رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الخامس والعشرون

"كنت لي فرجًا من بعد الكُربة…ونسًا من بعد الغُربة"
_____________________

ضحكت "ميمي" فوجدت الكهرباء تنقطع بالمكان، حينها زفر هو بقوةٍ ثم فتح مصباح هاتفه ليجد فجأةً صوت مشغل الموسيقى يصدح عاليًا في يد أحدهم والأخر يحمل قالب حلوى يعتليها شمعة بحرف "Y" والاخر معه مادة ثلجية ينثرها في الهواء وصدح صوتهم في آنٍ واحدٍ:

_كــل ســنة وأنــتَ طيـب يــا مــهـلبـية.

وقف هو بفاهٍ مفتوحٍ على وسعه فوجد أصدقاءه الثلاثة يقفون أمامه بعدما عادت الإضاءة من جديد، فيما ظل هو مدهوشًا برؤيتهم أمامه وماهي إلا ثوانٍ وجد صوت الصبية الصغار يصدح من عند باب الشقة وهم يغنون مع بعضهم:

_انزل يا جميل على الساحة، واتمختر كدا بالراحة.

ارتفع صوت ضحكته وكذلك "ميمي" فوقف هو بتأثرٍ بعدما نسى هو ذكرى مولده على عكسهم جميعًا وخاصةً حينما وجد صغاره الثلاثة معهم يقفون في مقدمتهم.

اتسعت ابتسامته حتى ركض له الثلاثة مع بعضهم فأخفض نفسه لهم يفتح ذراعيه على وسعهما ليصله صوت الثلاثة ينطقون في نفس اللحظة بصوتٍ غلفه المرح:

_ كل سنة وأنتَ طيب يا أحلى مهلبية في الدنيا كلها.

ضمهم بذراعيه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة يحاول بها إخفاء تأثره:

_كل سنة وانتوا أحلى حاجة في حياة المهلبية، طبعًا مش محتاج اسأل مين قال موضوع المهلبية دا.

ضحكت "جاسمين" وهي تقول بفخرٍ:

_أنا اللي قولتلهم، بس هما مش هقولوا لحد خالص.

حرك رأسه موافقًا بسخريةٍ ثم أضاف مؤكدًا:

_طبعًا على يدي أنا.

اعتدل واقفًا وهو يقول بعتابٍ طفيفٍ للشباب:

_ طب ولازمته إيه التعب دا ؟ هو احنا فيه بينا الكلام دا؟

اقترب منه "خالد" يضع يده على كفه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:

_جرى إيه يا هندسة ؟؟ من إمتى حد فينا نسي التاني؟؟ كل سنة وأنتَ طيب ياض وربنا يفرحك بعيالك يا رب.

احتضنه "ياسين" وهو يقول بتأثرٍ:

_ويخليكم ليا يا رب، عشرة العمر كله.

اقترب "ياسر" منه و "عامر" أيضًا وكلاهما عانقه مُربتًا على ظهره، ثم بعدها الصغار بأكلمهم وكان معهم "يونس" الذي شاكسه بقوله:

_جايبلك هدية حلوة أهو علشان لما ييجي فرحي تجيبلي هدية حلوة، بابا قالي إن أهل العروسة بيجيبوا بيجامة العريس.

تلاشت بسمة "ياسين" وردد بتهكمٍ:

_بيجامة العريس ؟؟ هو أنتَ وأبوك وصلتوا لمرحلة بيجامة العريس ؟؟ وقعة أبوكم سودا يا صِيع.

دلف "وليد" في تلك اللحظة يقول مع صغار العائلة بمرحٍ:

_بس ياض، مسمعش صوتك، هو علشان عيد ميلادك هتزيط فيها؟؟ روح نام.

التفت له "ياسين" يسأله بضجرٍ:

_يابني جيت ليه ؟؟ هو حد هنا بيطيقك ؟؟

رد عليه "وليد" بتبجحٍ:

_ليه محسسني إنه كان بيت أبوك ؟؟ دا بيتنا كلنا يا تنح، خسارة في أشكالك الهدية اللي جييتها.

اقترب منه "ياسين" يعانقه وهو يقول بيأسٍ:

_يا أخي تربيتك دخلت في عيني، يخربيت طول لسانك.

ربت "وليد" على ظهره ثم هتف بنبرةٍ هادئة يقول بصدقٍ:

_طب والله العظيم مافي حاجة توفيك حقك ياض، كفاية إنك مخلي اللي ليا طايرة من الفرح علطول.

أبتسم "ياسين" ثم ابتعد عنه يقول بمعاندةٍ له حتى يثير استفزازه:

_ماهي دي قبولي الوحيد يا نجم، يعني مش اي حد برضه.

ضحك "وليد" واضاف يؤيده بقوله:

_معاك حق، هي فعلًا مش أي حد.

تحدثت "ميمي" من خلفهما تقول:

_تعالى يا واد علشان تاخد هديتك.

التفت لها على الفور ثم أقترب منها يضحك باتساعٍ فمدت يدها له بميدالية صغيرة بها مصحف صغير الحجم ثم قالت بنبرةٍ هادئة:

_مصحف زيك زي أخواتك، ربنا يحفظكم ويبعد عنكم غدر الدنيا وشرها يا رب.

مال عليها يقبل رأسها ثم قال بتأثرٍ:

_ربنا يباركلنا كلنا في عمرك، هشيله معايا ذكرى ويارب يفضل علطول إن شاء الله.

هتف "عامر" بلهفةٍ بعدما نظر لساعة يده:

_طب يلا علشان نقطع التورتة قبل ما تتبهدل.

اقترب "ياسين" يقف وسطهم ثم سأل بتعجبٍ:

_اومال فين الباقي ؟؟ هنقطع التورتة من غيرهم؟.

رد عليه "وليد" بتفسيرٍ:

_آه…الباقي في الليلة الكبيرة إن شاء الله.

عقد ما بين حاجبيه فاقترب منه الصغار يقفون بجواره ليقول "زياد" مسرعًا بلهفةٍ:

_يلا بقى يا عمو "ياسين" علشان نحتفل بعيد ميلادك قبل ما "علي" يروح بيته.

حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لهم ثم وقف في المنتصف بينهم وهم يلتفون حوله حتى ركض له "يزن" فوضعه "ياسين" على كتفيه فوصله صوت صغيره يقول بمرحٍ:

_كل سنة وأنتَ طيب يا بابا..بحبك أوي.

رد عليه "ياسين" بتأكيدٍ بعدما تأثر بحديث ابنه:

_أنا اللي بحبك أوي يا حبيب بابا، ربنا يخليكم ليا.

بعد مرور ثواني التفوا حول بعضهم وهو في المنتصف بصغاره وجاورتهم "ميمي" ثم قام هو وصغاره بتطفئة الشمع على قالب الحلوى وأخوته حوله ومعهم الصغار.
_____________________

كانت "فاطيما" تنام بين ذراعي والدتها على الأريكة في الغرفة الخاصة بجلوس الأسرة ففتح "حسن" الباب ليجد مظهرهما سويًا وهي تملس على خصلاتها، فابتسم لها ثم جلس بجوار زوجته يقول بنبرةٍ هادئة:

_دي علامة من علامات الساعة ؟؟ حاضنة بنتك عادي كدا، من غير ماحد فيكم يجيب شعر التاني؟؟ استر يارب.

ردت عليه بنبرةٍ هادئة أعربت عن قدر حبها:

_لأ طبعًا دي روح قلبي، مش واخد بالك إنها نسخة مني؟.

أمعن نظره في وجه صغيرته ليبتسم بصفاءٍ ثم مال على صغيرته يقبل جبينها ثم قال بصوتٍ رخيم:

_نسختين أحلى من بعض، يا بخت العيون اللي بتشوفكم وتتملى بالبصة في وشوشكم.

اتسعت ابتسامتها، فقال هو بنبرةٍ هادئة يهيم في وجهها:

_بقولك إيه صحيح مش ليا في حاجات الدلع دي، وبكره التعبير عن المشاعر الفياضة بس سمعت حاجة حلوة لشاعر على النت وحسيت إنها بتوصفك أو بمعنى أصح بتوصف حياتي معاكي، تسمعيها؟؟ 

انتبهت له وأمعنت النظر في وجهه بتساؤلٍ لم تنطقه لكنه فهمه واستدله من نظراتها، فابتسم وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_مساء الخير يا كل الخير
يا أمسى وشمسي وبلادي
يا أصفاهم
وأبدعهم
يا أحلاهم
وأجدعهم
يا مفردهم
يا أجمعهم
يا ميت واحدة ف روح واحدة
ما اقولش (معاها) أقول (معهم)
اتاري الدنيا فيها جميل
وحلوه عكس ما اتقاللي
وحظي الحلو مش ضايع
وكان جواكي متشاللي
وجيتلك بعد ما الأيام خدت مني وما ادتنيش
وكنت بعيش عشان كان لازم اني أعيش
وجايلك مستوي م الناس وم الأيام وعمايلها
لكن جوايا نقطة نور حايشها في القلب وشايلها
وقطعه من البازل ناقصه عشان ايدك تكملها
واديني قصاد جمال قلبك
لا مال ولا قوة ولا حاشيه
باداوي جرحي بحنانك
يارحمة ربنا الماشيه
وأملي وكل طلباتي
ايديكي تمر ف جراحي
انا تعبان
انا هلكان
انا قلقان بقالي زمان
وليا كام سنه صاحي
أرق وصداع ، قلق وصراع
وناس فاتت وناس عافرت
وناس ماتت وناس سافرت
ف جسمي بنات وعزف نايات
وجع ف ضلوعي مش متقال
ودمع ف عيني حنفيات
انا موجوع يابنت الناس
واكبر حلم دلوقتي اغمض عيني مش قلقان
يجمعنّي بعنيكي مكان
واعيط مره مش مكسوف
بحبك قبل ما الدنيا تجمعنا انا وانتي
وفتّحتي ف حياتي بيبان عاشت عمر مقفولة
برقة وردة خدتي القلب وروحتي وجيتي وسكنتي
وبالعشرة وبالأيام بقيتي السيدة الأولى

لمعت العبرات في عينيها لا تصدق ما يقوله، فتنهد هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ رخيمة:

_دي حقيقة والله، حسيت كدا خير اللهم اجعله خير إنها حياتي معاكي، وإني فعلًا استويت في الدنيا دي لحد ما جيتلك وإن الحلو اللي كان جواكي محدش شافه غيري.

رفعت نفسها حتى وصلت لوجنته ثم قبلته وقالت بنبرةٍ ضاحكة:

_احضني يا "حسن".

ضحك رغمًا عنه ثم قربها منه وهو يقول هادئة:

_سيبتي "علي" يعني يروح عيد ميلاد "ياسين" قولت هتعملي حصار على الواد مش هيخرج.

ردت عليه بقلة حيلة:

_هعمل إيه يعني، الواد شاف عيال العيلة كلها رايحة قولت بدل ما أكسر بخاطره يروح وخلاص، و "وليد" هيخلي باله منه مع عياله و "فارس"، بس وحشني يا "حسن".

تحدث هو بضجرٍ بعدما نفذ صبره:

_يا بت سيبي الواد يشم نفسه بدل ما أنتِ كابسة عليه.

لوت فمها بحنقٍ حتى ربت هو على ذراعها ثم قال بسخريةٍ:

_ربنا يكرمك ويهديكي يا رب يا حبيبتي، قولي أمين.

_أمــيـن.

قالتها بنبرةٍ خافتة ويأسٍ ثم ألقت رأسها على صغيرتها وهو يضلل عليهما بذراعه حتى هبت منتفضة تسأله بلهفةٍ:

_تفتكر هما اتأخروا ؟؟.

تهجم وجهه وظهر اليأس على ملامحه حتى ضحكت هي فضحك هو الأخر معها.
_______________________

في شقة "عمار" 

هاتف "ياسين" بمناسبة ذكرى مولده واعتذر منه عن عدم حضوره بقوله:

_تتعوض بقى، وعلى فكرة كلهم رفضوا يعملوا عيد ميلاد علشاني، بس أنا اللي صممت أنهم يفرحوك، ربنا يخليك لينا وتفرح بعيالك يا رب.

رد عليه الأخر بقوله بنبرةٍ هادئة:

_تتعوض مرة تانية إن شاء الله، بس برضه هستناك تقف على رجلك جنبي كدا زي كل سنة، بدل شلة المجانين دول، دول عاوزين يضربوا شماريخ تحت البيت.

ضحك "عمار" رغمًا عنه ثم قال:

_متخافش "خالد" معاهم و هيظبطهم.

رد عليه "ياسين" بتهكمٍ:

_"خالد" مبقاش عاجبني يا أم "خالد"، صحته راحت على تربية الواد "يونس" معدوم الرباية دا.

أغلق "عمار" معه المكالمة بعدما مازحه هو الأخر، ثم انتبه لـ "خلود" وهي تركض له بخطى غير متمهلة تحمل في يدها صينية معدنية فنظر لها بتعجبٍ وسألها بحيرةٍ:

_أنتِ بتجري كدا ليه ؟؟ و إيه اللي في الصينية دا؟؟

ردت عليه بحماسٍ:

_دا الاندومي بتاع البت السوسة "جاسمين".

عقد ما بين حاجبيه وهو يقول بتعجبٍ:

_وليه سوسة ؟؟ البت مكلفة وصارفة بالجامد.

ردت عليه بغموضٍ بعدما ضيقت جفونها:

_علشان هي عارفة أني بحبه بالخضار وجابته بالفراخ، بس على مين بقى ؟؟ ظبطته علشان ناكله سوا.

رد عليها بنبرةٍ ضاحكة:

_بس للأسف أنا مش بحبه، عندي مشكلة معاه.

تلاشت بسمتها وقالت بنبرةٍ هادئة:

_لأ تلاقيك بتعمله غلط، دوقه مني هيعجبك.

لوى شفته بتفكيرٍ حتى مدت يدها له بالمعلقة تضعه في فمه ليتذوقه هو حتى ابتلع الطعام ثم قال مستحسنًا مذاقه:

_حلو أوي، أوي بجد، طب تصدقي البت دي بتفهم؟؟ والله العظيم طلع عندها ذوق، كنت باكله زمان بس بقالي كتير بطلت أكله.

ردت عليه "خلود" بفخرٍ:

_مش اتجوزتني ؟؟ يبقى هتاكله كتير وياسلام بقى لو نجرب الكوري سوا ؟؟ هتبقى حاجة سكر.

لوى فمه يمنةً ويسرى بتهكمٍ ثم نطق ساخرًا:

_يافرحة أمك بيكي، متجوزة علشان نجرب الاندومي ؟؟ 

حركت رأسها موافقةً ثم هتفت من جديد بنفس الحماس:

_آه عديها يا عموري بقى، زي ما أنتَ اتجوزتني علشان الشاورما كدا وناكلها سوا، محدش أحسن من حد.

كتم ضحكته وهو يقول بنبرةٍ متصنعة الجدية:

_مين اللي فتنلك؟؟ أنا فعلًا كان من ضمن اسبابي أني اتجوز علشان نجرب الشاورما أنا ومراتي سوا، بس دا مش مبرر يا سكر يخليني أكل اندومي، ارتقوا بقى.

لوحت له بذراعها وهي تمسك الطبق الخاص بها تتناول ما به بفمٍ متتليء جعله يضحك حتى أشارت له أن يفعل مثلها ثم قربت منه طبقه فأمسك الملعقة بيده السليمة يأكله، حتى هتفت بحماسٍ من جديد يشبه حماس الصغار:

_تيجي نعمل سباق ؟؟ نشوف مين هيخلص الأول ؟؟ 

قبل أن يوافق بدأت هي بحماسٍ شديد جعله يعاندها ثم بدأ معها في تناول الطعام حتى انتهيا سويًا ثم نظرا لبعضهما وضحكا كلاهما مع الأخر فهتف هو بفخرٍ:

_محسوبك عدم المؤاخذة شاطر يا خوخة.

حركت رأسها نفيًا وقالت بنبرةٍ مختلطة المشاعر:

_ألعب بعيد يا شاطر مش اشطر مني، بس هسمحلك علشان أنتَ تعبان وأنا زعلانة علشان تعبك أوي، حاسة أني عاوزة احضنك وأعيط.

تصنع التأثر وهو يقول بأسىٰ زائفٍ:

_وأنا نقطة ضعفي مراتي تحس بحاجة من غير ما انفذها ليها، تعالي يا سكر في حضني من سُكات.

ضحكت رغمًا عنها ثم وضعت رأسها على كتفه حتى رفع كفه يربت على خصلاتها السوداء حتى جذبه لمعة هذه الخصلات فسألها باهتمامٍ:

_ألا هو السواد دا طبيعي؟؟ ولا زيت فاتيكا؟؟ 

ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:

_لأ زيت زيتون يا "لوز"، بتطمن على البضاعة؟؟ 

حرك رأسه موافقًا ثم قال بتأكيدٍ:

_أكيد طبعًا، أومال اسيبكم تغشوني يا عيلة الرشيد ؟؟ 

سألته باهتمامٍ وهي تطالعه بنظراتٍ ثاقبة:

_ودلوقتي ؟؟ غشناك برضه يا دكتور؟؟

حرك رأسه موافقًا فشهقت هي ليضيف هو بنبرةٍ هادئة:

_واحلى مرة اتغشيت فيها، كفاية أني خدتك أنتِ.

أمسكت كتفه بحماسٍ تضغط عليه حتى صرخ هو متألمًا ونطق بنبرةٍ عالية:

_يا بنت المجانين أقسم بالله اتغشيت فيكي.

ضحكت رغمًا عنها وضحك هو الأخر ثم احتضنها وهو يقول بغلبٍ:

_ربنا يكرمك بشوية عقل يا رب، بيقولوا العقل زينة.

ردت عليه بلامبالاةٍ وهي تضع رأسها على صدره:

_مش مهم، كفاية أنتَ عاقل.
______________________

في بيت شباب آل الرشيد.

فوق سطح البيت جلسوا مع بعضهم فلاحظ "وئام" تذمر الفتيات الصغيرات فسأل بتعجبٍ:

_مالهم عيالك يا "طارق" ؟؟ 

رد عليه بقلة حيلة:

_البيه عمود البيت، قال قدامهم أنه رايح عيد ميلاد "ياسين" وخد الصبيان وسابهم في ارابيزي أنا، هعمل إيه ؟

اقترب منهن "وئام" يجلس بجوارهن ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_ماهو مش هينفع تروحوا علشان "وليد" هيرجع متأخر، بس لو عملوا عيد ميلاد كبير هنروح كلنا.

هتفت "رؤى" بضجرٍ:

_اشمعنا "علي" و "زياد" و "مازن" راحوا ؟؟ و "فارس" كمان؟؟ كان خدني معاه طيب.

ردت عليها "جميلة" بقلة حيلة:

_يا بنتي بقى ربنا يهديكي، هو واخد الولاد بس.

هتفت "روزي" هي الأخرى بنفس التذمر:

_بس أنا كنت عاوزة أروح أنا كمان، طب والله مش هاخده فرحي.

أرتفع صوت الضحكات على حديثها، فأضاف "طارق" بسخريةٍ:

_يا فرحتي وفخري وشرفي، أحيه عليا وعلى تربيتي.

أضافت "عبلة" من بين ضحكاتها:

_حد يتخيل إن دي تربية "جميلة"؟؟ البت دي خلي بالك شكلها هتبقى "خلود" الصغيرة.

هتفت "سلمى" بتذمرٍ:

_مالكيش دعوة بخوخة لو سمحت، هي مش هنا محدش يجيب سيرتها.

رفعت "عبلة" حاجبيها وسألتها بدهشةٍ:

_بتبيعي أختك علشان أخت جوزك يا بطيخة؟؟ 

عدلت على حديثها بقولها:

_صاحبتي، خلود صاحبتي، وبس بقى علشان هي منفضالي من ساعة ما "عمار" تعب ومش عارفة اكلمها، اللي عملته فيها لما اتجوزت بتطلعه عليا دلوقتي.

تدخل "أحمد" يقول بنبرةٍ ضاحكة:

_أنا الراجل الوحيد اللي نفسي أختي ومراتي يقاطعوا بعض، والله هيبقى يوم المُنى، علاقة أنا فيها طرف تالت.

ردت عليه "سلمى" بضجرٍ:

_بس أنا اصلًا مش طايقاك، لو بتحبني بجد كنت جيبتها تقعد معايا هنا، ولا تبنيلها شقة جنبي.

لوى فمه يمنةً ويسرى بتهكمٍ ثم نطق بسخريةٍ:

_ياستي اتنيلي على عينك أنا مكفي نفسك ومكفيكم بالعافية، ولسه مصاريف ولادتك اللي مخلياني أكلم نفسي، اتوكسي.

صعد "وليد" لهم يحمل في يده حقائب وفي تلك اللحظة دلف يقول بمرحٍ:

_أهلين وسهلين بالناس السالكين.

عقبه في الوصول الصبية الصغار، بينما هو جلس بجوار زوجته يقول بمرحٍ:

_وحشتيني يا سوبيا.

كتمت ضحكتها فيما قالت "رؤى" بضجرٍ:

_مخدتنيش معاك ليه؟؟ مش كنا نروح سوا كلنا؟؟ 

أشار لها حتى اقتربت منه ثم اجلسها على قدمه يقول بنبرةٍ هادئة:

_كنت هاخدك إزاي ؟؟ هما قالولي هات الولاد بس، جيبتهم، بس وعد مني مرة تانية هاخد البنات بس وأنتِ أولهم ومعاكم "فاطيما" تمام كدا ؟؟ 

حركت رأسها موافقةً بوجهٍ مبتسمٍ فقبلها في وجنتها ثم رفع يده يضع الحقائب على الطاولة وهو يقول بزهوٍ:

_بعدين عيب دا أنا صارف ومكلف وجايب ليكم حاجات حلوة علشان مزعلش حد في الأخر مقابلني بالبوز دا ؟؟.

مال "مازن" على أذن "زياد" يقول بنبرةٍ هامسة:

_هو أبوك من دلوقتي بيحجز؟؟ شايل هم البوز علشانك.

هتف "زياد" بسخريةٍ:

_حنين يا حبيبي شايل هم عياله.

استمع لهما "فارس" فقال بسخريةٍ مرحة هو الأخر:

_يا أخي نفسي حد يشيل همي أنا كمان؟؟ 

نظروا لبعضهم ثم ضحكوا سويًا بصوتٍ عالٍ لفت الأنظار لهم وخاصةً "وليد" الذي انشغل في اخراج الحلوى من المعلبات.
_______________________

وصل "ياسين" بصغاره الثلاثة لشقته، كانت "نغم" بين اليقظة والنوم و "يزن" نائمًا في ثباتٍ عميقٍ، بينما الدُمية الصغيرة عاندت النوم حتى تغلبت عليه وظلت كما هي واعية، حمل "ياسين" صغيريه ثم ادخلهما غرفتهم، وظلت "جاسمين" بجواره تبتسم ببلاهةٍ حتى سألها بضجرٍ:

_أنتِ صاحية ليه يا دُمية ؟؟ ما تنامي ياختي.

ردت عليه بلهفةٍ:

_عاوزة أسهر معاك ممكن؟؟

رد عليها بسخريةٍ:

_لأ مش ممكن، علشان الوقت اتأخر وعاوز أنام و ماما زمانها نامت طالما البيت كله هادي كدا، يلا يا بت روحي نامي.

ضربت الأرض بقدميها وهي تقول بصوتٍ عالٍ:

_دا ظلم والله، يارتني أكون عروسة لعبة أحسن.

رفع صوته يقول بضجرٍ:

_ياريت ياختي على الأقل كنت هجيبك من شعرك من غير خوف على مشاعرك، إذا كان فيه منها أصلًا.

التفتت له تقول بمعاندةٍ:

_طب والله العظيم لأقول لأبوك.

تشدق بنزقٍ يسخر منها:

_أبوك يا بيئة ؟؟ اسمها باباك يا عين أمك.

حركت رأسها تضيف بنفس الطريقة:

_برضه هقوله، وأصلًا بقى عاوزة هدية عيد ميلادي بدل اللي أنا مش جيبتها ليك.

عقد مابين حاجبيه وردد بحيرةٍ:

_يعني مين فينا كدا اللي مداين التاني ؟؟

حركت كتفيها وهي تردد:

_معرفش…بس هقول لباباك برضه.

تركته وتحركت نحو الفراش ترتمي عليه حتى زفر هو بقوةٍ ثم خرج من الغرفة بعدما تأكد من نومها فور ارتمائها على الوسادة.

دلف "ياسين" غرفته بعد ذلك بهدوء حتى لا يوقظ زوجته، لكنه تفاجأ بها تجلس في انتظاره ولكن بهيئةٍ مختلفة تمامًا عن كل مرةٍ يراها بها، كانت ترتدي فستانًا باللون الأحمر يتناسب مع جسدها، وفردت خصلاتها حول كتفيها، ثم وضعت بعض مساحيق التجميل في وجهها، وامامها طاولة قامت هي بترتيبها لأجله.

رمش عدة مراتٍ ببلاهةٍ ثم وقف أمامها يقول بصوتٍ رخيم:

_بسم الله الرحمن الرحيم اللهم بارك، إيه يا عم القمر دا؟؟

ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:

_مش عيد ميلادك ؟؟ لازم يعني يكون حاجة كدا مفيش منها ولا إيه ؟؟ قولت أغير الشكل شوية علشان أوريك الهدايا بتاعتي، يارب تعجبك.

ردد خلفها بتعجبٍ:

_هدايا ؟؟ ليه يا ست الكل، كفاية والله الطَلة دي، مش عاوز حاجة غير كدا خلاص يا كتكوتة.

هتفت بنبرةٍ ضاحكة:

_يعني اكروتك؟؟ هو أنتَ أي حد يا مهلبية؟؟ يلا بس تعالى.

اقترب يقف مجاورًا لها وهو يبتسم بسعادةٍ ولازالت عيناه مُثبتةً على وجهها يتطلع إلى تقاسيمه وخاصةً وهي تضحك له بسعادةٍ قرأها هو على مُحياها، فيما فتحت هي الصندوق الاسود الكبير ثم قامت بإخراج دفترًا باللون الأسود طُبع على غلافه صورته في صغر عمره بمختلف المراحل حتى كبره، وأسفل منها دونت بخط يدها باللون الأبيض:

_العُمر كله مُر…بس في وجودك بيمُر المُر.

أبتسم لها فور وقوع بصره على تلك الجملة، بينما هي تنهدت بعمقٍ ثم قالت بحماسٍ:

_بص دي هدية عمايل ايديا وحياة عينيا، جمعت ليك صور مع كل الناس اللي في حياتك من أول عمو وطنط لحد اطفال العيلة كلهم، وصفحة منهم ليا لوحدي ودا غرور في نفسي وصفحة لكل واحد من صحابك وصفحة "لميمي" يارب يعجبك.

امسكه في يده وكأنه حصل على كنزٍ ثمين بعد سنواتٍ عُجاف، بينما هي تنهدت بعمقٍ ثم قامت بإخراج ساعة معصم رجالية وهي تقول بأسفٍ زائفٍ:

_بدل اللي كسرتها لما كنت متعصبة، يارب متفتكرش وترجع تكشر تاني.

ضحك رغمًا عنه ثم قربها منه بذراعه يضمها إليه وهو يقول بقلة حيلة:

_فداكي كل حاجة، بس متحصلش تاني بدل ما أمد أيدي.

ضحكت هي الأخرى ثم البسته الساعة في معصمه وهي تقول بجديةٍ مُصطنعة:

_ياريت متقلعهاش وترميها لحد ما تتكسر، ساعات الناس مش لعبة يابن الحلال.

رفع حاجبيه مستنكرًا فغمزت له تعضعض شفتها حتى ضحك رغمًا عنه وضرب كفيه ببعضهما.

فيما اقتربت هي من الصندوق تخرج منه لوحًا زجاجيًا يحمل أول صورة تجمعهما سويًا وهي صورة خطبتهما، وأخر صورة لهما برفقة صغارهما، وفي المنتصف تقويم ميلادي ويوم مولده ميزته بالقلب الأحمر، وفي اخر اللوح المعدني شفرة الكترونية.

نظر للوح الزجاجي بتأثرٍ فيما أخرجت هي هاتفها تقول بصوتٍ مختنقٍ من فرط الحماس:

_دي بقى أكتر كلمات لأغنية تخليني أوصف كل حاجة معاك من أول يوم رجلك خطت فيه بيت الرشيد لحد لحظة وقوفي جنبك هنا، اعتبرني أنا اللي بقولهالك وكل كلمة هنا خارجة من قلبي ليك.

أمعن نظره في وجهها حتى قامت هي بتمرير الهاتف على الشاشة الإلكترونية فصدح صوت الكلمات:

_كان قلبي يومها ضايع
بيدور في الشوارع
نفسه يلاقي النور
عاجز وحقيقي حاسس
إنه مهزوم ويائس
طير بجناح مكسور
ونادتنى في عز همى
قوتني وشيلت عني
نسيتني طعم الخوف
قولتلي أنا لسه جنبك
إفتحلي بس قلبك
صدقني وإنت تشوف
ولقيتني بطير من تاني
أحلام لبعيد وخداني
ما بقاش في حدود منعاني
إحساسي بيك قواني
ولقيتني بطير من تاني
أحلام لبعيد وخداني
ما بقاش في حدود منعاني
إحساسي بيك قواني
أنا كنت ساعتها خايف
وخلاص مابقتش شايف
أي أمل موجود
مش قادر أقوم وأكمل
في متاهة ومهما بعمل
في ألف باب مسدود
لحظة ما بقيت معايا
إتغيرت الحكاية
ردتلي تاني الروح
مش مصدق عنيا
شايف في اللحظة ديا
باب السما مفتوح
ولقيتني بطير من تاني
أحلام لبعيد وخداني
ما بقاش في حدود منعانى
إحساسي بيك قواني
ولقيتني بطير من تاني
أحلام لبعيد وخداني
ما بقاش في حدود منعاني
إحساسي بيك قواني
ولقيتني بطير من تاني
أحلام لبعيد وخداني
مابقاش في حدود منعاني
إحساسي بيك قواني
ولقيتنى بطير من تاني
أحلام لبعيد وخداني
ما بقاش فى حدود منعاني
إحساسي بيك قواني.

أبتسم وهو يستمع للكلمات والعبارات وشعر حقًا أنها توصفه وكأن الكلمات كُتبت لأجلهما سويًا وقد أصابت الهدف في الاختيار، لذا فتح ذراعيه لها حتى ارتمت عليه تحاول إخفاء تأثرها الذي ازداد أضعافًا بقوله متأثرًا:

_فاكرة لما قولتيلي أني أحن حاجة جت في العمر ؟؟ عاوز أقولك أني بدأت أحسب العمر دا من أول وجودك فيه يا "خديجة".

تعليقات



×