رواية جمر الجليد الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد الفصل الواحد والثلاثون بقلم شروق مصطفي 

سيلا... أنا مش هجبّرك على حاجة. بس سيبيها للوقت. إحنا نقدر نبدأ من جديد، مع بعض."


شعرت سيلا ببعض الطمأنينة بين كلماته. أومأت برأسها وقالت:

"هحاول."


ابتسم عاصم داخليًا، وتمنى أن يكون هذا بداية جديدة لهما.


بينما كان وليد يتقدم نحوها في المول، توقف قليلاً، متأملاً همسة وهي تقف حائرة بين الإكسسوارات النسائية. كانت ابتسامته الدائمة حاضرة، مشعّة بالثقة التي اعتاد أن يحيط بها كل من حوله. اقترب بخطوات هادئة، حتى صار بجوارها، ومد ذراعه ليشير إلى قطعة محددة قائلاً بنبرة واثقة:

"دي أجمل حاجة هنا على فكرة."


شهقت همسة فجأة، مرتدة للخلف بخوف واضح، ثم رفعت رأسها نحوه وهي تقول بحدة مليئة بالدهشة:

"إنت! كده برضه يا وليد! تخضني؟"


ارتسم على وجهها الضيق وهي تكمل بلهجة عاتبة:

"زعلانة منك، امشي بقى!"


ضحك وليد، محاولاً تلطيف الموقف:

"أسف والله، مقصدش أخضك. ما أنا لسه قافل معاكي ع التليفون وعارفة إني هنا."


ردت همسة بنبرة تحمل بعض العتاب:

"ما كنتش عارفة إنك جاي على طول.


ابتسم وليد بخفة:

"حقك عليا حبيبتي، ما تتضايقيش."

وضعت همسة يدها على قلبها، قائلة بخفوت:

"خلاص، بس ما تعملهاش تاني."


رد وليد بحنان:

"حاضر، وعد! ها، خلصتي ولا لسه؟"


نظرت همسة إلى ما أشار إليه قائلة:

"خلاص، هاخد ده."


تقدمت نحو الكاشير لتدفع، لكن وليد أوقفها بنظرة صارمة لم تعهدها من قبل. تجاهل اعتراضها تماماً، دفع الحساب بنفسه، ثم التقط الحقيبة من العاملة وسار أمامها نحو الكافيه القريب، وهي تلحق به في صمت.


حين جلسا معاً، نظرت همسة إليه بحذر، قائلة بصوت منخفض:

"مالك يا وليد؟ في حاجة مزعلاك؟"


نظر إليها وليد بغضب مكبوت، وهو يتحدث بحزم:

"همسة، آخر مرة تعملي كده. انتي دلوقتي مسؤولة مني، أي حاجة تخصك أنا اللي أتكفل بيها. فلوسك؟ هفتحلك حساب في البنك تشيليها فيه، لكن أي حاجة تانية أنا اللي لازم أتصرف. ما تحطينيش في الموقف ده تاني، مفهوم؟"


ارتبكت همسة، وانخفضت بنظراتها نحو الطاولة، قائلة بخجل:

"آسفة والله ما كان قصدي. لسه... لسه مش متعودة على كده."


رأى وليد الحُمرة التي غمرت وجهها، فابتسم بلطف، مغيراً نبرته إلى الهدوء:

"خلاص، ارفعي رأسك، الناس هيقولوا إني مزعل القمر اللي قدامي ده. ها، هتطلبي إيه تشربي؟"


انتفضت همسة فجأة، وكأنها تذكرت شيئاً هاماً:

"سيلا! نسيتها. لازم أكلمها تيجي تقعد معانا."


ضحك وليد وهو يطمئنها:

"سيلا مع عاصم دلوقتي، بينهم شوية أمور بيصفّوها. ادعيلهم يتفاهموا."


هزت رأسها بابتسامة خفيفة:

"إن شاء الله."


بدأ حديثهما يتخذ منحى أعمق، يتبادلان فيه أحلامهما وطموحاتهما، ويضعان أسساً لمنزل زوجيّة مشترك، قائم على المودة والتفاهم. ولتتويج هذه اللحظات، أخبرها وليد بفكرة أداء عمرة معاً كبديل لحفل الزفاف التقليدي.


شهقت همسة بسعادة لم تستطع إخفاءها:

"بجد! ده أحلى خبر سمعته. كنت بحلم بيها."


ابتسم وليد، مكملاً:

"قلت بما إننا مش هنعمل فرح كبير، ندخل بيتنا على طاعة ربنا. لما لبستِ الحجاب، حسيت إني أكتر واحد محظوظ. ربنا يبارك لنا في حياتنا."


نظرت إليه بامتنان، قائلة بحب:

"ربنا يباركلي فيك. أنا فعلاً محظوظة إنك في حياتي."


حين عادت همسة إلى المنزل، وجدت سيلا عند الباب، محاطة بحقائبها. سألتها همسة بدهشة:

"إنتِ لسه واصلة؟"

أجابت سيلا بصوت خافت:

"أيوة، عاصم هو اللي وصلني."


تابعت همسة بشيء من الارتباك:

"والله ما كنت عارفة إنه جاي. وليد كلمني وأنا في المول، وكنت مشغولة."


لكن نظرات سيلا لم تكن تحمل أي فرحة تُذكر. وحين سألتها همسة عما حدث، أجابتها سيلا بجملة قصيرة، لكنها مفاجئة:

"بكرة كتب كتابي."


شهقت همسة، واحتضنتها بشدة قائلة:

"بجد! مبروك يا حبيبتي!"


لكن سيلا، برغم عناقها، لم تُظهر الحماس المتوقع، وانسحبت سريعاً لتقول بصوت منهك:

"أنا بس تعبانة شوية. هدخل أستريح."


دلفت سيلا إلى غرفتها، حيث أخذتها أفكارها إلى صراعات داخلية، قائلة لنفسها:

"هل قراري كان صحيحاً؟ أم أنني تسرعت؟ يمكن أن يكون هذا أملي الأخير... لكن لماذا لا أشعر بالفرحة؟"


تنهدت بإرهاق:

"ربما قدري أن لا أفرح أبداً."


... 

الفصل الثاني والثلاثون من هنا


تعليقات



×