رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم شمس بكرى


 رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الواحد والعشرون

_أيقتلك الشوق في حين ما يأكلني أنا هو انتظارك؟.
___________________

_ أنا مش هروح بيتي، أنا هبات هنا.

هتفتها "خلود" بإصرارٍ بعدما أغلق "عمار" الهاتف في وجهها، فانتبه "وليد" لما تتفوه به، حينها التفت لها يقول بنبرةٍ جامدة:

_بطلي هبل شوية وروحي بيتك.

حدثته بنبرةٍ خافتة حتى لا تلفت الأنظار لها:

_يا "وليد" قفل السِكة في وشي وأنا متصلة اتطمن عليه؟ بعدين أنا بعتله رسالة أني هبات هنا طالما هو تعبان.

تنهد بضجرٍ ثم قرر تبديل طريقته معها حتى تفهم عليه باعتباره أكثر الناس درايةٍ بما تشعر هي به:

_أكيد مضغوط صح ؟؟ علشان كدا تعب، واحد كل حاجة بقت فوق دماغه بعد سفر صاحبه، واكيد برضه متشتت علشان كل واحد فيهم كان مسئول عن حاجة ودلوقتي "عبدالرحمن" سايب كل حاجة، والصيدلية ما شاء الله شغالة حلو صح ؟؟.

حركت رأسها موافقةً وهي تنصت له، فوضع ذراعه على كتفها وهو يقول بطريقةٍ بدت لها ساخرةً لكنه مُحقٌ فيما ينطقه:

_يبقى نروح بيتنا زي الناس العاقلة نعمل أكل ونتلم ونهدا من شغل الهبل دا علشان مبقيناش صغيرين، تمام ؟؟

حركت رأسها موافقةً بوجهٍ مبتسمٍ ثم هتفت بحماس:

_طب بص !! مش هقوله أني مروحة هعمل نفسي بايتة هنا و أروح البيت أحضر الأكل واستناه ولما ييجي يتفاجأ بيا ويفرح، إيه رأيك ؟؟.

قلب عينيه بتفكيرٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_حلو، بس كلميه برضه، مش كدا وخلاص.

فتحت هاتفها تحاول مهاتفته، فوصلتها رسالةٌ صوتية أن هاتفه ربما يكون مُغلقًا، تنهدت بثقلٍ ثم قالت بقلة حيلة:

_تليفونه مقفول، مش مهم هعمل اللي قولت عليه وخلاص.

حرك رأسه موافقًا، فحدثت هي شقيقتها بقولها:

_"خديجة" أنا هروح معاكي خلاص، مش هعرف أبات هنا.

انتبهت لها شقيقاتها فتحدثت بسخريةٍ:

_آاه..وياترى بقى خدتي رأي باقي الشخصيات ولا لسه؟؟

عقدت "خلود" مابين حاجبيها بتعجبٍ، فأضافت الأخرى موضحة ً أمام البقية:

_أقصد يعني باقي الشخصيات بتوعك، هل وافقوا كلهم ولا دي واحدة من ضمن شخصياتك هي اللي قررت ؟؟

نظرت لها "خلود" بتذبذبٍ ثم تنهدت مُطولًا بكتفين متهدلين ثم قالت بنبرةٍ ثابتة:

_لأ همشي خلاص، خدوني معاكم.

حرك "ياسين" رأسه موافقًا فتنهدت هي بعمقٍ وهي تفكر في رد فعله حينما يعود للبيت ويراها هناك بدلًا من المبيت في بيت أبيها، اعتلى الحماس وجهها و ارتسمت بسمة هادئة على ملامح وجهها تود الذهاب لبيتها حتى تلتقي به.

وصل "أحمد" بزوجته وابنته لهم وهو يقول بنبرةٍ مرحة:

_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، متجمعين عند النبي إن شاء الله صُحبة واحدة.

ردوا عليه التحية جميعهم، بينما "مرتضى" قرر مشاكسته بقوله:

_الواد دا نَضج نُضج غريب، ولا نُضج المحاشي في الشتا.

ارتفع صوت الضحكات على تشبيهه، فيما قال "أحمد" بضجرٍ:

_هو لو محدش هنا نكشني تتعبوا ؟؟ شكرًا يا عمي.

انتبهت "جاسمين" لما تمسكه "ليلى" الصغيرة في يدها فاقتربت من خالها تقول بنبرةٍ طفولية:

_خالو هي صغيرة متخليهاش تاكل شيبسي كتير.

انتبه لها فابتسم وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:

_حبيبة خالو الله يحرسك

ردت عليه بحماسٍ شديد:

_هاتلها اندومي أحسن بكتير.

تلاشت بسمته وردد بسخريةٍ:

_حبيبة خالو الله يكسفك.

ارتفع صوت الضحكات بينما هو مد يده بالحقيبة لـ "فارس" وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_امسك يابني بما إنك الكبير العاقل هنا وزع عليهم الشيبسي والحلويات دي، ولا نخليها اندومي أحسن ؟؟.

نظرت له "جاسمين" بتعالٍ ثم قلبت فمها باستياءٍ جعل النظرات تتبعها على رد فعلها.

تحدث "محمود" آنذاك يوجه حديثه لـ "وليد" بقوله:

_ "وليد" تعالى معايا عاوزك….لوحدك !!.

تحرك بؤبؤاه بحيرةٍ وهو ينظر للأخرين ثم أشار إلى نفسه مُستنكرًا وهو يقول:

_أنا !! لوحدي ؟؟

حرك "محمود" رأسه موافقًا فأخرج "وليد" زفيرًا قويًا وتحرك من موضعه و بمروره بجوار "ياسين" مال عليه يهتف هامسًا:

_لو اتأخرت عن ١٠ دقايق بلغ عن عمي.

كتم "ياسين" ضحكته ثم همس له هو الأخر بقوله:

_ بتهمة إيه إن شاء الله ؟؟

_خطف طفل بريء.

تفوه بها "وليد" مُدعيًا البراءة مما جعل "ياسين" يضحك على هيئته في حين تحرك الأخر من محله يلحق بعمه إلى الخارج.

ركض خلفهما "زياد" و "مازن" فالتفت لهما "وليد" يقول بتعجبٍ من ملاحقتهما له:

_خير جايين ليه ؟؟ 

_يعني نسيبك لوحدك ؟؟ جايين معاك.

هتفها الاثنان في آنٍ واحدٍ جعل "وليد" يقول بسخريةٍ:

_الكلام دا لما تكونوا ولاد رزق وابوكم داخل خناقة، روحوا يا حبايبي ربنا يهديكم مش عاوز هطل على المِسا.

ضحك كلاهما عليه، بينما هو انتظر حركتهما ثم التفت خلف عمه يقول بزهوٍ يعلن به فخره بأولاده:

_خلي بالك أنا عيالي في ضهري جامدين اوي، يعني اللي هيقرب مني الله يعينه بقى.

التفت له "محمود" يقول بسخريةٍ:

_بتهددني يابن مُرتضىٰ ؟؟ 

حرك كتفيه وهو يقول ببراءةٍ:

_لا عيشت ولا كنت، قولي بس عاوزني في إيه ؟؟

تنهد "محمود" ثم سأله بنبرةٍ غَلظة:

_بتقل أدبك على الجيران ليه يا "وليد" ؟؟ هو أنتَ من غير مشاكل متعرفش تعيش ؟؟ دماغك تاكلك يعني ؟؟

أشار نحو نفسه مستنكرًا ومُرددًا:

_أنا !! لا حول ولا قوة إلا بالله، عملت إيه بس؟؟

رفع "محمود" حاجبه وهو ينطق بتأكيدٍ:

_آه أنتَ، صاحب البيت اللي الست ساكنة فيه كلمني و اشتكالي علشان هي مش عاوزة تسكت، بتقول إنك شتمتها، حصل الكلام دا ؟؟.

حرك رأسه نفيًا ثم أضاف:

_محصلش، أنا شتمتها وشتمت أبوها كمان.

اتسعت عيناهُ وهو بدهشةٍ غلفت حديثه:

_يخربيت أبو قلة أدبك يا شيخ، أنتَ عينك مكشوفة يالا؟؟

سحب "وليد" نفسًا عميقًا ثم قال بثباتٍ كعادته:

_دي واحدة جاي تجر شكلي، العيال في بيتهم بيلعبوا فوق السطح عمرهم زعلوا حد ؟؟ محصلش بعدين هي مالها عددهم كبير ولا لأ، هو احنا هنحاسبها بالجُملة؟؟ مفيش ماشاء الله ؟؟ مفيش ربنا يحفظهم ؟؟ بعدين هي علشان صاحب البيت مانع عيالهم يدخلوا السطح هتقرفنا في عيشتنا؟؟.

انتبه له عمه فسأله باهتمامٍ:

_أنتَ عرفت منين إن صاحب العمارة ممانع دا ؟؟

ابتسم بثقةٍ وهو يقول:

_مفيش حاجة أنا عاوز أعرفها مبعرفهاش، لو كانت اتكلمت باحترام من الأول أنا كنت كلمتها باحترام إنما اللي يرفع مناخيره عليا أكسرهاله أحسن.

علم "محمود" أن الحديث معه لن يُفيد بشيءٍ لذلك آثر طريقة أخرى وهي اللين فقرر محادثته بقوله:

_بص يا "وليد" الإنسان مننا عايش بس على شوية الونس اللي حواليه، مكانكم هناك بعيد عن هنا، يعني لو حصل حاجة بعد الشر عنكم يعني، احنا هناخد وقت لحد ما نجيلكم هناك، إنما الجيران هما اللي هيلحقوكم، أبوس راسك يا شيخ بلاش مشاكل وحمقتك دي خفها شوية، ينفع ؟؟.

تنهد "وليد" مُطولًا ثم نطق بنبرةٍ هادئة:

_حاضر يا عمي بس ماوعدكش يعني، رغم إنها ست مستفزة بغباء، ودي مش اول مرة تعمل مشاكل.

سأله عمه بتعجبٍ:

_هي عملت مشاكل مع حد قبل كدا ؟؟

_يــوه مع طوب الأرض ذات نفسه، ماسكة كل يوم حد تعمله مشكلة وتمشي كلامها عليه، بس أنا مش كدا ومش أنا اللي حد يمشي كلامه عليه، كان لازم أسكتها ومع ذلك أنا برضه هحل الموضوع، مرضي كدا ؟؟.

رغم الشك الذي طَل من نظرات عمه إلا أنه آسفًا قرر الوثوق به لذلك حرك رأسه موافقًا وختم الحوار بقوله:

_طـيب….لما نشوف.

ابتسم له "وليد" ثم أشار له حتى يتقدمه فتحرك عمه وخلفه هو يتنهد بعمقٍ محاولًا بث الهدوء لنفسه.
_____________________

بعد انتهاء تلك الجلسة استعدت "خديجة" و معها شقيقتها للرحيل فنزل "زياد" ومعه "مازن" خلفهم فتحدث الأول بقوله:

_يا عمو "ياسين" ما تخليهم يباتوا معانا، عاوزين نقعد معاهم شوية.

تنهد "ياسين" بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_ما انتم كنتوا مع بعض وبعدين مين هيرجعهم تاني بليل، كلها كام يوم وتتقابلوا تاني.

تحدث "مازن" بلهفةٍ:

_بس أنا كنت عاوز "يزن" يبات معايا النهاردة 

تدخلت "جاسمين" تقول بضجرٍ:

_وأنا كمان كنت عاوزاه يبات معاكم.

تحدث "يزن" بسخطٍ:

_يارب صبرني، أنتِ مالك.

تحدثت "خديجة" بنبرةٍ جامدة:

_لو مبطلتوش قلة ادب أنا هجرجركم من شعوركم.

تحدث "ياسين" بنبرةٍ ضاحكة:

_إن شاء الله أخر الاسبوع هجيبهم لحد عندكم هما التلاتة أهو يكونوا وحشوكم شوية بدل ما تزهقوا منهم، اتفقنا ؟؟

حرك الاثنان رأسهما بموافقةٍ فيما اقترب "زياد" من "نغم" يقول بلهفةٍ:

_أنا هجهز الحاجة اللي قولتلك عليها، وهخلي "مازن" يعملك الرسمة اللي طلبتيها، ماشي ؟؟.

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:

_وأنا هجيب معايا الحاجة الحلوة اللي قولتلكم عليها.

نزلت في تلك اللحظة "هدير" تحمل ابنتها النائمة على يدها، وخلفها "حسن" يحمل "علي" النائم أيضًا.

تحدثت "خديجة" بتعجبٍ:

_هما لحقوا يناموا ؟؟ إيه العيال دي؟؟

ردت "هدير" بزهوٍ وفخرٍ:

_ظبطاهم على الساعة دول خدي بالك.

اقترب "ياسين" من "حسن" يحمل عنه الصغير وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_هاته عنك لحد ما تفتح العربية، هاته.

أعطاه له "حسن" ثم فتح باب السيارةِ فاقترب "ياسين" يضع الصغير على الأريكةِ ثم أخذ الصغيرة من "هدير" وهو يقول بنفس الهدوء:

_هاتيها متخافيش هنيمها جنب أخوها.

اعطتها له فوضعها "ياسين" بجوار أخيها ثم أغلق الباب ليستمع لقول "حسن" بمرحٍ:

_تُشكر يا ذوق .

ضحك "ياسين" ثم غمز له وهو يقول:

_متقولش كدا يا أبو علي، السمك صحاب مش طواجن.

رفع "حسن" رأسه وهو يهتف بشموخٍ:

_شوف الإنسان سُمعة برضه.

ودعهم "ياسين" حتى تحركت "سيارة" حسن من المكان.

تحدثت "خلود" بلهفةٍ:

_يلا طيب كدا هنتأخر الساعة بقت ١١ وشوية.

انتبه لها "ياسين" فأشار لصغاره بقوله:

_سلموا على أخواتكم علشان نمشي يلا.

قام صغاره بتوديع التوأم ثم توجهوا نحو السيارة وخلفهم "خلود" التي ودعت الصغار، بينما "وليد" وقف في انتظارهم وقبل أن تلج "خديجة" للسيارة أوقفها حينما أشار لها فاقتربت منه بتعجبٍ، لذا قال هو بنبرةٍ هادئة:

_بقولك إيه ؟؟ البت دي عبيطة عاوزة حد يفهمها بالهداوة ابقي اتكلمي معاها كدا بما إنك عاقلة يعني، لو اني أشك.

رفعت حاجبها ثم حدثته بسخطٍ:

_ولا ؟؟ هكلمها حاضر، على فكرة خلود طيبة اوي هي بس متهورة وفاكرة الدنيا كلها بتمشي على مزاجها.

تنهد "وليد" ثم حرك رأسه موافقًا وسألها:

_طيب، المهم أنتِ عاوزة حاجة ؟؟.

ابتسمت له وهي تحرك رأسها نفيًا، فابتسم هو لها ثم قبل رأسها وربت على كتفها واضاف بصوتٍ رخيم:

_يلا وخلي بالك من نفسك وعيالك والبت الهطلة دي.

حركت رأسها موافقةً فضغط "ياسين" على بوق السيارة وهو يطالعهما بغيظٍ، فقربها "وليد" منه يعانقها ويربت على ظهرها قاصدًا إثارة غيظه وهي تضحك رغمًا عنها ثم حركت رأسها بيأسٍ وتحركت من مكانها.

بينما "وليد" اتجه نحو جلوس "ياسين" يضرب بقبضته زجاج النافذة ففتحها "ياسين" في نفس الوقت الذي جلست به "خديجة" بجواره، فيما قال "وليد" بنبرةٍ باردة:

_هو أنتَ مش هتبطل حقد ؟؟ اكمنك يعني معندكش أخوات بنات ومجربتش الاحساس دا ؟؟ بس نقول إيه ؟ بكلمك بأمانة هتبطل امتى؟؟.

رد عليه "ياسين" بنبرةٍ جامدة زائفة:

_لما تبطل رخامة وتناحة يا بارد، أقولك خليك كدا بتشوفها صدف لحد ما اقطعها خالص عنك، هيرضيك كدا يعني ؟؟

مال عليه "وليد" يقبله من وجنته حتى ضحك "ياسين" بيأسٍ من تلك الحركة، فيما قال "وليد" بنبرةٍ ضاحكة:

_في رعاية يا مهلبية، خلي بالك من أخواتي.

تحرك "وليد" من مكانه بينما "ياسين" قاد السيارة وهو يضحك حتى أوشك على صدم "وليد" بسيارته، ثم عاد للخلف فضحك "وليد" ثم أطلق زفيرًا قويًا وتوجه نحو البيت من جديد.
_______________________

في الصيدلية جلس "عمار" بانهاكٍ يحرك عنقه ويدلكها بيده من فرط الألم الذي مر بجسده أخرج هاتفه من جيبه بعد رسالتها الاخيرة له، فوجد بطاريته نفذت تمامًا وفقد طاقته، ضرب وجهه بيأسٍ ثم وضعه في جيبه من جديد، نظر في ساعة معصمه ثم زفر مطولًا حتى دلف الطبيب المعاون له، فتنهد "عمار" براحةٍ ثم انتفض واقفًا وهو يقول بلهفةٍ:

_حمدًا لله على سلامتك، وصلت الخرطوم ؟؟.

رد عليه الشاب بنبرةٍ هادئة أوضحت خجله:

_والله العظيم، اتدبست مع العيلة في كام مشوار كدا معرفتش أهرب منهم، علشان كدا اتأخرت عليك، روح أنتَ بقى ريح وتعالى بكرة براحتك متقلقش.

حرك رأسه موافقًا ثم قال بقلة حيلة:

_تمام، أنا ظبطلك الحاجة اللي كانت متلغبطة زي ما "عبدالرحمن" كان عاملها، و كل الأدوية والحاجة وصلت النهاردة و أترصت كمان، يعني التقيل كله خلص، عاوز حاجة ؟؟ 

نفى الشاب وهو يشكره، بينما "عمار" تنهد بعمقٍ ثم سحب مفاتيحه ورحل من الصيدلية ليقف بجوار دراجته النارية، ظهر عليه التخبط والحيرة حينما تذكر أنها ستبيت في بيت والدها لذلك حسم أمره وقرر الذهاب إلى بيت والده هو الأخر حتى يشعر بالراحة خاصةً أنه يشعر بالتعب و الجوع معًا.

ركب دراجته ثم تحرك بها نحو بيت والده القريب من عمله دون أن يعلم أنها ستذهب للبيت تنتظر عودته.
________________________

على الطريق كان "حسن" يقود سيارته وأطفاله غافلين في الخلف بجوار بعضهما، و "هدير" تجلس بجواره تتابع الطريق من خلال النافذة، نظر له بطرف عينه ثم رفع صوته مُتشدقًا:

_جرى إيه يا حلوة الملامح ؟؟ مش سامعلك صوت يعني؟؟

انتبهت له فالتفتت له بوجهٍ مبتسمٍ وهي تقول:

_عادي يعني سرحت شوية مش أكتر، كنت بتقول حاجة؟؟

حرك رأسه نفيًا فتنهدت بعمقٍ ثم نظرت في وجهه وهي تبتسم له حتى سألها بسخريةٍ:

_ودي معاكسة ولا نظرة بريئة ولا جريئة ؟؟

ردت عليه بنبرة ضاحكة:

_سرحانة فيك على فكرة، مش لازم تفصلني، عمالة افتكر أيامنا الحلوة مع بعض.

اتسعت ابتسامته هو الأخر ثم تحدث بصوتٍ رخيم:

_طب ما تفكريني كدا أصل أنا نساي.

تنهدت بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ هائمة:

_افتكرت كل حاجة من اللحظة اللي حاولت انتحر فيها لحد النهاردة الصبح، سرحت أكتر وأنا بتخيل كان زماني عاملة إزاي من غيرك ؟؟ أكيد نهايتي كانت هتبقى صعب أوي لو ماكنتش مديت ليا إيدك، بغض النظر عن أي حاجة هيفضل جِميل عمري ما أنساه إنك كل مرة قررت تتغاضى عن حاجة فيا وتشوف الحلو اللي مقدرتش أشوفه في نفسي.

حرك رأسه نحوها ثم تحدث وهو يطالع وجهها بقوله:

_ مفيش حاجة اسمها جِميل، جايز الحكاية من الأول دا ترتيبها الصح، إنك تجيلي في وقت كنت فيه غريب عن نفسي حتى، وأنا أجيلك في وقت مش عارفة فيه تشوفي نفسك، أنا عرفت أشوف الحلو اللي فيكِ وأنتِ عرفتي تطلعيني من غُربتي وبقيتي ليا ونس، المعادلة موزونة صح، ولو فيه حد المفروض يشكر حد على وجوده يبقى أنا بصراحة اللي المفروض أشكرك.

عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله بتعجبٍ:

_أنا ؟؟ تشكرني على إيه هو أنا عملت حاجة؟؟.

ثبت أنظاره عليها وهو يقول بنفس النبرة الهادئة:

_آه…عملتي كتير أوي، كفاية إنك ادتيني حياة جديدة بدل البايظة اللي كانت معايا، كفاية اوي "علي" و "فاطيما" وأنهم حتة منك ومني مع بعض، واحد زيي آخر حاجة تخطر بباله أنه يعمل بيت وأسرة زي كل الناس كدا عادي، صحيح مش بهتم بكل التفاصيل وبنشغل كتير بس في النهاية مليش غيركم، وأنتِ بالذات واخدة مكان الكل عندي.

لمعت عيناها بوهجٍ يشبه وهج النجوم في السماء وهي تبتسم بسعادةٍ استطاع هو رؤيتها على وجهها، فغير وجهته حينما انعطف بسيارته مما أثار تعجبها وجعلها تسأله:

_رايح فين ؟؟ دا مش طريق البيت.

رد عليها موجزًا بقوله:

_ عارف وقبل ما تكملي عارف إن العيال نايمة.

نظرت له بعينين مُتسعتين خاصةً أنها كانت على وشك النطق بتلك الجُملة حقًا، فرفع هو رأسه بزهوٍ ثم ركز بصره على الطريق.

بعد مرور دقائق قليلة أوقف السيارة عند ذلك المكان الذي جمعهما عدة مراتٍ سويًا وهو مكانه المُفضل للجلوس بمفرده وقد انقلب الوضع بأكمله بعد ظهورها لتصبح هي شريكته في تلك الجلسة.

انتبهت "هدير" للمكان فالتفتت له تقول معاتبةً بنبرةٍ ضاحكة:

_طب بجد العيال نايمين، هنسيبهم ؟؟.

رد عليها بنبرةٍ هادئة:

_مش هنتأخر متخافيش، هنشرب حاجة ونقعد سوا تعالي بس، هقفل عليهم العربية متخافيش.

تحرك من السيارة وهي أيضًا، حتى وصلا لمكانهما المُفضل يجلسان بجوار بعضهما سامحين لتلك الذكريات المرور أمامهما فضحك "حسن" رغمًا عنه حينما وقع بصره على النافورة وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة بعدما لكزها في مرفقها:

_فاكرة النافورة ؟؟.

انتبهت حيث موضع إشارته ثم التفتت له تُقلد طريقته بقولها:

_هدير، النافورة هي اللي راقصة مش أنتِ، اظبطي يا ماما.

ارتفع صوت ضحكاته أكثر وهي أيضًا ضحكت معه، فتنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_طب الدونتس ؟؟ فكراه ؟؟

ردت عليه بسخريةٍ:

_حبيبي الله يحفظك، متربي عليه من وأنتَ عندك سنتين، في الأخر طلعت كلها قرص بالشيكولاتة عادي، أقول إيه بس.

كان هو يضحك رغمًا عنه وهو يتذكر حتى تنهدت بعمقٍ ثم لفت كفيها حول ذراعه وتنهدت بعمقٍ وهي تضع رأسها على كتفه، فأخفض عينيه يراقبها وتشدق بسخريةٍ يُقلد طريقتها:

_ طب بجد العيال نايمين، هنسيبهم ؟؟

سألته بتعجبٍ:

_عيال مين ؟؟.

ردد هو يستنكر بسخريةٍ:

_أصلًا ؟؟ أنتِ زي الفل اوعي تقلقي.

ما إن أدركت مقصده ضحكت بصوتٍ عالٍ وهي تقول:

_معلش أصلي اتحشرت في الذكريات سقطت اللي حصل بعد كدا، عديها يا أبو علي.

رفع ذراعه يضمها إليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

_نعديها علشانك أنتِ، بس أنا لو مكانهم ؟؟ هقيم عليكِ الحد

ضحكت له ثم تنفست بعمقٍ وأغمضت جفينها تتمتع بتلك اللحظة بجواره، حيث هو الوحيد الذي استطاع اخراج ما بها من مميزات ومحىٰ ما امتلكته من صفاتٍ سيئة.
______________________

عادت "خلود" لشقتها بعدما أوصلها "ياسين" وأطمئن عليها حينما لوحت لهما من شرفة الشقة، حينها توجه بأسرته لشقتهم.

دلفت بحماسٍ تقوم بتجهيز الطعام ظنًا منها أنه شارف على القدوم وقد اندمجت في ذلك وهي تستعد بمرحٍ لكي تفاجئه، حتى أنهت ما تفعله وجلست في انتظاره تنتظره بحماسٍ لم يقل بل يزداد مع مرور الوقت أكثر من السابق، وحينما شعرت بزيارة الملل لها، زفرت بقوةٍ ثم فتحت التلفاز تُلهي نفسها حتى تطأ قدماه الشقة.

وصل "عمار" شقة والده ونظرًا لوجود شقيقه و زوجته معه ضرب جرس الباب فتعجب "عامر" الذي جلس يحمل ابنته على ذراعه وبجواره زوجته فسألها بحيرةٍ:

_هو فيه حد هييجي دلوقتي ؟؟ "عمر" نام صح؟؟

اخفضت رأسها نحو صغيرها الذي غفى على قدمها ثم قالت بنبرةٍ هادئة:

_آه نام من شوية، قوم افتح كدا يمكن حد من الجيران.

حرك رأسه موافقًا ثم تحرك بصغيرته نحو الباب يفتحه فوجد شقيقه أمامه يقف بانهاكٍ، عقد ما بين حاجبيه وهو يسأله مُستنكرًا تواجده:

_"عمار" ؟؟ بتعمل إيه هنا ؟؟ 

تنهد بتعبٍ بلغ أشده وهو يقول بانهاكٍ:

_جاي أنام يا "عامر" دخلني وشوف كدا حد خالع راسه.

استمعت "سارة" لهما فوضعت الحجاب على رأسها ثم رفعت صوتها تقول:

_تعالى يا "عمار" إحنا صاحيين لسه.

أفسح له "عامر" المكان حتى يلج الشقة فيما اقترب هو من الصغيرة يقبلها ثم حملها منه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

"وحشتيني يا تيجو"

حركت الصغيرة كفيها وهي تتمسك به فسألته "سارة" بتعجبٍ هي الأخرى:

_أومال "خلود" فين يا "عمار" ؟؟ مجاتش معاك ليه.

تنهد هو بثقلٍ ثم قال:

_بايتة عند مامتها النهاردة علشان معرفتش أروح أخدها، قولت بدل ما أرَوح ، أجي هنا أنام علشان حد يصحيني بكرة، وبصراحة أنا جعان أوي أوي المحلات كلها قافلة وماكلتش.

تحدثت "سارة" بلهفةٍ:

_هسخنلك الأكل حاضر، ريح أنتَ.

شعر بالحرج منها لذلك قال بلهفةٍ:

_متتعبيش نفسك يا أم "عمر" أنا هسخن الأكل لنفسي.

ردت عليه بوجهٍ مبتسمٍ ترفع عنه الحرج:

_متقولش كدا أنتَ أخويا الصغير، عن اذنكم.

تحركت نحو الداخل فيما جلس "عمار" يهدهد الصغيرة على يده ثم مسد على ظهر "عُمر" النائم على الأريكة.

اقترب "عامر" يجلس مقابلًا له وهو يقول بنبرةٍ جامدة:

_هو أنتَ مزعل مراتك ؟؟ شكلك بيقول كدا.

رفع عينيه له وهو يقول بسخريةٍ:

_مكتوب على قورتي مزعل مراتي ؟؟.

رد عليه الأخر بتهكمٍ:

_لأ بس وشك مقلوب علينا، بدأتها بدري أوي يابن "فهمي".

تنهد "عمار" ثم قال بقلة حيلة:

_أنا ملحقتش يابني أعمل حاجة لقيت كل حاجة بتتعك، الشغل كان كله لغبطة حسابات و فواتير و زحمة غريبة اول مرة تحصل وأشوفها في حياتي وكل دا على حظي وأنا لوحدي، و في نفس الوقت "خلود" بتتصل ورا بعض ورا بعض، شوية تقولي هروح مع أختي وشوية اتصلت قالتلي هبات عند أمي، قفلت السكة علشان ضغطي، يمكن أكون اتعصبت عليها بس أكيد يعني مكانش قصدي، مش هنقف لبعض على الواحدة.

تنهد "عامر" ثم ربت على ركبته وهو يقول:

_قوم طيب غير هدومك كدا وخد دُش فوق نفسك لحد ما الأكل يجهز يلا وهات البت دي علشان لو مسكت فيك مش هتسيبك.

مد يده له بالصغيرة ثم دلف لداخل غرفته القديمة في بيت والده يأخذ ملابسه ثم توجه للمرحاض يتحمم لعله يُهديء من توتر عضلات جسده، وبعد مرور دقائق خرج بعدما ارتدى ثيابه وتوجه نحو غرفته يفرد سجادة الصلاة ليقوم بتأدية صلاة قيام الليل كعادته حتى لو ركعتين مع الشفع و الوتر، لكنه لم يتهاون أو يتركها منذ بداية شبابه.

جلس على سجادة الصلاة بعدما أنهى صلاته فوصله صوت طرقات الباب من قبل "سارة" التي قالت بنبرةٍ هادئة:

_"عمار" الأكل جهز يلا علشان تاكل.

خرج "عمار" من الغرفة يقول بأدبٍ:

_معلش بقى تعبتك معايا، ماكنتش اعرف إن ماما نامت.

ردت عليه بهدوء:

_شكلك مصمم بقى تعصبني وانا كفاية عليا "عمر" و "ريتاج" عن اذنك بقى.

تحركت من أمامه فأغلق هو غرفته ثم تحرك خلفها.

كانت "خلود" تنتظره وأوشكت على النوم مكانها ولاحظت أنه تخطى موعده بكثيرٍ فحاولت الاتصال به لكن النتيجة كانت واحدة وهي أن هاتفه مُغلقًا، تنهدت بضجرٍ ثم أخرجت رقم "عامر" ظنًا منها أنه ربما يكون هاتفه.

جلس "عامر" يداعب تلك الصغيرة التي استمرت في اللعب معه وهو يحملها على كتفيه مما جعل صوت ضحكاتها يرتفع عاليًا بقهقهاتٍ مُتقطعة جعلته يشعر بالسعادة حتى ضحك "عمار" عليهما فصدح صوت هاتف "عامر" في تلك اللحظة عاليًا حينها عَدل وضع الصغيرة على ذراعه ثم أخرج هاتفه يجاوب على المُتصل وعلى الرغم من تعجبه إلا أنه لم يُبدي ذلك أمامه فضغط على زر الإيجاب ورد بإيجازٍ:

_ألو، سلام عليكم.

ردت عليه هي بنبرةٍ مُحشرجة:

_وعليكم السلام معلش يا "عامر" اتصلت بيك في الوقت دا، بس عاوزة أسألك هو "عمار" كلمك ؟؟.

حرك عينيه نحو شقيقه الذي يتناول الطعام ثم سألها بهدوءٍ:

_لأ هو فيه حاجة ولا إيه ؟؟.

تنهدت بضجرٍ ثم قالت بقلة حيلة:

_أنا بقالي كتير مستنياه وهو تليفونه مقفول وأول مرة يتأخر كدا عليا، علشان كدا قولت يمكن كلمك.

تحرك "عامر" نحو شقيقه يمد يده له بالهاتف فأخذه منه "عمار" مُتعجبًا ثم وضعه على أذنه وهو يقول:

_ألو ؟؟.

انتبهت هي لصوته الذي تحفظه عن ظهر قلب لذلك سألته بنبرةٍ جامدة:

_"عمار" !! هو أنتَ فين ؟؟

رد عليها بتعجبٍ من طريقتها:

_عند أمي يا "خلود" مالك ؟؟ فيه إيه؟؟

ردت عليه بحزنٍ حينما علمت بمكانه:

_عند مامتك ؟؟ كل دا وفي الأخر طلعت عند مامتك ؟؟ يعني أنا هنا مستنياك بقالي ساعتين وفي الآخر أنتَ عند مامتك؟؟

عقد حاجبيه وهو يسألها بحيرةٍ:

_مستنياني فين أنا مش فاهم حاجة ؟؟ يا بنت الناس مش قولتيلي هتباتي عند أهلك ؟؟ 

سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت وهي تحاول السيطرة على نفسها:

_أنا في الشقة يا "عمار" كنت مستنياك.

سألها بنبرةٍ جامدة:

_ومعرفتنيش ليه طيب ؟؟ زي ما عرفتيني إنك هتباتي.

ابتسمت بسخريةٍ وهي تنطق بتهكمٍ:

_بص على تليفونك كدا وشوف أنا عرفتك ولا لأ، تصبح على خير.

أغلقت الهاتف ثم دفعته على الطاولة وسحبت الوسادة العريضة تضع رأسها عليها بحزنٍ غلف نظراتها و كأن الخذلان أصابها وتحول حماسها في تفاجؤها بوجوده إلى خيبة أملٍ.

مد "عمار" يده بالهاتف لشقيقه ثم زفر مطولًا، فسأله "عامر" بتعجبٍ:

_مالكم يابني ؟؟ مش قولت إنها عند أهلها ؟؟.

تنهد بضجرٍ ثم رد عليه بتشوشٍ:

_أنا مبقيتش فاهم حاجة يا جدعان، هو فيه إيه ؟؟

تحدث "عامر" بثباتٍ:

_قوم روح لمراتك أكيد مش هتسيبها تبات لوحدها يعني؟.

انتبه له "عمار" فتحدث أخاه مؤكدًا:

_زي ما سمعت كدا، تروح لمراتك وتلم الدنيا بدري بدري، خليك فاكر إنها ست وأكيد هتحكم غلط على الأمور، يلا أنتَ هتنحلي ؟؟.

تحرك "عمار" من مكانه يأخذ هاتفه ومفاتيحه ثم تحرك بنفس ثياب التي يرتديها، وفتح الباب وغادر المكان على الفور حتى يذهب لزوجته.

لاحظت "سارة" تغيره فسألت زوجته بحيرةٍ:

_هو فيه بينهم حاجة؟؟ شكله متضايق.

زفر "عامر" بقوةٍ ثم قال بقلة حيلة:

_والله ماأنا عارف مين فيهم الغلطان ولا مين فيهم الصح، بس ربنا يهديهم أهم جوز مجانين جابوه لنفسهم حد قالهم يتجوزوا ؟؟.

رفعت "سارة" حاجبيها وهي تحرك رأسها للجهةِ الاخرى، فلاحظ "عامر" نظرتها نحوه لذلك تحدث يمازحها:

_اقصد يعني كانوا لازم ياخدونا قدوة، خصوصًا أنتِ يا عسلية.

ضحكت له ذهبت تجلس بجواره وهو يداعب ابنته على يده، حتى رفع ذراعه ثم ربت على كتفها هي الأخرى.
____________________

وصل "عمار" لشقته بعدما صارع مع نفسه والطريق حتى يذهب لها، حاول يفتح الباب بمفتاحه لكنها سبقت و وضعت مفتاحها خلف الباب حتى صَعُبَ عليه فتحه فرفع إصبعه يضغط على زر الجرس حتى استيقظت "خلود" من غفوتها تلك وانتبهت لوضعها، فاقتربت من الباب تفتحه، وهي تسأل بنبرةٍ مُحشرجة ظهر بها أثر النوم:

_مين ؟؟ 

رد عليها بلهفةٍ:

_أنا "عمار" يا "خلود" افتحي.

تنفست بعمقٍ ثم رفعت كفها تمسح على وجهها وفتحت له الباب وهي تطالعه بوجه جامدٍ يخلو من التعابير، فتنهد هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_مش تعرفيني إنك هنا ؟؟ كل دا فاكر إنك عندك مامتك.

تنهدت هي بضيقٍ ثم سألته بنبرةٍ جامدة:

_خلصت ؟؟ 

حرك رأسه موافقًا، فأشارت له بقولها:

_طب ادخل واقفل الباب وراك.

دلف للداخل ثم وقف يغلق الباب واقترب منها يقف مقابلًا لها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:

_اخرة لعب العيال دا إيه يا "خلود" ؟؟ بجد والله أخرته إيه؟

رفعت عينيها له بعدما جلست على الأريكة ثم تشدقت بضجرٍ:

_معرفش والله أخرته إيه، في الأخر طلعت أنا الغلطانة؟؟

رد عليها مؤكدًا بقوله:

_ماهو لو مش شايفة إنك غلطانة تبقى كارثة يا "خلود".

تنفست بعمقٍ وقبل أن تنطق ارتمت على الأريكة تجلس عليها حتى تهرب من تلك المناقشة بقولها:

_هتاكل يا "عمار" ؟؟ 

رفع حاجبيه مستنكرًا قولها المُنافي لقوله، فسألها بنبرةٍ جامدة:

_أنا بتكلم في إيه وأنتِ بتتكلمي في إيه أصلًا؟؟.

مسحت وجهها ثم قالت بثباتٍ زائفٍ:

_عرفت أني غلطانة أنا آسفة يا سيدي، حلو كدا ؟؟.

لم يرد عليها بل انصرف من أمامها حتى لا يتهور في حديثه و تزداد الأمور سوءًا فيما مددت هي جسدها على الأريكة و احتضنت الوسادة بضيقٍ بعدما تشتت كعادتها وظلت تجلس محلها بصراعٍ غريب لم يختلف عن شخصيتها المُعقدة غريبة الأنماط، شخصية اعتادت على التشتت وفي نفس الآن لا تحب الظلم، زفرت بقوةٍ ثم اعتدلت محلها ودلفت الغرفة له فوجدته ممدًا على الفراش يضع ذراعه على عينيه، تنهدت مُطولًا ثم دلفت بجواره في الفراش فمد هو ذراعه يغلق النور، بينما هي سألته بصوتٍ مُضطرب:

_"عمار" أنتَ زعلان ؟؟ 

زفر بقوةٍ ثم تحدث بنبرةٍ جامدة:

_نامي يا "خلود" أنا دماغي مش فيا ومش حِمل كلام.

ازداد شعورها بالذنب لذلك أولته ظهرها ثم وضعت كفيها أسفل وجنتها تُجبر جفونها على الإغلاق، فرفع هو جسده يراقبها ثم تحدث بنبرةٍ هامسة لم تسمعها:

_ماشي، صبرك عليا.

نام هو الأخر بعدما مدد جسده وكأن تلك اللحظة هي المُنتظرة منذ بداية اليوم وهي الخلود للراحة بصرف النظر عن أفعال "خلود" نفسها.
______________________

في شقة "ياسين" جلس أمام حاسوبه الخاص و "جاسمين" بجواره تراقب ما يفعله وهي تأكل من الحلويات في يدها و "يزن" يجلس بجواره يشاهد هاتفه، بينما تلك الهادئة الصغيرة جلست مقابلةً له تشاهد الكتاب الخاص بمغامرات الأميرات وهي غارقة في أدق تفاصيله وتبتسم بحماسٍ.

تحركت "جاسمين" للجهة الأخرى فصدمت "ياسين" في وجهه حتى زفر بقوةٍ وتحدث بنبرةٍ جامدة:

_يا بنتي دي سادس مرة خلاص وشي ورم، اتهدي.

تحدثت بنبرةٍ طفولية:

_خلاص آسفة، محصلش حاجة.

رمقها بسخطٍ ثم عاد لما يفعله يحاول الاندماج كما كان حتى قفز عليه "يزن" وهو يصرخ بمرحٍ قائلًا:

_كسبت !! كسبت يا بابا.

ابعده "ياسين" عنه وهو يقول بنبرةٍ جامدة:

_خلاص يعني كسبت كاس العالم، اقعد يالا.

جلس "يزن" من جديد بهدوء فيما رفعت "نـغم" رأسها وهي تسأل بلهفةٍ:

_بابا ألاقي فين الغابة اللي بيخطفوا منها الأميرات لقصر الملك ؟؟؟

رفع رأسه نحوها يسألها بسخريةٍ:

_نعم ياما عاوزة إيه ؟؟ 

سألته ببراءةٍ وكأن سؤالها في غاية الطبيعة:

_الغابة اللي بيخطفوا منها الأميرات يودوهم قصر الملك، فين؟؟ تعرف مكانها ؟؟ 

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بطريقةٍ ساخرة:

_آه يا حبيبتي، اركبي من هنا لمحطة رمسيس وملكيش دعوة بالباقي ربك هيسهلها من عنده.

سألته بلهفةٍ:

_المكان دا قريب الغابة نفسها  يا بابا؟؟ 

رد عليها بسخريةٍ:

_لأ يا روح بابا، طالما وصلتي محطة رمسيس أنتِ كدا في الغابة نفسها، ساعتين و هتتخطفي.

اقتربت منه تقول بتوسلٍ:

_طب ينفع توديني يا بابا ؟؟ 

_اوديكي فين لامؤاخذة ؟؟ 

_المكان اللي بتقول عليه دا علشان خاطري.

تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ جامدة:

_يا ولاد المجانين بطلوا هطل، يخربيت دماغكم، انتوا هُبل يا عيال ؟؟ بجد والله يعني دا إنتاج طبيعي يعني؟؟ ولا الخلل منين أنا مش فاهم، ماهي مش قريبتي علشان تطلعوا كدا.

دلفت "خديجة" في تلك اللحظة تقول بضجرٍ:

_أنا عاوزة أعرف حيوان مين دخل المطبخ عمل فيه البلاوي دي كلها ؟؟ بهدله و كركبه وطلع عين أبويا.

رد عليها "يزن" بخبثٍ:

_شوفي مين بياكل أكيد هو اللي عمل كدا.

نظرت نحو "جاسمين" تسألها بجمودٍ:

_أنتِ يابت ؟؟.

ردت عليه ببراءةٍ تفسر موقفها:

_بصي أنا جيبت كرسي وقفت عليه اجيب الشيبسي من المطبخ، وقع مني بقى كيس معرفش بتاع إيه معرفتش اشيله علشان بهدل الدنيا اكتر، سيبته وخدت الشيبسي وخرجت.

ردت عليها "خديجة" بتهكمٍ:

_وحياة أمك كدا بكل بساطة ؟؟ طب مقولتيش ليه؟؟ 

ردت بنفس البراءة تستجوبها بقولها:

_يعني أقولك علشان تزعقيلي و تتزر…تتنفر…يلهوي قول معايا كدا اسمها إيه يا بابا ؟؟ 

ضرب وجهه بيأسٍ ثم قال بقلة حيلة:

_تتنرفزي، اسمها تتزرف….يخربيتك عوجتي لساني.

تحدث بضجرٍ منها بينما هي نطقت بحماسٍ:

_أيوا صح هي دي برافو عليك شاطر، اللي بابا قالها دي أنتِ هتعمليها.

ردت "خديجة" عليها بسخريةٍ:

_يا سلام ؟؟ ومين قالك إني مش هتنرفز برضه عليكي دلوقتي ؟؟ دا أنا عاوزة ابلعك من مكانك.

تحدث "ياسين" بضجرٍ منهم:

_أنا بقول تروحوا تناموا علشان كدا كتير، يلا ورا بعض على أوضكم يلا، انصراف يا حبايبي.

تحرك الصغار خلف بعضهم بعدما ودعوهم بينما "خديجة" تنفست بعمقٍ ثم قالت بقلة حيلة:

_العيال دي مخها لاسع باين كدا، أو أكيد.

تحدث بسخريةٍ:

_أو مخهم مرجوج زي دماغ أمهم.

رمقته بسخطٍ وهي تسخر منه، بينما هو تجاهلها ثم عاد لما يفعله، فاقتربت منه تجلس بجواره تسأله باهتمامٍ:

_أنتَ بتعمل إيه ؟؟ مش المفروض إنك إجازة ؟؟ 

رد عليها مفسرًا وهو يشير لما يفعله:

_دا تصميم جديد شغال عليه علشان اسلمه ضمن خطة المشروعات الجديدة في الشركة.

سألته بلهفةٍ:

_يعني التصميم دا هما هينفذوه ؟؟ 

حرك رأسه موافقًا فتحدثت بلهفةٍ:

_أنا عندي ليك فكرة مشروع إنما إيه؟؟

قاطع حديثها قبل أن تسترسله بقوله ساخرًا:

_لأ متقوليش، المرة دي عاوزة بيت على شكل مكواة ؟؟ بحيث تنامي فيه في الشتا كل ما تكشي في نفسك يديكي ضربة بخار تتفردي علطول؟؟.

شهقت بحماسٍ وهي تقول:

_الله ؟؟ تصدق الفكرة دي حلوة ؟! جرب كدا تعملها ؟؟

رفع عينيه نحوها ثم حرك رأسه بيأسٍ منها، فسألته هي بضجرٍ:

_ياعم اتكلم معايا لاغيني كدا، الله مش جايلي نوم.

أغلق الحاسوب ثم انتبه لها فابتسمت بانتصارٍ وهي تقول بحماسٍ:

_شاطر يا مهلبية، جدع برافو عليك.

رفع ذراعه يقربه منه وهو يضحك عليها ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_أنتِ تقريبًا العيال ضربت فيوزات مُخك خالص يعيني.

ابتعدت عنه تقول بطريقةٍ غريبة عليها كُليًا:

_والله ما حد مجنني غيرك أنتَ يا عسل.

تبدلت تعابيره وهو يقول بسخريةٍ:

_لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ودا من إيه دا ؟؟

ضحكت على طريقته فضحك هو الأخر ثم ضمها بذراعيه وهو يقول بقلة حيلة:

_اقطع دراعي إن ما كانوا العيال دول هطلوكي بجد.

ضحكت له ثم قالت بقلة حيلة:

_الحمد لله على وجودهم وجودك، بالدنيا كلها.

ربت على ظهرها وهو يبتسم لها وكأنه يؤكد صدق حديثها.

_______________________

في اليوم التالي نزل "عمار" من بيته صباحًا دون أن يوقظها من النوم ثم توجه لعمله، فيما استيقظت هي على عكس عادتها متأخرةً ثم بحثت عنه فوجدت الشقة فارغةً منه، زفرت بضجرٍ ثم قامت لتبدأ روتين يومها كعادتها في شقتها لعل ذلك يُغير من مشاعرها المُضطربة.
_________________________

في شقة "إيمان" جلست على الطاولة بجوار "ريهام" و كلتاهما تقوم باعداد الطعام، و بجوراهما "زينة" و "يُسر" كلٍ منهما تعاون بقدر استطاعتها.

وقف "يونس" بجوار "زين" يؤديان فرضهما فتابعتهما "إيمان" بوجهٍ مبتسمٍ ثم قالت بنبرةٍ خافتة:

_بسم الله ما شاء الله ربنا يحفظهم، يا رب يفضلوا كدا.

تحدثت "ريهام" بنبرة هادئة:

_رغم أني حاطة أيدي على قلبي من السوسة ابني دا، بس ربنا يهديهم.

أنهيا صلاتهما، ثم اقترب منهن "يونس" يقول بسخريةٍ:

_سيرتي كانت بتتجاب ليه ؟؟ خير إن شاء الله ؟؟

ردت عليه عمته بتهكمٍ:

_أبدًا يا شيخ يونس، هو احنا نقدر ؟؟ 

رفع حاجبيه ببلاهةٍ فيما تحدثت "زينة" بلهفةٍ:

_ماما ما تتصلي كدا بطنط "خديجة" خليها تجيب "نغم" و "جاسمين" يقعدوا معانا شوية.

تحدث "زين" بلهفةٍ هو الأخر:

_و خليها تجيب "يزن" أنا بحبه أوي.

تحدثت "إيمان" بنبرةٍ هادئة:

_بقولكم إيه أنا مش هتصل بحد دلوقتي، أخلص الغدا واتصل بيهم كلهم علشان نعرف نقعد سوا، وهاتوا البت "خلود" معاكم بدل ما تقعد لوحدها، تمام كدا ؟؟ 

تحدث "يونس" بنبرةٍ هادئة:

_تمام كدا، خلاص هنسنتى لحد ما تخلصي وننزل نجيبهم كلهم يا عمتو، تؤمري بحاجة تاني ؟؟ 

ردت عليه والدته بسخريةٍ:

_اللي ماسك الشيفت دلوقتي المحترم، استني كمان شوية لو اشتغل ماتش كورة هتشوفي أحقر نسخة من ابني على الاطلاق، نسخة نفسي اوأدها مكانها كدا.

ارتفعت الضحكات عليه فيما قال هو بلباقةٍ:

_على فكرة بقى، بابا قالي الشطارة إنك تكون عارف كل حاجة و فيك كل الانواع بس تعرف امتى تدي كل نوع حقه، دا مش كلامي والله، اسألي بابا هيقولك كدا.

تحدثت "زينة" بنبرةٍ ضاحكة:

_اومال أنا نسخة واحدة ورخمة ليه ؟؟ مبعرفش أنوع.

ردت عليها "ريهام" بسخريةٍ:

_أسألي أمك وهي تقولك.

رفعت "إيمان" حاحبيها بشرٍ فابتسمت لها الأخرى باستفزازٍ حتى صدح صوت جرس الباب ودلف بعدها "خالد" و "ياسر" مع بعضهما، فتحدث الأول بضجرٍ:

_الأكل فين ؟؟ أنا جعان ؟؟ 

نظرت الفتيات لبعضهما، فتحدث "ياسر" بنبرةٍ ضاحكة:

_لأ طالما مراتي المسئولة عن الأكل يبقى لسه بدري، المهم اتصل قول لـ  و "ياسين" و "عامر" ميتأخروش، "عمار" قال عنده شغل و هيتأخر مش هيعرف ييجي.
______________________

مع حلول الليل جلست "خلود" في شرفة شقتها بعدما انهت تنظيف الشقة و تجهيز الطعام، ثم جلست تنتظره في الشُرفة خاصةً أن هذا هو موعده الطبيعي لعودته من العمل، تنهدت ثم رفعت رأسها للسماء تأمل في محاولةٍ جديدة تُمكنها من فهم الأمور بعدما قررت التخلي عن معاندتها.

على الجهة الأخرى خرج "عمار" من عمله حتى يذهب لبيته مُقررًا اصلاح الأمور بينهما وشرح وجهة نظره فيما فعلته هي وكيف تصرف هو بناءًا على ما قررته هي، ركب دراجته ثم أخرج هاتفه يحاول التواصل معها خاصةً أنه لم يهاتفها طوال اليوم وكذلك هي الأخرى لم تكرر ما سبق وفعلته حتى لا يتكرر ما سبق وفعلته.

جلست "خلود" في الشرفة تتابع السماء الصافية بشرودٍ ثم أرجعت جسدها للخلف على المقعد تتثاءب لكنها حاولت قدر الإمكان الابقاء لحين موعد قدومه.

مرت ساعتان كاملتان على موعد عودته وخروجه من الصيدلية ولم يصل حتى الآن، أصابها الإحباط و الملل وظنت أنه تعمد ذلك حتى لا يتقابلان سويًا، أو تسبقه وتنام هي، فصدح صوت هاتفها برقمه.

نظرت للهاتف بلهفةٍ وما إن أبصرت رقمه حضر كبرياؤها لذلك تركت الهاتف يصدح حتى انتهت المكالمة، تكررت للمرةِ الثانية فزفرت بعمقٍ وضغطت على زر الإيجاب تقول باقتضابٍ:

_نعم…..ألو ؟؟ 

توقعت أن يرد عليها هو لكنها تفاجئت بصوتٍ أخر ينطق بأسفٍ:

_مساء الخير يا فندم، صاحب الرقم دا عمل حادثة على الطريق بالموتوسيكل وهو حاليًا في مُستشفىٰ *******

تعليقات



×