رواية حب رحيم الفصل الثلاثون 30 بقلم سمر عمر


 رواية حب رحيم الفصل الثلاثون 

بعد أن وصلت الأطفال إلى الحافلة دخلت مغلقة الباب بظهرها.. لترى رحيم يخرج من غرفة المكتب الذي قضى الليل داخلها.. صعد إلى الطابق العلوي تحت انظارها الحزينة والممزوجة بالدهشة لكونه لم ينتبه إليها.. 

تنهدت بعمق واتجهت إلى الدرج من ثم صعدت إلى الطابق العلوي ودلفت إلى الغرفة.. جلست على حافة الفراش تنظر إلى طفلتها النائمة داخل فراشها.. وعندما خرج رحيم من الغرفة الخاصة بالملابس نظرت إليه بطرف عينيها.. بينما هو رماها بنظرة غضب سريعة ودلف إلى المرحاض كي يأخذ حمامًا دافئ.. 

نهضت عن الفراش وأخذت المكان ذهاباً وإياباً منتظرة خروجه بفارغ الصبر.. ومن حين لآخر تضع آذنها على الباب على أمل أن تتوقف صوت المياه لكنه أطال في الاستحمام اليوم.. بعد لحظات جلست على الاريكة التابعة للفراش تطلع إلى الأمام في حزن.. وكلما تذكرت المشاجرة التي حدثت بينهم تتألم من الداخل وتأنب نفسها لأنها كذبت.. 

فاقت عندما فتح الباب فهمت واقفه تنظر إليه في حزن.. كادت أن تتحدث لكنه دلف إلى الغرفة فجزت على أسنانها ولحقت به لتقف أمام الباب.. بينما هو يرتدي القميص فأسرعت بالوقوف أمامه وبدأت تغلق له الأزرار بدلا منه.. نظر إليها عاقدًا بين حاجبيه في حنق شديد رفعت عينيها إليه لكن سرعان ما أخفضتهما من ثم أغلقت له ازرار معصمي القميص ثم حملت المعطف ووقفت خلفه.. انتظرت حتى ضبط ثيابه وساعدته في ارتداء المعطف.. 

قام بضبطه من الأمام وهم أن يخرج لكنها وقفت أمامه وقالت بصوت منخفض دون أن تنظر إليه : 
-أنا اسفه.. انا غلطانه 
-بعدين نتكلم 
قال كلماته بنبرة عنيفة تاركًا إياها وخرج ليقف أمام المرآة يمشط شعره.. مسحت هي على وجنتيها وخرجت قائلة : 
-طيب أنا هخرج عشـ.. 
قطع حبل كلماتها بدفعه : 
-لاء مفيش خروج 
حملقت به في دهشة وتقدمت خطوتين قائلة بتذمر : 
-طيب اعرف الأول رايحة فين 
التفت إليها يتطلع إليها بوجه محتقن للغاية قائلاً : 
-وفكرة اني هصدقك؟!.. 
لامعت عينيها من الدموع تحدق به بعدم استيعاب.. فأشاح بوجه بعيدًا يأنب نفسه على ما هتف به للتو عاصرًا قبضة يده يتنهد بعمق حتى أخذ صدره يعلوا ويهبط.. ثم اتجه إلى الباب وقف عنده يعصر المقبض بقبضة يده واغمض عيناه عنوة قائلاً : 
-ندى مش قصدي.. لكن مش عايز ابن عمك ده يقابلك تاني 
ثم خرج مغلقاً الباب خلفه فأغمضت عينيها لتهبط دموعها الساخنة على وجنتيها.. بينما استيقظت الطفلة ورفعت جذعها عن الفراش تفرك أحد عينيها ثم بصوتها الطفولي أخذت تنادي والدتها.. نظرت اتجاه الفراش وتقدمت نحوه وهي تمسح دموعها ثم حملتها وضمتها إليها وقبلتها على وجنتها برفق 
*** 
عند وصوله إلى الشركة دلف إلى غرفة المكتب مباشرةً دون أن يتحدث مع أحد.. حاول أن ينشغل بأي شيء لكن ما حدث الليلة الماضية يدور حول عقلة.. كما أنه يجن جنونه كلما تذكر مقابلة زوجته مع ابن عمها دون أن تخبره بذلك.. جز على أسنانه عنوة يصدر صوتًا يصف مدى غضبه وقام بكسر أحد أقلام الرصاص.. 

دق الباب فالتفت بالمقعد وهو يأذن بالدخول.. فتحت السكرتيرة الباب لكنها تعجبت بالتفاف المقعد ثم تحدثت : 
-مستر رحيم في واحده عايزه حضرتك بره 
-دخليها 
أمر بدخولها بسأم واضح دون أن يستفسر عنها كعادته عندما يأتي أحد لمقابلته.. خرجت وبعد لحظات دخلت الفتاة ووقفت أمام المكتب تبتسم ابتسامة باردة قائلة : 
-مساء الخير يا رحيم 
قطب جبينه والتفت بالمقعد ليرى " جيجي" أم أولادة.. لم يتعجب من وجودها بل تطلع إليها بثقه ممزوجة بالحنق وقال بعدم قبول بعد أن استند بظهره إلى المقعد : 
-أستاذ رحيم 
-من امتى بينا الكلام ده؟ 
نهض عن المقعد متجهًا إليها ووقف في مواجهتها واضعًا يديه في جيبي سرواله قائلاً : 
-من أول ما اتقابلنا.. واختصري وقولي جايه ليه؟ 
-اوكي انا جايه أقدم على شغل عندك هنا.. طبعًا انت عارف كنت بشتغل في شركة معروفة في فرنسا وبفهم في تناسق الألوان والميكا اب 
قال ساخراً : 
-هي الشركة قابلت لصناعة ميكا اب وانا اخر من يعلم ولا ايه 
لوت ثغرها بحنق وتنهدت قائلة : 
-لاء انا اقصد اختيار ألوان ميكا اب لعارضات الأزياء 
-شكرًا مش محتاجين حضرتك في حاجة 
زمت شفتيها رافعه عينيها إليه وتحدثت بحزن مصطنع : 
-أرجوك وافق لو مش علشاني يبقى علشان الولاد 
مد يده إليها قائلاً : 
-فين الملف بتاعك 
ابتسمت وفتحت سحابة الحقيبة لتأخذ ذلك الملف وأعاطته إياه قائلة : 
-شكرًا أستاذ رحيم 

بالأسفل.. 

صفت السيارة جانبًا وألقت نظرة على مبنى الشركة مترددة بالذهاب إليه.. لكن حسمت قرارها و حملت باقة الورد الزرقاء ثم ترجلت ودلفت إلى الداخل.. من ثم استقلت المصعد الكهربائي إلى الطابق المنشود وخرجت متجه إلى غرفة المكتب.. وقفت عندما رأت مكتب السكرتيرة خالي فنظرت حولها بحثًا عنها تود أن تعلم منها رحيم بمفردة ام معه أحد.. لكنها لم تنتظر كثيرًا وفتحت الباب بابتسامة واسعة.. 

لكن اختفت ابتسامتها تدريجياً عندما رأت جيجي معه كما أنها شعرت بالصدمة والذهول معًا.. في ذات الوقت أصابها الغيرة القاتلة التي انزلقت فوق قلبها كلوح ثلج أثلج صدرها وعينيها تنتقل بينهم.. نظرت إليها بابتسامة باردة في حين تأملها رحيم للحظات ثم مد يده بالملف قائلاً : 
-روحي لمكتب عمرو 
أخذت الملف وقالت في تعجب : 
-عمرو مين ده؟ 
التفت ورفع سماعة الهاتف بعنف وطلب من عمرو صديقة أن يقابل جيجي عند غرفة المكتب.. ثم وضع السماعة كما كانت والتفت إليها قائلاً بنفاذ صبر : 
-أطلعي استني بره 
حملقت به في دهشة ثم نظرت إلى ندى بضيق شديد.. مسك بيد ندى وادخلها فخرجت الأخيرة بخطوات واسعة ليغلق خلفها الباب بعنف.. ثم ترك يدها ووقف يشعل سيجاره ينفث دخانها بالهواء.. تنهدت ووضعت باقة الورد أعلى المكتب وقالت بهدوء على عكس الفوضى التي تشعر بها : 
-كنت جاية عشانك وامشي على طول.. 
ثم أردفت : 
-همشي بقى 
أومأ بتفهم فحدقت به بوجه محتقن ثم التفتت متجه إلى الباب.. لكنها توقفت بعد أن عصرت قبضتها عصراً بفضل غيرتها الشديدة عليه ولم تتحمل وجود تلك المرآة المزعجة معه هنا.. التفتت إليه ووقفت في مواجهته رافعه عينيها التي تنطق بالغيرة وبالامتلاك ثم تساءلت بصوت مبحوح : 
-بتشتغل هنا من امتى؟! 
-لسه النهار ده 
رد عليها ببساطة بعد أن نفث دخان سيجارته بالهواء.. وجدت نفسها تندفع بحده : 
-قول الحقيقة ولا بتردلي كذبتي 
اطفأ سيجارته وقبض على ذراعيها عنوة فجحظت عينيها في دهشة بينما هو تحدث بعنف : 
-انا بقول الحقيقة ومستحيل أكذب عليكِ.. علشان ماينفعش نخبي حاجة على بعض 
-على فكرة أنت وجعني 
أنتبه لقبضتي يديه التي تعتصر ذراعيها ليتركها على الفور.. فبدأت تمسح على ذراعيها ترمي بنظرات عتاب واضحة ثم تركته متجه إلى الباب وخرجت راكضة إلى المصعد الكهربائي.. ووقفت تضغط على زر الصعود بعنف.. ودخلت بعد أن صعد ليهبط بها كما هبطت دموعها على وجنتيها لكن سرعان ما مسحتهما عن وجنتيها.. وعند وقوف المصعد خرجت بخطوات واسعة إلى الخارج.. عند وصولها إلى السيارة همت أن تفتح الباب لكنها شعرت بالدوران المفاجئ فوضعت يدها على جانب رأسها مغلقه عينيها بقوة.. ظلت على هذا الوضع إلى لحظات وعندما شعرت بتحسن استقلت السيارة وغادرت إلى منزل جدتها لتأخذ طفلتها من ثم تذهب إلى المنزل.. 

بعد مدة من الزمن.. 

وضعت طفلتها داخل فراش صغير تحمله بيدها وقامت بوضعه إلى جوار الاريكة.. ثم طبعت قبلة حانية على جبينها الصغير بعد ذلك دلفت إلى المطبخ.. شعرت بذات الدوران ثانيةً فمسكت بالمقعد وأغلقت عينيها مقطبه جبينها.. بعد لحظات تحسنت فتابعت الطهي وبعد دقائق قليلة قررت أن تخرج للاطمئنان على طفلتها.. فاتجهت إلى الباب لكن أصابها الدوران للمرة الثالثة وشعرت وكأن الأرض تتحرك بها إلى اليمين تارة واليسار تارة أخرى.. فلم تتحمله تلك المرة وسقطت على ركبتيها ثم اغشيا عليها لتسقط وارتطمت رأسها بالأرض.. 

مضى الوقت ومازالت على هذا الوضع حتى احترق الطعام ليتحول تبخر المياه الأبيض إلى الأسود.. كما أن وصلت حافلة الأطفال وعند دخولهم تعجبوا من عدم انتظار ندى لهم اليوم.. أخذ ريان يدق علي باب المنزل وانتظر الأثنان كثيراً لكن بلا جدوى.. 

-ريان خلينا ندخل من بابا الجنينة 
أومأ بالإيجاب ثم ركض الاثنان إلى حديقة المنزل وعند دخولهم إلى المنزل استنشقا رائحة حرق الطعام.. كما أن آسيا استيقظت باكيه وهبطت من الفراش.. فركضت أختها إليها ومسكت بيديها في حين وضع الأخير حقيبته على المقعد واتجه صوب المطبخ.. وعند دخوله وقف مصدومًا عندما رآها على هذا الوضع وبعد لحظات بدأ يسعل بشدة.. لكنه أسرع إليها ليمسك بيديها وحاول سحبها إلى الخارج بكل ما فيه من قوة لكنه لم يستطيع فعل هذا بمفردة.. 

تركها وخرج راكضًا إلى الباب وفتح إياه سريعاً وركض إلى الخارج ينادي الأمن وهو يبكي.. بينما دخلت أشرقت إلى المطبخ وجلست إلى جوار ندى تربت على وجنتيها وتبكي عليها وتسعل بشدة بفضل الدخان الذي ملئ المكان.. 

دخل الأمن وقام أحدهم بإخراج أشرقت وسحب الآخر ندى إلى الخارج.. ثم دخل ثانية وأغلق النيران من ثم فتح النوافذ بينما هاتف زميله سيارة الإسعاف.. والتي جاءت بعد دقائق ليست قليلة لتستمع تلك التي تجلس داخل شرفة غرفتها بوق سيارة الإسعاف المعروف.. فنهضت عن المقعد وأسرعت بالخروج لكن تم نقل ندى وذهب أحد أفراد الأمن معهما من أجل الأطفال.. ووقف الأخير يتصل على رحيم وأخبره بما حدث كما أنه طلب منه أن يهاتف زميله ليخبره بعنوان المشفى.. في ذات الوقت خرجت رنا وتساءلت في دهشة : 
-الإسعاف كانت هنا ليه؟ 
تعجب من وجودها بالمنزل ولم تشعر بما حدث لكنه أجاب على سؤالها ثم عاد إلى مكانه.. فدلفت إلى الداخل مغلقة الباب بظهرها وضربت كف على كف 
*** 
المشفى.. 

حاولت أشرقت تهدئة أختها الصغيرة لكنها فشلت بل وتضاعف بكائها.. أخذتها أحد الممرضات كي تطعمها علها تكف عن البكاء.. بعد دقائق جاء رحيم يركض بين الأروقة حتى وصل إلى الغرفة ووقف يلهث بصوت عال.. بمجرد أن رأت والدها ركضت إليه تحتضن أحد قدميه قائلة بحزن : 
-بابي خايفه ندى تمشي وتسبني 
مسح على شعرها برفق في حين نهض رجل الأمن وقال بهدوء : 
-آسيا مع الممرضة شوية وهتجيبها.. وربنا يقومها بالسلامة 
اومأ متمتمًا بالشكر فاستأذن وغادر عائداً إلى المنزل.. جلس إلى جوار ريان الذي يتطلع إلى الفراغ في صدمة واضحة.. فمسح والده على شعره وعندما خرج الطبيب نهض بلهفة كي يطمئن على حالتها فقال بهدوء : 
-أحسن الحمد لله.. هي بس ضغطها كان واطي جدا لكن المحلول هيظبطه 
تحدث معه للحظات ثم سمح له بالدخول فدخل على الفور ووقف إلى جوار الفراش يتطلع إليها بحزن وقلق شديد حتى اصطبغت عيناه بحمرة الدموع.. مسك بيدها وانحنى بجذعه كي يطبع عليها عدة قبلات حانيه ثم عاد بالنظر إليها لتهبط دموع القلق والخوف من فقدانها على وجنتيه لتحتضنها لحيته السوداء.. 

دخل الاثنان ووقفت أشرقت إلى جوار الفراش تطلع إلى ندى بحزن واضح بعد أن قطبت جبينها وتساءلت في توجس : 
-بابي هي ندى ممكن تسيبنا؟ 
مسح دموعه بأنامل يده ثم وضع كفه على شعر طفلته وقال بهدوء : 
-ندى بخير الحمد لله.. 
التفت إلى ريان ووقف أمامه ثم جلس على ركبتيه ليكون في مستوى ومسح على جانب شعره قائلاً : 
-ندى هتيجي معانا البيت بإذن هي بخير 
أومأ ومازالت علامات الحزن واضحة عليه قبله على وجنته برفق ثم نهض عن الأرض.. بينما دق الباب ودخلت الممرضة التي تحمل آسيا.. والتي بمجرد أن رأت والدها مدت يديها الصغيرتين إليه تناديه.. فأخذها واحتضنها بشدة في حين اطمأنت الممرضة على حالة ندى ثم خرجت مغلقة الباب خلفها.. 

بعد مدة من الزمن.. 

فتحت عينيها ببطء وحركت مقلتيها هنا وهناك ثم رفعت جذعها عن الفراش بلهفة مناديه : 
-أشرقت 
نظر الاثنان إليها بلهفة وتقدمت نحوها لتقف إلى جوار الفراش وقالت مبتسمه : 
-ندى أنتِ كويسه 
رفعت يدها اليمين لترا حقنه داخل الوريد ثم أدارت رأسها ناحية أشرقت وأحاطت عنقها بذراعها الاخر لتحتضنها.. لتجد نفسها تنظر إلى ريان والذي ابتسم إليها فابتعدت عنها متسائلة : 
-مين جابني هنا؟ 
-الإسعاف 
رد ريان على سؤالها بتلقائية فقالت الأخيرة : 
-ريان دخل لقي الاكل اتحرق وأنتِ واقعه على الأرض فجرينا ننادي عمو وهو جه خرجك من الدخان وطلب الإسعاف 
-فين آسيا؟! 
تساءلت بلهفة وتوجس واضح من نبرة صوتها الهزيل فأجابت بهدوء : 
-مع بابي.. هو راح يجيب لينا اكل 
تنهدت بهدوء وأراحت ظهرها إلى الوسادة تنظر إلى الفراغ بحزن.. بعد لحظات دخل رحيم فنظرت إليه بنظرات عتاب لكن سرعان ما أطرقت رأسها.. بينما هو وضع طفلته على الاريكة وأعطى الطعام إلى ابنه ليقترب من حبيبته بلهفة ووقف إلى جوار الفراش يقبلها على رأسها عدة مرات.. ثم مسك بكفها وباليد الأخرى يمسح على شعرها من الإمام إلى الخلف متسائلاً : 
-الحمد لله على سلامتك يا روحي.. طمينني عليكِ 
سحبت يدها من يده وهي ترميه بعدة نظرات من العتاب قائلة : 
-الحمد لله بخير 
جلس على حافة الفراش أمامها بعد أن مسك بكفها ثانية وضعه بين راحتي يديه.. أخذ يتأملها بنظرات من الخوف والقلق مقطبًا جبينه وهم أن يتحدث لكنها تحدثت بهدوء : 
-أنت عارف بخاف من المستشفيات.. عايزه امشي 
-حاضر 
ثم رفع كفها إلى حيث شفتيه وطبع قبلة حانية على راحة كفها.. ثم تركها متوجهًا إلى الباب وقبل أن يخرج نظر إليها نظرة حب طويلة.. تنهدت بعمق واضعه كفها أعلى صدرها ثم نظرت إلى الأطفال لترا أشرقت تطعم أختها الصغيرة.. بينما دخلت الممرضة بعد أن دقت الباب واتجهت إلى الفراش قائلة : 
-حمد الله على السلامة مدام ندى 
-الله يسلمك 
وقفت إلى جوارها تتابع المحلول الذي ليس به إلا قليل.. ثم نظرت إلى الأطفال بابتسامة واسعة قائلة : 
-ربنا يخليكِ ليهم دول كانوا هيتجننوا عليكِ.. وخصوصًا جوزك 
رفعت عينيها إليها ووجدت نفسها تبتسم على كلماتها فبادلتها الأخيرة بابتسامة.. ثم أوقفت المحلول وقامت بسحب الحقنه برفق شديد قائلة : 
-هجيلك بكرة بإذن الله في نفس المعاد علشان المحلول التاني 
-بإذن الله 
مسحت على كتفها برفق ثم استأذنت وخرجت مغلقة الباب خلفها.. رفعت ندى جذعها عن الفراش واضعه قدميها على الأرض في انتظار رحيم.. لتجد نفسها تتذكر كلمات الممرضة.. كم هي تعشق هلع قلبه خوفًا عليها كما أنها تعشق عشقه لها وقلقه عليها.. اتسعت ابتسامتها تحرك رأسها في كلا الاتجاهين بينما هو فتح الباب فرفعت عينيها المبتسمة إليه.. 

أغلق الباب وتقدم نحوها ليجلس إلى جوارها وأحاط كتفها بذراعه وقبلها على خصل شعرها عنوة وهمس بنبرة عتاب : 
-ينفع كده تقلقيني عليكِ؟ 
-مش بمزاجي 
-لاء بمزاجك.. أنتِ مشتاقة لقلق قلبي عليكِ 
رفعت عينيها إليه لتتقابل عيناهم بنظرات من العشق الذي يليق بهما وهمست بهدوء : 
-فعلًا كنت مشتاقه.. 
ثم أطبقت شفتيها على وجنته بقبلة رقيقة طويلة فلاحت ابتسامة جانبية على ثغره بينما هي همست بالقرب من آذنيه : 
-أسفه مستر رحيم 
-لقد ذاب مستر رحيم بين حروف كلماتك 
اتسعت ابتسامة الحب التي لم تزيين ثغرها ألا عندما تستمع آذنيها إلى هذه الكلمات العذبة من ذلك الرجل الذي جعل من قلبها سكن له وأصبح ينبض به وله فقط 
*** 
بالمنزل.. 

اطمئن على أطفاله اليوم بنفسه بدلًا من ندى.. كما أنه ترك طفلته الصغيرة مع اختها اليوم والتي تتعامل معها بكل حب وود وتعرف جيدًا كيف تجعلها تضحك وتكف عن البكاء.. 

ثم عاد إلى غرفته ومدد على الفراش إلى جوارها وفتح لها ذراعه.. فابتسمت واضعه رأسها على صدره فأطبق ذراعيه عليها يضمها إليه عنوة وقبلها على رأسها برفق.. ثم مسك بيدها ورفع إياها إلى حيث شفتيه وطبع عدة قبلات حانية على ظهرها.. وباليد الأخرى يعبث بشعرها فأغمضت عينيها بطمأنينة مستسلمة إلى النوم.. 

تنهد بعمق يتطلع إلى الأمام مقطب جبينه يتذكر ما حدث بينهم الليلة الماضية ليعاتب نفسه على حدته معها وعدم قبول اعتذارها.. كما أنه تذكر باقة الورد التي جاءت بها من أجله فعصر قبضته بضيق وندم.. ثم نظر إليها بحزن وبهدوء وضع كفه على وجنتها يمسح عليها برفق.. 

اعتذر عن ما بدر منه بنظراته النادمة وعتاب قلبه له الذي يؤلم قلبه كأسهم حاده تخترقه.. يقسوا عليها ويندم أشد الندم الذي يذبح صدره.. 

صدح صوت الهاتف الخاص بها أعلى المنضدة المجاورة للفراش من الاتجاه الآخر.. أدار رأسه ناحيته ثم وضع رأسها على الوسادة برفق ونهض عن الفراش متجهًا إلى الجانب الآخر كي يحمل الهاتف الذي تضئ شاشته باسم " تميم".. 

عصر الهاتف داخل قبضته ثم فتح المكالمة وخرج إلى الشرفة مستمعًا إلى حديثه بعد أن وضع الهاتف على آذنه.. 

-ندى انا مش هستنى تردي عليا بكرة علشان بكرة هتسلميني الفلوس اللي طلبتها منك 
-وأيه كمان؟!.. 
قال كلماته بنبرة رجولية حادة جعلت الأخير ينظر إلى شاشة الهاتف في دهشة ثم وضعه على آذنه ثانية وحاول أن يتحدث لكن يبدو أن الكلمات توقفت في حلقه.. فرفع الأخير أحد حاجبيه قائلاً بحسم : 
-انا بقى في انتظارك بكرة في مكتبي.. طبعا عارف عنوان الشركة 
لم ينتظر رده وأنهى المكالمة ليجز على أسنانه عنوة حتى تحرك صدغاه.. ثم ضرب على سور الشرفة بقبضة يده والتفت عائدًا إلى الداخل.. وضع الهاتف كما كان ثم خرج من الغرفة متجهًا إلى غرفة شقيقته.. 

عند وصوله وقف يقرع الباب بقبضته القوية لتأذن بالدخول.. فدخل مغلقا الباب خلفه بقوة ليصدر صوتًا عاليًا جعل من بدنها أن يهتز.. نهضت عن الفراش ووقفت في مواجهته وتساءلت بهدوء : 
-ندى أخبارها ايه دلوقت؟ 
رد عليها بسؤال وعيناه تقذف شرارات من الجحيم تشبه نبرة صوته : 
-يهمك في ايه؟ 
حملقت به وقد شعرت بعدم الارتياح من نظراته ونبرة صوته هذه تخاف منها.. لكنها لم توضح له ذلك واجابت ببساطة : 
-يهمني طبعًا مش مرات اخويا 
-مرات اخوكي المفروض تحبيها وتطمني عليها كل شويه أو على الأقل تبقى جنبها.. 
قال كلماته بصوت حاد عال لدرجة كبيرة جعلها تتمنى لو الأرض تنشق وتبتلعها الآن بينما هو تابع بذات العنف والتذمر الشديد : 
-كنتِ فين الوقت ده كله لما ندى أغمى عليها؟!.. ماسمعتيش صوت آسيا ولا شميتي ريحة حرق الاكل ولا أنتِ خيال مآته 
-أنا كنت في اوضتي وفعلا ماحستش بأي حاجة 
جز على أسنانه قائلا بنبرة متوعدة حادة بعد أن رفع سبابته في وجهها : 
-أسمعي ده آخر إنذار ليكي يا رنا.. عاملي ندى زي ما بتعاملك ولو عرفت انك سمعتيها ايه كلمة مالهاش لازمة تعتبري نفسك برة البيت ده 
ثم تركها والتفت متجهًا إلى الباب وفتحه بعنف كي يصطدم بالحائط فانتفض بدنها وعندما خرج أغلقت هي الباب بهدوء.. وعادت إلى الفراش لتجلس على حافته واضعه رأسها بين راحتي يديها تفكر في كلمات شقيقها..

اما رحيم فوقف أمام باب الغرفة يلتقط أنفاسه بهدوء ويمسح على شعره الكثيف من الإمام للخلف.. ثم دلف إلى الداخل ومدد إلى جوار زوجته بل حبيبة قلبه ووضع كفه على وجنتها بلطف يتأملها بسوداويته العاشقة لها على أي حال 

تعليقات



×