رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل السابع عشر
لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
ضحك وهو يقف عن مقعده يتحرك من خلف مكتبه إلى الحائط الكبير المصنوع من الزجاجي أمامه وقف عنده ينظر للخارج على أضواء المدينة النائمة في سكون الليل ، حمقى ينامون في أسرتهم كالأطفال لا يعلمون ما يحاك تحت ستار الليل المظلم ، ففي الوقت الذي يغطون فيه في نوم عميق ، يخطط هو وأمثاله لنهاية الجميع فقرهم ، مرضهم ، وزيادة أرباحهم بأموال الحمقى النائمين ، انتبه حين دق هاتفه نظر لسطح الشاشة قبل أن يجيب ، فتح الخط فسمع صوت الجوكر يخبره بكل وضوح :
- بكرة بليل مار هتدخل البضاعة البلد ، وهنتقابل في المكان اللي بلغتك بيه عشان تاخد حصتك ، صحيح نسيت أباركلك على رجوع الحياة لقلبك يا وحيد
توتر وحيد عدة لحظات قبل أن يتنهد يجيب :
- أنت واثق أن مار هتقدر تدخل البضاعة
سمع صوت الجوكر يضحك قبل أن يردف يسخر منه :
- أنا بثق في مار أكتر منكوا كلكوا ، مار ذكائها يعلم الشياطين ، ما تقلقش عليها أقلق على نفسك عشان الظابط مش هيسيب مراته ، ما تنساش بكرة بليل
وأغلق الخط في وجهه ، أبعد وحيد الهاتف عن أذنه نظر لسطح شاشته يبتسم ساخرًا
__________
فتحت عينيها تتأوه من شدة الألم الصداع يكاد يفتك برأسها ، نظرت لسقف الحجرة تحاول أن تفهم أين هي ، أو ماذا حدث شيئا فشيء بدأ عقلها يسترجع ما حدث بالأمس ، كلمات زياد وهربها من البيت وذلك المدعو وحيد ، نهاية بفقدانها للوعي شهقت مذعورة هبت من الفراش ما أن قامت دارت بها الأرض احتاجت عدة لحظات لتتوازن قبل أن تقف من جديد تتحرك صوب الباب ما أن فتحته رأت أمامها ممر طويل ، أدركت أنها في قصر كبير تحركت تنزل السلم لأسفل تنظر حولها هنا وهناك تبلع لعابها متوترة بين حين وآخر ، ما أن باتت بالأسفل رأته يجلس على طاولة أمامها يتناول طعامه ابتسم كرجل مهذب ووقف ما أن رآها يتحدث :
- حمد لله على السلامة خضتنيني أوي امبارح ، المهم أنك بخير ، اتفضلي اقعدي نفطر سوى ، لسه بدري
تحركت ناحية متوترة خائفة أنفاسها سريعة الفكرة الوحيدة التي تحتل كيانها أنه يحتجزها هنا ، وأنه وليد ويخدع كما ظنت ، غص صوتها تهمس :
- أنا عايزة امشي من هنا ، أنت ليه جبتني هنا ؟
ابتسم من جديد رفع كتفيه لأعلى قليلا :
- اغمي عليكي إمبارح ما كنتش عارف أعمل ايه بصراحة فعشان كدة جبتك هنا ، تقدري تتفضلي طبعا أنا مش حابسك ، حابة تروحي مكان معين أوصلك
اضطربت حدقتيها تحرك عينيها على وجهه لا تصدق ما يحدث تشعر بخلل ما لا تفهمه ، انتبهت حين طلب منها بكل تهذيب :
- ممكن بس تقعدي تفطري معايا ، وبعدها أنا هنفذلك كل اللي تطلبيه ، اتفضلي
وبعدها تحرك إلى الطاولة يجذب أحد المقاعد للخلف ينظر لها يبتسم ، تحركت متوترة تجلس على المقعد لتشعر به يدفعه برفق صوب الطاولة وعاد يجلس مكانه وابتسم يتحدث بكل هدوء:
- في حاجة عاوز أقولك عليها ، أنا أول مرة شوفتك فيها في السوبر ماركت كنت عارف أنتي مين !
توسعت حدقتيها خوفا هبت واقفة تقبض على سكين الطاولة في يدها ، كفرصة أخيرة للنجاة منه ، وقف عن مقعده هو الآخر يرفع كفيه أمامه يطلب منها أن تهدأ :
- مدام حياة اهدي وهفهمك كل حاجة ، لما رجعت مصر وأنا بخلص كل الورق عشان استلم أملاك العيلة مصلحة السجون سلموني دفتر مذكرات لوليد ، كان كاتب فيه كل حاجة حصلت بينكوا ، وفي آخر كلامه كان وصية منه ليا ، إني أخد بالي منك ، وإني أكون جنبك دايما ، وإني أطلب منك تسامحيه على كل اللي عمله ، أنا حقيقي لما قرأت المذكرات كنت مصدوم ومقروف من بشاعة وليد ، وساعتها حمدت ربنا أني ما اتربتش معاه في نفس البيئة اللي كونت شخصيته المريضة دي ، وليد ما يستحقش السماح فمش هطلب منك تسامحيه ، بس لو تسمحيلي طبعا ، ابقى جنبك لو احتجتي أي مساعدة ، دلوقتي ممكن تقعدي تفطري
كم الكلمات التي خرجت من بين شفتيه بعثرت كيانها المبعثر من الأساس لم تجلس وإنما حمحمت تتحدث بنبرة حادة :
- وأنا مش عاوزة منك أي حاجة ، الحاجة الوحيدة اللي عوزاها أنك تبعد عن حياتي خالص ، مجرد رؤيتك بتفكرني بوليد وكل اللي عمله فيا
وتركته تتحرك بخطى سريعة صوب الخارج كانت تظنه سيمنعها ويحتجزها فأسرعت تهرول ولكنها خرجت ولم يعترض طريقها شيء ، تحركت إلى الطريق الرئيسي توقف سيارة أجرة ، تخبره بعنوان منزلها ، شقتها عش الزوجية التي تزوجت فيه هي وزياد قبل أن يسافرا لتلك القرية ، طوال الطريق لا يدق في أذنيها سوى كلمات زياد السامة ،وصلت السيارة أخيرا بعد طريق طويل ، لا تمتلك نقودًا حمحمت تخبر السائق :
- ثواني هطلع اجبلك فلوس من الشقة
وحين التفتت رأت زياد يقف أمامها ، دس يده في جيب سرواله يعطي للسائق نقوده ، فرحل الأخير وتركها تقف أمامه وجها لوجه ، أول من تحدث كان هو :
- اطلعي عشان نتكلم فوق
رغم أن نبرة صوته كانت هادئة للغاية ولكنها كانت تدرك جيدا أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، وأنه سينفجر من جديد ما أن يُغلق عليهما باب ، تحركت أمامه إلى شقتهم ، ابتسمت ما أن دخلتها يمر أمام عينيها سريعًا مقتطفات سريعة من حياتهم السعيدة معا هنا ، انتفضت حين سمعت صوت الباب يُغلق التفتت لزياد في اللحظة التالية ارتمت أرضا تشهق من شدة الألم ، حين هوى كفه على وجهها بصفعة للمرة الأولى في حياتهم ! ، لم يكتفي بل نزل إليها يقبض على مرفقها يرفعها عن الأرض يهزها بعنف يصرخ في وجهها :
- كنتي فييين ، أنتي إزاي أصلا تسيبي البيت وتمشي ، أنا بلف عليكي طول الليل ولما جيت هنا ما لقتش الهانم ، كنتي فين يا حياة ، أنتي مش هتبطلي بقى ، مش هتبطلي تتصرفي كأنك عيلة صغيرة عندها سبع سنين ، أنا زهقت وقرفت من دي علاقة ، إنما ما يوصلش بالهانم الحال أنها تسيب البيت وتهرب ، كنتي بايتة فين طول الليل يا حياة
كرهته ، كرهته حين رفع يده وصفعها ، حين شعرت بالخوف وهي تقف أمامه ، حين ظل يصرخ مكملا سيل كلماته السامة ، نزعت نفسها من يده ارتدت للخلف تصرخ فيه :
-اسكت بقى اسكت ، كفاية الكلام البشع دا ، أنا عارفة إني غلطت لما روحت للراجل دا ، بس أنا اتضحك عليا ، ما قدرتش أنت دا ، خرجت كل اللي في قلبك ، ما قدرتش استحمله ، ما قدرتش أعيش معاك بعد كل الكلام اللي أنت قولته دا ، عشان كدة سيبت البيت ومشيت ، أنا عارفة أنك تعبت كتير أوي معايا ، وشكرا لحد كدة يا زياد ، أنا مش هتعبك ولا هقرفك تاني ، أنا عايزة اتطلق مش عايزة ابقى مراتك لمدة دقيقة كمان
ظنت أن قلبه سيلين ، ربما يعتذر منها ولكن ما حدث أنه اقترب منها قبض على ذراعيها يصرخ فيها :
- أنتِ هتستعبطي ، هو نظام خدوهم بالصوت ولا إيه ، الغلط عندي أنا ، أنا اللي سيبتلك الحبل على الغارب ، لحد ما الهانم فجرت !! ، لحد ما الهانم ما بقاش ليا كلمة عليها
كل كلمة خرجت منه كانت بمثابة صفعة تنزل على وجهها لا تفهم ما به زياد ، ما الذي حدث له غيره بذلك الشكل ، نظرة عينيه فقط كانت غريبة مخيفة ، صرخت مذعورة حين قرب رأسه فجاءة من عنقها يلتهمه بشكل فج عنيف لم تعهده منه قبلا ، صرخت مذعورة تحاول دفعه بعيدًا عنها تتوسله ألا يفعل :
- لاء يا زياد عشان خاطري ، ابعد عني ، ما تعملش زيه يا زياد ، أرجوك أبوس إيدك
ولكنه لم يستمع بل دفعها بعنف إلى أرض الحجرة سقطت على ظهرها أرضا تنظر له مذعورة تزحف بجسدها للخلف مرتعبة خاصة حين سمعته يتحدث يتوعدها :
- أنا هعلمك تحترمي جوزك إزاي
واقترب منها في لمحة ، صرخت حين قبض على جسدها ، صرخت حين شق ثيابها بكل بعنف ، صرخت حين تجسد أمام عينيها حادثة اغتصاب وليد لها ، صرخت والمشاهد تتابع وهو ينتهك جسدها بلا أدنى ذرة رحمة ، تركها بعد أن اكتفى ملقاة أرضا ما يخرج منها ليس سوى دمعات بطيئة خائفة رأته يقف يعدل ثيابه نظر لحالها قبل أن يردد بنبرة جامدة فارغة من الحياة :
- أنتي طالق !
لم تؤثر كلمته بها فقد استفزها حتى باتت خاوية من أي مشاعر ، تركها وخرج من البيت ، تركها عارية ممدة أرضا ، عينيها منطفئة ، شفتيها ترتجف ، كل ما فعلته أنها أغمضت عينيها تتمنى أن يكن كل ما حدث ليس سوى كابوس وسينتهي حين تستيقظ !
_____________
وليل كموج البحر أرخى سدوله ، عليا بأنواع العذاب ليبتلي
منذ ما حدث بالأمس وهو هائم الوجه لا يعرف حتى أين هو ، كل ما يعرفه أن قدميه تتحرك دون توقف ، أحيانا يركض وأخرى يهرول ، وأحيانا أخرى يجر ساقيه جرا وكأن قلبه فرغ تماما من كل المشاعر ، لم يعد يرغب في أي شيء ، أراد فقط أن يُغلق باب غرفته عليه ويظل فيها إلى أن يموت انتبه فجاءة حين شعر بيد أحدهم تُمسك بكتفه ، لف رأسه فرأى جبران، وأدرك أنه يقف عند المقابر أمام قبر والده ، تحدث جبران يحاول أن يقول شيئا ليواسيه :
- حسن ، زياد قالي على اللي حصل ، أنا من امبارح قالب عليك الدنيا ، إنت اتسرعت أوي يا حسن ....
لم يدعه حسن يُكمل بل رفع يده يضعها أمام شفتيه يتحدث بنبرة فارغة تماما :
- هششش ما اسمعش صوتك ، إنت مين أصلا عشان تقولي اتسرعت ولا ما اتسرعتش ، ما حدش ليه دعوة بحياتي ، فاهم ما تديش نفسك أكبر من حجمك ، أنا هنا الظابط مش أنت
عقد جبران جبينه مستنكرًا ما يقول وقبل أن يفتح فمه ينطق بحرف أردف حسن يتحدث متضايقا :
- دا لسه هيتكلم تاني ، هو أنت ما بتفهمش ، مش كفاية المهمة متنيلة على عينيها بسببك ، سايبين المشكلة الرئيسية ، وقاعدين نفض خناقات الضراير ، ولا عارفين نجيب معلومة ولا عارفين نهبب أي حاجة ، أقولك أنا ماشي حلها لوحدك ، أنا خلاص زهقت ، أنا ملياردير
معايا فلوس الراجل اللي عذبني سنين ، استفيد بيها بقى ، يلا طريقك أخضر كمل المهمة لوحدك
توسعت حدقتي جبران ذهولا خاصة حين تحرك حسن يغادر ، أسرع خلفه يحاول اللحاق به يحادثه مصعوقا :
- حسن أنت اتجننت هتودي نفسك في ستين داهية ، إنت فاكرهم هيسموا عليك ، ارجع يا حسن وبطل جنان
ولكنه لم يلتفت بل أكمل طريقه إلى أن اختفى من أمام أعين جبران ، وقف جبران حائرا لا يعرف ما يفعل ، انتبه على حركة خلفه ورأى ظل يهرول يبتعد ، هنا أدرك أن هناك من كان يراقبه ، هرع يحاول أن يصل للشخص الذي كان يراقبه ولكنه لم يرى شيئا ، تنهد قلقا في اللحظة التالية دُق هاتفه برقم عمر ، ما أن أجاب سمعه يتحدث بنبرة سعيدة :
- معلم جبران وحشتني يا سيد المعلمين ما تقلقش أنا سادد مكانك أنت والمعلم حسن ، عرفت أن المعلم حسن رجع القاهرة أكيد مشغول ، أنا جايلك بكرة يا معلم ، مع ألف سلامة
أغلق الخط وفهم الرسالة ، عمر سيحل محل حسن ، لم يكن قلقا في تلك اللحظة سوى من أمرين ، حسن وما سيحدث له أثر ما فعل ، وذلك الشخص الذي كان يتجسس عليهم!