رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل السادس والعشرون
لَــكـنـه داري وخــيـر الــدار…. دار أمــان.
____________________
أبتسم وهو يستمع للكلمات والعبارات وشعر حقًا أنها توصفه وكأن الكلمات كُتبت لأجلهما سويًا وقد أصابت الهدف في الاختيار، لذا فتح ذراعيه لها حتى ارتمت عليه تحاول إخفاء تأثرها الذي ازداد أضعافًا بقوله متأثرًا:
_فاكرة لما قولتيلي أني أحن حاجة جت في العمر ؟؟ عاوز أقولك أني بدأت أحسب العمر دا من أول وجودك فيه يا "خديجة".
رفعت رأسها تطالعه بوجهٍ مبتسمٍ ظهرت اللمعة به لذا هتفت بمرحٍ وفرحةٍ كبرى:
_الدار في وجودك أمان يا مهلبية.
ضحك رغمًا عنه فوجدها تضيف من جديد بنفس الحماس:
_بقولك إيه مش كنت بقولك يا "مهلبية" ؟؟ أنتَ اترقيت وبقيت "مهلبية بالقشطة" أبسط يا عم.
ضحك هو الأخر ثم سألها بنبرةٍ بها أثر ضحكاته:
_طب وأخر الليلة دي إيه بقى ؟؟ يعني هدايا وشكلك زي القمر بصراحة تتاكلي من كتر حلاوتك، فيه إيه تاني بقى؟
تنهدت بعمقٍ وأشارت له بالتريث وهي تقول بمرحٍ:
_يابني أصبر على رزقك بس.
حرك رأسه موافقًا وهو يحاول كتم ضحكته، فوجدها تتحرك من الغرفة وهي تركض بلهفةٍ فنظر في أثرها بتعجبٍ حتى وجدها تعود له من جديد تمسك في يدها طبقًا صغير الحجم مستدير الهيئة ويتوسطه قالب كعك صغير الحجم من صنع يدها بنكهته المفضلة، اتسعت ابتسامة عينيه قبل فمه وظل مُحدقًا بها لتقترب هي منه بابتسامةٍ بشوشة وهتفت بفرحةٍ:
_قولت اعملك الكيك اللي بتحبه من ايدي، ب
علشان كل حاجة الليلة دي تبقى من أيدي أنا، إيه رأيك؟
تنهد "ياسين" بعمقٍ ثم هتف بمحبةٍ نطقتها نظراته قبل فمه:
_بصراحة يعني كتير أوي والله، كل حاجة كتير وباين إن فيه مجهود كبير علشاني، حتى لو من غير حاجة كفاية بس إنك هنا.
ابتسمت بسعادةٍ ثم مدت يدها بالطبق وهي تقول:
_طب يلا دوق بقى وقولي رأيك.
أمسك الطبق وأمسك قطعة الحلوى وقبل أن يتذوقها مد يده يطعمها حتى أكلتها هي بفرحةٍ وتناولها من بعدها ثم هتف بقولها المراوغ:
_بس إيه دا يا كتكوتة ؟؟ محدش هيعرف يكلمك بعد كدا، التطور اللي موجود دا مخلي الواحد راسه مرفوع لفوق بيكي، ربنا يباركلي في وجودك.
التفتت خلفها تمسك دفترًا صغيرًا ورافقه قلم وهي تقول بلهفةٍ:
_طب هنا بقى تكتب ليا عيب من عيوبي علشان أغيرهم، يعني حاجة زي لعبة كدا، أو ممكن مثلًا حاجة بقت موجودة فيا مش حاببها، تمام ؟؟
قلب عينيه قليلًا يفكر ثم هتف فجأةً:
_بس أنتِ معندكيش عيوب، ولو فيه أنا هكرفلها خالص.
ابتسمت بتعالٍ وقالت تمازحه:
_يابني هيتقال مكوسينها بقى.
قالت جملتها ثم خطفت الدفتر و القلم وألقتهما على الفراش وهي تقول بتأكيدٍ لحديثه حتى بدا حديثها مرحًا:
_أنا فعلًا معنديش عيوب، ولو فيه عيوب يعني دي لغيري تعتبر مميزات، تنكر ؟؟
حرك رأسه نفيًا في محاولةٍ منه لكتم ضحكته عليها، فتنهدت بعمقٍ ثم قالت من جديد بنفس الهدوء:
_طب فيه اغنية عاوزاك تغنيهالي لو سمحت، ها؟؟
حرك رأسه موافقًا، فذكرت اسم الأغنية ليبتسم هو ثم حمحم بخشونةٍ يُجلي حنجرته فوجدها تقول بضجرٍ من استعداده:
_خلص يا فنان أنتَ مش طالع مسرح ساقية الصاوي، أنجز.
رفع "ياسين" حاجبيه مستنكرًا وهتف بغير تصديق:
_أنتِ ملبوسة يا ست الكل ؟؟.
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ ليقول هو مؤكدًا عليها:
_بس تغني معايا ماشي ؟؟.
سحبت المقعد تجلس عليه وأشارت له يجلس مقابلًا لها ففعل ما أشارت هي به وبدأ معها الغناء بقوله:
_حبيت جميل ياريتني ظله…حبيت جميل ياريتني ظله…حبيت جميل ياريتني ظله….حبيت جميل ياريتني ظله….آه ياعيني…حاز الجمال والحسن دا كله….آه يا حلو يا مسليني ياللي بنار الهجر كاويني…آه يا حلو يا مسليني….ياللي بنار الهجر كاويني….املا المُدام يا حلو واسقيني…من كتر شوقي عليك مابنام.
كانت أمسيتهما سويًا رائعة ومميزة وكأنهما حقل زهورٍ تطوف حوله الفراشات وهي وسطهن أكبر فراشة، لتننهد بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
_أخر حاجة بقى علشان نختم الليلة دي، نفسك في إيه بس يكون في استطاعتي اعمله ليك من غير تعجيز..
اقترب منها يطالع قمسات وجهها وهو يقول بنبرةٍ هادئة أوضحت أنه هائمٌ في ملامحها:
_مش عاوز غير إنك أنتِ وولادي تفضلوا بخير قصاد عيوني، وعاوزك من هنا لحد ما أخر يوم في عمري تقولي إني مزعلتكيش ولا مرة، عاوزك تفضلي كويسة، كل حاجة هتكون كويسة وأنتِ بخير معايا.
اتضحت السعادة على ملامحها وهي تطالع وجهه ثم قالت باندفاعٍ مرحٍ:
_ينفع أقولك إنك مهلبية عاوزة تتلهط مش تتاكل بس.
أبتسم لها وحرك رأسه موافقًا وهو يقول يإبجازٍ:
_طبعًا ياست الكل ينفع.
_____________________
في اليوم التالي جلس "عمار" صباحًا في شرفة شقته بضجرٍ حتى وجد "خلود" تدلف له وهي تمسك في يدها صينية طعام وضعتها على الطاولة أمامه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_يلا أفطر بقى علشان الدوا، قربت أهو يا "عموري"
زفر بقوةٍ وهتف بقلة حيلة قائلًا:
_أنا زهقت من القعدة ومن أني مش عارف اتحرك كدا، عاوز انزل الشغل أهو اقعد في الصيدلية أحسن من قعدتي هنا.
ابتسمت له تقول بلطفٍ:
_أنا ممكن أخليك تتمشى تحت شوية نشم هوا نغير جو، لكن اسيبك تنزل بصراحة لأ، لسه جروحك مفتوحة و فيه رجل متجبسة مينفعش تعمل مجهود عليها، كل دا غلط عليك، قولي عاوز إيه وأنا عيوني ليك غير أني أخليك تنزل تروح الصيدلية دا.
تنهد "عمار" رغمًا عنه ثم قال مُستسلمًا لها:
_مش عاوز حاجة خليني معاكي هنا وخلاص، أهو بناخد بحس بعض بدل ما تزهقي من القعدة لوحدك.
اتسعت ابتسامتها وهي تقول بمرحٍ:
_طب والله قعدتك حلوة أوي، أنا بزهق لوحدي اساسًا.
صدح صوت الباب في هذه اللحظة فسألها هو بتعجبٍ:
_مين هييجي الصبح كدا ؟؟ ممكن يبقى "عامر" ؟؟
حركت كتفيها ثم تحركت تفتح الباب بعدما قالت:
_أنا هقوم أفتح الباب، خليك هنا واشرب الشاي.
ذهبت نحو الباب تفتحه بعدما وضعت الحجاب على رأسها ظنًا منها أنه ربما يكون غريبًا لكنها تفاجئت بـ "وليد" أمامها فشهقت بفرحةٍ وهي تقول:
_"ليدو" ؟؟ إيه المفاجأة العسل دي ؟؟
دلف معها وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
_بصراحة كنت رايح مشوار قريب من هنا تبع الشغل قولت أجي اتطمن عليكم، "عمار" صاحي ؟؟
حركت رأسها موافقةً وأشارت له ليدخل معها فدلف مبتسم الوجه وقال لزوجها بنبرةٍ مرحة:
_صباح الخير يا عموري، اخبارك إيه يا دكتور؟؟
حاول "عمار" أن ينهض أحترامًا له فردع "وليد" حركته تلك بقوله:
_ياعم صل على النبي بتعمل إيه؟؟ اقعد بس كدا أنا مقدر.
رد عليه "عمار" بوجهٍ مبتسمٍ:
_طب كويس إنك مقدر بقى، اقعد أفطر معانا.
جلس "وليد" و جلست "خلود" هى الأخرى وسطهما تضع أمامه الطعام فيما قال هو بنبرةٍ هادئة:
_لو وراك مشوار عند دكتور أو حاجة أنا موجود أهو، قولي علشان الشباب كلهم في الشغل استغلني بقى.
رد عليه "عمار" بلطفٍ كعادته يشكره:
_متشكر يا حبيبي تسلم، "خلود" هنا قايمة بالواجب ومش مخلية عليها أي حاجة، ربنا يقدرني بس وأرد جمايلها دي.
هتف "وليد" بثباتٍ يوضح له الأمر:
_أولًا دي تربيتي، ثانيًا مفيش جمايل بتبقى بين راجل ومراته يا "عمار" الاتنين في الأصل واحد كل واحد فيهم بيكمل التاني، وهي بتكملك، ثالثًا بقى ميغركش الوش الحنين دا منها علشان دي لو طلعت مبدأ واحد من مبادئها عليك هتزعلك.
سألهما "عمار" بوجهٍ مبتسمٍ:
_هو إيه سر القرب دا ما بينكم ؟؟ رغم إن الفرق بينكم كبير
رد عليه "وليد" بزهوٍ:
_الدماغ واحدة، أنا وهي شبه بعض، إنما "خديجة" دي كانت زي ملجأ أمان لينا بعد البلاوي اللي بنعملها، إنما "خلود" زيي في كل حاجة، مبتعرفش تسيب حقها ولا تعرف تدي حد أكبر من قيمته اللي يستاهلها، عكسك كدا.
سأله "عمار" باهتمامٍ بعدما لفت نظره الحديث:
_عكسي إزاي يعني؟؟
رد عليه "وليد" بنبرةٍ ضاحكة يقول:
_يعني طيب وقلبك أبيض وممكن تعتزل ما يؤذيك عادي بكل سهولة، على عكسي أنا والبت السوسة دي.
ابتسمت "خلود" بفخرٍ فيما أضاف "وليد" بلباقةٍ:
_ساوي وش ما يؤذيك بالأسفلت ونبقى نعتزله بعدين بقى في رواقة.
اتسعت عينان "عمار" بخوفٍ وهتف ببلاهةٍ:
_ياما !! احفظنا يا رب من قلبة عيلة المجانين دول.
ردت "خلود" بنبرةٍ ضاحكة تحاول طمأنته:
_لا متقلقش أنتَ ليك غلاوة خاصة عندنا، أمان.
تدخل "وليد" يضيف مؤكدًا:
_بالظبط كدا أمان، أوعى تقلق بس لو زعلت اختي أنا هخليك متفرقش عن الأسفلت يا عمورها.
خطفها "عمار" يقربها منه وقبل رأسها وهو يقول:
_في عيني وعلى راسي وجوة قلبي، هو أنا أقدر ازعلها؟؟
ابتسم "وليد" رغمًا عنه ثم هتف بحبٍ لهما:
_ربنا يخليكم لبعض ويقومك بالسلامة إن شاء الله.
هتف "عمار" بلهفةٍ وكأن الفكرة جالت بخاطره في هذه اللحظة:
_ممكن أطلب منك طلب ؟؟
نظر له "وليد" مستنكرًا ينتظر طلبه، وكذلك "خلود" التي تعجبت من لهفته في الحديث بهذه الطريقة.
________________________
في شقة "ميمي" وقف "يونس" يمسك المُصحف في يده وهو يقرأ منه ويراجع قبل الذهاب إلى المسجد، فاقترب منه "زين" يسأله بحيرةٍ:
_كل مرة أكون حافظ كويس وأجي عند التسميع أقف زي القطر العطلان، واللي بيكون ملقلق "عمر" بيسمع كويس، أنا مش عاوز أروح.
أغلق "يونس" المصحف وقال بنبرةٍ هادئة:
_علشان بتحط في دماغك إنك هتغلط، بس جرب كدا تثق في نفسك وسمع زي ما بتسمع هنا، والله هتلاقي نفسك حافظ كويس، اسأل "عمر" عمو "عامر" خلاه يحفظ إزاي.
اقترب "عمر" يقول بمرحٍ وزهوٍ في نفسه:
_احفظ كل أربع آيات لوحدهم وسمعهم لنفسك مرة صوت ومرة كتابة علشان كل حواسك تبقى واخدة على اللي بتحفظه، بعدها بقى سمع لنفسك وكل ما تحفظ هات من الأول، واعتبر إن الشيخ دا هو أنتَ علشان متتوترش، أنتَ مش بتعمل حاجة غلط يعني.
أبتسم "يونس" وأشار على صديقه قائلًا:
_شوفت بقى ؟؟ أهو دا كان أكتر واحد فينا مش بيحفظ آيتين على بعض، فاكر لما كان صغير وروحنا نسمع جزء عم ؟؟
ضحكوا جميعًا و كذلك "ميمي" التي قالت بقلة حيلة:
_ربنا يسامحه فضح أبوه في الجامع.
هتف "عمر" بحنقٍ يبريء نفسه:
_ماهو أنا كنت عيل صغير، أكيد مش قصدي أهزر في كلام ربنا يعني، الكلمة كانت صعبة عليا أوي.
هتف "زين" بضجرٍ منه:
_كلمة إيه اللي صعبة ؟؟ اسمها يوسوس في صدور الناس، حضرتك فضحتنا وقولت يوسوس في خدود الناس، الشيخ نفسه معرفش يعاقبك ولا يكمل عادي ولا يمسك نفسه من الضحك، أخرس خالص.
رد "يونس" بنبرةٍ ضاحكة حينما تذكر:
_أنا كل اللي بيضحكني الشيخ لما قاله دا ذنب عليا ولا ذنب عليك ولا مين فينا يا ابني اللي هيتحاسب.
تدخلت "ميمي" تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_اهو ربنا يسامحه بقى كان عيل صغير، المهم أنه عرف أهمية كلام ربنا ومينفعش نهزر ولا نبدل الكلام بغيره طالما مش حافظينه، ربنا يسترها عليكم.
تحدث "زين" بلهفةٍ:
_هو "يزن" لسه مجاش كل دا ؟؟ هنتأخر.
تحدث "يونس" بثباتٍ:
_أنا هروح أجيبه وأجي علشان محدش هيعرف يجيبه.
تحرك "يونس" بعدما استأذن منهم وتحرك من المكان، وبعدها بمرور دقائق صدح صوت الباب فركض "عمر" يفتحه ليجد أمامه "وليد" و معه "عمار" و "خلود" فهتف بغير تصديق:
_"عــمار" ؟؟ جيت إزاي ؟؟
رد عليه "وليد" بنفاذ صبرٍ:
_ما شاء الله نسخة من اللي خلفك، هو أنا شفاف يالا؟؟
رد "عمر" بنبرةٍ ضاحكة:
_اقصد يعني جه هنا إزاي وهو تعبان، علشان رجله.
دلف "وليد" يسانده وهو يقول بغيظٍ منه:
_جاي بالهيلوكوبتر بتاعة الحج "فهمي" مش جدك برضه تاجر طيارات ؟؟
رد عليه "عمر" بسخريةٍ:
_لأ تاجر غواصات، بيتعامل تحت المياه.
هتف "وليد" يشاكسه بقوله:
_طب يلا يا سكر من هنا، بدل ما ارميك في نص البحر.
رد "عمر" بنبرةٍ ضاحكة لعوبة تعبر عن شقاوته:
_اللي شافني بغرق في نص البحر ومرماش ليا عوامة، أول ما أخرج على الشط هقوله مع السلامة.
ضحك الموجودون بأكملهم فيما تحرك "عمار" نحو "ميمي" الذي تعلقت عيناها به وهي تدمع من هيئته، فقال هو بنبرةٍ هادئة:
_بصراحة وحشتيني اوي ومقدرتش احوش نفسي عنك أكتر من كدا، علشان كدا ما صدقت الفرصة جاتلي أجيلك هنا.
رفعت كفها تمسح على رأسه بينما هو جلس بجوارها فوجدها تقول بحزنٍ:
_كنت هتجنن علشان أشوفك وهما محدش فيهم رضي يطاوعني ويجيبني ليك، بس برضه كنت هحاول أجيلك.
نطق هو بحبٍ بالغٍ لها:
_وأنا كان نفسي أشوفك برضه، ماصدقت لقيت "وليد" وعرض عليا المساعدة، لو عاوز ياخد أخته ويمشي مع السلامة بقى أنا هنا في آمن مكان في الدنيا.
ضحكت "خلود" لهما ثم اقتربت منها تقبل رأسها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_وحشتيني يا ماما، عاملة إيه؟؟
تأثرت "ميمي" من هذه الكلمة لذا احتضنتها تربت عليها وهي تقول بنبرةٍ باكية:
_كويسة يا قلب ماما، وبقيت كويسة لما شوفتكم سوا.
تحرك "وليد" نحوها يشاكسه بقوله:
_طب إيه بقى ؟؟ هخلع أنا ولا إيه؟؟
ردت عليه بوجهٍ مبتسمٍ:
_إزاي بقى ؟؟ دا أنتَ كبير الليلة دي، أقعد نورنا.
هتف "زين" بحماسٍ:
_اقعد "يونس" راح يجيب "يزن" علشان تسميع القرآن، إحنا كلنا كنا بايتين عند جداتنا، بس هو روح إمبارح.
_____________________
وصل "يونس" لشقة "ياسين" وقد فتحت له "جاسمين" الباب ترحب به قائلةً:
_ازيك يا "يونس".
رد عليه مبتسم الوجه وقال:
_كويس الحمد لله، أنتِ عاملة إيه؟؟
حركت رأسها موافقةً وصدح صوتها عاليًا:
_يا ماما…هاتي ابنك يلا.
ضحك "يونس" على طريقتها فخرجت "خديجة" تقول بسخريةٍ:
_ابنك ؟؟ على أساس إنك جاية من الشارع ؟؟ خشي جوة.
تحركت "جاسمين" نحو الداخل تغني بمرحٍ:
_من غيري الدنيا دوارة…من غيري تحس بخسارة.
حاولت "خديجة" الاتصاف بالصبر بينما "يونس" حاول جاهدًا كتم ضحكته ليجدها تقول بقلة حيلة:
_تعالى يا "يونس" ادخل يا حبيبي.
رد عليها بأدبٍ:
_ربنا يخليكي مرة تانية يكون عمو "ياسين" هنا، هاتي بس "يزن" علشان منتأخرش.
ابتسمت له بفخرٍ فاقترب "يزن" منهما ركضًا بحماسٍ حتى أمسك "يونس" كفه وقال يوعدها:
_هجيبه لحد عندك هنا زي ما أخدته، تمام ؟؟
حركت رأسها موافقةً وهتفت بصدقٍ:
_واثقة فيك، خلوا بالكم من نفسكم بس.
تحرك "يونس" بالصغير في يده، بينما هي تنهدت بعمقٍ وانتظرت نزولهما ثم دلفت الشقة لتجد "نَـغم" تقوم بملء زجاجات المياه، بينما الأخرى جلست أمام التلفاز تأكل الكعك المتبقي، لذا هتفت "خديجة" بيأسٍ منها:
_مفيش دم خالص ؟؟ نقوم كدا نعمل حاجة.
ردت عليها "جاسمين" ببراءةٍ:
_ما أنا باكل أهو هعمل إيه تاني؟.
تحدثت "خديجة" بسخريةٍ ترد عليها:
_يا سلام ؟؟ مجهود جبار ربنا يقويكي يا قلب ماما.
اقتربت "نَغم" من والدتها تقول بتعجبٍ:
_ماما هي مش دي ساعة بابا اللي محطوطة على السفرة وكانت مكسورة وهو زعل ؟؟ صلحتيها؟؟
ردت عليها بقلة حيلة:
_لأ…جيبت واحدة جديدة ليه أحسن، يلا إن شاء الله ماحد حوش.
سألتها "جاسمين" بسخريةٍ:
_وأنتِ تكسريها ليه أصلًا ؟؟.
شردت "خديجة" في هذا اليوم منذ عدة أشهر عديدة وياليتها ما تذكرته.
كانت تجلس مع صغارها الثلاثة في إحدى الليالي الشتوية الباردة ولسوء الحظ كان الثلاثة الصغار يشعرون بالتعب حتى ارتفعت حرارتهم وبدا الاعياء واضحًا عليهم، وهي بمفردها معهم لم تعرف كيف تتصرف وخاصةً أن الدواء نفذ من البيت فأصبح الأمر متعسرًا.
هاتفت "ياسين" على هاتفه مرارًا وتكرارًا حتى يأتي لهم بالدواء أو يتصرف لحين موعد عودته خاصةً أن الفتيات كلٍ منهن ذهبت لبيت والدتها، لذا كانت تشعر بالقلق على صغارها فحاولت من جديد الإتصال به لكن دون جدوى حتى هاتفت "أحمد" يسأل زوجته"سلمى" التي كانت لها خير المعين في ذلك الوقت واخبرتها باسم الدواء لترسله إلى الصيدلية حتى يأتي به العامل إلى بيتها.
مر بعد ذلك عدة ساعات أخرى ازداد فيها تعب "نَـغم" أكثر من أخوتها وارتفعت حرارتها أكثر حتى أتى"ياسين" في موعدٍ متأخر عن عمله بكثيرٍ وبمجرد ظهوره في الشقة اقتربت منه "خديجة" تسأله بنبرةٍ جامدة:
_أنتَ كنت فين كل دا ؟؟ ومش بترد عليا ليه؟؟
رد عليها بتعجبٍ من انفعالها الغير مبرر:
_في الشغل هكون فين يعني؟؟ مالك شايطة كدا ليه؟
ردت عليه بنبرةٍ عالية وقد تلفت أعصابها:
_شايطة من عمايلك فيا، معاك تليفون ليه مش فاهمة، والبهايم اللي هنا يولعوا يعني؟؟؟ طب اتصل أسأل يمكن فيه مصيبة ولا حاجة.
رد عليها بنبرةٍ جامدة هو الأخر:
_أنتِ بتزعقي ليه؟؟ اتكلمي بالراحة مبتعرفيش..؟؟ أهدي شوية على نفسك مش كدا.
اغتاظت أكثر من بروده فيما تحرك هو يضع حقيبته على الطاولة وخلع ساعة معصمه يضعها على الطاولة وقال بسخريةٍ:
_فيه أكل بقى ولا هناكل نكد النهاردة ؟؟.
اقتربت منه تقول بضيقٍ أكثر:
_أنا مش فيا دماغ لهزارك وبرودك والله، عيالك تعبانين هما التلاتة وكل شوية واحد فيهم يسخن أكتر ويرجع، وأنا هنا زي المضروبة على راسي وأنتَ عمال تتبارد ؟؟ قافل الزفت اللي معاك وفتحته بعدها اتصل حتى.
نظر لها بدهشةٍ وصمت من طريقتها الغريبة وعدائيتها المصدرة نحوه بينما هي زاد ضيقها من صمته وقد نفذت طاقتها بشكلٍ كامل لتمسك ساعته تضربها بالأرض وهي تهفت به بنبرةٍ عالية:
_مـــا ترد ؟؟ أنتَ هتسكت وتسيبني أكل في نفسي؟؟
أمسك يدها يضغط عليها وهو يقول محذرًا لها:
_أنا هعديهالك لحد ما أشوف عيالي مالهم، بس اللي بيحصل دا عبط مش بالسهل أعديه.
دفعها من أمامه وتحرك نحو غرفة صغاره يطمئن عليهم فدلفت خلفه تنطق بتهكمٍ:
_بعد إيه بقى ؟؟ لسه فاكر ؟؟
زفر بقوةٍ ثم التفت لها يقول بنفاذ صبرٍ:
_"خديجة" عدي ليلتك أنا جاي على أخري روحي يابنت الناس نامي وعدي الليلة بدل ما نزعل سوا..
اقتربت منه تحاول التحدث فأوقفها بإشارةٍ منه حتى زفرت هي في وجهه ثم تحركت من الغرفة تضرب الباب خلفها بعنفٍ جعله ينظر في دهشةٍ من تغيرها، بينما هي ارتمت في الخارج على الأريكة بأعصابٍ منهارة بعد القلق الذي عاشته في تعب صغارها والمرور بين الغرف تعاون كلٍ منهم في الذهاب للمرحاض، اطمئن "ياسين" على صغاره في الداخل ثم خرج يسألها بتهكمٍ:
_هتدخلي تنامي ولا تروحي على بيت أهلك؟؟
زفرت بقوةٍ فاقترب منها يقول بنبرةٍ جامدة:
_محسساني أني كنت بلعب، أنا والله العظيم كنت بشتغل والتليفون مكانش معايا والله، أكيد مش بايدي أني ماردش ولما لقط شبكة مركزتش أصلًا.
زفرت هي بقوةٍ ومسحت وجهها وقالت بنبرةٍ مختنقة:
_وأنا أول مرة اشوفهم تعبانين كدا، أعصابي باظت على تعب كل واحد فيهم، كل شوية أروح أوضة واحد فيهم الاقيه بيترعش وبيرجع، وسخن، وأنا أول مرة ملاقكش موجود، هما كويسين صح ؟؟
سألته بنبرةٍ أوشكت على البكاء ليحرك هو رأسه موافقًا فبكت هي بخوفٍ ولأول مرة تختبر تعب الصغار مع بعضهم، فتنهد هو بعمقٍ واحتضنها يقول بقلة حيلة:
_والله كويسين وبكرة الصبح هاخدهم لياسر المستشفى، أهم حاجة إنك تطمني أنهم بخير وأنك تكوني بخير أنتِ كمان.
خرجت من شرودها على صوت صغيراتها وكانت مبتسمة الوجه وهي تتذكر حنانه عليها حتى في أوقات غضبها وخطئها هي يحن عليها وكأنها لم تقترف الخطأ قط.
______________________
في شقة "حسن المهدي" لم يذهب لعمله بل أنهى عمله في البيت وكانت "فاطيما" تجلس بجواره تراقب ما يفعله حتى أغلق حاسوبه فظهرت صورته مع "هدير" بجوار الكعبة المشرفة فسألته هي بتعجبٍ:
_بابا هو ليه أنتَ مش عندك صورة فرح مع ماما ؟؟
أتت "هدير" من الداخل عند هذا السؤال وقالت بحزنٍ مصطنعٍ:
_كروتني ابن "المهدي".
رفع "حسن" أحد حاجييه ثم ابتسم لصغيرته وحملها على قدمه يقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا قررت ياستي أننا منعملش فرح وقولنا نروح المكان دا أحسن بدل الفرح، علشان نرجع زي ما إحنا كدا، ماما لبسها حلو و واسع وأنا بصلي علطول، وبحاول احفظ زيكم القرآن، كان ممكن نعمل فرح بس تيتة كانت لسه ميتة، علشان كدا روحنا عملنا عمرة.
حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ ثم هتفت بحماسٍ:
_طب ممكن توديني هناك؟؟ مش جدو "محمود" راح هناك وقال إنه هيروح عند سيدنا "محمد" ؟؟
حرك رأسه موافقًا لترد هي بنفس الحماس:
_عاوزة أروح أنا كمان هناك بس وأنا صغيرة.
أبتسم لها "حسن" وقال بمرحٍ:
_قولي يا رب ييسرها معايا شوية وأنا هوديكي وأنتِ صغيرة وناخد "علي" معانا.
سألته "فاطيما" بتعجبٍ:
_مش هتاخد معانا ماما؟؟.
رد عليها بسخريةٍ يمازحها:
_ماهي راحت قبل كدا من غيركم كانت خدت حد فيكم معاها؟
اقتربت منهما "هدير" تقول من بين أسنانها:
_دا أنا هروح فيكم في داهية أنتوا الجوز.
مال "حسن" على أذن ابنته يقول بسخريةٍ:
_مش أنا كنت بقولك إن السندريلا مرات أبوها تعباها؟؟ دي بقى أمنا الغولة اللي بتاكل بنتها.
ضحكت "فاطيما" باتساعٍ فكمم "حسن" فمها وقبل رأسها وهو ينظر لزوجته التي رفعت حاجبها وطرف فمها وهي تراقب الصغيرة بين ذراعي أبيها.
_________________________
في شركة الشباب جلسوا مع بعضهم الثلاثة فهتف "طارق" براحةٍ تخللت صوته:
_كدا هنبقى جاهزين نفتح الفرع التاني بس نخلص الورق ونتأكد أنه تمام هيكون تحت إدارة "أحمد" و "حسن " مع بعضهم.
هتف "أحمد" بنبرةٍ هادئة:
_بص "سلمى" تبدأ تخلص في الشهر التامن وأنا عيني ليكم، بس قبل كدا مش هعرف، علشان بس أكون فايقلك.
تدخل "وئام" يهتف بنبرةٍ مرحة:
_لأ في دي عندك حق، ربنا يكرمك والباشا ينور الدنيا بخير
رد عليه "طارق" بنبرةٍ ساخرة:
_ألا قولي صحيح، هتحتفل بعيد جوازك هنا ولا في اسكندرية لما نروح المصيف ؟؟
هتف "وئام" خلفه مستنكرًا:
_عيد جوازي ومصيف مع بعض ؟؟؟
نظر له الإثنان بتعجبٍ فيما عقد ما بين حاجبيه ثم شهق بلهفةٍ وهو يقول:
_أنا نسيت عيد جوازي ؟؟