رواية جمر الجليد الفصل السابع والعشرون 27 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد الفصل السابع والعشرون بقلم شروق مصطفي

ربطت بين كلمات مي والحلم الذي رأته. ظلت تردد داخلياً:

"خلي بالك من همسة... همسة يا سيلا... همسة محتاجاني..."


فجأة، تركت يدي مي، ورفعت رأسها بسرعة. نطقت بصوت متهدج، كأن الكلمة خرجت رغماً عنها:

"همسة!"


تراجعت مي ونظرت بدهشة بسبب تركها المفاجئ: "اهدي، همسة في أوضتها وماما معاها، ما سبتهاش."


وقفت سيلا ومسحت دموعها المتبقية: "ط... طيب، أنا رايحة أشوفها."

ثم خرجت إلى الخارج.


في الغرفة المجاورة، استيقظت همسة باكرًا. نظرت بجانبها واستجمعت ذاكرتها حتى تذكرت هوية النائمة بجانبها. كانت بالأمس قد غفت لعالمها الخاص، تتمنى أن تجد ما تبحث عنه في منامها، لكن دون فائدة.


نهضت بهدوء حتى لا توقظها، وجلست أمام المرآة، وأمسكت المشط لتسرح شعرها كما تفعل والدتها حين تراها تفعل ذلك. ظلت تبتسم بين الحين والآخر للمرآة، تتذكر والدتها وهي تمشط شعرها وتقول:

"همستي حبيبتي، يلا نحضر الفطار."

فتجيب همسة بابتسامة: "حاضر يا ماما، أسرح شعري وجاية على طول."


تدخل الأم بابتسامة حنونة، تأخذ المشط منها وتبدأ بتمشيط شعرها:

"أنا بحب أسرحلك شعرك أوي، بحس إنك لسه في عيوني الطفلة الصغيرة اللي مش بتعرف تسرح. عارفة نفسي في إيه؟ نفسي ألبسك طرحتك، طرحة فستانك الأبيض بإيدي كمان. ياااه، إمتى ييجي اليوم ده؟"


خجلت همسة من كلمات والدتها وابتسمت دون أن ترد.

ضحكت الأم ضحكة صافية وأمسكت وجنتيها بحب، قبل أن تقبلها وتقول:

"الله على الطماطم اللي على الصبح. يلا يا هانم، تعالي حضري الفطار معايا. بابا مستني بره، وسيلا هروح أصحيها حالاً."


تركتها الأم وخرجت. ابتسمت همسة على مداعبتها، لكنها سرعان ما عادت لتحدق في المرآة ودموعها لم تتوقف. انتبهت فجأة ليد أحدهم تمشط شعرها بحنان، نظرت إلى صاحبة اليد فوجدتها أختها سيلا.


كانت سيلا قد دخلت الغرفة ووجدتها تجلس أمام المرآة، تبتسم وتدمع، ممسكة فرشاة الشعر دون أن تمشط شعرها، فقط تائهة في عالم آخر.


أخذت سيلا المشط من يدها وبدأت تمشط شعرها من أعلى لأسفل في صمت.


تركتها همسة تمشط شعرها، لكن ابتسامتها لم تصل لعينيها، إذ كانت مليئة بوجع وألم العالم أجمع. أما سيلا، فكانت تمشط وتنظر مباشرة إلى عيني همسة، متجاهلة انعكاسهما في المرآة.


توقفت سيلا فجأة، وضعت المشط جانبًا، ثم جثت على ركبتيها حتى تكون على نفس مستواها. أمسكت وجنتي همسة بيديها الاثنتين ونظرت في عينيها قائلة:

"همستي حبيبتي، أنا مليش غيرك دلوقتي. انتي أختي، وصديقتي، وحبيبتي، وكل حاجة. ملناش غير بعض."


صمتت للحظة ثم أكملت همسة بصوت مبحوح:

"عاوزاكي تخرجي كل اللي جواكي أنتِ عارفة...

توقفت لبرهة وهي تبتلع ريقها بصعوبة، ثم تابعت بصوت خافت ممتزج بالدموع التي حاولت جاهدة كتمانها:

"عارفة إن بابا وماما مبسوطين أوي."


قالت الكلمات وهمسها يحمل شجنًا عميقًا، لكنها تابعت محاولة كسر الصمت الذي يغلف المكان:

"آه والله، بجد مبسوطين... وهما معانا وحوالينا، بس بروحهم. حاسين بينا وبِكِ... وزعلانين مننا، شوفتي؟"


حاولت رسم ابتسامة رغم الوجع الذي يعتصرها، ثم أضافت:

"مش عاوزاهم يزعلوا مننا. أنا شوفتهم... رجعوا صغيرين، وكانوا في مكان زي الجنة. حواليهم أطفال وضحكتهم كانت مليا المكان."


نظرت لعينَي أختها، وحاولت جذبها للخروج من قوقعة الألم، فأمسكت بيديها وضغطت عليهما بحنان، قائلة:

"آه والله، بجد... وسألوني عنك، كانوا زعلانين أوي."


كانت همسة تستمع بصمت، ملامحها مزيج من الإنكار والتأثر. فجأة، انزلقت من على الكرسي وجلست على الأرض، ثم احتضنت سيلا وبكت بانهيار، بأنات مؤلمة:

"آآآآآآآه... يعني مش هشوفهم تاني؟ أنا تعبانة أوي... أوي!"


شهقت شهقات متتالية، ثم أضافت بصوت متقطع:

"كان نفسي أشوفهم... أوي."


قطعت سيلا كلماتها وهمست إليها بحنان وهي تمسح على شعرها:

"راحوا للأحن منا يا حبيبتي. أنا شوفتهم والله... مبسوطين وفرحانين، بس زعلانين مننا. عاوزين نعمل حاجة تفرحهم... إيه رأيك؟ نعمل صدقة جارية ليهم."


هزت همسة رأسها بالموافقة وهي تبكي:

"موافقة... طبعًا موافقة."


في هذه اللحظة، انتبهتا لصوت غلق الباب. التفتتا نحو الصوت بنظرات مدهوشة، ثم بادرت همسة بقولها وكأنها تذكرت شيئًا:

"دي طنط نبيلة! كانت نايمة جنبي!"

الفصل الثامن والعشرون من هنا


تعليقات



×