رواية حصاد الصبار الفصل الاول
في أحد الأحياء الراقية بمدينة القاهرة يوجد عقار عريق بطراز كلاسيكي شامخا تحت شمس الظهيرة بينما توقفت حافلة مدرسية أمام بوابته المزخرفة. كانت الساعة تشير إلى الواحدة تماما عندما انفتحت أبواب الحافلة لينزل منها طيف صغير يضج بالبراءة.
غفران مصطفى المهدي طفلة ذات سبعة أعوام هبطت بخطوات بطيئة وهي ترتدي زيها المدرسي المرتب. كان شعرها الأسود الحالك يتمايل بخفة فوق كتفيها وبشرتها الحنطية تزداد دفئا تحت وهج الشمس. أما عيناها الواسعتان بلونهما البني العميق فقد حملتا براءة العالم مخفية خلفهما بريقا حزينا وكأنهما تعكسان ألما لا يناسب عمرها الغض.
أمسكت مشرفة الحافلة بيدها الصغيرة وسارت بها نحو بوابة العقار حيث وقف العم صالح الرجل البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما. كان صالح حارسا مخلصا للعقار بملامح بسيطة تعكس طيبة قلبه وسنوات خبرته في التعامل مع سكان البناية.
قالت المشرفة بنبرة روتينية وبابتسامة صغيرة
مساء الخير اتفضل حضرتك... غفران المهدي.
ابتسم العم صالح وهو يميل برأسه احتراما ورد عليها بحفاوة
مساء الخير... متشكرين لحضرتك ياست الكل.
ثم الټفت نحو غفران وفتح ذراعيه قائلا بود
تعالى ياغفران يا بنتي!
لكن غفران بخلاف عادتها كانت مطأطأة الرأس يلفها صمت ثقيل. أمسك العم صالح بيدها الصغيرة التي كانت باردة كأنما تحمل صقيعا داخليا. شعر بشيء غريب في ملامحها المفعمة بالحزن فتجعدت ملامحه قلقا.
اللاه! مالك يا غفران يابنتي شايلة طاجن ستك ليه حد زعلك في المدرسة ولا إيه
رفعت الطفلة عينيها العميقتين كبحيرة صامتة وسرعان ما لاحت دمعة حزينة تلتمع في زاويتهما. لكنها لم تنبس ببنت شفة ونكست رأسها مرة أخرى تاركة العم صالح يغرق في حيرته.
جثا على ركبتيه أمامها محاولا أن يكون في مستوى عينيها وأمسك كتفيها برفق وهو يقول بنبرة يملؤها الحنان
إيه ده بقى انتي مخاصمة عمك صالح ولا إيه انتي عارفة إني بحبك وانتي زي ياسر ابني الوحيد! آه ربنا ما رزقنيش ببنات بس أنا دايما بقول إنك بنتي. لو مش هتقوليلي مالك أنادي على زينب ساعتها بقى مش هتفصل لو شافتك زعلانة كده. ها أنادي عليها ولا هتقولي لعمك صالح الغلبان
لم تجب الطفلة سوى بسقوط دمعة ثقيلة انزلقت ببطء لتسقط على حذائها الصغير. هزت رأسها ببطء وكأنها تستسلم لصمتها الثقيل.
أطلق العم صالح زفرة طويلة وكأن قلبه انعصر حزنا على هذا الكائن الصغير. مسح دموعها بأنامله الخشنة برفق وقبل وجنتها بلطف. ثم أمسك يدها مجددا وصاحبها نحو المصعد مصمما على إيصالها إلى منزل والدها في الطابق السادس عله يجد هناك من يخفف عنها هذا الحزن العميق الذي لا يليق بطفلة في عمرها.
في منزل السيد مصطفى المهدي والد غفران الذي يضم أربع غرف خاصة وصالة واسعة كانت السيدة أحلام وهي في العقد الثالث من عمرها جالسة تستمتع بمشاهدة التلفاز قدما على أخرى وأمامها بعض المقبلات والمعجنات. فجأة دق جرس الباب فتنهدت بحنق وقالت
أوف! يعني اللي جاي دلوقتي بيخبط في أهم مشهد في الفيلم! حاجة تخنق.
نهضت مجبرة وفتحت الباب وابتسمت ابتسامة دافئة تحمل الكثير من الاشتياق قائلة
أهلا أهلا حبيبة ماما.
ثم احتضنتها بكل حنان وأكملت حديثها
ياروحي أنت وحشتيني! طول اليوم قاعده زهقانة من غيرك تعالي ادخلي يا قلب ماما.
أمسكت غفران بيد العم صالح لم تنطق بكلمة فقط كانت عيناها مليئتين بالحزن والخۏف وهي متشبثة في يد صالح كأنها تطلب منه ألا يتركها. نظرت أحلام في دهشة وقالت
اللاه! مالك يا فيفي في إيه يا حبيبتي
ثم أردف صالح بعفوية
مالهاش ولا حاجة يا ست هانم. هي بس داخت وإحنا طالعين من الأسانسير لو تشربيها كوباية لموناته هتبقي زي الفل مش كده يا غفران!
هزت غفران رأسها بالرفض ولم ترد. ابتسمت أحلام بحنان وقالت
يا روحي أنت! تعالي وأنا هعملك كل حاجة بتحبيها. يلا ادخلي مش حلوة وقفتنا على الباب كده.
نظرت لصالح وأكملت قائلة
شكرا يا صالح تقدر تروح أنت.
أطاع صالح أمرها محاولا فك قبضة غفران من يده حتى تركت يدها مستسلمة وهي تنظر إليه بنظرة تود أن تبقيه معها. ثم تحدث صالح قبل أن يغادر قائلا
لو حضرتك احتاجتي أي حاجة مني أو من زينب مراتي إحنا في الخدمة.
ابتسمت له وقالت
متشكرة ولو احتجت حاجة للبيت أكيد هطلب زينب. اتفضل انت على شغلك.
هز رأسه مبتسما داعب شعر غفران قليلا ثم تركهم وذهب إلى منزله في الطابق الأرضي. كانت زينب تعد الطعام لبعض نساء البناية كتعاون معيشة لتساعد زوجها الذي تزوجها بعد طلاقها من زوجها الأول وأخذ منها أولادها بالقوة. سمعت طرق الباب وعرفت أنه زوجها. ضحكت وهي تقلب الطعام وقالت
يوه جاتك إيه يسي صالح جيت على الريحة دلوقتي! هيفتكر إني عاملة المحشي ده لينا ههههه تعال يا خويا نصيبك في صينية المسقعة الحلوة دي.
مسحت يدها بقطعة قماش وذهبت لفتح الباب مبتسمة قائلة
يوه ما براحة على الباب ي صالح.
دخل صالح جلس على الأريكة وتناول بعض الماء ثم قال
وأنا أعمل إيه بس يا زينب ريحة الأكل بتاعك جابني على ملا وشي. وقلت ياااااه ياض يا صالح بيضالك في القفص النهاردة والليلة محشي! يسلااام.
ضحكت زينب وهي تجلس بجواره وقالت
هي مش بيضالك وبس دي كمان فقست كتاكيت ههههه. إنما نقول إيه! حلم الجعان عيش! قوم يا خويا قوم. اتوضى كده وصلي الضهر يكون ياسر رجع من المدرسة وأكون أنا جبت العيش وصينية المسقعة ونتغدى مع بعض.
لكن ابتسامته اختفت وقال بحسرة
إيه! مسقعة! يعني راحت كل أحلامي يا زينب!
ضحكت زينب وقالت
أحلام صالح البواب كلها متبخرة ههههه. بس بكرة تفرج وليك عليا يا يسي صالح يوم القبض ننزل السوق وأجيب الحلو كله وأعملك حلة محشي ليك لوحدك ونجيب البت غفران تاكل معانا.
تنهد صالح وقال
الحمد لله نعمة ورضا يا زينب. إحنا أحسن من غيرنا. وإن كان على الأكل فالبطن عمرها ما تشكر أبدا عاملة زي الڼار تقول هل من مزيد!
قالت زينب متفكرة وعبثا حاولت أن تصنع له ابتسامة وقالت
ربنا يكفيك شړ جهنم ويحرمها عليك وعلينا جميعا قادر يا كريم.
ثم مكنت الحزن من عينيها وقالت بصوت هادئ
بس مالك كده شكل بالك مشغول حصل حاجة من سكان العمارة
هز رأسه بالنفي وقال
مفيش حاجة غير بس اللي شاغل بالي... البت غفران !
مالها غفران يا صالح انطق! العقربة أحلام عملت لها حاجة
زفر صالح بحنق وقال
أنا مش عارف أنت حاطة الست دي فوق راسك وزاعقة ليه! الست طيبة وبتعامل غفران كأنها بنتها وأكتر. دي حنية الدنيا كلها فيها ناحية غفران.
لوت زينب فمها ساخرة من حديثه ثم نهضت لتقلب الطعام وأردفت پغضب
حنية الدنيا كلها فيها طيب اسكت اسكت أنت غلبان ومش فاهم حاجة. دي قرشانه دي حية من تحت تبن! يكش يخيل عليا الشويتين اللي هي بتعملهم قدامنا دول.
ضړب صالح كفا بكف وقال بقلة صبر
يا ولية! اتقي الله سيبي الست في حالها! أنت مش شايفة بتعاملها إزاي طيب أنا لسه نازل من عندها كنت بوصل البت واستقبلتها كأنها جايه من سفر! حرام عليكي بطلي ظلم. مش عارف بتكرهيها ليه
أغلقت موقد الغاز پغضب وألقت بالمعلقة بعيدا همت بالنهوض ووقفت أمامه غاضبة. فزع صالح من ملامحها الجادة وهمس قائلا
بسم الله الرحمن الرحيم سلام قولا من رب رحيم اهدي كده يا زوزو. ووحدي الله. بكفاكي نكد الله يكرمك.
اقتربت من وجهه غاضبة أمسكت خصلة شعرها وقسمت بها قائلة
وحياة مقصوصي الطاهر ده إن اللي بتعمله العقربة أحلام ده كله تمثيل في تمثيل! ده كفاية راعبه البت يا كبد أمها وبتلعب على جوزها سي مصطفى وبتمثل عليه إنها مرات الأب الحنينة! طب لما هي حنينة كده البنت متعقدة ليه ها اسكت اسكت بدل ما يبقى يوم ما يعلمه غير ربنا.
ابتلع صالح لعابه ثم قال
اللاه! وأنا مالي بس يا زيزي تنكدي عليا أنا ليه يستي حلوة لنفسها وحشة لنفسها ربنا يهديها وحدي الله كده واهدي.
زفرت زينب وجلست جانبه أدمعت عيناها بحزن وقالت
لا إله إلا الله بس أنا ست يا صالح ومتفهمش الست غير الست اللي زيها وكمان عندي عيلين وأبوهم منه لله خدهم وحرمني منهم. وأنا أكتر واحدة حاسة بالبت الغلبانة دي. أمها ماټت من تلات سنين وسابتها. سي مصطفى كان بېموت في ست نجوى الله يرحمها وكان حزن الدنيا كله جواه. وحاول يربيها لوحده لكن مقدرش البت عايزة رعاية برضه وهو كان مابين المصنع والبيت والمسؤولية. ومش راضي يسيبها عند أي حد من قرايبه. وعيلته من ناحية أبوه شرطوا عليه يتجوز هو برضه لسه صغير وجابوله أحلام دي. هي صحيح زي القمر شعر أصفر وعينين خضرا ومهتمة بنفسها بس قلبها جمر ڼار من الغيرة. وعمري ماهنسى أبدا أول شهر من جوازها لما شفتها بحبة عينيها دول وهي بتدلق على البنية ازازة مية متلجة يا قلب أمها! كانت لسه أربع سنين والبت كانت هتبوس على أيدي علشان منطقش بكلمه من اللي شوفته لابوها. واتحايلت عليها ليه يا غفران مش عايزاني أتكلم قامت البت تجري مني ومتردش! مش عارفه هي بتهددها بإيه ولا بتعمل لها إيه! والراجل غرقان في شغله ولما يرجع يلاقي اللي تتشك في نواضرها فرشاله الأرض ورد وتدلع وتهشتك غفران قدامه ست خبيثة! ربنا عليها! وانت تقولي حنية دي جبروت!
ربت صالح على ظهرها مواسيا ثم ابتسم وقال
مش يمكن اتغيرت يا زينب أنت قلت إنك شوفتها في أول شهر جواز وكانت لسه يدوبك عروسة يعني كانت عايزة تعيش سنها وتلاقيها كانت غيرانة وقتها. وبعد ما عاشت مع غفران أكتر من تلات سنين أكيد اتعلقت بيها واتغيرت مع العشرة. صدقيني أنا كل يوم أخد منها غفران بأيدي الصبح وتفضل توصيها إنها تخلي بالها من نفسها ومتلعبش مع حد غريب وتجيب لها كل حاجة هي عايزاها. يبقى أكيد اتغيرت.
تنهدت زينب ونظرت إليه بتمني وقالت
تفتكر يا صالح تكون اتغيرت واتعلقت بالبنية الغلبانه دي
ابتسم صالح وهو يشمر ساعديه استعدادا للوضوء وقال
أنا متأكد من كلامي مليون المية. ربك يهدي من يشاء. وإن شاء الله يهديها ويخلف ظنك بيها. قومي بس أنتي جهزي الغدا عشان ألحق شغلي. وشيلي الفكر ده من دماغك ست أحلام بتحب غفران زي بنتها اللي مخلفتهاش بالظبط وبتعاملها معاملة الملوك!
في منزل مصطفى المهدي كان الصمت المشوب بالضيق يعم الأرجاء إلا من صوت غفران الذي اخترق هذا السكون بصړاخ مرير مستغيثة من الألم وهي تقول بصوت مكسور
خلاص ياطنط والله مهعمل كده تاني سيبي شعري الله يخليكي.
قبضت أحلام على خصلات شعر الصغيرة بيدها بكل عڼف وكأنها تريد أن تمزقه من جذوره أسنانها مكتومة على بعضها البعض وهي تشد الشعر بقوة غاضبة. كلمتها كانت شديدة القسۏة كل كلمة تخرج منها كالسوط الذي يلسع قلب الصغيرة
ماسكه ايد صالح ومش عايزه تسيبيها! وبتبصي عليه ومش عايزاه يغور من قدامي! انتي عايزه تلمحي ليه ولا ياخد باله ولا يمكن بتفكري خليه يشك فيا من اللي بعمله فيكي! ولا يمكن بتفكري تتكلمي وحياة امك لو حد شم خبر بس وبالذات ابوكي! لا هعمل فيكي زي السنه اللي فاتت واكويكي بالن ار انتي ايه ياشيخه انتي واقفه في حياتي زي اللقمه في الزور لو مش حرام كنت خلصت منك من زمان! بس لو سمعت نفسك ونطقتي بكلمة واحدة هحبسك في اوضة الغسيل ومش هطلعك منها لحد ما تكوني مي ته واخلص منك ومن قرفك! انتي فاهمه يابت انتي!
هزت غفران رأسها بحركة خوف وذل مجبرة على الانصياع للأوامر جسدها يرتعد من شدة الخۏف ودموعها تنهمر كالسيل تملأ وجهها الذي يحمل ملامح الطفولة البريئة لكن هذه الطفولة لم تجد لها مكانا في هذا البيت المظلم. دفعتها أحلام بيدها إلى الأرض بقوة وكأنها قطعة من الخشب لا تستحق سوى أن تلقى بعيدا.
وفي تلك اللحظة تدفقت إلى ذهن غفران ذكريات تلك الغرفة المظلمة التي كانت تلقيها فيها أحلام كلما أغضبتها. غرفة الغسيل ذات الجدران المتسخة الباردة كأنها قطعة من الجليد حيث كانت تجبر على قضاء الليل على الأرض الصلبة بلا فراش تحاول أن تغفو وسط العتمة التي تخنق الأنفاس بينما أصوات الرياح بالخارج تضاعف إحساسها بالخۏف والوحدة. كان الظلام يلتهم كل زاوية في الغرفة ويجعلها تتمنى لو أنها لم تولد أبدا.
قطعت أحلام تدفق الذكريات بصوتها القاسې وهي تأمر قائلة
عشر دقايق وتغيري هدومك ومفيش اكل غير لما ابوكي يرجع من الشغل وعايزاكي قدامه تضحكي وتتكلمي كويس متبقيش ساكته زي الصنم كده بدل ما احرقك بالن ار وانتي مجربه وعارفه جاتك القرف ياشيخه ربنا ياخدك علشان استريح منك ومن قرفك بشكلك الغبي ده!
كلماتها كانت كالسكاكين تغرس في قلب الصغيرة لتتركها محطمة تماما. لكن أحلام لم تكترث فقد كانت مشغولة بمحادثاتها الهاتفية تغلق على غفران عالمها كله بينما كانت تلك الطفلة البريئة تقف أمامها تحتضن داخلها حزنا عميقا لا تستطيع أن تبوح به.
مسحت غفران دموعها بكفها الصغيرة جهدا منها للوقوف رغم الضعف الذي يحيط بها من كل جانب نظرت حولها پخوف شديد وكأن كل زاوية في الغرفة تخبئ لها مکيدة جديدة. كانت تحاول أن تكتم شهقاتها التي تعصر قلبها تخشى أن تسمع تلك النحيب لأحلام الطاغية التي تراقب كل خطوة منها. وبينما كانت تتنفس بصعوبة كان قلبها ېصرخ في صمت كان قلبها ېصرخ في جوفها مستغيثا بأبيها الذي كان يعيش معهم لكنه غارق في عالمه لا يرى ولا يسمع ما يحدث حوله. كان الأب موجودا جسدا ولكن روحه غائبة وكأنها كانت تتمنى أن لو كان يعرف ولو لمرة واحدة ما كانت تمر به. ظل قلبها يناجيه في صمت مستغيثة به تطلب منه أن يراها أن يشعر بما يعتصر صدرها من ألم لكنها كانت تعرف في أعماقها أنه في غفلة عن هذا الچحيم الذي تعيشه.
لم يكن أمامها إلا أن تغير ملابسها بسرعة خوفا من أن تكتشف أحلام الحروق التي تركتها چروح قديمة على جسدها بالقرب من ركبتيها. كانت تخشى أن يراها والدها وكان هذا الخۏف يلتهم روحها أكثر من كل شيء. لم يكن لديها شيء آخر تخفيه سوى تلك الندوب التي تذكرها دائما بمعاناتها.
بمجهود مضاعف وضعت ثيابها في الخزانة والدموع تملأ عينيها ثم خرجت من الغرفة بهدوء وتقدمت أمام أحلام. نظرت إليها ذليلة كأنها تؤكد لها أنها أطاعت أوامرها. كانت تحاول أن تظهر لها أنها قد فعلت كل شيء على أكمل وجه لكن أحلام التي لم تكترث أبدا لمشاعر غفران لوحت بيدها في ضجر قائلة
امشي من قدامي مش شايفاني مشغوله يا غبية.
غفران التي لم تجد أي راحة في هذا المنزل ذهبت إلى المرحاض وغسلت وجهها بسرعة محاولة مسح آثار دموعها التي اختلطت بالماء البارد. كان وجهها مليئا بالدموع التي تروي قصة ۏجع لا تسمع إلا من قلب صغير مهدم. خرجت من المرحاض وجسدها يرتجف من البرودة والخۏف عادت إلى غرفتها الصغيرة وجلست على فراشها المتواضع وكان كل شيء حولها يشهد وحدتها. فتحت حقيبتها المدرسية بصعوبة وكأن كل حركة لها كانت تكلفها وقتا طويلا في تلك اللحظات المظلمة. داخل الحقيبة كانت صورة والدتها التي فارقتها منذ زمن صورة من عالم لا تعرفه إلا ذكرياتها البعيدة. نظرت غفران إلى الصورة بحزن عميق وكأنها ترى في عينيها شيئا قد ضاع مع الزمن.
في عالمها القاسې كان كل شيء يبدو عكس ما كانت تحلم به. العالم الذي يعيش فيه الكبار يعصف بكل شيء جميل يقضي على أحلام الزهور الصغيرة قبل أن تفتح ويسلبها ريحها العطر ثم يجعلها تذبل حتى تسقط أرضا. ذبلت الزهرة الصغيرة وذهب بريقها الذي كان يلمع في عيونها حتى أصبحت مجرد ذكرى.
أمسكت غفران بالصورة بين يديها وعينيها ټغرق في بحر الذكريات. في قلبها كان هناك حديث طويل مليء بالأوجاع والأحلام التي تود لو تنطق بها لكن لسانها عجز عن إخراج الكلمات. لم تكن تعرف كيف يمكنها أن تروي ما عاشت من آلام أو كيف تشكو چرح قلبها الذي لا يراه أحد. ظلت تنظر للصورة كأنها تروي لها كل شيء وتنتظر منها العزاء كما لو كانت الأم ما زالت بجانبها. همس قلبها في صمت حزين يحمل بين طياته كلمات لم تجرؤ على قولها
لقد خذلني العالم يا أمي!
كان السيد مصطفى المهدي جالسا داخل مكتبه الواسع في مصنعه للملابس يحيط به الهدوء الذي يعم المكان. المكتب بسيط لكنه يعكس الذوق الرفيع مع ستائر ثقيلة تغطي النوافذ وأرفف خشبية مملوءة بأوراق ومستندات العمل. أمامه كان يجلس رجل في منتصف العمر يدعى محمود دويدار رجل ذائع الصيت في تجارة الملابس وعينيه اللامعتين تعكسان حماسه في الحديث. بجانب محمود كان يجلس ابنه الصغير يحيى الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره لكن كانت تظهر عليه علامات الجدية التي تبهر مصطفى وتجعله ينظر إلى الطفل بإعجاب.
في تلك اللحظات كان الجميع في صدد التفاهم على اتفاق تجاري جديد. بدأ مصطفى حديثه بثقة وهو يدير قلمه بين يديه
والله يا محمود باشا هو عرض حلو وبداية جميلة منك وكل حاجة لكن أنا مش عايز أضحك عليك وأقولك خلاص اتفقنا وهعملك الطلبيه! لأ أنا دايما بحب أشتغل صح. أنا أسبوع بالكتير هراجع البضاعة عندي في المخزن وأعمل جرد لكل القماش اللي عندي. ووقتها هبلغك بالكميات المتوفرة ونستعين بالله ونشوف قراركم النهائي إيه!
أجاب محمود وهو يبتسم برضا وكأنه قد سمع هذا الكلام من قبل
يا أستاذ مصطفى أنا جايلك على السمعة الطيبة وإنك ما شاء الله الحتة بتطلع من تحت إيد الخياط هنا في المصنع! فرز أول مفيش تي شيرت أو قميص رجالي رجع مرتجع ليك وده إن دل بيدل على نزاهتك والعاملين في المكان!
ابتسم مصطفى بفخر من الثناء الذي ناله على عمله وقال وهو يرد على كلمات محمود بحنكة واضحة
متشكر جدا ده من ذوق حضرتك ولازم نراعي ربنا في شغلنا صحيح رأس المال مهم لكن مراعاة الضمير أمر واجب. وعلى فكرة كمان أنا عايز أقول لحضرتك إني أعرف الحج دويدار شخصيا كويس قوي وجميع محلاته أسعارها في متناول الجميع.
أجاب محمود مفاجأ وقد تجلت علامات الدهشة على وجهه
إيه ده! يعني كمان كنت تعرف والدي الله يرحمه معرفة شخصية!
رد مصطفى بهدوء لكن بصوت يحمل فيه الكثير من الدفء والذكريات
طبعا أعرفه من زمان جدا. وانا صغير والدي الله يرحمه قبل ما يفكر يفتح محل صغير كده على قده كان دايما ياخدني ويجيبلي كل اللبس من محلات دويدار! وكان والدي زبون مستمر في المحل ونشأت معرفة بينهم.
قال محمود وهو ينظر إلى مصطفى بتفاؤل أكبر من ذي قبل
الله يرحمهم! طيب بما إن بقى إحنا طلعنا معرفة قديمة ياريت توافق وتعملي البضاعة المطلوبة. إحنا داخلين على موسم شم النسيم وعايز الحق أنزل بضاعتي في السوق قبل أي حد! وياريت متخذلنيش.
ابتسم مصطفى ابتسامة دافئة وهو يوجه حديثه إلى يحيى الذي كان جالسا بجانب والده كما لو كان يريد أن يشركه في القرار
طيب يا بني قولي أرد وأقول إيه لابوك! كده بيثبتي أني أوافق دوغري! أنت إيه رأيك
ضحك الأب محمود وقال وهو يحاول إضفاء جو من المرح على الموقف
لأ..! إن كان الرأي بقى ليحيى ابني يبقى نقول مبروك ولا إيه رأيك يا يحيى!
رد مصطفى مبتسما بعينين تتلألأ منهما المحبة للطفل
إيه ده أنت اسمك يحيى! اسمك جميل جدا يا يحيى عاشت الأسامي!
رد يحيى بصوت مليء بالبراءة والطموح رغم صغر سنه
متشكر يا عمو وإسم حضرتك كمان جميل جدا. بس ياريت تعمل لبابا الشغل اللي قال عليه! إحنا لازم ننزل بالبضاعة قبل كل الناس ده موسم.
ضحكا معا ثم قال مصطفى بابتسامة حانية
والله مانا مزعلك أنت شكلك طموح يا يحيى!
أجاب الأب محمود وهو يبتسم وهو يرى ابنه بهذا الحماس
طموح مين بس! ده مطلع عيني.
ابتسم مصطفى وقال
يسيدي ربنا يباركلك فيه هما متعبين آه لكن الأولاد دول نعمة كبيرة. ودلوقتي أنا مش هقدر أرجع في كلمتي مع الأستاذ يحيى دويدار صح كده!
ضحك الأب مجيبا بفرح
يحيى! يارب أشوفه حاجة كبيرة في المستقبل إن شاء الله.
أردف مصطفى قائلا بنبرة مليئة بالأمل
إن شاء الله. بص بقى يا أستاذ محمود...
لكن محمود قاطعه وهو يبتسم
أولا وقبل أي شيء بما أننا هنشتغل مع بعض نشيل الألقاب. إحنا في سن بعض تقريبا ولا ليك رأي تاني
ابتسم مصطفى وقال وهو يظهر مدى ارتياحه لهذا العرض
لأ طبعا دي حاجة تشرفني يا محمود. بس أنا عايز أسألك أنت عايز في حدود كام قميص رجالي وبنطلون علشان أحسب حسبتي وأكون عامل حسابي! واقولك على الخلاصة.
رد عليه محمود وهو يفتح حقيبته مستعدا للإجابة بكل دقة
والله يا مصطفى أنا هحتاج طلبية قميص وبنطلون في حدود مليون وزود عليهم تي شيرت بكل المقاسات مطبوع بنص مليون! يبقى كده الإجمالي مليون ونص وده مبدأيابس أهم حاجة عايزك تصمم لوجو جديد ويتخطف خطڤ من السوق. أنا عارف شغلك وكل ما هو جديد عندك أنت! قولت إيه
اتسعت عينا مصطفى من الفرحة بهذا المبلغ الضخم الذي سيشكل بداية مشواره الكبير لكنه حاول ضبط مشاعره قائلا بهدوء وهو يحاول تصور حجم العمل
أممم خلاص اتفقنا. إن شاء الله من بكرة هعمل جرد لكل القماش اللي عندي واسافر واكمل عليه. وأول ما يطلع معانا لوجو جديد ومناسب خلال الأسبوع ده أنا هتصل بيك فورا.
ابتسم محمود وهو يشعر بالاطمئنان الكامل على سير العمل
على خير الله.
وكانت تلك بداية التعاون بين مصطفى ومحمود خطوة مليئة بالأمل والمستقبل الذي يبدو مشرقا أمام الجميع.
في منزل السيد مصطفى المهدي.
دقت الساعة الخامسة مساء ورن هاتف أحلام فأجابته على الفور بصوت محمل بالحزن المصطنع.
عايز إيه! أنا مخصماك!
بينما كان مصطفى يجلس في السيارة بجوار صديقه رمزي الذي يعمل طبيبا وأصوات المحرك تملأ الطريق الهادئ ضحك ضحكة قصيرة وقال وهو ينظر من نافذة السيارة إلى الطريق الممتد أمامه
يسلام! مخصماني مرة واحدة! إنتي عايزاني أرمي نفسي قدام أي عربية دلوقتي
شهقت أحلام بقلق وقالت بسرعة
بس يا مصطفى متقولش كده! بعد الشړ عليك يا حبيبي أنا أصلا مقدرش أزعل منك ثانية واحدة.
ابتسم مصطفى وقال بهمس طفيف
وحشتيني يا أجمل أحلام في الوجود.
وأنت كمان وحشتني جدا! بس إيه اللي أخرك كده يا مصطفى
أجاب مصطفى بفرح
اتأخرت ڠصب عني كان عندي شغل كتير جدا. ده غير خبطة العمر وعندي ليكي خبر بمليون و.. هيغمى عليكي من الفرحة دلوقتي أنا عارف.
وقفت أحلام فجأة ودق قلبها بشدة عند سماع الرقم ثم قالت بدهشة
مليون ونص! قصدك إيه يا مصطفى أنا مش فاهمة حاجة.
لما أوصل هشرحلك كل حاجة ونكون على الغدا. المهم طمنيني على غفران عاملة إيه دلوقتي
جلست أحلام على طرف السرير وزفرت بصوت خاڤت ثم أجابت بحب مصطنع
يا روحي عليها! رجعت من المدرسة وذاكرنا شوية مع بعض. واتحايلت عليها تاكل حاجة قالت أبدا أنا هستنى بابا لما يرجع.
دق قلب مصطفى في اتجاه ابنته وأجاب بابتسامة
يا حبيبة قلبي البنت دي حنينة قوي يا أحلام علشان خاطري خلي بالك منها.
أحلام شعرت بالضيق لكنها قالت بابتسامة حزينة
وأنا يعني بهمل فيها يا مصطفى أنت كل يوم والتاني توصيني عليها وتأكد عليا كأني معذباها. ده ربنا وحده اللي يعلم إن غفران دي في قلبي وحبها اتولد في قلبي كده. أنا نفسي أجيب لها كل حاجة بس هي تحبني زي ما بحبها.
أجاب مصطفى بهدوء
يا حبيبتي أنا مقصدش حاجة. أنا عارف إنك مش هتهملي فيها. ده غير إن غفران بتحبك ودي لسه صغيرة متعرفش يعني إيه كره. وإن كنت بوصيكي عليها فده من واجبي كأب ليها ولأن قبل أي حاجة اللي مش هيهتم بغفران بنتي هيزعل مني جامد! دي بنتي الوحيدة وأنا معنديش غيرها. وأتمنى كلامي ما يضايقكيش في حاجة.
ابتسمت أحلام رغم الحريق الذي كان يشتعل في قلبها وقالت
خد بالك من كلامك لو سمحت. غفران بنتي أنا قبل ما تكون بنتك ماشي
ضحك مصطفى وأجاب بحماس
ماشي يستي. غفران بنتك إنتي. أوكي ودي حاجة تفرحني. واللي يحبها يبقى حبيب قلب حسين. وعشان متزعليش مني ليكي عليا أول ما أخد أول دفعة من الفلوسهاجيبلك العربية اللي كان نفسك فيها! شوفتي وقعتيني بالكلام إزاي!
اتسعت عيناها بشدة ودق قلبها فرحا ثم قالت وهي لا تصدق
عربية! أنت بجد هتجيبلي العربية يا مصطفى! يعني الفلوس دي...!!!
قاطعها مصطفى قائلا
أيوه يا أحلام الفلوس دي بالنسبالي خبطة العمر ونقلة تانية لينا. والعربيه دي أقل حاجة أقدمها لك لأنك بتراعي ربنا فينا أنا وغفران بنتي.
ثم توقفت السيارة في الإشارة واسترسل قائلا
بصي أنا هقفل دلوقتي علشان انا في عربية رمزي بيوصلني. إنتي عارفة إن العربية في التصليح. نص ساعة وهكون في البيت وياريت بقى الغدا يكون جاهز علشان واقع من الجوع تمام
هزت أحلام رأسها بفرحة عارمة وأغلقت الهاتف ولم تستطع التعبير عن فرحتها بالكلمات. قالت لنفسها
يااااه! أخيرا! أخيرا هيبقى عندي عربية! وأغيظ بيها صحباتي! واااااو بجد مش مصدقة! عربية بتاعتي أنا! ومليون ونص مش مصدقة بجد أنا هستنى على ڼار لما يحكيلي إيه هي الصفقة دي! أروح أشوف الزفته دي وأراضيها قبل ما مصطفى يرجع علشان ما تنكدش علينا فرحتنا... أووووف.
ثم ذهبت إلى حجرتها ففتحت الباب ورأت غفران نائمة على السرير بدون غطاء ومحتضنة صورة والدتها. للحظة رق قلب أحلام ولكن شيطان نفسها كان أكبر منها فأخذت الصورة ووضعتها على الكمود ثم حاولت إيقاظ الصغيرة.
وعندما فتحت عينيها كانت دموع غفران تسيل على وجنتيها. زفرت أحلام بحنق وضيق وقالت بصوت خاڤت
بنت كئيبة ما بتشبعش عياط. بجد زهقت منها. أعمل إيه يا ربي أنا بحب حسين جدا ونفسي أعيش معاه بحرية أكتر لكن البنت دي عقبة في حياتي! يا ربي خدها عندك وقتها هستريح وأعرف أعيش.
ثم أكملت منادية عليها بضجر
غفراااان! إنتي يا غفرراااان قومي يا زفتة إنتي! قوووومي!
استفاقت غفران فزعة خائڤة ودق قلبها من الړعب. تراجعت إلى الوراء محتضنة نفسها وصدرها يعلو ويهبط وقالت بترجي
والله ما عملت حاجة وسمعت كلامك يا طنط ومكلتش أرجوكي متحرقيش پالنار. والله ما عملت حاجة ولا قلت لحد حاجة ومش هقولك ماما غير قدام الناس وبابا وبس. أبوس إيدك بلاش تحبسيني في الأوضة أنا بخاف من الضلمة.
عندما رأت أحلام حالة الذعر والضعف في الصغيرة شعرت بالانتصار من خۏفها أمامها. ابتسمت ابتسامة خبيثة ثم مسدت على شعر غفران وقالت بحنان مغلف بالخبث
بس بس يا فيفي يا حبيبتي كلام إيه ده إللي بتقوليه أنا بس بعاقبك علشان تبقي شاطرة. بس أنا بحبك طبعا وليكي عندي مفاجأة حلوة كمان.
شهقت غفران بړعب وجسدها ارتجف من الخۏف.
واصلت أحلام حديثها
مش أنتي بتحبي زينب مرات البواب وياسر ابنها أنا هخليكي تقعدي معاهم وقت كبير. إيه رأيك
دق قلب غفران وكأنها أخذت حكم الإفراج عن حياتها ولو لدقائق قليلة ولكن انتبهت لبقية حديث تلك الأفعى وهي تكمل
بس بشرط! بابا بكرة هياخدني نتعشى برة البيت وأكيد هيقولك تعالي معانا. بس أنت بقى زي الشاطرة هتقولي لأ مش عايزة أنا هقعد مع دادا زينب! هااا سمعيني كده هتقولي إيه
خاب أمل غفران مجددا وأجابتها منكسرة
هقول مش عايزة أخرج يا بابا أنا عايزة دادا زينب.
ابتسمت أحلام وقالت
شاطرة يا فوفا حبيبة ماما. وإنا مهما اتحايل عليكي تيجي معانا تقولي بردو لأ. أنا عارفة إنك شاطرة ومش عايزة تتعاقبي وتاكلي الشطة ڠصب عنك صح يا فوفا
أمسكت غفران فستانها بقوة خۏفها وهزت رأسها بالموافقة ثم فكرت أحلام بسرعة لضمان نجاح خطتها. فتحت ذراعيها مشيرة إلى غفران وقالت
علشان أنت بتسمعي الكلام أنا مش هعاقبك ولا هاجي جنبك طول الشهر ده! وهعملك كل اللي إنتي عايزاه علشان تعرفي إني بحبك ويهمني مصلحتك. تعالي في حضڼ ماما ياروحي!
لم تصدق غفران ما سمعته للتو! هل هذا فعلا يحدث لا إهانة ولا تعذيب ولا ضړب ولا عقاپ طيلة هذا الشهر! وانتبهت على صوت أحلام وهي تكمل
إيه يا فيفي مش عايزة تيجي في حضڼي تعالي
قربي يا حبيبتي!
كانت غفران خائڤة خائڤة جدا ليكون هذا مجرد بداية لعذاب آخر. ابتلعت لعابها بصعوبة بالغة محاولة الإقتراب من أحلام وكانت متوجسة منها. اقتربت لمعانقتها ودقات قلبها تتسارع من خۏفها من العناق السام!
جذبتها أحلام داخل أحضانها مربتة على شعرها وهي مبتسمة فرحة للغاية بتلك الأخبار السارة. سيكون لديها سيارة خاصة وأموال طائلة ولديها زوج تحبه لكن العقبة الوحيدة كانت تلك الصغيرة. ولا بد من وضع خطة للتخلص منها!