رواية جمر الجليد الفصل الاول بقلم شروق مصطفي
في حي (...)، اختفى طفلان من أمام منزلهما أثناء اللعب، لتتكرر مأساة مشابهة وقعت في نفس الحي سابقًا. التساؤلات تتزايد: هل أصبحوا ضحايا لعصابات تتاجر بأعضائهم؟ ولماذا تتوالى حوادث اختفاء الفتيات أيضًا؟
التحقيقات أسفرت عن أدلة وصور قادت إلى مجموعة خالية من الإنسانية، وتم القبض عليهم. نطالب بإعدام كل من تسبب في أذى لهؤلاء الأبرياء.
الخطر قريب، تحركوا قبل فوات الأوان.
بقلم (س.م)
وضع الأستاذ أحمد المقال جانبًا ونظر إلى سيلا قائلاً: "مقالك قوي يا سيلا، لكن فين الدليل والصور؟"
أخرجت سيلا مجموعة أوراق وصور، وقالت: "اتفضل يا فندم، دي نسخ من المحاضر، صور للجناة، وتسجيل مع ممرضة شافت حاجات مريبة. الدكتور كان بيقفل غرفة بجنزير وما يفتحها إلا لما العيادة تفضى. في مرة شافته فاتح الغرفة ومرتبك، وشمت ريحة غريبة. بعدها شافته بيتكلم في التليفون عن تجهيز الأدوات، وانتظرت برا. صورت ناس شايلة بنت فاقدة الوعي، وبعدها بشوية نزلوا بصندوق وشوال."
أكملت بثقة: "العيادة اتقفلت بالشمع الأحمر، والطبيب اتحبس، ولسه باقي الجناة هاربين. كل الدلائل والصور والتسجيلات موجودة مع المقال."
نظر أحمد للأوراق وقال بإعجاب: "شغلك ممتاز... المقال ده هيكون حديث الجميع!"
ابتسم أحمد وهو ينظر إلى سيلا قائلاً: "شغلك رائع يا سيلا، لكن أنا قلقان عليك. المعلومات اللي بتجيبيها خطيرة، وانتي بتواجهي ناس ممكن يكونوا خطرين جدًا. أنا خايف يحطوكي في دماغهم، انتي مش بس صحفية، انتي بتحققي بنفسك."
ردت سيلا بابتسامة واثقة: "متقلقش يا فندم، ده شغلي، وبعدين أنا مش بكتب اسمي. الحمد لله إحنا مع الحق، وربنا بينصر الحق دائمًا."
سيلا، فتاة في الخامسة والعشرين، خريجة إعلام قسم صحافة، ذات شعر قصير ووجه دائري. كانت مرحة ومفعمة بالحياة، لكن صدمة مؤلمة جعلتها تنعزل عن الناس وتفقد براءتها. أصبحت أكثر قوة وعنفًا، وكرست حياتها لهدف غامض... سنكتشفه مع الأحداث.
نظر أحمد إلى سيلا وقال: "مش عارف أقولك إيه، بس خلي بالك يا سيلا."
ابتسمت بثقة: "إن شاء الله، يا فندم."
ثم أكمل بجدية: "المقال هايل، وانتي من أكفأ الصحفيين عندي."
ردت بفرحة: "متشكرة جدًا على ثقتك يا فندم."
تمت طباعة المقال، وانتشر كالنار في الهشيم، محدثًا ضجة كبيرة.
في صباح اليوم التالي، استدعاها المدير على عجل. دخلت المكتب وقالت: "نعم، يا فندم، طلبتني؟"
أشار لها أن تجلس وقال: "جاهزة للسبق الجديد؟"
ردت بحماس: "أكيد، يا فندم، هتكلم عن إيه المرة دي؟"
ابتسم قائلاً: "مش هلاقي حد أكفأ منك لتغطية الموضوع ده."
أجابته بثقة: "يشرفني أكون عند حسن ظنك."
.بعد صمت قصير، قال أحمد: ، افتتاح فرع جديد لأكبر شركات السياحة. الشركة دي عالمية ولها فروع كتير، وهيفتتحوا فرع جديد في الغردقة."
تفاجأت سيلا وقالت باندهاش: "بس يا فندم، ده مش تخصصي وأنا..."
قاطعها بسرعة قائلاً: "الصراحة مش هلاقي حد أحسن منك، وكمان هتغيري جو في الغردقة!" ثم ضحك وأضاف بلهجة آمرة: "معندناش وقت، لازم تجهزي، السفر بكره، والافتتاح بعد بكره."
حاولت السيطرة على غضبها وأجابته: "تمام يا فندم، ممكن آخد مي معايا؟"
فكر أحمد للحظة ثم قال: "خديها معاكِ."
سيلا أجابت بامتنان: "شكرًا يا فندم، بعد إذنك." وغادرت مكتبه بتأفأف.
أحمد كان يعتبر سيلا مثل ابنته، ولم يرغب في إخبارها عن السبب الحقيقي وراء سفرها إلى الغردقة. ثم عاد إلى عمله.
التقت سيلا بصديقتها مي بعد خروجها من المكتب، ولاحظت مي أنها تبدو مشوشة فقالت: "مالك، مقلوبة ليه كده؟"
تنهدت سيلا بضجر: "اسكتي، مش طايقة نفسي بجد. بعتوني أغطي افتتاحية شركة سياحة جديدة! أنا مالي بشركات السياحة؟ أنا بكتب عن جرايم القتل والتحرش والاغتصاب، مش سياحة."
ثم توقفت وقالت: "المهم، عاوزاكي معايا. مش هروح لوحدي الغردقة دي."
تفاجأت مي من كلامها وصرخت: "الغردقة؟ مش طاايقه نفسك؟ والله وش فقر! اطلعي وفكي شوية، حرام الضغط اللي عاملاه لنفسك ده!"
لم ترد سيلا، لكنها قالت بغضب: "هتيجي معايا ولا أروح لوحدي؟"
أجابت مي ضاحكة: "طبعًا جايه معاكِ."
سيلا قالت: "تمام، جهزي نفسك، هنسافر بكره من الفجر."
مي ضحكت وقالت: "استني أروح أستأذن من أستاذ أحمد، وبعدين نمشي سوا."
مي، التي هي بنفس عمر سيلا، لكن شخصيتها مرحة ومجنونة، كانت قد تخطت الأزمات التي مرّت بها سيلا، وعادت لحياتها الطبيعية بسرعة.
في مكان آخر، كان الشخص يجلس يدخن السجائر بشراهة، بينما كان أمامه شخص آخر يقدّم له ورقة.
قال المجهول الأول: "امسك العنوان ده. عاوزك تعرفلي كل اللي شغالين في المخروبه دي، وتجيبلي كل حاجة عنهم!"
أجاب الشخص الآخر: "اعتبرها حصلت يا باشا."
ثم صرخ المجهول الأول بصوت جهوري: "غور بقى من قدامي! قدامك 24 ساعة تكون كل حاجة عندي، فاهم؟"
رد الشخص الآخر بخوف: "حاضر، حاضر يا باشا."
مغادرًا، خرج الشخص الآخر وهو يركض بسرعة، في حين أخرج المجهول الأول نفسًا عميقًا من الدخان الذي ملأ المكان، ثم همس قائلاً: "قريب أوي هعرفك!"
..
في مكتبه، جلس عاصم الخولي يراجع الأوراق أمامه بينما كان المحامي ومعتز يجلسان بالقرب منه.
توجه عاصم للمحامي وقال: "جهزت العقود؟ وكيل الفرع الجديد على وصول؟"
أجاب المحامي: "كل شيء تمام، والعقود جاهزة."
دون أن يرفع نظره عن الأوراق، رد عاصم: "عملت اللي قولتلك عليه؟"
أجاب المحامي: "تمام، زي ما أمرت بالضبط."
أشار عاصم للمحامي ليغادر، ثم نظر إلى أخيه معتز الذي تساءل: "إيه اللي قولت له عليه؟"
معتز، في الخامسة والعشرين، خريج تجارة ويدير الشركات مع أخيه وابن عمه. بشرة قمحي وعيون بنيّة، معروف بغروره وعنادته، ويأخذ في حسبانه أخاه الأكبر الذي يهابه الجميع.
لم يلتفت عاصم لمعتز ولم يقدم له مبررات، فاستمر في مراجعة أوراقه. ثم نظر إلى ساعته وقال: "يلا بينا."
تنهد معتز، وشعر أن عاصم يخطط لشيء ما لكنه لن يفصح عنه. ثم توجهوا معًا إلى غرفة الاجتماع، حيث وقع الوكيل الجديد عقد استلام الفرع الجديد في الغردقة.
عاد عاصم إلى مكتبه وأبلغ السكرتارية بسفره طوال الأسبوع، وطلب تحويل المكالمات والمقابلات لمعتز. ثم قرأ إحدى الخواطر في الصحيفة:
"من المؤسف أن تبحث عن الصدق في عصر الخيانة، وعن الحب في قلوب جبانة. ابحث عن الرجل في داخلك إن كنت ترغب في بث روح الرجولة في الآخرين."
ابتسم عاصم لهذه الخواطر بتهكم، ثم جمع متعلقاته وجهز شنطته للسفر. بينما ظل معتز في مكتبه يكمل بعض الحسابات قبل أن يلحق بأخيه.
غادرت سيلا ومي الجريدة، وأثناء الطريق، أبدت مي خوفها من ركوب الموتوسيكل، لكن سيلا لم تكترث وركبت بسرعة. وصلوا إلى منزل مي، وقالت سيلا: "جهزي شنطتك وهكلمك." ثم توجهت إلى منزلها.
في المنزل، قابلت سيلا والدتها نرمين، مديرة دار أيتام، وسألتها عن حالها، ثم أخبرتها بأنها مسافرة إلى الغردقة مع مي للعمل. نرمين، قلقة، طلبت منها أن تأخذ معها شخصًا للحماية، لكن سيلا طمأنتها بأنها قادرة على حماية نفسها. محسن، والد سيلا، تدخل وقال: "سيبيها، أنا واثق فيها." وأخيرًا، سأل محسن عن موعد سفرها، فأجابته سيلا بأنها ستغادر في الفجر.
بعد الحادثة التي مرت بها منذ ست سنوات، تعلمت سيلا فنون القتال والدفاع عن نفسها، وأتقنت الكاراتيه والعديد من الألعاب القتالية، تحت إشراف والدها ومدربيه المتخصصين.
نرمين، والدتها، عرضت أن ترافقها إلى الغردقة، لكن سيلا طمأنتها بأنها قادرة على حماية نفسها. ثم اقترحت على همسة، التي تحب الرسم، أن تأتي معهما للاستفادة من الفرصة لعرض لوحاتها في المكان الذي سيذهبون إليه، وهو ما لاقى قبولًا من همسة.
في النهاية، قرر محسن، والد سيلا، أن يوصلهم إلى السوبر جيت. بدأت سيلا وهمسة في تجهيز شنطهن استعدادًا للسفر في الفجر، مع حماس للرحلة القادمة.
سيلا اتصلت بصديقتها مي، التي كانت مشغولة بمحاولة إقناع أخيها بالسفر. بعد أن نجحت في ذلك، أكدت أنها ستلتقي بهم في الفجر، وأخبرتها أن همسة سترافقهم أيضًا. بعد تجهيز حقيبتها، ذهبت إلى همسة وانتظروا والدهم ليأخذهم إلى السوبر جيت.
وصلوا إلى السوبر جيت، وطمأن والدهم أنهم ركبوا الأتوبيس. مي كانت متحمسة للترفيه بعد الوصول، لكن سيلا كانت تركز على العمل أولًا. همسة وافقت على رأي سيلا، بينما كانت مي تتحدث عن الخروج للتمتع بالوقت. سيلا فضلت أن تظل بعيدة عن أي ارتباطات عاطفية وركزت على عملها. أخيرًا، طلبت منهم أن يتركوها لتنام قليلاً، وأغمضت عينيها في محاولة للراحة.
تدور أفكار سيلا في دوامة من الماضي المؤلم الذي يعصف بها. لا تستطيع النوم براحة بينما يطارده عقلها باستمرار. كانت تحاول التظاهر بأنها تعافت، لكن الألم لا يزال ينهش في قلبها. تلك الذكريات التي لا تُمحى، خاصة الحادث الذي وقع يوم تخرجها، كانت محورية في حياتها، إذ عاشت في معاناة دامت سنتين. على الرغم من أنها كانت قد أظهرت للآخرين أنها تعافت تمامًا، إلا أن جروحها الداخلية كانت لا تزال تنزف.
في تلك الأيام، قررت مع صديقاتها مي ورودي إقامة حفلة للاحتفال بتخرجهن. اتفقن على اختيار مكان قريب من الجامعة، وتولت سيلا ومي حجز المكان بينما كانت رودي مسؤولة عن جمع باقي الصديقات. مي كانت نشيطة للغاية ومتحمسة لتزيين المكان، بينما كانت سيلا تفضل البساطة ولا تهتم بالتفاصيل الزائدة. رودي كانت مشغولة أيضًا بمواعيد أخيها الذي كان حريصًا على أن تلتزم بمواعيد معينة.
بعد أن اتفقوا على الحجز، دارت محادثة خفيفة بينهن. سيلا أعربت عن عدم اهتمامها بزينة الحفل المبالغ فيها، بينما حاولت مي أن تضيف المزيد من المرح والتفاصيل. كان كل شيء يمر بسلاسة حتى بدأ الحوار يتحول إلى جدال حول ترتيب الأمور. انتهى الحديث بتوزيع المهام، سيلا ومي سيتفقان مع الكافيه، بينما رودي ستجمع باقي الفتيات لتأتي إلى الحفل بعد الترتيبات.
بينما كانت سيلا ومي تسيران في الشارع، اقترحت سيلا اختصار الطريق عبر الشارع الذي يقع خلف الجامعة. مي أمسكت يد سيلا فجأة، مرعوبة وقالت: "استني، الشارع ده، لا بلاش!" وأضافت: "أنا خايفة، ده شارع مقطوع ومحدش بيمشي فيه، أنا قلقت. تعالي نرجع ولفي مش مشكلة، بس بلاش من هنا."
لكن سيلا حاولت تهدئتها قائلة: "يا بنتي، إحنا في عز النهار، وفي ناس ماشيه هنا، تعالي بلاش جبن، يلا." رغم أن الشارع كان معروفًا بين الطلاب بالهدوء والأمان خلال النهار، إلا أن هناك قصصًا عن سرقات تحدث فيه ليلاً، مما جعل مي أكثر خوفًا.
واصلتا السير حتى منتصف الطريق، ولم يحدث شيء. مي كانت ما زالت متوترة، بينما حاولت سيلا تهدئتها: "يا بنتي خلاص، قربنا نوصل، بدل ما نلف كل ده. معندناش وقت كتير، البنات حيتجمعوا وأنا لازم أكلمهم عن المكان اللي هنروح له." ولم تكمل كلامها حينما توقفت سيارة فجأة أمامهما. السيارة كانت تسير عكس الاتجاه، وتوقفت بجانب الطريق بينما كانت تُسمع أصوات عالية جدًا من داخلها.
أصوات استغاثة من فتاة داخل السيارة: "اللحقوووني!" مع محاولاتها الفاشلة لفتح الباب، في حين كان أحد الأشخاص في السيارة يغلق الباب بقوة، والفتاة تواصل الصراخ: "اللحقووووني!"
توقفت مي، وعينيها مليئة بالفزع، وتمسكت بسيلا وهي تقول: "اللحقيني، مش قولتلك بلاش؟ يلا بسرعة، نجري، شايفة اللي أنا شايفاه؟ يلا بسرعة!" كانت مي في حالة من الرعب، لكن سيلا كانت تفكر بسرعة في كيفية إنقاذ الفتاة.
وقالت سيلا بهدوء: "اهدي، لازم نتصرف بسرعة، لازم نلحقها قبل ما يعملولها حاجة وحشة."
لكن مي كانت على وشك الانهيار، وقالت وهي تبكي: "هنلحقها، هنلحقها، بس يلا بسرعة! أنا خايفة أوي، دول شكلهم مرعب، وممكن يكونوا خطفنها. يلا نرجع ونكلم حد يروح لهم ويمسكهم."
سيلا تحدثت بسرعة، وأخذت تدفع مي بعيدًا عنها قائلة: "طيب، ارجعي بسرعة وجيبي حد، أنا هلهيهم عنها قبل ما يحصل لها حاجة." مي كانت ما تزال مصدومة، وقالت: "لا، لا، تعالي معايا، مش قادرة أسيبك، أنا خايفة عليكِ."
لكن سيلا دفعتها مرة أخرى وقالت: "مفيش وقت للكلام، إنتِ لازم تروحي بسرعة، وأنا هكون بخير، بس مفيش وقت." وركضت باتجاه السيارة.
اللحظات كانت حرجة، حيث كانت سيلا تدرك أنه لا يوجد وقت لتضيعه.