رواية حصاد الصبار اقتباس 2 بقلم مريم نصار


 رواية حصاد الصبار اقتباس 2 

جفَّاها النوم، فلم تعد ترغب فيه، وجلست على فراشها المبعثر قليلاً، حيث غطت الغرفة أضواء خافتة من المصباح الجانبي الذي لا يكاد يضيء الزوايا البعيدة. في يدها الصغيرة قلم، وعلى الطاولة أمامها كانت اللوحة الورقية البيضاء، تستدعي منها التفكير والتركيز. كانت واثقة أنها لن تقترب منها في هذا الوقت، فواصلت الرسم بلا قلق، غارقة في عالمها الخاص، حيث لا شيء يزعجها، فقط سكون الليل وضوء المصباح يرقص على الجدران.

أصابعها الصغيرة كانت تتحرك بحذر، ولكنها مطمئنة، تخط خطوطها بثقة، وكأن الريشة التي رسمتها هي نافذتها على العالم، تنبض بالحياة من بين يديها. كانت تراقب بعناية كل حركة للقلم، حتى انتهت من رسم ريشة طائر المرسال ثم مزجت الألوان الرمادي مع الأصفر بهدوء، حتى بدت الريشة وكأنها تتألق تحت الضوء الدافئ. كانت في غاية الجمال، ولم تستطع أن تبتعد عنها، كانت أشد جمالاً مما توقعت، تجذب العين وتريحها في ذات الوقت، وكأنها تحمل رسالة من عالم خفي.

انتهت من رسمتها، وأمسكت اللوحة بكلتا يديها، ثم نظرت إليها بتأمل عميق. شعرت بفخر طفولي غامر، وابتسمت ابتسامة صافية تعكس فرحتها بما أنجزته.

وضعت اللوحة أمامها على الطاولة، وأمسكت القلم بأصابعها الصغيرة، عازمة على كتابة إهداء بسيط لوالدتها. لكنها توقفت فجأة، وعقدت حاجبيها في حيرة. كانت الكلمات كثيرة في قلبها، لكنها لم تعرف كيف تصوغها.

نظرت إلى اللوحة مجددًا، وهمست لنفسها بصوت خافت، وكأنها تخاطب قلبها الصغير:

"كنت أود أن أكتب... يا طائر المرسال، أرسلها لأمي، وبلغها مني السلام."

تأملت الرسم مرة أخرى بعينين تلمعان بالحب، ثم قررت أن تترك اللوحة دون كتابة، لأن ما بداخلها من مشاعر كان أكبر من أن يُحصر في كلمات. وضعت القلم جانبًا، واكتفت بابتسامة حالمة وهي ترى في اللوحة رسالة صامتة تحمل كل حبها وشوقها لوالدتها.

ولكن فجأة، تغيرت تعبيرات وجهها، إذ شعرت بشيء غريب في جو الغرفة، فشهقت فجأة، فزعاً، حينما سمعت خطوات تقترب من الغرفة. سرعان ما نهضت مسرعة، وأخفت كل شيء في حقيبتها، وضعتها أسفل المكتب الذي كان يعج بالكثير من الأشياء المتناثرة، ثم ركضت إلى الفراش، وكأنها تترقب عقاباً جديداً.

تعليقات



×