رواية جبران العشق الخاتمة الجزء الاول
الأسود ، ما به ؟
لون الظلام ، إختيار الشر ، ستار المجرمين
ولكن السؤال هل الأسود هو من اختار هيئته أم فُرضت عليه
هل الأسود اختار أن يمثل الجانب السئ من الحياة ، أم أن الحياة هي من أرغمته عليه
ربما هو لا يريد ذلك ربما يتمنى أن يجرب نقاء الأبيض ، يعش بين ثناياه النقية يتمتع بتلك الطهارة التي لم يعرفها قبلا
حين بكى الظلام ظلما لم يصدقه أحد
من سيصدق إن الشرير قد اُجبر على ما يفعل ؟!
من سيصدق أن البراءة انتزعت منه قصرا
مد الأسود يده نحو الأبيض فأشفق الأخير عليه
أمسك الأبيض بيده ليمتزجان ليكونا معا
عملة الحياة!!
فلا الشر ولد أسود
ولا الأبيض سيظل نقيا إلى الأبد
_____________
السابعة صباحا أمام منزل بيجاد وقفت شيرين هناك ، تنظر للبيت أمامها جسدها يرتجف بين الحين والآخر في ذلك البيت القابع أمامها كانت البداية هنا قابلت مجدي هنا ، من هنا بدأت حياتها تتهاوى نحو القاع ، هنا خسرت حب حياتها ، رفعت يدها تزيح تلك الدموع التي انهمرت تشق وجنتيها ، أغمضت عينيها تتنفس بعمق تشجع نفسها تتقدم للأمام ، عليها حقا أن تكن ممتنة لذلك الضابط المدعو زياد فهو من ظل يبحث إلى أن عثر على ابنتها وأخبرها بمكانها ؛ جوار أخيها في منزل العائلة الذي بات لسراج فيما بعد ، ويال السخرية ابنتها لم تكن سوى تلك الحية الخبيثة المعروفة بينهم بإبنة الشيطان ، كانت على أتم ثقة ابنتها ضحية مثلها وتأكد ظنها يوم المحاكمة حين انهارت تبكي أمام القاضي ، المسكينة لاقت عذابها أضعافا مضعفة
ارتجف كف يدها حين رفعته تدق الباب ، لحظات وفتح لها بيجاد نفسه الباب ، توقعت منه الكثير أبسط شئ ألا يسمح لها بالدخول من الأساس ولكن ما حدث أنه ابتسم لها يفسح لها الطريق لتدخل ، توسعت حدقتيها مدهوشة ابتلعت لعابها تتقدم للداخل تنظر حولها ، مرت كهرباء تصعق جسدها البيت لم يتغير به شئ سراج لم يغير فيه شئ ، نظرت صوب طاولة الطعام الضخمة التي تقبع هناك لتعاد الذكرى القديمة أمام عينيها من جديد ، أجفلت على صوت بيجاد يشير لها صوب غرفة الجلوس يردف :
-اتفضلي اقعدي يا مدام شيرين ، ثواني هنادي ملك
اومأت له مرتبكة أرادت أن تسأله عن رُسل ولكنها تراجعت ، بالطبع رُسل لن ترغب في رؤية وجهها حتى ، كيف ستفعل وقد أسأت إليها كثيرا خاصة بعد الحادثة التي أفقدتها بصرها ، كرهها لمجدي جعلها تكره جميع أولاده
جلست على أحد المقاعد تراقب بيجاد وهو يصعد لأعلى
أخذ طريقه لغرفة شقيقته لا يرغب كيف سيكون رد فعلها إزاء الخبر الذي يحمله ، سيخبرها بمنتهى البساطة ملك حبيبتي والدتك هنا ترغب في رؤيتك ، شيرين زوجة مجدي قاتل أبيه لولا فقط أن زياد أخبره بما أجرمه مجدي في حقها هي أيضا لكان قتلها قبل أن تخطو قدميها خطوة واحدة داخل منزل والده ، وقف أمام غرفة شقيقته قبل أن يطرق الباب التفت برأسه إلى الغرفة المقابلة له غرفته هو ورُسل التي لم يخطو إليها منذ أسبوع علاقته بملك تتحسن يوما بعد الآخر أما علاقته برسل فتزاد سوءً ، تتجنبه وهو يفعل المثل، يحرقه الشوق إليها ويؤلم قلبه ما فعلت
تنهد حائرا دق باب غرفة شقيقته ليسمع صوتها تأذن له بالدخول ، أدار المقبض ودخل ليراها تطوي سجادة الصلاة تضعها جانبا ابتسم سعيدا ملك تحافظ على صلاتها بشكل يثلج قلبه ، بات يتمنى لو يفعل المثل ... اقترب منها يقبل جبينها يغمغم مبتسما:
-تقبل الله يا حبيبتي ، تعالي اقعدي عايز اقولك حاجة
ابتسمت تحرك رأسها جلست جواره على حافة الفراش ظل صامتا للحظات لتقطب جبينها متعجبة من قلقه الظاهر على قسمات وجهه زفر أنفاسه بعمق قبل أن يتوجه إليها يغمغم حَذِرًا :
- ملك ، والدتك تحت وعايزة تشوفك
توقع الكثير حقيقة ولكن ما لم يتوقعه تلك النظرة الهادئة التي ظلت مرتسمة على وجهها ، ارتفع ثغرها بابتسامة بسيطة تتمتم :
-تمام يلا ننزلها
قامت من جواره ليمسك بكف يدها سريعا قبل أن تتحرك التفتت له تنظر له مستفهمة ليردف هو :
- ملك قبل ما تنزلي ، عايزك تعرفي أن والدتك ضحية جبروت مجدي و
وبدأ يقص لها ما أخبره به زياد كاملا على لسان شيرين شعر بكف يدها يرتعش داخل كفه اهتزت ابتسامتها لا ترغب سوى في البكاء من المؤلم أن تلاقي والدتها كل ذلك لأنها فقط أحبت ومجدي لم يوافق على ذلك الحب ، لم تشعر سوى بالدموع تشق وجنتيها ليقوم بيجاد سريعا جذبها لصدره لتتمسك بصدره تبكي بحرقة بين أحضانه
على صعيد آخر قريب للغاية خرجت رُسل من غرفتها تتحرك صوب الأسفل تبسط يدها بخفة على بطنها تشعر بالجوع الشديد ربما بسبب حملها ولكنها حقا تشعر وكأنها لم تأكل منذ دهرا ، تنهدت حانقة بيجاد يتجنبها لا يدخل غرفتهم لا يتحدث معها لم يوجه لها كلمة واحدة منذ أسبوع يعاقبها في صمت حرفيا
زفرت حانقة انتظرت ليلة كاملة عودته للغرفة لتخبره بخبر حملها ولكنها وجدت الخادمة تدلف للغرفة تجمع ثيابها تخبرها بأنه قرر البقاء في أحدى الغرف البعيدة عنهم ، فقررت الا تخبره نزلت لأسفل تكمل طريقها للمطبخ لمحت في انعكاس المرآه الكبيرة سيدة تجلس في غرفة الجلوس وتلك السيدة تعرفها جيدا ، شيرين زوجة أبيها ما الذي جاء بها إلى هنا تلك الحية كسف تجرؤ حتى على القدوم لمنزلها بقدميها ، تحركت إليها بدلا من أن تذهب للمطبخ وقفت عند باب الغرفة رفعت يدها تشير لباب المنزل تصرخ بعلو صوتها :
-أنتِ إزاي أصلا تتجرأي وتيجي هنا ، امشي اطلعي برة ، برة بدل ما اجيب الخدامين يرموكِ برة
وقفت شيرين تنظر صوب رُسل اضطربت حدقتيها تدمع عينيها لتضحك رُسل ساخرة:
-وأنا المفروض بقى أصدق دموع التماسيح دي ، دي حتى التماسيح بريئة من خبثك وغلك وقرفك ، يلاااا برة
أرادت الرحيل ولكنها لم تر ابنتها بعد فظلت واقفة مكانها وذلك الأمر حقا أغضب رسل فتحركت صوبها مدت يدها تقبض على رسغ يدها تجذبها خلفها قصرا صوب باب المنزل تصرخ فيها :
-أنا مش قولت برة ، يلا برة وما اشوفش خلقتك تاني ، اللي فيه دا انتقام ربنا ... فاكرة لما اصريتي تخلي بابا يمشيني من البيت وتقوليله انا مش عايزة بنتك العامية تقعد في بيتي عشان شكلي قدام أصحابي ، أهي العامية فتحت أنا اللي لو شوفتك في بيتي تاني هقتلك
ودفعتها تلقيها خارج المنزل قبل أن تغلق الباب امتدت يد بيجاد من خلفها التفتت إليه ، ليحرك رأسه نفيا أمسك بيد رُسل يبعدها عن الباب يوجه حديثه للواقفة خارجا:
-ادخلي يا مدام شيرين
توسعت عيني رُسل غضبا لتدفع يد بيجاد بعنف وقف أمامه تمنع دخولها تصرخ محتدة :
-الست دي لو دخلت هنا ، أنا هخرج ومش هتشوف وشي تاني
زفر بيجاد يآسا منها ، ألم تهدأ بعد ظل واقفا يراقبها من بعيد وهي تخرج غضبها لها على ما فعلت بالماضي ، ابتسم في مكر لتشهق مدهوشة حين وجدت نفسها فجاءة محمولة فوق كتفه يتحرك بها للداخل أشار لشيرين ليكمل هو طريقه للأعلى وهو يحملها وهي تصرخ بين يديه تكور يديها تضربه بعنف على ظهره ليتأوه متألما ... دخل بها غرفتهم لينزلها أرضا وضع يده علي ظهره ليتأوه متألما قطب جبينه يحادثها حانقة :
-ضهري يا شيخة دمرتي العمود الفقري
تحركت صوب دولاب ثيابها تخرج حقيبتها منه فتحتها تضع الثياب فيها تنهمر دموعها بحرقة تشعر بالألم يكفي أنه لم يستمع لما قالت ، وقف بيجاد أمامها يمنعها من التحرك قبل أن يردف بحرف رفعت وجهها إليه تمسح دموع عينيها بعنف حمحمت تبتلع غصتها بح صوتها تهمس:
- خلاص يا بيجاد إحنا كدة كدة علاقتنا اصلا باظت بعد إذنك سيبني أكمل لم حاجتي
لم يتزحزح خطوة واحدة بل اقترب يحتضنها يمزج جسده بها يديه طوقتها جيدا ، أغمض عينيه يتنفس بعمق كم اشتاق إليها قلبها كان يحتضر لفعل ذلك ، شعر بجسدها يهتز بين يديه وصوت بكائها يعلو ، ظلا هكذا طويلا كل منهما يرمم صدع الآخر بين أحضانه
أما في الأسفل فانهارت شيرين على أحد المقاعد تبكي بحرقة والندم يأكل قلبها رُسل محقة في كل ما فعلت ، الكره داخلها جعلها تؤذي الكثيرين دون ذنب ، رفعت وجهها على صوت حمحمة خافتة تحركت عينيها بلهفة على وجه الفتاة الواثقة على بعد عدة خطوات منها وجهها الملائكي البرئ ، ملك أخذت وسامة والدها وجمالها ، قسمات وجهها حقا مميزة بشكل فريد ، أرادت أن تهب لتعانقها ولكنها خافت الرفض ابتلعت لعابها فتحت فمها تود التحدث لينعقد لسانها يعجز عن فعل ذلك ، فقط قامت واقفة تنظر صوب ابنتها دون أن تنطق بحرف فبادرت الأخيرة تحركت ملك إليها وقفت أمامها تتمعن هي الأخرى النظر لوجه والدتها تغسي عينيها الدموع ، أرادت أن تعرف هل حقا حضن الأم مميز كما تسمع دوما فبادرت تلقي بنفسها بين أحضانها لتنفجر كلتاهما في البكاء ، رأس ملك داخل صدر والدتها ويدي شيرين تشدد على احتضان ابنتها ، كل منهن تبكي عذاب الماضي ولوعة اشتياق الحاضر وربما قريبا يبكيان سعادة المستقبل ، بعد عناق طويل جلس ملك جوار شيرين لتمد الأخيرة يدها تمسح الدموع النازفة على وجه ابنتها لتسرى رعشة لطيفة بين خلايا جسدها أجمع ، لم تنطق الألسنة لا بالعتاب ولا بالشوق ، اكتفت الدموع بالعتاب والنظرات بالشوق
لم يقطع ذلك الصمت سوى جملة ملك التي زلزلت كيان شيرين بالكامل :
-أنا مش زعلانة منك يا ماما ، أنتِ ضحيتهم أنا بجد مبسوطة أنك كنتي بتدوري عليا وعايزة تشوفيني بأي شكل
ارتجف جسد شيرين بعنف مع كلمة ( ماما ) لتعاود احتضان ملك بقوة تصرخ بحرقة تنزف عينيها الدموع تقبل جبينها وقمة رأسها بلا توقف !!
أما في الأعلى لم يفصل ذلك العناق سوى شعورها بالألم في قدميها ابتعدت عنه ببطء تنظر له معاتبة ، ليمسك بيدها يتوجهان صوب أريكة جانبية جذبها لتجلس جوارها ليبدأ بإخبارها كل ما قاله لملك قبل قليل ، ورسل تستمع إلى ما يقول دون تعليق ، لن تنكر أنها شعرت بالشفقة والأسى على ما مرت به زوجها أبيها ولكنها لن تسامحها أبدا على ما اجرمت في حقها ، أمسك بيجاد كفي يدها حين لاحظ نظرات عينيها الشاردة لتنظر إليه تنهد يغمغم مترفقا :
- ما بطلبش منك تسامحيها يا رسل ، هي جاية تشوف بنتها وهتمشي ، أنا عارف إن حقك تكرهيها عشان كدة سيبتك تزعقي وتطرديها كمان ، هي ضحية على فكرة زيها زيننا ، واللي عمله مجدي فيها مش بسيط فكرهته وكرهت كل حاجة منه
اومأت توافق ما يقول لتتذكر في تلك اللحظة الشجار القائم بينهما منذ أكثر من أسبوع لتجذب يدها من يده بعنف هبت واقفة تنظر إليه محتدة :
- مش شرحتلي الموضوع اتفضل بقى امشي ، أنت مش بعدت وتجاهلتني وروحت قعدت في أوضة تانية وقولتلي هتتجوز ، اتفضل بقى روح اتجوز
وقف هو الآخر يكتف ذراعيه أمامه رفع حاجبه الأيسر يردف ساخرا:
-يعني انا دلوقتي الشرير في رواية أحدهم. ، وأنتِ مش شايفة خالص أنك غلطانة ، تهربي وتخليني زي المجنون بلف عليكِ الدنيا مش فاهم حتى أنتِ هربتي ليه ، أنا عملت ايه غلط عشان تسبيني وتهربي ، قولتلك إني بعدت قولتلك إني خلاص توبت لكن أنتِ حكمتي عليا بذنب وليد وبقيت أنا الشرير القاسي
توترت حدقتيها محق ان تنكر أنه محق وأنها من أصدرت حكم الاعدام دون حتى أن تسمع دفاعه ولكنه لن يفهم ما تعاني حقا هل تخبره بالحقيقة ربما يجب أن يعرفها الآن ، نظرت إليه ليرى الدموع تتسارع للولوج لمقلتيها ، ارتعشت يديها ترفعهم لخصلات شعرها تزيحهم للخلف بعنف ارتعشت نبرة صوتها تردف بحرقة:
-أنا عارفة ان اللي عملته دا غلط ، بس أنت ما تعرفش حاجة أنا بسببهم خسرت الثقة في كل اللي حوليا ، من وأنا صغيرة أنت عارف إن الطفلة بيبقى البطل دايما في نظرها أبوها ، لما سفيان كان بيتحرش بيا بشكل مقرف كنت طفلة ومش فاهمة بس كنت واثقة أن اللي بيعمله دا غلط ، جريت على بابا عشان يحميني عنه ، عارف عمل ايه زعقلي وقال عني مجنونة وبتخيل ومسكني من ايدي كان سفيان عندنا اليوم دا وزقني ناحيته وقاله وهو بيضحك ( رسل العبيطة خايفة منك وبتقول أنك بتلمسها بشكل وحش)
أكتر لحظة حسيت فيها بالرعب لما زقني بايده ناحية سفيان من يومها وأنا فقدت ثقتي فيه تماما ، مدام شيرين كان تعاملي معاها محدود كان نفسي أحس أنها أمي بس ما حصلش بعد الحادثة بقيت بسمعها هي وطارق بيتريقوا عليا ، واسمع طارق بيتريق مع أصحابه عليا ، ما كنتش مصدقة أن أخويا هو اللي يعمل كدة ، أنا مرة سمعته وهو بيقولهم استنوا هصورلكوا فيديو لرسل العامية وهي بتتحرك ، حتى أخويا ما بقتش بثق فيه ، وشيرين هانم اللي طردتني الدنيا كلها باعتني ، ما كنش عندي غيرك أنت ووليد لما عرفت حقيقة وليد منك ومن حياة ما بقتش قادرة حتى أثق في نفسي ، لما رجعتلي الذاكرة بقيت واثقة أن هيجي لحظة تستغني عني زي الكل فهربت ، أنا آسفة آسفة أوي
ورفعت كفيها إلى وجهها تبكي بعنف ، رفع هو يديه سريعا يمسح دموع عينيه بقوة وما قالت كان كالشظايا حاد مؤلم عنيف اندفعت كلماتها إلى قلبه تهشمه
اقترب منها يعانقها تشبثت بملابسه يعلو صوت بكائها ، تركها تفرع كل ما في قلبها إلى أن بدأ صوت قلبها يهدأ ، ليمسك وجهها بين كفيه يبعد وجهها للخلف قليلا تحرك إبهاميه على صفحة وجهها يحذفان دموعها ، التحمت مقلتيها بعينيه ظل الصمت بينهما طويلا إلى أن قرر هو الحديث أخيرا:
-أنا آسف على كل اللي حصلك منهم ، لو في أيدي أطلع سفيان من قبره واحرقه بدل المرة ألف ، الكل خد جزائه يا رسل ولازم أنا وأنتِ نتجاوز اللي حصل ونعيش حياتنا ونفتح صفحة جديدة ، أنا عمري ما هتخلى عنك في يوم يا رسل اتاكدي من دا
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها لترفع يدها تمسك بكف يده توجهه إلى بطنها تعيد تصحيح جملته :
- قصدك عمرك ما هتتخلى عنا
جحظت مقلتيه في ذهول تجمد جسده للحظات لم يأتِ بحركة واحدة فقط عينيه حاجظة فمه مفتوح حتى آخره ، لحظات وبدأ عقله يترجم ما قالت لتدمع عينيه فرحا ، ضحك سعيدا يحرك رأسه تلعثمت الأحرف داخل فمه :
-أنتِ أنتِ أنتِ حامل ، أنتِ بجد حامل ، حامل بجد مش كدة
ضحكت على رد فعله تومأ برأسها سريعا لتتعالى ضحكاته يطوقها بذراعيها يلتف بها حول نفسه يصرخ من سعادته !!
________________
خرج من المسجد استقل سيارته يأخذ طريقه إلى منزلها ، يدق في كيانه بالكامل كلمات إمام المسجد حين أخبره هو بشكل مختصر عن تلك العلاقة المعقدة بين قلبه المائل إليها وعقله الرافض للماضي ليبتسم الرجل له يحادثه
( شياطين الإنس يا إبني ، فاق شرهم شياطين الجن ، أنت لو استعذت بالله يخافوا ويهربوا ، إنما شياطين الإنس لو قريت عليهم القرآن كله ولا هيهز فيهم شعرة ، قلوبهم كالجحارة أو أشد قسوة زي ما قال عنهم رب العالمين ، واللي اتعرضلته البنت دا من شيطان من شياطين الإنس صعب ، لغى هويتها خلاها ما تعرفش حتى ديانتها ، كان بيعاملها وأنا آسف في الكلمة زي الحيوانات واسوء ، ورغم كل اللي عمله واللي خلاها تعمله غصب عنها ، ربك أقوى منه وأهو اتعذب بالحرق وهو حي ، وربنا ساق للمسكينة دي أهلك يردوا فطرتها ويعلموها الصلاة ويعرفوها كل حاجة عن دينها ، وأنت بنفسك قولتلي أنها بقت ما بتفوتش فرض ، بص يا ابني الاختيار في أيدك ، عايز تكمل معاها وتاخد ثواب كل حاجة هتعرفها سواء في الدين أو في الدنيا على أيدك ، أو تسيبها وربك بإذن الله هيرزقها بالأحسن وهيرزقك بالأحسن )
عزم القرار واختار ما يريد أن يفعل ، وقف بسيارته في حديقة منزل بيجاد نزل منها يهرول الخطى صوب باب المنزل دق الباب يهدر قلبه بعنف انتظر عدة لحظات إلى أن فُتح الباب لتقع عينيه على وجهها دون أن يشعر وجد ابتسامة كبيرة تشق ثغره وتحركت شفتيه يهمس ملتاعا :
-وحشتيني أوي يا جميلة !!
______________
استيقظت قرابة العاشرة صباحا ، نظرت جوارها لتجد حياة تنام بعمق ابتسمت سعيدة ما حدث كان أكثر من رائع وجود أيمن في تلك اللحظة على الرغم من كونه مؤلم ألا إن الفتى كان حقا رائعا ، الموقف النبيل الذي فعله لا يتكرر كثيرا ، جبران كان يود التحدث إليه يخبره بشكل أو بآخر عما حدث بين حياة وزياد ويطلب منه إنهاء علاقته بحياة ولكن القدر سبقه وحضر أيمن في الوقت المناسب ، مر على ذلك الموقف أسبوع انتقلت حياة من جديد للمكوث هنا في منزل والدتها إلى أن يشفى زياد ، ويقيمان زفافهما
تحركت بخفة من جوار حياة تخرج من غرفتها صوب المرحاض تبتسم شاردة في طريقها اشتاقت حقا لجبران لم تعد تره سوى ساعة واحدة على أكثر تقدير وباقي اليوم أما يختفي أو يعتني بزياد ، توجهت إلى المرحاض اغتسلت لتخرج إلى شرفة منزلهم تمسك هاتفها نظرت صوب ورشته رأت العمال ولم تره ، تحركت عينيها صوب منزله كادت أن تطلبه حين رأته يخرج من مدخل العمارة لتبتسم تلقائيا حين رفع رأسه ما أن خرج ينظر صوبها ابتسم يغمزها بطرف عينيه ، أخرج هاتفه يعبث في لوح المفاتيح للحظات قبل أن يصدح صوت رسالة تصل لهاتفها فتحتها سريعا لتجده أرسل لها ( غيري هدومك وانزلي بسرعة مستنيكي يا بنت الذوات )
ضحكت رفعت وجهها عن هاتفها تومأ برأسها سريعا ، عادت لغرفتها تبدل ثيابها على عجل تحركت لأسفل لتجده يقف عند الورشة يتحدث مع العمال ، تركهم متجها إليهم ما أن رآها ليتوجه صوبها تعلو ابتسامة ضخمة وجهه ليردف ما أن بات أمامها :
-صباحك فل يا بنت الذوات ، لولا أننا في الشارع كنت رزعتك حضن مطارات جابلك الغضروف ، بس كل البعد هيتعوض صدقيني
وضعت يدها على فمها تحاول ألا يعلو صوت ضحكاتها على ما يقول ، اشتاقت له اضعافا يخبرها لولا انهم في الشارع لكان عناقها ، أرادت أن تخبره لولا أنهم في الشارع كما يقول لكانت قبلته !!
مد كف إليها لتشبك كفها في يده سارا إلى الطريق الرئيسي أوقف جبران سيارة أجرة جلس جوارها بالخلف ، أخبر السائق بالعنوان لتلتفت إليه تسأله :
- هنروح فين
ابتسم في مكر يغمزها بطرف عينيه مال برأسه صوب اذنها يهمس لها :
-هتعرفي لما نوصل يا بنت الذوات ، يا وتر قلب السواح اللي واحشه أوي أوي أوي
تخضبت وجنتيها خجلا ، التزمت الصمت لما بقي الطريق لم يكن بالطويل إطلاقا وقفت السيارة لينزلا منها أعطى السائق نقوده ليمسك بكف يدها يتحرك معها مسرعا متوجها صوب أحد المتاجر الكبيرة قيد التجديد ، وقف أمام واجهه المتجر ، يشير للافتة التي تعلوهم رفعت عينيها تنظر لما يشير لتتسع حدقتيها ذهولا حين أبصرت ما خُط على سطح اللافتة ( معرض الوتر للموبيلا ) ، وضعت يدها على فمها تضحك في ذهول ، نظرت إليه ليشير للمكان يغمغم سعيدا :
-ايه رأيك في المفاجأة دي ، خدت نصيبي في ورث والدي ودورت على معرض ينفع ، لقيت دا وبصراحة موقعه ممتاز ، بس أحتاج فلوس كتير جداا ، فزياد أصر اني اخد نصيبه وأكمل الفلوس ، بس طبعا دا دين في رقبتي وهرده ليه حتى لو هو ما طلبوش ، ساكتة ليه ايه رأيك ؟
أرادت قول الكثير عن كونها سعيدة تكاد تطير فرحا بتلك المفاجأة المذهلة ولكنها اكتفت بقول جملته من جديد اقتربت منه أكثر تهمس له :
- تعرف لولا أننا في الشارع كنت رزعتك حضن مطارات يجيبلك الغضروف على المفاجأة الحلوة أوي دي
لينفجر في الضحك يحرك رأسه يآسا كم يعشق تلك المجنونة لحد فاق الحدود ! ، أمسك بيدها يأخذها في جولة داخل المعرض ، لتجد أن المعرض لا يزال في حالة الإنشاء دهانات الحوائط لم تكتمل بعد ، وهناك من يعمل على الإضاءة والكهرباء ، نظرت صوب جبران تسأله :
- هو هيخلص امتى عشان يبقى جاهز للافتتاح
ابتسم يحرك رأسه اليه مردفا :
-قريب بإذن الله ، تعالي يلا احنا ونسيب الناس تكمل شغلها
ومن ثم وجه حديثه للعمال من حوله :
-الهمة يا رجالة يلا شدوا حيلكوا
أمسك بيدها يخرجان من المكان يأخذها إلى كورنيش النيل يعرف أنها تحب المكان هناك ، ابتسمت ما رأت بائع الايس كريم نفسه لتمسك بيد جبران تجذبه سريعا صوبه وقفت أمام الرجل تطلب مبتسمة :
- عايزة واحد مانجا على فراولة
ضحك جبران يتذكر ذلك الموقف أعطاها الرجل ما تريد ليخرج النقود من جيبه يحاسبه ، سارت جواره صوب الكورنيش جلست في نفس المكان تؤرجح قدميها كالمرة السابقة ، ليفعل المثل أخرج هاتفه من جيب سرواله يحادثها لتنظر صوبه :
-وتر بصيلي هنا
نظرت صوبه تضحك ليلتقط لها عدة صور ، أعاد الهاتف لجيبه ليتحرك إليها جلس جوارها ليميل برأسها إليها يهمس لها عابثا :
- بمناسبة حظر التجول اللي إحنا فيه وكل واحد فينا في ناحية ما تيجي نطلع ورا مصنع الكراسي
توسعت عينيها اندهاشا ذلك المكان سمعت عنه في الأفلام والمسلسلات دوما ما كان يحمل إيحاء غير جيدا أبدا ضربت كتفه بعنف بشرت أسنانها تهمس لها حانقة :
-عايز تاخد مراتك ورا مصنع الكراسي يا جبران
ضحك عاليا قبل أن يرفع كتفيه يغمغم ببساطة:
- مش أحسن ما اخد حد غريب
كادت أن تصرخ فيه ليرفع يده سريعا يضعها على فمها يغمغم :
-خلاص بخربيتك هتفضحينا الناس تقول بتحرش بيكِ هو أنا نفسي آه ، بس مش قدام الناس يعني
توسعت عينيها تهمه داخل كفه حانقة ليقف هو سريعا يختطف علبة المثلجات من يدها يتحرك بعيدا عنها لتهرول خلفه تغمغم حانقة :
-والله يا جبران لو ما وقفت لأصرخ واقول حرامي !!
______________
في غرفة مكتب بيجاد ، عمر بصحبة ملك ، تجلس هي متوترة تفرك يديها تتوعد لأخيها لأنه وافق على جعلها تجلس معه بمفردها ليتحدثان حين حاولت أن تقنعه بالعكس صاح مذهولا ( يا بنتي دا جوزك يخربيت الزهايمر مدمر أجيال)
أما هو فيجلس مبتسما يشعر وكأنه يراها للمرة الأولى ، اشتاق لها بشكل لم يتوقعه أبدا ، افتقد كل ما كانت تفعل ، في تلك اللحظة التي يجلس فيها أمامها صور له عقله مشهد سعيد لها وله ولعدة أطفال صغار في منزل صغير ، رغم غرابة ما حدث في علاقتهم منذ البداية ولكنه من الممكن أن يكن حدث ليجمعهم إلى الأبد تخلى عن ذلك التوتر والقلق وأخيرا تخلص العقل من قيده ليتحرك لسانه ينطلق:
-جميلة أو ملك أو روزا أو صفا ، صدقيني أنا ما يفرقش معايا ايه هو اسمك الحقيقي قد ما يفرق معايا البنت الجميلة اللي شوفتها بتتسحب عشان تطلع تصلي الفجر على السطح اللي كان بتدعي من كل قلبها ، أنا عارف إني قولت في حقك كلام سخيف وظلمتك قبل ما اعرف الحقيقة ، بس صدقيني كل دا اتغير ، أنا لما إجازتي خلصت ورجعت القاهرة كنت حاسس أن في حاجة كبيرة في حياتي نقصت ، لما كنا في البلد دا والدكتور دا كان عايز يخطبك ، كنت ببعد عنك بايدي وأنا بحتقر نفسي وقلبي بغرز بايدي النصل فيه
، هتصدقيني لما اقولك إني كنت طاير من الفرحة لما عرفت أن جوازنا حقيقي ، هتصدقيني لما اقولك أن كل ليلة بفضل اتخيل وشك قدامي قبل ما أنام ، ملك تعالي نرمي كل اللي فات ، أرجوك اديني فرصة اثبتلك إني استحقك بجد ، ها يا ملك قولتي ايه
لم تجد ما تقوله بعثرت كلماته مشاعرها بشكل جعل لسانها ينعقد ، تشعر بدقات قلبها تتزايد بشكل غريب لم تعرف ذلك الشعور قبلا ، شعور غريب يتملك منها دقاتها تتسارع أنفاسها تهرول جسدها ينصهر خجلا تشعر بالسعادة رغم كل ذلك ما الذي يحدث لها لا تعرف ، قامت من أمامه نظرت أرضا تبتسم خجلا قبل أن تهرول من أمامه لخارج الغرفة راقبها وهي تخرج مهرولة تبتسم سعيدة حتى أنها عانقت بيجاد في طريقها تهرول سريعا لغرفتها ، فلم يفهم هل وافقت أم لا
هنا دخل بيجاد إلى الغرفة يضرب كفا فوف آخر يغمغم ضاحكا:
-أنت قولتلها ايه يا إبني دي ماشية تضحك زي العبيطة ، مش سهل أنت يا عمر !
_________________
تحركت في طرقات المستشفى شاردا لا يعرف أهو حزين على فراقها أم سعيد لأنه لم يفرق بين عاشقين لم يكن أبدا ليرضى بأن يتزوج فتاة قلبها مع آخر كيف يفعل ذلك
أجفل من شروده حين ارتطم بشخص ما دون أن يشعر ، أراد أن يعتذر فبادر صوتها يردف محتدا :
-مش تفتح يا أستاذ أنت
انتبه ينظر لصاحبة الصوت ليرى أمامه فتاة تقريبا في منتصف العشرينات بأعين خضراء واسعة وشعر أشقر داكن تتئزر معطف الأطباء الأبيض عقد جبينه يسألها متعجبا:
-أنتِ دكتورة معانا هنا أنا أول مرة أشوفك
- طب ما أنا أول مرة اشوفك
غمغمت بها بابتسامة صفراء ساخرة ليرفع حاجبيه مدهوشا من طريقتها ، حمحمت محرجة حين أدركت أنها تتحدث باندفاع كعادتها :
-أنا قصدي أيوة أنا دكتورة لمار لسه متعينة في قسم الأطفال
ابتسم يمد يده يصافحها يغمغم :
- في نفسي قسمي يعني نورتي يا دكتورة
توسعت ابتسامة لمار لتصافحه تغمغم سعيدة:
-بجد والله طب كويس ، أصل دكتورة لينا قالتلي روحي دوري على دكتور أيمن وهو هيساعدك ويشرحلك كل حاجة ، بس سر بينا واوعى تطلع عصفورة من اسمه كدة حسيته بنى آدم قفيل ، أنت شكلك طيب ، أنت اسمك ايه بقي
لا يصدق تلك المجنونة التي تقف أمامه جعلته ينفجر ضاحكا في رواق المستشفى يضرب كفا فوق آخر ، ظل لحظات يضحك قبل أن يهدأ قليلا نظر للمعطف ليتذكر أنه نسي وضع بطاقة التعريف الخاصة به ، أخرجها من جيب معطفه يضعها في يدها نظرت لبطاقته وكان مشهدها لا يوصف حين أبصرت اسمه على سطح البطاقة ، أصفر وجهها تحادث نفسها تقريبا حمحمت تنظر اليه ترسم ابتسامة واسعة على شفتيها :
- ايه دا مش معقول دكتور أيمن أنت جيت أمتى دكتورة لينا قالبة عليك الدنيا ، يلا بسرعة نروح نشوفها
وتحركت أمامه تهرول سريعا كأنها تهرب لينفجر في الضحك من جديد يضرب كفا فوق آخر