رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل السادس عشر
لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
جلست وتر جوار نافذة الغرفة تتطلع للخارج قلقة مما سمعت بالأمس من ابنتها ، حركت عينيها صوب كايلا النائمة في سكون كملاك صغير ، تود أن توقظها وتصرخ فيها أن تخبرها بالحقيقة ، لم تذق للنوم طعما منذ الأمس ، تلك ليست مصادفة للمرة الثانية تنطق كايلا اسم سفيان ، تقسم أنها لم تنطق باسم سفيان أمامها أبدًا ، تنهدت بحرقة تغرز أصابعها في خصلات شعرها تكاد تنصهر من القلق ، حين فُتح باب الغرفة ودخل جبران يحمل في يده كوب شاي وصحن عليه عدة شطائر وضعهم أمامها على الطاولة قبل أن يجذب مقعد التصق بها كوب وجهها بكفيه يحاول أن يهدئها :
- وتر ممكن تهدي ، أنا وريت سعد صورة سفيان وقال إنه مش نفس الراجل اللي هما شافوه إمبارح ، كايلا ما تعرفش سفيان ، وأبوكي ما صحيش من موته عشان يظهر لكايلا يعني
اضطربت حدقتيها حائرة قلقة كلام جبران صحيح ولكنها حقا لا تفهم كيف ترى كايلا سفيان ، انتبهت حين أردف جبران يقول يهدئها :
- بصي يا وتر تعالي نحلل اللي حصل ، أنتي بنسبة 99 في المية جبتي سيرة سفيان وأنتي بتتكلمي وكايلا سمعت الاسم ، فاكرة المرة اللي فاتت لما كنا بنتخانق وكايلا قالت وقتها كنت بكلم جدو سفيان ، ردك فعلك أنك ركزتي أوي معاها ودا اللي كايلا عيزاه زي أي طفلة عايزة مامتها مركزة معاها ، واللي حصل اليومين اللي فاتوا أنك ما كونتيش مركزة معاها خالص ، ودا خلاها تشاور على أي راجل ماشي في الشارع وتقول جدو سفيان عشان تلفت انتباهك بدليل إني زي ما قولتلك وريت صورة سفيان لسعد وقال لاء مش هو ، فاهدي بالله عليكي وما تتوتريش ، صدقيني ما فيش حاجة ، ممكن بقى تروحي تنامي ساعتين أنتي من امبارح وأنتي صاحية من القلق
كلمات جبران منطقية مرتبة لحد كبير ولكنها لا تزال تشعر أن هناك خطب خاطئ ، شهقت حين باغتها جبران وحملها بين ذراعيه بخفة يتحرك بها إلى الفراش وضعها برفق جوار كايلا يجذب الغطاء يدثرها به ، انحنى يلثم جبينها بقبلة صغيرة يبتسم يحادثها مترفقا :
- نامي يا وتر ، ما تقلقيش من أي حاجة طول ما أنا موجود يا حبيبتي
ابتسمت تومأ برأسها قبل أن تغمض عينيها في لحظات كانت تغط في النوم ، خرج من الغرفة يجذب الباب خلفه يُغلقه عليهم ، رأى أمنية تقف أمامه ترميه بنظرة عتاب طويلة ، قبل أن يعلو ثغرها بابتسامة ساخرة تردف تتهكم منه :
- عمري ما كنت أتخيل أني أشوفك في يوم بالحنية والتفهم دا ، يا ريتك كنت فقدت الذاكرة من زمان
وتركته ونزلت فعرف أنها كانت تراقبه ورأت ما حدث بينه وبين وتر ، تنهد يمسح وجهه بكف يده لا وقت لديه ، تحرك إلى غرفة حسن دخلها يقترب من حسن يهمس سريعا :
- اسمع ، رزق متفق مع دجال أنه يفتحله مقبرة بس الدجال دا بيقوله أنه يوم إكتمال القمر هيقوله نوع الأضحية ، مش فاهم أنا ما يضحوا بمعزة ولا خروف ، بس طبعا لازم الدجال يعمل الشويتين دول ، المهم وصلت إيه
أقترب حسن منه يهمس له بصوت خفيض :
- رزق هيستلم شحنة سلاح جديد قريب بس لسه الميعاد هيعرفه قبل التسليم ، تعرف تبقى ضربة معلم لو كان فتح المقبرة وتسليم الشحنة في يوم واحد ، رزق مش هيعرف يعمل الاتنين فنسبة 90 في المية هيبعتك أنت ، تستلم الشحنة ، ونقبض عليك مع التجار من ناحية وعلى رزق من الناحية التانية وكدة تبقى القضية متقفلة
______________
دخلت بصحبة والدتها لبيت ذلك الشيخ المدعو جابر طلب منهم أن يدخلوا الغرفة المقابلة وفعلت ، جلست أرضا على وسادة وجلست والدتها جوارها
تحركت حدقتي أمل رعبا تنظر حولها هنا وهناك تجوب عينيها أنحاء غرفة الشيخ المزعوم المدعو جابر ، ابتلعت لعابها تسارعت دقات قلبها حين رأته يدلف للغرفة يحمل بين يديه كوب به مادة حمراء وضع الكوب أمامها وأخذ ورقة صغيرة وقلم ، وبدأ يكتب عدة أحرف مبعثرة على سطح الورقة قبل أن يطويها إلى أن أصبحت في حجم عقلة الإصبع مد يده لها بالورقة يطلب منها بصوت أجش :
-ابلعيها بالماية اللي في الكوباية دي
ارتجف كف يدها تمد يدها مترددة في أخذها فلكزتها والدتها أن تسرع ، أخذت الورقة منه وضعتها في فمها تبتلعها ولكن ما في الكوب لم يكن مياه أبدا ، كان شيء غريب لزج طعمه مقزز بشع ما أن دخل لجوفها لم تستطع منع نفسها من أن تتقيء انتفض جسدها تخرج كل ما في جوفها ، في اللحظة التالية شعرت بجابر يقف خلفها يُمسك برأسها قبل أن يحادث والدتها بنبرة قوية :
-اطلعي برة يا سيدة ، اللي على بنتك عمل سفلي شديد واللي عملاه الست اللي اسمها نحمده
توسعت حدقتي أمل فزعا ، تنظر لوالدتها تترجاها ألا تغادر تشعر برأسها يلتف بعنف وجسدها يثقل ، ولكنها سمعت صوت والدتها وهي تحادثه بنبرة حادة :
- أنا مش هسيب بنتي يا شيخ جابر ، أنا لا بخاف من جن ولا من عفاريت ، أنا بخاف على بنتي
ابتسمت تشعر ببعض الارتياح والصورة أمام عينيها تزداد تشوشًا سمعت صوت ذلك المدعو جابر يتحدث بصوت عالي غاضب :
- خلاص يبقى خدي بنتك وامشي ، حلك مش عندي ، اللي يدخل محرابي ينفذ كلامي ، وأنتِ لو ما كنتش عارفة وواثقة أن حل مشكلتك عندي ما كنتيش قطعتي الطريق دا كله وجيتيلي يا سيدة وسيبتي جوزك القعيد لوحده
توسعت حدقتي سيدة ذهولا فلاحت ابتسامة ساخرة على شفتي جابر يردد ساخرًا :
- أنا أعرف كتير أوي يا سيدة أكتر مما تتخيلي ، علمي يفوق فهمك ، عشان كدة يا سيدة يا تخرجي برة وتسيبني أخلص شغلي ، يا تاخدي بنتك وتمشي
اضطربت حدقتي سيدة قلقة ، شعر بالخوف من ترك ابنتها بمفردها معه ، ولكن فكرة العودة وهم خالي الوفاض لن تحدث ، نظرت لأمل التي بالكاد تفتح مقلتيها ابتلعت غصتها تجر قدميها جرا للخارج ، تنظر لابنتها قبل أن يصفع جابر الباب في وجهها لف رأسه إلى أمل تتحرك عينيه على جسدها شبر بشبر الجميلة إبنة مجدي صديقه القديم ، تحرك ناحيتها مد يده يحرك كفه على وجهه نزولا إلى رقبتها ، رفعت يدها بصعوبة تحاول دفع يده تهمس بنبرة خافتة واهنة :
- ابعد عني
ضحك جابر بخفة مد يده ينزع عنها حجابها في لحظة شهقت مرتعبة خرج صوتها ضعيفا تهمس باسم والدتها علها تنجدها ولكن صوتها لم يتعدى بضع بوصات قليلة ، في حين ألصق جابر أنفه بخصلات شعرها يشتمها ارتسمت على شفتيه ابتسامة قاتمة يهمس ساخرًا :
- مش هتسمعك يا أمولة ، ما حدش هنا غيري عمو جابر بس اللي هنا ، ما تعرفيش أنتِ غالية عندي إزاي ، مرات الغالي صاحب جوز بنتي حبيبتي ، حسن سبع الرجال مش عارف يحمل مراته
أشتد بها الدوار صوته يصل لعقلها مشوشًا لا تفهم أغلب كلماته ولكنها تشعر بيده تمتد على جسدها تحاول دفعه بعيدًا ولكن يدها متدلية جوارها ترفعها بصعوبة ، آخر ما سمعته كان صوته يضحك وصوت طرقات
عقد جابر جبينه غاضبا من الأحمق الذي قاطعه قبل إلتهام وجبته ، خرج من الغرفة يغلق بابها ، انتفضت والدة أمل تنظر لباب الغرفة قلقة فأشار لها يتحدث غاضبا :
- خليكِ مكانك ما تدخليش ، أما أشوف مين اللي جاي دلوقتي
تحرك يفتح الباب وحين فعل توسعت حدقتيه ذهولا للحظة قبل أن يضحك بخفة يضرب كفا فوق آخر :
- دول الحبايب كلهم متجمعين ، ادخلي يا حياة
توسعت حدقتي حياة ذهولا تنظر له خائفة فمالت روحية عليها سريعا تهمس لها :
- مش قولتلك يا ست حياة إن الشيخ جابر واصل ويعرف كل حاجة ، تعالي ندخل
توترت تشعر بأن ما تفعله كارثة ، ابتلعت لعابها قبل أن تخطو للداخل ما أن فعلت وجدت نفسها أمام والدة أمل زوجة حسن صديق زياد
اقتربت حياة من والدة أمل تنظر إليها مدهوشة تسألها :
- هو حضرتك بتعملي إيه هنا يا طنط ؟
توترت سيدة حين رأت حياة أمامها ، ابتلعت لعابها تحاول أن تقول شيئا :
- ما فيش دي أمل بس تعبانة شوية وكنت جيباها للشيخ جابر يرقيها ، أنتِ جاية ليه ؟
تطوعت حورية تُجيب بدلا عنها :
- الست حياة بردوا جاية للشيخ جابر يرقيها دا شيخ بركة والناس كلها بتجيب في سيرته بالخير
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي جابر ينظر إليهم متهكمًا ، وجبتين في يوم ما ! وكلتاهما زوجتا ألد أعدائه ، ما يحدث أكثر من جيد دون أدنى تخطيط منه
أقترب منهم ابتسم يتحدث بكل هدوء :
- اتفضلي اقعدي يا مدام حياة مش هتأخر
ودخل للغرفة من جديد ينظر لأمل التي غابت عن الوعي تماما ، ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيه يحرك لسانه على ثغره ، مد يديه ليخلع جلبابه ألقاه جانبا يتحرك إليها جلست على ركبتيه جوارها يبتلع لعابه مشتهيًا إياها ، مد يده إلى ثوبها أمسك به يرفعه كاد أن يخلعه عنها حين تعالت دقات عنيفة على باب منزله ، تلك ليست دقات زائر أبدا هب واقفا يرتدي جلبابه حين خرج من الغرفة وقبل أن يُغلق بابها رأى أمامه أحد العساكر كسر الباب تنحى العسكري جانبا وظهر زياد ! ، ولكنه لم ينظر إليه بل تحركت عينيه سريعًا صوب حياة الصدمة التي ارتسمت على وجهه لرؤياها هنا أعجبت جابر كل ما يحدث ، تحرك زياد صوب حياة ينظر إليها مصعوقًا قبض على رسغ يدها يصرخ فيها :
- أنتِ بتعملي إيه في بيت الراجل دا ، أنتِ اتجننتي إزاي أصلا تعملي كدة ، مش هتعدي يا حياة ، مش هتعدي أبدا
لم تجد ما تقوله فقط اضطربت حدقتيها وارتعشت الدموع في عينيها ليس خوفا منه بقدر شعورها بأنها فعلا فعلت كارثة ، هنا حرك زياد رأسه صوب والدة أمل وتعرف عليها توسعت حدقتيه هو يعلم أن حسن وجبران في إحدى البلاد المجاورة القريبة ، تحرك صوب سيدة يسألها :
- وأنتِ بتعملي إيه هنا أنتِ كمان يا ست سيدة ؟
لم تجبه ، فتحرك زياد سريعًا صوب جابر قبض على تلابيب ثيابه يدفعه صوب أحد العساكر يدخل للغرفة التي كان يقف عندها ورأى أمل كما توقع ، ولكنه لم يتوقع أن يراها فاقدة للوعي ! ، لف رأسه إلى جابر يصرخ فيه :
- عملت فيها إيه ؟! ، دا أنت يومك أسود من العفاريت بتوعك ، ارموه في البوكس
وتحرك إلى الداخل ، يحمل أمل بين ذراعيه خرج بها من الغرفة فشهقت سيدة ما أن رأت ابنتها تضرب بكف يدها على صدرها تهمس مذعورة :
- يالهوي بنتي
نظر زياد إليها مستهجنًا ، حرك رأسه لمساعده يطلب منه :
- اتحرك بالبوكس وأنا هاجي وراك
نظر زياد صوب أمل يطلب منها بعينيه أن تلحق به وفعلت سريعا تاركة حورية تقف تنظر في أثرها ساخرة شامتة ، تحرك زياد لسيارته يضع أمل على الأريكة الخلفية أسرعت سيدة تجلس جوار ابنتها ، في حين جلست حياة بالإمام ، ابتلعت لعابها لفت رأسها لزياد تسأله :
- هو إحنا هنروح فين
انفجر زياد في تلك اللحظة ضرب المقود بكفيه لف رأسه لها يصرخ فيها :
- هنروح القسم يا هانم ، لأننا طالعين في محضر ضبط للدجال ، والمخبر قالنا أن في كذا واحدة عنده ، ورايحين نمسكه متلبس ، أنا مش فاهم إنتِ ازاااي تعملي حاجة زي دي ، وأنتِ يا ست سيدة ارتاحتي لما وديتي بنتك عند دجال ، حسن هيقلب الدنيا على دماغ الكل لأن أنا لازم أقوله
أدار محرك السيارة ينطلق بها أخرج هاتفه من جيب سترته ييحث عن رقم حسن إلى أن وجده ، طلب الرقم يضع الهاتف على أذنه انتظر عدة لحظات إلى أن أجاب الأخير فبادر يقول :
- ايوة يا حسن ، بقولك تعالي قسم ***** في البلد اللي جنبكوا ، لاء مش خير يا حسن ، لما تيجي هتعرف
وأغلق معه الخط ينظر لحياة كل ذرة به تغلي غضبًا
____________
آخر ما رأته كان ذلك المدعو جابر وهو يمد يده عليها يحاول لمسها ، آخر ما سمعته كان صوته وهو يقل عدة كلمات لا تتذكر منها شيئا ، ولكنها شعرت بأنفاسه قريبة للغاية وكأنه كان يلصق جسده بها ، اخترق أنفها رائحة نفاذة قوية ، جعلت عقلها يصحو ، فتحت عينيها تتأوه متألمة شيئا فشيء بدأ الضباب يختفي والصورة تصبح أكثر وضوحًا ، ورأت أمامها مباشرة حسن !!
رؤية حسن كانت أشبه بصفعة أيقظتها بالكامل ، انتفضت تنظر حولها خائفة اكتشفت أنها كانت ممددة على سطح أريكة في مكتب ما ، والدتها ليست هنا ، الشخص الوحيد في الغرفة غيرها هو حسن ، حاولت ألا تنظر لوجهه ولكنها فشلت في ذلك ، ما أن رفعت عينيها إلى وجهه شعرت بالذعر من نظرات عينيه الغاضبة ووجهه المنقبض الغاضب ، رأته يقترب منها خطوة ولم يخرج من بين شفتيه سوى كلمة واحدة:
- ليه ؟
سؤال بسيط يحتاج لإجابة ، ولكنها تعرف أن أي إجابة ستقولها ستزيذ غضبه إشتعالا ، تنهدت متوترة تعض شفتيها ، ابتلعت لعابه تحاول أن تبرر بأي شيء :
- هي ، ماما اللي زنت عليا ، وأنا نفسي في طفل يا حسن
وكما توقعت ما قالت جعله ينفجر ، أقترب منها في لمحة قبض على ذراعيها يرفعها عن الأريكة لتقف أمامه يصرخ فيها :
- مرة ماما ومرة وتر ، أي حد بيقولك اعملي أي حاجة بتعمليها ، بتمشي وراه زي العامية ، لكن الحمار اللي أنتِ متجوزاه ما بيتسمعلوش كلمة ، أنا قبل ما أسافر قولتلك كاااام مرة ما تسمعيش كلام أمك ، ياريتها بتقولك حاجة عدلة ، ياريتها رايحة بيكي لدكتور ، دي مودياكي لدجال يا أمل هانم ، أنتِ عارفة الكلب دا كان ممكن يعمل فيكي إيه ، زياد لقاكِ مغمي عليكي في أوضة لوحدك كان الكلب دا فيها ، مشيتي ورا أمك لحد الدجالين والمشعوذين ، قولتلك مش عايز عيال مش عايز زفت ، لسه نصيبنا ما جاااااش ، لكن ازاااااي حسن الوحش الشرير عايز يحرمك من الخلفة ، تعالي نروح لدجال أنتِ أكيد معمولك عمل ، أنا قولتلك لو اتصرفتي من دماغك حد تاني هيبقى كل اللي بينا انتهى ، أنتِ طالق يا أمل !
اتسعت حدقتيها ذهولا خرجت شهقة عالية من بين شفتيها ، حين ترك ذراعيها تهاوت على سطح الأريكة خلفها تنزل دموع عينيها بحرقة ، تركها يتحرك للخارج فهمست باسمه سريعا :
- حسن ، لاء أرجوك ، أنا آسفة
أمسك بمقبض الباب لف رأسه إليها فرأت عينيها حمراء يكافح حتى لا يبكي ، غص صوته يهمس متألما :
- لاء يا أمل ، لاء ، أنتِ خلتيني أحس أن كمال لسه عايش ، الغضب اللي حسيت بيه لما عرفت اللي عملتيه ، كان مخليني عايز أضربك ، عايز أكسر كل عضمة في جسمك زي ما كان كمال بيعمل مع جميلة ، بس أنا ما أقدرش أعمل فيكِ كدة ، وما أقدرش أعيش معاكِ بعد كدة ، أنا كل اللي طلبته منك ، ما تمشيش ورا حد ، ما طلبتش حاجة كبيرة يا أمل ، فكرك أنا كمان مش نفسي أبقى أب ، نفسي ويمكن أكتر منك 100 مرة ، بس أنا مستني وصابر ، أنا مش مسامحك يا أمل ، أنتِ كنتي كل حاجة في حياتي أنا ماليش غيرك في الدنيا ، ودلوقتي رجعت وحيد منبوذ من الدنيا كلها تاني ، شكرًا
وفتح الباب وخرج أغمض عينيه يحاول ألا يبكي ، رأى زياد يخرج من المكتب أمامه مباشرة رفع يده يضعها على كتف حسن يشد على كتفه يخبره بالآتي :
- هون على نفسك يا حسن ، أمها اللي زنت عليها ، هي مالهاش ذنب ، المهم دلوقتي إحنا مش هينفع نعمل محضر ، عشان أنت عارف لو اتعمل محضر هتيجي أسامي أمل وحياة وحماتك في المحضر ، أنا هحجزه كام ساعة يتربى وأخرجه بس هيفضل تحت عينيا
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي حسن يحرك رأسه لأعلى وأسفل يعرف أن زياد الواقف أمامه على وشك أن ينفجر هو الآخر
تركه وخرج من القسم دون أن ينطق بحرف واحد دون أن يعرف حتى أين سيذهب
__________
جلست على الأريكة في منتصف الصالة تضم قدميها لها متوترة ، زياد جعل مساعده يوصلها للبيت وها هي تنتظره منذ عدة ساعات ولم يأتِ بعد ، تلوم نفسها ألف مرة لأنها وافقت على اقتراح حورية ، الفتاة لا ذنب لها هي فقط أرادت مساعدتها ولكن العكس هو ما حدث
نظرت لساعة الحائط الخامسة موعد عودته ، لفت رأسها سريعا صوب الباب حين سمعت صوت مفتاحه ، لحظات ورأته يدخل متجهم الوجه مقطب الجبين غاضب بشكل لا يُوصف
ابتلعت لعابها ووقفت عن مكانها ، تحاول أن تبادر لتفهمه :
- زياد اسمعني بس ، الحكاية وما فيها أن أنا سمعت أن الراجل دا راقي ، بيقول الرقية الشرعية فأنا قولت أروحله ، ما أعرفش أنه دجال والله
تحرك إليها وقف أمامها ينظر لها لعدة لحظات قبل أن يبتسم ، ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه قبل أن يتنهد يردد يائسا :
- أنا زهقت يا حياة بجد زهقت ، زهقت منك ومن العلاقة كلها ، لازم دايما أكون أنا الحذر أنا المتفاهم ، أنا اللي بطبطب ، كل مرة بلمسك فيها بحس إني بعمل جريمة في حقك مع أنه حقي ، ولازم بعد كل كدة أنا اللي أعتذر ، لو قولت كلمة واحدة ما عجبتش حياة هتعيط وتقلب الدنيا وتزعل ، حورية هانم اللي أنتي متمسكة بيها وزعلتي أوي أني مشيتها وعشان خاطرك رجعتها كانت بتحاول تغريني ، عارفة يا حياة يا ريتني ما شوفتك ولا حبيتك كان زمان حياتك أحسن بكتير
وتركها وتحرك صوب السلم يصعد الدرجات لأعلى تاركًا إياها تتجرع ألم قاتل من بضع كلمات حطم بهم قلبها إلى فتات صغيرة ، لا تصدق كم المشاعر السيئة التي ظهرت بين أحرق كلماته ، انهارت مكانها تضع يدها على فمها تتحرك للأمام والخلف تبكي بحرقة
_____________
السادسة تقريبا ، حين خرج من مكتبه إلى مكتبها بالخارج منذ الصباح وهي تتحاشى تماما النظر إليه حتى ، أشعرته لعدة لحظات أنه قمامة لا يرغي أحد في الاقتراب منها ، وقف أمام مكتبها ابتسم يشاكسها :
- صحيح ما قولتليش لقيتي موبايلك
رفعت عينيها تنظر إليه بنظرة حقد وكره شديدة حركت رأسها لأعلى وأسفل تقول بإقتضاب :
- ايوة يا دكتور ، عن إذنك حضرتك ميعاد الانصراف
وتركته يقف كالقمامة مرة أخرى وغادرت ، تنهد يستند لسطح المكتب يكتف ذراعيه غضب صبا منه لا مبرر آخر له سوى أنها تحبه أو تشعر ببعض المشاعر الجيدة نحوه ، أو بمعنى أصح كانت تشعر
انتبه على صوت رنين هاتفه برقم أبيه !! ، ابتلع لعابه متوترا فتح الخط وقبل أن ينطق بحرف أمطر وابل ضخم من الغضب على رأسه :
- إيه اللي أنت هببته دا يا بيه ، أنتِ عارف البضاعة دي بكااام ، عارف كانوا ناويين يعملوا فيك لولا جدك ! ، خد بالك هو مش هيفضل يعديلك كتير ما تلعبش على النقطة دي الغلطة الجاية هيصفوك ، وأنا لو وقفت على دماغي مش هعرف اعملك حاجة ، إنت مش قد اللي ورا القناع ، جدك نفسه بيعمله ألف حساب
قبض على الهاتف في يده طحن أسنانه يهمس غاضبا :
- أنا قولتلكوا أنا مش عايز إشترك في القرف دا ، إنت وجدي اللي أجبرتوني ، أنا مش خايف من الموت على فكرة ، بس حاضر يا بابا ما تقلقش مش هغلط تاني ، مش عشان خايف منهم عشان خايف على اللي عندك خلي بالك منها كويس ، لو اتأذت ، هقلب الترابيزة على الكل
ضحك والده يسخر منه :
- أنت هتخاف على بنتي أكتر مني ولا إيه ، سلام يا دكتور
____________
بعد تلك الكلمات السامة التي خرجت من فمه لم تدري بنفسها سوى وهي تخرج من باب البيت تتحرك إلى الطريق بلا أي شيء ، لا هاتف لا نقود لا بطاقة هوية ، فقط هي وسيل من الكلمات البشعة يلتف حولها ، استيقظت فجاءة وهي على الطريق الرئيسي ، وأدركت في تلك اللحظة أنها تقف بمفردها وحيدة أمامها سيل من السيارات المتلاحقة على طريق سريع ، وظلام الليل يقترب ، في اللحظة التالية رأت سيارة تقف بالقرب منها ظنته زياد في البداية ولكن من خرج السيارة لم يكن زياد أبدا ، كان وليد ، لاء بل وحيد شقيقه التؤام ، الرجل النبيل كما يقولون عنه في مواقع الأخبار ، أقترب منها يسألها :
- أنا شوفت حضرتك قبل كدة في السوبر ماركت اللي على الطريق ، هو حضرتك كويسة واقفة كدة ليه ، وبتعيطي ليه ، محتاجة مساعدة ، أنا وحيد التهامي مش شاب صايع والله ما تقلقيش ، أنا دكتور في الجامعة ولسه راجع مصر قريب
ظلت تنظر إليه مصعوقة مما تسمع منه ، لا تصدق أنها ترى وليد بشخصية أخرى مغايرة تماما ، وذلك شقيقه ليس هو ، حركت رأسها للجانبين وتركته تتحرك للأمام فتحرك سريعا يلحق بها :
- يا مدام ولا يا آنسة ، رايحة فين بس فهميني طب اتصلك بحد ، معاكي موبايل ، أصل الدنيا هتضلم والجو بيبرد وما ينفعش تمشي في الشارع وأنتِ بتعيطي بالمنظر ، حافظة رقم حد من أهلك طيب ، أقولك أوديكي عند نفس السوبر ماركت تاني ، يا أستاذة ردي عليا أنا مش هينفع أسيبك في الشارع وامشي ، طب استني اجبلك ماية تشربي وتهدي
ما أن تحرك لسيارته تركته ومشت تكمل طريقها ، عض شفتيه غاضبا يحاول أن يتماسك قدر الإمكان ، ركض خلفها إلى أن بات بالقرب منها فتحدث يهددها تلك المرة:
- أنا هبلغ البوليس على فكرة ، أكيد أهلك بيدوروا عليكي ، اللي أنتي بتعمليه دا إهمال ، مهما كان اللي حصل ما ينفعش تمشي في الشارع بالشكل دا ، أنتي ممكن يغمي عليكي في أي لحظة وتتخطفي ولا حد يعتدي عليكي
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها ، ألم يكن هو عذرا شقيقه هو أول من اعتدى عليها ، مد يده لها بزجاجة المياه ،كانت عطشة وأدركت ذلك حين رأت المياه أخذت الزجاجة من يده فتحتها ترتشف الكثير شعرت بدوار يجتاحها بعد لحظات فقط صاحبه صوت وحيد وهو يغمغم مذعورا :
- يا نهار أبيض أنتي بتدوخي ولا بيحصل فيكي ايه ، أنتي يا ستي ردي عليا
ولكنها غابت عن الوعي وقبل أن تسقط شعرت بها يلتقط جسدها بين أحضانه وربما هي هلاوس ولكنها سمعت صوته يهمس لها :
- حمد لله على سلامة رجوعك لحضني مرة تانية!!