رواية الشيخ وحيد الفصل الاول بقلم شهيرة عبد الحميد
أنا معالج روحاني، واسمي وحيد، أو الشيخ وحيد.
ممكن نقول إني جديد شوية في موضوع العلاج الروحاني ده، هحكيلكوا الموضوع بدأ معايا إزاي.
أنا عندي 35 سنة، ولا عمري في يوم ارتبطت ببنت أو فكرت في الخطوبة أو الزواج، ولما كنت بحاول كنت بحس إني مخنوق منهم ومش متحمل أسلوب أي واحدة وحاسس إني مرتاح في وحدتي ومش من الضروري اني اتجوز.
لحد ما نزلت شغل جديد في شركة واتعرفت على زميل ليا مزعج وثرثار بشكل كبير، المهم من أول يوم وهو صمم إننا نخرج سوا بعد الشغل مع الشلة بتاعته وأنه هيضمني كفرد جديد ليهم.
والسبب الوحيد اللي خلاني أوافق هو إني عندي فراغ من ناحية الصحاب وقولت أجرب... يمكن أكون اجتماعي وانا مش واخد بالي.
ونزلت مع سراج زميلي على قهوة في وسط البلد، كانوا تلت شباب اتنين أصغر مني، وواحد وقور كده اربعيني وأكبر مني بشوية.
اتعرفوا عليا وفجأة لقيت سراج بيقولي "اقدملك يا سيدي، مريم وهالة صحابي، وأمهم".
أنا دماغي وقتها اتشلت وعملت ايرور 404، مش فاهم هو بيهزر ولا إيه اللي بيحصل وقولتله "نعم معلش قول تاني"..
كرر كلامه من تاني وقالي "يابني بقولك دي اسمها مريم ودي هالة، والكبيرة دي أمهم واضحة يعني".
ابتديت أشك أنهم متحولين وإني في المكان الغلط واتدبست، وسألته "يعني دول بنات ولا دي أسامي هزار بينكوا يعني ولا في إيه اللي بيحصل هنا ده".
سراج فضل يضحك هو وأصحابه ويشاوروا عليا كأني أنا المجنون بينهم! ابتديت اتعصب وقومت علشان امشي، مسك فيا وهو بيكمل ضحك وبيقولي "يابني أقعد، ما تشوفيه يا أم مريم الواد اتجنن وهيطفش".
زقيت أيده من عليا لأني ابتديت أحس بأشمئزاز ناحيتهم كلهم وقولتله "تصدق ياض أنت مش راجل، الله يلعن اشكالكوا كلكوا مليتوا البلد، ومن بكرا هبلغ في الشركة عنك علشان المكان ينضف من اشكالك".
المشكلة اني كنت منفعل جدًا وكلهم قاعدين مستغربين انفعالي كأنه شئ عادي وانا اللي غريب وغلطان مثلًا.
قامت أم مريم.. أو صاحبهم الاربعيني ده مسكني وقعد يقولي "ياعم أقعد، انت شكلك فاهم غلط ولا ممسوس، هو أنت بتسمع حاجة احنا مبنسمعهاش ولا إيه ".
ومن هنا كانت البداية!
أنا فعلًا بسمع حاجات محدش بيسمعها غيري، وأغلب علاقاتي باظت بسبب أنهم بيقولوا عليا بفهمهم غلط، ولأن دي مش أول مرة تحصلي قررت اقعد وافهم لمرة واحدة إيه اللي بيحصلي!.
قولت للشاب الكبير "ده بيقولي دي هالة ومريم ودي أمهم، ده كلام ناس عاقلين ده".
وعلى عكس ما توقعت أنهم هيضحكوا من جديد، لقيتهم كلهم مصدومين، وحط الشاب أيده على راسي وهو بيقولي "ممكن تهدا.. خليك متتحركش".
كنت حاسس مكان أيده بصداع بيخرج من راسي، حاولت أبعد أيده عني، لكن شاور لباقي الشباب يكتفوني!؟
خوفت يكونوا عايزين يأذوني وابتديت اتعصب وافلفص منهم وانا بزعق وبقولهم "ابعدوووا عني، اوعى ايدك ياعم، انتوا مجانين ولا إيه".
الشاب كان بيردد كلام بصوت مش مسموع، لكن كنت حاسس بأثره على جسمي ودماغي اللي بتتقل مني ومش قادر ابعدهم عني كأني بتخدر.
كام دقيقة وكنت اتخدرت بالفعل، ونمت على الترابيزة قدامي كأني منمتش من سنين، وفوقت على كوباية ماية ساقعة بيرموها في قفايا علشان افوق.
قومت جسمي مدغدغ، ولقيتني مازلت قاعد معاهم على نفس القهوة وكلهم مخضوضين عليا وبيسألوني "انت كويس؟ ها أحسن دلوقتي".
عيني كانت مزغللة ومرهق كأني راجع من سفر بعيد، وسألتهم "هو حصل إيه..؟! ".
رد الشاب الاربعيني وقالي "أهو كده يا راجل أقدر اقدملك نفسي، أنا أسمي سعفان، أو ممكن تقولي شيخ سعفان زي باقي صحابنا، ودول سراج وهاني ومراد، هااا قولي كده احنا اسامينا إيه".
كان بيختبر درجة تركيزي وقولتله "شيخ سعفان، ومراد، وهاني وسراج الزفت، ها حصل إيه بقا".
فجأة لقيت سراج بيحضني بعفوية وبيقولي "الحمد لله على سلامتك يا صاحبي، مش تقول يا أخي انك ملبوس ومتهبب، خضتنا عليك".
بصيت له وقولتله "ملبوس؟ مين ده اللي ملبوس".
رد الشيخ سعفان وقالي "مش ملبوس بالمعنى الحرفي، لكن انت إزاي عمرك ما شكيت أنك ممسوس وعليك جنية عاشقة هي اللي مبوظالك علاقاتك علشان تكون ليها لوحدها ؟! ده غير أنك مبتصليش وطول اليوم قاعد في الضلمة حاضن مخدتك ويمكن بتكلمها كمان".
كل الـ بيقوله الشيخ سعفان صحيح، وبنفذه بالحرف، وده اللي خلاني صدقته وسألته "هو حضرتك شيخ وبتعالج الحاجات دي؟".
رد وقالي بعد ابتسامة خفيفة اترسمت على ملامحه "اومال ببيع فجل، طبعًا بعالج، ولو عايز تكمل رحلة علاجك هكتبلك حاجات تستمر عليها".
من إعجابي الشديد بشخصيته وأسلوبه طلبت منه أنه يعالجني، ويعلمني كمان أكون معالج زيه واساعد الناس زي ما ساعدني.
بقيت اقابل الشيخ سعفان بشكل يومي، أخلص شغلي واتصل عليه أشوفه فين واروحله، وبقا ياخدني معاه عند الحالات اللي بيعالجها وبقعد أسمع اللي بيقوله كويس وبتعلم منه.
وبقا أسمي وسط الشلة "الشيخ وحيد".
لقيت نفسي في المكان ده وابتديت اقرأ كتب واتعمق، وناس يكلموني ويسألوني عن حياتهم الخاصة واللي بيحصلهم.
ولحد ما اتعالجت نهائي من الجنية العاشقة اللي كانت عليا، ابتديت أحس إني محتاج استقر واتجوز ونظرتي اختلفت للحياة كتير عن الأول.
وفي يوم جالي تليفون من الشيخ سعفان بيقولي "بقولك ايه يا شيخ وحيد، في حالة كلمتني لكني على طريق سفر، ممكن تروح انت بدالي".
في المرحلة دي أنا كنت لسه بتعلم ومجربتش استلم حالة لوحدي، لكن لأجل مساعدة الشيخ سعفان وافقت وقولتله تمام خليها تكلمني وبإذن الله هروحلها.
اتصلت بيا ست كبيرة قالتلي "مساء الخير يا شيخ وحيد، أنا بكلمك من طرف الشيخ سعفان، دلوقتي يا شيخنا أنا عندي بنت عندها عشرين سنة وزي القمر ومؤدبة ومنتقبة والكل بيحلف بأخلاقها، لكن كل ما يجيلها عريس يطلع جري من الاوضة ومحدش فاهم بيحصل إيه بالظبط، حتى هي مش فاهمة حاجة، ممكن تيجي تشوفها الله يكرمك وترقيها".
حسيت أن الحالة بسيطة وفي مقدرتي اساعدها، وطلبت منها العنوان ونزلت روحتلها في نفس الساعة.
اول ما طلعت استقبلتني الست الكبيرة، وأبوها واتنين رجالة ضخام كده من بتوع الچيم والعضلات والطول اللي قرب يوصل للسقف دول.
كنت فاكرهم اخواتها، لحد ما الست قالتلي "أنا جبتلك دول يساعدوك علشان لو حصل حاجة من بنتي كده ولا كده ".
طبعًا رفضت الفكرة وقولتلها "ليه يا أمي تعملي كده في بنتك الموضوع مش مستاهل، كل الحكاية بس اني هرقيها بكل هدوء وبإذن الله خير متقلقيش، انزلوا انتوا يا رجالة مفيش داعي لوجودكم".
ونزلوا بالفعل، وشاورتلي الست على اوضة الصالون اللي بنتها منتظراني فيها.
دخلت وأنا محرج لأنهم رفضوا يدخلوا معايا، فتحت الباب لقيت بنت منتقبة قاعدة على كرسي الصالون بكل خجل وباصة على الأرض وواضح أنها خايفة أو مكسوفة مني.
خليت الباب موارب ولسه هقعد لقيتها بتقولي "لأ اقفل الباب من فضلك".
ابتديت أنا الـ اتوتر، وسمعت كلامها جايز محتاجة تتكلم معايا في حاجة بعيد عن أهلها.
قفلت الباب ورجعت مكاني، حبيت ابدأ بالكلام وقولتلها "احكيلي يا آنسة، ايه اللي بيحصل مع العرسان بيخليهم يهربوا بالشكل ده زي ما والدتك قالتلي؟".
صوت البنت كان رقيق جدًا، وبيدل على خجلها وأخلاقها وقالتلي "مش عارفة، هما بيمشوا لوحدهم.. اكيد نصيب".
حسيت أن البنت طبيعية جدًا ومش محتاجة مني علاج، لكن علشان أعمل اللي عليا قدامهم قولتلها "طب أنا دلوقتي هقرأ عليكي الرقية الشرعية بحيث لو محسودة أو فيكي أي شيء نعرف.. جاهزة؟".
صوت مختلف تمامًا رد عليا من ورا النقاب وقالي "جاهز ياروح أمك".
اتنفضت وافتكرتها بتعمل مقلب أو يمكن أنا اللي رجعت أسمع غلط وسألتها "نعم؟ قولتي إيه".
ردت بصوت أنثوي رقيق وقالتلي "جاهزة يا شيخنا اتفضل".
طلعت النوتة من جيبي بحيث لو عطلت في حاجة اراجع منها، وقبل ما ابدأ لقيت البنت قامت من مكانها وجت قعدت جنبي وبتقولي "شيخنا شيخنا، ممكن قبل ما تبدأ بس اصارحك بحاجة؟!".
بعدت عنها بمسافة وانا حاسس بقلق منها وقولتلها "اتفضلي حضرتك قولي اللي عايزاه، أنا هنا علشان اساعدك".
حطت أيدها على كتفي وقالتلي "ينفع أشيل النقاب؟".
وقفت مكاني وقلبي مقبوض من اللي بيحصل وقولتلها "في إيه يا آنسة، هو في بنت منتقبة تقول كده اتقي الله، أنا هنا علشان اساعدك مش اضلك".
بدأت البنت تبكي بصوت عالي وقالتلي "أنا مش عارفة ايه اللي بيحصلي ده، صدقني.. ده.. ده غصب عني، كان لازم اوريك حاجة ضرورية ورا النقاب، أعمل إيه طيب".
ابتديت اتعاطف معاها، وقولت لنفسي جايز تكون ملامحها وحشة أو عندها عيب خُلقي في ملامحها هو اللي بيخلي العرسان تطفش، وعلشان كده محتاجة تكشف وجهها قدامي.
رجعت قعدت جنبها على مسافة بسيطة وقولتلها "طب خلاص ارجوكي متعيطيش، كل حاجة هتتحل بإذن الله، لو في شئ ضروري عايزة تكشفيهولي معنديش مشكلة اتفضلي".
بدأت البنت تضحك بهيستيرية وقامت تتنطط وهي بتلف حوالين نفسها وبتردد "أنا كنت متأكدة، أنا كنت متأكدة".
هنا حسيت أنها مش طبيعية فعلًا وممسوسة، أو يمكن عبيطة ومعنديش تفسير تالت عن حالتها.
طلبت منها تقعد مكانها علشان نكمل جلستنا وأخلص من الورطة دي، رجعت قالتلي "طب غمض عينك علشان اكشفلك السر يلا".
طاوعتها لأخر لحظة وغمضت عيني، وسمعت صوت تخين جدًا وبشع بيقولي "فتح عينك بقا".
فتحت عيني وكانت الصدمة أن البنت فعلًا زي القمر، جمال ملامحها مش طبيعي، على عكس ما توقعت إني هشوف عفريت أو معزة كمان شوية.
جمالها الساحر خلاني نسيت الصوت اللي سمعته من شوية وسألتها "إيه هو السر؟".
ضحكت وطلعت لسانها واللي كان عبارة عن ديل معزة!!؟؟، وقالتلي بنفس الصوت البشع "ها عجبتك".
اتأكدت أن البنت دي ممسوسة، واللي عليها مش هين، ولأن الخوف نساني كل اللي حفظته، مسكت النوتة بسرعة فتحتها علشان اقرأ اللي فيها، لكنها كانت أسرع مني وقالتلي "لا كده مش هحبك، عشمار لو زعل هيزعلنا كلنا".
استنتجت أن عشمار ده إسم الجن اللي عليها، وقولتلها "يا آنسة قاومي شوية ارجوكي، ساعديني علشان اساعدك".
بصت جنبها كأنها بتكلم حد موجود معانا وقالتله "لا يا عشمار بلاش ترميه من البلكونة، كده الجيران هتزعق".
طبعًا الكلام كان عليا وقولتلها بخوف "هو عشمار موجود معانا في الاوضة هنا ؟!".
ردت وقالتلي بحماس "ايووون، وهيرميك من البلكونة علشان زعل منك".
نطيت مكاني معرفش إزاي وجريت علشان أهرب من الاوضة كلها، ولقيت قوة غريبة بتسحبني وبترفعني في الهوا، وباب البلكونة بيتفتح وأنا متعلق في الدور التاني في نص الشارع بصرخ وبفلفص في الهوا، والبنت بتسقف بحماس وبتقوله "براحة يا عشماااار، بلاش يموت حرام خليها المرة الجاية".
بقيت أصرخ واقوله"خلاص ياعم عشمار، صدقني مش هعمل حاجة، منك لله يا شيخ سعفان".
وفي لحظة بدل ما كنت متعلق في الهوا، القوة اللي كانت مسكاني بعدت عني ووقعت في نص الشارع بصرخ وجسمي مفيهوش حتة سليمة.
جالي الشيخ سعفان المستشفى لقاني متجبس أيد ورجل وراس وكل حاجة، قعد يضحك وقالي "بقا حتة جن يعمل فيك كده؟ مهو خوفك هو اللي شجعه يعمل فيك كل ده، أنت تخف وهنرجعله المرادي سوا، وهوريك النوع ده بيتعالج ازاي".
وللأسف وافقت، مش علشان عايز انتصر على الجن اللي دشملني لأ.. علشان أعجبت بـ البنت من أول نظرة، وحاسس أن هي دي اللي تنفع تكون "حرم الشيخ وحيد".