رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل الثامن
كـ إحتلال دخل قلبي بكامل قوته، فتحول إلى نورًا بداخله يزيل عتمته.
____________
شَخصٌ مثلي بسيط لَيْن لا يستطع الهجوم أو الدفاع في علاقاته مع الآخرين، أنا فقط أود أن أكون مسالمًا هادئًا حتى وإن غَدوتُ حزين، فيكفيني فرحًا من العالم بأن الله للنوايا يَرى، لذلك أنا أخشاني في غضبي فهل مثلي يستحق العناء أم يصرخ عاليًا يقول يا ليت النوايا تُرى ؟!
"جاي أقولك إن اتفاقنا خلص خلاص، لو عاوزة تطلقي من طارق كل حاجة جاهزة زي ما وعدتك"
قالها «وليد» بثباتٍ أمام الجميع و لم يرمش له جفن خاصةً بعدما أحدق الجميع النظر فيه، أما «طارق» فصرخ به بحدة حينما سمع ما تفوه به قائلًا:
"أنتَ بتقول إيه يا عم؟ اتفاق إيه و طلاق إيه ؟ أنتَ مجنون؟"
كانت الصدمة تعتلي ملامح الجميع حتى هي صمتت و لم تستطع التحدث فقط كل ما خرج منها صمت مع تعرق جبينها، أما «وليد» فالتفت لصديقه بثباتٍ وهو يقول:
"لأ مش مجنون أنا راجل و قد كلمتي اللي ادتها لجميلة، كان اتفاقي معاها إنها تتجوزك علشان نحل مشكلة، و المشكلة دي اتحلت خلاص يبقى دلوقتي من حقها تاخد حريتها علشان أعرف أنا أفوق للجاي"
اقترب منه «طارق» يقول منفعلًا بوجعٍ بعدما أمسك مرفقه:
"يعني إيه؟ هو أنا حياتي لعبة في ايدك؟ تديني روحي بين ايدي و ترجع تاخدها مني تاني؟ أنتَ عارف أنا اتعذبت قد إيه من غيرها، ليه يا وليد تعمل فيا كدا ؟"
رغم نظرة الشفقة التي ظهرت في عينيه تجاه رفيق دربه، إلا أنه اعاد الثبات من جديد وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
"أنا معملتش حاجة فيك يا طارق، أنا كنت بحل موقف بس مش أكتر، دلوقتي أنا مستني ردها علشان تخرج من حياتك زي ما كنت أنا سبب دخولها"
وقفت هي متأهبةً تقول بانفعال ممتزج بنبرةٍ مهتزة من توترها:
"و هو أنتَ جاي دلوقتي تقولي لو عاوزة تطلقي؟ مفكرتش قبل ما تتحكم في حياتي فـ حاجة زي دي ؟"
اعتلى ثغره ابتسامة خبيثة وهو يقول ببرود أثار حنقها:
" أومال هقولك كدا من قبل ما أجوزك؟ أنا ساعتها قولتلك إن دا وضع مؤقت، يعني مش هيستمر و علشان طارق كمان يعرف يركز في مستقبله و شغله، مش هنفضل متعلقين في النص كدا"
رد عليه «طارق» منفعلًا بضيق:
"يابني أنتَ ليه مصمم تعصبني؟ قولتلك مفيش طلاق، هي خلاص بقت معايا مش هسيبها"
رد عليه بنفس النبرة الباردة:
"مش بمزاجك، بمزاجها هي علشان الاتفاق كان معاها هي، أنتَ بس استلمت الأمانة مني، علشان كدا عاوزها هي اللي تسمعني قرارها"
وجه الجميع بصرهم نحوها حتى يتبينوا رد فعلها تجاه هذا الحديث الغريب من وجهة نظرهم، فتحدثت «عبلة» بهدوء لكنه امتزج بالخبث قائلة:
"ردي علينا يا جميلة، عاوزة إيه؟ موافقة تمشي و تسيبي طارق و تسيبينا ؟"
نظرت هي لها بأعين خاوية و هي تُجيبها بصوتٍ مهتز:
"اسيبكم و أروح فين بس؟"
تدخل «وليد» يقول بهدوء:
"متقلقيش البيت مليان شقق كتير، لو مش عاوزة تقعدي في شقة مشيرة فيه شقتين فاضيين في الدور الأخير لبنات العيلة، من بكرة واحدة فيهم تتفتح ليكي"
تدخلت «سُهير» تقول بنبرةٍ شبه باكية:
"ليه بس يا بني، ما هي معانا في بيتها أهوه، محدش يقدر يزعلها، دا بيتها زيها زي طارق"
تنهد هو بعمقٍ ثم أجابها بضجرٍ:
"علشان اتفاقي معاها، أنا وعدتها لما الدنيا تتظبط هضمن حريتها و أنا مبخلفش بوعدي، هي يوم كتب الكتاب قالتلي إنها مش مستعدة تكمل حياتها هنا ولا معانا حتى إنها مش واثقة في طارق علشان تسلمه حياتها..صح يا جميلة ؟"
قال جملته الأخيرة المستفسرة بتريثٍ خبيث يلمع داخل مقلتيه، أما «طارق» فاقترب منها يقف مقابلًا لها يقول منفعلًا:
"ردي عــليـه يا جَــميـلة، أنتِ فعلًا كنتي مستنية منه وعد بطلاقك مني؟ عاوزة تمشي من تاني...متسكتيش كدا ردي عليا"
ارتجفت هي من صوته الجهوري الذي صاح به في وجهها مما أدى إلى هطول الدموع على وجنتيها بقوة وهي تقول بصوتٍ مهزوز:
"دا...دا كان في الأول.....في الأول بس والله قبل ما أقعد معاكم هنا، لكن خلاص....أنا خدت عليكم....مش عاوزة أمشي"
تدخل «وليد» يقول بحنقٍ:
"أنتِ خايفة منه ليه؟ أنا موجود هنا علشان أضمن سلامتك، طارق عمره ما هيقدر يغصبك على حاجة"
ازداد انفعالها من حديثه الغريب الذي أشعل النيران في الأجواء فردت عليه من بين شهقاتها بانفعال هي الأخرى:
"أنــا عُــمري مـا أخـاف مـن طـارق، أخــاف مـنه إزاي و أنا بحبه، إزاي أخاف من الحد الوحيد اللي ضحى بعمره كله علشاني، طارق دا الحاجة الصح اللي حصلتلي هــنا، ومش هروح في حتة و أسيبه"
تفوهت هي بحديثها دون إدراك لما تتفوه به، مما أدى إلى ظهور الصدمة على أوجه الجميع حتى «طارق» الذي نظر لها بأعين متسعة حينما سمع منها ما أثلج نيران روحه المشتعلة ببعدها عنه، أما «وليد» ابتسم بخبثٍ ثم قال:
"أنا كدا اطمنت، ماشاء الله عاملة زي أمك لازم نشغل مخنا علشان نعرف نسحب منكم الكلام، بتتعبوا اللي خلفونا معاكم ليه"
شهقت هي بقوة حينما أدركت ذلك الفخ الذي وقعت به تزامنًا مع توجيه بصرها نحوه فوجدته يبتسم لها باستفزاز، أما «طارق» كان بصره معلقًا بها لم يستطع تحريكه على غيرها، ودّ في تلك اللحظة احتضانها و سحقها بين ذراعيه لكنه تفاجأ بـ «وليد» حينما وقف أمامه يقول بهدوء خبيث:
"إيدك على ٥٠٠ جنيه حق الاعتراف اللي مخلي عينك بتلمع كدا، ماهو أنا مش سايب السطح و مزاجي لله و للوطن"
تبدلت ملامح «طارق» وهو يطالعه بضيق قائلًا:
"أنتَ يمين بالله أعصابك دي عاوزة الحرق، علشان تحس بالنار اللي الواحد بيحس بيها، بس علشان اللي أنا سمعته منها دا سماح يا وليد"
أومأ له مؤكدًا باستفزاز ثم سار حتى وقف مقابلًا لها يقول بخبثٍ:
"ولما أنتِ بتحبيه كدا ساكتة ليه؟ تاعبة الواد معاكي ليه؟ بس هقول إيه يعني أمك مين ؟"
رفعت رأسها تنظر له بحنقٍ ممتزج بخجلها الطاغي عليها فوجدته يقول بهدوء:
"معلش علشان عصبتك من شوية بس بصراحة طارق استحمل كتير و من حقه يطمن إنه مش هيتساب تاني، أظن دي أحن حاجة تحصله بعد عمر كامل ضاع مستنيكي فيه"
تنهدت هي بعمقٍ ثم أومأت له وهي تبتسم بتوتر حينما شعرت بنظرات «طارق» الموجهة صوبها ، فعاد هو يقف بجوار حماهُ ثم مال عليه يقول بهدوء مَرِح:
"أي خدمة يا حمايا، أمنت مستقبل ابنك أهوه هو كمان، تحب أنيمهولك بالمرة ولا خلاص كدا ؟"
ربت «محمد» على كتفه بفخرٍ وهو يقول له مُتباهيًا بفعله:
"ربنا يباركلنا فيك يا وليد، أنا كنت عارف إن أنتَ اللي هتحل الموقف دا"
ابتسم له باتساع وهو يقول بحماس بعدما شجعه حديث عمه عنه:
"حيث كدا بقى عبلة هتيجي معايا بكرة علشان عاوز أجيب حاجات مهمة، و قبل ما تقولي لأ، هنروح مول قريب من هنا هجيب حاجات تبع الشغل"
تدخلت «سهير» تقول له مُرحبةً بفكرته:
"و ماله يا حبيبي مش عيب هي مراتك و حقك تخرج معاها، بدل ما هي مقضياها من الكورس للبيت و من البيت للكورس كدا"
رد عليها هو بمرحٍ:
"روحي ربنا يجبر بخاطرك يا سهير يا رب، أنا قولت مليش غيرك"
تدخل «طارق» يقول بهدوء بعدما أبعد نظره عن تلك التي أسرت قلبه:
"بس عبلة المفروض بكرة تروح مع سلمى و خلود علشان يحجزوا الدروس، سلمى المفروض تبدأ من اسبوع"
رد عليه «وليد» مُعقبًا بحنقٍ:
"هو أنتَ طالعلي زي أبوك تنكدوا عليا و خلاص ؟ أنتَ المفروض تبوس راسي و تقولي يا عم وليد، بس أنتَ قليل الأصل"
رد عليه «طارق» بانفعال جلي:
"قليل الأصل مين يا مهزق؟ أنا معنديش مانع تخرجوا سوا، بس سلمى عاوزاها معاها يحجزوا الدروس، أعمل إيه ؟"
تدخلت «عبلة» تقول بحماس وهي مبتسمة:
"بصراحة أنا عاوزة أروح مع وليد علشان ميروحش لوحده، سلمى و خلود ممكن أحمد يوصلهم، إيه رأيك؟"
رد عليها «محمد» متدخلًا بحنقٍ:
"أحمد و سلمى مع بعض إزاي يعني؟ أنتِ اتجننتي ولا إيه"
نظرت هي له بخبثٍ وهي تقول:
"طب ما هو طول عمره بيروح يوصلهم الدروس سواء دي أو دي، اشمعنا دلوقتي يعني ولا هو علشان طلبها ؟"
رد عليها «طارق» بنبرةٍ جامدة:
"أيوا علشان طلبها، دي واحدة ثانوية عامة و بعدين ازاي تروح معاه كدا من غير حد معاهم"
تدخل «وليد» يقول ببروده المعتاد:
"خلصتوا رغي؟ أحمد بكرة هياخد سلمى و خلود يحجز الدروس هو شاب ويقدر يتكلم مع الشباب في السناتر، عبلة هتيجي معايا بكرة علشان مشواري ضروري أروحه، لو حضرتك معترض أوي يبقى تروح أنتَ معاهم علشان أنا مش فاضي"
رد عليه «طارق» بحنقٍ:
"أنتَ متخلف ؟ أنا بكرة لازم أروح الشركة علشان حسن و وئام مش هيعرفوا يروحوا، و حضرتك نازل بكرة، يعني أنا هكون هناك طول اليوم فيه تصميمات هسلمها و أكلم المطبعة تخلص الحاجات اللي أجلناها"
رد عليه ببساطة:
"يبقى مفيش غير أحمد هو اللي يروح، و على فكرة أحمد مش ملاوع و لا صايع، هو محترم و اللي ميرضهوش على أخته ميرضهوش على سلمى، بالعكس هيحس أنكم واثقين فيه و هيتشجع علشان يثبت نفسه ليكم"
تدخلت «سهير» تقول بحماس شديد بعدما أمعنت التفكير في حديثه:
"صح يا وليد، هو بصراحة من ساعة ما طلبها و احنا قولناله مش وقته وهو محترم كلامنا، يبقى أقل حاجة نخليه يحس أننا واثقين فيه"
تدخل «محمد» يقول بقلة حيلة:
" خلاص ماشي، بس دي أول و أخر مرة تحصل، أنا علشان هو محترم كلمتي بس دا غير إن طه مربيه مش زي واحد صاحبنا كسل"
قال جملته الأخيرة بتلميح مُبطن التقطه «وليد» على الفور فـ رد عليه باستفزاز كعادته:
"لما تلقح عليا قول اسمي ثُلاثي يا عمي علشان بفرح أوي، و بعدين لو أنا بقيت متربي مين اللي هيتصرف، إبنك الخايب
دا؟ ولا أخويا اللي متربي مرتين"
تدخل «طارق» يقول مُشجعًا له:
"بس جدع علشان بتستغل قلة أدبك فـ الخير، أوعدك أني هاخد كورس في قلة الرباية عندك"
ابتسم له «وليد» ثم قال بهدوء:
"طب اطلع اتخمد أنا بقى علشان عضمي وجعني من السطح، أخيرًا هنام في أوضتي"
ردت عليه «عبلة» بلهفة:
"الف سلامة عليك لو تحب تاخد كريم للضهر، عندنا بتاع بابا حلو أوي، هيريحك"
ابتسم هو لها ثم قال بخبثٍ:
"مع احترامي لكل المراهم و الأدوية بس أنا مفيش حاجة هتريحني غير وجودك"
غمز لها بطرف عينه بعد جملته تلك مما جعلها تخفض رأسها في الأرض في خجلٍ منه، أما والدها قطع تواصلهم بقوله:
"اطلع نام يالا بدل نا أنيمك علطول أنا، قلة أدب"
رد عليه بسخرية:
"شوف اللي كان بيحب فيا من شوية فوق السطح، صحيح عيلة قليلة الأصل كلها، أقولك على حاجة و أبويا معاكم"
قال جملته ثم توجه نحو باب الشقة يخرج منها و الجميع ينظر في أثره باندهاش، فالتفت «محمد» يسأل ابنته بوجهٍ ممتعض:
"بتحبي فيه إيه البارد ابن البارد دا ؟ عجبك فيه إيه"
ردت عليه هي بهدوء ممتزج الحب:
"وليد دا كل حاجة فيه تتحب، أصلًا، حرام عليا لو محبتوش علشان وليد نعمة في حياة أي حد، يبقى ازاي بقى محبوش؟"
ابتسم لها «محمد» هو الأخر ثم قال بمرحٍ:
"المصيبة أني بحبه، غصب عني بحب ارخم عليه علشان بحب أشوفه و هو بيقل أدبه"
ضحك الجميع عليه و على مشاكستهما لبعضهما سويًا.
_______________
في شقة «خديجة» شهقت هي بقوة بعدما تفوهت بجملتها العفوية تلك، أما هو ابتسم لها بخبثٍ ثم قال بهدوء:
"بس كدا ؟! غالي و الطلب رخيص يا خديجة، أؤمري"
ابتعدت هي عنه بجزعها العلوي للخلف وهي تقول باحراج:
"اقعد بس والله العظيم دي ذلة لسان مش قصدي، استهدى بالله و بطل قلة أدب"
رفع حاجبه ينظر لها مُتعجبًا:
"بقى أنا برضه اللي قليل الأدب يا ولية يا مفترية؟ أنا اللي قولت هاتي بوسة؟ مش عيب ترمي بلاكي على الناس المحترمة كدا"
أومأت له بقوة وهي تقول بخجلٍ:
"والله أنا اللي متربتش علشان قولت كدا، ريح نفسك يا غالي يا ابن الغاليين"
ابتسم هو بهدوء ثم اعتدل في جلسته من جديد على المقعد أما هي تنهدت بأريحية ثم اعتدلت في جلستها، مرت ثوانٍ عليهما في صمتٍ قطعتها هي بقولها المتردد:
"ياسين ممكن أسألك سؤال؟"
أصدر صوتًا من حنجرته يدل على موافقته، فقالت هي مستفسرة:
"هو وليد و هو معاكم عند ميمي كان فرحان و بيتكلم عادي؟ يعني وثق فـ صحابك ؟!"
قطب جبينه يسألها بتعجبٍ:
"آه عادي...بس بتسألي ليه يعني"
ردت عليه هي ببساطة:
"علشان وليد طول عمره بيخاف من الصحاب، و عاش عمره كله معندوش صحاب خالص علشان أنا كمان مكانش عندي صحاب، و لما دخل الجامعة و قرر يصاحب ناس ضحكوا عليه و خلوه يأدمن، علشان كدا مستغربة إنه وثق فيهم عادي"
أومأ لها متفهمًا حديثها ثم أضاف في هدوء:
"علشان هو عارفهم يا خديجة، عارف إنه لو احتاجهم هيلاقيهم في أي وقت، و هما كمان جدعان و مش بيبخلوا على حد بمساعدة، فأكيد كان هيثق فيهم"
ردت عليه هي بتوتر:
"أنتَ مش فاهمني، وليد طول عمره مش بيثق في حد غير نفسه و ناس قليلة أوي، يعني ثقته فيك و إنه يسلمني ليك دي معجزة، و برضه ثقته في حسن دي علشان حسن متربي معانا في البيت من ساعة ما كانوا ساكنين في شارعنا زمان"
اندهش هو مما تفوهت به فسألها بنبرةٍ حائرة:
"هو حسن كان ساكن جنبكم ؟ أنا فاكره صاحب الشباب و هما كبار يعني في جامعة مثلًا"
ردت عليه هي تنفي حديثه الأخير:
"حسن طول عمره متربي مع وئام و طارق هما التلاتة قد بعض، بس مامته توفت و هو عيل صغير و أخته كانت مخطوبة علشان كدا باعت الشقة بتاعتهم و خدتوا و مشيت، بس هو مقدرش يعيش معاها رغم انها مرتبطة بيه هي و جوزها أوي، بس هو كان حاسس باليُتم علشان كدا كان بيجي يبات مع وئام في شقته، و بعدين خد ورثه من فلوس مامته و جاب شقة و اشتغل معاهم، و اتجوز بس للاسف مراته توفت بعد شهور من جوازهم"
اندهش هو مما وقع على مسامعه فسألها بنبرةٍ مهتزة إثر اندهاشه:
"أنا أول مرة أعرف كل دا، بس تصدقي صعب عليا والله، احساس الوحدة دا بشع، يعني أهله و بعدين مراته، أكيد تعب في حياته أوي"
أومأت له مؤكدة ثم أضافت بحزن:
"دا غير حماته ربنا يسامحها رفعت عليه قضية و طلعت عينه سنة و نص، بس عمو مرتضى وقف معاه قصادها و خلص الموضوع، هو علطول بيعتبره زي وئام و وليد"
ابتسم هو لها ثم أضاف مؤكدًا:
"واضح إن عم مرتضى بيحبه، و واضح كمان إن حسن هو اللي هيساعد هدير، دلوقتي عرفت دماغ وليد فكرت إزاي"
سألته هي بنبرةٍ حائرة:
"ازاي يعني؟ قصدك إيه ؟"
أجابها هو بتفكير عميق:
"وليد عنده دايمًا اقتناع إن فاقد الشيء هو أحق من يعطيه، يعني اللي داق التعب هو أكتر واحد عارف اللي بيتعب زيه حاسس بإيه، حسن داق مرارة الفقد كذا مرة، في أهله و بعدها مراته، يعتبر معظم حياته وحيد، علشان كدا هو أكتر واحد هيقدر مشاعر هدير و هيقدر يديها اللي مخدهوش في حزنه، هدير مش بس هتتعافى بوجود حسن، لأ دي كمان هتحب حياتها معاه، دماغ وليد دا برضه"
ابتسمت هي له ثم أضافت:
"وليد طول عمره فاهم كل حاجة حواليه، يعني عارف اللي قدامه بيفكر ازاي علشان كدا تلاقي الكل بيسمع كلامه، هو كدا من يومنا علشان كدا عاوزة أطلب"
أومأ لها موافقًا وهو يقول بنبرة عادية:
"أطلبي، عاوزة إيه"
ردت عليه هي بخجلٍ و بنبرةٍ مهتزة:
"بص لو مش هينفع قول مش هينفع مش هزعل خالص والله، على الأقل علشان هو ميتعشمش، بس والله هو طيب و يستاهل فعلًا"
زادت دهشته من حديثها المتوتر ذاك، فسألها هو بنبرةٍ قوية حتى تُجيبه بهدوء:
"ها يا خديجة عاوزة إيه؟ و مين دا أصلًا اللي بتتكلمي عنه، خلصي"
زفرت هي بقوة ثم قالت بسرعة كبيرة نتيجة إحراجها منه:
"عاوزاك تخلي وليد صاحبكم أنتَ و الشباب، هو طول عمره كان نفسه يكون عنده صحاب بس هو بيخاف منهم علشان كدا بيكون لوحده، ينفع تخلوه معاكم و تحسسوه إنكو محتاجينه معاكم؟"
ابتسم هو لها باتساع ثم تحولت تلك البسمة إلى ضحكة رويدًا رويدًا وهي تنظر له باندهاش من رد فعله الغير متوقع، و حينما لاحظ هو نظرتها أوقف الضحكات ثم رد عليها بهدوء لكنه أمتزج بضحكاته:
"و هو دا يخليكي تتوتري كدا و تخافي مني؟ أنتِ عبيطة يا ست الكل ؟ ما تقولي كدا من غير كسوف ولا حتى تحسي إنك بتتقلي عليا"
سألته هي بحماس شديد ممتزج بالدهشة من حديثه:
"يعني أنتَ موافق و مش معترض إنه يكون معاكم؟ و صحابك كمان هيقبلوه؟"
ضحك هو بخفة عليها ثم أضاف مؤكدًا حديثها:
"من غير ما تقولي هما حبوه أوي وميمي كمان، و بعدين أي حد يتشرف إن وليد يكون موجود في حياته، بس كويس إنك لفتي نظري لحاجة زي ديه، أنا لما أجي أروح معاهم عندها هاخده معايا"
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بحبٍ له نتيجة امتنانها:
"والله العظيم أنتَ رجولة و جدع يا ياسين، ربنا يجبر بخاطرك زي ما أنتَ جابر بخاطر الغلابة اللي زيي كدا يا رب"
رد عليها هو بسخرية من طريقتها:
"جرى إيه يا خديجة أنتِ هتشحتي عليا ولا إيه؟ و بعدين قولتلك إن كدا كدا وليد تبعي"
ابتسمت هي له و لم ترد عليه فوجدته يقول بهدوء خبيث:
"كان فيه مشروع بوسة يا خديجة أخبارها إيه؟"
نظرت هي له ثم انفجرت في الضحك على طريقته فوجدته يضحك هو الآخر معها.
_____________
في شقة «محمود» تكورت «هدير» على الفراش في وضع يشبه وضع الجنين، كانت تأنٍ في صمت لم يخرج منها صوتًا على عكس روحها المشتعلة التي تصرخ قهرًا لما آلت إليه، فقدت أعز الناس على قلبها، و فقدت صوتها، كانت على وشك التعرض للاستغلال من قِبل شخصية مُستغلة حقيرة، كتب على شخصًا آخر تحمل مسئوليتها لا دخل له، حتى الصراخ لم تقوى عليه، هي فقط تصرخ من الداخل عما يعتل به صدرها، فـ آهٍ لو تستطع البوح ما يموج بأحشائها، هكذا كانت تفكر وهي تنظر في اللاشيء أمامها ثم نزلت ببصرها نحو الصورة الموضوعة بجانبها على الفراش لوالدتها، مدت يدها تحتضن الصورة تود البكاء و لم تقوى عليه، فقط اذدردت لُعابها حينما شعرت بتلك الغصة القوية التي علقت في حلقها.
في الغرفة المجاورة لها كانت «هدى» تبكي بقوة على الفراش وهي جالسة على طرفه، كلما تذكرت أحداث اليوم و ما مروا به معًا، شقيقتها فقدت صوتها و فقدت روحها، أصبحت مثل الجسد الخالي بلا روح، تزوجت في نفس أسبوع وفاة والدتها حتى تتم حمايتها من الاستغلال، والدها أصبح منسكرًا بعد وفاة زوجته، هي ستصبح أمًا دون رؤية والدتها لحفيدها، دخل «وئام» الغرفة بهدوء، و حينما رآى وضعها ذلك، تنهد بقلة حيلة، ثم اقترب منها يجلس على ركبتيه أمامها يقول بهدوء:
"أنا عارفة إن اللي بيحصل دا كتير على أي حد يستحمله، و عارف إن عقلك لحد دلوقتي مش قادر يتحمل كم الصدمات دي، بس يا هدى كدا كتير على نفسك، أرضي بقضاء ربنا علشان ربنا يخفف عنك همك"
رفعت رأسها تطالعه بحزن وهي تقول ببكاء:
"و الله مش قادرة، كل حاجة حواليا مش مسعداني، سكوت هدير قاتلني، و كسرة بابا وجعاني، حتى اللي حصل النهاردة دا حصل لما ماما ماتت يا وئام.....احنا كنا هنتعرض للاستغلال في أول اسبوع لوفاة ماما.....صعب والله عليا"
أمسك هو كفها بين كفيه وهو يقول مؤازرًا لها في محنتها تلك:
"صدقيني كل دا خير والله حتى لو بنتوجع منه، شوفي النص الكويس من كل دا، مامتك ربنا رحمها من الآلم و الوجع و هتاخد أجر على ألمها دا، ربنا رحمها من التعب اللي كانت فيه و دلوقتي فـ مكان أحسن من الدنيا دي، و هدير يمكن لو كانت بتصرخ و بتعيط كانت حصلتلها صدمة قلبت بهيسترية، و والدك شوية و هيرجع تاني أحسن من الأول لما يفوق من صدمته، و حسن بقى جوز هدير خلاص، يعني محدش يقدر يقرب بس منها، و بكرة هو و وليد الصبح هيروحوا يسألوا الدكتورة عن حالتها علشان تتعالج، و الله كل الأقدار جميلة بس احنا نقبل بيها علشان ربنا يكرمنا"
هدأت هي بعد حديثه المقنع لها ثم مدت كفها تمسح دموعها تزامنًا مع تنفسها بعمقٍ، بعدها نظرت له بهدوء وهي تقول بامتنان:
"مش عارفة أقولك إيه والله، شكرًا لوجودك و لكلامك و لحنيتك عليا، بقالي فترة مغلباك معايا يا وئام....و أنتَ راضي و مستحمل علشاني، ربنا يخليك ليا"
ابتسم هو لها بهدوء ثم ربت على كفها وهو يقول بحنانه المعتاد:
"أنا راضي بِـغُلبي علشان معاكي يا هدى، كفاية إنك موجودة و شايلة جواكي حتة مني، خلي بالك منه و من نفسك، علشان أنا مليش غيركم"
بعد حديثه لها سحبت كفها من بين كفيه بهدوء تتلمس بطنها بحنان فابتسم هو لها ثم أضاف مُطئنًا لها:
"كل حاجة هتبقى زي الفل، قولي يا رب و ثقي في كرمه و أرضي بقضاءه و حكمته"
أومأت له ثم قالت بنبرةٍ مهتزة:
"الحمد لله على كل حال، راضية والله حتى لو قلبي حزين"
اعتدل هو في وقفته ثم رفع قدميها على الفراش بهدوء ثم التفت للجهة الأخرى ينام بجوارها ثم اقترب منها يأخذها بين ذراعيه بهدوء، أما هي فاستسلمت لنومها بمجرد اقترابها منه فتنهد هو بحزن ثم ربت على ظهرها.
_________________
في غرفة «طارق» و بعد انسحاب الجميع إلى النوم، اقترب منها هو حينما أنهت صلاتها ثم جلس خلفها يقول بنبرةٍ مرحة:
"هو كان لازم يعني وليد يتدخل علشان تطفي ناري يا جميلة؟ كلمة زي دي كانت عاوزة كل المجهود دا علشان أسمعها؟"
أغلقت جفونها بشدة وهي تضغط عليهما حتى تُحد من خجلها فوجدته يلتفت يجلس مقابلًا لها والتسلية تقفز من عينيه قائلًا بهدوء:
"بصيلي يا جميلة و افتحي عيونك، مش عاوزك تتكسفي مني"
رفعت رأسها بخجل تنظر له وهي تفتح جفونها رويدًا رويدًا تطالعه بخجلٍ فوجدته يقول بمرحٍ:
"أنا مش عاوزك تتكسفي مني يا جميلة، أنا بس عاوزك تعرفي أني جوزك قدام ربنا و قدام الناس، أنا طارق اللي ملوش غيرك ولا ينفعه غير عيونك"
ردت عليه هي بهدوء بعد حديثه الجميل المُحبب لقلبها:
" عارفة يا طارق، و عارفة كمان أني مليش غيرك، بس صدقني أنا كنت واخدة على راسي من صدمتي فـ أهلي، كل حاجة حواليا كانت كدب، يعني أني أثق في حد تاني كان صعب عليا، بس لما قعدت معاك عرفت إنك أحن مني على قلبي، كنت بسمعك بتصلي بليل و تدعيلي ربنا يفرحني، أكيد مش هلاقي أحن من كدا، فكرة إنك ترفع إيدك و تذكرني قدام ربنا دي حاجة عظيمة يا طارق، و على رأي عبلة لما قالت يبقى حرام عليا لو محبتكش"
تنهد هو بأريحية ثم اقترب منها يقبل رأسها ثم ابتعدت عنها يقول بحب و هو يطالعها بعينيه:
"ربنا يباركلي فيكي يا جميلة، و يقدرني و أسعدك و أعوضك عن أي يوم وحش عشتيه من غيري"
ابتسمت له باتساع وهي ترد عليه بهدوء:
"أنا ربنا جبر خاطري بيك يا طارق، و عارفة و متأكدة إنك مش هتسبني لـ زعلي"
عقب على حديثها بسرعة كبيرة:
"أنا مش هسيب زعل في حياتك أصلًا، أنتِ تستاهلي كل الخير يا جميلة، عيونك دي متستاهلش غير دموع الفرح بس".
________________
في صباح اليوم التالي وقفت «خديجة» في مطبخها تعد الإفطار له قبل ذهابه للعمل، أما هو خرج بعدما ارتدى ملابسه ثم توجه لها يقول بهدوء:
"صباح الخير يا يا وش الخير"
التفتت له هي وهي مبتسمة بحب ثم قالت بهدوء:
"صباح النور يا ياسين، اقعد الفطار خلص خلاص"
أومأ لها ثم جلس على المقعد الخشبي الموضوع بجانب الطاولة أما هي وضعت الفطار أمامه ثم جلست بجانبه بهدوء و البسمة العذبة تزين ثغرها، نظر هو لها بتشككٍ ثم نظر للطعام وهو يقول بقلقٍ زائف:
"أنتِ بتضحكي كدا ليه؟ أوعي تكوني حاطة سم في الأكل يا خديجة، دا احنا لسه بنقول يا هادي"
شهقت هي بقوة ثم تبعت شهقتها بقولها المندهش:
"يا نهارك مش فايت يا ياسين، سم إيه يا أهبل أنتَ ؟! هسمك ليه هو أنتَ فار ؟"
رد عليها هو ببساطة:
"قولت يمكن اتخنقتي مني ولا حاجة، قولتي أخلص منه"
تنهدت هي بعمقٍ ثم تمتمت بخفوت:
"اللهم طولك يا روح، الصبر من عندك يا رب"
كان يطالعها هو بخبثٍ ثم تحول إلى الضحك وهو يقول:
"طب يلا كُلي معايا"
ردت عليه هي بسخرية:
"ليه عاوز تتأكد إن الأكل مش مسموم؟ و لا بتجرب فيا ؟"
ابتسم هو بهدوء ثم قالت مردفًا:
"يا ستي بهزر معاكي بطلي رخامة بقى، كلي يلا علشان متأخرش"
أومأت له ثم شرعت في تناول طعامها وهو أيضًا و أثناء طعامهما تحدث هو يقول بهدوء:
"أنا هروح عند ميمي بليل هنتقابل هناك و نرجع سوا أنا و الشباب"
ردت عليه هي بسرعة:
"أنا كنت عاوزة أقولك إن إيمان قالتلي إنها عاوزانا النهاردة نروح عندها علشان هي و ياسر متخانقين سوا"
ضحك هو بخفة ثم أضاف ساخرًا:
"و هي من إمتى مش متخانقة معاه، هو من امبارح بايت في المستشفى و هيكمل لحد النهاردة، خليها لحد ما خالد بنفسه يجوزه عليها"
ردت عليه هي مغيرة مجرى الحديث:
"طب ركز معايا أنا بس، تاكل إيه النهاردة ؟ علشان هعيط من الحيرة"
رد عليها هو بحنقٍ:
"أنا مبكرهش فـ حياتي غير السؤال دا، أعملي أي أكل من غير كلام، أي حاجة منك هاكلها"
ردت عليه هي بضيق:
"يعني إيه أي حاجة دي؟ أنطق يا بني تاكل إيه بقى متتعبنيش"
وقف هو ثم قال بهدوء:
"أعمليلنا حاجة حلوة زيك كدا على زوقك تمام؟ أي حاجة منك هتبقى حلوه و زي العسل، كفاية إن الحلويات هي اللي هتطبخ بنفسها"
ابتسمت هي بهدوء وهي تسأله مستفسرة بخبثٍ:
"و هو أنا بقى الحلويات اللي هتطبخ بنفسها؟"
مال بجزعه على الطاولة يستند بكفيه وهو يقول بهدوء خبيث:
"ربنا يعلم إن الواحد كان سكة الحلويات تايب...بس بعد ما شاف عيونك الحلوين بقى فيهم دايب"
نظرت هي له بحبٍ و هي تحاول كتم ضحكتها فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"
قهقهت بعد تلك الجملة بشدة فوجدته يعتدل في وقفته و هو يقول بهدوء:
"طب كدا تمام ننزل بقى نلحق شغلنا، و آه أي أكل هاكله متشغليش بالك"
أومأت له بهدوء بعدما ابتسمت له، أما هو بادلها البسمة بمثيلتها ثم تركها و ذهب من أمامها تاركًا إياها تنظر في أثره بحب.
_______________
أسفل عيادة الطبيبة النفسية توقفت سيارة «وليد» ينتظر مجئ «حسن» و بعد مرور دقائق وصلت السيارة تقف خلف سيارته، فـ نزل هو من السيارة تزامنًا مع نزول الآخر من سيارته، و حينما تقاربت المسافة بينهما سأله «حسن» بتعجبٍ:
"خير يا وليد ؟! و إيه العنوان الغريب دا و جايين هنا ليه؟"
رد عليه الأخر بضجرٍ:
"اهدا و خد نفسك يا حبيبي، دي عيادة دكتورة نفسية هنستشيرها في حالة هدير، خاصةً إن هدير مش هتقدر تتكلم"
سأله هو بلهفة:
"طب ليه منجبش هدير نفسها ليها، حتى هي تطمن عليها بنفسها"
رد عليه «وليد» مُردفًا بحكمة حتى يشرح له الوضع:
"لأ طبعًا هدير مش هتقدر تيجي لدكتورة نفسية في حالتها دي، وضعها صعب و هتفضل تفكر في مليون فكرة كلهم أوحش من بعض، احنا بس هنسأل الدكتورة و هي تجاوبنا"
أومأ له «حسن» مؤكدًا ثم تنهد بعمقٍ عله يخرج من اضطرابات قلقة التي تعصف به و بذهنه، أما «وليد» فالتفت يسبقه بعدما أمعن النظر في وجهه و في نظرته القلقة، و بعد مرور دقائق وصلا سويًا إلى مكتب استقبال العيادة و بعد أخذ الأذن من الطبيبة في الدخول، دلفا معًا لها، رحبت بهما «هناء» وهي تقول:
"نورتوا المكان، دا مينمنعش أني قلقانة شوية من المقابلة بس خير إن شاء الله"
ابتسم لها «وليد» ثم قال باحراج:
"بصراحة والله أنا مُحرج من حضرتك، جيت مرة مع ياسين علشان خديجة، و مرة تانية مع حسن علشان هدير بنت عمي"
ابتسمت هي بودٍ له ثم أضافت تنفي حديثه و تزيل احراجه:
"متقولش كدا يا وليد، أنا تحت أمركم، بس قولي هدير إيه أخبارها لسه زي ما قولتلي؟"
أومأ لها مؤكدًا ثم أضاف بحزن:
"لسه للأسف، دي كمان اتكتب كتابها و برضه مصدرش منها أي رد فعل، هدير مسالمة أوي و دا مش طبعها، سكوتها تاعبنا كلنا"
تدخل «حسن» يقول هو الأخر:
"مش بس سكوتها، شكلها و كل حاجة مزعلانا كلنا، أنا عارفها من صغرنا، هدير عمرها ما كانت كدا"
أومأت هي لهما في تفهم ثم تحدثت مُردفةً:
"اللي هدير فيه دا حالة اضطراب نفسي نتيجة الصدمة، اسمه اضطراب ما بعد الصدمة، بيكون ليه أشكال كتير جدًا، بتصيب الإنسان بعد تعرضه لصدمة شديدة، اللي بيحصل إن الجسم من المفاجأة بيحصله خلل في بعض الحواس و ساعات الاعضاء، يعني فيه ناس بتفقد حاسة معينة و فيه ناس بتفقد وظيفة عضو لفترة مؤقتة، زي الدخول في غيبوبة نتيجة إن العقل مش متحمل كل الصدمات دي، و فيه ناس بيحصلها جلطات، عند هدير بقى فقدت النطق، و للأسف وضعها النفسي نتيجة فقدانه هيكون صعب جدًا"
نظر لها كلاهما بـ حيرة ممتزجة بحزن يطل من أعينهما، فاسترسلت هي حديثها من جديد:
"أنا هفهمكم، ربنا سبحانه و تعالى خلق السمع و الكلام مرتبطين مع بعض، بمعنى إن لما حد يتولد أبكم بيكون أصم كمان، لأن أصعب احساس على الإنسان هو إنه يكون بيسمع و مش قادر يرد على اللي حواليه، احساس زي الغرق بالظبط، و من كرم ربنا و رحمته بعباده اللي بيتولد من غير حاسة النطق يفقد معاه السمع، فبالتالي بيبقى الوضع طبيعي عليه من غير ما يحس إنه متكتف، عند هدير الوضع صعب علشان هي سامعة كل حاجة و مدركة لكل حرف بيتنطق حواليها، بتبقى عاوزة ترد و عاوزة تصرخ بس مش قادرة، هي من جوة بتصرخ و بتتكلم و بتعيط، بس عدم قدرتها على الكلام و لا العياط دا صعب عليها تتحمله لأ دا كله مسبب ليها انهيار داخلي، علشان كدا لازم كل حاجة مرتبطة بواقعة الوفاة تتغير، حتى المكان نفسه"
سألها «حسن» متلهفًا:
"ازاي ؟ و إيه اللي المفروض يتعمل علشان تقدر تتجاوز كل دا ؟"
ردت عليه هي بهدوء:
"هدير طول ما هي في نفس المكان اللي حصلها فيه الصدمة هتفضل تفتكر الموقف باستمرار، مش بس كدا، لأ دي كمان هتتأذي أكتر مع احساسها إنها فقدت صوتها، هدير حاليًا بيسموها بالعربي كدا لسانها ممسوك"
سألها «وليد» بتفكير:
"طب وهو اللسان بيتفك إزاي لوحده، أقصد يعني من غير تدخل جراحي بيرجع تاني ؟"
أومأت له ثم أضافت على حديثه معقبة:
"دا بيكون مرتبط بالحالة النفسية يا وليد، يعني التدخل الجراحي ملوش أي لازمة لأن العامل هنا نفسي مش عضوي، مع الممارسة و الدعم و التعود على عادات جديدة، هتتكلم واحدة واحدة، الموضع بياخد من أسابيع لشهور"
سألها «حسن» بهدوء:
"طب و هو أنا لو خدتها بيتي بحيث انها تغير المكان اللي كان فيه الوفاة، و أبدأ اتعامل معاها أنا عادي ؟ أقصد يعني الكلام و الطريقة أنا ممكن اتعامل معاها بالكتابة أو بالشات حتى"
ابتسمت هي له بهدوء ثم أضافت:
"دا شيء عظيم جدًا، هدير حاليًا لو اختلطت وسط ناس بتتكلم كتير هيحصلها حاجة من الاتنين يا تحاول تتكلم زيهم و دا ممكن ينجح فعلًا، يا تتعب نفسيًا أكتر لأنها مش قادرة تمارس أبسط حقوقها و هي الكلام زي البشر"
تدخل «وليد» يسألها بتريثٍ:
"يعني حل حسن هو دا الأنسب؟ بما أني عارف هدير و شخصيتها هي مش من النوع اللي ممكن يتشجع إنه يتكلم، دي ممكن تحزن أكتر على نفسها"
أكدت هي حديثه بقولها:
"بالظبط يا وليد، هدير شخصيتها قوية و ممكن محاولتها تكون بنتيجة عكسية، لو أستاذ حسن عنده علم بالطريقة اللي المفروض بتعامل بيها معاها و يقدر فعلًا على تقديم الدعم النفسي ليها يبقى دا أفضل بكتير"
أومأ لها كلاهما مؤكدًا، بينما هي أخرجت ورقة تشبه الإرشادات الطبية في كيفية التعامل مع الحالة النفسية و كلاهما يومأ لها بقوة حتى يؤكدا لها استيعابهما لما تتفوه به.
_______________
أسفل بيت آلـ «الرشيد» توقفت سيارتي كلًا من «حسن» و «وليد»، وقفا سويًا أمام البيت، فقال «وليد» له بهدوء:
"أنا هقنع عمي محمود بموضوع إنك تاخدها الليلة دي، و أنتَ تتكلم معاها بالهدوء و أنا معاك برضه، بس عاوزك أنتَ اللي تتكلم معاها"
سأله «حسن» بهدوء:
"طب ليه، على ما أظن إنها ممكن تقلق مني"
حرك رأسه نفيًا بقوة وهو يقول نافيًا حديثه:
"بالعكس، أنا عاوزك تكلمها أنتَ علشان تطمن ليك، هدير ممكن تفتكر نفسها مفروضة عليك، لكن مع كلامك أنتَ هي هتطمن"
سأله «حسن» بهدوء سؤال غير متوقع أثار دهشته:
"هو أنتَ ليه بتعمل كدا علشانها يا وليد، أنا عارف إن العلاقة بينكم كانت صعبة و أنتَ بنفسك كنت كتير بتضايق منها، إيه اللي حصل"
رغم دهشته الجلية بوضوح على وجهه، إلا أنه آثر إخفاؤها حينما تفوه مُردفًا:
"علشان هدير ضحية يا حسن، هدير دلوقتي طير مكسور الجناح، كل حاجة وحشة عملتها اتقلبت عليها، لسانها و اتمسك، و ماماتها اللي كانت سبب تربيتها راحت منها رغم ارتباطهم ببعض، واحدة بعد ما كان معاها كل حاجة، بقت من غير أي حاجة، في النهاية هي بنت عمي و أختي يعني لحمي برضه، لو موقفتش مع بنت عمي في محنتها هقف معاها إمتى يا حسن"
وضع «حسن» ذراعه عليه وهو يقول بفخرٍ:
"أنتَ ابن حلال ياض، علشان كدا ربنا هيكرمك و يفتحها في وشك من وسع، و هتقول حسن قالها"
رد عليه هو بهدوء:
"و لو متفتحتش يا حسن، أنا مبسوط كدا الحمد لله، كل حاجة عندي غيري يتمنى ربعها، يبقى اللي أنا فيه دا فضل و نعمة"
أومأ له مؤكدًا و بعد قليل كانا يقفا على اعتاب شقة «محمود»، طرقه «وليد»، ففتح «وئام» بعدما علم مُسبقًا بمجيئهما، دخلا معًا حتى قابلا «محمود» الذي جلس بهدوء يقول مرحبًا بهدوء:
"أهلًا يا حسن يا بني، أخبارك إيه يا حبيبي ؟"
رد عليه هو باحراج، فهذه تعد أول مواجهة بينهما منذ بداية اقتران حياته بحياتها قائلًا:
"أنا بخير يا عم محمود، كويس طول ما انتو بخير"
رد عليه بامتنان تقديرًا لموقفه تجاه ابنته:
"ربنا يكرم أصلك يا حسن، أنتَ راجل و موقفك مع بنتي ساعة راشد عمري ما هنساه، لولا وجودك كان زمانه بيحوم حواليها"
رد عليه نافيًا حديثه حتى يرفع عنه الحرج:
"متقولش كدا يا عمي، أنا عيني ليكم، و بعدين هدير بقت مراتي يعني أنا فـ مقام ابنك بالظبط، أو اعتبرني زي وئام"
عقب هو على حديثه قائلًا:
"ربنا يعلم إني بعزك من صغرك يا حسن، طول عمرك معانا، متقلش حب عن شباب العيلة كلهم، أنتَ زيك زيهم يا حسن"
أومأ له «حسن» بهدوء ثم نظر في وجه «وليد» حتى يبدأ مع عمه الحديث عن ذهابها معه إلى بيته من الليلة، فأشار له هو بالهدوء ثم قال مُتريثًا:
"معلش يا عمي أنا بستأذن حضرتك علشان هدير تروح بيت جوزها النهاردة"
رد عليه «محمود» بانفعال جلي:
"أنتَ بتقول إيه يا وليد؟ إزاي يعني في حالتها دي؟ هدير مش هينفع تخرج من هنا و هي تعبانة كدا"
رد عليه «وليد» بنبرةٍ قوية:
"أومال أنا مجوزها لحسن ليه؟ علشان حسن يقدر يخليها ترجع تاني زي الأول، هدير لو فضلت هنا هتعيش عمرها كله ساكتة و مش هتقدر تتخطى موت أمها"
حينما احتد النقاش إلى تلك الدرجة، تدخل «وئام» يقول بنبرة هادئة حتى يقلل حدة الأجواء:
" يا عمي كل الموضوع إن هدير وضعها النفسي صعب، طول ما هي هنا هتفضل حابسة نفسها في أوضة مرات عمي الله يرحمها، وجود حسن معاها هيغير الدنيا كتير، صدقني دا علشانها هي"
رد عليه هو بأسى:
"يا بني أنا كل اللي عاوزه إنها تتكلم أو حتى تعيط، سكاتها كدا غلط و بيحرق في قلبي و بيقطع روحي"
رد عليه «وليد» بهدوء بعدما ادرك مشاعر عمه الحزينة:
"يا عمي أنا مقدر مشاعرك، بس صدقني هدير لازم تخرج من الشقة دي و البيت كله كمان"
رد عليه بنبرةٍ متشوشة:
"طب... طب لو هي موافقتش يا وليد؟ هتعمل إيه"
رد عليه «وليد» مُردفًا بثبات:
"متخافش وافق أنتَ و أنا هقنعها، متشيلش همها يا عمي"
أومأ له موافقًا بقلة حيلة، فقال «وئام» بعدما هب واقفًا:
"أنا هدخل أجيبها علشان حسن يتكلم معاها، و هفهم هدى كمان تكلمها و تفهمها"
أومأ له الجميع فدخل هو غرفتها بعدما طرق الباب و وصله السماح بالدلوف، دلف هو بهدوء فوجدها بجانب زوجته على الفراش كعادتها صامتة، بينما زوجته سألته بنبرةٍ منهكة:
"مين جه برة يا وئام"
جلس هو مقابلًا لهن على الفراش وهو يقول بهدوء:
"دا وليد و معاه حسن جوز هدير"
سارت قشعريرة في جسدها عند سماعها كلمة (زوجها) فلم تعتاد هي على تلك الكلمة، أما شقيقتها فسألت زوجها بتعجبٍ:
"طب و حسن جاي ليه؟ دا لسه يدوبك كاتب كتابه امبارح"
رد عليها مُردفًا بثبات هاديء:
"جاي علشان ياخد مراته يا هدى، هدير لازم تروح مع حسن"
انتفضت كلتاهما في جلستها من هول ما وصل آذانهن، فقال هو مُردفًا لهن:
"اهدوا انتو الاتنين، هو جاي ياخد هدير علشان هدير تتحسن و تتجاوز كل حاجة هنا، هدير لازم تفوق لنفسها برة بيت الرشيد"
حركت رأسها نفيًا بقوة رافضة حديثه، فزفر هو بضيق ثم أضاف:
"عارف شعورك إيه يا هدير، بس صدقيني أنتِ لازم تروحي مع حسن علشان هو ميحسش إنه اتسرع، على الأقل قدام موقف رجولته معاكي ساعة الزفت راشد و أبوه"
تدخلت «هدى» تقول بنبرةٍ قوية بعدما نظرت لها شقيقتها بتوسل:
"ازاي بس و هي تعبانة، أنا قلبي مش هيطمن عليها بعيد عني كدا، ازاي عاوزني أفرط فيها"
أجابها مُعقبًا على حديثها:
"يا هدى لو قعادها جنبك هيضرها يبقى بلاش منه أحسن، صدقيني هي عمرها ما هتتعافى هنا، وجودكم جنب بعض بيزود وجعكم، أنا كل ما أشوفكم ألاقيكم ماسكين الصورة، يبقى إزاي هتتجاوزا اللي حصل"
فكرت «هدير» في حديثه فهي تعلم أنه محق، جلوسها في تلك الشقة و تحديدًا في غرفتها التي كانت تشاركها فيها والدتها، و كلما نظرت حولها تذكرت ما حدث، لكن كيف لها أن تترك ذلك البيت و تذهب معه، هو لازال غريبًا عليها لم تعتاد وجوده، كيف تذهب معه بصفتها زوجته؟"
خرجت من شرودها على صوت «وئام» يقول بهدوء:
"تعالي يا هدير معايا علشان حسن عاوز يتكلم معاكي و دا حقه، هو مستني برة بقاله كتير"
نظرت لـ «هدى» وجدتها تومأ لها بهدوء ثم حركت كتفيها بقلة حيلة و كأنها تخبرها إنه لا يوجد مفر.
خرجت له مع زوج أختها منكسةً رأسها للأسفل لم تستطع رفع عينيها لمواجهته، أما هو فتعلق بصره بها حتى وصلت أمامه، نظر «وليد» لهما ثم قال بهدوء:
"طب يلا يا جماعة احنا علشان نسيب الناس تعرف تتكلم براحتها، يلا يا عمي يلا يا وئام"
أومأ له كلاهما ثم ذهبا خلفه، أما «حسن» فوقف أمامها يقول بتوتر:
"ازيك...أنتِ كويسة؟"
حركت رأسها موافقة بهدوء دون رفع رأسها حتى تطالعه، فأشار هو لها ثم قال بهدوء:
"طب اتفضلي اقعدي، مش هنتكلم و احنا واقفين كدا"
تنهدت هي بعمقٍ ثم جلست على المقعد المقابل لمقعده، فقال هو حتى يخفف توتر الأجواء:
"طب بصيلي علشان أعرف أتكلم و محسش أني مش مرحب بيا"
رفعت رأسها بسرعة و كأنه تود نفي حديثه لكن لسانها لم يُسعفها فوجدته يقول متفهمًا:
"أنا عارف بس بهزر معاكي، أنا جاي علشان أقولك أني عاوزك معايا في بيتي يا هدير، و قبل ما تعترضي أنا عاوزك علشان أقدر أقف جنبك و علشان أكون معاكؤ علطول، و علشان ظروف والدتك صعب نعمل فرح، يبقى الأحق إنك تكوني معايا في بيتك، ها رأيك إيه ؟"
نظرت له بتشوش لم تستطع اتخاذ قرار محدد، فالتقط هو تخبط نظراتها فقال مُطمئنًا لها:
"علشان متكونيش خايفة مني، إيه رأيك أجي أخدك بكرة تكوني جهزتي نفسك؟ و أكون جهزت نفسي برضه؟ ها موافقة أخدك بكرة، و زيادة في الاطمئنان ممكن نعتبره وضع مؤقت، يعني لو مرتاحتيش معايا أو خوفتي مني ترجعي تاني البيت هنا، ها كدا اطمنتي؟"
تنهدت هي بقوة تزامنًا مع اغلاقها جفونها بشدة ثم فتحتمها بتروٍ، بعدها أومأت له موافقة على اقتراحه، فتنهد هو الأخر ثم قال:
"اتفقنا، بكرة إن شاء الله هكون عندك، و هاخدك معايا، و زي ما اتفقنا لو مرتاحتيش معايا هرجعك تاني"
جبرت شفتيها على التبسم رغمًا عنهما باقتضاب، فوقف هو يقول بطريقة مهذبة:
"عن اذنك، أشوفك بكرة إن شاء الله".
أومأت له ثم نظرت في أثره تراقب ذهابه من أمامها ثم عادت بظهرها للخلف تفكر بتخبطٍ في أمور حياتها التي انقلبت رأسًا على عقب.
_____________
في وسط النهار و بعد رحيل «حسن» من البيت بعد اتفاقه مع والدها على عودته في الغد حتى يأخذها شقته، وقف «أحمد» بجانب السيارة ينتظر الفتاتين، و ما لبس ثوانٍ حتى وجدهن أمامه، فابتسم هو ثم قال بهدوء:
"إن شاء الله تبقى رحلة حلوة علينا كلنا"
ردت عليه «خلود» بخبثٍ:
"خلصت من مراقبة وليد و عبلة، علشان اراقب أحمد و سلمى، ريح نفسك علشان عمك محمد محلفني"
أومأ لها ثم قال باستفزاز:
"عارف ياختي.....عارف، يلا علشان لسه هناخد لفة محترمة على السناتر كلها"
تحدثت «سلمى» تقول بهدوء:
"أنا معرفش مدرسين لسه يا أحمد، يعني هنفضل ندور شوية"
أومأ لها موافقًا ثم أضاف:
"مفيش مشاكل، أنا معاكم و صحابي كانوا علمي زيك و عرفت منهم إسم المدرسين"
ابتسمت هي له بهدوء و هو أيضًا، فقالت «خلود» بخبثٍ:
"شكلها هتبقى رحلة سعيدة و هقبض فيها من عمي محمد"
ابتسمت «سلمى» باتساع أما «أحمد» عض على شفته السفلى ثم قال بحنقٍ:
"طب يلا يا ختي خلينا نلحق"
و بعد مرور ثوانٍ رحلت السيارة بهم، هن على الأريكة في الخلف، و هو يقود السيارة الخاصة بوالده بهدوء.
بعد دقائق من ذهاب سيارة «أحمد»، نزل «وليد» و «عبلة» معه، ركب هو السيارة وهي تبعته بمرحٍ نتيجة حماسها، فتحدث هو بسخرية:
"أنتِ بتركبي دبابة يا عبلة؟ و بعدين ليه محسساني أني رايح أفسح بنت أختي؟"
ابتسمت له باستفزاز ثم قالت:
"يا سيدي أنا فرحانة علشان نازلة معاك، و فرحانة علشان هشاركك كل حاجة، قولي بقى رايحين فين؟"
ابتسم هو لها بهدوء ثم أجابها:
"رايحين مول ****** هجيب حاجات للمكتب بتاعي و مكتب حسن، و عاوز أجيب هدوم ليا"
ردت عليه هي باندهاش:
"هدوم ؟! هدوم إيه يا بني؟ وليد أنتَ عندك مصنع هدوم فوق، أنتَ عبيط ؟"
رد عليها هو بحنقٍ من تدخلها:
"أنتِ مالك هو أنتِ أمي ؟ و بعدين أنا راجل فاضي بحب أضيع فلوسي على الهدوم و النزاهة و بكره البُخل علشان بيعصبني"
ردت عليه هي بانفعال:
"يعني هو أنا اللي بحب البخل؟ أنا غلطانة خايفة عليك تفلس، بعزق فلوسك يا وليد"
ضحك هو بقوة عليها ثم أضاف بنبرةٍ ضاحكة:
"يا ستي الله يكرمك، بس متخافيش جوزك جامد برضه و جيب السبع ميخلاش"
ابتسمت هي له ثم أضافت:
" واثقة فيك يا وليد، يلا بقى علشان متحمسة أوي أخرج معاك، بس اعمل حسابك هتصورني أنا بقولك أهو"
غمز لها يقول بخبثٍ:
"يا بخت تليفوني بصورك عليه"
_______________
في شقة «ميمي» و كما المعتاد وقف «عامر» على طاولة السُفرة و «خالد» أسفل منه و حزام بنطاله في يده يقول بهدوء مرعب:
"انزل يا عامر بدل ما أطلعلك أنا، انزل بدل ما أخلي خرجتك النهاردة من البيت دا"
رد عليه بسخرية حانقًا عليه:
"يا سلام يا خويا ؟! عاوزني انزل علشان تموتني ليه هو أنا عبيط؟"
تدخلت «ميمي» تقول بقلة حيلة:
"خلاص يا خالد خليك أنتَ الكبير بقى، هي عادته ولا هيشتريها يعني ؟"
دلف «ياسين» و «ياسر» الشقة معًا في ذلك الوقت، فقالت «ميمي» بانفعال:
"أهو الهاديين جُم يشوفوا حل معاكم بقى"
نظر لها كلاهما بتعجبٍ ثم وجها بصرهما نحو الطاولة فتحدث «ياسين» يقول بضيق:
"خير، عامر هبب إيه فيك يا خالد، علشان كل مرة نلاقيكم كدا"
رد عليه «عامر» بلامبالاة:
"دا راجل ظالم و مفتري و نكدي مش وش فرحة، أي هزار يقلبه نكد، عيل بومة"
رفع «خالد» الحزام يحاول ضربه به، فوجده يركض مثل الفأر على الطاولة حتى الجهة الأخرى وهو يقول صارخًا:
"امسكه يا ياسين، دا ابن مجانين"
تدخل «ياسر» يقول بانهاك واضح:
"خلص أنتَ و هو بقى، هببت إيه يا جاموسة تاني، هو أنتَ مفيش فايدة فيك ؟!"
رد عليه «عامر» بمرحٍ:
"اشهدوا يا رجالة، اشهدي يا ميمي، أنا امبارح كنت سهران زهقان مش لاقي حاجة أعملها"
_"أنتَ هتحكي قصة حياتك؟ اخلص يالا هببت إيه؟"
تفوه «ياسين» بتلك الجملة بحنقٍ من برود صديقه، فأكمل «عامر» مستطردًا حديثه:
"المهم يا سيدي بقلب لقيت برنامج جديد بيعمل فيديوهات، ولقيت أغنية للكينج اسمها يونس في بلاد الشوق....كان فيه واحدة وابنه بيرقصوا عليها، أنا حبيت الأغنية علشان يونس ابن خالد، خدتها و حطيتها في الفيديو و كنت هكتب خالد و يونس أهم"
تدخل «ياسر» يقول ببساطة:
"طب و فيها إيه يعني؟ بتحصل عادي في أي حتى"
رد عليه «خالد» بمرحٍ ساخر:
"استنى يا دكتور، شوف الباقي بقى، كمل يا أستاذ عامر"
رد عليه «عامر» باحراج:
"حسيت إنه هيبقى ممل، قومت شايل راس الراجل و ابنه و حطيت خالد و يونس مكانهم...
بس"
_"كــــمـــل"
خرجت بنبرةٍ قوية من «خالد» جعلت الدهشة تعتلي ملامحهم فأكمل «عامر» بخوفٍ:
"مكانش فيه معايا غير صورة لـ يونس واقف غير وهو عريان، فـ حطيتها، و بعدين قولت مش معقول يونس يبقى قالع و أبوه لابس، روحت مقلع خالد هو كمان"
ضحكت «ميمي» بقوة و معها «ياسر»، أما «ياسين» سأله متعجبًا ببلاهة:
"قلعته إيه لامؤاخذة يا عامر ؟"
رد عليه بذعر:
"والله خلعت التيشيرت و خليت الجزء اللي فوق هو اللي باين، بس والله الفيديو حلو، افتح شوفه"
قالها «عامر» بمرحٍ غريب جعل الجميع ينظر له نظرة اندهاش، أما «ياسين» سأله مُتعجبًا:
"افتح إيه؟ هو الفيديو فين ؟"
تدخل «خالد» يجيبه مُتهكمًا بسخرية:
"ماهو دا اللي قهرني، الأستاذ عامر فضحني و نزل الفيديو على الفيسبوك، و مخلي القريب و الغريب يضحك عليا و مش بس كدا لأ، البيه كرم أخلاقه خلاه يبعت الفيديو لكل واحد طلب يشوفه"
تحدث «ياسين» يقول بانفعال جلي في نبرته:
"أنتَ غبي يا بني؟ معندكش تمييز خالص يا عامر؟"
رد عليه «خالد» بحنقٍ:
"عامر إيه بقى؟ منه لله أبوه مسميه عامر و أنا مشوفتش منه غير كل خراب"
رد عليه «عامر» بحنقٍ ممتزج بالسخرية:
"يا سلام ؟! طب ما أنتَ أبوك مسميك خالد و أنتَ هتموت، هو أنتَ يعني هتبلط في الدنيا ؟"
تدخل «ياسر» يقول بضيق:
"أنا لو منك يا خالد أخليه متربي على الترابيزة كدا زي الكلب، علشان يتعلم الأدب، عيل مهزق"
اقترب «ياسين» من «خالد» يقول بتوسلٍ:
"لو قولتلك علشان خاطر ياسين أخوك حبيبك تسيبه ينزل هتقول إيه"
رد عليه بانفعال:
"هقولك اطلع براها يا ياسين علشان دا عاوز يتربى من جديد، قولت هيتجوز و يعقل و يحل عني بس مفيش فايدة، عامر هو عامر"
تدخل «ياسر» يقول بنبرة متعبة:
"طب علشان خاطري أنا، والله العظيم مطبق من امبارح في المستشفى وعاوز أروح أغير و أنام، بما إن بكرة الجمعة يعني أجازة"
تدخلت «ميمي» تقول بتوسلٍ و مترجيةً له:
"يا خالد يا حبيبي صل على النبي في قلبك و أستعيذ بالله و خليه ينزل"
تنهد هو ثم تمتم يستغفر ربه بهدوء، فتدخل «ياسين» يقول بمرحٍ:
"لو عاوز ضامن ممكن نجيب عمار يضمنه ليك علشان ترتاح"
رد عليه «عامر» بسرعة كبيرة:
"عمار في الشغل والله مش هنا، ربنا يكرمه نزل يشتغل علشان الجامعة، قرر يعتمد على نفسه"
رد عليه «خالد» مُتهكمًا:
"راجل بيفهم، مش عيل صغير عاوز يتعلم الأدب من جديد"
ضحك الجميع عليهما، بينما «عامر» سأله بقلقٍ واضح:
"خلاص يا خالد أنزل ولا هبات هنا الليلة دي؟"
رد عليه «خالد» بسخرية:
"انزل يا عامر، ماهما أجدادنا قالوها زمان، يا مستني البصل يبقى مربى يا مستني من عامر فهمي يتربى"
ضحكوا جميعًا عليه عدا «عامر» الذي نظر له بوجهٍ ممتعض.
و بعد مرور ثوانٍ نزل «عامر» ثم جلس بجانب «ميمي» يحتمي بها وهي تضحك عليه بهدوء، فتحدث «خالد» يقول بضيق:
"و أنتَ يا دكتور ياسر بايت برة البيت ليه لحد دلوقتي؟ سايبها تاكل دماغ أمي ليه؟"
رد عليه «ياسر» بحنقٍ:
"علشان أختك اللي مطلعة عيني، زعلانة أني عندي نبطشية في المستشفى بليل، أعمل إيه يعني"
تدخلت «ميمي» تقول بهدوء:
"هي معذورة يا ياسر برضه، مش مستوعبة إنك تبات برة بليل و ترجع الصبح، يعني مش هتعرف تقعد معاك علشان يومك عكس يومها"
تدخل «خالد» يقول بنبرة قوية:
"يلا خلونا نروح، و علشان هي مبتاكلش حاجة و مبهدلة الدنيا من غيرك"
سأله «ياسر» بلهفة ممتزجة بالقلق:
"بجد يا خالد؟ عرفت منين"
أجابه هو بهدوء:
"مراتي كلمتني الصبح و قالتلي إنهم هيروحوا عند إيمان علشان مبتاكلش من امبارح و مموتة نفسها"
تنهد هو بعمقٍ ثم قال بأسى:
"يعيني يا إيمان، حقك عليا أنا اللي غبي، بس أنا هصالحها طالما أنا السبب في زعلها، كفاية إنها مبتاكلش"
________________
_"خديجة هاتي طبق الكنافة بالمانجا دا علشان خلصت اللي معايا"
قالتها «إيمان» و هي تمضغ الفواكه في فمها، نظرت لها الفتيات بتعجبٍ، بينما «خديجة» مدت يدها لها بالطبق وهي تقول بحنقٍ:
"هي دي اللي جايين نهون عليها علشان مبتاكلش؟ دي هتاكلني معاها، كلت حلو و حادق و حلو و حادق تاني، و كمان فاكهة الله أكبر، أومال لو مش زعلانة بقى ؟"
ردت عليها «إيمان» بقلة حيلة:
"أعمل إيه طيب ؟ فتحتوا نفسي لما جيتوا و يونس كان معاه شوكلاتة حلوة أوي كلتها برضه، منه لله ابن ميرفت منكد عليا"
ردت «ريهام» عليها بضيق:
"حرام عليكي يا بنتي بقى، ماهو دكتور يعني ليه مواعيد غير باقي الناس، و بعدين هو دكتور أطفال شاطر بيطلب بالاسم"
ردت عليها هي بحنقٍ:
"مليش فيه، يعتبرني عيلة صغيرة أنا كمان، مش يمشي من غير ما يعرفني ليه متجوز جارية"
ردت عليها «سارة» بضيق:
"أنتِ متعبة أوي يا إيمان، مش عاجبك العجب، يعملك إيه يعني"
ردت عليها هي بشرٍ:
"أنا مش هخليه يبات هنا النهاردة، باتوا معايا انتو و هو يبات عند أي حد"
عقبت «خديجة» على حديثها بسرعة كبيرة رافضةً لما تفوهت به:
"لأ مش هينفع، أنا قفلت على الغدا علشان ياسين و أكيد زمانهم راجعين"
ردت عليه «إيمان» بتوعد بث الرعب بداخلها:
"هتباتي هنا معايا، ومش أنتِ لوحدك و سارة و ريهام معاكي"
توقفت السيارتين أسفل بناية «ياسر»، فنزل هو و معه باقة زهور باللون الأزرق الداكن لها حتى يُصالحها به، فاقترب منه «عامر» يقول بتوعد له:
"شوف بقى يا ياسر، يمين بالله لو مراتي شبطت في ورد لأطلع أطفحهولك، أنا مش ناقص عبط"
رد عليه «ياسر» بضيق:
"لو طلبت ورد هجبلك واحد على حسابي تديهولها تمام؟"
تدخل «ياسين» يقول بهدوء:
"طب اطلع و نزل مرات كل واحد فينا خلينا نخلص"
أومأ لهم ثم تركهم و دخل بنايته، في داخل الشقة تحدثت «سارة» تقول بإحراج:
"طب لو جوزك جه نقوله إيه؟ عيب يا إيمان هيتحرج مننا"
ردت عليها بانفعال:
"عادي يعني مفيهاش حاجة، هفتح الباب و أقوله بات برة البيت زي ما كنت بايت امبارح"
أنهت جملتها فوجدت جرس الباب يصدح عاليًا، ابتسمت بتوعد وهي تقول:
"بسيطة، بات برة البيت زي ما كنت بايت امبارح"
نظرن في أثرها بدهشة ثم نظرت كلًا منهن للأخرى، أما هي فتحت باب الشقة بملامح جامدة تحولت إلى مندهشة حينما رآت ما يمسكه بيده، فوجدته يبتسم لها بهدوء وهو يقول:
"ها هتقبلي أسفي ولا ألف و أرجع مكان ما كنت بايت؟!"
سألته هي بنبرةٍ حائرة غير مصدقة لما تراه:
"ياسر....الورد دا علشاني أنا ؟"
رد عليها مُردفًا بمرحٍ:
"أومال لأمي ؟ الورد للورد يا إيمان"
احتضنته بحبٍ ثم ابتعدت عنه تركض للداخل عند الفتيات وهي تقول بنبرةٍ قوية:
"يلا يا حبيبتي أنتِ و هي على بيت جوزك، بطلوا تحشروا نفسكم في حياة الناس بقى."
_______________
أوقف «أحمد» السيارة أمام أحد المراكز التعليمية وهو يقول بنبرة قوية:
"دا أخر سنتر هندخله، لو مفيش حد مناسب هنجيب مدرسين في البيت و خلاص، ماشي يا ستي أنتِ و هي ؟"
أومأت له كلتاهما بهدوء ثم نزلن من السيارة خلفه، دخل هو المركز التعليمي و هن خلفه.
في داخل المركز كان «عمار» جالسًا على المقعد يستقبل بيانات الطلاب و يدونها، فجأة وجد شاب طويل صاحب ملامح هادئة وسيم إلى حدٍ ما يقف مقابلًا له يقول بهدوء:
"لو سمحت يا كابتن عاوز اسأل عن دروس تالتة ثانوي علمي علوم و تانية ثانوي أدبي"
رفع «عمار» رأسه ينظر له مُبتسمًا وهو يقول بمرحٍ:
"عيني ليك، بس أنتَ مش كبير على الدروس دي"
ابتسم له «أحمد» بودٍ ثم أجابه:
"هو أنا كبرت فعلًا، بس دي لأختي و لبنت عمي"
أمعن «عمار» النظر في وجهه فسأله بنبرةٍ تائهة:
"هو احنا اتقابلنا قبل كدا؟ حاسس أني أعرفك أو شوفنا بعض و اتكلمنا"
رد عليه «أحمد» بنفس النبرة:
"والله حاسس بكدا برضه، بس مش قادر أجمع"
في تلك اللحظة دخلت «سلمى» و «خلود» خلفها، ثم ذهبن يقفن على مقربةً من «أحمد»، كان «عمار» مُخفضًا رأسه للأسفل يدون مواعيد الدروس، فتحدثت «خلود» تقول بحنقٍ:
"خلص يا أحمد أنا تعبت والله، جبت المواعيد بتاعة المدرسين؟"
قبل أن يرد عليها شقيقها، رفع «عمار» رأسه ينظر لتلك التي تتحدث بضيق و حينما رآها و تعرف عليها تحدث يقول بسرعةٍ كبيرة:
"أنتِ بتعملي إيه هنا؟"
نظرت هي له ببلاهة غير مدركة عن من يتحدث، أما شقيقها التفت يسأله بنبرةٍ قوية منفعلة:
"أنتَ تعرفها ولا إيه؟"