رواية صراع الذئاب الجزء الثاني (عهد الذئاب) الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم ولاء رفعت علي


 رواية صراع الذئاب الجزء الثاني (عهد الذئاب) الفصل التاسع والعشرون بقلم ولاء رفعت علي 

_ ذهبت تتفقد وتطمأن علي ملك لتجدها تغط في النوم وتمسك بالهاتف المضيئ علي صورة مصعب ... دثرتها بالغطاء وأخذت منها الهاتف وضعته بجوار تختها علي الكمود ثم غادرت الغرفة ... و دخلت إلي الغرفة المجاورة لتجد آدم يجلس في الشرفة ممداً ساقيه علي حافة السياج ويزفر دخان سيجارة قد أشعلها لتوه ... قاطع خلوته صوتها الذي يبدو عليه الضيق

_ رجعت للسجاير تاني يا آدم !!.

أنزل ساقيه و أطفأ السيجارة في السور ثم ألقي بها من الشرفه وقال :

- معلش يا حبيبتي كنت مخنوق شويه فكنت محتاج حاجة أطلع فيها الي جوايا .

جلست أمامه وأمسكت بيده بين كفيها :

- وأنا روحت فين ؟.

رفع يده ممسكاً بيديها قائلاً :

- أنتي مبتفارقنيش ولا لحظة حتي وأنتي بعيدة عني .

وقام بتقبيل يديها وأردف :

- ربنا يخليكي ليا .

رمقته بنظرات حب وحنان :

-طيب ممكن متشربش سجاير تاني ولو مخنوق قولتلك فضفض معايا والأحسن من كل ده تقوم تتوضا وتصلي ركعتين لله و أشكي حالك لربنا وأقعد أستغفره كتير .

ردد بصوت خافت الإستغفار ثم قال :

-والله يا خديجة مش عارف أعمل أي مابين بابا وماما برغم كل الي عمله مقدرش أكرهه.. في نفس الوقت مش هاين عليا أشوف ماما في الحالة دي وأسكت .. أنا تعبت .

نهضت وجلست علي مسند كرسيه لتربت عليه وهي تعانقه :

- حبيبي متعملش في نفسك كده ربنا هيهدي ما بينهم إن شاء الله ويمكن لما كلنا بعدنا عنه يراجع نفسه ويتغير للأحسن .

_ مش بابا يا خديجة .. عمره مابيعترف بغلطه وبيكابر حتي لو خسر الي حواليه .

أمسك بيدها ليجعلها تقف ثم تجلس علي فخذيه محدقاً في عينيها وأسترسل حديثه :

_ تعرفي إن أنا زيه بالظبط .

أمالت رأسها علي كتفه وقالت:

_ عارفة و حبك ليا الي غيرك .

جذب حجابها من رأسها بلطف مستنشقاً عطر خصلاتها

_ أنتي كل حاجة فيكي غيرتني .. و كل حاجة حلوة في حياتي.

دفنت وجهها خجلاً في عنقه وهمست :

- بعشقك يا دومي .

أبعد رأسها عنه ونظر إليها بإمتعاض مصتنع :

- مش قولت بلاش الاسم ده بتحسسيني أن أنا إبن أختك .

قهقهت وقامت بالضغط علي وجنتيه :

_ أنتي إبني أنا والي في بطني ده التاني .

وضع يده علي بطنها وتنهد بأريحيه وقال :

_ بمناسبة قلب بابا عايز أقولك علي حاجة .

أعتدلت في جلستها تستمع له بإنصات ليكمل حديثه :

- قبل ما أعرف إنك حامل روحت لدكتور متخصص في حالتي ولما شاف تقارير التحاليل الي عملتها آخر مرة قالي إن فيه أمل و ممكن نخلف بعد ما أمشي علي العلاج وفضلت أدعي ربنا يرزقنا بالذرية الصالحة .. مكنتش متخيل إن دعوتي إستجابت بالسرعه دي بعد ماكنت خلاص قربت أيأس .

_ حبيبي ده رزق ومكتوب ميعاده عند ربنا إنه هيجي أمتي ومفيش حاجة مستحيلة كله بأمر الله .

_ حقك عليا يا حبيبتي لما كنت بعاند معاكي ورافض أن أتعالج .. آسف .

قالها وقام بتقبيل رأسها .. قامت بمعانقته وقالت :

متتأسفش ياحبيبي ... كفاية إنك فكرت فيا وحاولت عشاني ده عندي أكبر من الإعتذار .

عانقها أيضاً بقوة قائلاً :

- كان عندي حق فعلاً لما شبهتك بالورد الأبيض ... أنتي ملاك يا خديجة .

همس بشفتيه بالقرب من أذنها :

- بعشقك يا ديجا .

قالها وكاد يقبلها .. أوقفه رنين هاتف خديجة .. وهمت بالنهوض فأمسك بها

_ سيبك من الفون وخليكي في حضني .

تمتم بحنق مصتنع :

_ أي الحظ الرخم ده كل ما أجي أقولك كلمة سر يجي حد رخم يتصل ويقطع اللحظة الرومانسية دي .

ضحكت وهي تتملص من بين زراعيه :

- بس بقي خليني أشوف مين .

نهضت وأمسكت بهاتفها الذي كان علي التخت .

_ ياسمين !

أجابت خديجة :

- الو؟.

ردت عليها الأخري وهي تبكي وتشهق بقوة :

- ال .. الحقيني يا خديجة ... يي ياسين .

أنقبض قلب خديجة بخوف وقالت :

- يا بنتي إستغفري الله وإهدي مش فاهمه حاجه .

صمتت و ما زالت تبكي حاولت أن تهدأ لتستطيع التحدث :

- ياسين قبضو عليه بتهمة قتل واحد صاحبه إسمه حازم .

بينما بالخارج ترتفع الزغاريد والمباركات التي أطلقتها سميرة وهي تنادي :

- يا جيهان هانم .. يا جيهان هانم .

خرجت جيهان من غرفتها لتقابلها سميرة بسعادة :-دكتور يوسف أتصل علي التليفون الأرضي وبيبلغكو أن كارين هانم مرات يونس بيه ولدت جابت بنت زي القمر ماشاء الله .

_ وبالداخل يغلق أزرار قميصه علي عجلة من أمره ...

_ خديجة ناوليني الموبايل ومفتاح العربية من علي الكومدينو .

أجابت وهي تناوله متعلقاته:

_ خلي عم شكري يجي معاك يسوق بدالك أنت منمتش من إمبارح والطريق من هنا للقاهرة أكتر من ساعتين .

أجاب وهو ينظر إلي شاشة الهاتف:

- عم شكري خليته يروح من بدري عشان مراته تعبانه وهياخدها للدكتور .. متخافيش خليها علي الله .

خرج آدم مسرعاً ليجد الفرحة تعتلي وجوه الجميع بالخارج .. قالت جيهان :

- كارين ولدت .

أجاب بإقتضاب وهو يغادر :

- ألف مبروك .

تعجبت كلا من جيهان و سميرة وملك التي خرجت للتو علي المقعد المتحرك

تساءلت جيهان بقلق :

_ أي الي حصل يا خديجة ؟.

نظرت إليهم بتردد وآسف جلي فقالت:

_ ياسين البوليس قبض عليه متهمينه في قضية قتل !.

_______________________________________


_ توقفت سيارة شرطة أمام الملهي الليلي... تُنير اللافتة بإسمه (ليالي الأنس)

ترجل العساكر من خلف السيارة وأيضاً الضابط وهو يعتدل من ثيابه ويتمم علي شاربه الكث قائلاً بصوت جهوري:

_ أدخل يابني أنت وهو وأقبضو علي كل الزبالة والحوش الي جوه.

توقف لهم الحارسان فقال إحدهم:

_ رايحين فين كده هي وكالة من غير بواب! .

رمقه الضابط بنظرة مرعبة تخفي بعض من التوتر: _ رايحين نشوف شغلنا يا روح خالتك... معانا إذن من النيابة بتفتيش الكبارية ومكتب صاحبه.

وأخرج له ورقة لم يفهم منها الحارس شيئاً ... فأطلق زفرة بحنق:

_ طيب هارون بيه صاحب النايت في مشوار وجاي.

دفعه الضابط ليبعده عن طريقه:

_ يبقي يجي براحته عقبال مانشوف شغلنا... أوعي من وشي.

قام الحارس بالإتصال علي هارون المشغول بملاذته في إحدي شقق البغاء التابعة له، يحتسي الخمر ويحدق في تلك الفتاة التي ترقص له بثياب خليعة... وجد هاتفه يرن... فقالت الفتاة:

_ مين ده الي بيرن عليك يا هاروني؟.

أغلق هاتفه وألقاه جانباً... فأجاب:

_ ده الواد البدي جارد بتاع الكباريه هتلاقيه يشتكيلي من خناقات الجيست هناك... فكك منه وخليك معايا يا عود البطل أنت.

أطلقت الفتاة ضحكة مغناج وقبل أن تكمل الرقص سمعت أصوات صريخ الفتيات وصياح الرجال.

_ أي ده في أي؟.

قالها هارون ليفزعه دخول رجال مباحث الآداب.. فقال رئيسهم:

_ خدو لي الأوساخ دول علي البوكس تحت.

________________________________


وبالعودة بداخل الملهي... تركض الفتيات بصياح وعويل هرباً في كل إتجاه وكذلك أيضاً الرجال، ولم يتبقي شوي العاملين... أقترب الضابط من العامل بالبار الخاص بالمشروبات والخمر... فكان خائفاً ويمسك بكوب ومحرمة تجفيف.

_ فين مكتب الزفت الي إسمه هارون؟ .

صاح فيه الضابط ويحدق له بنظرة مرعبة مصتنعة ويمسك بتلابيب قميصه.

أشار له العامل نحو رواق طويل، وبخوف ورعب أجاب:

_ ه.. ه.. هناك آخر الطرقة علي إيدك الشمال.

تركه الضابط و رجع خطوة إلي الوراء يُتمم مرة أخري علي شاربه:

‏_ طبعاً لازم يكون علي الشمال لأن كل حاجة هنا شمال... يا شمال.

‏ونظر خلفه وقال للعساكر:

‏_ عيشو يا رجالة.. أصدي دورو معايا علي الحاجات.

‏وغمز لهم بعينه.

‏وصلو أمام المكتب وكما توقع موصد إلكترونياً... أخرج سلاحه وأطلق بجوار المقبض ليتلف القفل ودفع الباب بقدمه و ولج إلي الداخل ومن معه... قامو بقلب أثاث المكتب رأساً علي عقب وأخذو كل محتويات الأدراج حتي وصل إلي الخزنة...

‏فقال:

‏_ طيب ودي هتتفتح إزاي ياض يا هيما.

‏إبتسم كالأبله وقال بأمر :

‏_ حرزو الخزنة هناخدها كلها.

‏خرج جميعهم وقبل أن يغادرو... ذهب الضابط إلي عامل البار مرة أخري وقال:

‏_ عندك خمره؟.

ثم قال في نفسه:

‏_ أي السؤال الغبي ده.

‏فقام بتصحيح سؤاله:

‏_ أصدي عندك أنواع أي؟.

‏أجاب العامل وهو يشير إلي زجاجات الخمر المتراصة خلفه علي رفوف العرض:

‏_ كل الأنواع ياباشا.

‏_ حضرلي صندوق فيه من كل نوع إزازه.

‏تساءل العامل:

‏_ لمين ياباشا؟.

‏صفعه الضابط علي جانب عنقه قائلاً بسخرية:

‏_ لأمي يا خفيف أصلها بتحب تسكر قبل ماتنام... وأنت مالك يالاه إنجز أعمل الي قولتلك عليه.

‏_ ح..حح.. حاضر ...تحت أمرك ياباشا.

‏_ أبقي أبعتهولي مع العساكر عقبال ما أعمل حاجة كده.

‏وذهب إلي الخارج وقام بكتابة رسالة علي الهاتف:

‏( كله تمام يا صاحبي وأشطنا كل الي في المكتب وخدنا الخزنة بحالها وهابقي هخليلك الولاه بشبوري يفتحها و هعدي عليك أديلك كل الحاجة).

‏ضغط علي اسم المرسل إليه

‏(علاء)!.

‏_________________________________


_ ولنعود في منزل المزرعة مرة أخري ...

_ قولت لاء ياخديجة .. مينفعش تيجي أنتي حامل والطريق طويل عليكي وكله مطبات وبعدين بعدها هاروح أشوف إبني الي ضاع بسبب باباه .. ولا مش خايفه علي الي في بطنك؟.

قالتها جيهان بنفاذ صبر ثم أجهشت بالبكاء... أقتربت منها خديجة لتربت عليها:

- بالله عليكي كفاية عياط ضغطك ماصدقنا يتظبط ... ياسين ويونس محتاجين وجودك جمبهم .

_ خلاص إسمعي كلامي وخليكي هنا مع ملك وأنا هكلم مصعب أو يوسف يجي يقعد معاكو .

_ لاء ياماما .

قالتها ملك التي ولجت إلي الغرفة للتو .

فأسترسلت كلماتها :

- بلاش مصعب ... أصلاً مش هيرد عليكي ... روحي أنتي ومتقلقيش علينا داده سميرة وعلا معانا وعم مسعد حارس المزرعة موجود كمان .

تدخلت سميرة والقلق والإرتياب يعتريان ملامحها :

- علا مش هنا .

أنتبهت جيهان إليها لتردف :

-مشيت علي العصر قالتلي عايزة تروح تعتذر لمدام ياسمين كتبتلها العنوان في ورقة ... ونسيت خالص أبلغك يا جيهان هانم .

_ أنتي إزاي تعملي حاجه زي كده من غير ماترجعيلي ؟.

صاحت بها جيهان بغضب

فأجابت الأخري بخجل وعينيها تنظر لأسفل:

_ والله يا هانم نسيت كنت بعمل الغدا وحضرتك كنتي قافله علي نفسك الباب ومش راضيه تقابلي حد .

ألتقطت جيهان حقيبتها وزفرت بضيق :

-لما أفوء من الي أنا فيه ليا كلام معاكي .

قالتها وذهبت، وقفت سميرة تنظر صوبها بحزن وأسف لتقترب منها خديجة :

- معلش يا داده اعذريها هي أعصابها تعبانه عشان ياسين والي حصل معاها من عمي .

تنهدت سميرة بأسي وحزن علي ربة عملها :

- ربنا يصبرها و يرجعلها ياسين بيه بخير .

لتعقب الأخري داعيه :

_ يارب يا داده .. يارب .

******************************************


‏ _ و علي كورنيش النيل يقف كل من علاء ومريم ومي...

وكان يقرأ الرسالة وأتسع ثغره بإبتسامة إنتصار:

_ الله عليك ياض يا هيما... أي دي الصحاب ولا بلاش.

قالت مريم:

_ ها طمني؟.

أجاب عليها بسعادة:

_ الواد هيما خد الشباب ولبسهم ميري وراحو علي كباريه عمك وقلبو كل الي في المكتب.

_ طيب والخزنة؟... دي أهم حاجه الي فيها وصل الأمانة.

ربت علي كتفها وقال:

_ متقلقيش خدو الخزنة كلها بالي فيها وهيجبولي كل حاجه لما نروح.

تنفست الصعداء وقالت:

_ الحمدلله.

_ وفيه خبر تاني هيفرحك.

رمقته بتساؤل... ليجيب:

_ لسه مباحث الآداب قابضين علي عمك في شقة الدعارة الي بيديرها و كمان سهران فيها وقفشوه متلبس.

_ أحسن اللهي يتفضح فضيحة اللحمة في السوق.

قالتها مي.. فضحك علاء ومريم.

_ كده بقي فاضل حاجة واحدة بس.

قالها علاء... فأستطرد:

تعالو بس معايا وأنتو هتعرفو.

أستقل الثلاثة سيارة أجرة... وأنطلقت بهم حتي أوصلتهم في وسط الحارة الذي يوجد بها سكن مريم... وبمجرد نزولهم من السيارة، وجدو تامر إبن صاحب العقار يقف وبرفقته أربعة شباب... فقال إحدهم:

_ إلحق ياض منك ليه ده البت مرمر جايه ومعها أختها وكمان بكل بجاحه جايبين راجل معاهم.

وكاد تامر أن يقترب منهم فأوقفه صياح علاء:

_ يا أهل الحارة أنا اسمي علاء وأبقي خطيب مريم... والي ميعرفش أديه عرف وأنا جيت عشان أنتو أهلها وناسها وهي بنتكو... وأظن كل أب وأم فيكو ميرضاش إن بنته يجي حتة عيل محسوب علينا راجل يتعرضلها في الرايحة والجاية... وبيساومها علي فلوس الإيجار وأنتو فاهمين غرضه أي كويس... غير مطلع عليها سمعة وحشة... لو دي بنتكو هاتعملو في الكلب ده أي؟.

أتاه عدة إجابات.. فقال رجل:

_ ده أنا أشرحه حتت وأرمي لحمه للكلاب.

وقال آخر:

_ ده أنا هخليه يشيل كلمة ذكر دي من البطاقة.

وقالت سيدة:

_ ده أنا كنت جبت ساطور المعلم عطية جوزي الله يرحمه ونزلت بيه علي جتته.

ألتفت علاء إلي تامر بعدما علم بفطنته إنه هو فقال:

_ أهو.. مجبتش حاجة من عندي... يعني لو خدتك من قفاك وسحلتك في الحارة كلها محدش هيلومني ولا يقولي بتعمل أي... أهو ده العيل الواطي الي بقولكم عليه.

فقال تامر بدفاع عن نفسه:

_ وأنا قولت حاجه غلط ما الحارة والطالبية كلهم عارفين مين مريم وعمها القرني.

صاح علاء به:

_ أديك قولت عمها القرني... يعني هي ملهاش دعوة بالي بيعمله ولا ليها ذنب إنه راجل معندوش أخلاق ولا نخوة.

خرج رجل من بين الناس وقال:

_ حقك علينا إحنا يا أستاذ علاء... الولاه تامر ده أصلا عيل شمام ومش متربي و كل شوية أطرده من البيت ومحدش فينا بيصدقه في حاجه... معلش قدري ونصيبي إنه يكون إبني... وبالنسبة لمريم ومي دول بناتنا والحاجة أم مريم دي أختنا وربنا يقومها بألف سلامه... وبناتها في عينينا وأنا عن نفسي مش هاخد منهم ولا مليم إيجار دول مهما إن كان ولايا.

فأجاب علاء:

_ وأنا مرضاش بالظلم يا حاج... مريم هاتبقي مراتي وأهلها هم أهلي ومسؤلين مني... وأنا الحمدلله راجل مقتدر وعندنا عمارة... كل غرضي من مجيتي هو إن أخد لها حقها... ومخليش أي كلب يفكر بس في أنه يجيب في سيرتها.

ربت الرجل علي كتفه وقال:

_ وأنا بتأسفلك وبتأسفلها... أنا آسف يابنتي.

نظر إلي نجله وقال له بأمر:

_ تعالي يا حيوان إعتذر لها... دي في مقام أختك وبنت حتتك أنت الي تدافع عنها مش تتعرضلها! .

أقترب تامر علي مضض وقال:

_ آسف.

صفعه والده علي مؤخرة رأسه وصاح به:

_ أتأسف عدل يالاه.

_ خلاص يا عم محمود مش عايزه منه حاجه غير إنه يبقي في حاله ويبعد عني.

قالتها مريم

_ والأستاذ علاء مرضي كده؟ .

أجاب علاء:

_ خلاص يا حاج حصل خير وبالمناسبة دي أنا عزمكو كلكو علي فرحنا أنا ومريم يوم الخميس الجاي.

أطلقت السيدات والفتيات الزغاريد وبدأت المباركات والتهاني... ومن هنا حانت لحظات السعادة والفرحة علي مريم لتبدأ حياتها مع الرجل الذي أصبح لها الزوج والحبيب والعاشق والأخ والأب والسند.

فما أجمل السعادة عندما تأتيك بعد شقاء وعذاب حينها تشعر باللذة الحقيقية من أعماق قلبك.


_______________________________________


_ في قسم الشرطة ...

_ أقسم بالله ما قتلته .

صاح بها ياسين مدافعا عن نفسه .

فأجاب عليه الضابط :

- إزاي والأدلة والشهود كلهم بيشيرو إنك أنت الي قتلته .. تهديدك ليه في مكتبه وأدام الموظفين إنك هتقتلو عشان كان بيحاول يقرب من مراتك .. وبعد التحريات عرفنا جالك أكتر من مرة في زيارة..ده غير المج الإزاز الي لاقينا عليه بصماتك في مسرح الجريمة.. تقدر تفسر لي ده ؟.

أجاب عليه وهو يحاول بعناء السيطرة علي نفسه :

- اليوم ده كنت في المستشفي بطمن علي أختي وممكن تسأله موظفة الريسبشن متسجل ده عندها في الكمبيوتر .

زفر الضابط دخان سيجارته في الهواء ثم ألقي نظرة علي ساعة يده وقال :

- عموماً كل ده هيظهر لنا في تقرير المعمل الجنائي وتقارير التحريات المكثفة الي لسة شغالة .. بس نصيحة مني الإنكار مش هيفيدك كل الأدلة الي لقينها بتشير إنك المتهم الوحيد في قتل المهندس حازم عزالدين .

طرقات علي الباب يتبعها دخول العسكري :

- أخو المتهم ومعاه المحامي عايزين يقابلو سيادتك يافندم .

ترك الضابط سيجارته في المنفضة وأعتدل في جلسته وأشار له بيده :

- خليهم يتفضلو .

_ تمام يافندم .

ولج آدم ومعه محامي شهير قد رشحه له أحد معارفه ... فهو خبير وشديد الذكاء، ولن يستعين بالمحامي الخاص بالعائلة حتي لم يفتضح أمر شقيقه لدي والده.

_ السلام عليكم يا سامر باشا .

قالها المحامي مبتسماً... بادله الضابط قائلاً :

- وعليكم السلام .

أخرج المحامي بطاقته الورقية الخاصة به ويمدها إليه :

- أنا أشرف الوكيل محامي موكلي ياسين عزيز حكيم البحيري .

الضابط أشار له بالجلوس :

- أتفضلو .

وكأن ياسين في عالم آخر وحين أنتبه لشقيقه وهو يجلس أمامه لينتفض مكانه بذعر وأخذ يردد :

- الحقني يا آدم أقسم بالله ما اقتلته .

ربت عليه ليطمأنه قائلاً:

- أهدي يا ياسين وسيب الموضوع للمتر أشرف .

جلس المحامي وتحدث بجدية :

- لو سمحت ياسامر بيه ممكن أتطلع علي المحضر وأقعد مع موكلي عشر دقايق علي الأقل ؟.

نهض الضابط وقال :

- أتفضل كله في الملف ده وياريت تنصح موكلك إن الإنكار مش في صالحه .

أومأ له الآخر بإبتسامة مجاملاً إياه ... ذهب الضابط ومعه كاتب المحضر وترك ثلاثتهم .

رمق آدم أخيه بنظرات تبث في داخله الإطمئنان والسكينة ... فياسين أصبح في حالة يرثي لها كالطفل الضائع و بشرته داهمها الشحوب .

قاطعه المحامي من شروده:

_ ياسين بيه أنا قبل ما أطلع علي الملف عايزك تحكيلي كل حاجه من غير كدب وعايزك تطمن .

لم يتفوه ياسين بكلمة بل رمقه بتوجس ونظر إلي آدم وكأنه يستغيث به .. جلس آدم جواره وربت عليه قائلاً :

- متخافش متر أشرف شاطر جداً وعمره ما خسر قضية أبداً .

عقب أشرف قائلاً :

- بإذن الله هيطلع من الموضوع ده بس يساعدني الأول ويقولي كل حاجه عشان أقدر أشتغل كويس .

قبض ياسين علي يد آدم ليشعر بالإطمئنان فهو ليس بمثابة شقيقه الأكبر وحسم بل هو أكثر من ذلك الأب والصديق .

أبتلع ياسين غصته وقال :

- الحكاية بدأت من يوم الحفلة الي كانت عملاها الشركة الي بشتغل في فرع من فروعها ....

وأخذ يسرد له كل شئ بدءا من حازم و رانا وما بدر منهما من تدخلات في حياته الشخصية وبينه وبين زوجته وكيف كانا يعقدان العزم علي تدمير علاقته بياسمين حتي تظفر رانا به ... وأنتهي الحديث حتي آخر لقاء له مع رانا في المطعم عندما قام بتهديدها بفيديوهات تجمع رانا وحازم في علاقة آثمة بالآونة الأخيرة .

يمسك أشرف دفتر ورقي وقلم وكان يسجل ملاحظاته والنقاط الهامة وهو ينصت لحديث ياسين ...وما إن أنتهي السرد وقام بمطالعة الملف بنظرة محامي مُحنك وشديد الذكاء والفطنة وسرعة وقت أدهشت كلا من آدم وياسين .. خلع أشرف نظارته الطبيه و وضع دفتره علي الطاولة أمام ياسين وأنحني للأمام قليلاً وبدأ برسم ثلاث دوائر مفرغه يتفرع من كل دائرة خط يلتقي ثلاثتهم عند دائرة يتوسطها كلمة حازم عزالدين... وبدأ يتحدث:

_ أنا كده أدامي تلاتة مشتبه فيهم.. طبعا لازم أحطك من ضمنهم لو فكرنا بعقل الظابط الي بيحقق في القضية والدايرة التانية رانا والي إحساسي المهني بيأكدلي إنها هي و التالته طرف مجهول الي هو وارد جدا إن للقتيل عداوة مع حد غيرك أنت ورانا وده الي هشتغل عليه اليومين دول ... فمعلش عايزك تستحمل وجودك في الحجز علي أد ماتقدر لأن عايز أوصل لدليل براءتك وقبلها للقاتل الحقيقي قبل ما يرحلوك للنيابة والقضية توسع مننا .

تساءل آدم :

- و الموضوع ده هياخد وقت أد أي ؟.

أجاب أشرف وهو يغلق دفتره :

- إن شاء الله خلال أيام وهاكون علي إتصال بحضرتك إذا حصل أي شئ .

ياسين وهو يتشبث في يد أخيه كالغريق :

- أنا مش عايز أتحبس يا آدم ... بالله عليك خليهم يخرجوني من هنا ولو بكفالة .

_ صعب جداً خاصة في وجود أدلة بتثبت إدانتك فكلها تلات أيام عقبال ما يجيلنا تقرير المعمل الجنائي و قرار ترحيلك للنيابة .

قالها الضابط سامر عند عودته ودخوله إلي المكتب.

تحمحم أشرف وقال :

- ممكن يافندم تديني تصريح بزيارة شقة القتيل ؟.

أجاب سامر بالنفي :

- لاء مينفعش ده مكان وقوع الجريمة .

_ عارف وفاهم طبعا ... ما أنا هايكون معايا حد من عندكو طبعا مجرد إجراء بسيط من غير لمس أي حاجة في مسرح الجريمة .

زفر الضابط وقال :

_ هحاول .

نهض أشرف وهو يمسك بحقيبته ويدخل دفتره وقلمه بها :

_أنا بشكر حضرتك علي حسن إستقبالنا و أوعدك إن شاء الله هنوصل للقاتل الحقيقي قبل ما القضية توصل للمحكمة .

أقترب ياسين من آدم قبل أن يغادر وهو يعود إلي الزنزانة

_ آدم روح لياسمين وخدها عند ماما أوعي تسيبها لوحدها .

_ متقلقش أنا من غير ماتقول كنت رايح وعشان أطمنها عليك دي كل شويه بتتصل عليا وكانت عايزه تجيلك قولتلها مينفعش خالص .

_ نورتو يا حضرات .

قالها الضابط ليغادرو ثم ضغط علي زر أمامه ليدخل العسكري ويقول الضابط له بأمر :

- خد المتهم علي الحجز .

_ تمام يافندم.

****************************************


_ تخطو ذهاباً وأياباً وقلبها يتآكل من الخوف علي زوجها مثل الهشيم عندما تندلع به النيران ... تدعو ربها ينجده من تلك المحنة كما نجد سيدنا يوسف من ظلمات السجن وسيدنا يونس من ظلمة بطن الحوت ... فحدسها يطمأنها إنه لا ولن يفعلها .. كيف لقلب عاشق حنون يستطيع قتل نفس ! ... تعلم مدي غضبه حينما تثور أغواره لكن لم تصل إلي درجة سفك الدماء .

قاطع دعواتها رنين جرس المنزل .. ركضت لتجلب غطاء وجهها وأرتده علي عجلة من أمرها حيث ظنت الطارق آدم كما أخبرها عندما خرج من قسم الشرطة وطمأنها علي عشق روحها .

ذهبت لتنظر أولاً من فتحة الباب الزجاجية فلم تري شيئاً سوي الظلام .

تساءلت بقلق :

- مين ؟.

أجاب الطارق:

_ أنا علا يا ياسمين .

تحولت ملامح وجهها من التوتر إلي العبوس .

_ أفتحي يا ياسمين والله أنا جايه لك عشان أتأسفلك وتسامحيني بالله عليكي ورحمة عم إسماعيل .

ترددت لثوان حتي وضعت يدها علي المقبض وفتحت لها الباب .. أشارت لها بالدخول:

_ أتفضلي .

إعتراها التعجب عندما رأت غطاء الوجه الذي يخفي وجه الأخري ... ولجت إلي الداخل لتغلق ياسمين الباب وسارت إلي غرفة إستقبال الضيوف .. رفعت النقاب للخلف علي رأسها وقالت :

- مالك واقفه عندك ليه ؟ .. تعالي أقعدي .

ولجت علا إلي الداخل علي مضض وجلست :

_ أنا عارفة إنك بتكرهيني من ساعة الي حصل من شهور عشان كده جتلك أطلب منك السماح و أقولك إن ربنا خدلك حقك .

جلست ياسمين في المقعد المقابل لها وبداخلها الكثير من الكلمات لكن لسانها فضل الصمت حتي قالت الأخري بإقتضاب و ندم في آن واحد :

أنا غلطت وغلط كبير.

أتسعت حدقتيها وهي تحاول أن تفهم مغذي كلماتها ؛ فهي تلاحظ شحوب وجه علا والإرهاق المتملك من ملامحها وضعف جسدها الذي أصبح هزيلاً .

أستكملت حديثها :

- أنتي عشان بريئة وطيبة وقلبك أبيض وقعتي في ياسين بيه طلع بيحبك وأتجوزك والي عرفته إن أتحدي والده عزيز بيه وساب الفيلا وخدك هنا .. مش هتصدقيني لو قولتلك فرحتلك يمكن إحساسي ده جزء عن تكفير ذنبي .

تنهدت ياسمين ثم قالت :

- خلاص يا علا الي حصل حصل أي نعم الموضوع لسه مأثر في نفسيتي برغم حبي لياسين وقتها بس ربنا غفور رحيم .

إرتسمت طيف إبتسامة علي محياها وقالت :

_ يعني مسمحاني ؟؟.

أجابت بإبتسامة رضا وحبور :

- مسمحاكي يا علا .

نهضت وأرتمت عليها معانقة إياها ... تعالت شهقاتها حتي بدأت تبكي ..

- أنا حامل يا ياسمين .

أبعدت ياسمين رأسها لتنظر إليها وتردف الأخري :

- أنا حامل من آخر واحد كنت شغاله عنده... أدتله الأمان برغم البلاوي الي اعرفها عنه و عمري ماتوقعت يعمل فيا كده مهما كان هو بيه وأنا يدوب حتة شغالة .

حاولت تجفيف عبراتها وألتقطت أنفاسها وحدقتيها تتحرك وكأنها فقدت عقلها :

- أنا لازم ألحقه قبل ما يقتله .

أخذت ترددها عدة مرات

_ أهدي يا علا .

قالتها ياسمين وهي تمسك بكتفيها ومازالت تردد ولم تتوقف بل وصوتها يعلو مما أثارت غضبها ... لتهوي علي وجنتها بصفعة قوية وهي تصيح :

- بس بقي كفاية .

فتوقفت علا مثل الآلة التي أنقطعت عنها الكهرباء وأزداد شحوب بشرتها و جفونها بدأت بالإنغلاق .. فقدت الوعي .

_ علا ... فوءي يا علا .. علا .

صرخت بها ياسمين وهي تربت بشدة علي وجه علا .

دوي رنين هاتفها .. ركضت لتأتي به من الردهة .. أجابت علي الفور :

- آدم الحقني !!.

______________________________________


_ في مشفي البحيري ...

عندما وصل آدم لدي ياسمين حمل علا علي زراعيه و ذهبت الأخري برفقته علي المشفي ...

وبعد إنتهاء علياء من فحص علا خرجت إليهما لتطمأنهم .

_ هي بخير ؟.

تساءلت ياسمين وينتظر آدم الإجابة

فأجابت علياء :

_ مخبيش عليكو حالتها صعبة الضغط منخفض خالص وعندها إنيميا ممكن بسببها كانت فقدت الجنين لكن الحمدلله إنكو لحقتوها في الوقت المناسب خلتهم يعلقو لها كيس دم ومحلول لأنها واضح إنها مبتاكلش بقالها كام يوم .

تنفست ياسمين الصعداء ... وقال آدم :

- معلش يا دكتورة علياء تعبناكي معانا .

_ ولاتعب ولاحاجة خالص .. ده واجبي وكده كده أنا النهارده نبطشية ومش هامشي غير ما أطمن عليها و علي كارين و چوليانا عروستنا الصغيرة .

أجاب آدم :

- أنا كمان رايح لهم أطمن عليهم .

فقالت ياسمين :

- وأنا جاية معاكو وبعد كده هارجع أقعد مع علا لحد ماتفوق وأطمن عليها والصبح هاروح لياسين في القسم .

عقدت علياء حاجبيها فقام آدم بإيضاح الأمر لها :

- ياسين أتقبض عليه في جريمة قتل .

شهقت واضعه يدها علي فمها؛ فقالت ياسمين بإندفاع وثقة معاً :

- ياسين برئ و عمره ما يقتل .

تفهم آدم الغضب الذي أحس به في نبرة صوتها :

- إن شاء الله في خلال يومين هيخرج بعد مانثبت براءته .

وبداخل غرفة أخري مزينة بالبالونات الملونة المعلقة في الهواء وكلمات ترحاب بالمولودة الجديدة ... تحتضن جيهان حفيدتها وتداعبها ..

_ بسم الله ماشاء الله ...اللهم بارك ياقلب نناه .

إبتسمت كارين الممده علي التخت وتستند برأسها علي كتف يونس محاوطاً ظهرها بزراعه والأخري ممسكاً بيدها .

_ شبه مين يا ماما .. يونس صح ؟.

وقبل أن تجيب سبقها يونس قائلاً :

- لاء كلها كارين .. عسل وقمر ولون عينيها أزرق زي ماما جيهان .

صاحت كارين بحنق طفولي :

- لاء أبداً كلها أنت بملامحك الجميلة حتي شعرها زي شعرك البني .

قهقهت جيهان رغما ماتشعر به من ألم نفسي وقالت :

- ولا أنت ولاهي دي كلها ملك وهي بيبي.. وبعدين نفسي أفهم حاجة أنتو إزاي فنانين ومش عارفين تميزو لون عين بنتكم ! .. لون عيونها خليط مابين الأخضر والرمادي نقدر نقول زتوني .

ردد يونس قائلاً :

- زتوني!.

رمق كارين بنظرة ذات مغذي وقال ممسكاً بيدها :

- طبعاً لازم تكون واخده حاجه من عمها قصي أصدي خالها .

أزدردت كارين ريقها بتوتر .. نظرت إليهما جيهان وتساءلت :

- هو أخوكي وصبا عرفو إنك قومتي بالسلامة ؟.

أجابت كارين بعد أن نظرت إلي يونس ثم إلي جيهان :

_ لاء محدش لسه عرف غيركو قولنا نبلغهم لما أروح .

وقال يونس :

- أنا كنت هاكلمه بس كنت مشغول بچوليانا و بكارين لحد ما فاءت والفون لاقيته فصل شحن .

حاولت كارين أن تعتدل من جلستها فشعرت بوخز لايحتمل في خصرها بسبب جرح القيصيرية .. فتأوهت وهي تشد قبضتها علي ساعد زوجها

_آآآآآآه.

ألتفت إليها يونس بخوف ولهفه :

- مالك يا قلبي ؟.

أجابت وهي تجز علي شفتها السفلي من فرط الألم :

- شكل مفعول البنج راح وبدأ الجرح يشد عليا .

أقتربت جيهان منها لتساعدها في الجلوس :

- معلش يا حبيبتي ده طبيعي هيدولك مسكن دلوقت وطبعا لازم تاكلي كويس عشان المضاد الحيوي عشان جرحك يخف بسرعة .

زفر يونس بضيق وهو ينظر إلي كارين باللوم:

_ قوليلها يا ماما أدي الأكل زي ماهو قال أي أرفانه مبتحبش أكل المستشفيات .

_ بالعكس الأكل هنا نضيف جداً وبيشرف عليه يوسف بنفسه غير إن هنا موجود دكاترة تغذية علي أعلي مستوي .

مد يونس يده بجواره فوق المنضدة الصغيرة وتناول علبة دواء صغيرة وقال بأمر حاسم :

- خدي المسكن .. دكتورة علياء جابته هو والأدوية دي وأنتي نايمة وأنا هاروح أجيب حاجات من العربية تحت وجاي تاني ... آجي ألاقي الأكل أتاكل كله .

مطت شفتيها لأسفل كطفلة متذمرة :

_ أنا نفسي في كريب شاورما فراخ .

أبتسم ممسكاً بيدها وقبل راحتها وقال :

- أحلي وأطعم كرباية لأجمل كوكي في الدنيا .. من عيوني .

كانت جيهان تنظر إليهم بسعادة قائلة:

_ ربنا يخليكو لبعض ويسعدكو ديماً.

أجاب كلا من كارين و يونس في صوت واحد:

- آمين.

أتجه نحو الباب وقبل أن يدير المقبض ... قرع أحدهم عليه ثم أنفتح و ولجت علياء :

- حمدالله علي السلامة وألف مبروك علي القمراية الصغيرة ومبروك للمامي .

‏ونظرت إلي جيهان وهي تقول :

-وألف مبروك لأجمل نناه .

بادلتها جيهان بإبتسامة حانية وقالت :

- الله يبارك فيكي يا دكتورة عقبال كده لما نفرح بالبيبي بتاعك أنتي ويوسف بعد ما ربنا يتمملكو علي خير .

_ آمين يارب ... كتري من دعواتك يا جيجي .

قالها يوسف الذي حضر للتو مما جعل علياء تخجل بشدة وتنظر لأسفل لتتحاشي جميع الأنظار الموجهة إليها فقالت بتوتر :

- إحمم.. أنا جيت أطمن علي كارين والحمدلله شكلها كويسه .. هاروح مكتبي ولو في حاجة كلموني وأنا هابقي أجي أطمن عليها قبل ماتمشي.

وكادت تذهب فأوقفتها كارين وهي ترمق يوسف بنظرات ماكرة :

- دكتورة علياء شكراً علي إهتمامك بيا وإن قومت بالسلامة وقدرت أشوف بنتي .

_ متقوليش كده .. طبعاً الفضل يرجع لربنا وأولاً وأخيراً ده واجبي قبل ما يكون شغلي .. من أسعد لحظات حياتي لما الأم بتشوف إبنها أو بنتها لأول مرة بعد الولادة إحساس لايمكن يتوصف .

وقف يونس بجوار كارين محاوطاً كتفيها بزراعه وقال :

- وأنا كمان بشكرك إنك أنقذتي حياتها .. أنا كنت مرعوب من لحظة الولادة دي أوي وخصوصاً زي ما حضرتك عرفتي موضوع التعب الي عندها .

أجابت علياء مبتسمة:

_ العفو يا فنان أنا معملتش حاجة وأحب أوضح لك حاجة عشان حسيت بمدي خوفك عليها بسبب موضوع القلب ده .. الطب أتطور عن زمان وفي كذا حالة زي كارين حملت وخلفت أكتر من مرة طالما ماشية علي العلاج تمام ومتابعة مع دكتور كويس يبقي مفيش مشكلة و ربنا هو الحافظ .

ردد الجميع في آن واحد :

- ونعم بالله .

_ حمدالله علي سلامتك يا كارين .. وألف مبروك يا يونس .

قالها آدم الذي ولج للتو أيضاً وتليه ياسمين التي باركت هي الأخري.

_ عملت أي ؟.

قالتها جيهان بدون أن توضح المقصود من سؤالها .. تفهم آدم وعلياء وياسمين أن البقية لايعلمو بعد ... فهي لاتريد أن تفسد فرحة نجلها وزوجته بمولودتهما ...لكن لم ينطل الأمر عليهم فقال يوسف :

- هو في أي ؟ .

وجد آدم أن لامفر من الكذب فأجاب :

- مفيش، موضوع كده بخصوص بابا .

توترت الأجواء ... فقالت علياء وهي تنسحب بإستئذان :

- طيب عن أذنكو .. و مبروك مرة تانية .

قالتها و ذهبت .

_ وأنا كمان هنزل زي ما قولتلكو وجاي بسرعه .

قالها يونس وقبل ان يرحل اوقفته جيهان وهي تقول :

- معلش يا يونس متتأخرش عشان ماشيه رايحة مع آدم مشوار وراجعين تاني .

يوسف والشك بدأ يساوره :

- صح هو ياسين فين ؟.

أجابت ياسمين وهي تكبت توترها الجلي علي ملامحها :

- ياسين.. ياسين تعبان شوية وقالي لما يخف هايجي يبارك عشان بس ميعديش النونو .

أمسكت جيهان يد ياسمين وكأنها تواسيها وهي تهمس لها :

- أدعيلو يا ياسمين وسامحيه علي أي غلطة غلطها في حقك .

كان يوسف منشغلاً بالحديث مع آدم في أمر ما ... بينما ياسمين لمعت عينيها بعبرات قد قامت بمنعها عنوة .. فقالت بصوت علي وشك البكاء :

- أنا مسمحاه من زمان .. و الأيام الأخيرة حسيت أد أي أنا بحبه أوي .. ربنا عالم بحالي دلوقت حاسه إني بموت ولولا آدم طمني عليه كنت أتجننت .

ربتت جيهان عليها ثم جذبتها لتعانقها بقوة ... تقدم آدم نحوهما قائلاً :

- ماما تعالي ريحيلك شوية عشان متتعبيش .. يوسف خلاهم يحضرولك أوضة وياسمين أوضة .

تعجبت جيهان فتساءلت :

- ليه هو إحنا مش هانروح نطمن علي أخوك ؟.

أطلق زفرة عميقة نتيجة الضغوطات النفسية والعصبية الذي أصبح أسيرهما وأجاب:

_ لاء طبعا مش هينفع نروح دلوقت بكرة الصبح إن شاء الله .

_ لاء هانروح دلوقت عايزة أشوف إبني وأطمن عليه .

قالتها جيهان بإصرار.

أخذ يردد الإستغفار و يستعين بقليل من الصبر :

_ يا أمي يا حبيبتي والله هو كويس زي ماحكتلك أنتي وياسمين أول ماخرجت من القسم والمتر أشرف محامي ممتاز جداً وإن شاء الله هيخرجه قبل ما الموضوع يوصل إنه يترحل علي النيابة ... وقبل ما أمشي طلبتله أكل و كلمت مدحت صاحبي يوصيهم عليه ويخلوه ف زنزانة لوحدو بعيد عن البلطجية والمجرمين .

ربتت ياسمين عليها وقالت :

- أستني للصبح ياماما كلها ساعات وهنروح أنا وأنتي نطمن عليه .

زفرت بسأم وهي تنظر نحو حفيدتها و كارين تداعبها ثم قالت:

_ يارب إحفظ لي أولادي وأبعد عنهم كل شر .

******************************************

_ أرتمت علي المقعد بأريحية خلف مكتبها وهي تطلق زفرة عميقة نتيجة التعب .. سحبت مشبك شعرها لتنسدل خصلاته الفحمية وتتناثر علي كتفيها و حول وجهها مما أعطاها مظهر أكثر جذابية ... فتحت إحدي الأدراج وأخذت من داخله هاتفها فوجدت العديد من المكالمات الفائتة من والدتها، وكادت تجري الإتصال بها فأوقفتها طرقات علي الباب ..أعتدلت في جلستها وهي تقول :

- أتفضل .

فتح الباب و ولج بإبتسامته التي تسحرها ... يسبقه رائحة عطره الآسر لروحها ... أزدردت ريقها بتوتر وخجل لم تستطع إخفاءه عن نظراته التي تلتهمها .

_ يوسف ! .. كارين كويسه ؟.

قالتها وكادت تنهض فأمسكها من يدها قائلاً :

- خليكي ... أنا جاي أقعد معاكي شوية .

سحبت يدها بلطف وجلست وهي تجمع خصلاتها وتلتقط المشبك فأوقفها مرة أخري وأختطفه من يدها :

_ أنا بحبه كده متلمهوش .

وكانت نظراته حديثها أبلغ من كلماته مما جعلها ترتبك وتتوتر أكثر ... فقالت بتردد وهي تتحاشي نظراته :

- في حاجه ؟.

أجاب عليها ومازال مبتسماً :

- اه فيه .

رفعت حاجبيها بدهشة .. فأستكمل حديثه :

- فيه إنك رجعتي تتهربي مني .. يعني مثلاً أجيلك أعدي عليكي عشان أخدك ف طريقي وإحنا جايين المستشفي ألاقيكي تقوليلي أي حجه متقنعش عيل في حضانة وبعديها بمزاجي .. حتي لما بكلمك لما بتروحي أطمن إنك وصلتي بالسلامة مبترديش ولا بتردي حتي علي رسايلي .. ممكن أفهم في أي ؟.

تنهدت ثم نهضت وأتجهت نحو النافذة تنظر إلي سماء الليل حالكة السواد .. وبدأت تتحدث:

_ توصيلك ليا و كلامك في التليفون وكل الإهتمام ده تحت مسمي أي بالظبط ؟.

أقترب منها عدة خطوات حتي أصبح قريباً للغاية .. يقف خلفها وأنفاسه تخترق خصلاتها المنسدلة فشعرت بحرارة تلفح بشرتها وهو يجيب :

_ تحت مسمي إنك خطيبتي وهتبقي مراتي .

أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول التشبث بحصونها التي تنهار جداراً تلو الآخر ، لم تتحمل أكثر من ذلك فأبتعدت بمسافة قليلة وألتفت إليه قائلة:

_ يوسف أنا متفهمة كويس الظروف الي بتمرو بيها بداية من حادثة ملك لحد خلافاتك مع باباك ده غير حاجات كتير .. بس أنا تعبت .

صمتت وهي تحاول أن تخفي دمعاتها التي تجمعت وعلي وشك البكاء ... أسترسلت كلماتها بنبرة ضيق وإختناق :

- أنا كل يوم باجي علي نفسي وبقول خلاص هايجي ويطلب إيدك رسمي.. غير ضغوط ماما عليا وكلامها الي بيوجعني ... عمي الي كل كام يوم يجيب لي عريس ولما أرفض يديني كلام زي السم غير بيتهمني إن السبب في موت بابا الله يرحمه .. بيقولي أنتي قهرتيه لحد ما قلبه مستحملش ومات .

أجهشت بالبكاء حتي شعر بتمزق قلبه لأشلاء .. لايتحمل رؤيتها في تلك الحالة .. أخرج محرمة من جيب بنطاله وأقترب منها ليجفف عبراتها .. رمقته بنظرة عتاب وألم بنشيج .. فأثارت نظراتها الدامعه عشقه الدفين نحوها .. أقترب منها للغاية هامساً :

- علياء إستحمليني خلاص هانت أنا بح....

.. وقبل أن يتفوه بكلمته دفعته في صدره وهي تصيح :

- أيوه أنا السبب في موت بابا لما كانت الدنيا مش سيعاه من الفرحة وهو مستنيك تطلب إيدي منه ولما إنجي باعتتلي مسج إنك بتكتب كتابك عليها محستش بنفسي وقتها .. إحساس فظيع وأنت بتتعرض للخذل والغدر والخيانه من أكتر حد أقرب ليك من نفسك .. بابا حبيبي مستحملش يشوفني كده مات في ساعتها .. بعد كل ده تقولي إستحمليني !!.

جز علي فكه حنقاً من نفسه ومن كلماتها مثل الجمر ينغرز في جراح قلبه التي إلتئمت منذ أن عادت إليه ... لم يستطع السيطرة علي نيران صدره فأنفجرت كلماته في وجهها :

- ده علي أساس إن أنا كنت عايش في راحة ... أنا وقتها زي أي شاب لسه بيدرس وبيحدد مستقبله .. وزي ما حكتلك قبل كده جوازي من بنت خالي كان غصب أتحطيت أدام مستقبلي الي طول عمري بحلم بيه في كفة وجوازي منك في الكفة التانية ... عارف إن دي أنانية وأتأسفتلك وزي ما حكتلك دفعت التمن وغالي أوي كمان ... متجيش بعد ما الدنيا بتدينا فرصة نكون مع بعض تيجي أنتي وتتكلمي في الماضي وحطالي شرط بابا يجي بنفسه وأنا بتقدملك برغم مامتك أخيراً وافقت لما عرفت ظروفي.

ألتقط أنفاسه وأطلق زفيراً ... أمسك عضديها برفق مردفاً كلماته بنبرة رجاء عاشق :

- علياء .. أنا بحبك وعمري ما هتخلي عنك تاني مهما حصل .. أنا مستعد أعمل أي حاجه عشان أرضيكي .. لكن موضوع بابا ده إنسيه خالص.. شليه من دماغك .

رفعت زواية فمها بسخرية وقالت بتهكم جلي :

_ ياااه .. للدرجدي أنا قليلة أوي ومش أد المقام عشان والدك مستحيل إنه ينزل من كرسي العرش بتاعه ويطلب إيد بنت الراجل الي ظلمه وجبروته إتسببه في موته !.

لم يدرك قبضته التي إزدادت ضغطها بقوة وهو يصيح في وجهها غير آبه لعلامات الألم والإمتعاض المرتسمة علي ملامحها :

- بصي بقي عشان أنا جبت أخري معاكي .. أناهاتجوزك يعني هاتجوزك .. هتقوليلي ماما هتقوليلي عمك .. الجن الأزرق.. أنا ميهمنيش حد .. أنتي بتاعتي فاهمه ؟.

برغم ماتشعر به من ألم قبضة يديه لكن عينيها متسعه من هول ملامحه الثائرة وكلماته التي تحمل في طياتها الأمر والتملك والتهديد ... أفاقت علي صوته الهادر وكاد يصيبها الصمم.

_ ردي عليا ... فاهمة ولا لاء ؟.

تريد الإجابة لكن هنا لم تستطع أن تكبت ماتشعر به فأجهشت بالبكاء وهي تبعد يديه عنها وتدفعه في صدره بقوة .

_ أوعي أبعد عني .

صاحت بها وهي تبكي وغادرت الغرفة علي الفور .

وحين أدرك مدي غضبه وما أقترفه منذ لحظات ... جز علي أسنانه بحنق وأخذ يضرب قبضته في الحائط .. ينهر نفسه :

- غبي ..غبي .. غبي .

الفصل الثلاثون من هنا

تعليقات



×