رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الواحد والثلاثون 31 والاخير بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الواحد والثلاثون والاخير 

_في نهاية المطاف حدث ما تمنيناه، والدار أصبح أمانًا.
_______________________

_الحدث غريب في موقفٍ أغرب، مولودٌ جديدٌ للعائلة في ظروفٍ غير مناسبة، حالة توتر سادت الأجواء وتخبط جعلتهم يقفون بأعصابٍ مشدودة وترقب وقد ركض الكبار والصغار نحو البيت وقامت "عفاف" بتولية هذه المهمة ومعها نساء العائلة والأخرى تصرخ بوجعٍ من الألم الذي تفرق بجسدها، وببطنها.

وقف "أحمد" في الخارج تائهًا والقلق يدب في اوصاله مما جعله مرتعدًا وسأل بضياعٍ شوش حاله وغير نبرة صوته:

_هي مالها يا جماعة ؟؟ ماهي ولدت قبل كدا ودا محصلش

جاوبه "رياض" مُطمئنًا له بنبرةٍ هادئة دافئة:

_متقلقش هي بتولد طبيعي وأكيد مش زي المستشفى بدون ألم، ربنا يخرجهالكم بالسلامة، متقلقش.

حرك رأسه موافقًا وثبت أنظاره على الغُرفة، بينما وقفت "خديجة" تحمل "ليلى" الصغيرة على ذراعيها تربت عليها والأخرى في عالمٍ آخر لم تدر بما يدور حولها، مرت دقائق أخرى قليلة تبعها صوتٌ صغيرٌ أقرب في درجته لمواء هرة صغيرة جعلت التلهف والإبتسامة تظهر على الأوجه وأولهم "أحمد" الذي ركض تجاه الباب فوجد والدته تخرج له وهي تقول بنبرةٍ فرحة:

_مبارك يا روح قلبي ألف مبروك، يتربى في عزك.

سألها بلهفةٍ قلقة وهو يحرك عينيه يحاول الوصول لهما:

_طمنيني يا ماما، اخبارهم إيه، هي كويسة صح؟؟

حركت رأسها موافقةً فاقترب منه "طه" يربت عليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسمٍ:

_يا واد خير إن شاء الله، هي بس علشان مفاجأة، متقلقش إن شاء الله تشوفهم بخير.

حرك رأسه موافقًا وتنهد بعمقٍ بينما في الداخل تولت النساء أمر "سلمى" وتنظيف المولود بعد قطع الحبل السُري الذي ربط الأحشاء ببعضها وكذلك ربط بين قلب المولود ووالدته، وبقطعه ينشأ الرابط الأقوى وهو رابط الحُب والألفة بينها وبين الصغير، وبعد مرور ساعة تقريبًا من العمل المستمر وركض الفتيات والنساء خرجت "خديجة" بالصغير على يدها وهي تقول بتأثرٍ:

_أمسك يا حبيبي، يتربى في خيرك وعزك يا رب.

حمله من يديها على كفيه لينبض قلبه مرةً أخرى بنفس الطريقة التي نبض بها أول مرة حينما حمل مولدته الأولى، قشعريرة لذيذة ضربت جسده بالكامل، كما أن هناك رجفة سارت في جسده كما الكهرباء، وقع بصره على الصغير بين كفيه ولم يشعر بنفسه سوى وهو يحتضنه ثم قبل رأسه وهتف بنبرةٍ خافتة مُحشرجة:

_نورت الدنيا يا "رُحَـيْـم" وحلاوتها زادت بوجودك.

انتبهوا له جميعًا وتباينت ردود الأفعال الفرحة والمتأثرة والمُحبة، فيما تحرك هو نحو والده يقول بنبرةٍ ضاحكة من بين دموعه المتأثرة:

_أمسك حفيدك يا حج.

حمله "طـه" بين يديه يراقب الصغير بملامح متأثرة وعينين دامعتين ثم قبل رأسها وقبضة كفه الصغيرة المضمومة، فركضت "جاسمين" له تقول بلهفةٍ:

_عاوزه أبوسه، علشان خاطري، لو بتحبني.

أخفض "طه" جسده لها فقبلته "جاسمين" وهي تضحك بسعادةٍ ثم ركضت تجاه "خديجة" تقول بحماسٍ:

_ماما أنا عاوزة نونو زيه، هاتيلي واحد.

حملتها "خديجة" بين ذراعيها وهي تقول بقلة حيلة:

_أنا حلفت من بعدك اكتفي خلاص، عندك أهو اعملي مابدالك فيه، لكن أنا شكرًا صومت وصليت من بعدك.

اقتربت "نغم" في نفس الوقت الذي اقترب به "يونس" ليقفا بجوار بعضهما فسألت "أحمد" بوجهٍ مبتسمٍ:

_خالو أنتَ هتخليه يقعد معانا زي "ليلى" صح؟؟

حرك رأسه فيما اقترب "يونس" يمد ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_جدو ينفع اشيله؟؟ ممكن؟؟

حرك رأسه موافقًا وأعطاه الصغير وقد اقترب بقية الصبية حوله، فابتسم "يونس" وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_هو اسمه إيه علشان مش لاحق أحفظه.

ضحك "ياسين" وجاوبه:

_اسمه "رُحَـيْم".

ابتسم "يونس" ونظر لوالده وقال بنبرةٍ ضاحكة:

_هو "رُحَـيْم" وأنا "يونس" ؟؟.

انتشرت الضحكات على قوله حينما ذكرهم بميلاد "نغم" في صغره حينما سبق وقال هذه الجملة، فيما اقترب "وليد" كعادته يحمل الصغير منه ثم طالع قسمات وجهه وما إن رأه قال بضجرٍ وصوتٍ عالٍ:

_يا وقعة سودا ؟؟ الواد شبه عم "محمد" !!.

ضحك الشباب عليه وكذلك الفيتات وكل الموجودين، فيما قال "محمد" بتهكمٍ:

_مش حفيدي ؟؟ عاوزه يطلع شبه أبوك يعني ولا إيه ؟؟

رمقه "وليد" بغيظٍ فيما اقتربت "سهير" من الصغير وحينها قالت بنبرةٍ ضاحكة:

_دا نسخة من أبوه وهو صغير، شبهه تمام.

تدخل "مرتضى" يقول بضجرٍ منهم:

_يمين بالله أنتوا عيلة كدابة كلها علشان الواد لسه ملامحه متحددتش أصلًا ومش هيبان دلوقتي، بطلوا يا عيلة زياطة.

خرجت "زينب" من غرفة "سلمى" وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

_ادخل اتطمن على مراتك وشوفها وخد ابنك معاها.

حمله "أحمد" وركض به نحوها ليجدها تجلس على الفراش وهي تبتسم له، فاقترب منها يقبل جبينها ثم هتف بنبرةٍ هادئة:

_ألف حمدًا لله على سلامتك، ربنا يديم وجودك ووجودهم ليا، أظن كدا مفيش نوم تاني بقى تفوقي معانا.

ضحكت له ثم نظرت للصغير فمد يده لها به لتحمله على ذراعيها ثم قالت بتأثرٍ وهي تطالعه بعينين دامعتين:

_حلو أوي، يا رب يكون زيك في كل حاجة علشان أكون محظوظة بجد لما ابني يكون نسخة من أبوه.

احضتنها أسفل ذراعه وربت على كتفها وهي تحمل الصغير الذي بدأ يبكي بنبرةٍ خافتة، فيما انتبهت هي لعدم وجود صغيرتها، فسألته بلهفةٍ:

_ليلى فين يا "أحمد" ؟؟.

رد عليها بوجهٍ مبتسمٍ وهو يقول:

_برة مع "ياسين" أظن يعني أنتِ عارفة إنها بتحبه.

حركت رأسها موافقةً ثم نظرت في وجه صغيرها وقالت بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسمت له:

_"رُحَـيْم".
___________________________

في الخارج بدأت الجلبة من الصغار وركضهم خلف بعضهم بفرحةٍ غريبة بسبب المولود الذي أتى جديدًا لدنياهم، فيما تحدث "علي" بتعجبٍ يسأل والده "حسن" قائلًا:

_بابا هو كدا معاه الجنسية الاسكندرانية؟؟.

انتبهوا له جميعهم فتدخل "وليد" يؤيده بسخريةٍ:

_آه يا حبيبي، حتى علشان كدا هتلاقي شهادة الميلاد بتاعته مملحة شوية، بس يا ابن الهُبل.

تدخل "فارس" يسأل هو الأخر:

_ايوا صح يعني هو كدا من إسكندرية ؟؟.

حينها نطق "عامر" بنبرةٍ ضاحكة يقول:

_آه كدا من إسكندرية وبدل ما نحطله على كارت السبوع شيلوني بحنية، نحطله اقروا الفاتحة لأبو العباس يا إسكندرية يا أجدع ناس.

انتشرت السخرية على الجميع فيما نطقت "ميمي" لـ "عمار" الذي جلس بجوارها:

_عقبالك إن شاء الله لما نشيل عيالك وكدا تبقى كملت.

ابتسم لها ثم حرك رأسه نحو "خلود" ينظر لها وهي تحمل ابنة أخيها تهدهدها على ذراعيها وفكر فيها وهي تحمل في أحشائها طفلًا منه هو، تلك المشاكسة التي كان يراها بالزي المدرسي ولم تتخطى علاقتهم سوى بعض الأحاديث العابرة، أصبحت زوجته وحبيبته وبإذن المولى ستصبح أمًا لطفله.

اتسعت ابتسامته أكثر ولم ينطق بكلمةٍ واحدة، بل تحرك نحوها يمسك الصغيرة يداعبها هو الأخر حتى ضحكت معه فوجد "خلود" تقول بنبرةٍ ضاحكة:

_خلي بالك أنا واسطة هنا علشان العيال، لما بحب حد كلهم بيحبوه، يعني هي مش حباك من الباب للطق كدا.

سألها هو بنبرةٍ ضاحكة:

_اومال ليه يا ترى؟؟.

جاوبته ببساطةٍ مرحة:

_علشان أنا حبيتك فهما بيحبوك.

رفع حاجبيه باندهاشٍ مصطنعٍ ثم ركز مع الصغيرة التي أمسكت يده وهي تداعب كفه وتغمغم بعدة كلماتٍ مُبهمة لا يفهم هو منها أي شيء، بل حاول أن يتحدث معها بطريقتها مما جعل "خلود" تبتسم له ثم حاوطت بطنها بكفيها، تساورها الشكوك في حملها وتتمنى أن يصبح الأمر حقيقة، لكن هناك رهبة غريبة تجعلها في خوفٍ من الإقدام على الاكتشاف، تخشى أن تُخذل وأن تصبح مجرد شكوك وهمية، على الرغم من رغبتها الشديدة في اكتمال ظنونها.

تحركت من جواره نحو شقيقتها في الداخل وهي تقول بلهفةٍ أخرجت صوتها مهزوزًا:

_"خديجة" أنا عاوزاكي ضروري.

انتبهت لها شقيقتها ونظرت لها باستفسارٍ فوجدتها تقول بنفس الخوف والقلق يخالطهما الخجل:

_أنا عاوزة اختبار حمل ضروري.

اتسعت عينا "خديجة" بدهشةٍ فقالت "خلود" بنفس الصوت المضطرب:

_بصي أنا متوترة بس شاكة بصراحة، وخايفة يطلع مفيش حاجة علشان مفيش أي أعراض، بس أنا عاوزة اتأكد، أعمل إيه ؟؟.

لاحظت "عبلة" وقوفهما فاقتربت منهما تسأل بتعجبٍ:

_مالكم واقفين كدا ليه؟؟ حصل حاجة ؟؟.

تحدثت "خديجة" تخبرها بما أخبرتها به شقيقتها، لتقول "عبلة" بلهفةٍ:

_طب اقعدي أنتِ متتحركيش، هنزل أجيب حاجات من تحت، خليكِ لحد ما أجيلك علشان نتأكد، ماشي.

نظرت لها "خلود" بضجرٍ وهي تقول:

_بس أنا مبحبش أقعد، إيه الزهق دا؟؟

هتفت "عبلة" بسخريةٍ:

_مش بمزاجك يا حبيبتي، دا غصب عنك.

تحركت الأولى فيما وقفت "خديجة" تبتسم لها ثم هتفت بنبرةٍ مختلطة المشاعر:

_ربنا يكرمك يا "خوخة" إن شاء الله وأفرح بولادك أنتِ كمان خلي الفرحة اتنين وفرحي "عمار" هو كمان.

ابتسمت لها "خلود" وتنهدت بعمقٍ وهي تقول:

_اللي مخليني أخد الخطوة دي هو "عمار" هيبقى أب جميل أوي أوي ، بس يا رب متعشمش على الفاضي، أنا مش حِمل كدا.

احتضنتها شقيقتها وهي تطمئنها بقولها:

_إن شاء الله خير متقلقيش، ربنا يراضيكم ويرزقكم بذرية صالحة تنور حياتكم يا رب.
__________________________

بعد مرور عدة ساعات اجتمعت العائلة مع بعضها في الشقة يتناولون الطعام سويًا ومعهم الصغار بينما "خلود" استطاعت التغلب على خوفها ودلفت تقوم بعمل الاختبار لترى نتيجته وحينما ثبتت شكوكها شهقت بدهشةٍ تلقائية ووضعت كفها على فمها لم تفهم أي شيءٍ، هل تصرخ وتفرح أم تصمت وتتأكد أم تنادي على الحشد الموجود بالخارج، لم تفهم أي شيءٍ ولم تنتبه سوى لصوت "هدير" في الخارج تخبرها بنبرةٍ جامدة:

_يلا خلصي مكسلة أروح الحمام التاني، يلا.

خرجت "خلود" من المرحاض تقف أمامها بتوترٍ لاحظته "هدير" فسألتها بتعجبٍ:

_مالك أنتِ كويسة؟؟ مال وشك مخطوف كدا ليه ؟؟.

تنهدت "خلود" وأخبرتها بضياعٍ:

_أنا حامل يا "هدير".

شهقت "هدير" بفرحةٍ ثم احتضنتها بحماسٍ وهي تحمد ربها ثم ركضت من المكان وهي تقول بفرحةٍ وصوتٍ عالٍ:

_يا "حسن"، "خلود" حامل يا "حسن".

انتبه له "حسن" وضحك رغمًا عنها وهي تركض نحوه تخبره بهذا الخبر السعيد لينطق هو بضحكاتٍ يائسة:

_ألف مبروك ياستي بس قولي لجوزها أنا مالي.

تركته والتفتت لـ "عمار" الذي وقف متسمرًا فور وصول الحديث لسمعه ليجد "هدير" تركض نحوه وهي تقول بلهفةٍ:

_"خلود" حامل والله يا "عمار" ألف مبروك.

انتبه الموجودون لصوتها المرتفع واجتمعوا حولها، بينما "خلود" شعرت بالخجل فتوقفت محلها تسب "هدير" وتهورها وغبائها وفور استماعها لزغرودة والدة "عمار" ضربت رأسها بكفها لتجد فجأةً "عمار" أمامها يسألها بلهفةٍ:

_"خلود" !! الكلام دا مفيهوش هزار ومقالب، حامل بجد؟؟

حركت رأسها موافقةً فوجدته يخطفها بين ذراعيه وأطلق زفيرًا قويًا وهو يقول بتأثرٍ وصوتٍ مختنقٍ:

_الحمد لله يا رب، الحمد لله على كرمك وفضلك، الحمد لله.

رفعت رأسها تسأله بعينين دامعتين:

_أنتَ فرحان صح؟؟ أنا فرحانة أوي وخايفة أوي.

ضمها من جديد يربت على ظهرها لتبكي هي بصوتٍ عالٍ بمشاعر غريبة عليها لم تفهم منها أي شيءٍ حتى وجدت العائلة أمامها وجميعهم يقتربون منها يباركون لها، فيما وقفت "خديجة" تبكي بتأثرٍ فضرب "ياسين" وجهه بكفه وهو يقول بقلة حيلة:

_أبوس إيدك كفاية يا "خديجة" بتعيطي ليه؟؟.

ردت عليه بنبرةٍ باكية:

_فرحانة يا مهلبية، "خلود" المقرودة هتبقى أم.

ضحك رغمًا عنه فيما اقترب "وليد" من "خلود" يقبل رأسها ثم هتف بنبرةٍ هادئة:

_كدا الفرحة اتنين، ربنا يقومك بالسلامة علشان أخده وألحق أربيه قبل ما أفقد شغفي، ألف مبروك يا روح قلب أخوكِ.

خرج "أحمد" على الصوت وسألهم بحيرةٍ وما إن أخبروه شهق بفرحةٍ ثم اقترب يخطفها بين ذراعيه وهو يقول بحماسٍ:

_يا حبيبتي، ألف مبروك يا خوخة، كبرتي خلاص وهتبقي ماما، إيه الدنيا الغريبة دي؟؟؟.

زادت الفرحة أكثر وخصيصًا حينما اقتربت "سيدة" تقبل رأسها و "سارة" التي باركت لها و "عامر" الذي احتضن أخيه بفرحةٍ كبرى ومن بعدها الشباب كل منهم على حِدة، العديد والعديد من المشاعر الدافئة جعلت الفرحة تنتشر في البيت بوجود المولود الجديد و بقرب المولود الأخر الذي تحمله ابنة العائلة.

وقف "حسن" يبتسم لهم فاقترب منه "عمار" يعاتبه بقوله ضاحكًا:

_مباركتش ليا ليه؟؟ مش فرحان لأخوك؟؟

حرك رأسه نفيًا ثم رفع ذراعيه يحتضنه وهو يقول:

_متقولش كدا، أنا فرحان بأخويا أوي ونفسي أشيل عياله على أيدي وأشوفهم نسخة منه كمان، ألف مبروك يا حبيبي.

ضحك له "عمار" وهتف يشاكسه بقوله:

_ياعم عقبالك كدا تجيب حد كمان يلعب مع أخواته.

رد عليه "حسن" بسخريةٍ:

_"فاطيما" مش موافقة بتغير عليا وعلى أمها.

بعد مرور دقائق دلفت "خلود" لـ "سلمى" ففتحت الأخرى ذراعيها لها حتى ارتمت عليها تقول بحبٍ بالغٍ لها:

_من بدري عاوزة ادخل علشان أقولك، حسيت أني لازم أجي أنا وأعرفك، شوفتي كل حاجة عدت إزاي ؟؟ دراستي وحياتي وجامعتي وبقيت مع "عمار" وهجيب نونو حاجات كتير مش مصدقة أنها تحصل، بس حصلت، أنا فرحانة أوي وجيت علشان أفرحك معايا.

احتضنتها "سلمى" وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

_علشان النصيب والرزق مكتوبين بس إحنا اللي نسينا وشغلنا بالنا بالدنيا، اسمعي مني والله كل حاجة مكتوبة عند ربنا واحنا علينا الرضا بكل حاجة، ربنا يقومك بالسلامة وتبقى ساعة ولادتك سهلة زيي كدا، طنط "عفاف" شاطرة أوي أحسن من الدكاترة والله.

ضحكت لها "خلود" ثم قبلت الصغير على وجنته وهي تتطلع إليه بملامح هائمة تتوقع شكل صغيرها الذي شارف على القدوم لتتشارك هي و "عمار" في تربيته ليصبح كما تتمنى هي ويريد هو.

خرجت من الداخل بعدما اطمأنت على "سلمى" فوجدت "عمار" أمامها يقول بصوتٍ هاديءٍ:

_ممكن بقى نهدا شوية ونقعد ؟؟ ينفع يعني؟؟

حركت رأسها موافقةً فيما قبل هو رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_ربنا يكرمني وأقدر أسعدك ويقدرني على تربيته، والأهم بقى أني أقدر على فترة هبلك الجاية علينا دي شكلي هتروق ترويقة بمقام العمر اللي فات كله يا منعنع.

ضحكت له ثم لفت كفها حول مرفقه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:

_كفاية إنك معايا، ودا عندي كفاية.
___________________________

بعد مرور ثلاثة أيام من بعد ميلاد الصغير ومرح العائلة واعتيادهم على الجو برفقة عائلة "الشيخ" وإصرارهم على تقديم المعاونة لهم والبقاء معهم، جلسوا مع بعضهم أمام البحر الصغار والكبار والشباب مختلف الأعمار مع بعضهم، يتشاركون اللحظات الجميلة مع بعضهم وقد التفوا أرضًا يجلسون بجوار بعضهم كل منهم بجوار زوجته و "ميمي" تجلس على المقعد بجوارهم، والصبية الصغار مع بعضهم.

تناولوا الطعام جميعًا وجلست "سلمى" تحمل الصغير على يديها، تستمع بمرح العائلة على شاطيء البحر وصوت الأمواج العالية وهي تسير خلف بعضها، لتبتسم بسعادةٍ وهي تراهم مع بعضهم.

تحدث "مرتضى" بنبرةٍ ضاحكة من وسط الأحاديث الكثيرة:

_طب بما إن "رياض" هنا معايا يبقى يختارلنا لعبة حلوة نرخم بيها على العيال دي، يلا إحنا مش هنتجمع تاني كدا غير بعد عمرٍ طويل، يلا.

ابتسم "رياض" وهو ينظر لابنه وقال بنبرةٍ ضاحكة:

_بص احنا منرخمش عليهم، إحنا نقولهم كل واحد فيهم يرجع بالذاكرة لورا كدا ويفكرنا بأول حاجة قالها لمراته، يعني أهو بنفتكر والعيال دي تتعود مع بعضها وتفتكر الأيام اللي فاتت على اهاليهم، قولتوا إيه ؟؟.

ضرب "خالد" كفيه ببعضهما بضجرٍ فيما انتشرت الضحكات من البعض، ليشير "مرتضى" بأمره للشباب وقد بدأ بابنه "وئام" الذي تحدث بنبرةٍ ضاحكة بعدما نظر لزوجته قائلًا:

_أول حاجة كانت ليلة كتب الكتاب، نزلت أخبط عليها ولما هي فتحتلي لقيت نفسي بقولها
"الدنيا الضلمة بكرة هتنور بوجودك فيها"

ضحكت "هدى" بخجلٍ ثم قبلت ابنتها على ذراعها، فيما تحدث "خالد" من بعده يقول بنبرةٍ جامدة بعض الشيء:

_أنا عن نفسي قولتلها بعض فترة من جوازنا
"سبحان الله القلب رجع تاني دَق ومن بعد قسوته علشانك رق"

أتى دور "طارق" وحينما وجد النظرات موجهة نحوه قال بقلة حيلة وهو ينظر لزوجته:

_"ضيعت عليه العمر يا أبويا، وبصراحة كان أحلى عمر وهي كانت أحلى هدية في العمر كله".

ابتسمت لهم "جميلة" ثم نظرت لوالدتها التي احتضنتها، فيما تحدث "عامر" بنبرةٍ ضاحكة وهو يقول:

_أنا قولت كتير بصراحة، بس أحلى حاجة قولتها:
"ياللي قلبك أبيض زي اللبن وعيونك زبادوه، كل الناس عندي جبنة قديمة وأنتِ لوحدك جاتوه".

ضحكات كثيرة ارتفعت على قوله ومن بينهم "سارة" فيما تحدث "عمر" يقول بإعجابٍ شديد:

_أقسم بالله أجمد حاجة اتقالت في القعدة دي.

تحدث من بعده "ياسر" قائلًا بنبرةٍ رخيمة:

_أنا بقى ربطها بشغلي، يعني كان حبها الداء ووجودها دواء، وقولتلها إن كل الناس دوا مؤقت زي الاوجمانتين بس هي ثابتة زي الفيتامين.

ضحكت "إيمان" وأضافت بنبرةٍ ضاحكة:

_الله يحفظه بيعاملني معاملة فارما للأدوية.

ضحك "ياسر" وجميع من حولهم وبعدهم "ياسين" الذي نظر لها وتذكر أول حديثٍ قاله لها حينما اجتمعا سويًا في العيادة النفسية:

_السجن في وجودك براح يا "خديجة"، ولو الخسارة دي قصاد وجودك معايا أنا مستعد ليها.

ابتسمت له بوجهٍ مُشرقٍ وابتسم هو لها، ليأتي دور "وليد" قائلًا بنبرةٍ هادئة بعدما حمحم بخشونةٍ:

_حلو العمر كان في كان وجودها، والمر في غيابها، والحمد لله إني نسيت طعم المر وكله بقى حلو معاها هي.

ضحكت "عبلة" بخجلٍ ونظرت لابنيها لتجد "مازن" يغمز لها بخبثٍ جعلها ترمقه بتحذيرٍ، فيما أتى دور "حسن" الذي نظر لها بقلة حيلة وهتف بنبرةٍ هادئة:

_بلاقي فيكي الونس وأنا الغريب في الدنيا دي، دي أول حاجة أنا حسيت بيها وقولتها، لأني ببساطة يعني لقيت حياتي من بعد ما عرفت "هدير".

صفقت "هدير" بكفيها له لتنتشر الضحكات عليها، ومن بعدها أتى دور "أحمد" الذي هتف بنبرةٍ ضاحكة:

_صار الورد في أراضينا والفرحة عرفت أغانينا
دي أول حاجة قولتها ليها بصراحة وكنت شايفها لايقة عليها.

ابتسمت "سلمى" له ونظرت لوالدتها التي ضحكت لها وكذلك بقية نساء العائلة، وأخيرًا توقف الدور عند "عمار" الذي جلس بجوار زوجته يهتف بنبرةٍ هادئة:

_أنا يا سكر العمر هشيلك العمر بين جفوني.
يعني زي ما شيلت حبها في قلبي أنا عندي استعداد اشيلها بين عيوني بس تبقى كويسة، يعني علشان أبقى ضامن أني بخير أنا كمان.

ضحكت "خلود" ونظرت له وقد تعلقت نظراتهما ببعضهما ليصفق من بعدها "رياض" لهم جميعًا وانتشرت البهجة من جديد بلعب الصبية الصغار على شاطيء البحر ليقف كلًا من "ياسين" و "وليد" بجوار بعضهما يتابعان الوضع بنظراتهما، الراحة البادية على وجوههم، والمرح السائد بين الصغار، الألفة الموجودة بالمكان، "نغم" التي تركض بالقطة والفتيات يركضن خلفها، والصبية يركضون خلف بعضهم للحاق بكرة القدم، والشباب مع بعضهم يجلسون يتمازحون مع بعضهم، فتنهد "وليد" براحةٍ وهو يقول:

_تصدق !! طلعت هايفة أوي الدنيا قصاد شوية حب وونس بجد من القلب؟؟ يا جدع الواحد لو عليه يشيل الأيام دي بين عيونه، ماهي سهلة أهي يا "ياسين" أومال احنا مصعبينها على بعض ليه؟؟.

ابتسم "ياسين" بسخريةٍ وهو يقول:

_علشان هُبل ربنا يشفينا، إحنا نسينا كل حاجة وانشغلنا في الدنيا نسينا إننا نحب بعض، الدنيا مكان ملهوش لازمة علشان إحنا مش فاضلين فيها، بعدين سيدنا "عمر بن الخطاب" رضي عنه وأرضاه قال في قواعد السعادة السبع:

"قواعد السعادة السبع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب : 
- لا تكره أحدًا مهما اخطأ في حقك 
- لا تقلق أبدًا مهما بلغت الهموم 
- عش في بساطة مهما علا شأنك 
- توقع خيرًا مهما كثر البلاء 
- أعط كثيرًا ولو حرمت 
- ابتسم ولو القلب يقطر دمًا 
- لا تقطع دعاءك لأخيك المسلم بظهر غيب .."

قال حديثه ثم استأنفه من جديد قائلًا:

_ربنا يكرم قلوبنا بكل خير ويعافينا من شر الدنيا وقلبتها علينا، أصلها مش مضمونة، والشاطر اللي ميأمنش ليها ويبقى عارف إنه ضيف هنا، وماشي، ربنا يقوينا عليها لحد ما نلاقي الراحة في جنته.

حرك "وليد" رأسه ينظر حوله من جديد ليبتسم وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_لما الدنيا بشوية رضا وسعادة وحب للناس اللي حوالينا واتعافينا بيهم واتعافوا بينا بقت عاملة كدا، أومال الراحة في الجنة طعمها إيه ؟؟.

ابتسم له "ياسين" ثم صفعه على رقبته من الخلف وهو يقول:

_ربنا يكرمنا ونروح الجنة كلنا علشان نعرف طعم الراحة فيها عامل إزاي، بس نكون اتعافينا من دار الشقاء هنا.

طالعه "وليد" بسخريةٍ وهو يقول:

_تعافيت بك، أنا اتعافيت بيك يا مهلبية.

نظر له "ياسين" بشرٍ ثم ركض له بسبب سخريته عليه وعلى "خديجة" ليركض أمامه "وليد" ومن خلفهم الشباب يركضون معهم وخلفهم الصبية الصغار بأكملهم، وسط الضحكات التي انتشرت في المكان والمرح الذي أخذ يزداد بالمكان الجديد الذي شهد على إجتماعٍ تؤنس القلوب به.

تعليقات



×