رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الثامن والعشرون

"كان في وجوده كل الخير والهنا، ومعه فقط وجدتني أنا.
______________________

_مشاكسةٌ دارت بينهما عبر الهاتف استطاع بها "ياسين" احراز نقطةً لصالحه باخباره أن شقيقتيه ستذهبان معه للمصيف، مما جعل الأخر يستشيط غضبًا خاصةً مع إغلاق "ياسين" في وجهه.

دلف "ياسين" شقته وفي يده صغيره "يزن" الذي ركض نحوه والدته بلهفةٍ وهو يقول بنبرةٍ عالية:

_ماما…. وحشتيني.

عانقته وهي تقول بمرحٍ اختلط بعاطفتها الأمومية وقد خالط الضحك نبرتها:

_حبيب روح ماما، عملت إيه على القهوة؟؟

رد عليها بحماسٍ شديد:

_كانت قعدة حلوة أوي، بس بابا مرضاش يجيبلي شيشة.

تلاشت بسمتها وتهجم وجهها وهي تسأله بسخريةٍ:

_بابا مرضاش يجيبلك إيه يا روح أمك؟؟

هتف بمرحٍ يجاوب استفسارها:

_شيشة، مرضاش يجيبلي.

رفعت رأسها بحدةٍ تطالع وجه "ياسين" الذي وقف ينظر لابنه بتوعدٍ فيما ضحكت الصغيرتان على الحديث، فقالت "خديجة" بتهكمٍ:

_أنتَ بتاخد الواد فين يا "ياسين" ؟؟ 

لوح لها وهو يقول بلامبالاةٍ:

_يا شيخة اقعدي بقى، محسساني أني بسرحه بمناديل، هو اللي بيسيب كل الكلام ويمسك في قلة الأدب.

رفعت حاجبيها بسخريةٍ فنطقت "نغم" بنبرةٍ ضاحكة:

_وهو حد برضه ياخد "يزن" معاه ؟؟ 

تنهد هو بقلة حيلة ثم نطق بنبرةٍ لامبالية:

_أنا عارف بقى ؟؟ أهو بدل ما يفضل هنا يصدعكم، بس بالوضع دا كدا خطر، الواد عرف حجر المعسل من دلوقتي، بكرة هلاقيه بيطلب مني حجر قَص.

انتشرت الضحكات على سخريته فيما تحرك هو من مكانه نحو الداخل، فاقتربت "جاسمين" تسألهم بنبرةٍ هامسة:

_هو إيه اللي بابا بيقول عليه دا ؟؟ دي حاجة حلوة؟

أمسكت "خديجة" ثيابها من الخلف تهزها في يدها وهي تقول بنفس همس ابنتها الحانق:

_أنتِ بالذات مينفعش تعرفي أي حاجة، تخرسي خالص مش بعيد بكرة الاقيكي طالبة على الغدا شيشة تفاح، اخرسي.

حركت "جاسمين" رأسها موافقةً وهي تضحك لها فيما هتفت "نَـغم" بنبرةٍ هامسة تسأل والدتها:

_ماما هو إحنا هنروح مع خالو "وليد" المصيف ؟؟ 

حركت كتفيها بحيرةٍ وهتفت بإيجازٍ:

_أنا عارفة هنعمل إيه؟؟ بصي ربك يسهل إن شاء الله، نشوف بابا بس ناوي على إيه وبعدها ربك يكرم.
__________________________________

جلس "وليد" يتحدث في الهاتف مع أفراد عائلته تباعًا وهو يزفر بضجرٍ بين الحين والأخر وعلى فخذه تجلس "سيلينا" ابنة أخيه "وئام" تلعب بأناملها الصغيرة في ذقنه حتى صرخ في وجهها يوقفها بقولها:

_بس يابنت الـ *** دقني باظت، اسكتي.

ضحكت الصغيرة ووضعت رأسها عند كتفه فزفر هو من جديد وعاد يهاتف زوجة عمه بقوله:

_إيه يا "زينب" ؟؟ أكيد مش هشتمك بأبوكي يعني دي بنت ال*** التاني.

شهقت هي بدهشةٍ وسألته في الهاتف بترقبٍ:

_ومين الكلب الأول يا حيوان أنتَ ؟؟ 

رفع صوته بنفاذ صبرٍ يرد عليها:

_ياستي أنا الكلب الأول، أنا اللي مترباش، عاوزة حاجة تاني مني ؟؟

ردت عليه بثباتٍ:

_آه عاوزاك تجيب "خديجة" والعيال معانا، طب "خلود" عروسة جديدة مش مهم، لكن "خديجة" بقى ؟؟.

رفع كفه يمسح وجهه وقال بقلة حيلة:

_حاضر، هحاول أكلم "ياسين" بالأدب بس مش واثق بصراحة، وقبلها هكلم "هدير" و "حسن"، "عمار" بقى ربنا يعينه كفاية عليه "خلود" تكشر في وشه هتخليه يلبس المايوه من دلوقتي.

ضحكت "زينب" على حديثه وقالت بلهفةٍ يخالطها الحماس:

_عارف لو دا حصل والله لأظبطك، بس هاتهم علشان المصيف يحلو، أنتَ هتقنعهم وبلاش اليوم بتاع كل سنة دا، خليهم يومين تلاتة كدا.

أمسك الصغيرة التي عادت للعب في وجهه وهتف بنبرةٍ ضاحكة:

_حاضر، تحبي أجي أخدلك الهدوم فومين؟؟ مش عاوزة التموين بالمرة ؟؟ بكلمك بجد والله، شكلك فكراني فانوس سحري، مكانتش رضاعة دي اللي هتذليني بيها.

أغلقت الهاتف في وجهه بدون أن تجاوبه مما جعله يرفرف بأهدابه وتحدث بتوعدٍ لها:

_ما أنتِ مرات مين يعني ؟؟ طبيعي يكرف عليكِ.

ترك الهاتف وحمل الصغيرة على ذراعه ووضع كفه خلف ظهرها يربت عليها وهتف يحذرها بقوله:

_عارفة لو عملتي اللي في بالي أنا هعمل فيكي إيه؟؟ هنشرك على حبل الغسيل لحد ما تنشفى.

غمغمت الصغيرة بحديث غير مفهوم جعله يضحك عليها ثم قبل وجنتها وشدد عناقه لها وهو يقول بحبٍ شديدٍ لها حينما بدل نبرته لأخرى لطيفة:

_حبيبة قلب "ليدو" وعيون "ليدو" من جوة.

عبر بها من جوار المطبخ الذي وقفت به زوجته تقوم بتنظيفه وترتيبه وتسوية الطعام كله في آنٍ واحدٍ جعله يقول بسخريةٍ:

_ما شاء الله اخطبوط واقف في المطبخ، تنين مُجنح يا أخواتي ؟؟.

التفت ترمقه بغيظٍ ثم عادت لما كانت تفعله فوجدته يقترب منها يسأل بنبرةٍ هادئة أعربت عن لُطفه في الحديث:

_محتاجة أي مساعدة؟؟ بما أني فاضي.

التفتت له تطالعه بعينين مُتسعتين ثم سألته باستنكارٍ:

_بجد ؟؟ أوعى تكون اشتغالة ؟؟!

حرك كتفيه يجاوبها بإيجازٍ:

_جربي وأنتِ تشوفي بنفسك كدا.

تنهدت مطولًا وهتفت بدهاء من تمسك بطرف الخيط:

_فهمتك !! عاوز تاخد مني الثواب ؟؟ يلا ياعم الله يسهلك.

حرك عينيه يُمنةً ويسرىٰ وظهرت الحيرة على ملامحه فقالت هي بتفسيرٍ ما إن رأت الحيرة باديةً على ملامحه:

_أصل "جميلة" بصراحة قالتلي إن الست اللي بتشتغل في البيت وبتاخد نوايا كتير ربنا بيكرمها وبتاخد أجر على كل دا، يعني بر الأهل وطاعة الزوج وأنضف لكم البيت علشان ربنا بيحب الجمال و الملايكة تفضل في البيت وهو نضيف، وعلشان تاكلوا ويكون عندكم صحة تقدروا تعبدوا ربنا بجسم سليم، حاجات كتير مش فاكرة منها غير حاجات بسيطة بس خلتني أعرف إن الدين بتاعنا دا جميل أوي وسبحان الله كرمنا بحاجات كتير أوي.

أبتسم هو الأخر لها ثم هتف بهدوءٍ:

_ربنا يكرمك إن شاء الله، طب يلا اعمليلي كوباية قهوة بالمرة وقبل ما ترفضي دا علشانك أنتِ مش علشاني أنا، يلا خدي ثواب طاعة الزوج يا سوبيا.

تحرك وتركها محلها بمفردها تَعض شفتها السُفلى ثم قالت بمعاندةٍ وغيظٍ منه:

_طب مش عاملة حاجة بقى أهو.

في الداخل دلف "وليد" غرفة ابنائه فوجد الثلاثة يجلسون مع بعضهم أمام التلفاز، فجلس بقربهم يقول بسخريةٍ:

_منورين يا رجالة، عاملين إيه؟؟.

ردوا عليه التحية فيما ألقى الصغيرة وسطهم وقال بانهاكٍ وهو يفرك ذراعه:

_امسكوا البت دي وجعتلي دراعي، ماكان ربنا تاب عليا من شيل العيال الصغيرة، دي جاية عقاب ليا أنا ولا إيه؟؟

ضحك "فارس" وحملها بين ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:

_دي أحلى حاجة في الدنيا كلها لو تعرف إزاي أرجع تاني من غيرها في حياتي هبوسك والله.

ضحك "وليد" له فوجد الصغيرة تنسدل من بين ذراعي شقيقها ورفعت ذراعيها تشير لـ "وليد" الذي زفر بيأسٍ واقترب منها يحملها وهو يقول بتهكمٍ:

_ليها حق "جاسمين" تكرهك، ماسكة فيا زي الخفاش.

ضحكت فور حمله له بينما هو جلس مرةً أخرى وأخرج هاتفه يطلب رقم "حسن" الذي جاوبه على الفور قائلًا بقلقٍ مصطنعٍ:

_خير يا رب، متصل بيا ليه ؟؟ مش قولتلك اقطع علاقتك بيا

هتف "وليد" بضجرٍ من حديث الأخر:

_ياعم وحد الله بقى، متصل بيك أقولك على المصيف هتيجي معانا صح ؟؟ مش بناخد رأيك أبويا قال إنك جاي وعاوزك معانا.

تنهد "حسن" مُطولًا وقال بنبرةٍ هادئة:

_أنا عن نفسي موافق وجاهز، ناقص بس "هدير" اسألها وأشوف العيال، من إمتى يعني مش هنيجي معاك؟؟ حتى لو قولت لأ هتيجي سيادتك تاخدنا غصب.

كان يسخر منه بحديثه حتى رد "وليد" يرفع صوته بحنقٍ منه استولى عليه:

_ياعم ما براحتنا، بطل حساسية كدا بينا، خلاص استناك؟

جاوبه "حسن" بخنوعٍ له:

_آه هنيجي مش حبًا فيك، حبًا في المصيف بتاعكم.
__________________________________
 
أغلق "حسن" مع "وليد" الهاتف وتحرك نحو صالة البيت يجلس بجوار "هدير" التي جلست على الأريكة تتابع التلفاز بمفردها وما إن جلس بجوارها سألته بتعجبٍ:

_كنت بتكلم مين؟؟.

جاوبها بنبرةٍ هادئة بين طياتها السخرية وهو يراقب ملامحها:

_دا المعلم بتاع العيلة، الحج الكبير وكله مندوب عنه علشان يجمع العيلة للمصيف، قولتي إيه؟؟ 

ظهر الحماس على ملامحها وهي تقول بفرحةٍ تشبه فرحة الصغار:

_بجد ؟؟ طب بقولك إيه؟؟ تيجي نسيب العيال ليهم ونروح إحنا بيتك في الساحل ؟؟ 

اخفض رأسه يطالعها مُستنكرًا ما تفوهت به فوجدها تقترب منه بدلالٍ وهي تسأله بطريقةٍ أنثوية:

_موحشكش بيت الساحل خالص ؟؟.

جاهد ليكتم ضحكته لكنه فشل أمامها وهي تراقص له حاجبيها حتى هتف بقلة حيلة ويأسٍ منها:

_وحشني والله، بس مش عاوز أزعلهم، خلينا نروح معاهم ياستي وخلينا نخلص، فكرك يعني "وليد" هيسيبنا ويسيب "فاطيما" أو هما هيسيبوه؟؟ دا "علي" يتعب فيها دي

سألته بملامح مقتضبة وقد بدا الحزن عليها وهي تقول:

_طب أنا كنت عاوزة اتدلع عليك في المصيف، هتدلع عليك إزاي قدامهم ؟؟.

سألها بتهكمٍ وقد رفع صوته عن السابق قائلًا:

_نعم ؟؟ فين دا ؟؟ من إمتى بيفرق معاكي يعني؟؟.

أمسكت جهاز التحكم ترفعه في وجهه وهي تقول بانفعالٍ:

_تصدق بالله أنتَ اللي زيك مش وش دلع، خليك كدا راجل فقري مش حِمل طاقة الدلع اللي جوايا، خليك كدا وش فقر.

قربها منه وهو يضحك ثم همس في أذنها بقوله:

_طب وهو أنا كانت هتقوملي قومة من غيرك؟؟ عيب في حقك بعدما خليتي ابن "المهدي" يقع فيكِ يا حلوة الملامح أنتِ.

ابتسمت بسعادةٍ وامسكت وجهه بين كفيها وهي تقول بسعادة غامرة تتراقص على فؤادها:

_واد يا حسن هات بوسة يا واد، يخربيت حلاوة أمك.

استسلم لها وهي تقبل وجهه ثم سألها بنبرةٍ هادئة:

_يعني خلاص نعتمد الموافقة؟؟ نجهز نفسنا ولا هترجعي تقوليلي أصل صوت قلبي غلب صوت عقلي وجو الصم والبكم بتاعك دا؟؟.

رفعت كفها تلوح به وهي تقول بمعاتبةٍ:

_ أخس عليك يا "حسن" والله مافيه صوت يعلى فوق صوتك يا جدع، شوف اللي أنتَ عاوزه وأنا معاك فيه.

سألها من جديد يتكيء على أحرفه:

_"هدير" ؟؟ بسألك أهو قبل ما نسافر صوت قلبك ولا صوت عقلك اللي شغال دلوقتي ؟؟.

أقتربت منه من جديد تتلمس ذقنه بأناملها وهي تقول:

_صوتك أنتَ يا أبو "علي" هيبقى ليا عين اتكلم؟؟.

ضحك لها وضرب كفيه ببعضهما فوجدها تسأله بهيامٍ وهي تتذكر أول دخولها هذا البيت:

_فاكر يا واد يا "حسن" أول ما اتجوزتني كنت ساكتة إزاي ؟؟ أكيد أنتَ حبيت سُكاتي دا، روحت مغفلاك ومتكلمة وشربت المقلب بألف هنا وشفا، زمانك بتضرب نفسك.

حرك رأسه نحوها وهتف بصدقٍ بعدما ابتسم لها:

_لأ على فكرة مش شرط، زي ما حبيت سكوتك وهدوئك حبيت شقاوتك وكل حاجة فيكِ، صحيح العقل بعافية شوية ومحتاج خبطتين على البارد بس تمام يعني، هتعامل أنا.

ضحكت له ثم وضعت رأسها على فخذه وهي تقول بنبرةٍ خافتة:

_ربنا يهديني يا رب ويصبرك على ما ابتلاك يا "حسن".

رفع كفه يُربت على خصلاتها وتنهد بعمقٍ حتى شعر بها تعتدل بلهفةٍ تواجهه وهي تقول بحماسٍ:

_"حسن" !! تيجي نجيب قرص بالشوكولاته ؟؟

نظر لها بدهشةٍ سرعان ما تحولت إلى الضحكات من كليهما على قولها الغريب وكأن الحال تبدل بينهما لتصبح هي من تتحدث بطريقته فأنهى هو الحديث مقلدًا طريقتها بقوله:

_حيث كدا بقى…احضني يا "حسن".

ارتمت عليه من جديد وهي تضحك باتساعٍ فيما لَثَم هو جبينها ثم ربت على ظهرها بحنانٍ كعادته.
__________________________________

في سيارة "عامر" جلس "عمار" في الخلف وبجواره "خلود" والأخر يقود السيارة بهما وبجواره "عُمر" الذي ظل يُثرثر بحماسٍ عن يومه بجوار أعمامه حتى هتف من جديد بلهفةٍ:

_"عمار" هتيجي معانا المصيف ؟؟ 

رد عليه "عمار" بسخريةٍ مُشيرًا إلى وضعه وجروحه:

_من أنهي زاوية يا حبيبي؟؟ دا أنا متدشمل خالص.

تدخل "عامر" يقول بنبرةٍ هادئة:

_ماهو أنتَ هتكون معانا ولسه فاضل حوالي أسبوع تكون رجلك لمت، أكيد مش هتتساب لوحدك هنا يعني ؟؟.

تحدث "عمار" بحيرةٍ يرد عليه:

_مش عارف والله يا "عامر" بس ممكن أجي، سيبها على ربنا وهو هيكرمنا إن شاء الله.

التفت "عمر" له يقول بخبثٍ وهو يطالع "خلود":

_خلاص خليك أنتَ هنا علشان أنتَ تعبان، وهناخد "خلود" تغير جو معانا، إيه رأيك؟؟

ضيق "عمار" جفنيه وهو يقول بتوعدٍ للصغير:

_آه يا واطي ؟؟ بس هقول إيه أدي البراد للي جابوه يطلع الواد نسخة من أبوه.

ضحك من بالسيارة على حديثه وسخريته، فيما هتف "عامر" بنبرةٍ ضاحكة:

_حلو المثل دا أبقى قوله لعمك "مرتضىٰ" هيفرح بيه أوي.

هتفت "خلود" بنبرةٍ ضاحكة:

_الوحيد عندنا في العيلة اللي طلع لباباه، وعياله طالعينله واضح إنها سلالة واحدة مكتوب ليها الزيادة والبركة.

التفت لها "عمر" من جديد وهو يقول بلهفةٍ:

_فكك من كل دا، هتيجي معانا المصيف حتى لو "عمار" مجاش صح ؟؟.

سألتهم هي بترددٍ وكأنها تخشى الجواب منهم:

_هي عيلتنا رايحة مصيف برضه وكنت بروح معاهم المفروض بقى نعمل إيه علشان أنا مش فاهمة؟؟.

رد عليها "عامر" بتفهمٍ لتخبطها وحيرتها:

_أنا فاهمك، هي حاجة جديدة عليكِ بس أنا مش هسيبك لعيلة "الرشيد" أنسي أنتَ معانا وفي رقبتنا كلنا.

حركت رأسها موافقةً بخنوعٍ فهمس لها "عمار" يسألها بنبرةٍ هادئة:

_أنتِ عاوزة تروحي مع عيلتك ؟؟.

رفعت عينيها له وجاوبته بنبرةٍ هادئة أقرب للهمس:

_أنا عاوزة أكون معاك أنتَ، مش مهم بقى فين.

ابتسم لها نتيجةً لجوابها الذي أسكن الراحة في صدره ثم هتف بنبرةٍ خافتة بعدما أمسك كفها وشبك أصابعهما سويًا:

_لما نروح إن شاء الله هنتكلم تاني ومتقلقيش اللي يفرحك هعمله علشانك دا أقل واجب بعد المدعكة اللي شوفتيها الفترة اللي فاتت.

بعد مرور بعض الوقت دلف "عمار" شقته بمساعدة شقيقه ومعه "خلود" حتى رحل أخوه من المكان وتركهما بمفردهما، فبدأت "خلود" تعاونه في خلع ملابسه حتى ارتدى أخرى بيتية مُريحة فهتفت هي تشاكسه بقولها:

_متتعودش على كدا كلها حاجات بسيطة وترجع تاني تعتمد على نفسك، مش كدا يا عموري ؟؟

حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها فجلست هى بجواره على الفراش ثم سألته بترقبٍ:

_هنعمل إيه بقى ؟؟ هنروح معاهم المصيف ولا نخليها مرة تانية تكون اتحسنت أكتر علشان تكون واخد راحتك أكتر؟؟

تنهد مُطولًا وقال بنبرةٍ رخيمة يجاوبها:

_اللي يريحك بس أنتِ شكلك عاوزة تروحي مع عيلتك صح؟

حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة وهتفت بلهفةٍ:

_بص مش أوي يعني بس أنا خدت على العيال بتوع العيلة وبحب المصيف معاهم، بس فيه حاجة أنا بقيت مراتك يعني أكيد مش هينفع اسيبك لوحدك ومش هينفع أفرض عليك تيجي معايا عافية، خليها تجربة جديدة نجربها معاكم وإن شاء الله هنفرح كلنا.

طالعها بغير تصديق سيطر عليه ورمش عدة مراتٍ ببلاهةٍ وأضاف بمرحٍ يقصده ساخرًا:

_دا إيه دا كله دا ؟؟ إيه النضج دا ؟؟ تسلم أيد الدنيا اللي علمتك كل دا يا خوخة.

ضحكت له ولكزته في كتفه وهي توقفه بقولها:

_خلاص بقى دا بدل ما تقولي فخور بيكي؟؟.

رفع ذراعه الحُر يلفه حول كتفها وقربها منه وهو يقول بنبرةٍ هادئة وقد ضحك بمراوغةٍ:

_كدا كدا فخور بيك يا منعنع، بصي لو "ياسين" هيروح معاهم هنروح معاهم لو مراحش هحاول أخلي "عامر" ياخدنا بعربيته يودينا ليهم هناك.

حركت رأسها موافقةً بحماسٍ جعله يحرك خصلاتها للخلف وهو يُمعن النظر في ملامحها الهادئة قائلًا بنبرةٍ رخيمة بعدما تذكر العديد من الذكريات التي مرت عليهما سويًا منذ وقوعه بحبها وقد تذكر قول بن "الفارض" حينما قاله لها بعد عقد قرانهما:

_قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي

روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ

لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي

ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ

في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف.

رفعت عينيها له تطالعه بتأثرٍ جعل عينيها تلمع كما النجوم المتلألأة فهتف هو بنبرةٍ رخيمة حينما اقترب بوجهه منها يهمس في أذنها بقوله:

_فاكرة لما قولتلك "قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي وأنا طالبٌ من عينيكِ بالوعود أن تفي؟؟ عاوز أقولك إن عينك وفت وكفت كمان وعملت اللي عليها وزيادة.

ضحكت له بخجلٍ جعله يطالعها بخبثٍ وهو يقول:

_يا سلام ؟؟ أومال فين المنعنع بقى ؟؟ 

ضربته في كتفه بخجلٍ بعدما شعرت بارتفاع حرارة وجهها فيما خطفها هو بين ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:

_يا شيخة ارحمي اللي خلفوني بقى شقتيني معاكي بس راضي والله كفاية إنك معايا.
__________________________________

كان "يونس" جالسًا بجوار والده الذي كان يتحدث في الهاتف مع شقيقته حتى تحدث بنفاذ صبرٍ يقول:

_حاضر هاخد العيال ونجيب حاجات كتير حاضر، مش هنفاجئك يا ستي هي دي حاجة فيها مفاجئات ؟؟ دا مصيف

أغلق معها الهاتف فوجد "يسر" تركض له تسأله بحماسٍ:

_يعني نجهز المايوه ؟؟

هتف "يونس" بنبرةٍ جامدة ينهرها بقوله:

_مايوه إيه ؟؟ مفيش مايوهات البسي حاجة محترمة.

ردت عليه بمعاندةٍ:

_لأ هلبس مايوه، أنتَ مالك أصلًا.

وقف "يونس" يقول بضيقٍ أمامها وقد انفعل منها:

_مالي علشان أنا أخوكِ وأنا الراجل.

هتف "خالد" بنبرةٍ جامدة بها تهديد مبطن:

_يلا يا ولاد العربجي بدل ما أكسركم، وإيه ياض أنا الراجل دي ؟؟ دكر بط أنا هنا ؟؟.

هتف "يونس" يعتذر له بقوله:

_أنا أسف يا بابا مكانش قصدي.

وزع "خالد" نظراته بينهما فهتف بنبرةٍ هادئة:

_طب اقعدوا، سوا انتم الاتنين.

جلس "يونس" أولًا وشقيقته بجواره مقابل والدهما الذي هتف بنبرةٍ هادئة يحاول توصيل الأمر لهما:

_مفيش حاجة لو نسمع بعض من غير صوت عالي، أختك قالت حاجة يبقى تفهمها بالعقل وأنتِ أخوكِ قال حاجة يبقى تسمعي كلامه، مش علشان هو الراجل بس علشان هو كبير وليه أحترامه، أنا عمري ما فرقت بينكم، ياريت نتعامل باحترام لبعض شوية، إحنا أخوات، إيه مشكلتك يا "يونس"

رد عليه "يونس" بنبرةٍ هادئة:

_مشكلتي إنها بتلبس عريان وأنا بتضايق حتى لو هي صغيرة بس أكيد هتكبر يعني هتفضل واخدة على كدا ؟؟ بعدين هي هناك بتلعب معاهم كلهم علشان كدا بقولها بلاش وتلبس حاجة مقفولة أحسن، هي بتتعصب ليه؟؟

هتفت "يُسر" بضجرٍ منه:

_علشان كل حاجة تفضل تقول لأ، بابا بيوافق وأنتَ بترفض.

تحدث "يونس" بنفس الهدوء يخبرها بصدقٍ:

_علشان أنا خايف عليكِ أنتِ، أنا بكون معاكِ علطول مش زي بابا، ولما حد بيزعلك أنا اللي بشوفه مش بابا، وأنتِ مش بتسمعي كلامي وأنا أصلًا مش عاوز أضايقك بس خايف عليكِ.

ابتسمت له وكذلك "خالد" أيضًا الذي ترك زمام الأمور لابنه حتى وجده يجلس بجوارها أكثر وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_بيكون معانا ولاد وناس كتير السنة اللي فاتت صممتي وجسمك كان باين كله وسيبتك بس السنة دي هنجيب حاجة مقفولة إيه رأيك؟؟ مش عاوز حد يضايقك.

سألته بتهديدٍ أمام والدها:

_ولو طلع وحش وخنقني ؟؟ أعمل إيه ؟؟

أشار على نفسه مستنكرًا بقوله:

_أنا !! "يونس" حبيبك عمره خنقك اعتمدي عليا.

تنهدت بضجرٍ وحركت رأسها باستسلامٍ جعل "خالد" يكتم ضحكته حتى تحركت الفتاة نحو الداخل فتحدث هو بثباتٍ وحكمةٍ مع ابنه:

_بص يا "يونس" أنا لسه موجود معاكم والكلمة ليا، بس أنا سايبك علشان أعودها تسمع كلامك بس دا مش معناه أنك تتحكم فيها، دي طفلة لسه لو كبرت على الوضع دا يبقى هتتخنق من البيت ولو اتخنقت من البيت هنا الله أعلم هتعمل إيه برة البيت، بالهدوء والحنية كله هيتحل، فهمت يا بجم؟؟

حرك رأسه موافقًا بوجهٍ مبتسمٍ جعل والده يقول بسخريةٍ:

_ينفع أنا كمان أجيب مايوه ولا هتعترض ؟؟ 

نظر له بقلة حيلة وهتف مستسلمًا:

_لأ ياعم مقدرش، دا أنتَ الحج صاحب البيت برضه.

ضحك "خالد" وضرب كفيه ببعضهما ليجد "يونس" يجلس بجواره تزامنًا مع قوله الذي ازاد من دهشته:

_أقسم بالله باشا مصر كلها، حبيبي يا أبو "يونس".

_أقسم بالله أنتَ واد صايع، اتنيل يا "يونس".

هتف الأخر بخنوعٍ له:

_بس كدا ؟؟ نتنيل علشان خاطرك يا حج، جيت في جمل يعني ؟

_________________________________

جلس "ياسين" أمام الحاسوب الخاص به يتابع عمله فوجد "خديجة" تدخل له وخلفها الصغار الثلاثة بهدوءٍ جعله يرفع عينيه ويردد بسخريةٍ من مظهرهم خلف بعضهم:

_أهلًا أهلًا سرب البط البلدي، بيتكم ومطرحكم.

ضحكت "خديجة" واقتربت منه تجلس بجواره وهي تقول:

_والله التشبيه حلو محدش هيلومك، اقفل بس البتاع دا خلينا نتكلم.

أغلق حاسوبه فاقترب منهما الثلاثة يجلسون أمامهما على الفراش ونطقت "جاسمين" بنبرةٍ طفولية:

_ما تسمع يا مهلبية يلا متلطنـ….مطتعت..يلهوي عليا اسمها إيه قول معايا كدا ؟؟؟ 

انتشرت ضحكات البقية عداه هو قال بنفاذ صبرٍ:

_متعطلناش !! صح هي دي؟؟

شهقت بفرحةٍ وهي تقول بعدما رفعت سبابتها:

_أيوة صح هي دي برافو عليك شاطر يا مهلبية.

ضحك رغمًا عنه ثم حملها بكفيه يقربها منه وقبل وجنتها ثم أجلسها بين ذراعيه وسألهم بنبرةٍ ضاحكة:

_ها ؟؟ عاوزين إيه مني ومش عاوزني أعطلكم عنه 

هتفت "نَـغم" وهي تضحك:

_عاوزين نروح المصيف مع خالو "وليد".

رفع حاجبيه بسخريةٍ فهتف "يزن" بحماسٍ:

_وعاوزين برضه نروح مع جدو "رياض".

بنفس التعابير المرسومة على ملامحه حرك رأسه موافقًا ثم سأل الصغيرة على ذراعه بنفس السخرية:

_وحضرتك يا آنسة "جاسمين" ؟؟ عاوزة تروحي مع مين

ردت عليه بمرحٍ وهي تشير عليه:

_شوف هتروح فين وأنا هاجي معاك.

حرك رأسه نحو "خديجة" يسألها بتهكمٍ:

_وكتكوتتنا ؟؟ ناوية تروحي فين إن شاء الله.

حركت كتفيها ببراءةٍ جعلته يقول بسخريةٍ:

_يا سلام على الرقة والبراءة يا ناس!! خلصوا عاوزين إيه؟

هتفت هي بنبرةٍ هادئة:

_بُص !! الكلام لازم يكون حضاري وكله تفاهم.

أبتسم رغمًا عنه وقال بقلة حيلة:

_والله يا ست الكل طول عمري حضاري فيه ناس هنا بتهب منهم ربنا يعينهم على حالهم.

فهمت أنه يتحدث عنها، فتنهدت بعمقٍ وقالت لصغارها:

_يلا يا حبايبي شطبنا بيتك بيتك يلا، تصبحوا على خير والليلة دي عندي أنا ألف شكر يا رجالة.

ضحك الصغار عليها فتحدث "ياسين" بنبرةٍ ضاحكة يسخر منها:

_يلا يا حبايبي أهيه طلعت روح الصنايعي اللي جواها، روحوا ناموا أنتم وأنا هروح أعملها خربوش شاي علشان تمحرلنا الكلام.

ضحكت هي تلك المرة فيما تحرك الصغار مع بعضهم نحو باب الغرفة وهتفت "جاسمين" من على أعتاب الباب بقولها:

_تصبح على خير يا عسل.

رد عليها "ياسين" بنفس طريقتها:

_وأنتِ من أهل الخير يا مربى.

التفت لزوجته بعد رحيل الصغار يسألها بسخريةٍ:

_ها تحبي أجيب أسمنت وننزل بالمونة ؟؟

تنهدت مطولًا وقالت بنبرةٍ هادئة وهي تبتسم بلطفٍ ينافي طريقتها السابقة:

_يا مهلبية اسمعني بس، دلوقتي أهلي عاوزني  وأهلك عاوزني، إيه الحل ياترى ؟؟ يرضيك نزعل حد منهم ؟؟

حرك رأسه نفيًا بأسفٍ فقالت هي بحماسٍ فور رؤيتها هدوئه:

_طب أهو أديك قولت مش هتزعل حد علشان قلبك طيب.

حرك رأسه نفيًا وهتف معدلًا على حديثها:

_لأ علشان مش هروح في حتة خالص، هقعد في بيتي معزز مكرم وربك يكرمنا هنا.

عبثت بملامح وجهها فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة:

_يا ست الكل أنا مطلوب مني أراضي أهلي وأراضيكي وأراضي عيلتك وأراضي عيالي، أنا مين يراضيني؟؟

أبتسمت له وهي تقول بتلقائيةٍ:

_أنا هراضيك والله، شوف إيه يرضيك وأنا هعمله بس حاول حتى علشان خاطري.

نظر لها بقلة حيلة وهتف بلامبالاةٍ:

_معرفش، بس أكيد مش هقطع نفسي يعني ؟؟.

اقتربت منه تقول باقتراحٍ لعلها تقنعه:

_طب بص أهلي هيروحوا قبل أهلك إيه رأيك نروح معاهم وبعدها نروح نقضي مع عيلتك ٣ أيام كدا ؟؟ وكدا نبقى راضينا كل الأطراف، ها موافق ؟؟ 

رفع إصبعه يقول بإصرار بعد مقترحها الذي ألقته عليه:

_الكلام دا على جثتي أنه يحصل، انسي يا "خديجة".

           ************************

بعد مرور عدة أيام كان "ياسين" يقود السيارة بملامح وجه مقتضبة وهو يُغمغم بعدة كلماتٍ غير مفهومة تعبر عن حنقه فوجد سيارة "وليد" تمر بجواره وهتف متشفيًا به وهو يقول:

_افرد وشك يا مهلبية، هتحمض مننا على الطريق.

ضحكت "خديجة" رغمًا عنها فنظر لها "ياسين" بحاجبٍ مرفوعٍ ليجدها تقلد طريقته بقولها:

_الكلام دا على جثتي أنه يحصل، انسي يا "خديجة".

زفر بحنقٍ وهو يقول بقلة حيلة:

_ دا غلطي علشان متربي يعني مش راضي أزعل حد أهي الدنيا كلها مزعلاني وجاية عليا، اسكتي ياختي.

رفعت كفها تداعب ذقنه وهي تقول بدلالٍ مصطنعٍ:

_مش مهم الدنيا تزعلك وحبيبتك تراضيك، دا إحنا عنينا ليك يا مهلبية هو فيه في غلاوتك عندنا.

نظر لها بطرف عينه وابتسم رغمًا عنه وقال بسخريةٍ:

_فين أيام حضرتك يا أستاذ "ياسين".

وضعت رأسها على كتفه بعدما تأكدت من نوم صغارها على الأريكة في الخلف:

_متفكرنيش بقى أيام ما كنت عبيطة.

نظر لها بطرف عينه يسألها بسخريةٍ:

_كنتِ ؟؟ ودلوقتي بقيتي إيه؟؟

ضحكت باتساعٍ وهتفت ببلاهةٍ:

_ست العُبط كلهم، بس فداك ياعم مش مهم، عاوزين ننول الرضا منك مش أكتر.

تعليقات



×