رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الثاني والعشرون

_لطالما كنت "سُكر" بمفردي هل تقبل أن تكون "لوز" الخاص بي ؟؟ 

_أنا يا "سُكر" العُمر أشيلك العمر كله بين جفوني.
__________________

_مساء الخير يا فندم، صاحب الرقم دا عمل حادثة على الطريق بالموتوسيكل وهو حاليًا في مُستشفىٰ*******

لم تكن مجرد كلماتٍ عادية يتفوه بها أحدهم بل هي كما الصفعة لطمت وجهها وأخر ما علق بذهنها كلمة المشفىٰ لينقطع خط الاتصال بعدها فصرخت بنبرةٍ عالية:

_ألـــو !! ألــــو !!.

لم تستطع التواصل معه بعدما وصلها صوت انقطاع الخط، فنزلت دموعها وتعالت دقات قلبها بخوفٍ قطع انفاسها، لم تجد بُدًا من جلوسها فركضت تسحب أول ما طالته يدها من ملابسها ترتديها بحالةٍ تعهدها للمرةِ الأولىٰ في حياتها، توقف عقلها عن العمل وهي تركض في أنحاءٍ مختلفة غير متهادية، حتى أنهت ارتداء ملابسها أخيرًا ثم خطفت كل ما طالته يداها وركضت ودموعها تتسابق على وجهها وكل ما يتردد بذهنها فقط:

_"صاحب الرقم دا عمل حادثة"
 تلك الجُملة التي ألجمت عقلها وجعلتها أسيرةً في عالمٍ أخر، ركضت من البناية وقد توقف عقلها عن الاستغاثة بأيٍ من الشباب أو حتى أفراد عائلتها وكأن كل ما تعرفهم فقط يتلخصون بوجوده هو "عمار".

خرجت من شارعها حتى وصلت للطريق العام فأوقفت أول سيارة أجرة قابلتها وهي تقول بنبرةٍ باكية كما أن خطواتها كانت أشبه بالركض:

_لو سمحت مستشفى *******.

لاحظ الرجل حالتها فوافق على الفور لذلك ركبت هي بلهفةٍ وحدثته بتوسلٍ باكيةً:

_لو سمحت…..بسرعة أبوس إيدك….بسرعة.

حرك الرجل رأسه موافقًا بينما هي أخرجت هاتفها تحاول التواصل مع رقمه وكأنها أصيبت بالعمى عن كل الأرقام عدا رقمه هو، حاولت الكثير والكثير حتى صرخت ببكاءٍ:

_رد بقى، رد قولي هو في إيه.

تحدث السائق يُشدد من أزرها بقوله:

_وحدي الله يا بنتي، إن شاء الله خير بإذن الله متخافيش.

انتبهت له فرفعت عينيها الباكيتين تقول بتضرعٍ:

_يا رب…..يارب طمني عليه ومش عاوزة حاجة تانية.

بعد مرور بعض الوقت مر كما الدهر بسالفه عليها حتى أوقف السائق السيارة أمام باب المشفىٰ الميدانية على الطريق، فأخرجت الورقة المالية تعطيها له دون أن تُكبد لنفسها عناء أخذ الباقي منه بل ركضت للداخل حتى أوقفها فرد الأمن يسألها بنبرةٍ جامدة:

_رايحة فين حضرتك ؟؟ داخلة إزاي كدا ؟؟ 

ردت عليه بلهفةٍ أخرجت حروفها متقطعة ناهيك عن البكاء الذي لازال مُستمرًا:

_جوزي، هو جوة….حد قالي إنه عمل حادثة بس مش عارفة أروح فين، أنا عاوزة أشوفه هو لوحده…. أروح فين؟؟ 

لهفتها ونبرتها المتقطعة في التحدث وعينيها المنتفختين من كثرة البكاء جعلته يطالعها بشفقةٍ وهو يقول:

_بس دا أكيد في قسم الطوارئ مش هنا.

حركت كتفيها وهي تردد ببكاءٍ:

_معرفوش…. أروح ازاي ؟؟ 

تحدث رفيقه حينما وجد الظلام يغطي الطريق وبالطبع قد يتسبب في خوفها:

_روح وصلها هناك الدنيا ضلمة ومش هتعرف توصل.

حرك رأسه موافقًا ثم أشار لها وقبل أن ينطق كانت هي تركض حيث إشارته بغير هوادة أو حتى تفكير والاخر يلحق بها حتى سبقها بخطواتٍ واسعة لتسير على خطاه، لأول مرة تختبر ذلك الشعور المقيت وهي على وشك فقد أعز ما أهدتها الأيام، ظل حديثه يتردد بعقلها وضحكته وكل شيءٍ جمعهما سويًا وأخر جملة ترددت على سمعها وكأنه يُلقيها أمامها من جديد:

_أنا يا سُـكر العمر أشيلك العـمر كله بين جفوني.

ازداد البكاء لتغطي تلك السحابة عينيها حتى سقطت على قدميها وكفيها معًا فالتفت لها عامل الأمن يسألها بشفقةٍ:

_بالراحة على نفسك وإن شاء الله نلحقه، متقلقيش، أنتِ كويسة؟؟ قومي معايا.

عاونها في الوقوف بحذرٍ فمسحت هي وجهها ثم سارت من جديد بنفس الخطوات الواسعة حتى أشار لها على باب القسم فتحركت نحو الداخل وكأنها تسير في متاهات، وصلت أمام مكتب الاستقبال تسأل الفتاة بنبرةٍ باكية:

_لو سمحتي جوزي حد كلمني وقالي عامل حادثة، هو فين؟؟ اروحله فين ؟؟ 

سألته الفتاةِ بثباتٍ اعتادت عليه من تلك الأحداث:

_جاي في حادثة إيه؟؟ 

ردت بلهفةٍ وهي تدلي بما زاد من خوفها:

_حادثة موتوسيكل.

ردت عليها بحيرةٍ:

_باينك دا لسه مخرجش الدكتور خده ودخل بيه العمليات.

وقفت مذعورة بعينين مُتسعتين تنهمر منهما الدموع بغير هوادة وكأنهما في سباق العِدو، ارتمت على المقعد الخلفي تبكي وقد لاحظت كفيها الذي غزاهما الاحمرار بعدما سقطت عليهما كما توسط كليهما إصابةٌ جعلتها غير قادرة على الضغط عليهما فلم تتمالك نفسها أكثر من ذلك فوجدت إمرأةً تقترب من طاولة الاستقبال تهتف بتبرمٍ:

_ياختي الدكتور ماله النهاردة، فضل يتعصب علينا لحد ما خرج من العمليات.

انتبهت لها "خلود" لذلك ركضت نحوها تسألها بلهفةٍ:

_هو الدكتور خرج من العمليات ؟؟ عمار..  عمار اللي كان في العمليات دا جوزي، هو كويس ؟؟

سألته المرأة بعفويةٍ:

_واحد شكله نضيف كدا وابن ناس وأمور ؟؟ 

حركت رأسها موافقةً وهي تبكي، فقالت الأخرى:

_آه يا حبيبتي خرج الحمد لله بس لوحده يعيني، هتلاقيه في أوضة خمسة، لسه منقول هناك.

ركضت بدون تعقل أو تمهل وكأن الروح عادت لها من جديد بعدما فارقتها في معركةٍ اوشكت فيها على لفظ أنفاسها الأخيرة، ركضت تبحث بعينيها عن رقم الغرف حتى وجدت مبتغاها كمن وجد الماء وسط الصحراء، ركضت للغرفة فوجدت بها فراشين أحدهما فارغًا والأخر يتوسطه "عمار".

اقتربت منه بخوفٍ فوجدته وجهه تُغطيه الكدمات وكفه الأيمن غلفه الشاش الطبي، والأيسر بعض الأصابع منه بدت عليها الجروح وبدا كفه متورمًا وقدمه موضوعة بالجبس و هناك لاصق طبي يستقر أعلى جبينه وجرحٌ كبير في كف قدمه.

ازدادت دموعها في الحال وركضت نحو الفراش تجلس على ركبتيها ملاصقةً للفراش ثم رفعت كفها تمسح على خصلاته السوادء وهي تقول بنبرةٍ باكية:

_عمار…قوم رد عليا، قوم طيب قول إنك كويس ونام تاني، سمعني صوتك وخلاص….. طب….طب قوم زعقلي طيب علشان أي حاجة، طب قوم قولي إنك مش زعلان مني وأني مش السبب في إنك…إنك تتعب كدا، قوم رد عليا علشان خاطري.

ازداد بكاؤها أكثر وهي تتوسله بالاستجابة لحديثها لكن لا حياةٍ لمن تنادي، ارتفع صوت نحيبها ونهيج صدرها وهي تضع رأسها بجوار رأسه وقد تفاخم شعور الذنب لديها بسبب رؤيته في تلك الحالة، فتذكرت حديثه معها لذلك رفعت رأسها تحدثه بلهفةٍ باكية:

_طب مش أنتَ قولتلي قبل كدا إنك هتفضل علطول، قوم علشان خاطري رد عليا، سمعني صوتك بس، بلاش تمشي علشان أنا بخاف من غيرك، وماليش غيرك، قــوم بقى.

توسلته بنبرةٍ عالية ثم وضعت كفها على رأسه ودموعها تنهمر كما هي ثم تذكرت أمر العائلة حينها أخرجت رقم "وليد" تحاول التواصل معها فوجدت هاتفه مُغلقًا، زفرت بيأسٍ ثم أخرجت رقم "أحمد" الذي جاوب في منتصف المكالمة لتقول هي بلهفةٍ باكية:

_"أحمد" تعالى ليا علشان خاطري.

انتبه لها الأخر فسألها بلهفةٍ اقتبسها منها:

_مالك يا "خلود" ؟؟ أنتِ فين وبتعيطي ليه ؟؟

ردت عليه بنبرةٍ باكية:

_"عمار" عمل حادثة وتعبان أوي، أنا لوحدي هنا.

انتفض من جلوسه يسألها بنبرةٍ عالية:

_مستشفى إيه طيب ؟؟ 

جاوبته باسم تلك المشفى ثم قالت بنفس البكاء:

_"وليد" مش بيرد عليا موبايله مقفول، هاته وتعالى أنا خايفة أوي ومش عارفة….مش عارفة اتصرف.

طمئنها بقوله:

_اهدي متخافيش، كلها دقايق وهنكون عندك، اوعي بس تتحركي من مكانك وخلي موبايلك مفتوح علطول، فاهمة؟؟

أغلق معها بينما هي مسحت وجهها ودموعها ثم ثبتت أنظارها عليه وهو ينام طريح الفراش تشعر وكأن تلك الكدمات في جسدها هي وكأنهما يتشاطران الوجع سويًا.
___________________

استمع "وليد" لهمس "أحمد" حتى لا تنقلب الأمور بالبيت، فرد عليه بلهفةٍ يستفسر منه عن حال أخته:

_طب وهي عاملة إيه ؟! كانت معاه ولا لأ؟؟ 

رد عليه بنبرةٍ منخفضة:

_ تعالى معايا بس وكلم الشباب كدا عرف "عامر"

حرك رأسه موافقًا ثم تحرك معه يسحبان نفسهما من المكان كعادتهما وكأنه أمرٌ في غاية الطبيعة.

كان "عامر" في الشارع يقوم بشراء عدة طلبات للبيت، فصدح صوت هاتفه برقم "وليد" فأخرج الهاتف ليرد عليه بمرحٍ:

_أيوا يا غالي، بتكلمني مصيبة ولا عادي؟؟

رد عليه الأخر بتوترٍ:

_"عامر" تعالى علشان عاوزك معانا في مشوار مهم، هقابلك أنا و"أحمد" بس حاول متتأخرش، ماشي ؟؟

لاحظ "عامر" طريقته المقتضبة في الحديث فسأله بريبةٍ:

_فيه حاجة ولا إيه، أنتم كويسين ؟

جاوبه "وليد" بنبرةٍ فاترة:

_آه متشغيلش بالك قابلنا على الطريق عند الميدان كدا تمام.

أغلق "عامر" معه ثم عاد من جديد تجاه الطريق على قدمه بدون سيارته لينتظر تلك المقابلة الغريبة الغير متوقعة.

تقريبًا بعد مرور نصف ساعة تقابل معهما "عامر" فسألهما بتعجبٍ:

_إيه يا عم منك ليه، يكونش الموضوع علشان عيد ميلاد "ياسين" وعاوزين تظبطوه ؟؟.

تحدث "وليد" بنبرةٍ ثابتة يحاول بها اخباره:

_بص "عمار" اخوك عمل حادثة بالموتوسيكل وهو في المستشفى و"خلود" معاه.

اتسعت مقلتاه فور الاستماع لاسم شقيقه، فتحدث "أحمد" بلهفةٍ:

_بس "خلود" معاه وهو خرج من العمليات، متخافش.

التفت له "عامر" يقول بنبرةٍ مُتعجلة أعربت عن خوفه واضطراب صوته:

_خدني عنده بسرعة لسه هتقف، أخويا عمل حادثة وأنا واقف هنا لسه، ودـينــي بـسـرعــة.

صرخ فيهما ثم فتح باب السيارة يركبها وقلبه ضرباته تتصارع مغ طبعا بعضها والدموع على الفور اجتمعت في عينيه لم يصدق مايصير حوله إلى أن يبصره هو بنفسه، ضرب نافذة السيارة ورفع صوته يقول بنبرةٍ جامدة:

_دوس شــويـــة يـــا "ولـــيـد".

ضغط "وليد" على سرعة السيارة يرفعها ليشق الطريق وسط التكدس المروري بينما "أحمد" أخرج هاتفه يتحدث مع "ياسين" حتى يكون معهم.
__________________

بدأ "عمار" في تفريق جفنيه عن بعضهما وتحرك بؤبؤاه بغير هُدى من أسفل جفنيه وكأن تلك الحركة البسيطة تؤلم جسده بالكامل، فتشوشت الرؤية وهو يهتف بنبرةٍ مُحشرجة:

_خلـ…ود…خلود.

انتبهت لصوته فرفعت رأسها على الفور بعينيها الدامعتين فكرر هو النداء لها بنفس الصوت لتقول بلهفةٍ بعدما هبت منتفضة:

_نعم….نعم أنا هنا معاك أهو.

حرك رأسه نحوها يطالعها بتشوشٍ فوجدها تنهار باكيةً أمامه فسألها بصوتٍ جافٍ أجش:

_بتعيطي ليه ؟؟ أنا أهو كويس.

اقتربت منه تمسك يده ثم قبلت كفه فيما حاول هو رفع جسده حتى نجح فى ذلك رغم الأنين المتأوه الذي أخرجه، فسألته بصوتٍ مختنقٍ من البكاء:

_بجد أنتَ كويس، طب….طب حاسس بإيه؟؟

فتح ذراعه له فاقتربت منه تبكي بصوتٍ عالٍ بين ذراعه وجذعه بينما هو على الرغم من الألم الساري بجسده إلا أنه حرك ذراعه يربت عليها وهو يقول بنبرةٍ رخيمة:

_أنتِ بتعيطي كدا ليه؟؟ أنا الحمد لله زي الفل قصادك.

تمسكت به أكثر وقد علا صوت شهقاتها فاستمر هو يربت على ظهرها وكأنها هي المُصابة وليس هو، فيما سألها هو بنبرةٍ هادئة:

_اهدي…أهدي خلاص أنا كويس، ولا أنتِ استحلتيها علشان حضني بقى ؟؟.

ابتعدت عنه تقول بنبرةٍ باكية:

_كنت هموت علشانك والله…أنا معرفش جيت هنا ازاي ولا حصل إيه لحد ما شوفتك قصادي، بس أنا….أنا بحبك اوي وخوفت يجرالك حاجة ساعتها أنا هيجرالي حاجة وراك، أنا آسفة لو زعلتك أو اللي حصل كان بسبـ….

قطع استرسال حديثها حينما قال بنبرةٍ هادئة:

_اللي حصل دا نصيب ومكتوب الحمد لله عليه، درس علشان نتعلم منه إن الدنيا دي ملهاش لازمة وإن حرام تضيع منها ساعة في الخصام، ملكيش ذنب وبلاش تشيلي نفسك الذنب في حاجة ملكيش دخل بيها، وحقك عليا ياستي أنا اللي مزعلك.

اقتربت منه تعانقه وهي تردد بلهفةٍ:

_الحمد لله يا رب، الحمد لله، ربنا يخليك ليا.

ربت على ظهرها مُبتسمًا ثم قال:

_ويخليكي ليا يا "سُكر"، متخافيش أنا معاكي.

ابتعدت عنه تبتسم له فأمسك هو كفها بيده الملفوفة فتفاجأ بتلك الإصابة التي توسطته وتورم كفها، فسألها بتعجبٍ:

_إيه دا ؟؟ كفك ماله ؟؟ 

سحبته منه وقالت بتوترٍ:

_كنت بجري علشان….علشان أعرف ادخل لقيت نفسي وقعت مرة واحدة، بس عادي متقلقش.

تابعها بعينيه ثم قربها منه من جديد يمسح على ظهرها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_الحمد لله إنك بخير، حقك عليا في كل دا، بس أنا علشان حاطط رقمك في الطوارئ على الموبايل اتصلوا بيكي أنتِ، أكيد ماكنتش عاوزك تتخضي كدا.

تنفست بعمقٍ ثم رفعت كفها تمسح على شعره وهي تقول بامتنانٍ:

_ بس الحمد لله إنك قصادي وكويس، مش مهم كل حاجة بس أنتَ أخرجلي من هنا بالسلامة وأنا مش هسيبك غير لما ترجع أحسن من الأول.

في تلك اللحظة وصلهما صوت "عامر" الملهوف فابتعدت على الفور عنه وتحركت من جواره بينما "عامر" ركض نحو يحتضنه وحرر أنفاسه المأسورة بين خلجات صدره وردد حينما احتضنه:

_ألف حمد وشكر ليك يا رب، الحمد لله إنك بخير يا حبيبي.

ركضت هي نحو "أحمد" فضمها إليه يربت عليها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_الحمد لله أنه بخير، الحمد لله إن كل حاجة عدت، أنا معاكي هنا متخافيش و "وليد" كمان برة وداخل، متخافيش.

تمسكت بشقيقها تحتمي به فيما تعلقت أنظار "عمار" وهي ترتجف بين ذراعي "أحمد" الذي استمر يربت على ظهرها.

دلف "وليد" لهم الغرفة يطمئن عليه وقد اقترب منه يسأله بلهفةٍ وخوفٍ:

_طمني عليك أنتَ كويس ؟؟ 

رد عليه "عمار" بنبرةٍ هادئة:

_متقلقش الحمد لله شوية حاجات في الصاج تترد على البارد كدا، جت سليمة، بس انتوا عرفتوا منين ؟؟ 

رد عليه "أحمد" بعدما تحرك نحوه:

_"خلود" لما وصلت هنا كلمتني.

تحدث "عامر" بنبرةٍ جامدة:

_يعني هي كانت هنا لما اتصلت بيكم وأنا معرفش ؟؟ طب مهانش عليكي تقوليلي ؟؟ دا أخويا على فكرة.

انتبهت له فَبُهِتَ وجهها وازدردت لُعابها فأضاف "عامر":

_كنتي هتعرفيني إمتى يعني ؟؟.

تدخل "وليد" يهدئه بقوله:

_خلاص يا "عامر" محصلش حاجة لكل دا، احنا وأنتَ واحد يعني، بعدين هي عقلها مكانش فيها من الخضة.

زفر "عامر" بضيقٍ ثم سأل شقيقه:

_طمني عليك أنتَ كويس ؟؟ تحب نروح المستشفى اللي "ياسر" فيها أحسن من دي ؟؟ إيه اللي يريحك ؟؟ 

رد عليه "عمار" بنبرةٍ هادئة:

_أنا اللي يريحني أنكم ترتاحوا انتوا ومحدش ليه دعوة بحاجة، وهاتولي مراتي تقعد جنبي، وحد يجيبلها حاجة تشربها علشان وشها الأصفر دا.

لاحظ "عامر" حديثه فرفع حاجبيه مُتعجبًا ثم أشار لها أن تقترب وهو يقول:

_اتفضلي اقعدي هنا، تعالي.

اقتربت منه بتوترٍ تشعر بالخجل والذنب معًا، جلست على المقعد بينما "عامر" ترك الغرفة بأكملها وخرج منها، فتحدث "وليد" بلامبالاةٍ:

_هعتبره مصدوم علشان محجزلوش أوضة جنب أخوه.

ضحك "عمار" له ثم حرك رأسه نحوها فوجدها تخفض رأسها للأسفل وكأنها تخشى التقاء نظراتهما فيما عاد "عامر" من جديد في يده حقيبة بلاستيكية ثم اقترب من "خلود" يمد يده لها وهو يقول:

_امسكي يا "خلود" اشربي العصير علشان عمالة تترعشي وخلي بالك من نفسك، علشان تعرفي تخدمي أخويا ولا اجوزه تاني بقى ؟؟ 

ابتسمت رغمًا عنها، فابتسم لها هو الأخر ثم مد يده لها بالحقيبة وأشار لـ"أحمد" بقوله:

_تعالى اتصرف معاها علشان هي بتهاودني، وأنا هشوف أخويا.

تحرك نحوها "أحمد" يجلس على ركبتيه ثم أخرج منديلًا ورقيًا يمسح به وجهها وهي تبتسم له مثل الطفلة الصغيرة، فمد يده لها بزجاجة العصير وهو يقول بصوتٍ رخيم:

_اشربي، يلا علشان "عمار" يشرب هو كمان.

حركت رأسها موافقةً بينما "وليد" انتظر لمدة دقائق فوجد الشباب يدخلون مع بعضهم بلهفةٍ حتى امتلئت الغرفة بهم، فاقترب "ياسين" يسأله بقلقٍ بالغٍ:

_اخبارك إيه دلوقتي؟؟ أنتَ كويس؟؟

طمئنهم بقوله وهو يبتسم لهم، فتحدث "خالد" مستفسرًا:

_إيه اللي حصل ؟؟ حد تاني جراله حاجة ؟؟ 

رد عليه بحيرةٍ:

_مش عارف والله يا "خالد" كل حاجة جت فجأة كدا لقيت نفسي باكل مطب وبطير من فوق الموتوسيكل اترمي على الطريق خدته كله دحرجة.

اقترب منه "ياسر" يتفحصه وكذلك جروحه ثم زفر بارتياحٍ وعقب بقوله:

_الحمد لله إنك بخير، دي كدمات وحاجات بسيطة عاوزة راحة وعلاج وكل حاجة هتكون بخير إن شاء الله، تحب تروح ولا تفضل هنا ؟؟ 

رد "عمار" بضجرٍ من المكان:

_وجودي هنا ملوش لازمة روحوني أحسن أو أروح عند أمي، كدا كدا كل حاجة عملوها خلاص.

انتبهت له "خلود" وعقدت مابين حاجبيها باستفهامٍ جليٍ لما يريد الذهاب عند والدته، بينما هو لاحظ نظرتها نحوه فتنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ ثابتة:

_حد فيكم يطلع يخلص الحاجة كدا وأنا همشي بس وصلوني على بيتي خلاص، ماشي، وبرة علشان الأوضة زحمة ومحدش ييجي يطردكم.

تحركوا الشباب خلف بعضهم تباعًا ليبقى هو معها بمفرده فقال بثباتٍ:

_خرجتهم علشانك أهو، مالك ؟؟ 

اقتربت منه بلهفةٍ وهي تقول:

_هو أنتَ زعلان مني علشان كدا عاوز تروح عند مامتك؟؟ مش عاوز تروح البيت معايا ؟؟ 

عقد مابين حاجبيه يسألها بتعجبٍ:

_ليه بتقولي كدا، أنا مش زعلان خلاص واللي حصل أنا نسيته من الأساس.

سألته بقلقٍ:

_طب مش عاوز تيجي معايا ليه ؟؟ 

رد عليها مُفسرًا:

_علشان أكيد محتاج حد يساعدني كتير في الفترة الجاية، هتقدري أنتِ يعني؟؟ أكيد حمل عليكي، لكن هناك بابا و وماما و "عامر" مش هيسيبني، مش عاوز اتعبك.

ردت عليه بسرعةٍ كبرى:

_مش هتعب والله، بالعكس أنا هرتاح وأنتَ قصادي وأنا أهتم بيك بنفسي، خلينا في بيتنا أحسن بلاش نتعب حد، مامتك أكيد هتتعب لما تشوفك كدا، أنا والله مستحيل أقصر معاك، لو قصرت امشي وروح عندهم ماشي ؟؟ 

حرك رأسه موافقًا باستسلامٍ فتنهدت هي بعمقٍ ثم ربت على كفه المُصاب وهي تقول بنبرةٍ خافتة:

_ألف سلامة عليك يا حبيبي.

رفع حاجبيه مستنكرًا وهتف بعبثٍ:

_بداية مُشرقة بكل خير، لأ فعلًا لازم نكون في بيتنا.

ضحكت بخجلٍ على سخريته فيما رفع ذراعه يقربها منه حتى وضعت رأسها على صدره تتنفس الصعداء وهو يربت على كتفها.
____________________

وقفت "خديجة" أمام الفتيات تهاتف "ياسين" وهي تقول بقلقٍ بعدما نزل الشباب من أمامهم بخوفٍ:

_يعني هو كويس طيب دلوقتي؟؟ 

جاوبها بنبرةٍ دافئة يحاول طمئنتها:

_كويس والله متخافيش، و "خلود" كويسة أوي "احمد" و و"وليد" معاها وأنا والله، طمني اللي عندك وشوية ويرجع بيته تاني، وبابا هيجيب عمو وطنط وييجوا.

تنهدت بعمقٍ ثم رددت:

_الحمد لله يا رب، الحمد لله الله يطمن قلبك علطول.

أغلق معها الهاتف بينما هي التفتت للفتيات خلفها تطمئنهن بقولها:

_الحمد لله هو كويس وشوية وهيرجعوا بيه شقته هنا.

اقتربت "جاسمين" تقول بخوفٍ:

_يعني "عمار" كويس يا ماما ؟؟ 

حركت رأسها موافقةً فجلست "جاسمين" مرةً أخرى بحزنٍ حينما رفض والدها أن تذهب معه وكذلك البقية، فتحدثت "إيمان" تحاول توصيل الأمور لهم:

_مكانش ينفع حد منكم يروح، دي مستشفى يعني كلها ناس كبيرة تعبانة وهما مخضوضين، يعني صعب إن حد منكم يروح، لما ييجي هنا ابقوا روحوا اقعدوا معاه براحتكم بس هو يرجع بالسلامة إن شاء الله.

رد عليها "يونس" بقلة حيلة:

_يا عمتو "عمار" صاحبنا كلنا، علشان كدا زعلانين علشانه، و "عمر" عيط علشان كان عاوز يروح، فيها إيه يعني لو كان خدني أنا و "زين" و "عمر".

ردت "ريهام" بدلًا عن الأخرى بقولها:

_يا حبيبي مش هينفع، عرفنا انكم كبرتوا وبقيتوا رجالة ملو هدومكم بس الظروف بتحكم، لما يبيجي هو بنفسه هيزهق منكم ويطردكم.
____________________

توقفت السيارات أسفل بناية "عمار" بينما "ياسين" نزل من سيارته ومعه "عامر" وقد عاونه كلاهما في الخروج من السيارة هو يستند عليهما، و "خلود" تسير خلفه تمسك متعلقاته بعدما أعطتها لها إحدى الممرضات.

وقف بقية الشباب ينتظرون صعوده، فاقتربت سيارة "رياض" وركضت منها "سيدة" و زوجها و "عمر" الذي اتضح عليه الخوف، فصرخت والدته باسمه في مدخل البناية، التفت لها بلهفةٍ فركضت عليه تتفحص هيئته الممتلئة بالكدمات حتى نزلت دموعها وهي تقول بصوتٍ مختنقٍ:

_طمني عليك يا حبيبي، أنتَ كويس؟؟ 

حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها فركض نحوه "عمر" يحتضنه من عند بطنه بسبب قصر قامته وهو يقول بنبرةٍ باكية:

_سلامتك يا "عمار" يارب أنا وأنتَ لأ 

ربت "عمار" علي شعره وهو يؤنبه بقوله:

_ بس يا حمار بعد الشر عليك، الحمد لله أنا بخير.

التفتت "سيدة" تؤنب "خلود" بقولها لائمةً:

_ينفع كدا ؟؟ متقوليش ليا ؟؟ جالك قلب.

لاحظت "خلود" لومها لها فسكتت عن الحديث ولم تجد ما تتفوه به وهي توزع نظراتها بينهم جميعًا وكأن الطير يحلق فوق رأسها ونظراتهم تلومها على شيءٍ لم ترتكبه.

تعليقات



×