطاعت أن تميلها جانبًا, فوقع بصرها عليهِ جالسًا على سجادة الصلاة في وضع وكأنه بين السجدتين, وتبينت بعدها انه انهى صلاته هو فقط يستغفر ويسبح, لم تتحدث فقط ظلت تنظر له صامتة وشعور الدهشة داخلها كبير, فمنذ سنوات طويلة لم تراه يصلي! 

انهى تسبيحه لينهض بعد ان اثنى سجادة الصلاة ووضعها في مكانها, فكر أن يخرج ليجلب له كوب قهوة لشعوره بصداع الرأس, ولكن ما إن مسكَ مقبض الباب حتى التفت ناحيتها بلا سبب كنظرة عابرة, لتثبت كفه على المقبض وهو يرى عينيها ينظران له! أولاً ظن أنه يتخيل, ثم لم يستوعب, وبعد ثواني على نفس الوضع تحرك بلهفة رهيبة حتى وصل إليها ليسألها وهو ينحني قليلاً:

-  رنا! رنا أنتِ سمعاني؟ أنتِ فوقتِ؟ 

-  سمعاك.

كلمة هتفت بها أحيته, ليضحك فجأة وهو يقترب يقبل وجهها قبلات مفترقه بسعادة طاغية مرددًا الحمد, وما إن ابتعد حتى قال:

-  هروح اجيب الدكتور, خليكِ صاحية ماشي؟

وجملته الأخيرة خرجت خائفة أن يعود فيجدها عادت لغيبوبتها, هزت رأسها له ليركض سريعًا خارجًا من الغرفة تحت استغرابها فماذا حدث لها؟

------------------- 
التف لها بعد أن صدح سؤالها في أرجاء الغرفة ورغم صدمته التي لن ينكرها بمعرفتها لأمر كهذا لكنه بدى وكأنه لم يسمعها, ثابتًا وهادئًا, نظر لها ليرى تأهبها الواضح للرد ما إن ينطق, وبكل هدوء كان يسألها:

-  ايه حكاية المافيا دي؟

هزت رأسها ساخرةً وهي تقول:

-  شوف أنتَ, هو مش ده شغلك اللي مخبيه عن الكل؟

اتجه لكرسي قريب وجلس فوقه بهدوء وتريث ثم اراح ظهره وهو يسألها:

-   ايه اللي عرفك بيه؟ 

رفعت حاجبها باستهجان: 

-  يعني حتى مأنكرتش!

ابتسامة سخيفة زينت ثغره وهو يقول:

-  هنكر ليه! ده شغلي زي ما قولتي. 
حاولت الهدوء وهي تسأله:

-  شغلك! وما دام شغلك معرفتنيش بيه ليه؟ 

رفع منكبيهِ وهو يقول:

-  أنتِ دخلك ايه بشغلي يا خديجة؟ معتقدش انها حاجه تهمك! 

جعدت ملامحها وهي تقول:

-  متهمنيش! ازاي يعني؟ أنتَ جوزي.

ابتسم لها وهو يعقب:

-  جوزك يعني تهمك أموري الشخصية لكن أمور شغلي متهمكيش. 

هي تغلي بداخلها والغيظ والغضب بلغ اشده من بروده وحديثه الذي يزيد غضبها لكنها وللآن تتمسك بلجام الهدوء:

-  لا يا مراد, شغلك كمان يهمني خصوصًا لو مش شغل عادي, يعني أنا عمري ما سألتك شركتك بتشتغل في ايه, لان التفاصيل متهمنيش, لكن عارفة ان شغلك هو أن عندك شركة, بس لما اعرف إنك بتشتغل شغل زي ده ومن غير علمي ده مش عادي, ولا يصح, من حقي كنت اعرف من قبل ما اتجوزك حتى. 

بدأت ملامحه تتغير هنا, لتتصلب قليلاً وهو يسألها بحذر:

-  ليه؟ لو كنت قولتلك قبل الجواز كان ايه اللي هيحصل؟ 

ردت على الفور بنبرة قاطعة:

-  كنت هخيرك. 

-  بين؟ 

رددها وهو موقن أن القادم لن يعجبه ابدًا.

-  يا تبعد عن شغلك, يا تبعد عني, مكنتش هكمل معاك لو مبعدتش عن الشغل ده.

-  وليه ابعد عنه؟ عشان خطر, ولا عشان الوقعة فيه صعبة؟ 

ربعت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول:

-  لا, مش عشان خطر, ولا عشان الوقعة فيه يا بموتك يا بسجنك, بس عشان حرام, عشان اكيد مبتبعوش سِبح فيه, أكيد كل اعمالكوا مشبوهة, والاعمال المشبوهة حرام, وبالتالي فلوسك اللي بتكسبها منها حرام, أعيش أنا في كل الحرام ده وأقول مليش دعوة! 

ذم شفتيهِ بتفكير زائف ثم قال:

-  بصي هو الموضوع قناعات شخصية, يعني أنتِ قناعتك ان الشغل حرام واللي بييجي منه حرام, أنا قناعتي انه شغل زي باقي الشغل ميختلفش عنهم, فهي وجهات نظر. 

فكت ذراعيها ووضعت أحدهم في خصرها بغضب وهي تهدر:

-  وجهات نظر! ده شرع, وجهات نظر ايه, ده دين وحلال وحرام مفيهوش وجهات نظر مش هتمشي الدين على مزاجك! 

-  اهو الموضوع ده بالذات مبهتمش بيه. 

قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم تسأله:

-  موضوع ايه؟ 

قال بلامبالاة واضحة:

-  حوار الحلال والحرام والدين والكلام الفاضي ده. 

-  كلام فاضي؟؟؟ 

رددتها بفاه فاغر وقد تسارعت دقات قلبها بشكل غير مسبوق, تشعر أن أنفاسها تلتقطها بالكاد وهي تسمع استهزائه بالدين, وتدعو الله أن يكون ما توصل له عقلها خطأ, اقتربت منه وهي تقرر معاملته كطفل صغير حتى تأخذ منه ما تريد معرفته, جلسته على يد الكرسي الجالس فوقه ووضعت كفها على كتفه قبل أن تسأله بتردد خائفة من الإجابة:

-  قصدك ايه يا مراد بكلام فاضي! يعني ايه الدين كلام فاضي؟

رد بنبرة عادية:

-  قانونك هو اللي تحطيه بنفسك يا خديجة, دين ايه اللي بتمشوا عليه اللي مليان قوانين وأفكار مكلكعة هو انتوا أصلا عارفين مين حط القوانين دي! مين حدد حرام وحلال وبناء علي ايه؟ 

نظرت له باستغراب وكأن عقلها لا يستوعب حديثه:

-  مين حطها! ربنا يا حبيبي, ربنا هو اللي حط الدين والاحكام اللي فيه عشان يحددلنا الصح من الغلط وإلا كانت كل حاجه مباحة. 

-  وايه المشكلة لو كل حاجة مباحة! هو لازم يكون فيه حرام وحلال؟ 

-  ايوه طبعا, وإلا كانت الدنيا خربت. 

هز رأسه غير مقتنعاً:

-  بصي انا الحوارات دي مبقتنعش بيها, احنا لنا عقل نفكر بيه ونحدد لنفسنا الصح والغلط. 

-  ازاي يعني! الأمور دي نسبيه, لو كل واحد حدد بعقله يبقى اللي انا شيفاه ميصحش وغلط هتشوف انت صح وهتعمله, يبقى ده اسمه عك وكل واحد هيعمل ما بداله. 

صمتت قليلاً ثم قالت بقلق:

-  مراد هو أنتَ معترف بوجود ربنا؟ 

تنهد قبل أن يجيبها بعقلانية:

-  بصي أنا فاهم إن الكون ده والناس والدنيا اللي عايشين فيها اكيد ليها حاكم واكيد ليها خالق ده طبيعي مش هنكون موجودين من عدم. 

هزت رأسها بإيجاب قوي وكأنها تمسكت بخيط أمل:

-  طيب ده كويس اوي, معنى كده انك مؤمن بالدين اللي ربنا نزله. 

ذم شفتيهِ رافضًا:

-  هي الفكرة بقى ايه الضامن ان ربنا هو اللي نزل الدين اللي معانا دلوقتي, واللي انتوا بتمشوا بقوانينه, مش يمكن متحرف, مش يمكن ربنا محطش لنا قوانين أصلا. 

هزت رأسها رافضة:

-  يعني ربنا خلقنا ومش هيحط قوانين تنظمنا؟ ده لو واحد فتح شركة بيحطلها قوانين, ربنا بقى اللي خلق الكون هيخلقنا ويسيبنا كده في الدنيا من غير نظام؟ 

-  تمام ماشي, هو فعلا اكيد في نظام واكيد حط لينا قوانين, لكن هل هي اللي معانا؟ وبعدين حاجات كتير الدين مأزمها اوي حتى لو فعلا ربنا اللي منزلها فهي معقدة. 

ضيقت عينيها وهي تسأله:

-  مراد أنتَ ملحد؟ 
سألها بعدم فهم: 

-  يعني ايه ملحد؟

-  يعني مش مؤمن بوجود ربنا. 

نظر لها باستغراب وقال:

-  مانا لسه قايلك منطقيًا اكيد في خالق للكون ده, فانا مش ناكر وجود ربنا. 

تنفست براحة وهي تسأله ثانيًة:

-  طب أنتَ مؤمن بالرسل؟ 

فكر لثواني قبل أن يقول:

-  بصي ربنا مبيتواصلش معانا فاكيد كان لازم وسيط شبهنا يتكلم معانا ويبقى همزة الوصل بينا اللي يعرفنا بيه.

ضحكت بسعادة كالبلهاء وهي تقول:

-  الله اكبر, اومال فين مشكلتك؟ 
زفر بملل:

-  يووه, أنا هقولك تاني! مشكلتي اني مش واثق ان اللي بتحددوا الحلال والحرام بناء عليه ده مصدر موثوق منه. 

مسدت جبهتها بتعب وهي تقول:

-  طيب عمومًا الحمد لله إنك مؤمن بأهم الحاجات, خلينا طيب نتناقش في الموضوع الأولاني بعدين نشوف الحكاية دي.

-  موضوع ايه؟ 

قالها وهو يجذبها من فوق يد الكرسي لتجلس على قدميهِ وأكمل بعبث غامزًا:

-  كده نتفاهم أكتر.

لم تهتم بفعلته وقالت:

-  موضوع شغلك. 

زفر بضيق وسألها:

-  عاوزه ايه يا ديجا؟ 

أدمعت عيناها وهي تطرأ للحديث إلى ما يؤرقها:

-  خايفة عليك, خايفة عليك من كل حاجة, من الذنوب اللي بتشيلها ومن نهايتك في الطريق ده, أنتَ عاوز تكون زي أبوك يا مراد؟ عاوز تتسجن؟ ولا عاوز تموت؟ 

لمس وجنتها بحنو بكفه وعيناه لمعت من خوفها عليه الذي لمسه صادقًا:

-  متخافيش يا ضيّ, أنا محدش يقدر يوقعني, أنا عارف أنا بعمل ايه كويس.

نظرت له بيأس وقد شعرت أن طريقها معه صعب:

-  طب وربنا؟ ميقدرش عليك؟

امتعضت ملامحه وهو يقول:

-  بلاش كلام في الموضوع ده, قولتلك مش مقتنع أن...

قاطعته تقول:

-  ماشي مش هتكلم فيها من الناحية دي, قولي لو بقى عندنا ابن هتحب يشتغل في حاجه زي دي.

فكر قليلاً قبل أن يقول موضحًا وجهة نظره:

-لا, بس مش عشان اللي بتقوليه, لكن مش هآمن عليه وكمان هو مش زيي عشان ابقى واثق انه هيعرف يتصرف, غير إن الموضوع صعب وهيتمرمط في الأول ومش هبقى عاوزه يتعرض لكل ده.

-  يبقى أنتَ لازم تبعد, الولد بيطلع لابوه واعتقد انت خير دليل. 

نفى ساخرًا:

-  انا مطلعتش لابويا عشان اللي بتقوليه, أنا لولا ان ابويا هو اللي كان مخطط ومقرر من الأول اشتغل معاه مكنتش هعرف حاجة عنهم اصلاً, وأنا أكيد مش هعمل كده مع ابني, مش هعرفه حاجه عن الشغل ده, فالموضوع في ايدي. 

------------------ 

خرج الطبيب بعد أن طمأنهم ليقترب سريعًا منها وهو يقول:

-  طلعتِ عين اهلي. 
جلس جوارها فوق الفراش وقال وهو يمسك كفها:

-  كنت قربت ايأس. 

نظرت له مستغربة تسأل:

-  هو أنا بقالي كتير هنا؟ 

اومأ مجيبًا:

-  بقالك 3 شهور. 

جحظت عيناها شاهقة بصدمة:

-  3 شهور!! ازاي؟ هو ايه اللي حصل؟ 

سرد لها كل ما حدث لتصمت بعدها لدقائق وقد ظهر على وجهها الحزن والذي لم يدرك سببه تحديدًا, وبعدها سألته:

-  عُمر مع ماري؟ 

نفى برأسه يخبرها:

-  مع اخويا ومراته, لما عرف الظروف رفض اني اسيبه مع المربية خصوصا انه عنده أولاد و بيلعبوا معاه فمش حاسس بحاجه. 

نظرت له بتفحص قبل أن تسأله بشك:

-  هو خير يعني, كنت شوفتك بتصلي تقريبا!؟

ضحك بخفوت قبل أن يومأ:

-  اه, ايه المشكلة؟ 

-  واضح إن فاتني كتير.

قالتها قبل أن تحاول الاعتدال لتأن بألم, فنهض بلهفة يساعدها لتوقفه بتعب:

-  مش قادره حاسة جسمي مخشب.

-  معلش هو بس عشان بقالك فترة في الغيبوبة جسمك يبس زي ما الدكتور قال, حاولي واحده واحده وأنا معاكِ يلا.

وبدأ يساعدها ببطء كي لا تتألم مراعيًا تيبس عضلاتها بعد كل هذه المدة من السكون.

------------------- 
أول ما فعله حين استفاق من أثر الحادث أن طلب هاتفه وطلب شقيقه الذي أخبره بأنه سيأتي على الفور وبالفعل بعد نصف ساعة أو تزيد قليلاً كان قد وصل, دفع باب الغرفة بتعجل ليطمئن عليه, زفر أنفاسه ما إن رآه متسطحًا فوق الفراش بعض خدوش احتلت وجهه ولم يظهر غير هذا.

-  يا خي خضتني عليك, مانت زي البغل اهو. 

امتعضت ملامح الأخير وهو يقول بتعب متجاهل حديثه:

-  بيجولوا بجالي 4 ساعات اهنه, واني لسه فايج من ساعة. 

جلس على كرسي مجاور من الفراش وهو يقول:

-  اومال كنت فين ال3 ساعات دول؟؟ 

-  مخابرش, ومحدش راضي يريحني, كله بيجول مخابرش الدكتور هيخبرك لما ييجي, وانا مشفتوش من وجتها, روحله شوف جرالي ايه.

نهض قائلاً يطمئنه:

-  متقلقش هروح اشوفه.

والآن وقف أمام الطبيب يستفسر منه على حالة شقيقه فقال له موضحًا:

-  هو قعد 3 ساعات في اغماء تام, الحادثة كانت صعبة, عملناله اشاعات على جسمه كله وللأسف لقينا حصل شلل مزدوج. 

جمدت الصدمة "باهر" للحظة قبل أن يسأله وما زالت الصدمة تسيطر عليه:

-  شلل مزدوج! فين؟ 

رد الطبيب:

-   شلل في الرجلين, وده نتيجة حدوث إصابة خطيره في أعصاب القدمين بسبب قوة الحادثة. 

ضربته الصدمة وصمت غير قادرًا على النطق والآن استوعب الكارثة....

تعليقات



×