رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الرابع 4 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الرابع 

_"اثبت يا حيلتها علشان أعرف اتأسفلك كويس"
تفوه بها "عمار" و هو يمسك بتلابيب ذلك البغيض الذي تجرأ و نظر لزوجته بل و أصر على مضايقتها و اتهامها بما لم تقوم هي بفعله، ثم لكمه برأسه في وجهه حتى ترنح للخلف و سقط أرضًا و "عمار" فوقه يضربه و الأخر يحاول الفرار من قبضته.

وقفت "خلود" تتابع ما يحدث شامتةً في ذلك البغيض و ذلك لتمكن "عمار" منه و تكميمه لفمه،  لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر و قام الرجل بافلات أحد كفيه و قام بسحب الهاتف و ضرب "عمار" بمؤخرة الهاتف في وجهه عدة مراتٍ متتالية بِـ غِلٍ دفينٍ _تحديدًا تجاه عينيه اليُسرى _ حينها فقط شهقت "خلود" بخوفٍ بالغٍ و ركضت نحو "عمار" الذي تأوه بعنفٍ بعدما وضع كف يده على وجهه، و قبل أن بتحرك الرجل ساحبًا نفسه للخلف، صرخت "خلود" تطلب المعاونة في ذلك المكان _شبه فارغًا _ و قبل أن يجتمع الناس على أثر صوتها لاحظت محاولة هروب ذلك البغيض لذا و بدون تردد امسكت علبة طعام من خلفها ثم قذفته بها و قد أصابت هدفها خاصةً أن "عمار" تشوشت رؤيته و ظل مُمسكًا لـ عينه يحاول التحكم في الألم الذي يتسرب إلى رأسه.

اجتمع البقية على صوت تأوه الرجل بعدما أصابته العُلبة البلاستيكية المزودة بقاعدة من الصفيح في رأسه و كأنها أصابته في مقتل، حتى جلس على الأرض الرخامية يصرخ من شدة الألم بينما هي لم تتمكن من فعل أي شيءٍ أخر سوى الاطمئنان على "عمار" بقلبٍ مُلتاعٍ عليه و هو يشبه المُغيب عن الواقع، و قد اجتمع الناس مع بعضهم ينظرون لذلك الموقف بتعجبٍ حتى وصل المدير المسئول عن المكان يقول بنبرةٍ جامدة تكسوه الغلظة:

"إيه اللي بيحصل هنا بالظبط ؟! فيه إيه أنتَ وهو ؟! أمور البلطجة دي مش هنا"

رفعت "خلود" حاجبيها و هي تجلس بجوار "عمار" على ركبتيها تحاول الاطمئنان عليه بينما هو جاهد لفتح عينه لكن الألم قد بلغ أشده و لم يعد مُحتملًا.
_________________________

_في شقة "ياسر"

استكانت "إيمان" على الفراش بعدما انخفضت حرارتها بشكلٍ ملحوظ بعدما أعطاها "ياسر" الإبرة الطبية و قام بعمل الكمادات الطبية لها، كانت "زينة" تلازمها و تجلس بجوارها تتابع "ياسر" و هو يقدم الرعاية لزوجته و كذلك "زين" الذي عاونه و قام بتبديل المياه و تزويدها بقطع الثلج، بينما "ياسر" صدح صوت هاتفه برقم "خالد" فانسحب من الغرفة و تركها برفقة ابنائه.

استفاقت "إيمان" بوهنٍ و الحُمرة تغزو وجهها الساخن و عينيها الزائغتين في الغرفة، فانتبه لها "زين" و سألها بلهفةٍ:

"مـامـا !! أنتِ فوقتي !! طب حاسة بإيه طيب ؟!"

نظرت له و هي تجبر شفتيها على التبسم، بينما "زينة" نظرت لها بدهشةٍ تغلفها الحيرة و عينيها دامعتين، لا تصدق أن والدتها يظهر عليها التعب بتلك الطريقة، فهي اعتادتها قوية و صلبة دومًا، و نظرًا لصغر عمرها ظنت حدوث الأسوأ فهل ممكن أن تفقد والدتها !! لذا و بدون تفكير ركضت نحوها فورًا ترتمي عليها و هي تقول بنبرةٍ باكية:

"قومي علشان خاطري، مش هزعلك والله تاني، بس قومي مش بحب أشوفك تعبانة، قومي علشان خاطري"

رفعت "إيمان" ذراعيها تطوق ابنتها بتعجبٍ لم يَدُم طويلًا حيث ابتسمت بفطرة الأمومة لديها ثم قبلت رأسها و هي تقوم بابعاد خصلاتها عن وجهها، ثم قالت بنبرةٍ خافتة:

"أنا كويسة اهوه متخافيش، دول شوية برد بس و هيروحوا لحالهم، أنا يا ستي بتدلع عليكم"

شددت "زينة" عناقها لوالدتها و هي تردد بصوتٍ خافت وصل لمسامع "إيمان":
"بعد الشر عنك يا رب، أنا بحبك اوي اوي و مش عاوزاكي تزعلي مني"

انتفض قلب "إيمان" من محله بمشاعر غريبة عليها من ابنتها التي تُكن لها بمشاعرها التي قلما اعترفت بها، بينما "زين" اقترب منها يربت على كفها مبتسمًا فسألته هي بنبرةٍ متحشرجة:

"بابا فين يا زين ؟! هو مجاش؟"

رد عليها مسرعًا:
"لأ جه و هو اللي لحقك بس جاله تليفون تقريبًا خالو خالد هو اللي بيكلمه"

حركت رأسها بتفهمٍ ثم فتحت له ذراعها الأخر حتى اقترب منها فيما احتضنتهما هي ثم قالت بآسفٍ لهما:

"معلش بقى خضيتكم عليا، بس أنا كويسة الحمد لله متخافوش"

رد عليها "زين" مُسرعًا:
"إحنا كويسين متخافيش، المهم أنتِ كويسة ؟! بقيتي أحسن ؟!"

حركت رأسها موافقةً فسألتها "زينة" بنبرةٍ باكية:
"طب فيه حاجة بتوجعك طيب؟!"

ردت عليها "إيمان" بمرحٍ قليل:
"حاسة إن دماغي كبرت، أو الوجع فيها مش محسسني بحاجة، بس طالما مفقدتش الذاكرة و نسيتكم و نسيت ياسوري يبقى كله تمام"

اقتربت منها "زينة" تقبل قمة رأسها ثم ربتت عليها و كأنها بفعلتها الصغيرة تلك تؤازرها، و للحق تلك الفعلة البسيطة كان لها دورًا كبيرًا في راحة "إيمان".

في الخارج كان "ياسر" يتحدث مع "خالد" و أخبره بما حدث لشقيقته حتى لا يُعاتبه بأمر تخبئته عليه، فسأله "خالد" عنها بلهفةٍ:

"طب هي كويسة طيب ؟! اتحسنت و لا نروح مستشفى ؟!"

رد عليه مُسرعًا:
"لأ لأ متتعبش نفسك، أنا اديتها حُقنة و عملتلها كمادات و هتبقى تمام متخافش، هخليها تكلمك لما تفوق"

أغلق معه الهاتف بعدما طمأنه على شقيقته ثم عاد أدراجه للداخل ليرى وضعهم بتلك الطريقة فابتسم رغمًا عنها و تحدث بعتابٍ زائفٍ:
"والله ؟! طب حيث كدا أروح عند أمي بقى، خلاص مليش مكان ؟!"

ابتسمت له "إيمان" و هي تُحرك رأسها نحوه، فاقترب منهم يجلس على طرف الفراش مقابلًا لها ثم مد يده يتحسس حرارتها _التي انخفضت بشكلٍ ملحوظ _ فابتسم هو برضا ثم سألها بنبرةٍ أظهرت جَمّ اهتمامه:
"كويسة دلوقتي ؟! حاسة بإيه؟"

حركت رأسها بإيماءةٍ خفيفة و هي تقول بصوتٍ خافت:
"تمام.....بس جسمي واجعني شوية"

تنهد بعمقٍ ثم قال بثباتٍ:
"دا طبيعي علشان حرارتك عليت فجأة و البرد متراكم في جسمك، هتاكلي دلوقتي و تاخدي العلاج و كله هيبقى تمام....تمام ؟!"

سألها بمرحٍ فحركت رأسها موافقةً فقال هو يأمر أولاده:
"يلا روحوا اغسلوا وشكم علشان نحضر الغدا لماما و تاخد العلاج، تعالوا معايا علشان ترتاح شوية"

ردت عليه "زينة" بلهفةٍ:
"لأ خليني معاها، روح و خد زين معاك، أنا هفضل جنبها"

ابتسم هو لها ثم حرك رأسه بتفهمٍ لموقفها بينما "زين" تحرك مع والده نحو الخارج، و زرقاوتيه تتابعا والدته و شقيقته التي تمسكت بوالدتها أكثر و اندست بين ذراعيها و عينيها الزرقاوتين تتابع قسمات وجهها عن كثبٍ تُشبع نظراتها من تلك الملامح خشيةً من فقدانها.
_________________________

في شقة "خالد" أغلق هاتفه مع صديقه ثم خرج من الشرفة يجلس بجوار زوجته التي كانت تقوم بتقطيع الخضروات لعمل أطباق السَلطة، لاحظت هي تغير ملامحه فسألته و عينيها ثابتتين على شاشة التلفاز:

"مالك !! استر يا رب"

نظر لها بسخريةٍ و هو يقول:
"مالك شوفتي عفريت ؟! إيمان تعبانة و بفكر أروح اشوفها دلوقتي و لا أخليها كمان شوية؟!"

تركت ما بيدها و التفتت له تقول بغيظٍ:
"هو أنتَ ناوي تشلني !! أختك تعبانة مستني إيه ؟! روح شوفها و اتطمن عليها، بطل قساوة قلب"

رد عليها بنفس الغيظ منفعلًا بعدما رفع صوته:
"بالراحة يا ست، أنتِ متجوزة أبو لهب !! بقولك بفكر اروح دلوقتي ولا استنى شوية !!"

تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:
"روح دلوقتي و شوفها و خد ابنك معاك و ادخلوا عليها كدا، يلا أنتَ هتتفرج عليا !!"

لاحظ هو تغير تبرتها لذا سألها و هو يتفحص ملامح وجهها:
"أنتِ زعلانة من حاجة ؟! شكلك متضايق"

زفرت بيأسٍ ثم قالت بحزنٍ بائن في صوتها:
"مخنوقة شوية متشغيلش بالك"

عقد ما بين حاجبيه ثم أمسك يدها بتلقائيةٍ و هو يسألها:
"مخنوقة ؟! أوعي يكون مني هديكِ قلم يظبطك !!"

ابتسمت له ثم حركت رأسها نفيًا و قالت بصوتٍ مُهتز الوتيرة:
"لأ مش منك، بس أنا فكرت يعني لو مكان إيمان أكيد هفرح لما أخويا يدخل عليا و يهتم بيا، أنا هنا مليش حد بس غيركم، و محدش مهتم بيا، علشان كدا بقولك لو روحت لأختك هي هتفرح أوي"

ابتسم هو لها بتفهمٍ و إدراك لحجم مشاعرها المكلومة و التي تتألم من عائلتها حتى تلك اللحظة، لذلك و بدون تفكير، قربها منه حتى اسندت رأسها على صدره و قال هو بصوتٍ رخيم هادئ:

"و أنا هنا علشانك قبل أي حد"

هتف تلك الكلمات بصدقٍ تام نبع من داخله و وصلها على الفور، ثم أضاف هو مُجددًا:
"مش يمكن دا حظي أنهم مش بييجوا و لا بيسألوا !! علشان تكوني هنا ليا لوحدي و هما ميشاركونيش فيكِ ؟!"

ابتعدت عنه توكزه في كتفه و هي تقول بغيظٍ مكتوم تواري خلفه فرحتها:
"اتلم....بطل قلة أدب"

رفع حاجبيه مستنكرًا ثم تشدق بنذقٍ:
"تصدقي أنا محدش رباني....قومي حضري الأكل خليني أروح أشوف أختي و اتطمن عليها"

قال جملته يعاندها و يثير غيظها لكنها فاجئته برد فعلها و هي تقول:
"ربنا يخليك ليها و يخليكم ليا، إن شاء الله تبقى كويسة"

أمسكت الطبق من أمامه ثم دلفت للداخل بينما هو زفر بقوةٍ و رفع كفيه يمسح وجهه بعنفٍ.

في الداخل كان "يونس" في غرفته كعادته يشعر بالملل من كل حوله، يبدو و كأنه غريبًا وسط الجميع، إجازة يُكللها الملل و الفتور و ها هو يجلس في غرفته يتصفح هاتفه الممل هو الأخر من وجهة نظره.

دلفت "يُسر" الغرفة له و هي تقول بحماسٍ:
"لو صاحي ينفع أقعد معاك شوية ؟! و لا هتزهق عليا !!"

أخفض قدماه من على الفراش و هو يبتسم لها ثم قال بقلة حيلة:
"تعالي أنا قاعد لوحدي و زهقت"

ركضت نحوه بكتاب كبير مُلون بعدة ألوانٍ كثيرة و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"احكيلي حدوتة يا يونس، مش فاهمة حاجة من هنا و الصور كلها شبه بعض"

حرك رأسه موافقًا ثم تنحى جانبًا حتى تجلس بجواره على الفراش فيما جلس بجوارها هو الأخر و أمسك الكتاب و يختار منه قصة قصيرة يقصها عليها، كانت عينيها تتابعه و هو يتقلب صفحات ذلك الكتاب حتى زفر بضجرٍ ثم قال بضيقٍ:

"مش لاقي يا يُسر، الحواديت هنا كلها بناتي اوي و أنا مش فاهم منهم حاجة"

حركت كتفيها بقلة حيلة بينما هو جال بخاطره فكرةٌ أخرىٰ لذا قال بحماس:
"أنا هقولك حدوتة حلوة من عندي إيه رأيك ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم ضمت كفيها معًا أسفل وجنتها و هي تنظر له، بينما هو تنحنح يُجلي حنجرته ثم بدأ قوله بالكلمات التالية يسرد لها الحكاية القديمة:

"مرة زمان واحد كان رايح عيد ميلاد و راح يختار هدية على قد الفلوس اللي معاه، أول حاجة شافها خدها و حطها في شنطة و مشي، من غير ما يعرف هي إيه لازمتها حتى ماخدش باله انها فيها عيب و إن مفتاحها من الجنب، المهم راح العيد ميلاد و سلم الهدية و عمل اللي عليه، البنت بقى اللي خدت الهدية دي مكانتش تعرف من جابها، و لا عرفت الهدية دي لازمتها إيه علشان شكلها مكانش مفهوم، كانت زي البلورة و مقفول عليها و محدش عارف إيه جواها و مفتاحها مش باين"

سكت عن الحديث حينما وجد نظراتها موجهة بكامل تركيزها فأضاف مُتابعًا:
"المهم محدش اهتم بالهدية دي، و سابوها مقفولة لحد ما عدى شوية وقت حلوين و البنت قررت ترمي كل حاجة ملهاش لازمة، و من ضمنهم الهدية دي"

شهقت "يُسر" بفزعٍ من هول الأمر بالنسبةِ لها، فيما أضاف شقيقها متابعًا سرد البقية:

"المهم يا ستي رمت الهدية زي ما هي بشنطتها كدا، و في نفس الوقت حد من عيال الجيران شافها و أخدها عنده"

قاطعت حديثه تسأله بلهفةٍ:
"طب و هو كدا مش حرامي !!"

رد عليها مفسرًا:
"هي حطاها في صندوق العمارة يعني هترميها، هو خدها علشان عارف ان صاحبها مش عاوزها"

حركت رأسها بتفهمٍ تنتظر منه تكملة البقية حتى أضاف هو من جديد متابعًا السرد:
"المهم يا ستي خدها و كان فاكرها حاجة حلوة بس لما لقاها مقفولة و مش ظاهر منها حاجة زهق منها و سابها، و جت مامته و رميتها هي كمان"

زفرت بيأسٍ ثم قالت بضجرٍ:
"طب و ليه التعب دا !! ما حد يقولي هي فين و نروح نجيبها و خلاص يا يونس"

ابتسم هو بقلة حيلة ثم قال:
"اترمت تاني في نفس المكان و المرة دي اللي خدها راجل غلبان اوي لبنته الصغيرة تلعب بيها و قال أي حاجة تفرحها، و علشان كدا خدها علطول و جري بيها يفرح بنته"

ظهر الحماس في نظراتها و ملامحها و هي تتأهب لاستماع البقية حتى تابع هو من جديد بثباتٍ:
"خدها الراجل و راح يا ستي لبنته الصغيرة و اللي بالمناسبة كانت قدك كدا و حلوة زيك، المهم راح و بنته فرحت بيها أوي و علشان هو طيب و مش معاه فلوس كتير يجيب ليها حاجات كانت أول مرة يجيب ليها لعبة زي البنات التانية، و هي من فرحتها جريت بيها على مامتها بس للأسف، وقعت بيها قبل ما توصل لمامتها"

شهقت هي للمرة الثانية و ظهر الحزن على وجهها تأثرًا بما سمعته و هي تشعر بشعور الفتاة و كيف لاحقتها خيبة الأمل، و قبل أن يتمكن منها حزنها قال "يونس" مُسرعًا:

"لما البنت وقعت باللعبة المفتاح بتاعها اتحرك و ظهر اللي جواها و اللي محدش كان متوقعه خالص ساعتها، حاجة محدش يصدقها"

عاد الحماس لـ "يُسر" من جديد و لمعت عينيها ببريق الأمل و كأن الحكاية تخصها هي، فتابع "يونس" بقوله:
"المفاجأة إن البلورة دي كان جواها عروسة أول ما تدوسي على المفتاح تظهر و ترقص و ليها جناحات زي الفراشة، و معاها موسيقى حلوة أوي كمان، محدش توقع حاجة زي دي"

ابتسمت "يُسر" بفرحةٍ كبرى و سألته بحماسٍ:
"طب هو محدش حاول معاها خالص يعني ؟! حرام كدا"

حرك رأسه نفيًا ثم قال مُفسرًا:
"هما محاولوش معاها علشان هي مش لازماهم، و في نفس الوقت فيه بديل غيرها، لكن الراجل معندوش بديل تاني"

_"طب و هو عمل إيه بعد كدا !!"
كان هذا سؤالها الذي خرج باهتمامٍ شديد، فأجابها بقوله:

"الراجل دا عرف أنها فيها مشكلة في مكان المفتاح علشان كدا حاول يصلحه و علم بنته ازاي تتعامل معاها من غير ما تكسرها علشان تفضل معاها علطول فرحانة بيها....فهمتي حاجة !!"

سألها بنبرةٍ ذات مغزى لعله يفهم ما أدركته هي حتى فاجئته بقولها:
"آه..  لما حد يجيلي هدية أشوفها الأول علشان لو معجبتنيش أديهاله"

ضحك "يونس" رغمًا عنه ثم وضع يده على خصلاتها و غرة رأسها الموضوعة على جبينها و هو يقول بنبرةٍ هادئة حنونة:

"هقولك أنا فهمتي إيه، إن ساعات الظروف بتبقى مش زينا، و اننا لما بنكون وسط حاجات مش شبهنا بنتخنق، و إن الحلو اللي جوانا مش كل الناس بتشوفه و احنا ساعات مبنعرفش إننا حلوين كدا، علشان محدش ساعدنا نعرف نفسنا زي الناس اللي الهدية كانت معاهم و معرفوش إيه اللي فيها، و ساعات الظروف ممكن تضايقنا و الحياة تزعلنا شوية بس و نتكسر بس ساعتها الحلو اللي فينا يظهر بجد، زي الهدية لما اتكسرت عرفت إنها حلوة و أنها مميزة، حاجة كمان، الحلو اللي فينا مش كل الناس هتحاول تشوفه، فيه ناس هتزهق و تمشي و فيه ناس تانية هتمسك فينا علشان معندهاش غيرنا، زي الراجل اللي علم بنته ازاي تتعامل مع العيب دا، حاجة كمان مش عيب أننا عندنا عيوب، العيب اننا ننكرها و منحاولش نغيرها"

حركت رأسها موافقةً بقدر توصلها للحكمة التي حصلت عليها من القصة فسألته بإعجابٍ جليِّ في نبرتها:
"طب و هو أنتَ عرفت القصة دي منين، حلوة أوي"

رد عليها بنبرةٍ هادئة:
"عمو ياسين هو اللي قالهالي، لما كنا في المصيف سوا الصيف اللي فات، و عجبتني و خليته بعتهالي علشان اقرأها تاني"

سألته بلهفةٍ:
"طب ينفع لو حكالك حاجة تاني تقولي ؟! بس تكون حلوة زي دي"

حرك رأسه موافقًا فاقتربت منه هي تقبل وجنته ثم احتضنته تربت على ظهره، بينما هو ابتسم بقلة حيلة و هو يرى تعلقها به و كذلك هو فهي الوحيدة التي ظلت معه في صغره و استمرت معه و هي الوحيدة التي يحق لنفسه بقول أنه أبيها الأخر.

كان "خالد" واقفًا على أعتاب الغرفة يتابع حديث أبنائه مع بعضهما و لم ينكر إعجابه و فرحته بهما سويًا و بتلك القصة التي قام ابنه بسردها، فها هي النسخة المصغرة من "ياسين" بحكمته و رجاحة عقله تتجسد في "يونس".

اقتربت منه "ريهام" تمسكه من الخلف و هي تقول بهمسٍ حانق:
"بتتسنط على عيالك !! اخس"

كمم فمها ثم ابتعد بها عن الغرفة و هو يقول بتهكمٍ:
"هو أنا عديم الرباية في وجهة نظرك ليه ؟! أنا كنت داخل علشان أخد يونس و نروح لايمان لقيته مع يسر عجبني كلامهم سوا قولت مقطعش عليهم اللحظة"

حركت رأسها بتفهمٍ ثم قالت باقتضابٍ:
"طب يلا علشان تاكل و تروح لأختك قبل ما تنام"

قبل أن تلتفت و تتركه امسكها من رسغها و هو يقول بخبثٍ:
"ما تيجي أحكيلك حدوتة زي الواد يونس !!"

ردت عليه بضجرٍ:
"هو أنتَ معندكش وسط !! يا إتم و كِشري، يا فضيحة علطول !!"

لوى فمه بتهكمٍ و هو يقول:
"اعتبريني كنت باخد عليكِ"

نظرت له بتعجبٍ فسألها هو باهتمامٍ بعدما خلع وشاح المزاح:
"المهم أنتِ لسه زعلانة !!"

حركت رأسها نفيًا ثم قالت:
"لأ والله الحمد لله، أول ما بزعل بفتكر انكم معايا و كل حاجة بترجع أحسن من الأول"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بنفس الثبات:
"و عاوزك تعرفي كدا دايمًا أني هنا علشانك و معاكِ قبل أي حد"

حركت رأسها موافقةً ثم ابتسمت له و أخبرته أن يلحقها مع أبنائه حتى يتناولون الطعام جميعهم.
_________________________

بداخل غرفة المسئول في السوق التجاري احتدت الاوضاع و كلٍ منهم يُلقي التهمة على الأخر، مع صمت "خلود" التام و هي ترى تورم عينه اليُسرى بشكلٍ واضح للعيان كما أنه يجلس و يضع عليها كيسًا بلاستيكيًا بداخله مكعبات الثلج حتى تساعد في خفض التورم...

نطق المدير بنبرةٍ جامدة:
"و بعدين يا فندم !! حضرتك مصمم أنه يمشي و هو عاوز يعمل محضر للمدام علشان ضربته"

قبل أن ينطق "عمار" التفتت "خلود" نحو الرجل بنبرةٍ جامدة:
"نعم !! هو اللي عاوز يعمل محضر كمان ؟! إيه البجاحة دي ؟! بقولك حاول يقرب مني أكتر من مرة و تعدى على جوزي بالضرب و بجح فينا، و كمان عاوز يعمل محضر !!"

أمسك "عمار" يدها يضغط عليها ثم نظر للرجل و هو يقول بنفس الحِدة و الجمود:

"بص يا فندم علشان أنا ساكت من الصبح و محترم نفسي، و مش عاوز أقل أدبي تاني، مراتي خط أحمر لو حد فكر بس يبصلها أنا هاخد روحه، و وش الأستاذ و اللي فيه دا أقل واجب عندي، إنما فكرة أنه يعمل محضر دي هو حر، بس فيه كاميرات في المكان و أظن كل حاجة متسجلة و ظاهر أنه بيضايقها و أنا متأكد من كدا، دا غير أنه قل أدبه و غلط فيها و شتمها قصادي و دي أنا مش ساكت عنها، بس أنا باخد كل حاجة بدورها صح، يبقى نلم نفسنا و نسمع الكلمتين اللي هقولهم، بدل ما أقفل المكان دا و أقلبها على دماغ الكل....ها نلم نفسنا و نسمع الكلمتين ؟!"

كانت نبرة "عمار" جامدة تحمل في ثناياها التهديد والوعيد، بينما "خلود" فهي لم تقوم سوى بلوم نفسها على ما حدث منذ بدايته حتى تحوله بتلك الطريقة التي تعهدها منه لمرتها الأولىٰ.

وزع "المسئول" نظراته بينهما ثم سأل "عمار" بطريقةٍ لبقة و منمقة:
"اؤمر يا فندم حضرتك عاوز إيه"

ابتسم "عمار" بظفرٍ ثم أعاد ظهره للخلف و هو يقول بثباتٍ:
"الأستاذ اللي هو حضرتك يعني و هو كمان معاك يعتذر لمراتي عن غلطه في حقها و دا رقم واحد عندي"

نظر الرجل للعامل بغيظٍ ثم نظر لـ "عمار" مرةً أخرى فتابع الأخير بنفس الثبات:
"تاني حاجة يمشي من هنا و مشوفش وشه بدل ما أعمل شوشرة تتسبب في قفل المكان و تخرب سمعته، أظن أنتَ ابن سوق و فاهم السُمعة تأثيرها إيه"

ابتلع الرجل ريقه بصعوبةٍ بالغة فتابع "عمار" متشدقًا بنذقٍ:
"لحد دلوقتي دا اللي عندي، غير كدا مش هينفع يتقال"

قام الرجل بتقديم الاعتذار و كذلك الشاب البغيض بأسلوب يخلو من الذوق و الأدب، حتى رفعت هي أحد حاجبيها لكنها آثرت الصمت تقديرًا لزوجها، الذي وقف أمام الشاب الذي يقاربه في العمر غالبًا، ثم قال بنبرةٍ جامدة:

"أنتَ لما ضايقتها هي بعدت عنك مرة و اتنين بالأدب و أنتَ صممت تقل أدبك، و غلطت فيها، و غلطك كان بالجامد و ضربك ليا على عيني دي كوم لوحده بس المهم عندي مراتي"

تابعه الشاب بملامح وجه جامدة فسأله "عمار" بجمود في نبرة صوته:
"اتاسف ليها عدل و لم نفسك في كلامك علشان أنا ماسك نفسي عنك بالعافية"

رد عليه بغلظةٍ:
"يا باشا هو مش أنا اتهببت !! و المدير قالك هيغورني من هنا !! واجع دماغنا ليه ؟!"

عند هذا الحد و يكفي، فلم يعد "عمار" قادرًا على التماسك أكثر من ذلك حيث أمسك تلابيبه و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"هو أنتَ بروح أمك مش لامم نفسك ليه ؟! أنتَ عاوز تفضل هنا بعد كل حاجة ؟! واحد مش مراعي لقمة عيشه يبقى يستاهل إنه يتحرم منها علشان يتعلم الأدب"

تركه "عمار" على مضضٍ فحاول الرجل تهدئته بقوله:
"يا فندم بالراحة و كل حاجة هتتحل، هو غلطان و إحنا بنتأسف لحضرتك و أظن المدام مش معترضة على طريقته"

رفع "عمار" حاجبه الأيسر مستنكرًا قول الرجل و نظر للشاب مرةً أخرى فوجده يسلط أنظاره نحو "خلود" حينها اقترب "عمار" منه و على حين غرة دفعه بعلبة الأقلام في وجهه خاصة عند عينه و قد باغته بتلك الحركة حتى تألم الشاب و هو يضع كفيه على وجهه و يصرخ متألمًا، بينما "عمار" اقترب منه يهمس بفحيحٍ في أذنه:

" لو أنتَ مريض و مش عارف تلم نفسك و تتحكم فيها، أحب أقولك الضرب على العين شِفا، علشان عينك تثبت مكانها و متبصش تاني لبنات الناس، و علشان تبطل بجاحة يا حيلتها بعد كدا"

التفت للمدير الذي انتفض واقفًا بهلعٍ:
"تمشيه...متمشيهوش دي مش قضيتي، بس لو أنتَ تقبل كدا على ستات بيتك فأنا راجل دمي حر و مقبلش بكدا، أصل الرجولة درجات، و واضح ما شاء الله هنا الدرجات تحت الصفر، بس لو المكان دا اتقفل في مرة متجيش تزعل في الاخر، انما الاستاذ الايام هتربيه كويس و هييجي يوم عينه تروح خالص علشان متترفعش في بنات الناس بعد كدا"

قال حديثه ثم التفت يمسك يدها و رحل دون كلمةً واحدة من ذلك المكان تارك الأخران خلفه ينظران لبعضهما بخزيٌ بعدما ألقنهما "عمار" دروس الرجولة.

خرج "عمار" و هو يسحبها خلفه تمرر أنظارها عليه لا تدري ما القادم معه، لذا آثرت الصمت تجنبًا لبطشه و غضبه حتى وصل للخارج و ركب الدراجة النارية فيما وقفت هي تتابعه بذهولٍ و كأنها لا تعرف ما يجب عليها فعله حتى أمرها بنبرةٍ جامدة:

"ما تركبي يا خلود أنتِ عاوزة عزومة ؟! يلا !!"

انتفض جسدها على الفور من صوته الجامد القاسي _من وجهة نظرها _ ثم ركبت خلفه بتوترٍ ثم وضعت ذراعيها على كتفيه و كأنها تخشى لمسه، فيما رحل هو على الفور بالدراجة و كانت العودة تتنافىٰ تمامًا مع الذهاب.
_________________________

أسفل بناية "ياسر" وقف "خالد" و معه "يونس" فنطق الأخير مُسرعًا بلهفةٍ:
"بابا معلش هروح أجيب حاجة و جاي بسرعة اسبقني أنتَ"

سأله "خالد" بتعجبٍ:
"حاجة إيه دي ؟! لما ننزل هات اللي أنتَ عاوزه و خلاص"

رد عليه بلهفةٍ:
"حاجة زين قالي عليها، علشان ميزعلش بس ماشي !!"

_طيب
قالها "خالد" بإيجاز ثم دلف البناية بينما "يونس" أخرج النقود من جيبه ثم قام بعدها حتى ابتسم برضا ثم ذهب نحو الوجهة التي أرادها.

صعد "خالد" شقة شقيقته ففتح له "زين" مُرحبًا به و هو يقول بلهفةٍ:
"خالو !! نورت البيت"

اقترب منه "خالد" يقبله ثم عبث بخصلاته الذهبية و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"البيت منور بيك يا حبيب خالو، ماما فين و بابا ؟!"

أشار له نحو الغرفة فدلف "خالد" ثم وقف على أعتاب الغرفة مراعيًا حُرمة المنزل حتى و إن كان بيت شقيقته، فقال "زين" ببراءته:

"اتفضل يا خالو، زينة معاهم جوة"

ابتسم "خالد" بسخريةٍ و هو يقول:
"ماهي المصيبة السودا إن زينة معاهم جوة، زمانها كلت أختي"

ابتسم "زين" و فتح الباب و لحقه "خالد" يحمحم بخشونةٍ فوجد "ياسر" يجلس بجوار الفراش على المقعد و "زينة" بين ذراعي والدتها و الأخرى تربت على خصلاتها.

عقد "خالد" ما بين حاجبيه و هو يقول بسخريةٍ:
"هي هتودع ولا إيه ؟! زينة حاضنة إيمان ؟! استر يا رب"

اقترب منه "ياسر" و هو يقول بقلة حيلة:
"أنا زيي زيك....هما كدا من الصبح، اقعد بس تعالى"

جلس حيث أشار له "ياسر" بينما "إيمان" ابتسمت له بمجرد ما أمسك كفها ثم سألها باهتمام جليِّ:
"طمنيني عليكِ، أحسن ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت بصوتٍ متحشرجٍ:
"كتير الحمد لله، حاسة بس إن ريقي ناشف أوي و مصدعة"

ربت على كفها مبتسمًا ثم وجه انظاره نحو زينة" يسألها بسخريةٍ:
"أنتِ اللي عملتي كدا في أختي ؟! انطقي !!"

ردت عليه مسرعةً:
"لأ والله يا خالو دا أنا عيطت علشانها والله، خوفت تتعب أكتر"

اقترب منها يقبل كفها ثم طمئنها:
"هي هتقوم و تبقى زي الفل، هي إيمان طول عمرها كدا تتعب و تتعب اللي حواليها كلهم، بتدلع عليكم اسمعي مني"

تشبثت بها "زينة" و هي تقول:
"مش مهم، بس تكون كويسة"

ابتسموا جميعًا لها و في تلك صدح صوت جرس الباب فقال "خالد" مُتذكرًا لتوه:
"آه...دا يونس افتحله يا زين معلش كان بيجيب حاجة من تحت"

ركض "زين" نحو الباب يفتحه لرفيقه و قدوته حتى رحبا ببعضهما و دلف "يونس" خلف "زين" ثم طرق الباب على الرغم من كونه مفتوحًا، أذن له والده من الداخل فدلف هو يلقي عليهم التحية ثم اقترب من عمته يقبل رأسها فسألته هي بتعجبٍ:

"أنتَ كنت فين مجيتش مع بابا ليه يا يونس ؟!"

رفع كفه بالحقيبة التي يمسكها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"كنت بجيبلك عصير علشان الدوا اللي بتاخديه، دي حاجة بسيطة بقى"

نظر له الجالسون بدهشة من فعلته الكبيرة التي تتتافى مع عمره الذي بدأ في النضوج لتوه، فسأله "ياسر" بتعجبٍ يخالطه العِتاب:
"هو أنتَ جاي لحد غريب برضه ؟! دا أنتَ ابننا الكبير و أول فرحتنا، ليه كدا يا يونس"

التفت له يقوم بحرجٍ:
"مش قصدي والله يا عمو ياسر بس أنا اتكسفت أجي بايدي فاضية علشان عمتو تعبانة، و بعدين دي حاجة بسيطة يعني"

سحبته "إيمان" نحوها تحتضنه و هي تمسد على ظهره ثم قالت بصوتٍ خافت:
"ربنا يفرحك و يحفظك و يبعد عنك العين و الشر، و يبعد عنك عين الحُساد يا رب....أنتَ بتصلي صح !!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ ممتنة للخالق:
"الحمد لله مش بفوت فرض و لا نوافل كمان"

ربتت على ظهره و خصلاته و العبرات تلمع في مقلتيها ثم قالت بتمني:
"ياريت جدك كان عاش و شافك و فِرح بيك زينا كدا، الله يرحمه"

اقترب منه يقبل رأسها ثم ربت عليها و هو يقول بنبرةٍ خافتة:
"ربنا يرحمه يا عمتو و يجمعنا بيه في الجنة إن شاء الله"

حركت رأسها موافقةً بينما "خالد" لمعت عينيه على الفور ببريق يشبه لمعة النجوم في سمائها المعتمة، فها هو يرىٰ ثمار جهده و تربيته بنتيجةٍ مُشرفة و قد غاص في تفكيره حتى جلس "يونس" أمامه و غمز له بمشاكسىةٍ و زهوٍ جعلت "خالد" يرسل له قبلة في الهواء خلسةً
_________________________

أوقف "عمار" الدراجة أمام بنايته أخيرًا و قد هدأ كثيرًا بعدما أفرغ طاقته المشحونة في القيادة، بينما "خلود" حينما وجدت سرعته عالية بتلك الطريقة تشبثت به نتيجة خوفها حتى و إن كان لا يشعر هو بوجودها.

نزل هو أولًا و هي خلفه فخلع الخوذة الخاصة به و كذلك هي و هي تطالعه بحزنٍ بينما هو زفر بعمقٍ ثم سألها بنبرةٍ ثابتة:
"عاوزة حاجة قبل ما نطلع !!"

حركت رأسها نفيًا بخوفٍ منه ثم دلفت داخل البناية بخطواتٍ أقرب للركض حتى نظر هو في أثرها بتعجبٍ ثم حرك كتفيه و دلف خلفها.

صعدا للشقة مع بعضهما فدلف هو أولًا بعدما فتح الباب بينما هي تسمرت مكانها و خشيت أن يلومها و يفقد أعصابه عليها و هي لم تكن على استعدادًا للقادم، لاحظ هو سكون حركتها لذا سألها بنبرةٍ جامدة:

"فيه إيه ما تدخلي !!"

استجمعت شجاعتها ثم دلفت للداخل و أغلقت الباب خلفها و قبل أن ينطق هو يعتذر عن الذي حدث أوقفته بشجاعةٍ زائفة:
"قبل ما تتكلم.... أنا داخلة أغير هدومي عن اذنك"

لم تمهله الفرصة حتى في الاعتراض بل واصلت الركض للداخل تحت نظراته المُتعجبة من أفعالها، بينما هي أغلق الباب على نفسها ثم رفعت كفها تُهديء من ضربات قلبها.

قامت بتبديل ثيابها لأخرى بيتية مُريحة عبارة عن منامة حريرىة باللون الأسود ثم فتحت باب الغرفة أخيرًا تتنهد بعمقٍ و خرجت له لتراه جالسًا على الأريكة يضع المرهم الطبي على وجهه و يحاوط حول عينه به، شعرت هي بالذنب و كعادتها ألقت اللوم على عاتقها هي و على الفور تجمعت العبرات في عينيها.

شعرت أيضًا بسخونة وجهها لذا تحركت نحو الشرفة تختلي بنفسها حتى و إن بكت لا يراها، بينما هو تابعها بنظراته و لم يقو على مقاومة فضوله نحوها لذا قام بالتوجه للمرحاض و غسل كفيه حتى يزيل أثر المَرهم، ثم وقف على أعتاب الشُرفة، وجدها تجلس على الارضية تضم ركبتيها معًا و تطوقهما بذراعيها و هي تبكي بصوتٍ متقطع، لاحظها هو حينما اخفصت رأسها تحاول كتم شهقاتها، فاندفع نحوها بسرعةٍ ثم جثى أمامها يسألها باهتمامٍ جليِّ أظهر لهفته:

"بتعيطي ليه يا خلود ؟! إيه اللي مقعدك كدا و مين ضايقك ؟!"

زفرت هي بقوةٍ ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ نتيجة حشرجة البكاء:
"أنا اللي مضايقة نفسي، كل مرة اتغابى و أعمل حاجة مستفزة تضيع مني كل حاجة، و اخرتها أنا السبب في اللي حصلك دا، كان ممكن اعمل مليون حاجة علشان دا ميحصلش"

ربت على كتفها يتفهم تخبط مشاعرها خوفها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"بس دا مش بايدك أنتِ اللي حصل، هو عمل كدا نتيجة قلة تربيته، و أنا اتصرفت علشان أنا راجل دمي حُر مقبلش حد يبص لمراتي بعينه"

رفعت رأسها تنظر له و هي تقول بصوتٍ متحشرجٍ:
"بس أنا وقفت اتفرج عليك و أنتَ بتضربه و محوشتش عنك، و هو ضربك في وشك و عينك ورمت، كل دا بسببي و متقنعيش بغير كدا، أنا لحد دلوقتي مستنياك تزعقلي و تغلطني"

ردد خلفها مستنكرًا قولها:
"أغلطك !! ليه و أنتِ مالك أصلًا ؟! دا واحد حيوان يستاهل اللي حصله و بيكِ من غيرك كنت هعمل كدا يا خلود، بطلي تلومي نفسك على كل حاجة، بقالك ٨ سنين متغيرتيش فيهم ؟!"

نظرت له بتعجبٍ تتخلله لمعة البكاء المحيطة بعينيها، فيما أضاف هو مُفسرًا:
"فاكرة لما خديجة وقعت من على السلم ساعة فارس ؟! برضه قعدتي نفس القعدة دي و عيطتي كدا و شيلتي نفسك فوق طاقتها، حرام عليكِ نفسك، اللي حصل كله مش بايدينا نغيره"

زفرت بقوةٍ تسحب الهواء عنوةً داخل رئتيها بينما هو ربت على ظهرها ثم رفع كفه الأخر يمسح على خصلات شعرها السوداء، حتى قالت هي مسرعةً:
"شكرًا علشان طمنتني و خلتني أبطل أخاف....شكرًا إنك معايا يا عمار"

اقترب منها هو يقبل رأسها ثم قبل وجنتيها كلٍ منهما على حِدة ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"شكرًا لكِ أنتِ علشان أنتِ معايا"

ابتسمت هي له بسعادةٍ بالغة بينما هو قال بقلة حيلة:
"ما تيجي تحطيلي المرهم علشان اقسم بالله أنا حطيته في وشي كله ماعدا عيني"

حركت رأسها موافقةً ثم ركضت من أمامه تجلب ما كان يستخدمه هو منذ قليل، ثم عادت له من جديد تجلس أمامه في الشرفة الواسعة المغلقة بنوافذ معدنية "ألوميتال" حتى يكونا على راحتهما بها، جلست أمامه تمسك القطنة الطبية و تمررها على وجهه ثم قامت بوضع المطهر، لكنها شعرت بالقلق حينما وجدت عَينه اليسرى متورمة بشدة و يحيطها هالة ممتزجة باللونين الأحمر و الأزرق معًا، لذا نطقت بأسفٍ و ندمٍ:

"أنا أسفة والله العظيم، أقولك !! لو بموت من الجوع و قولتلك ننزل متسمعش كلامي، طالما دا هيضيعك مني كدا، أنا أسفة والله"

زفر هو بيأسٍ ثم قال بقلة حيلة:
"يا ستي بطلي تتأسفي، أنتِ ملكيش ذنب، أنا راجل دمي حُر و مقبلش يجيب سيرتك، بطلي بقى كل شوية تضايقيني بكلامك دا"

حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ ثم سألته بترددٍ:
"يعني هي الغيرة اللي خليتك تتصرف كدا ؟! مش عصبيتك مني ؟!"

ضحك رغمًا ضحكةً يائسة و هي يحرك رأسه يمنةً و يسارًا و كأنه يقول _ لا فائدة منكِ_ لذا سحبها نحوه يقول بنبرةٍ هامسة:
"يمين بالله من غيرتي عليكِ، أنتِ ملكيش ذنب و محدش يقدر يلومك، و لو حد فكر بس يبصلك أنا هقطع خبره من الدنيا حلو كدا ؟!"

ردت عليه هي بحماسٍ:
"الله !! احساس الغيرة دا طلع حلو أوي، كنت عسل و أنتَ غيران، كنت هموت و أبوسك"

اقترب منها بوجنته قائلًا:
"يلا إحنا فيها !!'

وكزته في كتفه و هي تقول بحنقٍ:
"بالمرهم اللي في وشك دا !!"

ضحك هو رغمًا عنه بينما هي عاودت تطهير الجرح فوجدته ينطق بعدما شرد في ملامحها الهادئة:

"الإمام علي بن أبي طالب قبل كدا قال:
_فَـقـدُ الأحـبَّـة غُـربـة
كانت الجملة دي بتعدي عليا مش فاهمها علشان عمري ما فارقت حد قبل كدا، لحد ما...."

توقف عن الحديث و توقفت هي وضع المرهم على جرحه فوجدته يقول بصدق و نظراته تحتضنها بصفاءٍ:

"لحد ما حبيتك أنتِ، ساعتها عرفت أني غريب في الدنيا دي حتى عن نفسي، أنا استودعتك الله و سلمتك في حفظه، كنت غريب لحد اليوم اللي اسمك بقى على اسمي فيه، ساعتها عرفت إن الغريب دا رجع تاني، بعد لُقاء الأحبة، و يا رب ميحكمش علينا بفراق و لا غُربة"

كان شاردًا بها و ملامحها بقرب وجهه _نصب عيناه _ و قد ترقرق الدمع بهما، لذا قالت بنبرةٍ أقرب للبكاء:
"عمار !! لو سمحت بطل تقولي كلام حلو، علشان أنا مبعرفش أقول كلام حلو خالص، متتحسسنيش أني جاهلة لو سمحت"

ضحك هو على طريقتها لذلك اقترب منها متعمدًا الاحتكاك ببشرتها ثم همس لها بنبرةٍ هادئة:
"طب ما تغازليني بالقانون يا خوخة !! مش أنتِ بتاعة قانون برضه ؟!"

أرجعت رأسها للخلف تطالعه مستنكرةً طلبه فألح عليها هو بنفس الهدوء حتى تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بزهوٍ:

"جَميلٌ أنتَ كَالقانون الذي يُطبق بأثر رَجعي بـ حُجية أنه الأصلَحُ للمُتهم"

ابتسم هو لها بتعجبٍ فيما أضافت هي مُسرعة بحماسٍ:
"جميعهم يشبهون القوانين المؤقتة و أنتَ وحدك الدستور الثابت"

ارتفع صوت ضحكاته بصخبٍ حتى شردت هي في ضحكته ثم قالت بنبرةٍ تلقائية و بكلماتٍ صادقة نبعت من داخلها:

"تعرف إن بحب ضحكتك أوي ؟؟ و إن جينا للحق أنا بحبك كلك على بعضك يا عمار.....ماهو برضه مكانش ينفع أنتَ متتحبش و مكانش ينفع أكابر مع قلبي و أنتَ محافظ علينا حتى من نفسك، كنت هبقى ظلمت قلبين، و لو فكرنا بطريقة أحمد أخويا.... إياك أن تُعطي قلبك لغير أهله، و أنتَ أهل القلب دا و كل ناسه كمان"

نظر لها بدهشة بعدما توقف عن الضحك، فوضعت هي رأسه على صدره تتنفس الصعداء ثم قالت بقلقٍ عاد لها من جديد:

"أنا أول مرة في حياتي أخاف على حد، و يوم ما خوفت، خوفت عليك أنتَ، وحش اوي احساس خوفك على حد هو كل حاجة ليك، أنا حسيت أني طفلة صغيرة و أنتَ بتتخبط و كل تفكيري وقف لو جرالك حاجة بعد الشر يعني، هاعمل إيه ؟! أنا عارفة أني مش مفهومة و شخص كله نعكشة، بس وسط كل دا أنا معرفش غير أني بحبك يا عمار، علشان خاطري استحملني لو لقيت فيا عيوب، أنا بخاف أوي اتساب علشان كدا معرفش حد، و معنديش صحاب غير سلمى بس، علشان هي الوحيدة اللي استحملتني، بس والله أنا بحاول ساعات أبطل تحكمات و أبطل عصبية، هتستحملني ؟!! أنا عاوزاك تكون صاحبي ينفع ؟!"

سألته بحذر دون أن ترفع رأسه حتى لا تتقابل نظراتها العاشمة بنظراته أيًا كانت هي، بينما هو ترك لها فرصة التعبير عما تشعر بها، كونها شخصية نادرة التعبير لما يجول بخاطرها، حينما وجد القلق تمكن منها، احتواها بين ذراعيه يربت على خصلاتها و ظهرها ثم تنهد بعمقٍ و قال بنبرةٍ خافتة:

"أنا معاكِ و شاريكِ بعمري كله"

كانت تلك هي إجابته عليها حينما سألته، بينما هي رفعت رأسها تطالعه بعينين دامعتين، فقال هو متابعًا:
"أنا علشانك أعمل أي حاجة، لو العالم كله إنك غلطانة أنا شايفك صح، لو كله قال إنك مليانة عيوب، أنا هشوفهم مميزات، قوليلي كل اللي تحسي بيه و أنا معاكِ لو معرفتش أصلح المشكلة، على الأقل أطمنك إنك مش لوحدك، بلاش أنتِ تعملي غُربة بيننا....اعتبريني كل أصحابك"

حركت رأسها موافقةً بتأثرٍ بدا في نظراتها واضحًا ثم شددت مسكتها له و قبضت على سترته بكفها بينما هو تنهد بعمقٍ ثم بدأ في قوله الخاضع لله _سبحانه وتعالى _ كعادته:

"اللهُم أني أحببتُها و من بين سائر النساء مَلكت قَلبها، فاللهم أني أستودعك نفسي و زوجتي، فأجعلها خير النساء في عَيِّني و سَبب فَرحتيِّ، اللهم أبعد عن قلبها الحُزن و الهُموم، و أرح قلبها المَهموم، اللهم أنك أنتَ العاطي و الوهاب، فأعطيتني قلبها و أنتَ وحدك من تملك الأسباب، فأجبرها في صُحبتي و أجعلها آمنةً مُطمئنةً و لكل سؤالٍ حيرةٍ في أمرها أكون خير الجَواب".

تنفست هي الصعداء و نزلت دموعها فورًا بعد دعائه لها، ثم انتحبت بشدة، بينما هو لازال مُربتًا على ظهرها يحاول تهدئتها، لكنه فضل أن تخرج كل ما بها من حزنٍ و هَمٍ حتى تصل للراحة المقرونة بتواجدها بجواره.
_________________________

مرت عدة أيام أخرى لينتهي الأسبوع و يصل لنهايته يوم الخميس مساءًا، كانت الأمور تسير بشكلٍ طبيعي، حيث استعادت "إيمان" عافيتها، و كذلك "عمار" الذي ابتعد عن الجميع عداها هي فقط و "عبدالرحمن" صديقه الذي رأه في العمل، أما بقية الشباب فقام هو بتخبئة الأمر عليهم.

في وسط النهار كان "رياض" يقوم بتجهيز البيت ترحيبًا بأحفاده الذين شارفوا على القدوم لقضاء يوم الجمعة مع بعضهم، تحرك بخطواتٍ واسعة نحو الشُرفة فوجد السيارة تصف أمام البيت ركض مُسرعًا نحو الباب يمسك البالونات البلاستيكية المزودة بمادة الهيليوم حتى ترتفع عن الأرض، بينما "زهرة" اقتربت منه تقول بسخريةٍ:

"يا رياض أنتَ موترني من الصبح !! حرام عليك يا سيدي"

رد عليها بفرحةٍ كبرى في صوته:
"يا ستي دا يوم جييتهم هنا عيد، الأحباب طالعين يا زهرة"

ابتسمت هي له بحنانٍ و سرعان ما دُفع الباب بواسطة الصغار يهللون بمرحٍ، بينما "رياض" التفت لهم يمسك البالونات حتى اقترب منه الثلاثة بمرح، فيما فتح هو ذراعيه يضمهم له.

ابتسمت "زهرة" باتساعٍ ثم رحبت بابنها و زوجته ترحيبها المعتاد بحماسٍ، فتحدث "ياسين" بسخريةٍ:

"طب أجيلك في وقت تاني يا حج طيب ؟! أمشي يعني ؟!"

تركهم "رياض" الذي لم يظهر عليه أثر العمر و كأنه لازال في شبابه ثم وقف أمام ابنه يقول بضجرٍ:
"ياض يا هادم اللذات، ما تسيبني أشبع من حضنهم، يا باي منك"

رد عليه "ياسين" بتهكمٍ:
"يا سلام !! طب ما أنا قولتلك خدهم ليك مش عاوزهم و مش هنختلف، أنتَ اللي مرضيتش"

التفتت له "جاسمين" تقول بضجرٍ:
"هو أنتَ بتبيعنا يا بابا !!"

"بس أنا ألاقي شاري يا روح بابا"
كان ذلك رده عليها حتى شهقت هي بقوةٍ فيما قالت بخبثٍ:

"طب أنا هقول لجدو أنتَ قولتلنا إيه قبل ما ننزل من العربية"

رد عليها بثقةٍ:
"قولي أنا مبخافش"

ظهر الشر في نظراتها و هي تقول بلهفةٍ:
"قالنا متعملوش شقاوة و خليكم محترمين و متلعبوش في حاجة و تبوظوها، و قالي كمان اقعد محترمة، يرضيك يا جدو !!"

ردت عليها "زهرة" بسخريةٍ:
"لأ طبعًا، دا واحد بيربي عياله اللهم احفظنا يعني، مالناش دعوة بيه"

حملها "رياض" على ذراعه يقبلها ثم أعطاها البالون الطائر الخاص بها، ثم كرر الكرة مع الأخرين حتى شكرته "نغم" بقولها:
"شكرًا يا جدو شكلها حلو أوي"
 
و كذلك "يزن" الذي قال:
"حلوة أوي يا جدو، شكرًا"

تحدثت "خديجة" تسأل الصغيرة بتعجبٍ من صمتها:
"و حضرتك ؟! مش هتقولي لجدو شكرًا ؟!"

ردت عليها بثباتٍ يتنافى مع عمرها:
"و هو فيه حد بيشكر جده ؟!"

ارتفع صوت ضحكات "رياض" و هو يشدد عناقه لها، بينما "ياسين" ضرب كفيه ببعضهما من تلك الدُمية كما يلقبها هو.
_________________________

وقف "عمار" في الصيدلية يتابع شئونها مع "عبدالرحمن" الذي أخبره بالأدوية الناقصة و التي يحتاجون لها، فأخبره "عمار" بحل تلك الازمة و تم حلها، فقال "عبدالرحمن" مسرعًا:

"فكرت في موضوع الـ Shift بتاع بليل ؟! الموضوع هيفيدنا أوي، و فيه كتير محتاجين وجود الصيدلية بليل، قولت إيه ؟!"

تنهد "عمار" في انهاكٍ واضحٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أنا فكرت فيها لقيتها حلوة اوي لينا، بس مين هيضحي إنه يقلب حياته علشان شغل بليل مش مضمون، طبعًا دا رزق في يد ربنا، علشان كدا كلمت ياسر و هو يشوف حد زميله محتاج لشغل بليل و يكون أمين، و أهو بالمرة يساعدني في فترة فرحك، ما أنا برضه هوجب معاك"

ارسل له "عبدالرحمن" قبلة هوائية حتى ضحك الأخر رغمًا عنه ثم أرسل له قبلةً هو الأخر، و بعد مرور ثوانٍ صدح صوت هاتفه بصوتٍ عالٍ فأخرجه ليجد رقم والدته يظهر على الشاشة، رد عليها بتعجبٍ فوجدها تقول بلهفةٍ:

"عمار معلش يا حبيبي هاتلي الدوا بتاع الصداع اللي أنتَ بتجيبه دماغي وجعاني أوي، تعالى يا حبيبي و ابقى أرجع خد مراتك تاني"

اغلقت الهاتف دون أن تمهله فرصة للإجابة، بينما هو ركض نحو رف الأدوية يسحب العلاج الخاص بوالدته ثم رد على صديقه الذي استفسر منه بإيجازٍ و رحل بعدما ركب دراجته على الفور.

في شقة "فهمي" أغلقت "سيدة" الهاتف و هي تبتسم بخبثٍ ثم نظرت لـ "خلود" و هي تقول بحماسٍ:
"زمانه جاي مش هيتأخر"

ابتسمت لها "خلود" بثباتٍ و بعد مرور دقائق قليلة طُرق باب البيت فقالت "سيدة" بحماسٍ:

"دول سارة و عامر وصلوا"

قبل أن تقوم حتى تفتح الباب لهم، أوقفتها "خلود" بقولها:

"خليكِ أنتِ يا ماما أنا هفتح"

تحركت "خلود" نحو الباب فيما رفعت "سيدة" صوتها بمرحٍ:
"ياختي حبيبة قلب ماما يا ناس، زي العسل والله منك"

فتحت "خلود" الباب فوجدت الترحيب بها من "سارة" و "عمر، بينما "عامر" قال بنبرةٍ ضاحكة:
"مرات أخويا الغالي، ازيك يا غالية"

ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
"كويسة الحمد يا أبو عمر، عامل إيه"

ركض "عمر نحو جدته التي فتحت له ذراعيه ثم طوقته بهما و هي تقول بحماسٍ يتخلله المرح:
"حبيب تيتة يا ناس....روح تيتة يا ناس.....عيون تيتة يا ناس"

استكان هو بين ذراعيها بينما "خلود" حملت الصغيرة على ذراعها من "سارة" حتى قال "عامر" ساخرًا:
"ما شاء الله كل ما بنكبر قيمتنا هنا بتقل، طب أنا هاخد مراتي و أروح بقى"

ردت عليه "سيدة" و هي تقبل وجنتي الصغير:
"يكون أحسن يا حبيبي"

رفع "عامر" حاجبيه ثم قال بقلة حيلة:
"طب أنا هروح أقفل المعرض مع بابا و هاجي تاني، عاوزين حاجة من تحت ؟! عاوزة حاجة يا خلود ؟!"

ردت عليه بوجهٍ مُبتسمٍ:
"شكرًا يا عامر، تسلم يا رب، بابا جايب كل حاجة"

حرك رأسه موافقًا فركض نحوه "عمر" يقول بلهفةٍ:
"ظبطني و أنتَ جاي بقى"

بعثر "عامر" خصلات الصغير ثم قال بضجرٍ زائفٍ:
"حاضر، هظبطك و أظبط أمك معاك كمان"

رفعت "سارة" حاجبيها و هي تقول:
"الله !! مالك و مال أمه"

غمز لها بمشاكسىةٍ و هو يقول:

"لما أجيِّ هقولك"

رحل من المكان فورًا بمرحه المعتاد، و بعد مرور دقائق قليلة وصل "عمار" ففتح له "عمر" الباب و هو يقول بلهفةٍ:

"وحشتني يا عمار، مش بشوفـ....إيه دا وشك ماله ؟!"

زفر "عمار" بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"واحد حيوان كان عاوز ياخد منب الحاجة الحلوة بتاعتي، لو مكاني كنت هتعمل إيه ؟!"

رد "عُمر" بعصبية و انفعالٍ:
"دا أنا أعمي عيون أمه"

رد عليه "عمار" بثباتٍ:
"و أنا عملت كدا، عميت عيون أمه"

حياه "عمر" بفخرٍ بينما "عمار" دلف للداخل و قد أغلق الباب بقدمه و هو ينادي على أبنة أخيه بقوله:

"يا ريتاج....يا تيجو....يا ريتا...."

توقف عن المناداة حينما وجدها بين ذراعي زوجته، فاقترب منها بلهفةٍ يسألها:
"جيتي هنا ازاي مقولتليش ليه إنك جاية ؟!"

ردت عليه بنبرةٍ هادئة:
"قولت أعملهالك مفاجأة، إيه رأيك"
زفر هو بقوةٍ ثم تغاضى عن الموضوع و اقترب من والدته يطمئن عليها، فيما قالت والدته بمرحٍ:
"أنتَ هتفول عليا ؟! أنا كويسة الحمد يا أخويا، أنا كلمتك بس علشان تيجي على هنا، خوخة معايا من الصبح مسابتنيش"

نظر لزوجته بتعجبٍ يرسم الجدية بينما عينيه كانت تبتسم لها، فيما غمزت هي له و هي تبتسم بخفةٍ ثم قبلت الصغيرة على وجنتها.

بكت الصغيرة على يد "خلود" فاقتربت منها "سارة" تقول بلهفةٍ:
"هاتيها قبل ما تبهدلك أنتِ، هغيرلها هدومها و أجيبهالك"

دلفت للداخل بعدما حملت صغيرتها و خلفها "سيدة"، بينما "عمر" لاحظ نظراتها نحوه و هي تحاول كبت ضحكاتها، لذا وقف أمامها يسألها بمنتهى الجدية:
"هو أنتِ ليه بتضحكي كدا ؟! هو أنا شكلي عبيط قدامك ؟!"

حركت رأسها نفيًا وهي تضم شفتيها على بعضهما بينما "عمار" تابع حديثهما حتى قال "عمر":
"طب بتضحكي عليا كدا ليه ؟!"

اقتربت منه تقول بنبرةٍ هادئة:
"أقولك و متفهمنيش غلط ؟!"

حرك رأسه موافقًا فقالت هي بنبرةٍ مكتومة تحاول بها اخفاء ضحكاتها:
"علشان أنتَ شبه Ben 10 
"بِن تن" الكارتون، أنا أسفة"

عقد ما بين حاجبيه مرددًا خلفها:
"بن تن ؟! أنا شبهه ازاي ؟!"

ردت عليه مفسرةً:
"والله شبهه أوي، شعرك نازل على راسك زيه و نفس طريقة لبسه و عينك العسلي، شبهه أوي و عسول زيه"

ركض نحو المرآة بسرعةٍ كبرى يتأكد من صدق حديثها، بينما هي انفجرت في الضحكات حتى شعرت بـ "عمار" يقترب منها خلسةً و هو يقول بنبرةٍ خافتة:

"طب هو شبه بن تن، أنا شبه مين بقى ؟!"

قلبت عيناها تفكر لبرهةٍ عابرة ثم هتفت بحماسٍ شديد:

"ساموراي"

_"بتاع طوكيو ؟!"
قالها مستنكرًا لتنفي حديثه بقولها:
"لأ....ساموراي رحال بتاع كايروكي، لما كان بيقول هفضل ألف ألف ألف وراكي ألف ألف ألف، بفتكرك أوي"

ابتسم هو لها ثم اقترب منها يقول بنبرةٍ هامسة:
"طب حاليًا احنا في وضع الصحاب، ما تودينا وضع المتجوزين علشان عاوز أقولك حاجة مهمة"

_"حاجة إيه يا سافل اللي هتتقال يا سافل يا أخو السافل"

اتسعت حدقتيها تزامنًا مع شهقةً جامدة خرجت منها، بينما "عمار" سلط أنظاره على المتحدث بوجهٍ محتقن.
_________________________

في بيت شباب الرشيد بدأوا يجتمعون سويًا فوق السطح الذي شابه صالة التدريبات و التنزه بعدما قام "وليد" بوضع ألعاب صغيرة للفتيات و أكياس ضخمة لتدريب الصبية الصغار.

كان هو فوق السطح برفقة "فارس" و "مازن" و "زياد"، كان الأول غارقًا في الكتاب الذي يقرأه، فقد ورث تلك الهواية من عمه، بينما "وليد" وقف يعلم التوأم الصغير بعد التدريبات الرياضية الاقرب للملاكمة.

لهث كليهما بتعبٍ و خارت قواهم، و في تلك الأثناء صعد "وئام" بصغيرته و كذلك "طارق" بابنته "روشان" و "روزي" معه، فتحدث الأخير بضجرٍ:

"أنتَ عامل إيه في العيال يالا ؟!"

رد عليه "وليد" بثباتٍ:
"بدربهم، عندهم فرط حركة و فاكرين نفسم فُرقع لوز ماشيين يرزعوا في بعض، حلفت يمين بالله استغل طاقتهم دي"

ضرب "طارق" كفيه ببعضهما، فيما تحدث "وئام" بحنقٍ:
"كدا !! العيال قاطعة النفس، دول شكلهم تعب خالص"

التفت "وليد" لهما يسأل بمرحٍ:
"محصلش....حتى بص، أنتَ تعبت ياض أنتَ و هو ؟!"

_"آااااه
قالها كليهما بصراخٍ، فيما قال "وليد" بمرحٍ:
"شوفت أهم زي الفل و متعبوش ولا حاجة، لو عاوزين يا حبايبي تقوموا، اتفضلوا هو أنا بجبركـ..."

قبل أن يتمم جملته ركضا الاثنين خلف بعضهما يرتميان على الأريكة بتعبٍ بلغ أشده منهما.

ارتفعت ضحكات الاثنين و معما "فارس" فيما تحرك "وليد" نحو الأريكة يرتمي عليها بجوار ابنيه ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"خلي بالك من الكتاب دا، دي نسخة واحدة جايالي هدية، خليه معاك و سلمه للورثة بتوعك"

رد عليه "فارس" بزهوٍ:
"متخافش، في عينيا، أنا عمري بوظتلك كتب قبل كدا ؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم أضاف:
"و دي أكتر حاجة بحبها فيك إنك بتحافـ......"

قبل أن ينهي جملته كانت "سيلينا" ركضت نحو الكتاب و قامت بتمزيق إحدى صفحاته لتخيم حالة صمت على الجميع و الأنظار موجهة نحو الصغيرة التي ضحكت ببراءةٍ و هي تقبض على الصفحة الممزقة بقبضتها.

تعليقات



×