رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل الاول بقلم شمس بكرى
كانت الجلسة مرحة و ممتعة و زادت أكثر في بهجتها بقدوم العروسين معًا، حيث التفت الفتيات الصغيرات حول "خلود" و كذلك الصبية حول "عمار" الذي جلس هادئًا كعادته يوزع الابتسامات البشوشة لكل من ينظر له، بينما "خلود" فكانت كلما يلتقي وجهها بوجهه، تشاكسه بملامحها و تعبيرات وجهها و تتصنع البراءة وسط الصغار، فيما يحاول هو جاهدًا كتم ضحكته عليها.
اقتربت منها "فاطيما" تقول بضجرٍ لا يتناسب مع طفولتها:
"خالتو خلود، يزن و جاسمين فضلوا بغيظوني علشان أنتِ ساكنة معاهم، ليه مش ساكنة معايا أنا كمان ؟!"
حملتها "خلود" على قدميها و هي تقول بنبرةٍ هادئة و كأنها نزلت لعمر التي تحدثها:
"يا فاطيما يا روح قلبي هما بيغيظوكي و خلاص، إنما أنا مش بتحرك و مش بشوف حد، حتى هما، أوعدك هخلي عمو عمار يجمعكم كلكم عندنا و نبات مع بعض"
سألتها "جاسمين" بلهفةٍ بعدما تدخلت في الحديث:
"بجد ؟! طب و عمو عمار هنعمل فيه إيه ؟!"
ردت عليها "زينة" أبنة "ياسر" بعدما تدخلت هي الاخرى:
"يروح يبات عند عمو عامر أو عند جدو فهمي"
قالت "خلود" تفكر في الحديث و كأنها تُقلبه في رأسها:
"أو ممكن نخليه يبات في الشغل علشان لو احتاجنا حاجة ؟!"
ردت عليها "نغم" تُشفق عليه:
"حرام يا خالتو !! عمو عمار طيب أوي"
تدخل "عمار" يقول مُهللًا:
"روحي ربنا ينصرك على من يعاديكِ، تصدقي بالله ؟! أنا هطرد خالتك و اكتبلك الشقة باسمك"
أرسلت له "نغم" قبلة في الهواء فبادلها هو القبلة بأخرى من جهته وسط ضحكات البقية عليهم جميعًا، بينما "جاسمين" تحركت تجلس بجوار "وليد" تُشير له كي ينخفض لمستواها حتى امتثل لمطلبها فقالت هي بنبرةٍ هامسة:
"عاوزة أروح معاك تاني"
رد عليها هو بنفس طريقتها و نبرتها الهامسة بسخريةٍ:
"ليه ؟! مش أنا عيالي محدش رباهم ؟؟ تيجي تعملي إيه عند واحد عياله متربوش ؟؟"
_"علشان أربيهم"
حركت كتفيها و هي تجاوبه ببساطةٍ بتلك الجملة التي جعلته يعض شفته السفلى بغيظٍ ثم أمسك خصلاتها يَلُفها على يده حتى توجهت الأبصار جميعها نحوهما فسأل "طه" بنبرةٍ جامدة:
"أنتَ بتعمل إيه في البت يالا ؟"
رد عليه بضجرٍ:
"بربيها، الأشكال دي عاوزة تتربى"
ابتعدت عنه هي ثم قفزت عليه تقبله عُنوةً عنه و تدخل أناملها الصغيرة في ظهره أسفل قميصه حتى ضحك هو بملء شدقيه و هو يقول من بين ضحكاته:
"خلاص....خلاص يخربيت أهلك"
ابتعدت عنه تلهث بقوةٍ ثم ارتمت بين ذراعيه تتعلق به بدلالٍ طفولي فتحدث "عامر" شامتًا بالأخر:
"مش كان نفسك في بنوتة ؟! أشرب بقى، وريني هتسد ازاي"
احتواها "وليد" بكلا ذراعيه ثم قال بنبرةٍ هادئة بعدما طبع قُبلة على قمة رأسها:
"دي نور عيني دي، أعيش و أدلعها، كل ما بشوفها بشوف خلود و هي صغيرة، نفس حركاتها"
ابتسمت "خلود" له فيما سأل "عمار" باهتمامٍ عند ذِكر اسمها وكأن سؤاله عفويًا:
"هي خلود من يومها شقية ؟؟"
رد عليه "طارق" بنبرةٍ ضاحكة:
"قصدك من ساعتها، أنا نفسي كنت بنفذ طلباتها ليها من غير تفكير، محدش يقدر يزعل خلود هنا"
حمحمت "خلود" بقوةٍ ثم قالت بحديث يحمل رسالةً مُبطنة:
"خلاص يا شباب ألف شكر"
ضحك الجميع عليها و خصوصًا "عمار" الذي ابتسم لها بعدما توقفت ضحكاته، بينما تحركت "رؤى" تجلس بجوار "مريم" زوجة "عبدالرحمن" و هي تسألها ببراءة الأطفال:
"هو أنتِ ليه مش عملتي فرح زي خالتو خلود ؟! مامتك مش راضية ؟!"
ردت عليها "مريم" بنبرةٍ ضاحكة:
"لأ والله راضية أوي، بس لسه الشقة بتتوضب، بعد العيد الكبير الفرح إن شاء الله"
حركت رأسها موافقةً ثم سألتها بلهفة طفولية:
"يعني هنلبس الفساتين البيضا تاني ؟! و هنروح الفرح ؟؟"
حركت رأسها موافقةً فيما اقترب "يزن" يجلس بجوار "عبدالرحمن" و هو يقول بمشاكسىةٍ و عبثٍ:
"على فكرة أنا مش ناسي إنك هتخليني ظابط لما أكبر، اوعى تكون بتكدب !!"
قالها مُحذرًا و هو يُشهر بسبابته في وجهه بينما "عبدالرحمن" رد عليه بنبرةٍ ضاحكة بعدما جذبه نحوه:
"عيب عليك يا معلم، أنا وعدتك خلاص، ذاكر أنتَ بس و أنا هخليك أجمد ظابط في الدنيا كلها"
تدخلت "فاطيما" تقول بحيرةٍ طفولية:
"إزاي و أنتَ مش ظابط ؟! مش أنتَ دكتور زي عمو عمار ؟!"
قبل أن يرد عليها و يجاوبها تدخلت "جاسمين" تقول بسخريةٍ:
"يعني هيخلي يزن ظابط و هو دكتور أصلًا ؟! طب ما كان هو بقى ظابط و خلاص"
انتشرت الضحكات بصوتٍ عالٍ بعد حديثها و هي تبتسم بخبثٍ لا يُلائم عمرها الصغير فيما رفع "عبدالرحمن" صوته و هو يقول بغيظٍ من هؤلاء الصغار:
"انتوا هتحلووا عليا ولا إيه ؟! طب زودوا علشان أمنع دخولكم الفرح خالص، أنا بتلكك أصلًا"
رد عليه "حسن" بلهفةٍ:
"طبعًا أنا ماليش دعوة بالعيلة دي، أنا بريء منها"
رد عليه "علي" مُسرعًا:
"خدني معاك"
عمت السخرية في الأجواء من جديد و اختلفت الأوضاع من بين صامتًا يشرد في الأخر و بين متجاهلًا رغمًا عنه، و بين زوج من الأعين يراقب البقية مع بعضهم.
_________________________
عادوا جميعهم إلى مساكنهم بعد العزيمة أخيرًا و انتهاء جلستهم المرحة و لم يكن الوقت متأخرًا للغاية، بل في مقدمة حلول الليل.
أسفل منازل الشباب توقفوا جميعًا كعادتهم يودعون بعضهم و بعد مشاكسات الصغار لبعضهم أيضًا نوىٰ "عمار" الصعود لشقته فتفاجأ بـ "خلود" تمسك يده تسحبه نحوها و هي تسأله بنبرةٍ جامدة:
"إحنا رايحين فين إن شاء الله ؟!"
رد عليها مُردفًا ببلاهةٍ:
"طالعين بيتنا"
ردت عليه هي مُسرعة:
"لأ انسى !! إحنا عرسان جداد و هنروح نتمشى سوا شوية، و من غير نقاش لو سمحت"
زفر هو بقوةٍ ثم قال بقلة حيلة:
"يا خلود أنا عاوز أنام و دماغي وارمة، تعالي بس نطلع فوق و أنا هفرحك"
نظرت له بشكٍ فيما سحبها هو نحو الداخل يقف أمام المصعد دون أن يترك لها الفرصة حتى تُدلي باعتراضها، فقط وقف ثابتًا يضغط بكفه على كفها حتى وصلا لشقتهما.
كانت هي متذمرة الملامح و التبرم يظهر عليها بوضوحٍ بينما هو التفت لها يضع ذراعيه على كتفيها و هو يقول بصوته الرخيم:
"قوليلي عاوزة إيه و نعمله هنا سوا ؟! و مش هسيبك و أنام"
نظرت له بتمعنٍ في وجهه و سرعان ما تحولت نظرتها إلى الخبث دون أن تتكلم.
بعد مرور دقائق كان "عمار" واقفًا في المطبخ و هي بجواره تراقبه أثناء تجهيزه للطعام، أما هو ففاجئها بسرعة تحركه و كأن متمرس في تلك الهواية، لذا سألته هي بانبهارٍ:
"هو أنتَ إزاي يا عمار بتعرف تطبخ و مقولتليش ؟!"
رد عليها بزهوٍ يفخر بنفسه:
"دا سر من أسرار شخصيتي، يهمك في إيه بقى ؟!"
حركت رأسها باستنكارٍ فيما قال هو بنبرةٍ مرحة يُسرد باقي تفاصيله:
"اتعلمته يا ستي من ياسين لما كنا بنروح عند ميمي، و بعدها لما عامر اتجوز ماما ساعات كانت بتتعب و بابا بيحتاج أكل في المحل، اتعلمت كذا حاجة كدا سريعة منهم الكبدة دي الاسكندراني"
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فيما تابع هو بقوله:
"بقيت بقى بعرف أطبخ و أساعد الحجة سيدة في البيت، أصلها مجابتش بنات"
اقتربت منه تقول بلهفةٍ:
"أنا بنتها أهو، مامتك طيبة اوي و أكيد زعلانة إنك سيبتها بعد عامر أنتَ كمان، ممكن نبقى نروح هناك و نقعد معاهم و أنا لو أنتَ في الشغل هروح اقعد معاها و تيجي تاخدني إيه رأيك ؟!"
سألها بتعجبٍ غلف نبرته و نظراته:
"بجد ؟! مش هتضايقي ؟!"
ردت عليه هي بلهفةٍ قاطعة:
"مستحيل طبعًا، بالعكس أنا هفرح أوي، خصوصًا يعني لو....لو دا هيفرحك أنتَ"
قالتها بشيءٍ من الخجل جعله يقربها منه يسألها بنبرةٍ هامسة:
"قولتي إيه ؟!"
ردت عليه بثباتٍ يتنافى مع خجلها الذي لم يَدُم طويلًا:
"بقولك لو دا هيفرحك هعمله، هو أنا بتكلم تركي ؟؟"
سألها هو بثباتٍ:
"بتحبي التركي أنتِ يا خوخة ؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم شردت بهيامٍ و هي تبتسم بحالمية في أحلامها الوردية فيما رفع هو حاجبه بخبثٍ ثم اقترب من أذنها يهمس فيها بقوله بِـ لُغتها المفضلة:
"Seni seviyorum,
Kholoud"
"بحبك يا خلود"
شهقت هي بفرحةٍ و فرغ فاهها و هي تطالعه بصدمةٍ ألجمتها، فيما قال هو من جديد بنفس اللُغة:
"Benden ayrılığın benim hastalığımdı ve yalnız senin yakınlığın benim ilacım
كَانَ فُراقكِ عَني دَائيِّ و قُربكِ وَحدهُ هُو دَوائيِّ"
قالها باللغة التركية ثم فسرها باللغة العربية الفصحى و هو يحتضنها بنظراته و هي كذلك بفرحةٍ لمعت في عينيها، فقال هو بصوته الرخيم:
"لما عرفت إنك بتحبي التركي خليت ولد في ألسن بياخد مننا العلاج في الصيدلية لجده يعلمني أقولك كدا"
سألته بتعجبٍ نتج عن غرابة الموقف حتى خرج صوتها مُتحشرجًا:
"علشاني ؟؟ خليته يعلمك علشاني ؟"
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"علشانك و علشان تكوني مبسوطة، صحيح أنا مش تركي و مش ملون، بس محسوبك مصري و أبو الرجولة كلها، و من رجولتي بقى إنك تكوني معايا مبسوطة و في أمان"
تعلقت برقبته بعفويةٍ و دموعها تنهمر على وجنتيها لم تصدق حلاوة ما تشعر به معه، بينما هو ابتسم بسعادةٍ نتيجة حركتها تلك التي تفعل دومًا، و للحق تأكد هو أنها أبلغ منه في التعبير عما تريد، فبتلك الطريقة أو بأخرى تُثبت له أن أمانها دومًا بجواره هو، أما "عمار" فتأكد أن نتيجة صبره و حبه الحلال، يحضتنها بين يديه كما تعانق السماء القمر و يحاوطهما النجوم في ليلةٍ صافية.
_________________________
كانت "سلمى" غافيةً في غرفتها و هي تشعر بالوخم و الوهن بسبب حملها، بينما "أحمد" أخذ "ليلى" و جلس معها في الشُرفة على المقعد و هي على قدمه تلعب بلعبتها الصغيرة و تداعبه بين الحين و الأخر حتى غفيت على ذراعيه و كذلك احتواها هو بذراعيه مُضللًا عليها.
خرجت "سلمى" من الغرفة بعدما شعرت بالفراغ من حولها و الصمت يعم المكان، فاقتربت من الشرفة ظننًا منها أنهما مستيقظان لكنها تفاجأت بهما في ثُباتٍ عميق، تنهدت براحةٍ ثم جلست على المقعد المقابل لهما تبتسم بهدوء و هي تقارن بين "أحمد" الطائش القديم و بين ذلك الرجل الناضج الذي يجلس حاملًا ابنته بين ذراعيه.
ابتسمت "سلمى" و تذكرت صبره و قتاله لأجلها و كيف تحمل مصاريف دراستها دون أن يلجأ لأي معاونات خارجية، حتى من والده، كان أكثر الشباب عملًا و محاربةً و جِدًا، لمعت العبرات في عينيها و هي تتذكر ما مر عليهما أثناء تخرجها.
(منذ سنواتٍ قليلة)
في العام الثاني من أعوام دراستها بعد زواجها شارفت الاختبارات على القدوم و أعلنت الكلية عن بدء الامتحانات دون أن تعلم "سلمى" بذلك، فقد تفاجئت بموعد الاختبارات دون أن تحصل على ما يساعدها في مذاكرة دروسها، جلست على الأريكة تهز قدميها و هي تفكر في الحل، و كعادته دلف من العمل متأخرًا، فوجد ملامحها باهتة و القلق يخيم عليها، سألها باهتمامٍ:
"مالك يا سلمى ؟! حصل حاجة زعلتك ؟! فيه حد ضايقك ؟!"
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بتوترٍ:
"الجدول نزل و اتفاجئت بالامتحانات يا أحمد، مجيبتش ملازم و قولت المحاضرات معايا و خلاص، بس اللي حصل أني اتفاجئت، المحاضرات مش كفاية"
ابتسم هو لها ثم سألها بسخريةٍ:
"يا عبيطة ؟! هو دا اللي قالب وشك كدا ؟! أنا قولتي الأكل اتحرق ولا حاجة، و ساعتها كنت هروح اوصلك عند أبوكِ"
طالعته بدهشةٍ من حديثه، بينما هو أبتسم لها ثم أخرج هاتفه يطلب رقمًا لم تعرفه هي حتى وصله الرد و استمعت هي للمكالمة بعد ضغط هو على مكبر الصوت؛ ليصله صوت "عمار" يقول بنبرةٍ هادئة:
"أبو حميد الغالي متقلقش، طلبك جهز و بكرة هيوصلك متخافش، حتى اللي لسه هينزل نسختك محفوظة منه"
رد عليه "أحمد" براحةٍ ظهرت في نبرته:
"الله يباركلي فيك و ينجحك و يرزقك باللي بتتمناه، متشكر اوي و بكرة هقابلك و أخدهم منك"
أغلق معه الهاتف بينما هي نظرت له بتعجبٍ فقال "أحمد" بنبرةٍ هادئة:
"مش عاوزك تقلقي و لا تخافي من أي حاجة و أنا معاكِ، أنا عرفت و الملازم هتوصلك و تذاكري، و مش عاوز منك حاجة تانية، لحد ما امتحاناتك تخلص"
سألته بلهفةٍ:
"طب أنتَ عرفت ازاي ؟!"
أجابها هو بفخرٍ:
"حاجة مش جديدة، أنا متابع كل أخبار جامعتك و عارف كل حاجة، و عمار برضه بيعرفني كل حاجة، ذاكري من محاضراتك اللي معاكِ و أنا بكرة لما أخد الملازم هجيبهم هنا علشانك"
سألته هي بنفس اللهفة السابقة و قد غلف الاختناق صوتها من البكاء:
"ليه تتعب نفسك و عمال تضغط عليها كدا ؟؟ عمال تشتغل أكتر منهم، و مش قابل بمساعدة حتى، و شاغل نفسك بيا، حتى حقوقك مني صابر عليها، أنا زي الحِمل عليك هنا، صدقني لو سيبتني أنا مش هزعل"
رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"أنتِ بتقولي إيه يا سلمى ؟! حِمل ؟؟ أنتِ حِمل إزاي ؟! و قولتلك كفاية وجودك معايا، انجحي و افرحي و أنا اللي هنجح و أفرح باللي هتوصليله، أنا بحبك يا بنت الناس"
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية:
"بس دا كتير عليك، أنا بقيت أحس أني ظالمة، واحد بيحارب علشاني من كل الجهات و أنا في الأخر باخد على الجاهز"
زفر هو بقوةٍ ثم تحرك يجلس على ركبتيه أمامها و هو يسألها بنبرةٍ هادئة حنونة:
"أنا أشتكيت ؟! أو تعبت حتى ؟! أنا الحمد لله ربنا مقدرني أوي، و صحتي بقت الضِعف، و طاقتي كبرت من غير ما أعرف السبب، كل دا علشانك أنتِ، و هحارب علشانك أنتِ، و لو أخر نفس فيا أنا هحارب بيه علشانك أنتِ، اللي بيحب الورد بيراعيه مش يقطفه، و أنا قولتلك أرضي معرفتش الخير غير بوجودك فيها، بلاش هرمونات الامتحانات تطلع عليا، بدل ما أبوظ وشك دا"
ضحكت من بين دموعها، فيما ضحك هو الأخر ثم رفع جسده يحتضنها و هو يربت بكفيه عليها ثم قال بصوته الرخيم:
"يعني عمال ألمحلك بأغاني بهاء سلطان، و عمال أقول هتفهم أني بعمل كدا علشانها، و البت مفيش مُخ خالص"
سألته بصوتٍ مختنقٍ بعدما مسحت دموعها:
"فين أغاني بهاء سلطان دي مسمعتهاش، جدول الامتحانات نكد عليا و مشوفتش حاجة"
ضحك هو عليها ثم أخرج هاتفه يضعه أمامها بعدما فتحه على فيديو قصير خاص بصورهما سويًا في مختلف الأعمار يمر بتلك الصور و يرافق ذلك المرور صوت الكلمات الآتية:
"أنا مش معاهم أنا معاكِ....مطرح ما هتروحي وراكِ..... أنا كنت تايه و صغير....و الحب خلاني أتغير....أنا كنت حبيبتي كأني شيطان و بقيت ملاك و أنتِ ملاكِ.... صدقيني أنا عاوز أعمل أي حاجة علشان أرضيكي، عاوز ابقى حد يستاهل بجد يبقى ليكِ....صدقيني أنا عاوز أعمل أي حاجة علشان أرضيكي....عاوز ابقى حد يستاهل بجد يبقى ليكِ....كنت تايه و لما شوفتك أبتدت أحلامي بيكِ....و اللي فات بقى ذكريات دا أنا ابتديت عمري بـهــواكِ"
ابتسمت هي بسعادةٍ بالغة و انفرحت اساريرها، فيما قال هو بنبرةٍ صوتٍ رخيمة:
"كل ما أحب افرح بنفسي و أحس أني إنسان بجد، بعرف أني لازم أفرحك و أساعدك أنتِ"
بعد مرور ساعة تقريبًا بعدما تناولا العشاء سويًا، حينها أمرها بالجلوس حتى تستذكر دروسها، بينما تحرك هو للداخل يقوم بعمل النسكافيه لهما سويًا، ثم جلس يتابع عمله على الحاسوب و هي بجواره تُذاكر المحاضرات التي سبق و دونتها في دفترها، و سرعان ما أتت فكرةٌ ببالها لتقول بحماسٍ:
"وقف شرب بسرعة !! استنى"
توقف "أحمد" عن ارتشاف مشروبه فيما أخرجت هي هاتفها بسرعةٍ ثم أمسكت كفه تُشكل بإصبعيه نصف قلب و أكملته هي باصبعيها، و قامت بالتقاط الصورة و سط حاسوب عمله و دفتر دروسها، ثم قالت بحماسٍ له:
"أحلى US في الدنيا كلها"
خرجت من تلك الذكرى لتذهب لأخرىٰ أكثر سعادةً و فرحًا حيث
كانت "سلمى" ترتدي زي التخرج و القبعة أيضًا و تبتسم بسعادةٍ و بجوارها العائلة بأكملها و أولهم هو و على ذراعه صغيرته "ليلى".
كانت "سلمى" حينها تشعر بالفخر و الحماس و كأنها امتلكت الدنيا لنفسها، ففي كل دور فُرض عليها؛ أثبتت نفسها فيه بجدارة، ذُكر اسمها من وسط أكفأ الطالبات و أكثرهم تفوقًا في الدُفعة التعليمية، فحثها "أحمد" يشجعها بقوله:
"قومي يالا بينادوا عليكِ، قومي"
حركت رأسها موافقةً ثم أمسكت كف صغيرتها التي كانت في شهور عمرها الأولى تقبله ثم سارت حيث المكان المطلوب وقوفها عليه، حصلت على الشهادة و الدرع الذي يحمل اسمها و شهادة تقدير في إطار من الخشب و يَحفهُ من الجوانب الزجاج الذي يُغطي الشهادة خلفه.
وقفت أمام مُكبر الصوت "المايك" تبتسم و هي ترى النظرات موجهة نحوها بالفخر و الحماس و خاصةً و هو يتابعها بفخرٍ، لم يكن الفخر كونها زوجته فقط، بل نظرة تشبه فخر الأب بصغيرته في تفوقها الدراسي، تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ هاديء:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طبعًا عمري ما كنت أتخيل أني أقف هنا في يوم من الأيام و اتكلم قصاد حضراتكم، زي ما عمري صدقت أني ممكن أدخل كلية الصيدلة و أنجح فيها كمان، أنا بس عاوزة اقول حاجة واحدة، إن الكف لوحده مستحيل يسقف و كذلك الانسان بدون دعم مش هيحس بمتعة اللي بيعمله، الحمد لله طبعًا اولًا و أخيرًا، بس فيه ناس تستحق التقدير و الشكر، أولهم افراد عيلتي كلهم، أخواتي و ولاد عمامي و كل فرد في عيلتي، و فيه حد تاني زي الجندي المجهول، مقدرش أجحد دوره في اللي وصلتله، علشان زي ما وراء كل رجل عظيم إمرأة....فيه كمان وراء كل ست ناجحة، زوج ناجح في كل الأدوار، الشريك الداعم و المُساعد، و اللي بيبذل مجهود أكبر من الشخص الأساسي"
كان "أحمد" يبتسم لها و عينيه تلمع بالفخر و الاعتزاز و في تلك اللحظة ودَّ لو رفع صوته للعالم بأكمله يخبرهم أنها زوجته و من يحملها بين ذراعيه ابنتهما، و قبل أن يغوص في الأفكار أكثر من ذلك، قالت هي بحماسٍ:
"أنا بهدي نجاحي و كل اللي وصلتله لأحمد الرشيد، جوزي و أبو بنتي، و الشريك الداعم اللي كان السبب في اللي وصلتله"
انشترت التصفيقات الحارة و الصيحات الحماسية، فمالت "خديجة" عليه تحمل ابنته و هي تحرك رأسها له حتى يذهب لها، بينما هو أخفض جسده يحمل باقة زهور اخفاها عنها منذ الصباح حتى يُفاجئها بها، و على الجهة الأخرى خلعت هي قبعة التخرج السوداء، فاقترب منها بثباتٍ و هو يحمل باقة الزهور و هي تحمل القبعة، حينها حمل هو القبعة يضعها على رأسها و هي تنظر له بامتنانٍ فقدم لها باقة الزهور و هو يبتسم، فاقترب منهما "حسن" يلتقط لهما صورةً بمفردهما، ثم جلب "ليلىٰ" لهما لتكون صورةً عائليةً، صورة فيها ثلاثة أفراد كلٍ منهما يشكل الحياة للأخر و صوته بهمس في أذنها بكلمة:
"مبروك عليكِ التخرج يا عز أحمد و خيره"
(عودة إلى الوقت الحالي)
تنفست بعمقٍ و هي تبتسم و كأن رحلتها القصيرة للماضي شحنتها بطاقة الحب، حيث نزلت من على المقعد و جلست على ركبتيها تُملي انظارها منهما، حيث هو يتمسك بابنته بين ذراعيه بملامحه الهادئة و لحيته المنمقة، كذلك هيبته و هدوئه كما هما بل زادا مع مرور الوقت، أما ابنته فتلك الصغيرة تشبه الملائكة الصغار، خصلاتها السوداء و غُرتها التي تغطي جبينها و وجنتيها المنتفختين و شفتيها المضموتين بهيئةٍ طفولية، حركت كفيها تعانق كف الصغيرة، ثم حركت أحدهما تمسك كف "أحمد" الذي شعر بها من رائحتها، ففتح عيناه ليكون وجهها اول ما يطالعه هو حتى تشكلت البسمة على وجهه ثم قال بنبرةٍ مُتحشرجة لازال بها أثر نومه:
"صحيتي ليه؟! أنا خدتها بعيد عنك علشان تعرفي تنامي"
حملتها على يدها ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"تعالى يلا يا علشان تنام جوة كدا هتتعب، كفاية عليك كدا"
تنهد هو بعمقٍ ثم استند بكفيه على المقعد و هو يشعر بالآلام المتفرقة في جسده، و هي تطالعه بشفقةٍ لما يتحمله فقط لأجلها هي.
دلف الغرفة يجلس على الفراش حتى وضعت هي الصغيرة في فراشها، ثم دلفت له و هي تبتسم و دون أن يتحدث احتضنته و هي تربت على رأسه و ظهره حتى سألها هو بسخريةٍ:
"هرمونات حمل دي ولا محبة لله ثم الوطن ؟! قبل ما أتعشم بس"
ضحكت هي على سخريته ثم حركت رأسها تطالع عينيه و هي تبتسم بهما قبل فمها و تقول بنبرةٍ هادئة:
"دي محبة، محبة ليك و لعيشتي معاك هنا مُعززة مُكرمة، محبة لمحبتك ليا و لكل حاجة مستحملها علشاني، حنيتك و طيبتك و رجولتك كانوا سبب في نجاحي، مينفعش أكون قليلة الأصل معاك"
تنفس بعمقٍ ثم أغمض عيناه و هو يبتسم بفرحةٍ كبرىٰ، و كذلك هي تنهدت بعمقٍ و قلبها يتمنى دوام وجوده معها.
_________________________
كان "خالد" جالسًا في الخارج يتذكر حديث "رياض" عن ابنه و عن احتياجه له خلال تلك الفترة حيث اخبره "رياض" بنبرةٍ هادئة:
"يمكن تكون مش واخد بالك بس يونس دلوقتي محتاجك، سنه صعب و هيكون محتار، قرب منه أكتر من الأول، خليه يقولك ماله و إيه اللي مزعله، يونس مكانش كدا، بقى ساكت و بيحسب كل خطواته، الحق ابنك قبل ما التراكمات تزاحم بينكم"
زفر "خالد" بعدما تذكر ذلك الحديث و تردد على مسامعه، هو صديق ابنه و كليهما يحب الأخر بشدة، لكن تلك الفترة أصبح "يونس" غريبًا عنهم، يحب الجلوس بمفرده، و النوم في أوقات غير مناسبة، خرج من شروده على صوت "ريهام" تقول بتعجبٍ:
"يا بني !! يا عم ؟! بكلمك أنا"
حرك رأسه نحوها يطالعها بتعجبٍ فسألته هي بحيرةٍ من أمره:
"مالك يا خالد ؟! سرحان في إيه"
تنفس بعمقٍ ثم قال موجزًا:
"ولا حاجة يا ريهام، خير عاوزة حاجة ولا إيه ؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"عاوزين فينو و حاجات من السوبر ماركت ضروري، هات فلوس علشان يونس ينزل يجيبهم"
حرك رأسه موافقًا ثم أخرج المال من جيب بنطاله و قبل أن تتحرك زوجته للداخل تطلب من ابنها النزول، اوقفها بقوله:
"استني يا ريهام، أنا هدخله"
عقدت ما بين حاجبيها فيما سحب "خالد" الأموال منها ثم دلف لغرفة "يونس" يطرقها بهدوء فاستمع لصوت ابنه يسمح بالدخول، تنهد "خالد" بعمقٍ ثم فتح الباب و هو يقول مبتسمًا:
"أستاذ يونس المحترم لو قولتلك عاوزين حاجات من تحت ينفع تنزل ؟!"
نظر له "يونس" بقلة حيلة ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"يعني هخلي ماما و لا يُسر تنزل يعني ؟! أكيد هنزل"
رد عليه "خالد" بتهكمٍ زائفٍ:
"أنتَ بتلقح عليا يا حيلتها ؟!!"
رفع "يونس" كفيه ببراءةٍ ينفي عن نفسه تهمة لم يقم بها، فضحك عليه "خالد" ثم اقترب منه يعطيه الورقة التي حضرتها زوجته و يرافقها الأموال، فوقف "يونس" يرتدي ثيابه عبارة عن كنزة شتوية "سويت شيرت" باللون الأبيض و البنطال باللون الأسود، ابتسم له "خالد" ثم اقترح بلهفةٍ زائفة:
"بقولك إيه ؟! الرجال للرجال، أجي معاك و نسيب أمك و يسر هنا ؟؟ إيه رأيك"
رد عليه "يونس" بثباتٍ:
"بس بشرط !! تلبس السويت شيرت الأبيض بتاعك، إيه رأيك"
غمز له "خالد" ثم تحرك من أمامه فيما ابتسم "يونس" و هو ينظر في أثره بفرحةٍ تنطق بها عينيه.
دقائق قليلة استعد فيها "خالد" و كذلك "يونس" و قبل أن ينزلا سويًا اقتربت "يُسر" منهما تقول بحزن:
"خدني معاك يا بابا علشان خاطري، اشمعنا يونس ؟!"
اخفض نفسه لمستواها يحتضن وجهها بكفيه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"الدنيا ليل و أنتِ حلوة اخاف يعاكسوكي، أنا و الواد يونس هنروح نجيب الحاجة للبيت، و أنتِ هنا زي أميرة البرج كدا، معززة مكرمة، و هجيبلك حاجة حلوة، مرضية ؟!"
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم ثم رفعت نفسها تقبل وجنته، فابتسم هو لها ثم قال موجهًا حديثه لزوجته:
"طب البت و بتفهم باستني، مفيش أي حاجة خالص منك"
زفرت بقوةٍ ثم قالت بضجرٍ:
"استغفر الله العظيم على قلة الأدب و السفالة !! يقولوا عليك إيه ؟؟"
رد عليها بمشاكسىةٍ:
"أب بيفهم بيعاكس أمهم"
ضحكت و هي تضرب كفيها ببعضهما و كذلك "يونس" الذي ضحك على والده و قبل أن يفتح الباب نادته "يسر" بلهفةٍ و هي تقول:
"يونس !! هاتلي حاجة حلوة و أنتَ جاي"
حرك رأسه موافقًا ثم أرسل لها قبلة في الهواء و سبق والده الذي قال مقلدًا طريقتها:
"يونس هاتلي حاجة حلوة و أنتَ جاي، مال أبوكِ هو ؟!.... آه صحيح دا مال أبوكِ، لامؤاخذة"
قالها بعدما تذكر الأمر، ثم لوح لهما و خرج من الشقة، فالتفتت "يسر" تقول لوالدتها بمرحٍ:
"شكلهم حلوين مع بعض أوي"
ردت عليها "ريهام" بحماسٍ:
"طول عمرهم ولاد الإيه دول، مشوفتيهمش و هما رايحين يصلوا الجمعة سوا، أقسم بالله من كتر الوسواس بكون عاوزة اقفل عليهم، و خصوصًا خالودي"
_"خــالودك !!"
قالتها "يسر" باستنكارٍ واضح، فظهر التوتر على "ريهام" و هي تقول بخجلٍ من ابنتها:
"خالودنا كلنا يا ستي مالك ؟!"
ضحكت "يسر" بصوتٍ عالٍ فاحتضنتها "ريهام" و هي تضحك معها هي الأخرىٰ.
_________________________
وصل "خالد" بـ "يونس" أمام السوق التجاري فوجد به عددًا لا بأس به من الأناس، حينها قال مقترحًا عليه و هو يشير بيده على الأريكة الخشبية الموضوعة على الطريق:
"بقولك إيه ؟! تيجي نقعد هنا الزحمة تكون خفت شوية ؟؟ و نتكلم مع بعض ؟!"
حرك رأسه موافقًا ثم أمسك في كف والده يعبر معه الطريق حتى جلسا سويًا عليها، كانا ينظرا أمامهما، فتحدث "خالد" دون تزيين في حديثه:
"قولي مالك يا يونس ؟! مين مزعلك ؟! أنا و لا ماما ؟! و لا مين ؟!"
نظر له "يونس" بتعجبٍ فنظر له "خالد" هو الأخر و هو يقول:
"لو فاكر اني مش واخد بالي تبقى عبيط، أنا حاسس بيك، و ممكن أقولك اللي مزعلك بدأ من امتى كمان، قولي مالك ؟!"
تنفس "يونس" بعمقٍ و هو يفكر على يتحدث مع والده أم يظل كما هو كاتمًا على نفسه، و قبل أن يتخذ قراره، قال "خالد" بنبرةٍ هادئة:
" هبدأ أنا و أحكيلك، كنت قدك في أولى اعدادي لما أبويا سابني و مشي، سابني من غير انذار واحد يقولي بيه إني هكمل الطريق من غيره، ساعتها أنا كنت تايه، مش عارف أعمل إيه، لسه جوايا عيل صغير عاوز يفرح و يلعب و يخرج طاقته، و جوايا خالد تاني ظهر اتحكم عليه بالكبر، واحد في رقبته عيلتين و ملزوم بيهم، بقيت بحسب النفس على نفسي، بقيت راجل بيت في يوم و ليلة، إيمان بقت متعلقة بيا بسبب خوفها، و وصلت إنها بقت تقولي يا بابا، بابا ازاي بس و أنا عيل زيي زيك، كبرت و عودي اشتد و مهونش عليا الطريق غير وجودهم هما "ياسر...ياسين...عامر...عمار" كانوا كل حاجة ليا، هما اللي خالد كان بيخرج معاهم و يضحك و يرقص و يفرح، الدنيا كبرتني قبل أواني و أنا رضيت بكدا، بس أنا أبويا كان ميت، إنما أنتَ....أنا موجود معاك، ليه تكبر نفسك ؟؟"
رد عليه "يونس" بنبرة صوتٍ تائهة يغلب عليها التشوش و الضياع:
"أنا محتار.....مش فاهم نفسي و مش فاهم حاجة، أنا حاسس أني بدأت أكبر و أكون واحد تاني، و ساعات أقول اني لسه صغير، أنا يعتبر عندي ١٣ سنة، يعني كدا أنا بكبر، الحاجات اللي كنت متعود عليها، مينفعش اعملها، تصرفاتي محيراني، أنا ماكنتش عاوز أكبر"
رد عليه "خالد" بقلة حيلة:
"و مين فينا كان عاوز يكبر ؟؟ كلنا كبرنا يا يونس من غير ما نحس، مش بمزاجنا هي دنيا"
رد عليه "يونس" بقلة حيلة:
"مش عجباني، دنيا مش عجباني و مش عارف أحبها، الناس برة مش شبهي، صحابي في المدرسة مش زيي، عقلهم مش فاهم عقلي، مين اللي صح أنا و لا هما ؟!"
رد عليه "خالد" بثباتٍ:
"الحق هو اللي صح يا يونس، كونك مش شبهم ديه ميزة فيك، أنتَ متربي و عاقل و مخك أكبر من سنك، أنتَ مالك بس؟!"
سأله بقلبٍ ملتاع على صغيره ليرد عليه "يونس" بعدما تنفس بعمقٍ:
"أنا كبرت يا بابا لما عرفت اني لازم أخد بالي من تصرفاتي، كبرت لما عرفت اني مش هعرف اتعامل مع اللي بحبهم براحتي، مش هينفع اكلم نغم و لا زينة علشان أنا كبرت و كنت واخد عليهم، بس غصب عني أنا متعلق بيها"
_"هي ؟! هي مين فيهم؟!"
سأله "خالد" و هو يتصنع عدم الفهم، فرد عليه "يونس" بقلة حيلة:
"نغم يا بابا....أنا كنت صاحبها، كنت بفرح لما بتيجي عندنا، كلهم كانوا معاهم أخواتهم بس هي لأ، كانت هنا لوحدها، ليه مش هينفع أكلمها ؟! أنا مش هأذيها"
كان حديثه بريئًا للغاية فرد عليه "خالد" بعدما التفت له و وضع يده على كتفه:
"أنتَ مش هتأذيها بس علاقتك بيها هتأذيها، أنتَ في سن صعب، هو دا سن المراهقة اللي أنتَ داخل عليه، دوري أني أوجهك و أعرفك الإشارات اللي تمشي عليها، و أنتَ تختار، لما لقيناك أنا و ياسين متعلق بيها، خوفنا عليك، أنتَ صغير لسه و الكلام دا مش وقته، و هي كلها ٧ سنين شبر و نص مش فاهمة حاجة، فكراكم كلكم أخواتها، بس أنتَ مش عاوز كدا"
سأله "يونس" بلهفةٍ:
"ليه مينفعش ؟؟"
رد عليه "خالد" بعقلانية:
"علشان ربنا أمرنا بكدا، ينفع يسر اختك حد منهم يقرب منها و يبقى عاوز يلعب معاها و يشيلها ؟! ينفع عمر و لا زين و لا علي و لا فارس ؟!"
رد عليه "يونس" بسرعةٍ و غيرة فطرية يتميز بها الرجال:
"لأ طبعًا !! هي مش أختهم"
ابتسم له "خالد" ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"أنتَ قولت أهوه، هي مش أختهم، و نغم مش أختك، أنتَ بس جواك مشاعر ليها علشان هي علطول كانت معانا، كانت بتعيط و أنتَ تلعب قصادها و تطبطب عليها تضحك، لو عاوز ترتاح، أدي لكل حاجة وقتها، دا وقتك أنتَ، تفرح و تلعب و تخرج و تذاكر و تتصور و تلبس، دا سنك أنتَ، سيبك من نغم و سيبك من الكل، نغم هييجي وقتها الصح، و ساعتها النصيب هو اللي هيكرمك باللي نفسك فيه طالما رعيت ربنا فيه، و ابقى أسأل عمك عمار و هو يقولك"
عقد "يونس" ما بين حاجبيه فتنهد "خالد" بعمقٍ ثم قال:
"دنيا....أنتَ من يوم ما شوفتها و هي علقت معاك أنا عارف، لسه فاكر الجملة بتاعتك لما عرفت اسمها"
انتبه له "يونس" بلهفةٍ و سألت نظراته عن تلك الجملة، فيما تصنع "خالد" اللامبالاة ليسأله "يونس" بسرعةٍ:
"لا قول متهزرش علشان خاطري"
قلد "خالد" طريقته في صغره و هو يقول مثله تمامًا:
"نغم !! هي نغم و أنا يونس ؟!"
ضحك "يونس" بملء شدقيه على طريقه والده و هو يقلده و كذلك ضحك "خالد" فقال "يونس" من بين ضحكاته:
"أكيد مقولتهاش بالعبط دا"
رفع "خالد" حاجبيه و رمش ببلاهةٍ ثم سأله بتهكمٍ:
"أومال قولتها إزاي يا حكيم زمانك ؟!"
تنحنح "يونس" ثم نظر أمامه و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"نغم !! هي نغم و أنا يونس ؟!"
حاول جعل نبرته طفولية أكثر حتى ضحك عليه "خالد" و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
"قولتلها بطريقة أعبط من اللي أنا قولتها، جتك خيبة"
ضحك "يونس" بيأسٍ ففتح له "خالد" ذراعيه حتى ارتمى عليه "يونس" يحتضنه بعمقٍ بسعادةٍ و قال ممتنًا لوالده:
"شكرًا اننا اتكلمنا سوا يا بابا، أنا ارتحت أوي، أوعدك أني هتكلم معاك علطول"
رد عليه "خالد" و هو يربت على ظهره:
"أنتَ روحي و نصي التاني و حتة مني، أنا قلبي نور بيك، ربنا يحميك يا يونس و يبارك فيك"
رفع "خالد" رأسه ينظر أمامه ليقول بنبرةٍ جامدة:
"الله يكسفك يا ابن الرغاية !! قوم يالا بسرعة"
ابتعد عنه "يونس" منتفضًا بتعجبٍ من تغير والده الذي قال بقلة حيلة:
"أنتَ لسه هتبحلقلي ؟! السوبر ماركت قفل يا ابن الموكوسة"
شهق "يونس" و ركض خلف والده نحو الوجهة، فرد عليهما العامل:
"للأسف يا فندم، مواعيد العمل خلصت، تؤمروني بحاجة ؟!'
نظر "خالد" و "يونس" لبعضهما بنفس الطريقة و ما لبثا ثوانٍ حتى انفجرا سويًا في الضحكات بنفس الطريقة و كأنهما واحدٌ و انقسم لشطرين، حتى احتضن "خالد" ابنه و هو يضحك و الأخر مثله، فسأله "يونس" بحذرٍ:
"فكرني كدا قولت إيه لما شوفتها ؟؟"
_"نغم ؟ هي نغم و أنا يونس ؟!"
قالها "خالد" بنفس الطريقة الساخرة التي قلد بها ابنه، ليضحكان سويًا من جديد و كأنهما في حالة سُكرٍ.