رواية وجفت ورودها الحمراء الجزء الثانى الفصل الخامس بقلم وسام اسامه
"سقطت الوردة وتناثرت اوراقها في الرياح
جفت بتلاتها وماعادت ترغب بالحياة
فمن يعيد للزهرة ورقاتها..وستكافأه بعطرها..وإن كان عطرها جافي"
صباح يوم الزفاف
لم تنم حكيمة وهي تحضر حقائب سندس ودموعها تنهمر على وجنتها بحزن ووحشة..من الآن تشتاق لها
من الآن تشعر وكأنها فقدت قلبها من كثرة الإشتياق
انتهت من وضع الحقائب جوار الباب وهي تهمس بحزن...
-إن القلب ليرتجف شوقًا من الآن يابُنيتي
اسأل الله ان يحفظكِ ويسعدك ويريح قلبك مع توفيق...ياالله لا تؤلمني في ابنتي يارب
مسحت دموعها بكفيها وهي تنظر للساعة التي تُشير للتاسعة صباحًا..دلفت لتغسل وجهها وتزيل أثر بكائها
ثم اتجهت لغرفة سندس لتوقظها برفق وإبتسامة حنونة...
-ياسندس..استيقظِ ياعروس
الساعة تُشير للتاسعة عليكِ التحضر لزفافكِ
فتحت سندس عيناها الحمرواتين من الأرق
واعتدلت لتمسح وجهها وتقول بخفوت...
-لم انم من الأساس ياامي..اغمضت عيني لدقائق فقط..اتركيني لأنام فعليًا ولو لساعتين
رأت حكيمة إمارات القلق والتعب على وجه ابنتها لتقول وهي تحاوط وجهها بهدوء...
-حبيبتي لِمَ ارى الخوف على وجهك
هل انتِ قلقة من سفرك لمدينة اخرى
ابتسمت سندس بشحوب لتُمسك يد والدتها وتقبلها قائلة بنبرة خافتة...
-لستُ خائفة..وانتِ ايضًا عليكِ بالإقلاع عن الخوف المستمر..انا استودعت حياتي ونفسي في آمان الله
والله خير حافظَ ياامي
-حفظكِ الله ياصغيرتي..ولكن سأظل الباقي من عمري قلقة عليكِ الى أن يأخذ الله امانته
ضحكت سندس لتغمغم بخشونة..
-اذًا ابي محق..يامُربية البنات ياحاملة همهم الى الممات !
هزت حكيمة رأسها بنفي لتقول بحنان..
-يامُربية البنات ترى للسعادة ألوان
تنعمي بالدفئ والأمان..تظللك
محبتهن وتموتي بينهن راضية الفؤاد
دمعت عين سندس واختفت ضحكاتها وترتمي بين ذراعيها وتقول مختنقة...
-سأشتاق لكِ ياامي..سأموت شوقًا لكِ
حاوطتها والدتها بحماية وهي تقبل خصلاتها..
-سأتصل بكِ بوميًا وسأزورك كل اسبوعان
وايضًا سأخبر توفيق يأتيني بكِ..لن ادع الإشتياق يؤلمك ياعزيزتي
ثم ابعدتها برفق لتقول...
-هيا قفي واتجهي للحمام..لقد حضرته لكِ بالزيوت المعطره..دعي جسدك يرتاح في الماء الساخن
الى أن تصل المُزينة..هيا ياحبيبتي لا وقت لدينا
تنهدت سندس بثقل ووقفت واتجهت كي تُطبق كلمات حكيمة..بينما والدتها اتجهت للهاتف كي تتصل بهالة لتأتي وتكون مع سندس
لتسمع طرقات لحوحة على الباب..اتجهت لتفتح
لتجد نوران تبتسم بسعادة..
-صباح الخير عمتي..جميلتنا سندس لاتزال نائمة !
-لا ياحبيبتي لقد استيقظت وتأخذ حمام العروس
هل استيقظ الجميع
حركت نوران رأسها بحماس...
-نعم استيقظ الجميع..خالتي عزيزة تُجهز الشربات
وتوفيق اتصل بالطهاه ونُصبت خيمة الرجال
وبعد صلاة الظهر سينصبوا خيمة النساء..ويزينوا الشارع بالأنوار وزينة الزفاف
حركت حكيمة رأسها بإستحسان وسألت..
-واين عمي فراس !
-عمي فراس لا ينم بعد صلاة الفجر
واتصل بالعمال ليحضروا الخِراف ليذبحوها بعد صلاة الظهر ايضًا..واوصى بتوزيع لحم خاروفين
وسيطهوا الثلاثة الباقين
اتسعت عيون حكيمة بدهشة لتقول..
-خمس خِراف كثير
-جدي قال الزيادة رزق للمحتاجين
والآن كيف أساعدك ياعمتي
نظرت حكيمة لحقائب السفر لتقول بخفوت..
-لقد حضرت كل ثيابها..لا شيئ لتساعديني فيه
سانزل للأسفل كي احضر كعك الزفاف والمخبوزات
ليأخذوها معهم
اقتربت نوران وعانقتها حين بغتة وهي تقول برقة..
-لا تعبسِ هكذا ياعمتي..سأكون ابنتكِ الثانية
لن اشعرك بغياب سندس قدر استطاعتي
ربتت حكيمة على ظهرها باسمة..
-حبيبتي يانوران مشكورة..العقبى لكِ يارب
اغمضت نوران عيناها وهتفت بترجي..
-ياارب ياخالتي..اكثري من هذة الدعوة الجميلة
ضحكت حكيمة وفتحت الباب لتقول قبل أن تهبط الدرج...
-لا تتعجلي ياصغيرة كل شيئ بأوانه
كوني مع سندس ولا تتركيها إلا
***
انقضت ساعات النهار الأولى وفراس وتوفيق
واقفين أمام الدار يتابعون التحضيرات بإنتباه
ليقول فراس وهو يُشير لأحد الغلمان..
-ياولد تعال
اتجه اليه الصغير ليقول بإحترام...
-امرك ياجدي
اخرج فراس من جيبه بضع ورقات مالية ليعطيهم للصبي قائلا بحذر...
-اتجه الى العطار واعطهِ المال وقُل
يخبرك جدي فراس أن تعطيني البخور الفاخر
احذر أن توقع المال ياولد
-لا تقلق ياجدي سأمسكها بقوة
ثم انطلق ليُنفذ أمر جده ليقول توفيق...
-لِمَ البخور الفاخر ياجدي !
نظر له فراس ليقول بجدية..
-لتأخذه معك ويعطيك حظي وحظ اباك
وحظ اعمامك..الم اخبرك قصة البخور هذا
ضحك توفيق وغمغم بإيجاب..
-نعم اخبرتني..وانا لازلت مُصر على رأيي
لا وجود لتلك الخزعبلات ياجدي..كيف لبخور عادي أن يُصلح حال زوجين بالله عليك ياجدي !
جعدت فراس جبينه ليقول بضيق...
-ياولد لا تراجع الكبار في حديثهم
ثم أن هذا البخور غير عادي..الم اخبرك أن الدرويش اخبرني إن اشعلت هذا البخور سينصلح الحال بيني وبين جدتك..وها انا لازلت احبها رغم انها ماتت منذ زمن..كانت إمرأة نَكِدة ورغم ذالك كنت احبها
وكذالك اباك يعشق امك رغم لسانها الصلف وصراحتها الوقحة..ايضًا بسبب البخور
واعمامك..الا تُصدق كلام عجوز مخضرم ياإبن البارحة !
ضحك توفيق ليرفع يد فراس ويقبلها بإحترام..
-استغفر الله ياجدي..ولكني
قاطعه فراس بحزم...
-ستأخذ البخور معك وستشعله
بعيدًا عن البخور وسحره..اشعال البخور ليلة الزفاف صارت عادة من عادات آل فارس..لا تكسر العادات
حرك توفيق رأسه بطاعة وهو يكتم تعليق علمي على حديث جده..ولكنه صمت..لن يضره ان يترك الجد في وهمه حول البخور السحري
تنهد فراس ليقول...
-ياتوفيق ضع سندس تاجًا على رأسك
البنت ذاقت الألم في عمر صغير
لا تكن ندمًا في حياة احدهم..
لا تجعلها تندم انها اختارتك في نكبتها
شرد توفيق في كلمات الجد..ولسان حالة يقول
"بعد كل هذا الصبر ياجدي أكون ندمًا بحياة سندس !
ايُضيع المرء حُلمه بعدما امسكه بين يداه "
وصله صوت فراس وهو يقول بإقرار...
-اعلم انك تحب سندس..لازلت اتذكر ذاك اليوم الذي اتيتني به..كنت في عامك الأول في الجامعة
وكنت في إجازة منتصف العام
جئتني وملامحك مبتهجة تخبرني أن ازوجك إبنة عمتك حكيمة..اتذكر
غامت عيون توفيق وهو يتذكر ذالك اليوم
حينما ذهب لحكيمة ليعطيها حصتها السنوية من القماش..ليرى سندس هناك..فتاو ناعمة صغيرة بجدائل طويلة تجلس في زاوية الحديقة
تسقي الورود والبسمة تعلو وجهها المليح
صورتها لم تُمحى مع تلك السنوات
بل ظلت راسخة رغم علمه أن تلك الفتاة كبرت وخُطبت لآخر..ثم عُقد قرانها..وبالأخير تزوجت
ولكن الأقدار أعادتها اليه من جديد..
اختنق بغصة الحنين وهو ينظر لجده...
-لم اكن اتخيل أن اتزوجها بعد كل تلك السنوات ياجدي
ربت فراس على كتفه بحبور..
-بل صدق ياعريس..اليوم زفافكم
ولكن عليك بالصبر وسيعطيك القدر أجمل مما كنت تتخيل..لذة العطاء بعد الصبر لا تعوض بثمن
ولا تنسى البخور له دور فعال في الزيجة
انقشع التأثر من وجه توفيق وهز رأسه بلا فائدة
بينما تابع الجد الحديث الى العمال ليبدأو بوضع مقاعد الضيوف مرتصة بجوانب الخيمة
رفع توفيق رأسه الى شرفة شقة سندس
ولازال جزءًا داخله لا يصدق أن تلك الفتاة ستكون إمرأته بعد ساعات قليلة...ايعقل !
***
عُقد القران بعد صلاة العصر
حضر عادل مباركًا الزواج ووضع يده بيد توفيق وتمنى بصدق أن يصون ابنته..ليعده توفيق انه سيتقي الله بها وستكون في امانته
بعثوا دفتر الزواج لسندس لتقول حكيمة دامعة...
-ضعي اسمك هنا يقلب امك..هيا ياعزيزتي
دمعت سندس وارتجفت يدها وهي تكتب اسمها
وتضع اصبعها في الصمغ الأزرق كختم على ورقة الزواج..وصارت زوجة توفيق آل فارس وقُضي الأمر
تنفست بإرتجاف وهي تتلقى مباركات نساء العائلة
وتجبر نفسها على التماسك والمُضي قدمًا في حياتها
انتهت المزينة من تجهيز سندس..التي كانت في ابهى صورها رغم عبوسها..استطاعت تحديد ملامحها بإحترافية لتقول بنصر وهي تضع احمر الشفاة اخيرًا...
-ها نحن ذا..انتهينا من الزينة،تبدين كالقمر في ليلة إكتماله..مارأيك ياعروس !
نظرت سندس لنفسها في المرآة وهي تشعر وكأنها وجهها سيأخذها ويسقط..وكأنها لا تطيق تلك الأصباغ على وجهها لتقول بفتور...
-رائع شكرًا لكِ
اقتربت هالة منها وتحدثت باسمة...
-ماكل هذا الجمال ياسندس..ماشاء الله تبدين فاتنة
ياسعدك ياتوفيق..محظوظ بكِ ياحبيبتي
لوت شفتيها ساخرة لتهمس..
-لستُ واثقة من هذا الأمر
وكزتها هالة بلوم لتقول وهي تضع البرقع على وجهها
-ضعي هذا لنهبط لخيمة النساء..خالتي منشغلة في توزيع الشربات..تعالى لنذهب لهم الساعة تجاوزت السابعة هيا
همهمت سندس وهي تقف ولكن تصنمت وهي تسمع نوران تقول ببهجة عجولة...
-يافتيات غطوا وجوهكن العريس يود رؤية عروسة قبل نزولها للخيمة
تعالت دقات قلبها زاغت عيناها برفض
توفيق يجعلها خائفة بشكلٍ غريزي..ضئلها أمامه يشعرها بأنه سيسحقها بيده في اي لحظة
وتُرجم شعورها عندما دلف توفيق في الزي التقليدي للزواج..يرتدي القفطان الأبيض الذي حدد عرض كتفيه وطوله..ولم يضع غطرة بل سرح خصلاته السوداء بطريقة انيقة لائمت اناقته
رأت يداه السمراء الكبيره ترفع البرقع عن وجهها
وتسمرت عيناه على وجهها وكأنه تحول لصنم
ورغم ان الزغاريد تعالت حولهم بمبالغة إلا أنها كانت تسمع ضربات قلبها المرتبكة..وهو يحدق بها بعيون متسعة
انزلت عيناها ارضًا تتهرب من النظر له لتخفف من حدة الموقف..لتسمعه يقول بصوتٍ أجش مُعذب لا يسمعه سواهم...
-لذة العطاء بعد الصبر لا تعوض بثمن ياسُندس
لم تفهم كلماته لتقول بتوتر...
-ماذا !
لم يُجب بل اقترب واحتوى وجهها بين كفيه ليطبع شفتيه على جبهتها مطولاً ليُغمغم..
-مبارك لنا ياسندس
زاد ارتجافها وابتعدت عنه سريعًا وماهي إلا ثوان وخرج توفيق من الغرفة..لتنهار على الكرسي وهي تحاول تهدئة اعصابها المُتعبة
مالت عليها هالة هامسة بعبث...
-ياحظكِ ياسندس تزوجتي رجلاً كالحائط
طول بعرض الله اكبر..كما انه يبدو لطيفًا
ولكن لا تغضبيه..لو فكر أن يصفعك ستكونين من السابقون ياعزيزتي
اقتربت منهم صديقتهم الثالثة شمس وتحدث سريعًا....
-ماهذة الضخامة ياسندس ماشاء الله تبدين كإبنته وانتِ واقفة أمامه..كم سن زوجك !
وكزتها هالة لتقول ضاحكة...
- تقريبًا واحد وثلاثون عامًا..ولكن والله انا اعطي سندس خمسة عشر عامًا وهي تقف أمامه..اخشى عليها أن يعانقها فتنكسر بين يداه
شاركتها شمس الضحك
نظرت لها سندس بضيق لتغمغم..
-اصمتي ياهالة أنا بالأساس منفعلة وخائفة منه لا تُزيدي خوفي
-نحن نمزح فقط ياسندوسة
اتكلم جديًا يبدو عليه التعقل والهدوء
كما أنني اشك ان هذا الرجل يُحبك
كان ينظر لكِ وكأنكِ كِنز ثمين عثر عليه للتو
وقفت سندس ووضعت البرقع على رأسها لتقول بخشونة...
-كفاكِ حديث ساذج ياشمس
هيا لنهبط ونُنهي الأمر
"سقطت الوردة وتناثرت اوراقها في الرياح
جفت بتلاتها وماعادت ترغب بالحياة
فمن يعيد للزهرة ورقاتها..وستكافأه بعطرها..وإن كان عطرها جافي