رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الثالث 3 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الثالث 


في شقة "ياسين" ظل "يزن" يشاكس شقيقته حتى صرخت فيهما "خديجة" و حملتهما نحو غرفتهما حتى يخلدا للنوم، بينما "جاسمين" جلست كعادتها بهدوءٍ تمسك الكتاب الذي جلبه لها "ياسين"، كتاب يحكي عن الأساطير و الأميرات في قديم الزمن، على الرغم من قرائتها الضعيفة لكنها كانت تحاول تقرأ الكلمات المكتوبة، فقد كان هوسها يزيد شغفها في الانغماس بذلك الكتاب، كانت ترى الصور الموجودة بداخله و هي تبتسم و تغلق عيناها لعلها ترى نفسها أحداهن، جلست في الشُرفة و بجوارها القطة "خدوش" التي تلزمها كعادتها لم تفارقها.

في الغرفة بالداخل نام الصغيرين كليهما على فراشه و "خديجة" امامهما على المقعد الخشبي تضم ذراعيها على بعضهما و هى تراقب احاديثهما الكبيرة و التي تتنافى مع صغر عمرهما، حيث قال "يزن" بصوته الصغير:

"يا ماما فاكرة لما قولتيلي لو عاوز حاجة اعملها لغيرك ؟! أنا عملت كدا و كنت فرحان"

عقدت ما بين حاجبيه و هي تنظر له بكامل تركيزها، فيما أضاف هو مُفسرًا:
"في الحضانة كان فيه ولد معايا مش معاه سندوتشات، كان معاه فلوس بس، أنا اديته من أكلي، و لما هو جه يديني الفلوس خدتها منه، و جيبت عصير و اديتهوله، كدا أنا حلو ؟!"

ابتسمت له بفخرٍ ثم اقتربت منه تقبل وجنته و هي تقول بمرحٍ:
"كدا أنتَ أحلى الحلوين كلهم يا روح ماما، فرحانة بيك اوي"

رد عليها مُسرعًا:
"هو قالي إن جده تعبان و مامته مش بتعرف تسيبه، و باباه مش بيعرف يعمل أكل علشان كدا بيديله فلوس، بكرة بقى اعملي لينا إحنا الاتنين أكل إيه رأيك.؟!"

ردت عليه بحبٍ:
"حاضر عيوني الاتنين، بس متقولش لحد من صحابك، طالما عملت حاجة حلوة، متعرفش حد"

قبل أن يسألها هو تدخلت "جاسمين" تسألها بتعجبٍ:
"ليه يا ماما ؟! طب ما هو عمل حاجة حلوة يقول و خلاص، مش احسن ما يعمل حاجة وحشة"

تنهدت "خديجة" بعمقٍ ثم قالت:
"بصي، لما أعمل الحاجة و امشي أقول أنا عملت، كدا أنا مش كويس، علشان أنا ممكن ازعل الشخص اللي عملتله، يعني صاحب يزن دا، صغير أكيد و متضايق علشان مامته، مينفعش يزن يقول لباقي صحابه، كدا هو هيجرح صاحبه، افتكر الجملة اللي بابا علطول يقولها، الجدع بيخدم و ينسى، و كدا كدا كل حاجة بنعملها بترجع لينا"

سألها تلك المرة "يزن" بقوله:
"إزاي ؟! يعني حد هييجي تاني يديني سندوتشات لما جدو طه يتعب ؟!"

ردت عليه هي بسرعةٍ هدأت مع خروج كلماتها:
"بس يا جزمة !! بعد الشر، مش قصدي حرفيًا كدا، بس اقصد يعني الموقف، يعني مثلًا لو اتحطيت في موقف و عاوز مساعدة، من غير ما تطلب هتلاقي اللي يساعدك، علشان أنتَ مسبق بالخير، فهمتني ؟!"

حرك رأسه موافقًا فسألتها "جاسمين":
"طب دلوقتي فيه بنوتة بتقعد لوحدها علطول شكلها حلو أوي بس رخمة، مش بتكملنا، عارفها يا يزن ؟!"

حول ملامحه للامتعاض و هو يتشدق بنذقٍ:
"يوه !! دي بت رخمة اوي، أنا كنت فاكرها خرسا"

أكملت "جاسمين" حديثها تتابعه من جديد:
"بفكر أروح اتكلم معاها، بس لو زعلتني هعمل زي خالو وليد و أمسك في شعرها"

ردت عليها "خديجة" بلهفةٍ:
"لأ أبوس ايدك، بلاش تعملي زي خالو وليد، بلاش تكلميها أحسن خلاص"

ردت عليها بقلة حيلة:
"يا ماما هي حلوة أوي زي زينة كدا، بس علطول تبصلنا بقرف، و مش بترضى تتكلم مع حد، و لما حد يكلمها مش بترد عليه، كلهم بقوا يقولوا ليها يا رخمة"

تنفست "خديجة" بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ هادئة تحاول توصيل مغزى الحديث لهما:
"و دا غلط، هي ممكن تكون مش واخدة عليكم، و أكيد هي جاية جديدة وسطكم صح ؟!"

_"آه بقالها شوية صغيرين"
ردت عليها ابنتها بذلك، فيما قالت "خديجة" مسرعةً:
"شوفتي بقى ؟! هي لسه مش عارفة تتعود عليكم، بصي، بكرة خدي حاجة حلوة من اللي هنا و أديهالها و اضحكي في وشها، و هي واحدة واحدة هتلاقيها بتفك معاكم"

رد عليها "يزن" يتدخل في الحديث موجهًا حديثه لتوأمه:
"بصي اديهالها و لو زعلتك، أنا موجود و هزعلها علشانك"

ردت عليه الأخرى بشغبٍ:
"و ليه ؟! أنا موجودة، لو احتجتك هجيبك"

غمز لها بمشاكسىةٍ فيما ضربت "خديجة" كفيها ببعضهما لا تصدق أن ذلك التوأم هي امهما و حملتهما في أحشائها، لولا الشبه بينهما و أنهما التوأم الوحيد الذي وُلِدَ في ذلك اليوم لكانت شكت في الأمر بِـرمته أنه قد تم تبديلهما في المشفىٰ
_________________________

في الخارج أغلقت "نـغـم" الكتاب و هي تبتسم بحالميةٍ تتخيل نفسها في وضع أميرة من تلك الأميرات، بينما "خدوش" ارتفعت على قدميها تجلس عليهما، فرفعت كفها الصغير تربت عليها.

خرج "ياسين" من الداخل بعدما استيقظ كعادته، فنظر حوله بعدما خرج من الغرفة و وجدها خاليةً منها، سار حتى وقع بصره على "نـغـم" تجلس في الشرفة مع القطة، ابتسم هو بسمته الهادئة حيث ذكرته هيئتها تلك بنفس هيئة "خديجة" قبل حملها حينما كانت تجلس بالقطة، اقترب منها يقول بنبرةٍ متحشرجة:
"مساء الخير يا قلب بابا، صاحية لحد دلوقتي ليه ؟!"

حركت كتفيها و هي تقول بتلقائيةٍ تشبه تلقائية والدتها البريئة:
"عيني مش فيها نوم"

ابتسم بقلة حيلة نفس البسمة التي يبتسمها لزوجته، ثم جلس بجوارها و هو يقول بقلة حيلة:
"أنا لو كنت عملت Copy Paste من خديجة مكانتش هتطلع كدا"

شعرت بالسخرية في حديثه لءا سألته بتعجبٍ:
"اومال اسمها إيه ؟! ماهو عيني مش بتغمض خالص"

رد عليها مُردفًا بتفسير:
"اسمها مش جايلي نوم، مش عيني مش فيها نوم"

ابتسمت هي له فيما تحرك هو بجسده يُلقيه على فخذيها ثم قال بنبرةٍ ظهر بها أثر النوم و هو يتثاءب:
"طبعًا ماما دخلت تنيم الثنائي المغامر، نيميني أنتِ بقى يلا"

ادخلت كفها الصغير في خصلات شعره الكثيفة تدلك فروة رأسه كعادتها، فيما ابتسم هو ثم أغمض عيناه تحت تأثير نعومة كفها الرقيق، في تلك اللحظة خرجت "خديجة" بعدما تأكدت من نومهما و زفرت بعمقٍ من كثرة حديثهما و تفاهة مواضيعهما حتى ناما سويًا.

خرجت حيث الشرفة حتى تُتتم على الشقة و الشرفات، لكنها تفاجأت بهما في الشرفة، فسألت باستنكارٍ لوجودهما هنا:
"بتعملوا إيه هنا ؟! و بابا نايم كدا ليه يا نغم ؟!"

ردت عليها "نـغـم" بتلقائيةٍ:
"بابا معرفش ينام و أنا بنيمه أهو، تعالي اقعدي معايا شوية مش عارفة أنام"

تنهدت "خديجة" ثم اقتربت منها تجلس بجوارها و هي تبتسم لها ثم نظرت في وجه "ياسين" الذي غفىٰ في ثباتٍ عميق، حينما لاحظت الصغيرة نظرتها نحوه سألتها ببراءةٍ:

"بتحبيه أنتِ يا ماما، صح؟!"

حركت "خديجة" رأسها موافقةً بشرودٍ و أعينها مُثبتة عليه، حتى قالت "نغم" بنبرةٍ ضاحكة:
"و أنا كمان بحبه أوي، أحلى ياسين في الدنيا كلها"

ردت "خديجة" تؤكد صدق حديثها:
"هو فعلًا أحلى ياسين في الدنيا كلها، هو كله أحلى حاجة في الدنيا أصلًا"

سألتها "نـغـم" بمرحٍ:
"هو أنتِ ليه اتجوزتي بابا ؟!"

نظرت لها "خديجة" باستنكارٍ لسؤالها فردت "نـغـم" على نظراتها المتساءلة بقولها:
"اقصد يعني ليه بابا ؟؟"

ردت عليها "خديجة" بتفسيرٍ:
"علشان بابا هو أحن حد في الدنيا كلها، مش أنا اللي اختارته، أنا طلبته من ربنا و هو كرمني بيه، كنت بقول يارب اكرمني بواحد أحن عليا من نفسي، لحد ما جِيه هو، مكانش عندي صحاب و مكنتش اعرف حد علشان جدو طه كان بيخاف عليا أوي هو و خالو وليد، بس ياسين بقى صاحبي و كل حاجة ليا، الوحيد اللي حسيت معاه بالإحساس دا"

_"احساس إيه دا ؟!"
خرج ذلك السؤال من الصغيرة لترد عليها "خديجة" بعدما نظرت في ملامح وجهه:
"أني بحس، أول مرة أحس بحاجة كانت معاه هو، طمني و أنا ماكنتش بعرف اتطمن"

سألتها "نـغـم" بفرحةٍ من حديثها عن والدها:
"طب حسيتي بإيه بالظبط معاه؟"

تنهدت "خديجة" بعمقٍ ثم قالت:

"حسيت معاه إن الدار أمان"

قالتها "خديجة" بنبرةٍ هائمة فيما سألتها "نـغـم" بمرحٍ:
"علشان كدا كل ما تزعلوا سوا و يصالحك بتقوليله الدار أمان ؟!"

حركت "خديجة" رأسها موافقةً بحماسٍ فصفقت "نـغـم" بحماسٍ و هي تقول بنبرةٍ طفولية:
"الله !! يارب اتجوز واحد زي بابا كدا يا رب"

نظرت لها "خديجة" بدهشةٍ ثم اقتربت منها تحتضنها و هي تقول بنبرةٍ هادئة نتجت عن عاطفة امومتها:
"ربنا يكرمك باللي يقدر جمال قلبك و يحط في عينه"

كان "ياسين" مُستمعًا للحوار الدائر بينهما، فانتفض مسرعًا يقول بتهكمٍ:
"يعني البت بتقولك يارب اتجوز واحد زي بابا، أمني وراها ياختي"

ردت عليه بنبرةٍ عالية:
"أنتَ بتزعقلي ليه ؟! الله ؟!"

_"علشان أنتِ مستفزة يا ست الكل، مش محتاجة يعني"
رد عليها هو بذلك و قبل أن تقترب منه أمسك هو ذراعها ثم قال بنبرةٍ هامسة:
"ها !! تحبي أضرب و اتقل ايدي، و لا تجيبي بوسة و نلم الدور ؟!"

نظرت له بتعجبٍ فيما اقترب هو منها يقبل وجنتها حتى قالت هي بنبرةٍ مرحة:
"خلاص يا مهلبية الدار أمان"

اقتربت منهما "نـغـم" تعانق والدها و هي تقول بمرحٍ:

"الدار أمان يا ياسين"
_________________________

في شقة "عامر" كان جالسًا في الخارج يتصفح هاتفه و أتت زوجته من الداخل و هي تحدثه و سرعان ما قطعت حديثها و هي تقول بغرابةٍ من عدم تواجد الأخر:
"اومال عمر فين ؟؟ مش كان معاك هنا ؟!"

حرك كتفيه و هو يقول بلامبالاةٍ:
"أنا عارف ؟؟ هتلاقيه نام ولا بيلعب في أوضته"

ردت عليه بشرٍ:
"اقسم بالله لو بيصحي ريتاج لأجيبه من شعره، أنا ما بصدق تنام بقى"

وقف "عامر" مسرعًا بلهفةٍ و هو يقول بنبرة صوت اظهرت غموضه:
"اقسم بالله لأخليه يسهر بيها علشان يتعلم الأدب"

دلف للداخل حيث غرفة ابنته و قام بفتح الباب و قبل أن يرفع صوته يعنف "عُـمر" تفاجأ به يجلس على المقعد بـقرب فراشها البلاستيكي المزود بألعاب و إضاءة لها، كان "عمر" جالسًا أمامها و هو يقول بنبرةٍ هادئة و هي تلعب بكفيها و قدميها الصغيرين تستمع له:

"و عارفة كمان لما أكبر و أدخل الجامعة أنا هاخدك معايا، علشان أنا فضلت كتير من غيرك، و البيت هنا كان وحش أوي من غيرك، صحيح كل شوية تعيطي، بس أقولك سر ؟؟ أنا بحب عياطك اوي، و لما تكبري أنا مش هخليكي تعيطي، هحبك زي ما بابا حب عمو عمار، و بحوش علشان اجيبلك عروسة تلعبي بيها، اكبري بقى !!"

قالها بقلة حيلة و يأسٍ من صغر عمرها مقارنةً بعمره، ثم زفر مستسلمًا ثم قال بنبرةٍ اهدأ من السابق:
"خلاص اكبري براحتك و أنا هستنى، و أوعدك أني هفضل أحبك لحد ما تكوني قد زينة كدا و اخدك و نروح عندهم نلعب هناك سوا"

تلاشت بسمة "عامر" ثم رفع صوته و هو يقول بغضبٍ مبالغًا فيه:
"آه يا كلب يا واطي ؟! واخد أختك كوبري علشان زينة ؟! دا أنا هرقصك يا ابن عامر"

شهق "عمر ثم ركض نحو الأريكة و هو يقول بخوفٍ:
"كانت عمالة تعيط قولت افضفض معاها، مالك بس"

رد عليه "عامر" و هو يشيح بكفيه معًا:
"يا فرحتي بيك، عاوزها تكبر علشان تروح تسرح بيها على زينة ؟! اخس يا واطي"

رد عليه "عمر" مسرعًا:
"بس متنكرش أني بحبها، ريتاج أختي و هتكون صاحبتي بس هي تكبر علشان أنا خلقي ضيق"

قبل أن يقترب منه "عامر" ركضت "سارة" تسألهما بلهفةٍ:
"فيه إيه ؟! ريتاج حصلها حاجة؟!"

رد عليها "عمر" بلهفةٍ:
"يعني هي ريتاج بس اللي هنا، طب و أنا يا أم عمر ؟!"

اقتربت منه تقف أمامه تحميه و هي تسأله بتعجبٍ:
"عمل إيه يا عامر ؟! خير"

رد عليه بقلة حيلة:
"هو دا وش خير ؟؟ العيال دي عمار لازم يديهم درس في الأدب، عمر كفاية هزار في موضوع زينة، ماشي ؟!!"

حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"خلاص من هنا لحد ما نروح نخطبها مش هتكلم عنها والله"

ضرب "عامر" كفيه ببعضهما ثم خرج من الغرفة و قد لحقته "سارة" فيما اقترب "عُمر" من "ريتاج" يسألها بمعاتبةٍ ساخرة:

"مش لو كنتي كبرتي كان زماني واخدك و رايحين عندها ؟! خليكِ كدا جايبة لينا الكلام".
_________________________

في شقة "وئام" ببيت الشباب كان صوت ابنته و بكائها يرتفع طوال الليل، و والدتها "هدى" تسير بها في الغرفة و هي تهدهدها بكفيها و الأخرى كما هي تبكي بصوتٍ عالٍ حتى دفع "وئام" الغطاء من على جسده و قال بضجرٍ:

"ما تنامي بقى يا ستي، نامي الواد نايم بقاله ساعتين، دا إيه وجع الراس دا"

ردت عليه "هدى" بصوتٍ عالٍ:
"متزعقلهاش بقولك !! عيلة هنعمل إيه يعني ؟!"

زفر بقوةٍ ثم اندفع من الفراش يأخذها من والدتها فارتفع صوت الصغيرة، بينما هو تحرك نحو الخارج فوجد "فارس" يغط في ثباتٍ عميق، زفر مُستسلمًا ثم فتح باب الشقة و صعد للدور الخاص بشقيقه.

طرق باب الشقة حتى فتحت له "عبلة" و هي تبتسم له فيما قال هو معتذرًا:
"معلش يا عبلة أنا أسف، بس هي مش عاوزة تسكت و مش قادرين عليها، وليد صاحي ؟!"

ردت عليه بودٍ ترفع عنه حرجه:
"متقولش كدا يا وئام، دي بنتنا برضه، هاتها وليد بيصلي بيهم جوة"

حرك رأسه موافقًا ثم سلمها الصغيرة بينما "عبلة" ابتسمت له حتى نزل هو ثم أغلقت الباب و دلفت للداخل حيث كان "وليد" واقفًا على سجادة الصلاة و بجواره "زياد" و "مازن"، كان يصلي بهما قيام الليل كعادته حتى لو ركعتين في جوف الليل.

جلست "عبلة" على بعدٍ منهما تحمل الصغيرة التي انخفض بكائها بشكلٍ ملحوظ و هي ترتجف من فرط البكاء، خلعت "عبلة" حجابها و هي تبتسم لمنظر زوجها و أبنائها حتى انتهت الصلاة و قام "وليد" بالتسليم مُعلنًا نهاية الصلاة، بينما الأخرين اندفعا حتى يركضان نحو الصغيرة، فأمسكهما بيده يردع حركتهما و هو يقول من بين أسنانه:

"اقعد يا جزمة منك ليه، قولنا نختم الصلاة و بعدها نتحرك، سيلينا مش هتطير"

جلس "مازن" أمام والده و جاوره "زياد" و كلٍ منهما يمسك المسبحة الالكترونية الخاصة به يختم بها صلاته، و كذلك "وليد"

حتى انتهوا فرفع "وليد" كفيه يتضرع لله سبحانه و تعالىٰ و كذلك ابنيه اللذان ركضا فورًا نحو الصغيرة و لاحقهما "وليد" و هو يضحك بيأسٍ.

حمل "سيلينا" على يده يهدهدها حتى ضحكت بصوتٍ عالٍ و هي تحرك رأسها بشدة، فقالت "عبلة" بنبرةٍ ضاحكة:
"والله العظيم ملبوسة زيك، الله يصبرهم عليها، حالتها بقت صعب"

رد عليها "وليد" و هو يربت على ظهر الصغيرة:
"علشان محدش تحت بيلاعبها، فارس بينام بدري و هي متعلقة بيه، و وئام آخره يلف بيها شوية و هدى تزهق من كتر العياط، إنما هنا عندنا اراجوزات، يرقصوا الجن"

نظر التوأم لبعضهما و هما يضحكان على حديث والدهما، بينما "عبلة" قامت و هي تقول بحماسٍ:
"بما أنهم في إجازة يعني أنا هقوم أحضر ليها اللبن علشان نلعب معاها، و أنتَ ترتاح شوية"

قبل وجنة الصغيرة و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"لا مفيهاش نوم خلاص، اعمليلي كوباية قهوة لحد ما نشوف الأستاذة هتنام امتى"

دلفت "عبلة" للداخل فيما ركض لها "مازن" يجلس امامها و يلاعبها بملامح وجهه و هي تضحك عليه و كذلك "زياد" انضم لهما هو الأخر، فقال "وليد" بسخريةٍ:

"ياترى بقى لما تكبري هتقدري لعبهم معاكِ و لا هترزعيني واحدة عيالك متربوش تجيب أجلي ؟!"

ضحك "مازن" و "زياد" معًا، فيما قال "زياد" بعبثٍ:
"فاكرين سيلينا لما شافتنا أول مرة مع بعض و عيطت من الخوف ؟! بصراحة أنا كنت ميت من الضحك"

رد عليه "مازن" بغموضٍ:
"أصلًا مش كلهم بيعرفونا غير عمتو خديجة و ماما و ساعات عمو ياسين، الباقي كلهم بتيجي معاهم كدا"

رد عليهما "وليد" بثقةٍ:
"و أنا بعرفكم، و عارف مين فيكم اشتغلني قبل كدا و خد مصروف مرتين، هو أنا عيل ؟!"

نظرا لبعضهما فيما قال هو بثقةٍ:
"دا أنا بابا ياض أنتَ وهو، هتشتغلوا بابا !!"
_________________________

في اليوم التالي و مع بداية حلول الليل كانت "إيمان" تشعر بتعبٍ و البرودة تسير في جسدها، تغير الموسم الجوي أصابها في جسدها بالكامل و ارتعشت فجأةً و هي تشعر بالثقل في رأسها و الآلم عظامها، أتى "ياسر" من عمله و دلف الشقة فوجد "زين" يجلس أمام التلفاز بمفرده، فسأله عن البقية، حينها قال "زين" بهدوء:

"زينة في اوضتها جوة، و ماما خلصت الغدل و دخلت اوضتها"

حرك "ياسر" رأسه مومئًا ثم دلف غرفته، لكنه تفاجأ بزوجته تهزي اثناء نومها و تغمغم بكلماتٍ غير مفهومة، اقترب منها يتفحص حرارتها حتى صُعِق حينما وجدها مرتفعة بذلك الشكل و تحول وجهها للون الأحمر، ترك حقيبته و ركض للخارج ينادي على أبنائه حتى وقفا أمامه فقال هو بصوتٍ عالٍ:

"تعالوا شوفوا ماما مالها مفيش دم خالص كدا عندكم ؟!"

ركضا خلفه الاثنين نحو الداخل فيما جمع هو ما يريده و الإبرة الطبية اخذها من الثلاجة ثم اقترب من زوجته يقوم بعمل الكمادات الطبية لها و هي ترتعش من برودة القماشة التي تتحول إلى السخونة الشديدة في الحال، كان "زين" يمسك كفها يدلكه لها، فيما وقفت "زينة" تطالعها بعينين دامعتين حتى ارتمت عليها تحتضنها و بكت.

ربت "ياسر" على ظهرها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"هتكون كويسة متخافيش، ماما زي الفل الحمد و هتفوق دلوقتي"

ردت عليه "زينة" بنبرةٍ باكية:
"أنا بحبها و مش عاوزة يجرالها حاجة، مش هزعلها والله تاني، بس هي صعبت عليا أوي، خليها تفوق و أنا والله هضايقها"

ربت "ياسر" على خصلاتها و هو يبتسم لها ثم ربت على كف زوجته التي تهزي في نومها و كأنها في عالمٍ أخر دون عالم البقية.
_________________________

في بعض الأحيان يكون التعب لأجل الأخرين هو أكثر أنواع التعب راحةً !! أمرٌ يجعلك تشعر بالشيء و نقيضه، هكذا كان يفكر "عمار" و هو يصعد لشقته حتى يتقابل مع تلك المغامرة كما يلقبها، "خلود" صاحبة الحب المُخلد بفؤاده، الوحيدة التي لاح طيفها أمامه في ثوانٍ ليشغله أعوامٍ.

دلف الشقة بعدما فتح الباب منتظرًا عناقها له و هي ترتمي عليه كعادتها، لكنها ضربت بمخيلته عرض الحائط حينما وقفت أمامه بتهذيبٍ على عكس طبيعتها و هي تقول بنبرةٍ هادئة ألبستها وشاح البراءة الزائفة:

"أنا حضرت نفسي و لبست أهو علشان هنروح نجيب حاجات للشقة بالموتوسيكل بتاعك"

تلاشت بسمته و سألها بتهكمٍ:
"نعم ؟! دا من إيه إن شاء الله ؟! استهدي بالله و ادخلي غيري هدومك"

اقتربت منه تستخدم دلالها الأنثوي عليه و هي تتعلق برقبته و تقول بنبرةٍ هادئة:
"طب يعني يرضيك اتعشم كدا و في الأخر تخذلني ؟! يعني معملتهاش و أنتَ عيل صغير في ثانوي، تعملها و أنتَ دكتور كبير كدا ؟! يلا يا عموري"

رفع عينيه ينظر لقسمات وجهها و هي ترمقه بسهام عينيه، فسألها بتيهٍ من تأثير كلمتها عليه:
"يلا يا إيه ؟!"

حاولت كتم ضحكة كانت على وشك الانفلات من بين شفتيها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"عموري، عموري قلب خوخة"

اقترب منها هو يقبل وجنتها ثم قال بمشاكسىةٍ:
"طالما فيها عموري قلب خوخة، عمورك ميقدرش يرفضلك طلب"

صفقت بكفيها معًا ثم ارتمت عليه و رفعت قدماها عن الأرض و هي تتعلق به، و على الرغم من دهشته بفعلتها تلك، إلا أنه حاوطها بذراعيه ثم همس لها:

"Gökyüzündeki yıldızları istiyorsa aşk isteğimi reddedemem ama o ayken bu nasıl oluyor?

_لا أستطيع رفض طلب حُبي إذا كانت تُريد نجوم السماء ولكن كيف يحدث ذلك عندما تكون هي القمر؟"

ضحكت هي بسعادةٍ بالغة و هو أيضًا، حتى ابتعدت عنه تطالعه بنفس السعادة البادية على وجهها فيما قال هو بنبرةٍ هادئة:

"حبيت التركي علشانك و بقيت مهووس بيه، أنا اتكفيت على وشي في حبك يا خلود، بقيت هايم فيكِ بعدما كنت زاهد في الدنيا، تسمحي إنك تكملي معايا الكافية ؟؟"

ردت عليه بحماسٍ:
"موافقة و مدياك عمري كله كمان، اللي يحافظ عليا و على حبه في قلبي علشان ميغضبش ربنا فيا، يستاهل أني اديله عمري كله، بس لو عينك زاغت على حتة تركية كدا و لا كدا، ربنا يكفيك شر قلبتي"

رفع رأسه يفكر في حديثها ثم قلب عيناه يتصنع التفكير ثم قال بنبرةٍ مرحة:
"اطمني عيني مش مشغولة غير بيكِ، و أنتِ قولتي معملتهاش و أنا عيل صغير، هعملها و أنا دكتور كبير محترم ؟! خليكِ معايا بس أنتِ في السراء و الضراء"

ردت عليه مسرعةً:
"ربنا معاك يا سيدي، بس أنا قليلة الأصل، مش حمل ضراء، كفاية علينا السراء مع بعض"

تلاشت بسمته للمرة الثانية فيما قبلته هي على وجنته و هي تقول ببراءةٍ:
"يلا علشان نلحق السراء"
 
نزلا سويًا للأسفل بعدما بدل ثيابه لأخرى عصرية عبارة عن قميص باللون الأسود و بنطال بنفس اللون من خامة الجينز الاسود و الحذاء باللون الابيض، و هي كانت ترتدي بنطالًا قماشيًا باللون الاسود فضفاض و فوقه قميصٌ باللون اللافندر و حجاب يجمع اللونين سويًا، ركب هو الدراجة و وضع الخوذة الخاصة به، ثم أعطاها خاصتها فصفقت هي بحماسٍ ثم ارتدها و هي تتمسك بظهره، و قبل أن يبدأ التحرك سألها بعبثٍ:

"حاسبي تقعي !! امسكي و كلبشي فيا عِدل"

ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة حماسية:
"ماسكة و مكلبشة فيك لأخر العمر، اتطمن"

قاد الدراجة النارية بينما هي شردت به، يبدو منذ الوهلة الأولى كما اللغز، مظهره صباحًا بملابسه الرسمية يجعلها تبتسم رغمًا عنها من وقاره، و هيئته الآن تبدو عابثة و مشاكسة، و كأنه أحد الشباب المغامرون، قيادته للدراجة بتلك المهارة و موجات الهواء البارد تلفح وجهيهما بصدماتٍ تُزيد من حماسها و تزيد من حرصه، و يظهر ذلك من خلال التفات رأسه نحوها و تمسكها به تحاوط ظهره بذراعيها.

أوقف الدراجة أخيرًا و هو يتنهد بعمقٍ بعدما وصل لوجهته المُحددة، وقفا سويًا بعدما نزلا من على الدراجة، فيما تمسكت هي بذراعه و هي تبتسم.

دلفا سويًا للسوق التجاري الكبير "السوبر ماركت" حتى يبتعيان ما يريدانه منه لشقتهما، دارا سويًا بداخله و أمامه العربة الخاصة بالسوق يضعان بها المنتجات التي وقع عليها الاختيار.

صدح صوت هاتفه باستمرارٍ حتى زفر هو بقوةٍ ثم أخرجه يُجيب على المكالمة، لكن الشبكة الرديئة أوصلت الصوت متقطع، استأذن منها بهدوء:
"معلش يا خلود، عبدالرحمن بيتصل و شكله محتاج حاجة في الصيدلية اقفي هنا أو كملي و أنا هجيلك"

حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ فيما خرج هو نحو الخارج حتى يستطع الرد على صديقه، بينما هي استمرت في اختيار ما تريد دون أن تبتعد كثيرًا المكان حتى يسهل له العثور عليها، و أثناء وقوفها أمام إحدى الثلاجات بالمكان اقترب منها عامل من العاملين بالمكان يتصنع الاقتراب من الثلاجة فيما ابتعدت هي عنه بسرعةٍ و هي تنظر له بصدمة، لكنها لم تسيء الظن و قررت الابتعاد عنه بينما هو نظر لها نظرات لم تكن مريحة البتة و استطاعت هي تميزها على الفور حتى اقترب منها بشكلٍ ملحوظ و كأنه يأخذ أحد الأشياء من جوارها حتى دفعته هي على الفور و هي تقول بنبرةٍ عالية تنفعل في وجهه:
"جرى إيه يا حيوان أنتَ !! ما تحترم نفسك إيه قلة الأدب دي"

حدثها الرجل بطريقةٍ سوقية:
"جرى إيه أنتِ يا استاذة ؟! حد جه جنبك ؟! أنا بشوف شغلي"

ردت عليه بصوتٍ عالٍ:
"و هو أنتَ هتشوف شغلك بقلة الأدب و إنك تقرب كدا من بنات الناس ؟؟ دي قلة أدب و سفالة"

رفع صوته و هو يشيح بكفيه في وجهها:
"بالراحة على نفسك يا ست، محدش جه جنبك، أنتِ شكلك مسطولة"

قبل أن ترد عليه هي و تعنفه وجدت كف "عمار" يطبق على كفها و نظراته لا تبشر بالخير أبدًا، ثم سأله بهدوء ما قبل العاصفة:
"حصل إيه يا كابتن ؟؟!"

رد عليه بنفس الطريقة السوقية:
"الأستاذة شكلها عبيط ولا معرفش مالها، بترمي بلاها عليا، يا باشا أنا بشتغل مش فاضي للهبل دا"

ردت عليه هي بسرعةٍ:
"هو اللي كداب و حيوان و حاول يقرب مني يا عمار، و لما بعدت عن الرف، قرب مني تاني"

_"كدابة، أنتِ كدابة، شكلك مجنونة والله و عاوزة تتعالجي انتم الغلطانين"

تركها "عمار" ثم اقترب منه يقف مقابلًا له و هو يقول بنبرة صوتٍ جهورية تدل على نيرانه الداخلية:
"معاك حق، احنا الغلطانين فعلًا، الحق مش عليك"

نظرت هي له ببلاهةٍ لا تصدق موقفه بينما "عمار" أمسك رأسه و هو يقول بنبرةٍ متريثة:
"الحق علينا علشان جينا هنا و سيبتها لأشكالك القذرة و أدي راسك ابوسها"

ضربه برأسه في وجهه حتى اصطدمت رأسه بالثلاجة خلفه، فأمسكه "عمار"  من تلابيبه و هو يقول بصوتٍ متقطع:
"اثبت يا حيلتها علشان أعرف اتأسفلك كويس"

قال جملته ثم لكمه في وجهه حتى سقط الأخر أرضًا يتألم بصوتٍ عالٍ، فارتمى عليه "عمار" يضربه من جديد، أما "خلود" فتركته يهذب ذلك القذر دون أن تتدخل حتى لا يثور عليها.

تعليقات



×