رواية تعافيت بك الجزء الثالث الفصل العاشر
"اخبريني كيف لقلبٍ أنتِ مأواه أن يحيا بدونِك؟ خبريني كيف أتخذ وطنًا آخر غير عيونك"
_________________________
شعرت برائحته خلفها فالتفتت له و سرعان ما شهقت بفرحةٍ حينما وقع بصرها عليه لتسأله بلهفةٍ:
"أنتَ جيت بجد ؟! مش تهيؤات"
ابتسم لها و هو يقول بصوتٍ رخيمٍ:
"لكل مَرءٍ مَوطِنَهُ وأنا بدونِ عَيناكِ غريبًا"
رمشت ببلاهةٍ فيما غمز هو ثم قال لها بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتي يبقى كدا اتثبتي"
اقتربت "خديجة" منه تقول بصوتٍ مختنقٍ من شدة فرحتها و حماسها:
"بجد جيت ازاي ؟! مش قولت وراك شغل و ماجتش معانا من الأول ليه ؟!"
حرك كتفيه ببساطةٍ ثم قال بسخريةٍ يقصد يمازحها:
"عادي لقيتهم حَلوها في الشغل و كان المفروض أنزل موقع و اتابع بس فيه واحد زميلي هناك، قولت ياض روح أجبر بخاطر حبايبك، هيبقى لا دنيا ولا آخرة"
ابتسمت هي باتساعٍ أكثر و قد تشبثت بذراعه ثم قالت بنفس الحماس:
"كدا أنا هتطمن إن الدنيا مش هتتعك، المهم قولي هو اللي عامر و وليد بيعملوه دا مش كارثة ؟!"
تحولت نبرتها من الحماس للقلق المفرط حتى اشرأب هو برأسه يطالع الوضع حوله ثم نظر لها و هو يقول بمرحٍ:
"ماله بس ؟! ما الواد عامل شغل عالي أهو ربنا يكرمه، طب دا عامل ليلة عنب اهو، بصي الناس فرحانة ازاي ؟!"
التفتت تطالع الوضع خلفها و قد ارتسمت البسمة البلهاء على ثُغرها حينما وجدت كِبار السن يصفقون مع بعضهم بحماسٍ و "عامر" يطرق على الدف و "وليد" يعاونهم في الجلوس و "حسن" يتابع التصوير لهم مع الصغار.
سحبها "ياسين" معه دون أن يتحدث بكلمةٍ واحدة ثم اقترب من الناس حتى ركض نحوه الصغار بأكملهم فرحين برؤيته، و أولهم "جاسمين" التي صرخت باسمه و هي تركض له بقولها:
"بــابــا.....أنتَ جيت ؟!"
حملها بين ذراعيه ثم قبل وجنتها و قال بمرحٍ يمازحها:
"آه جيت علشان عارف إنك ممكن تعملي مصيبة كدا ولا كارثة كدا، قولت أجي"
صفقت بكفيها ثم طوقت عنقه بذراعاها الصغيرين و هي تبتسم بينما هو انزلها ثم اقترب من الشباب حتى سأله "وليد" باستفزازٍ:
"نعم ؟! جيت ليه ؟! مش وراك شغل ومش فاضي ؟!"
بادله النظرة المزدرية بمثيلتها ثم قال بسخريةٍ:
"جيت علشان آدب أشكالك"
تبادلا النظرات التهكمية بينهما ثم انخرطوا جميعًا في الترحيب بالناس و تقديم الهدايا لهم و خصيصًا حينما وقفوا الصغار وسط كِبار السن يرحبون بهم كما اعتادوا و تعلموا من "خديجة".
_________________________
في مكانٍ أخر تحديدًا في صيدلية "عمار" كان جالسًا بها كعادته في انتظار المرضى الذين يبتاعون منه العقاقير الطبية و "عبدالرحمن" بجواره يتحدث في الهاتف مع خطيبته و هو يقول بضجرٍ:
"ننزل فين ياما ؟! بقولك هقضي اليوم مع الدكتور الجديد أفهمه الدنيا علشان عمار مش هينفع يفضل هنا و يسيب مراته لوحدها، أول ما نظبط الدنيا هنا أنا بنفسي هعوضك يا مريم، زوقي بس الفترة دي معايا"
تنفست هي بحدة ثم قالت بضجرٍ:
"يا عبدالرحمن مانا بقولك مش هنتأخر هما شوية هننزل نتمشى و نرجع تاني، أنا مخنوقة والله"
رد عليها هو بقلة حيلة و قد بدا اللين يظهر على نبرته و ارتخاء قسمات وجهه:
"حاضر يا مريم أنا عارف انها فترة صعبة علينا و خصوصًا اللي قبل تجهيزات الفرح دي، بكرة هقول لعمار و نقضي اليوم برة سوا، حلو كدا ؟! أظن عداني العيب"
ردت عليه بمرحٍ:
"طب والله بحبك يا بودي، خلاص براءة مش هستناك تكلمني النهاردة، نام بدري مش لازم نتكلم بليل"
ضحك "عبدالرحمن" رغمًا عنه ثم قال بعدما غُلب كعادته أمامها:
"لأ و دي تيجي ؟! هسلمك التقرير اليومي بتاعي و أنام، يلا سلام بقى"
أغلق معها الهاتف و "عمار" يتابعه مُبتسمًا حتى زفر "عبدالرحمن" ثم وضع الهاتف في جيبه و اقترب منه يجلس أمامه و هو يقول بضجرٍ:
"أنا اللي جيبته لنفسي، كان مالي و مال الحوارات دي كلها، تفاصيل كتير أنا مش بركز فيها يا عم عمار"
رد عليه "عمار" بعدما ابتسم له:
"لو قصدت تاخد بالك من التفاصيل مش هتيجي معاك، انما هي بتعلق معاك صدفةً كدا و هي بتتكلم، بس أقولك كويس انك معاك واحدة بتطلب و بتقول عاوزة إيه، اللي معايا مش عاوزة تتكلم أصلًا"
لاحظ "عبدالرحمن" تغيره فسأله بتعجبٍ:
"مالك يا عمار ؟! مش دي اللي كنت هتموت عليها وفضلت تدعي ربنا بيها ؟! هو الجواز طلع كدب ولا إيه ؟!"
ابتسم له بقلة حيلة ثم قال:
"بالعكس، أنا برتاح لما بوصل البيت أوي، سايب الدنيا تخبط فيا هنا و هناك بس عارف أني هرجع بيتي و أرتاح فيه علشان هي فيه، بس مش فاهم فيه مسافات بيننا ليه ؟ عاوزها تطلب مني الحاجة و تناقشني و نتجادل سوا، بس هي يا خايفة مني يا مكسوفة تتكلم معايا، بسحب منها الكلام بالقطارة أصلًا"
تحدث "عبدالرحمن" بلهفةٍ و هو يقول:
"بس مريم عارفة كل حاجة عنها و هما الاتنين بحكم إن فيه كلام بينهم و مريم بتحاول تصاحبها أكيد عارفين عن بعض حاجات كتير، ممكن نتصل بيها و نسألها ؟! طالما أنتَ عاوز تعرف التفاصيل"
عقد "عمار" ما بين حاجبيه ثم فيما أخرج الأخر هاتفه يحادث زوجته "مريم" تحت نظرات الترقب من "عمار" الذي ابتسم رغمًا عنه فهل في نهاية المطاف يريد معرفة ما تريده من الأخرين؟!.
_________________________
في مقر الجمعية جلسوا كبار السن على المقاعد المُزينة للترحيب بهم و المتطوعين يعملون على مساعدتهم و تقديم العون لهم بصدرٍ رحب و على رأسهم "خديجة" التي تتنقل بين المُسنات بحماسٍ و حب شديدين و ترحب بهم و يرحبن بها و ذلك لانها تحظى بمكانةٍ عالية في قلوب الجميع.
جلس "عامر" و بجواره "عُمر" بجانب أحد الرجال كبار السن و الأخر يشكو لهم من شقيقه و هو يقول منفعلًًا:
"راح بقى يا أستاذ عامر عامل إيه ؟! دخل عليا في نص الليل مضاني على نص نصيبي و النص التاني اخده ابني و الاتنين اتفقوا سوا و رموني في دار عندنا في البلد علشان يتجوز بنت عمه، و اخرتها طلعت من غير حاجة زي ما أنتَ شايف كدا"
رد عليه "عامر" بحنقٍ:
"منه لله ابنك عديم الرباية و اخوك عديم الشرف دا، متزعلش مني يا حج عبده الغلط غلطك معرفتش تربي ابنك و تأدب أخوك ليه ؟! اخس"
جاوبه الرجل بقلة حيلة:
"يلا داهية تاخدهم، بس اقولك ؟! والله يا بني أنا كدا فرحان و مرتاح، أصل بعد ما مراتي ماتت أنا مليش حد مين كان هيخدمني يعني ؟! يمكن ربك عمل كل دا علشان أجي هنا و متمرمطش، اغبيا هما الاتنين، أنا كدا كدا كنت ميت و هسيبلهم كل حاجة، بس هو غبي حرمني من ابنه و من فرحتي بيه"
طالعه "عامر" بتأثرٍ لذا سحب "عمر" من ذراعه يوقفه أمام الرجل و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"و دا عمر ابني اهو اعتبره ابن ابنك يا سيدي، رغم أني أجدع من العرة ابنك دا"
احتضن الرجل الطفل الصغير و هو يربت على ظهره بينما "عمر" قال بحماسٍ:
"أنا لما أكبر يا جدو هبقى أجيلك، و هعزمك في فرحي كمان، بس ابقى تعالى بقى"
على الجهة الأخرى كان "يونس" وسط الناس يقوم بتوزيع ما قام بجلبه لهم حتى يرسم على وجوههم البسمة و ينشر لهم السعادة كما اعتاد من صغره.
وقفت "خديجة" في الداخل و معها "ياسين" و "وليد" يقومون بتجهيز الهدايا و اعدادها و معهم "جاسمين" و "فاطيما" و "رؤى" و "روزي".
اقتربت "جاسمين" تهمس في أذن "فاطيما" و قد رآهما "وليد" لذلك قال دون أن يحيد ببصره عما يفعله:
"سوسة و دودة !! خير يا شابة منك ليها ؟! لموا نفسكم"
ردت عليه "فاطيما" بحنقٍ:
"هو أنا عملت حاجة ؟! و بعدين جدو محمود قال متقولش لينا كدا تاني"
تدخلت "جاسمين" تقول بضجرٍ:
"أيوا جدو محمود و جدو مرتضى... قالولي لو قالكم كدا تاني هيربوك يا خالو وليد"
رد عليها بتهكمٍ:
"ولازمتها إيه خالو يا روح امك؟! ما تخليها ياض يا وليد و خلاص"
نهرتها "خديجة" بقولها:
" بت !! عيب كدا، دا خالك"
ردت عليها ببراءةٍ زائفة:
"هو أنا جيبت حاجة من عندي ؟! مش جدو محمود اللي قال كدا و جدو مرتضى ؟!"
نطق "وليد" بتهكمٍ:
"صبرهم عليا هما الاتنين سواء محمود ولا مرتضى"
تحدث "ياسين" بعد جملته و هو يقوم بتجهيز الحقائب ويضع الهدايا بداخلها موجهًا حديثه للصغيرتين:
"جرى إيه يا كاريزما زي أبوك أنتِ و هي ؟! مفيش صوت خالص كدا ؟! واخدين وضع الصامت ؟!"
ردت عليه "رؤى" بنبرةٍ ضاحكة:
"هقول إيه طيب ؟! ما أنا بساعد خالتو خديجة أهوه و روزي معايا هي كمان"
تحدثت "خديجة" بغموضٍ ترسل حديثًا مُبطنًا للأخيرتان بقولها:
"ناس هادية و عسولة و مش بيعملوا مشاكل خالص، ربنا يحفظهم يا رب، و يهدي ناس كدا"
نظرت "فاطيما" لـ "جاسمين" و الأخرى نظرت لها أيضًا و كأن كلتاهما فهمت مغزى الحديث لذا نطقت كلٍ منهما في آنٍ واحدٍ:
"بس احنا مش عاوزين نكون مؤدبين، عاوزين نكون زي خالو وليد"
جاهد حينها "ياسين" ليكتم ضحكته و كذلك "خديجة" بينما "وليد" ابتسم ببلاهةٍ و هو يقول بزهوٍ لا يتناسب مع الموقف:
"ما شاء الله !! تربيتي....الناقصة"
أضاف الكلمة الأخيرة بإحباط و هو يرمق كلتاهما بتوعدٍ و هو يشير بكفه، بينما في تلك اللحظة دلف "محمود" الشاب الذي يعمل في المكان و هو يقول بأدبٍ:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذ ياسين مدام خديجة، الوجبات وصلت برة، ندخلها هنا و لا نجهز برة علطول ؟!"
تركت "خديجة" ما تفعله ثم اقتربت منه تقول بلهفةٍ:
"لأ برة علطول علشان الحاجة متتبدهلش، مش هأكد عليك يا أستاذ محمود اللي يحتاج حاجة ياريت تجيله لحد عنده، أهم حاجة يكونوا مبسوطين كلهم"
ابتسم لها و هو يقول بتفهمٍ:
"يا فندم متقلقيش، كل حاجة برة زي ما حضرتك طلبتي بالظبط، و كلهم برة فرحانين و الاولاد معاهم كمان ربنا يبارك فيهم، عن اذنكم بقى"
حركت رأسها موافقةً بينما "وليد" أنهى عمله و كذلك "ياسين" فخرجا نحو الخارج فيما بقيت "خديجة" موضعها مع الصغيرات.
في الخارج بدأوا المتطوعين بمساعدة كبار السن في الجلوس على الموائد المخصصة لتناول الطعام، و كان "يونس" و "زين" و البقية الصغار يقومون بالمعاونةِ معهم، فيما وقفت الفتيات بمفردها على بعدٍ منهم.
كانت "نـغـم" تحمل عُلب صغيرة متوسطة الحجم فوق بعضها حتى أوشكت على السقوط فلحق بها "يونس" يحمل عنها الأشياء حينما رآها ثم سألها بتعجبٍ:
"أنتِ بتعملي إيه يا نغم ؟! هو أنتِ هتعرفي تشيلي الحاجة لوحدك يعني ؟!"
ردت عليه بخجلٍ من موقفها:
"مش عارفة بقى أنا كنت عاوزة اساعدهم و خلاص"
ابتسم لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"طب ساعدي على قد اللي بتعرفي تعمليه، لكن دي علب فيها حاجات تقيلة كويس إنها مش أكل كانت هتبهدلك"
حركت كتفيها بحيرةٍ ثم قالت بحماسٍ:
"أنا أصلًا عرفت ماما أني هعمل معاهم هنا علشان اتعلم زيها، و لما اكون كبيرة كدا قدها هاجي هنا برضه و هجيب معايا ورد علشانهم كلهم"
ابتسم لها "يونس" ثم قال يمازحها:
"خلاص كدا أنتِ هاتيلهم ورد و أنا هجيب ليهم شيكولاتة، اتفقنا"
حركت رأسها موافقةً ثم سألته بحيرةٍ:
"طب و هو احنا هنفضل نيجي هنا علطول ؟! مش ممكن نبطل لما نكون كبار يعني ؟!"
رد عليها هو مُسرعًا:
"لأ إحنا لازم نكون هنا علطول علشان نخليهم كلهم يفرحوا زي ما خالتو خديجة قالت كدا، بصي كدا وراكي مكتوب إيه ؟!"
التفتت تنظر خلفها فوقع بصرها على اللوحة المطبوعة تحمل شعار الدار معها و في منتصفها تلك الجملة التي اعتادتها "خديجة" في حياتها اليومية:
"فَـــــرَح...تِـــفْــرَح"
ابتسمت "نـغـم" ثم التفتت له تقول بقلة حيلة:
"يعني إيه يا يونس ؟!"
اقترب منها خطوة واحدة و هو يقول مُفسرًا بثباتٍ و هدوء:
"مكتوب فرح تفرح يا نغم، دي الجملة اللي مامتك بتحبها و بتحب تعلمها لينا، معناها يعني إن اللي يفرح الناس بيفرح و يتبسط و الخير بيرجعله، و زي ما عمو ياسين قال قبل كدا الخير دا زي الدايرة المقفولة، طالما بدأت أول نقطة في الدايرة دي بالخير يبقى الخير هيلف و يرجعلك، أنا عن نفسي هاجي هنا علطول مش هبطل"
ردت عليه بحماسٍ:
"ينفع لما تيجي هنا أجي معاك أنا كمان ؟! أو كلنا نكون بنيجي سوا"
حرك رأسه موافقًا فيما قفزت هي عدة مرات بفرحةٍ كبرى ثم ركضت نحو الفتيات و هو يبتسم حتى قال بعدما نظر في أثرها:
"نسخة من مامتها، و سكر زيها"
بعد مرور دقائق قليلة دلف الصغار بأكملهم لـ "خديجة" حيث غرفة الجلوس و التجهيزات و من بعدها "ياسين" و الشباب حتى ارتمى "حسن" على المقعد و هو يحرك رقبته يُمنةً و يُسرةً فوجد "فاطيما" تقترب منه تقف على المقعد خلفه تدلك عنقه و هو تقول باشفاقٍ عليه:
"اعمهولك زي ماما ما بتعملك؟"
ابتسم "حسن" رغمًا عنه بينما "فاطيما" استمرت فيما تفعله ثم ألقت بنفسها بين ذراعيه كعادتها، حتى قال "وليد" بسخريةٍ:
"يا سلام على المياعة ؟؟"
اقتربت منه "جاسمين" تفعل مثل الأخرى حتى حملها "وليد" و هو يضحك عليها فقالت "فاطيما" بتهكمٍ:
"يا سلام على المياعة، اشمعنا هي"
_"علشان هي جت تحضني أنا، إنما أنتِ خلي حسن ينفعك"
كان ذلك قول "وليد" و هو يرد عليها، بينما "فارس" سأل بتعجبٍ من الوضع حوله:
"عمتو، هو إحنا قاعدين هنا ليه ؟! مش المفروض نكون برة معاهم ؟!"
ردت عليه "خديجة" مفسرةً:
"علشان هما برة بياكلوا، نخليهم براحتهم و الشباب بيساعدوهم و بعدها هنخرج كلنا نقعد سوا معاهم نغني و نلعب و نكمل اليوم و نديهم الهدايا كمان، بس نصلي الأول"
سألها "علي" بعدما اقترب منها:
"خالتو أنا عاوز اسألك على حاجة علشان أنا مش فاهم"
حركت رأسها موافقةً و هي تطالعه بكامل اهتمامها فيما قال هو بحيرةٍ ظهرت على أدق تفاصيله:
"أنا كنت امبارح منزل الصورة بتاعة المرة اللي فاتت و احنا هنا علشان فرحان أني هاجي هنا و كتبت أني بكون فرحان أوي، واحد صاحبي دخل سألني بنعمل إيه هنا و باجي مع مين، و أنا قولتله إن إحنا كلنا بنيجي هنا معاكي، بس هو قالي إني كدا عادي مش بعمل حاجة حلوة، و أني كدا باخد حاجة مش فيا علشان الناس تقول عليا أني حلو، و أنا ماكنتش هاجي أصلا تاني، بس هو أنا لو بعمل حاجة حلوة حتى لو مش فيا، كدا أكون بكدب ؟!"
لفت حديثه نظر الشباب أيضًا و الصغار بأكملهم، فأضاف هو بنفس الحيرة:
"يعني أنا دلوقتي جيت هنا علشان زي ما بنعمل كل مرة نفرحهم و نلعب معاهم و نوزع حاجات حلوة، كدا بقى أنا بكون باخد حاجة مش عندي ؟!"
تنهدت "خديجة" بعمقٍ ثم أمسكت كتفيه بكفيها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"أنتَ كدا شاطر يا علي، علشان بتعمل حاجة أكبر من سنك، يعني بتيجوا هنا كلكم تساعدوا الناس و نفرحهم و نضحك معاهم، كل دا بيخليك تاخد على الخير و إنك أي حاجة تحتاجها لازم تقدمها لغيرك، زي ما عاوز تفرح فرح اللي حواليك و زي ما عاوز تتساعد....ساعد اللي حواليك، الدنيا مش باقية أصلًا بس الخير و النية باقيين عند ربنا، أوعى تسمح لحد يقلل منك أو من حاجة حلوة أنتَ بتعملها، مفهوم ؟!"
حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم لها ثم رفع نفسه يقبلها على وجنتها، بينما هي تنهدت بعمقٍ ثم اعتدلت في وقفتها و هي تقول بحماسٍ توجه حديثها للصغار:
"دلوقتي إحنا هناكل هنا و بعدين نخرج برة نكمل اليوم معاهم، أنا عاملة حساب الكل في الاكل"
قبل أن تكمل حديثها قاطعها "ياسين" بقوله المرح:
"حتى أنا يا ست الكل؟!"
ابتسمت له ثم قالت:
"آه....حتى أنتَ معانا"
غمز لها بمشاكسىةٍ فيما التفتت هي تحاول كتم ضحكتها ثم قالت بثباتٍ لم يخلو من نبرتها الضاحكة:
"المهم بس على ما الأكل يوصل عاوزاكم تقعدوا علشان نتكلم كلمتين مهمين أوي، يلا"
جلسوا جميعًا أمامها فيما ظلت هي واقفةً تستند بظهرها على الطاولة الموضوعة ثم قالت:
"أنا بخليكم تيجوا هنا علشان أنا عاوزة اعلمكم حاجات كتير من المكان دا و أي مكان زيه غرضه الخير و مساعدة الناس، إحنا بنيجي هنا علشان إحنا اللي محتاجين المكان دا مش هو اللي محتاجنا، إحنا اللي عاوزين نتعلم الصبر و ازاي نساعد أهلنا و إزاي نساعد كبار السن، إحنا اللي عاوزين نعرف قيمة النعم اللي عندنا و نحمد ربنا عليها، احنا عاوزين نعرف قيمة بابا و ماما و نساعدهم و نفضل معاهم، عاوزين نحافظ على الخير في قلوبنا علشان نكبر على كدا، سواء بنات أو شباب بقى أنا عاوزاكم دايمًا تعملوا الخير و ملكمش دعوة بحد و لا بالناس، احنا بنعامل رب الكون ورب الناس"
سألها "مازن" بتعجبٍ:
"حتى لو حد اتريق زي صحاب علي كدا يا عمتو ؟!"
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"من أكتر الحاجات اللي ممكن تظلم إنسان و توقفه عن الحلو اللي بيعمله هو ظلم الناس اللي حواليه و تفكيرهم أنه بيدعي المثالية، لكن النظرة بتختلف من نقطة للتانية، فكرة إن حد مش متقبل إن غيره بيعمل حاجة حلوة هو مش قادر يعملها بتخليه يتهمه إنه بيدعي صفات مش فيه و أنه بيحاول ياخد صفات مش عنده، رغم أنه ممكن يكون بيحاول علشان يكون شخص جميل و محبوب من الكل و نيته كلها خير، بس تشكيك اللي حواليه فيه بيخليه يتراجع و تبدأ النقاط السلبية اللي هي حاجات مش كويسة في شخصيته تظهر و تأثر عليه، علشان كدا بيكون فيه شخص مُشتت بين أنه يكمل الحلو دا و بين أنه يرجع تاني للسلبية"
أنهت حديثها و هي تطالع الصغار و جدت ظهر الإدراك لما تعنيه على وجوههم، بينما تدخل "وليد" يقول بحنقٍ:
"بقولك إيه منك ليها !! الناقص بيدور على الكامل في غيره و يعايبه، يعني لما ييجي حد يقلل منك، قوله شكرًا عرفنا إنك ناقص......وعي طبعًا علشان متودونيش في داهية"
أضاف الجملة الأخيرة يمازحهم فيما قال "عامر" بتهكمٍ:
"سبحان الله شرحها عامل زي قناة Z American English تحس إنه شرح نضيف كدا، إنما الواد دا اول ما فتح بوقه حسيت أني في قناة أم سماح لتعليم البريتيش المرتاح"
ضحك الجميع عليه حينما سخر من "وليد" الذي ضحك هو الأخر رغمًا عنه، بينما "خديجة" انتظرت حتى توقفت الضحكات ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"بغض النظر عن عمو عامر و هزاره يعني، بس فيه حاجة كمان عاوزة اتكلم فيها مهمة، و هو حديث مهم جدًا أنا هقوله ليكم"
استحوذت بحديثها على كامل اهتمام من حولها لتقول بثباتٍ:
قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ)
صحيح التِّرْمِذِى
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنهت ذكر الحديث الشريف ثم قالت بتفسيرٍ:
"يوم القيامة و هو اليوم اللي الدنيا هتنتهي فيه علشان نروح لمكاننا الأساسي اللي هو أصلًا هدفنا من الدنيا، ربنا هيسألنا عن عمرنا ضيعناه في إيه و الأيام دي راحت مننا على إيه، أنا عاوزاكم تتعودوا على الخير و المساعدة علشان تقدروا تقولوا أنكم استغليتوا عمركم في الخير، و كمان هنتسأل عن العلم اللي اتعلمناه استفدنا بيه إزاي؟ برضه إحنا بنساعدهم يقروا و يلونوا و يكتبوا و نقرأ معاهم القُرآن، كل دا احنا هنتسأل عنه و عن الفلوس اللي معانا جت منين و عملنا بيها إيه، برضه احنا هنا بنجيب ليهم هدايا و حاجات حلوة تفرحهم و هدوم جديدة تسعدهم، و هنتسأل عن جسمنا عملنا بيه إيه و استغلينا صحتنا ازاي، احنا هنا بنستغل الطاقة و الصحة دي في اننا نساعد الكل و نحضر ليهم المكان و نديهم الهدايا حاجات كتير أوي بنعملها علشان نستغل كل حاجة عندنا في الخير و الأهم من كل دا، اننا نحمد ربنا على كل دا علشان هو دا السبب اللي خلانا نتحرك، فهمتوني ؟!"
سألتهم بمرحٍ حتى ردوا عليها الصغار بمرحٍ في آن واحد:
"فهمناكي يا ست الكل"
ضحكت هي بصوتٍ عالٍ فيما وقف "ياسين" يضم ذراعيه أمام صدره يطالعها بفخرٍ و حينما نظرت له أشار لها بابهامه و هو يبتسم لها.
_________________________
بعد مرور عدة ساعات من ذلك الوقت و مع حلول الليل تقريبًا، أنهى "عمار" عمله ثم ذهب لشقته بعدما فهم ما يتوجب عليه فعله، دلف بحماسٍ حتى دلف المطبخ حينما وصله صوت اصطدام الأواني به، لذا دلف للداخل و هو يبتسم لها ثم اقترب منها يقف خلفها و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
"وحشتيني"
التفتت له و هي تبتسم بتعجبٍ من تواجده في ذلك الميعاد السابق لوقت عودته، بينما هو قربها منها و هو يضمها إليه بذراعيه معًا فيما سألته هي بنبرةٍ ضاحكة يخالطها الدهشة:
"إيه دا في إيه ؟! جاي بدري و داخل هادي كدا تفاجئني ؟! أنا مش متطمنة والله"
رد عليها هو بضجرٍ زائفٍ:
"يا ستي ثقي فيا بقى و افتحيلي قلبك، دا حبيبي حتى"
حركت رأسها للجهةِ الأخرى باستنكارٍ ثم قالت بقلة حيلة:
"طب دلوقتي أنا لسه مخلصتش الغدا يا عمار، و حضرتك جيت بدري، هتستنى بقى ؟!"
حرك رأسه نفيًا ثم قال بمرحٍ:
"لأ، هنلبس و ننزل سوا نقضي يوم عشوائي سوا مع بعض، هنروح فين معرفش، هناكل إيه برضه معرفش، بس هننزل و رزقي و رزقك على الله يا خلود، إيه رأيك ؟!"
سألته بلهفةٍ:
"بجد ؟! قول والله مش بكدب"
ضحك بيأسٍ منها ثم قال:
"حاضر....والله مش بكدب، بس يلا علشان منتأخرش، أنا مدبس الواد عبدالرحمن هناك، جهزي نفسك"
سألته بتعجبٍ:
"عمار ؟! أنتَ كويس صح ؟! مالك يا حبيبي عملوا فيك إيه"
حرك كتفيه ببساطةٍ ثم قال:
"كل الحكاية أني قررت أنا و أنتِ نطلع العيال اللي جوانا، مخبيش عليكِ، كان جوايا عيل سافل هيموت و ينحرف، مكانش لاقي حد يوجهه، حاسس كدا أنه على إيدك هيرجع يتشاقى تاني"
ابتسمت بثقةٍ ثم قالت بمرحٍ:
"أيوا بقى كدا، يا جدع لاغيني و قل ادبك كدا، تعبت و أنا متربية كدا والله، متكتفة يا عمار"
ضحك بصوتٍ عالٍ ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"اؤمري يا ستي، حاضر هطلع عمار السافل علشان ترتاحي، ياكش نعجب بس"
اقتربت منه تقول بدلالٍ:
"بلاش بقى علشان كدا كدا أنتَ عاجب يعني، أنا هدخل أغير و أجي، اقف هنا و خمس دقايق اقفل على الصلصة"
قبلته على وجنته ثم تحركت بركض نحو الداخل كما الطفلة الصغيرة فيما وضع هو أنامله موضع قبلتها ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"مينفعش معاها غير عمار قليل الأدب دي، الأدب مش هييجي معاها سِكة"
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا أنهت ارتداء ثيابها ثم خرجت له، كان هو في الخارج ينتظرها حتى سألها بضجرٍ:
"هو أنا مكتوب على أمي استناكي ؟! انجزي علشان نلحق بس"
ضحكت على تذمره ثم أمسكت ذراعه و هي تبتسم له حتى ضحك هو رغمًا عنه بقلة حيلة، ثم نزلا سويًا للأسفل حتى توقفا أمام الدراجة النارية الخاصة به، فقالت هي بريبةٍ:
"بلاش أنا بتشائم من ساعة ما اتفرمت من الراجل بتاع السوبر ماركت"
التفت لها يقول بضجرٍ:
"نعم يا حلوة ؟! مين دا اللي اتفرم ؟! شكلي هبدأ قلة الأدب من هنا بقى !!"
ضحكت هي رغمًا عنها لذا قالت ببساطةٍ:
"الله ؟! مش هو اللي شلفط وشك و خلى عينك شوارع ؟!"
رفع حاجبيه بسخريةٍ فيما ركبت هي الدراجة و هي تستفزه بينما هو جلس أمامها ثم شرع في قيادة الدراجة النارية و كعادتها تمسكت به و هي تضحك بسعادةٍ و هو أيضًا لم ينكر سعادته بفرحتها تلك.
بعد مرور نصف المسافة تقريبًا سألته هي بحماسٍ:
"هنروح فين طيب ؟! الحماس مموتني"
التفت لها يقول بصوتٍ عالٍ نتيجة صوت الهواء:
"هنروح الكوربة نلف هناك و نقعد على الشارع زي الشحاتين"
ازداد حماسها أكثر و هي تتشبث بظهره بينما هو رفع سرعة الدراجة و كأنه على موعد مع أحلامه.
بعد مرور بعض الوقت أوقف الدراجة في منطقة الكوربة الشهيرة، تلك المنطقة التي امتزجت بين عدة أنمطة منها الكلاسيك و الحديث و الطراز الأوروبي و خصيصًا البلجيكي، نزلت هي من على الدراجة أولًا و هو خلفها و الحماس يعتلي وجهيهما.
أمسك كفها ثم قال بمرحٍ:
"طبعًا أنتِ عارفة الباقي ؟! زود شاورما و كتر تومية"
حركت رأسها موافقةً و بعد مرور دقائق قليلة كانت تجلس على الرصيف تنتظره حتى اقترب منها يمسك الصينية بكفيه ثم جلس بجوارها و هو يقول بمرحٍ:
"حلو حوار الرصيف دا، تحسيه شاعري كدا و يطلع المشاعر المكبوتة جواكِ"
ضحكت هي على حديثه الساخر فيما قدم لها الطعام و قبل أن تسحب هي الطعام الخاص بها، أمسك كفها ثم قدم لها هو الطعام و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
"خدي دا فيه شاورما و تومية اكتر"
ضحكت و هي تسأله بتعجبٍ:
"الله !! دا اجمل ما قيل في الحب خلي بالك"
حرك رأسه موافقًا ثم قال:
"أيوا ما أنا عارف علشان كدا بتوصى بيكِ، كلي بس يلا"
أمسكت منه الطعام و أمسك هو خاصته ثم بدءا سويًا في تناول الطعام، بينما قال هو بنبرةٍ هادئة:
"على ما ناكل فكري عاوزة إيه تاني ؟! يلا يا سُكر فكري"
طالعته بحماسٍ ثم قالت بحذرٍ:
"كدا تضحيات كتير و مش هقدر أخد على كدا"
قلب عيناهُ يفكر في حديثها ثم قال براحةٍ بعدما تنهد بعمقٍ:
"خدي على كدا يا خلود، طالما مش عاوزة تبدأي أنتِ هبدأ أنا بقى، ماهو أنا مش قدامي غير كدا"
تنهدت بعمقٍ ثم قالت بهدوء:
"يبقى كتر خيرك كدا"
قبل أن ينطق هو و يرد على حديثها أوقفته هي بلهفةٍ:
"عمار !! هي رموشك طويلة كدا ليه ؟! الحوار دا مضايقني بجد و بفكر جديًا هي طويلة كدا ليه ؟"
رمش هو ببلاهةٍ فسألته هي بحماسٍ:
"قولي بجد....رموشكم دي رباني، أصل مش معقول دي تكون رموشك و رموشي أنا أخف كدا"
ضحك رغمًا عنه ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"أقولك على سر ؟! أمي و أنا صغير أنا و عامر كانت بتحط لينا زيت زيتون على رموشنا و حواجبنا، علشان و هي صغيرة تيتة كانت بتعمل كدا فيها، و دلوقتي بيعملوا كدا في ريتاج، تحسيها قريبة الحلاق بتاع طه حسين"
ضحكت هي بصوتٍ عالٍ و هو أيضًا ضحك معها حتى قالت هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أنتَ كنت فين أنتَ و عيلتك من زمان بجد ؟؟ ياريتنا كنا صحاب من زمان يا لوز"
رد عليها بنبرةٍ هادئة:
"مش يمكن أكون كنت بجهز علشانك أنتِ، أكيد كدا القصة نهايتها أحلى و إحنا سوا"
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت:
"صح.....أكيد و إحنا سوا القصة أحلى بكتير"
_________________________
في مقر الجمعية بعد المرح و المزاح و الغناء و الطرق على الدفوف بواسطة "عـامـر" تم توزيع الهدايا بواسطة الصِغار ليسود الأنس في الأجواء و كذلك الألفة بين الجميع.
بعد ذلك رحل الجميع من المكان نحو مساكنهم بعدما عاد لهم السائق ليعود بهم من جديد و أول من تم توصيلهم كان "حسن" بصغاره على الطريق و قبل أن يستفسر عن سيارته، قال "وليد" مسرعًا:
"متقلقش بكرة العربية هتكون عندك، بكرة الصبح هتلاقيها تحت بيتك، يلا علشان العيال اللي هتنام في إيدك دي"
رحل "حسن" بهما بعدما ودع صغاره البقية.
استأنف السائق سيره بعدما رحل من أسفل بناية "حسن" الذي دلف بصغاره ثم صعد بهما نحو شقته حتى فتحت لهما "هدير" و هي تقول بضجرٍ:
"وحشتوني أوي.....الدنيا وحشة من غيركم، يارتني كنت جيت معاكم"
ردت عليها "فاطيما" بشوقٍ لها:
"و أنتِ وحشتيني اوي يا هدير، هاتي حضن بقى"
حملتها "هدير" بين ذراعيها ثم قَبلتها عدة قُبلات على وجنتها، ثم انزلتها و اقتربت من "علي" تقبله هو الأخر حتى قال هو بمرحٍ:
"والله وحشتيني أوي"
وقف "حسن" يحاول كتم ضحكته على طريقتها حتى اقتربت منه تقول بضجرٍ:
"أقسم بالله وحشتنى اكتر من عيالك يا حسن، ماخدتنيش معاك ليه ؟!"
رد عليها بقلة حيلة:
"اقفلي بس الباب أنتِ فضحانا و بعدين نتكلم"
دلفوا سويًا للداخل بينما هي أغلقت الباب و حينما دلف صغارها للداخل، اقترب منها "حسن" يقبل قمة رأسها ثم احتضنها دون أن تطلب هي ذلك و قال بنبرةٍ هادئة:
"وحشتيني يا حلوة الملامح"
حاولت كتم ضحكتها بينما هو أضاف:
"أقولك ؟! اليوم كان ناقصك والله كنت عاوزك تكوني معانا و تفرحي زينا"
ابتعدت عنه تطالعه بقلة حيلة و في تلك اللحظة اقتربت منهما "فاطيما" تقول بضجرٍ:
"حد ييجي يجيبلي هدوم ألبسها علشان مش عارفة...ولا أقولك خلاص أنتِ ماكنتيش معانا، هخلي علي يساعدني"
دلفت للداخل من جديد بينما "هدير" ضحكت رغمًا عنها حتى احتضنها "حسن" من جديد ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
"واخد الأذن من فاطيما، خليكِ كدا بقى لحد ما غزالتها تشتغل"
_________________________
توقفت الحافلة في شارع الشباب بعدما تم توصيل "وليد" و الصغار معه و منها ذهب كلٍ منهم لشقته، و قد فتحت "ريهام" الباب لصغارها و هي تقول بحماسٍ:
"حبايب ماما وحشتونى، رغم إن البيت كان هادي و نمت كتير يا عيال"
دلف "يونس" بشقيقته نحو الداخل و هما يضحكان مع والدتهما، بينما "يسر" سألتها بتعجبٍ:
"بابا فين يا ماما ؟!"
أجابتها بخبثٍ:
"بابا ما صدق البيت هادي و دخل نام من ساعة ما جه، لو منك يا بت أدخل أصحيه و أرخم عليه"
ركضت "يسر" نحو الداخل توقظ والدها، فيما قال "يونس" بقلة حيلة:
"طب أنا هدخل أغير هدومي و أجي احكيلك مغامراتي مع اليوم القمر زيك دا، باي يا ريري"
_"باي يا عيون ريري"
ردت عليه بذلك و هي تضحك بسعادةٍ حتى احتفى أثره من أمامها و قبل أن تدلف للداخل طُرق باب الشقة فذهبت نحوه بتعجبٍ ثم نظرت من العين السحرية حتى رمشت عدة مرات باستنكارٍ ثم فتحت الباب و هي تقول بدهشةٍ:
"روان !! خير و إيه اللي جابك دلوقتي ؟!"
طالعتها شقيقتها بخجلٍ بينما "ريهام" نظرت لها ثم نظرت للفتيات التي تقف بجوارها بتعجبٍ.