رواية بحر ثائر الفصل التاسع بقلم اية العربي
سدًا منيعًا يا الله في الدنيا يمنع عني فيضانات غدرهم ، وظهرًا أشدد به أزري وأشركه في أمري .
استيقظت ولم تحرك ساكنًا منذ أكثر من ساعة ، عيناها فقط تبصر وجسدها بالكامل متجمدًا تستعيد كل ما مرت به طوال سنين زواجها ، تبحث عن خطأ تدين به نفسها حتى تعطيه عذرًا واحدًا فقط كي يستمر هذا الزواج لأجل صغيريها ، لأول مرة منذ أن تزوجت تقرر الرحيل وهذا يثبت لها أنها استُنزفت لذا يجب أن تفكر جيدًا .
طرقات على الباب تبعها دخول داغر ينظر نحوها بترقب كأنه يعلم أنها مستيقظة وهذا ما قاله وهو يتقدم منها :
- كنت حاسس إنك صاحية .
جلس على المقعد المجاور للسريرين ثم نادى على دينا يردف بحدة زائفة :
- نايمة في كهف ؟ ماتقومي بقى يا بنتي ؟
تململت دينا تتمطأ ثم التفتت تطالعه بنصف عين متسائلة بتحشرج :
- فيه إيه يا داغر ؟ هي الساعة كام دلوقتي ؟
- الساعة دلوقتي تمانية ، يالا فوقي علشان تلحقي شغلك .
تحمحمت ونهضت تنوي التحرك ولكنها تجمدت حينما رأت ديما تستند على الفراش المقابل لتقول بدهشة :
- ديما ؟ إنتِ نايمة هنا ؟
ابتسمت لها تومئ بصمت وإرهاق ولم تتفوه ببنت شفة ليردف داغر نيابة عنها :
- أيوة جت بليل وانتِ نايمة ، يالا روحي جهزي الفطار واحنا جايين وراكي .
أمعنت النظر في وجه شقيقتها وتيقنت أن هناك خطبًا ما لذا زفرت تومئ بهدوء وتحركت نحو الخارج ليلتفت داغر إلى شقيقته يتمعن ملامحها ويتساءل :
- مش هتقولي بقى إيه اللي حصل ؟
ابتسامتها عادت تظهر ولكنها لن توقفه عن أسئلته ليسترسل :
- ديما اتكلمي ، مجيك هنا معناه إن فيه حاجة كبيرة حصلت ، قولي إيه الموضوع واوعدك هتكلم معاه بالعقل واشوف مشكلته إيه .
ابتلعت لعابها وأردفت بنبرة منهكة :
- ولا حاجة كبيرة ولا صغيرة يا داغر أنا بس قلت اريح دماغي يومين معاكوا ، بلاش بقى عمايلك دي وتخليني اندم إني جيت .
يتفحصها بعينيه ويوخزه قلبه لأجلها ، شقيقته القوية والهشة في آنٍ واحد ، الجميلة الحزينة ، المنعشة والبائسة ، الحنونة والصارمة ، شقيقته التي ليس كمثلها أحد ، يراها بعينيه التي لا ترى بها عيبًا سوى تهاونها المفرط في حق نفسها .
زفر بقوة ونهض يومئ ثم استرسل :
- طيب ، ارتاحي خالص وريحي دماغك ولا تشغلي بالك بأي حاجة وانا هنزل الورشة ولو احتجتي أي حاجة كلميني ، وفوقي كدة علشان عايز آخد رأيك في موضوع .
أولته انتباهها وتساءلت وهي تنهض لتعتدل :
- موضوع إيه يا داغر قول .
عهدها مستمعة جيدة وناصحة مميزة لذا أردف موضحًا :
- جاي لي عرض شغل في مصنع كويس بس لسة هسأل عنهم أكتر النهاردة ، والشغل هيبقى الصبح والورشة آخر النهار وممكن لو وافقت أسيب الورشة في أمانة صالح .
ابتسمت وأردفت بتشجيع :
- دي حاجة كويسة جدًا يا داغر بس هتقدر ؟
أومأ يؤكد لها بتريث وتلقائية :
- قولي يارب يا ديما ، هي فرصة حلوة وإنتِ عارفة الظروف عاملة إزاي .
أومأت له مؤيدة تجيبه داعمة :
- عارفة يا حبيبي بس اسأل على الناس دي وبعدين توكل على الله ، بس مين جايبلك الشغل ده ؟
غمزها يردف بمرحٍ مشاكس :
- لاء ده موضوع يطول شرحه وأنا هتأخر ، لما ارجع بقى هبقى احكيلك .
أدركت أن هناك مغزى لذا ابتسمت تضيق عينيها وأردفت تجاريه :
- أوبا ، ده باين كدة هنبل الشربات قريب .
ضحك بعلو ثم تحمحم يردف بثقة :
- لاء خيالك مايسرحش لبعيد ، دي بنت اتعرفت عليها في حادثة بس طلعت غنية ومن عيلة كبيرة ويمكن حست إني جدع وشهم وباش مهندس أد الدنيا قالت تستفاد مني في مصنعهم .
أومأت له ثم أردفت :
- مفهوم مفهوم يا باش مهندس ، روح يالا انت علشان ماتتأخرش ولما ترجع نبقى نشوف موضوع بنت الأكابر ده ، واضح كدة إنك هتوحيلي بقصة رواية جديدة .
ابتسم وانحنى يقبل رأسها ثم اعتدل يردف بجدية ونظرات ثاقبة :
- ايوا اكتبي ، واوعي تشيلي هم أي حاجة .
رفعت رأسها تحدق به ثم تنهدت تومئ له بامتنان كبير وحزنٍ تسعى لتخفيه أسفل وجهٍ مبتسم لا يعبر سوى عن الألم .
❈-❈-❈
أتى المساء محملًا بالأحداث الخبيثة من قبل أحدهم .
أتى ومعه المأذون والشهود ودلفوا منزل زينة فاستقبلتهم والدتها بالزغاريد وقد وصل الحماس لأعلى مستوياته عندها .
جاءت زينة من الداخل في كامل زينتها تبتسم له حتى وصلت أمامه فحدق بها يردف بملامح منفرجة :
- اتأخرت عليكِ ؟
هزت رأسها تجيبه بدلالٍ متعمد :
- لا يا روح قلبي في الوقت المناسب .
ابتسم لها وبرغم رغبته القوية في امتلاكها إلا أن في داخله ضيقًا لا يدرك سببه ، وكأن مظالمه تقبض على صدره غضبًا وقهرًا مما هو مقبلٌ عليه .
جلس المأذون والشهود ونادت فوزية على جيرانها اللاتي جئن تباركن وتصفقن أثناء إجراءات كتب الكتاب التي انتهت بعد قليل وأعلنهما المأذون زوجًا وزوجة لذا نهض يتجه نحوها ووقفت تستقبله فبادر يعانقها لتسرع في احتضانه بقوة كأنه سجينٌ تخشى هروبه بعدما تم القبض عليه .
❈-❈-❈
لتصل إلى هدفك يجب عليك التضحية بشيء أو خداع الذئاب .
وإن كان توماس أور ليان ذئبًا على هيئة بشر فهي أفعى على هيئة قطة هيمالايا .
ارتدت فستانًا يكشف ما يجب ألا يُكشف وتجملت وقررت تلبية دعوته على العشاء بعدما رفضتها مرارًا وتكرارًا ، يكفي أن تدخل أحضان ثائر مجددًا لذا هي على استعداد لفعل أي شيء لتحصل على مرادها .
استقلت سيارتها وتوغلت في شوارع باريس قاصدة المطعم الذي ينتظرها به ، تسعيد ذكرى صباح اليوم حينما استيقظت ووجدت ثائر يملس على خصلاتها .
تباطئت أنفاسها وتعهدت لنفسها بألا تستسلم قط .
توقفت أمام المطعم المنشود لذا صفت سيارتها ترجلت تخطو بتباهٍ كأنثى الطاووس حتى دلفت المطعم فاستقبلها النادل يرحب بها فناولته معطفها الملغم بالفرو لتكشف عن فداحة ما ترتديه أمام العيون التي التفتت نحوها منهم من عرفها ومنهم من لم يعرفها ولكن الثراء والجرأة ينبعثان من كل إنشٍ بها .
رآها توماس فنهض يستقبلها ويتفرصها وهي تتغنج بمشيتها حتى وصلت إليه فمد يده لها لتناوله كفها ففعلت فانحنى يقبله بشكلٍ مسرحي واعتدل يحدق بها بجرأة معلقًا :
- دومًا تسحرين القلوب بجمالكِ مارتينا .
ابتسمت بعيون لامعة ببريق الغرور خاصة وهي ترى فريستها تقع لها لذا أجابته بتعالٍ وهو يسحب لها مقعدًا لتجلس بأسلوبٍ نبيل لا يشبهه :
- القلوب والعقول أيضًا توماس لا تكن بخيلًا .
جلس مكانه يحدق بها بنظراتٍ خبيثة ويتابع :
- أنا والبخل لا نلتقي البتة ، أنا كريم وأحب البذخ ولكن أعطيني لأعطيكِ .
ضحكت ونظرت حولها ثم عادت إليه وتساءلت بجرأة :
- وماذا تريد مني أيها الكريم ؟
اقترب من موقعها قليلًا وهمس بوقاحة وعينيه تسافر على جسدها :
- كل ما يمكنكِ إعطاءَه لي ، أنا لا أشبع بسهولة .
توقفت عن الضحك وأمعنت النظر فيه ثم أجابته بترقب :
- توقف قليلًا حتى لا تختنق ، لا تنسى أنني ابنة صديقك وغير ذلك أنا الآن في علاقة .
تجاهل سيرة والدها وقطب جبينه متسائلًا بشك :
- أي علاقة ؟ على حد علمي أنكِ لم تدخلِ علاقة منذ طلاقكِ من ذلك المسلم .
قالها باستهزاء لتجيبه بثقب :
- نعم أنا في علاقة مع ذلك المسلم ، أو دعنا نقول أنه يحاول معي .
جاءته الفرصة ليستقطبها ويعلم عنه ما يريده لذا تساءل بخداعٍ :
- مجيئكِ الآن يثبت لي أنكِ مترددة في العودة إليه ، أليس كذلك أم أنه يتلاعب بكِ بكلماته كالعادة ؟
استشفت خداعه ولكنها تساءلت بثبات :
- ماذا تقصد ؟ هل تعلم عنه شيئًا ؟ أخبرني ؟
اعتدل يرفع حاجبيه ثم ابتسم يسترسل بشرود :
- ليتني أعرف ، بالتأكيد كنت أبلغتك ولكن كوني حذرة منه ، هو محتال كبير ، ونصيحة مني لا تثقي في أي عربي الأصل هنا ، جميعهم مخادعون .
رأت أمامها كلمات ثائر عن عنصريته وتأكدت أنه محق ، توماس يكره العرب لذا أردفت بنبرة متلاعبة :
- معك حق ، لهذا أنا أرفض العودة له ، هيا أطلب لي شيئًا ما أيها الكريم .
أشار بيده للنادل ليأتي ويطلب ما يريدانه وداخله حماس العالم كونه سينال من ثائر قريبًا ويحصل على مبتغاه في مارتينا محطمة أفئدة الرجال .
❈-❈-❈
الذكريات أكثر إخلاصًا من بعض البشر ، لذا فحضورها الآن كان بمثابة صفعة قوية تلقاها وهو يصعد الدرج مع عروسه الجديدة .
مر على شقة ديما وهجمت عليه ذكرياته معها ، تذكرها حينما وطأت قدماها المنزل كعروس ، تذكر خجلها ، جمالها ، حُمرة وجهها ، هدوءها الذي يكرهه .
يا له من خائن مخادع لم يستمتع بالنعم ومقتها لذا فها هو يستقبل اختياره بابتسامة يحاول بها التغلب على تلك الذكريات اللعينة .
نعم لعينة فهو المظلوم هنا ، هي لم تعد تحبه ويرى ذلك في عينيها لذا اختار من ستهبه الحب والطاعة والراحة ، فتلك الديما تمادت في الأخطاء حتى بات الغفران لها أمرًا شاقًا .
صعد الشقة العلوية وفتح الباب ثم نظر إلى زينة التي اتسعت ابتسامتها حينما قال :
- ادخلي برجلك اليمين .
أطاعته وولجت فتبعها يفتح إضاءة المكان فأنار فنظرت حولها بملامح رسم عليها الانبهار فقد استطاع خلال الساعات الماضية وبمساعدة عماله أن يجهز الشقة بالأثاث اللازم لاستقبال عروسته الجميلة المدللة .
ظلت مأخوذة بالمكان ثم التفتت تطالعه بسعادة توغلتها كليًا وقالت :
- إيه ده يا كمال ، عملت كل ده امتى ؟
ابتسم وهو يخطو نحوها يحاوط خصرها قائلًا بنبرة متعطشة يزيح بها غمامة أفكاره :
- خلال كام ساعة جهزت كل حاجة علشان تليق بيكي يا أغلى زينة ، إيه رأيك ؟
تعلقت به ولفت ذراعيها حول رقبته تجيبه بغنج :
- ودي عايزة رأي ؟ أي حاجة تعملها وتلمسها إيدك هتكون روعة يا كمولتي .
لم يتهمل بعدها ودخل في عمق متطلباته وانحنى يقبلها قبلة تشبه شخصيته استقبلتها استقبالًا يليق بها واندمجا اثنانهما في علاقة تتلائم بشكلٍ تام مع شخصياتهما ليوقن بعدها أن الجرأة والوقاحة هما بوابته للعبور إلى متعته .
❈-❈-❈
عاد من عمله ودلف المنزل يلقي السلام فركض صغيرا شقيقته نحوه يصيحان :
- خالو جه ، خالو جه .
انحنى يستقبلهما في كنفه ويعانقهما سويًا ثم نهض يناولهما أكياس النقانق والشوكولاتة التي ابتاعها من أجلهما تحت أنظار منال وديما ودينا التي انتفضت تقف وتتساءل بملامح طفولية حانقة :
- وأنا فين ؟
ضحك عليها داغر واقترب يناولها أغراضها فعانقته تشكره فبادلها وابتعد يخرج قطعة أخرى من الشوكولاتة بالبندق ويلقيها نحو ديما قائلًا بمرح :
- كُل شوكولاتة بالبندق وانسى الهم .
التقطتها تبتسم ابتسامتها المشرقة وشكرته بهدوء دل على حزنها الذي تحاول إخفاؤه ولكنه واضحًا كالشمس .
اتجه يجلس جوارهن بعدما وضع الأكياس على الطاولة وناول منال قطعة شوكولاتة مماثلة يردف بحنان :
- ودي واحدة لست الكل ، ها عاملين إيه ؟ فيه جديد ؟
نظرت منال لابنتها الغالية بملامح حزينة كأنها تشتكي له بصمتٍ وفهم ذلك لذا التفت ينظر نحو ديما وتحمحم يردف بترقب :
- يالا افرحوا ، اخوكو هيتعين في مصنع الراوي للكيماويات .
التفتت له ديما تتساءل بنبرة متلفهة لا تخلو من حزنها :
- وافقت يا داغر ؟ وسألت عليهم ؟
أومأ له يجيب حينما انتبهن ثلاثتهن :
- سألت والمصنع كويس والبنت دي كويسة جدًا وعندها ضمير زي أبوها الله يرحمه ، أتاريها يتيمة وعايشة مع عمها ومراته ، أمها وأبوها ماتوا من سنتين تقريبًا ، الله يصلح حاله محمود زبوني هو اللي عرف يجيب لي كل المعلومات دي .
تساءلت منال بقلقٍ :
- المهم الشغل هناك أمان يا داغر ؟ يعني يابني لازم تأمن نفسك دي كيماويات .
ضحك عليها بينما وضحت دينا بسخرية من بين ضحكاتها المماثلة :
- ماتقلقيش يا ماما هما يعني بيجربوها في العمال !
باغتها داغر بنظرة لائمة ثم تنهد ونهض يردف بترقب :
- أنا هقوم استحما وبعدين هدخل أكلم الآنسة بسمة وأبلغها أني قبلت وارجع لكوا .
تحرك نحو الحمام وجلست منال تربت بحنان على يد ديما التي بادلتها بينما نهضت دينا تتخابث على صغيري شقيقتها كي تنتشل منهما بعض النقانق .
خرج داغر بعد دقائق وتحرك نحو غرفته فأوقفته دينا التي جلست أرضًا بين مالك ورؤية تردف بمغزى :
- ابقى سلملي على بسوم .
ألقى المنشفة في وجهها ودلف غرفته يغلق الباب خلفه فضحكت عليها منال والصغيران بينما عادت ديما لشرودها حينما نظرت للتلفاز ورأت مسلسل تليفزيوني يعرض زوجًا قاسيًا يشبه زوجها .
في الداخل رفع داغر هاتفه ينتظر إجابتها ولكنها لم تفعل بل انتظرت حتى انتهى الاتصال وعاودت الاتصال به ليبتسم ويغلق مكالمتها وأعاد اتصاله ففتحت تجيبه بمغزى :
- مش حذرتني مافتحش عليك ؟
تعجب من تسجيلها لرقمه ولكنه تجاوز يردف برصانة :
- مايصحش بردو يا آنسة بسمة دي عيبة في حقي ، وبعدين أنا كنت بهزر .
تحمحمت وأعجبها رده لذا تنهدت وتساءلت بترقب وهي تتجه نحو سريرها بعدما اعتنت ببشرتها :
- تمام ، قولي قررت ؟
أجابها بثبات :
- أيوا ، إن شاء الله هكون قدام المصنع بكرة الساعة سابعة .
فكرت قليلًا وتذكرت موعد ذهابها للمؤسسة الحكومية صباحًا لذا استطردت :
- طب خليها بعد بكرة يا داغر علشان أكون في استقبالك وأفهمك المطلوب ، تمام ؟
- تمام يا آنسة بسمة زي ما تحبي ، يبقى بعد بكرة إن شاء الله نتقابل .
- إن شاء الله .
أغلقا سويًا وكلٍ منهما سبح في فلك أفكاره يفكر في الآخر ليزفر داغر ويقرر الخروج إلى عائلته وتقرر بسمة الولوج إلى فراشها .
❈-❈-❈
في الثانية صباحًا وفي إحدى الغرف الفندقية
جلس توماس يتخبط على الفراش ويتمايل على مارتينا التي تجاوره وتتغنج عليه وفي يدها كأس المشروب تناوله له وكلما تجرعه تصب غيره من جوارها .
بدلالٍ وهمس جريئ وحركات وقحة استطاعت إغراقه في دوامة من اللا وعي وباتت تلقي طُعم معلومات عن ثائر لا أهمية لها لتستقطبه في الحديث فيلقي بأوراقه .
وبرغم مكره ودهائه إلا أن غريزته الذكورية ومتطلباته جعلته يسقط في وكرها ويخبرها ببعض الأسرار عنه ، أسرارًا أدهشتها لدرجة أنها شردت فاستباح لنفسه أن يتمادى لذا أسرعت تصب له كأسًا آخر بانزعاج فكان يجب أن يفقد الوعي بعد كمية المشروب التي تناولها ولكنه ما زال يريد نيلها .
❈-❈-❈
في اليوم التالي ظهرًا قررت بعدما غادر شقيقها إلى ورشته وشقيقتها إلى العمل .
جلست تجاور منال وأرادت أن تتحدث إليها عن قرار ستتخذه خاصةً وأن الصغار نيام .
أردفت بعدما تنفست بعمقٍ وحرارة :
- أنا عارفة إن كلمة مطلقة صعبة وإنك اتوجعتي منها قبلي ، بس أنا مبقاش عندي طاقة أكمل ، مابقتش متحملة بجد ولازم أوصل معاه لحل من غير محاكم أو دوشة علشان خاطر ولادي ، يطلقني بما يرضي الله ويروح يعمل اللي هو عايزه مابقاش فارق معايا أي حاجة .
قلبها يحترق وكأن قصتها تمر أمامها لذا تساءلت بتوجس :
- هو عمل حاجة غلط يا ديما ؟ أوعي تقولي خاين ؟
اعتصرت عينيها فرأته وهو يجفف دموع أخرى وسمعته وهو يحدثها لذا عادت تبصر وتتنهد مسترسلة :
- صدقيني يا ماما أنا غيرك ، إنتِ خيانة بابا وجعتك لإنك كنتِ بتحبيه إنما أنا حتى لو كمال خان مش هتوجع حب بس أنا عارفة إني مستاهلش كدة ، عارفة إن طاقتي كلها نفذت معاه هو ، عارفة إني ماعرفش يعني إيه حب ولا جربته قبل كدة بس لقيت الإنسان ده هو جوزي فأخدت عهد على نفسي أني أكون مخلصة ليه طول عمري ، زعلانة على نفسي أوي يا ماما وعلى سكوتي ، زعلانة على خوفي منه ومن صوته العالي ومن مامته اللي كانت قاسية أوي ، زعلانة علشان هيتقالي بيضربك هقول لاء وهيتقالي مش بيصرف هقول لاء ومحدش هيفهم الكارثة اللي أنا واقعة فيها ، الكارثة إنه بيصرف كويس جدًا ومش بيضرب أبدًا بس قدر يخليني أكرهه وقدر يخليني قربت أكره نفسي وعجزي .
سقطت دموع منال على كلمات ابنتها التي كانت شاردة كأنها فتحت كتابها المغلق لسنوات ، تسرد لنفسها ولوالدتها ما عاشته .
ازدردت ريقها وغصتها المتحجرة وتابعت :
- أنا لازم اتكلم معاه ولوحدي ، يطلقني ومش عايزة منه حاجة وأنا هشتغل وهصرف على ولادي .
أردفت منال وهي تحاوط كفيها :
- طب ما تحكي مع داغر يا ديما وتسبيه هو اللي يكلمه ؟
تعلم منال أنها مخطئة فإن أطلقت ديما سراح داغر عليه ستكون العواقب وخيمة وسيحدث ما تخشاه لذا هزت رأسها تستطرد :
- مش هيتكلم ، كمال مش بتاع تفاهم خصوصًا مع داغر وأنا مش هتحمل أخويا يتئذي بسببي ، اللي لازم يتكلم معاه هي أنا ، لازم أوصل معاه لحل من غير فضايح .
صمتت لهنيهة ثم نهضت تنظر في عيني والدتها وأردفت بتوتر :
- ماما أنا هروح أكلمه ، هجيب بقيت حاجاتي أنا والولاد وأعرفه قراري وأشوف هوصل معاه لإيه .
تحركت لتبدل ثيابها قبل أن يستيقظ الصغيران فأوقفتها منال تتساءل بقلق :
- طب آجي معاكِ ؟
ابتلعت لعابها بتوتر ولكنها التفتت تطالعها وتسترسل مطمئنة :
- ماتقلقيش يا ماما مش هتأخر ، خليكي علشان الولاد .
تنهدت تومئ فاتجهت ديما لغرفتها تبدل ثيابها سريعًا ثم خرجت تنظر إلى منال الشاردة وتحركت نحو الباب وفتحته وغادرت وهاجزًا يخبرها بألا تذهب ولكنها لم تطعه .
❈-❈-❈
استيقظ كمال من نومه على نداء زينة المتكرر ففتح عينيه يطالعها بنعاس ويحدق بها كأنه لم يتذكرها ولكنها أردفت بنبرة لعوبة وهي تتحسس صدره العاري :
- قوم بقى يا كمولتي أنا مُت من الجوع وانت امبارح ياخويا هجمت عليا من غير ما اتعشينا ، هو البيت ده مافيهوش أكل ولا إيه ؟
استعاد ذاكرته وتذكر ليلتهما سويًا لذا ابتسم ومد يده يزيح خصلاتها الطويلة للخلف ويردف وعينيه تتمعنها :
- صباح العسل يا عسل .
تدللت وتمايلت تجيبه وتبعد يدها عنه :
- ولا صباح ولا مسا ولا كلمة كويسة ، ينفع عمايلك دي ؟ والبيت مافيهوش لقمة ؟
ضرب جبينه يردف متذكرًا :
- شوفتي أهو أنا نسيت اجيب أكل امبارح ، معلش انشغلت بكذا حاجة .
أجابته بحنق ماكر وهي تتكتف :
- طب انا اعمل ايه دلوقتى ؟
زفر يفكر ولكنها فكرت قبله تتساءل بخبث :
- أكيد في أكل تحت مش كدة ؟
أومأ لها فتابعت :
- طب قوم يالا هاتلنا أي حاجة من تحت ناكلها .
نهض يطيعها ويتحمحم قائلًا وهو يشير نحو بنطاله :
- طيب ناوليني البنطلون ده علشان اقوم .
نظرت له باستنكار وتمددت بأريحية على الفراش تردف بنبرة قوية :
- لا ياخويا ناول نفسك وقوم يالا معدتي وجعتني من قلة الأكل .
أطاعها يومئ برضا ونهض يلتقط بنطاله ويرتديه ثم قميصه ثم نظر لها يردف :
- هنزل اجيب وراجعلك .
تحرك خطوة فأوقفته وهي تنهض قائلة بعلو :
- استنى .
التفت يطالعها فاسترسلت بخبث :
- خدني معاك أنا بخاف .
تحركت معه بقميصها القصير واتجه ينزع مفتاح شقة ديما من مكانه ثم تحركا سويًا نحو الخارج ونزلا الدرج حتى وصلا أمام شقة ديما فمد يده يفتحها ودلف يضيء الإنارة فدلفت تتفحص المكان ليمتلئ مخزون الحقد في قلبها إلى أعلى منسوب حينما رأت المنزل وأثاثه ورونقه وطريقة تنظيمه ونظافته والرائحة التي تنبعث منه .
اتقدت النيران داخلها وحدثها فلم تسمعه لذا تركها وتحرك نحو المطبخ فاتجهت تستكشف المكان بإحتراق لا يتسع له صدرها .
وصلت ديما إلى المنزل ودلفت تصعد الدرج بخطواتٍ ودت لو تتولى عنها القرار وتعود ولكنها واصلت الصعود حتى وصلت إلى شقتها للتفاجأ ببابها مفتوح فظنته هو فهي على يقين بأنه ما زال في المنزل لذا تقدمت تناديه بنبرة مهتزة مستشعرة شيئًا سيئًا :
- كمال ؟
ما إن وطأت قدماها عتبة الباب حتى تسمرت وهي ترى المرأة نفسها تقف على أعتاب غرفتها وترتدي قميص نومٍ وتطالعها بصدمة دامت لثوانٍ قبل أن تتحول لانتصار وشماتة حينما انعقد لسان ديما وشعرت بعقلها يتجمد ليأتي كمال على ندائها ويطالعها بملامح متجهمة ثم متوترة وصمتٍ صادم من كلاهما دام لثوانٍ ثم قطعه وهو يحاول الثبات المزيف ليردف بنبرة صلدة :
- إيه اللي جابك دلوقتي ؟
وقفت كأنها تشاهد عرضًا سينمائيًا لا يمت للواقع بصلة وحالها كحال جمهور ارتفع الأدرينالين لديهم فتسمروا يحدقون بالعرض وأفواههم مفرغة مترقبين المشهد التالي .
خشت أن تنطق أو أن يتحرك لسانها فيتحول المشهد من خيال إلى واقع تكره أن تعيشه ولكن زينة لم ترحم صدمتها بل تعلقت في ذراع كمال الذي كان ينتظر أي كلمةٍ منها لتقول بنبرة شامتة :
- يالا يا كمال نطلع شقتنا واضح إن المدام رجعت بيتها .
سلطت أنظارها عليه وبصعوبة استطاعت تحريك لسانها الذي ظنته لن يتحرك مجددًا وتساءلت :
- إنت اتجوزتها ؟
❈-❈-❈
قرر أخذ أجازة من العمل اليوم واتجه معها ليتناولا فطورهما في مكانٍ على النيل .
كانت تجاوره بسعادة خاصةً وهو يحتضن كفها وبين كل دقيقة والأخرى يرفعه إلى فمه يلثمه بحب .
تحدث وهو يقود وعينيه على الطريق :
- في بالك مكان معين ولا أختار أنا ؟
التفتت تطالعه وتبتسم مجيبة :
- اختار إنت يا حبيبي .
أشار بيده على اليمين وأردف مترقبًا :
- المكان ده حلو أوي وهادي .
- تمام .
قالتها فتوقف بسيارته يصفها وترجل معها يخطوان نحو الداخل ويتجهان إلى إحدى الطاولات التي تطل على نهر النيل .
جلس وجاء النادل فأخد طلبهما وغادر فنظر لها يبتسم وتحدث بنبرة لينة محبة :
- مبسوطة ؟
رفعت حاجبيها تردف بسعادة :
- جدًا ، طول ما إنت مبسوط أنا هكون مبسوطة .
رن هاتفه فالتقطه لتتساءل بفضول :
- مين ؟
- ده محمد ، ثواني هرد عليه .
فتح الخط يجيب على صديقه وبات يحدثه وهي تتأمله وتستند على قبضتيها شاردة فيه وفي تقاسيم وجهه ، وهو يتحدث وهو يبتسم وهو ينكمش معبرًا عن كلماته .
سمعت صوت شغب خلفها قطع تفكيرها فالتفتت تنظر لأثر الصوت لتجد صغيران يركضان خلف بعضهما وعلى الطاولة التي تسبقها يجلسان والديهما يحذرانهما من السقوط .
تأملتهما وابتسمت بحنين ثم لم ترد هدم سعادتها لذا عادت تتأمل ملامح زوجها لتبعد عنها الأفكار التي تحاربها ولكنها أجفلت حينما انتفض دياب من مكانه يركض نحو الصغير الذي سقط يبكي نسبةً لجرح ركبته وتألمها .
حتى أنه ترك الهاتف على الطاولة دون أن يغلقه وانحنى يحمل الصغير الذي يبكي ويهدهده قائلًا بابتسامة وحنان ووالده يجاوره :
- معلش معلش بسيطة .
أخرج من جيبه محرمة ورقية يمسح بها جرح الصغير ليحمله الأب ويردف بنبرة ودية :
- متشكر جدًا .
اتجه بصغيره إلى طاولته وتنهد دياب ثم عاد إلى يسرا يبتسم ويهز رأسه مردفًا بنبرة عفوية تحمل حنانًا غريزيًا :
- رجله اتعورت يا حبيبي ، المكان هنا ماينفعش للجري خالص .
لم يلحظ بعد تجهم ملامحها وقد انقشعت سعادتها في لمح البصر وحل محلها الخوف الذي تلجمه ، ردة فعل زوجها هذه واندفاعه العفوي أكدا لها أنه يشتهي أن يكون أبًا لذا ظلت تطالعه بصمتٍ مبهم فتعجب يسألها :
- فيه إيه يا يسرا مالك ؟
ازدردت ريقها وهزت رأسها تجيبه بقلبٍ مرتعش :
- مافيش ، أنا كويسة .
لولا مجئ النادل بطلبهما لكانت طالبته بمغادرة المكان ولكنها باتت مجبرة على التعامل حتى لا يلاحظ .
❈-❈-❈
جئت لأعالج جرحًا فاسدًا فتدنست روحي وعم فساده في قلبي و بات يدللني حتى ضحكت .
كررت سؤالها حينما لم تجد إجابة منه لذا نظرت لمن تلتصق به وسألتها بترقب شاعرةً بأنها تقف في عالمٍ موازي:
- انتوا اتجوزتوا ؟
تعلقت زينة أكثر في هذا الواقف الذي تحمحم يردف بنبرة مترددة شاعرًا بالضيق من نظراتها ورؤيتها لهما هكذا :
- أيوة اتجوزنا .
هجم جيشًا من الحسرة عليها لتقف ذاهلة لثوانٍ قبل أن تضحك ضحكة عالية لم تضحكها طوال سنين زواجها منه ، ضحكت حتى أدمعت وانحنت تلتقط أنفاسها من كثرة الضحك ثم اعتدلت تسعل بخفة وتشير عليهما مسترسلة :
- اتجوزتوا ؟ يا زين ماخترت يا كمال ، لايقين على بعض جدًا .
باغتته بنظرة انقشع الاحترام منها لتُظهِر نفورها أمامه بوضوح كشمسٍ سطعت وتتابع :
- من تاني يوم مشيت فيه اتجوزت ؟ وجايبها تتفرج على شقتي بقميص نوم يا و*** .
جحظت عينيه من لفظها الذي لم تنطقه طوال حياتها وانخلع من قبضة زينة يردف متوعدًا بملامح شرسة ونبرة متبجحة :
- اتلمي يا ديما بدل ماعرفك شغلك كويس ، أنا ماعملتش حاجة غلط ، أنا اتجوزتها على سنة الله ورسوله .
التفت يطالع زينة التي تحدق في ديما بغلٍ علني خاصةً وهي لا ترى قهر حبيبة بل ما تراه منها هو حسرة فائضة من امرأة استنزفت حتى الرمق الأخير .
عاد يتابع ويسلط نظراته المترقبة عليها :
- زينة شقتها فوق بس نزلنا نشوف أكل ، وانتِ شقتك زي ماهي ماحدش جه جنبها من ساعة ما مشيتي .
ابتلع لعابه يسترسل متسائلًا حينما وجدها صامتة لا تفعل شيئًا سوى الصمت :
- أومال فين العيال ؟
أصابتها دهشة ليس لها مثيلًا ووقفت تحدق به ولم تجد في قاموس عقلها أي كلمات مناسبة ولكن رنين هاتفها فصل نظراتها عنه وعمن تجاوره لتمد يدها في حقيبتها وتنتشله ناظرةً له لتجده داغر لذا أجابت تضعه على أذنها بينهما عينيها استقرت على كمال وأردفت بنبرة رسم فيها العجز لوحته :
- داغر ؟ كمال اتجوز يا داغر .
أغلقت بعدها تطالعه وهو يبتلع لعابه خوفًا من مواجهة شقيقها بينما اهتاجت زينة تردف بردحٍ وتوبيخ :
- اللا إنتِ هتهددينا بسي داغر ده ولا إيه ؟ ماقالك إنه جواز وحقه ، ولا إنتِ فاكرة إنه هيفضل متحمل عمايلك دي كتير ؟
التفت ينظر لها بجمود تمثيلي وقال بنبرة آمرة :
- زينة اطلعي فوق .
كادت أن ترفض وتحتد ولكنها تحمل من الخبث ما يؤهلها للوصول للنصر الذي تريده لذا ربتت على صدره وأردفت بغنج متعمد :
- إنت تؤمر يا سي كمال .
تحركت تباغت ديما بنظرات شامتة قبل أن تتريث في خطواتها وتصعد الدرج .
وقفت تجرده بنظراتها من كل صفات الرجال والابتسامة الساخرة على محيّاها لا تفعل شيئًا غيرها ليتحمحم ويقول بنبرة ذكورية :
- ماتخربيش على نفسك يا ديما وكلمي اخوكي يجيب العيال واقعدي في شقتك واللي هيمشي عليها هيمشي عليكي من هنا ورايح .
حتى أنها ترى أن الحوار معه كثيرًا عليه ، لا يستحق كلمة واحدة تنطقها خاصة وأنها تشعر بثقل أصاب لسانها وجانب وجهها وخشت أن تنطق فتندفع الكلمات متعثرة لذا التفتت لتتحرك ولكنها كادت أن تسقط وشعرت بشيءٍ أقل وحشية منه يهجم عليها ويحاول هدمها لتتحامل على نفسها وتتحرك مغادرة قبل أن تسقط أمامه وهذا آخر ما تتمناه .
رآها تغادر فتحرك يناديها بتعجب من صمتها وقلق حيال ما تفعله ولكنها لم تجبه بل نزلت الدرج بتمهل وحذر يصدره عقلها الذي لا يستوعب ما يحدث ولكن كأنه فقد السيطرة على جسدها فبات كلٍ منهما في وادٍ غير معلوم .
زفر بضيق ليسافر عبر ردة فعل داغر والعواقب التي يمكنها اللحاق به ، هو لا يريد الانفصال عنها ولا يسعى لإطلاق سراحها ، أناني ونرجسي للدرجة التي تجعله يريدها منحنية لسلطانه بكل مميزاتها .
انتبه أنها غادرت من أمامه فتحرك يتبعها وينزل الدرج مناديًا باسمها .
وصلت إلى الشارع ترى الناس من حولها بشكلٍ ضبابي وغشت عينيها بسحابة مضللة وغزى جسدها تنميلًا حادًا ولم تنتبه لشقيقها الذي جاء يركض نحوها وأمسك بها يطالعها وتهيأت على وجهه جنود الحرب متسائلًا بذعر من هيأتها :
- إنتِ جيتي ليه ؟ جيتي ليـــــــــــــــــه ؟ وهو فين ؟
كان قد وصل عند باب البيت ووقف يطالع داغر بقلق ليراه الآخر فعماه الغضب وترك شقيقته واتجه نحوه يمسكه من تلابيبه ويسحبه للخارج أمام المارة فقد طفح الكيل منه لسنوات من الصمت والكظم .
تمسك كمال به يجابهه ويحاول منعه من هجومه ولكن داغر أردف بهياج وحرقة جعلته أقوى :
- اتجوزت عليها يا كلب يا ندل يا واطي ؟ اتجوزت عليها بعد كل اللي شافته منك ومن امك ؟
حاول كمال نزع نفسه منه وفشل وقد تجمع الناس من حولهما وباتوا يحاولون تخليصه بالكلمات والقبضات ولكنه كان متشبثًا به بشكلٍ حاد وغضبٍ عاصف فأردف كمال بنبرة مستفيضة غير مباليًا بأي شيء :
- حقي ، ماعملتش حاجة غلط ، وهي عارفة أنا اتجوزت عليها ليه ، اسألها .
وقفت ديما ترى وتشاهد ما يحدث بتشوش كلي وشريط حياتها معه يمر على درب عقلها ، تتذكر كل لحظة قاسية معه كأنها تراها ، كل شيء وكل مظلمة تعرضت لها أتت ووقفت في محطة عقلها الآن .
باغته داغر بلكمة قوية في أنفه جعلت الدماء تسيل وهو يستطرد :
- اسألها إيه ؟ هو إنت كنت تطول تتجوز واحدة زيها ؟ طلقها يا واطي ، طلقها .
عند ذكر الطلاق ورؤية الجيران لما يحدث وكلمات داغر التي رأى أثرها في أعينهم استباح الحديث عن محميتها مردفًا بثورة غضبٍ بعدما نفض نفسه بعنف يبتعد خطوة للوراء ويصيح وقد نزلت زينة مرتدية عباءة سمراء تجاوره وتسانده :
- دانتوا متعودين بقى ع الطلاق ! اشهدوا يا عالم ، أنا مش عايز اخرب بيتي بس أخوها عايز يطلقها ويخرب عليها زي ما أمها عملت ، أنا اتحملت كتير أوي ، دي واحدة مش بتديني حقوقي الشرعية وباردة معايا وكل اللي شاغلها الزفت الموبايل واللي بتكتبه عليه ، عاملة فيها ياما هنا وياما هناك وهي مش عارفة ترضي جوزها ولا تشوف طلباته ، اتجوزت علشان أعف نفسي ولا أمشي في الحرام يا عالم ؟
لم يحتمل داغر سماع تلك الكلمات في حق شقيقته أمام الناس لذا نزع نفسه من قبضاتهم بعدما تضاعفت قوته البدنية على أثر الخوض في عرض شقيقته واتجه نحوه يباغته بلكمة أشد قوة وفتكًا من الأولى فصرخت على أثرها زينة صرخات متتالية تسب داغر وتلعنه وهو يسدد لزوجها لكمة تلو الأخرى والآخر يستقبلهم بدون فواصل يدافع فيها عن نفسه .
- أختك وقعت ، أختك وقعت الحقها .
اخترقت تلك الجملة مسامعه من إحداهن فانتفض يلتفت وينظر نحوها ليجدها مفترشة الأرض فاقدةً للوعي .
انقشعت نوبات غضبه وحل محلها الرعب وهو يركض وينادي باسمها حتى وصل إليها وارتطم بالأرض يحملها ويحاول إفاقتها ولكنها باتت كمن فارقت تلك الحياة القاسية .
حملها بين ذراعيه وبات يركض بها ويبكي على ما تعرضت له ، هيأته مشعثة وملامحه حادة يتمنى لو يختفي كمال من على وجه الأرض .
سيطلقها منه ولو كان هذا آخر يومٍ له في الحياة ولكن ليطمئن عليها أولًا .
أما الآخر فساعده أحد الجيران لينهض واقتربت منه زينة تتفحصه بلهفة وتصيح داعية :
- أشوف فيكي يوم يا ديما إنتِ وأخوكِ شلفطوا وش الراجل .
وقف يتحسس ملامحه ويتوعد لداغر بعقابٍ قاسٍ خاصةً وهو يرى على وجه جيرانه التعاطف مع ديما والنفور منه فهم يعرفونها جيدًا منذ أكثر من ثمانِ سنوات ويعرفونه أيضًا .
نظر لزوجته التي تجفف له الدماء بكم عباءتها ليقول بنبرة يسعى ليسترد بها شموخه المفقود :
- هسجنه ، اللي عمله ده مش هيعدي كدة أبدًا .
- اسجنه ياخويا طبعًا ده بلطجي ، وطلقها دي ماتتعاشرش ، أنا عارفة إيه بس اللي وقعك في نسب عرة زي ده؟
هكذا شجعته بملامح واجمة ونفسٍ خبيثة ضاحكة على ما سعت له وما ستحصل عليه حينما يطلقها .