رواية بحر ثائر الفصل الثامن بقلم اية العربي
أهناك أمل
قلبي انكسر
وعمري اندثر
وروحي وحياتي في سباق مع القدر
أهناك لبقايا النساء من أمل......
وجدت في كلماتك الكثير من الألم
لكني بينها وجدت أيضا بصيصا من أمل
فهل لي من أمل
فهل لبقايا النساء من أمل
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
كان في ورشة عمله يعمل ويفكر ، المسؤولية يومًا بعد يومٍ تتراكم عليه ، ومتطلبات الحياة تزداد ، وهو شابًا اقترب من الثلاثين من عمره ولكنه يريد أن يطمئن على صغيرته ثم سيبحث عن زوجة بصفاتٍ تشبه شقيقته ديما ، حنونة لينة وناعمة ومرحة ما إن تراه حتى تبتسم .
أما شقيقته الصغيرة المدللة فهو يسعى ليضمن لها الراحة ، ليته كان بهذه القوة والسلطة حينما تزوجت ديما ، ولكن حدث ما حدث وانتهى لذا فإنه حينما تقدم أحد شباب الحارة لطلب يد شقيقته رفضه دون أن يرجع لها ، هو على دراية بجميع شباب المنطقة وعاداتهم وتفاصيل حياتهم لذا وجب عليه اختيار الأفضل والأصلح لها .
كان صالح ينادي عليه ولكنه لم يسمعه لذا اتجه نحوه يلكزه قائلًا بتريث :
- شو يا باش مهندس بشو سرحان ؟ بنادي عليك .
تحمحم داغر واعتدل يطالعه وتساءل بترقب :
- أيوة يا صالح معلش سرحت ، قول سامعك ؟
أشار صالح نحو سيارة تصطف أمام الورشة وأردف بجدية :
- السيارة تمام عدلت الترومبة وزبطت الفلتر ، أنا حروّح علشان بدي أميّل أشوف أبويا .
دس داغر يده في جيبه وأخرج بعض العملات ثم ناولها إلى صالح وأردف بودٍ دون أن يطالعه :
- طيب خلي دول معاك علشان لو احتجت حاجة لحد آخر الاسبوع .
حاول صالح منعه حيث أنه يعلم جيدًا ظروف الورشة ولكن داغر أردف مصممًا :
- امسك بقى ياعم مش كل مرة هتعمل حكاية ده تعبك وشغلك ، سيبها على الله .
أومأ صالح وأخذ المبلغ الذي هو بحاجته حتى يبتاع طعامًا لوالده ليبتسم بألم دفين وعجزٍ لن يشعر به غير من عاش معاناته ، التراكمات التي تكمن داخله تحتاج إلى من يزيلها بحبه وعاطفته ، الكسور في قلبه تحتاج إلى سنوات كي تجبر .
اتجه ينزع مريلته ويعلقها ليتفاجأ داغر بظهور شقيقته دينا تقف أمامه وتردف بابتسامة منيرة :
- سلام عليكم يا باشمهندسين ، الولاد روحوا ولا إيه ؟
قالتها وهي تلتفت باحثة عن الصبية فلم تجد أحدًا منهم فيطالعها داغر بتعجب متسائلًا :
- أيوة روحوا ، إيه اللي نزلك دلوقتي ؟
مدت يدها بالكيس الذي يحتوي على علبة بها قطع من كيك الشوكولاتا وأردفت وهي تشير برأسها نحو صالح واسترسلت بنبرة عفوية :
- ماما بتقولك ادي لصالح وللولاد من الكيكة دي ، لسة طالعة حالًا من الفرن ، متتأخرش علشان عايزاك قبل مانام .
كان صالح قد التفت يطالعها وهي تتحدث مع داغر ، للحظة فقط قبل أن يغض بصره عنها ككل مرة يراها ولكن نطقها لاسمه لفت انتباهه لذا أردف وهو يتقدم قاصدًا مغادرة الورشة :
- تسلموا والله مالوش لزوم ، يالا عن اذنكوا .
حنينها لأهل غزة لا يمكنها إخفاؤه لذا أردفت بلطفٍ وابتسامة تلقائية :
- لا ماما مأكدة عليا لازم صالح يدوق ، كدة ماما هتزعل .
تحمحم صالح وشعر بالتوتر ليردف داغر بنبرة تحمل غضبًا يسعى ليروضه :
- اطلعي إنتِ يالا يا دينا ، شوية وجاي .
أومأت له وتحركت تغادر كما أتت فزفر داغر واتجه يضع العلبة على الطاولة ويفتحها ويمد يده يستل قطعة ويناولها إلى صالح مستطردًا بتصميم :
- امسك بقى وماتزعلش الحاجة ، دي نفسها تشوفك أصلًا وقالتلي أعزمك على الغدا الجمعة الجاية بس أنا نسيت .
تناول منه صالح قطعة الكيك ولكنه أردف برفض :
- لا غدا شو مش راح ينفع ، سلملي عليها كتير وقولها يسلمو ايديها على الكيك ، انتوا عملتوا الواجب وزيادة معايا .
ربت داغر على كتفه يردف بنبرة مفعمة بالحنان والأمل :
- مافيش واجب بين الاخوات ، لو انا مكانك هتعمل كدة واكتر كمان .
طالعه صالح بنظرة تحمل امتنانًا وتعهدًا بأن يرد له جميله ما إن تنصلح الأمور .
انتهى من مضغ الكيكة وودعه وغادر المحل ليتجه داغر يجمع أغراضه ليغلق ويغادر هو الآخر ولكنه انتبه على صوت سيارة توقفت أمام ورشته فرفع رأسه يتمعن فيها ليجدها امرأة تترجل منها وتتجه نحوه .
لم تتضح له ملامحها بعد لذا تقدم يستقبلها وما إن وقعت عيناه عليها حتى تفاجأ بأنها الفتاة ذاتها .
قطب جبينه متناسيًا اسمها لتبتسم له قائلة بنبرة مترقبة :
- ازيك يا باش مهندش ، ممكن اتكلم معاك في موضوع ؟
تعجب من مجيئها ولكنه تحمحم يتساءل بنبرة مرحة :
- حادثة تانية ولا إيه ؟ الحمد لله أنا وعربيتي ماجيناش جنبك .
زادت ابتسامتها وهزت رأسها نفيًا ثم استرسلت موضحة :
- لا أنا جيالك في شغل .
بدا التعجب على تقاسيم وجهه لذا أشار لها نحو المقعد يردف :
- طيب اتفضلي .
تحركت نحوه وجلست بينما هو تحرك لركنٍ ما يسحب منه مقعدًا آخر ويجلس أمامها متسائلًا :
- خير يا آنسة ـــــــــ ؟
- بسمة .
أعطته اسمها الذي لم يتذكره بالرغم من أنها تتذكر اسمه ليتابع :
- خير يا آنسة بسمة ؟ شغل إيه ؟
تحمحمت توضح باستفاضة :
- المصنع عندنا محتاج عمال ومن ضمنهم مهندسين مكانيكا لإني أقلت جزء كبير من العمال اللي فيه .
- ليه بس قطع العيش ده !
قالها معاتبًا ينفض يديه لتجيبه بجدية رسمية :
- لإني مش بحب الخداع وقلة الضمير ، لو كانوا شغالين بضمير مكانش الإنتاج قل بالشكل ده بحجة الآلات ، أنا كنت سايبة المصنع في أمانة ناس للأسف ماطلعوش قدها ومن هنا ورايح أنا اللي هباشر الوضع بنفسي علشان كدة محتاجة عمال ومهندسين عندهم ضمير في شغلهم ، وفكرت ولقيت إنك واحد منهم وقلت آجي أسألك ، تقبل تشتغل معايا ؟
برغم تفاجئه من امتلاكها مصنعًا وهذا دليل على ثراءها وبرغم أنه عرضٌ قدّم له على طبقٍ من ذهب إلا أنه لم يعقب سوى على أمر ورشته موضحًا :
- بس أنا فعلًا ليا ورشتي يا آنسة بسمة وماقدرش أقفلها .
زفرت بقوة خاصة وأنه يثبت لها كم هو صاحب ضمير ومبدأ لذا ابتسمت تعطيه حلًا :
- مين قال تقفلها ؟ الشغل في المصنع هيبقى من سابعة الصبح لاتنين الظهر وتقدر بعدها تعمل اللي إنت عايزه ، وكمان يوم الجمعة والسبت أجازة ، يعني ورشتك مش هتتقفل .
أمعن النظر ولم يجبها لتتنهد وتنهض بعدها مسترسلة قبل أن تغادر :
- بص فكر كويس وبلغني ، معاك رقمي ؟
ما زال في خضم أفكاره ولكنه نهض يقابلها ويبتلع لعابه مردفًا بنبرته المرحة :
- ناخده حالًا يا آنسة ، ده الموبايل ينور .
ابتسمت ومدت يدها له ليناولها هاتفه فاتجه نحو ركنٍ يعلق عليه أغراضه واستل هاتفه من جاكيته وعاد يناولها إياه مسترسلًا بخفة :
- اتفضلي بس لو رقمك مش ٠١٠ زيي يبقى بلاش تفتحي عليا علشان الرصيد ، يعني بما انك طلعتي صاحبة مصنع وكدة يبقى أكيد بتشحني فاتورة .
ضحكت تومئ له وهي تدون رقمه وتردف قبل أن تتحرك لتغادر :
- تمام يا باشمهندس ، إبقى رن وأنا هكلمك المهم توافق .
مد يده يأخذ منها الهاتف مسترسلًا بهدوء :
- ربنا يقدم اللي فيه الخير .
ودعته وغادرت ووقف ينظر لرقمها ويفكر في عرضها الذي جاء في وقت تفكيره في المستقبل وكأن الله أراد أن يطمئنه ، لعله باب رزقٍ جديد وأما عن الورشة فيمكنه تركها في أمانة صالح .
❈-❈-❈
دلف الملهى الليلي يبحث عنها بعينيه وكما توقع تمامًا وجدها تتمايل داخل حلبة الرقص وسط الجموع .
اشتعل ضيقًا مما يراه واتجه نحوها يسحبها إليه فارتطمت به تطالعه بنصف عين وتضحك وهي تقبض على تلابيبه مترنحة وقد بدأت تتمايل عليه قائلة بسعادة من بين سكرها :
- ثائر هيا أرقص معي أرجوك .
باغتها بنظرة كلها برود ثم قبض على كفيها وأردف :
- أنتِ ثملة بشكلٍ مبالغ به ، يجب أن نغادر .
هزت رأسها رفضًا ثم رفعت قدميها لتصل لمستواه واقتربت منه تردف بجرأة :
- لقد ثملت عمدًا حتى تأتي ، أنا أحترق وأريدك ثائر ، هل لك أن ترحم جسدي الذي يطالب بك ، ذلك المدعو توماس آور ليان يتطوق لمواعدتي ولكني لا أريده ، برغم جاذبيته الساحقة إلا إنني لا أريد غيرك أنت ، هل تدرك ذلك ؟ هيا أرقص معي وضع يدك على جسدي ، هيا ثائر .
كانت تتلوى بين يديه وتحاول أن تلتصق به أكثر وأكثر ولكنه تنبه حينما نطقت اسم عدوه لذا استجاب لها ووضع يديه حول خصرها يتساءل بغموض :
- هل قابلتيه مارتينا ؟
ابتسمت تستمتع بلمسته وأجابته وهي تهمس عند شفتيه :
- أتغار عليّ حقًا ثائر ؟
نطقتها وحدقت في عينيه وبرغم ثمالتها إلا أنها لم ترَ في عينيه أي غيرة لذا تجهمت تلكمه بقبضة واهنة وتردف بتوعد :
- لا ، أنت لا تغار أيها الحقير ، ماذا أفعل كي تعود لي ؟ هل تريدني أن أقتل نفسي كي ترضى !
حاول تهدئتها بلمساته وتساءل بنبرة متزنة :
- اهدئي مارتينا ، أنا فقط سألتك هل قابلتيه أم لا ؟
حينما عانقها أجابته كالمخدرة :
- نعم قابلته ، تعلم أنه صديق والدي ولكنه حقير .
زفر ثم أردف وهو يبتعد ويمسك بمعصمها يسحبها خلفه للخارج :
- حسنًا يجب أن نغادر .
❈-❈-❈
أرجــــــــــــوك
إذا وقفت تتحدث معي أنظر إلى ابتسامتي الدائمة ولا تحدق في عيني التي شيدت سدًا من هلام خلف نهرٍ عظيمٍ من الدموع .( بقلم آية العربي)
كالعادة تنتظر منال داغر لينتهي من تناول طعامه ثم تجلس معه قليلًا قبل أن تتجه لغرفتها .
يجلسان سويًا يتناقشان ، قص عليها عرض العمل الذي أتت به بسمة فسعدت به قائلة :
- طب ومالو يابني بس إسأل بردو عنهم وعن مصنعهم ، إنت عارف الدنيا مابقاش فيها أمان ويمكن البنت دي نصابة ولا حاجة .
ضحك داغر على والدته ثم استرسل :
- نصابة إيه بس يا ماما ؟ وبعدين هتنصب عليا أنا ؟ هو أنا حيلتي غير الورشة يا ست الكل ، وبعدين ماتقلقيش شكلها بنت ناس أوي ، مسيرك تشوفيها لو اشتغلت معاها .
أومأت منال ثم سألته بشك :
- طب وانت تعرفها منين دي يا داغر ؟
غمزها ونهض قاصدًا غرفته يجيبها :
- ابقي اسألي دينا الصبح ، يالا أنا هروح أنام ، تصبحي على خير .
تحرك خطوتين قبل أن يرن جرس الباب ليتوقف مكانه متعجبًا وتوقف مشيرًا بيده إلى والدته التي تحركت قائلًا :
- خليكي انتِ وأنا هفتح .
اتجه يفتح الباب ليصطدم بشقيقته وطفليها اللذان أسرعا يعانقانه بسعادة لم يستطع مبادلتهما إياها حينما وقعت عينيه عليها ، لأول مرة يراها تبكي بوضوح ودون إخفاء دموعها .
ابتعد الصغيران يسرعان نحو منال التي تجمدت تنظر لابنتها وفجأة تأججت نيران الغضب داخل قلب داغر وتساءل باندفاع أهوج :
- ضربك ؟
هزت رأسها بلا فتابع :
- عمل فيكِ إيه ؟
لا تريد أن تتكلم كل ما تريده هو الراحة الآن لذا أجابته بنبرة منكسرة واهنة :
- ماعملش حاجة ، سيبني أدخل يا داغر أنا مش قادرة دلوقتي .
احتراقه لم يسعفه لمساعدتها فوقف مكانه متجمدًا لذا أسرعت منال نحوها تأخذ منها الحقيبة وتسحبها لتعانقها بحنانٍ بالغ متسائلة بانفطار :
- مالك يا حبيبتي ، عملك إيه قولي ؟
ارتمت في عناق والدتها ولم تفصح عما بها بل أجابتها بغصة مؤلمة تسد حلقها وتشعر بأحدهم يعتصر أحشاءها :
- مافيش يا ماما ، سيبوني بس ارتاح .
تحدث مالك الصغير يشتكي ما حدث إلى خاله :
- بابا كسر الحاجة بتاعة ماما كلها وكان بيزعقلها جامد وأنا قلتله ماتزعلش ماما .
تفاقمت داخله طاقة غضبٍ قاسية أراد أن يصبها فيه لذا أردف من بين أسنانه بتوعد سافر :
- أنا هعرفه مقامه .
كاد أن يندفع نحو الخارج ولكن ديما أسرعت نحوه تمسك بمعصمه فالتفت يطالعها فأمعنت النظر نحوه وأردفت بتوسل مرهق حد السقوط :
- أبوس إيدك يا داغر أنا مش حمل أي مشاكل ، بلاش تخليني أندم إني جيت ، أنا كويسة ماتقلقش .
هي الوحيدة التي تسيطر على غضبه لذا زفر متتاليًا كي يطفئ نيران صدره ولكنه لن يمرر ما حدث معها هكذا دون عقاب ، سيعاقبه على سنوات عدة كظم فيها غيظه ولجم غضبه لأجلها فقط .
❈-❈-❈
في هذه الآونة
وبعد أن رآها وهي تغادر المنزل مع صغيريه من النافذة أسرع يخبر زينة بما حدث ويطمئنها ، فها هو المظلوم قد انتصر وبات يحق له الزواج بكل أريحية .
جلس يتحدث معها عبر الهاتف يشكو لها قسوة ما يعيشه وجراحه الملتهبة وهي تداويها بكلماتها المعسولة وتتعهد له بأيامٍ تعوضه بها عما رآه .
بنبرة منكسرة أردف يشتكي :
- عملتلها كل حاجة ، عمري ما بخلت عليها بأي حاجة ، هدايا وهدوم وعطور ومن أغلى حاجة وفي الآخر تقولي أنا مابشوفش منك أي حاجة !
- اخص عليها نكّارة خير ماتستاهلش ضفرك ، ماتزعلش نفسك يا كمال بكرة تندم ، دي ماتعرفش قيمتك .
هذه الكلمات تغذي نرجسيته أكثر وأكثر فيشتكي أكثر وأكثر مسترسلًا :
- علمت ولادي مايحترمونيش ، الواد اللي عنده خمس سنين وقف في وشي وبيقولي ماتزعلش ماما ، كرهتهم فيا يا زينة ، مابقاش ليا حد ولا عيلة ولا سند بعد أمي .
تضاعفت طاقتها وأردفت بغضب وعتاب خبيث :
- اخص عليك ماتقولش كدة وانا روحت فين ؟ أنا عمري ما هسيبك أبدًا ، ياريتني جنبك دلوقتي كنت خدتك في حضني وطيبت خاطرك .
صمتت لبرهة تترقب ردة فعله ثم طرقت على الحديد المنصهر مسترسلة باندفاع ظاهري :
- كمال خلينا نتجوز بكرة ، أنا مابقتش مستحملة اللي بيحصل فيك ده .
تنبهت حواسه وانقشعت غمامة مسكنته ليتساءل مستفهمًا :
- نتجوز بكرة إزاي يا زينة ؟ أنا لسة ماجهزتش أي حاجة والشقة دي ناقصها حاجات كتير .
جُل ما تريده هو الحصول عليه وعلى ممتلكاته لذا أسرعت تردف متلهفة :
- مش مهم ، المهم ابقى جنبك في وقت زي ده ، أنا مش هعرف أنام وانت في الحالة دي ، خلينا نروح نكتب الكتاب ونبقى نجهز الشقة واحدة واحدة ، وخليها عند أهلها علشان تعرف قيمة الراجل اللي معاها وتخلي أهلها ينفعوها .
فكر سريعًا وراق له اقتراحها ولكنه يحمل بعض القلق مما ينتظره لذا أردف ليطمئن نفسه أكثر :
- أهلها مين اللي ينفعوها ؟ أخوها البلطجي اللي ماشي يخوف في الناس ولا أبوها اللي اتجوز وزهق منهم ؟ هتعمل إيه عند أهلها وهتعرف تصرف على العيال منين ؟ هترجع تاني بكرة ولا بعده .
- أبوها معاه حق طبعًا ، راح دور على راحته مهو تلاقي أمها زيها كدة ، ياخويا بلا هم .
تجاريه في الحديث وهذا ما يريده ليثبت لها ولنفسه أنه يعيش جهنم على الأرض لذا أخذ نفسًا قويًا وقرر أن يتخذ الخطوة التي أمرته أن يخطوها قائلًا :
- خلاص يا زينة خلينا نتجوز بكرة ، بس عرفي أمك بقى وأنا هظبط أموري كدة ع السريع واجيلك .
لا مثيل للنصر الذي تشعر به الآن ولم تستطع منع نفسها من إطلاق زغرودة عالية تعبر بها عن سعادتها وهي تردف بصياح :
- يا مامــــــــا ، أنا وكمال هنتجوز بكرة .
ضحك عليها كأنه شاب عشريني أعزب ليقول بنبرة ضاحكة خرجت منه تثير الاشمئزاز :
- يا مجنونة هتعرفي الناس كلها .
أجابته بسعادة وتزين النصر فوق تقاسيم وجهها :
- فرحانة أوي أوي يا كمال بكرة هبقى معاك ومش هسمح لأي حاجة تزعلك تاني أبدًا .
شرد يتخيل حياته الجديدة الرائعة والتي سعى لها والتي أخيرًا ستتحقق غدًا .
❈-❈-❈
لن تترك الحزن قابعًا داخله ، ستفعل جُل ما بوسعها لتنتشله ، لا تحتمل ذلك الغلاف الذي يحدثها به لذا .
جهزت كل شيء كالعادة وعلى غير عادة ، فاليوم كان مميزًا بعض الشيء ، بملابس جديدة وأكلة بوصفة جديدة ، وحتى الموسيقى التي صدحت داخل جدران الغرفة جديدة .
الاعتيادي هنا هي الورود الحمراء والشموع وزينتها ، اعتادت أن تتزين له لأنها ترى في عينيه الحب الكبير وتستشعر، بلمساته كم هو عاشقٌ لها ، وتسمع همساته التي تنعش فؤادها بكلماتٍ خاصة لا تقال إلا لها .
تعلم أنها محظوظة بزوجٍ مثله ، زوجًا عوضها عن وفاة أبيها ، زوجًا تمنت نصف مميزاته ولكنها تمنت أن تكوّن أسرة معه ، تحبه وتتمنى طفلًا منه ، تحبه وتسعى كي ترى بذرة حبهما في جنين يحصلان عليه .
تعلم أن الله يرزق من يشاء وحاشاها أن تعترض ولكنها تتمنى وتسعى .
دلف منزله وما إن وقعت عيناه على إضاءة غرفته حتى علم بما تجهزه له لذا ابتسم بتلقائية وتنهد يخطو نحوها وينادي باسمها فنهضت من فوق المقعد تلتفت لتقابله وتبادله الابتسامة قائلة بنبرة لينة :
- حمد الله على السلامة يا حبيبي .
تفحصها بدقة من رأسها لأخمص قدميها ليقترب منها أكثر ويتناسى أي حزنٍ سكن قلبه منها لذا رفع يده يزيح خصلاتها الطويلة للخلف ويردف بعيون يغمرها العشق غمرًا :
- قميص جديد ؟
انحنى يستنشق رقبتها بحالمية مغمضًا عينيه ثم همس عند أذنها :
- وبرفيوم جديد ؟ ناوية تعملي فيا إيه ؟
احتلها جيش مشاعر لا مثيل له فجعلها تسبل أهدابها وانسحبت أنفاسها فأردفت بتحشرج :
- ناوية أحبك أكتر وأكتر ، ناوية أصالحك علشان أنا عارفة إنك زعلان مني .
ابتعد عن بيته ولم يبتعد عن محيطها بل لف ذراعيه حولها وتمعن النظر فيها ثم أردف :
- مابعرفش أزعل منك .
هزت رأسها وهجمت عليها الغيوم تسكن مقلتيها وهي تردف :
- بس أنا موجوعة إني زعلتك ، إنت فهمتني غلط ، أنا بس بخاف أوي يا دياب ، بخاف تبعد عني .
قطب جبينه واسترسل مستنكرًا :
- أبعد عنك إزاي يا يسرا ؟ أنا ماقدرش أبعد عنك .
برغم المشاعر الحاضرة بينهما الآن إلا أنها لم تستطع إخفاء ما يكمن في جوفها لذا أردفت موضحة مخاوفها :
- لاء ممكن تبعد ، لما تشك إن العيب مني ممكن تفكر تتجوز ، أكيد إنت نفسك تكون أب ، نفسك يكون عندك ولد ، هتتحمل إزاي تعيش معايا وأنا في احتمال إني مش هخلف ، هو إنت ممكن فعلًا لو طلع عندي عيب تفكر تتجوز عليا ؟
سألتها وقد سُحبت الدماء من وجهها لذا أسرع يضمها ويردف باستنكار :
- إيه الكلام الأهبل ده ؟ مستحيل طبعًا ، إنتِ هتفضلي مراتي وحبيبتي الوحيدة طول العمر ، ولو ربنا رزقني بأطفال هيكونوا منك إنتِ غير كدة هنقول الحمد لله راضيين ، وشيلي الأفكار دي من راسك يا يسرا لإن بجد كدة غلط .
ليتها تستطيع نزعها من عقلها ، ليت الشخص يستطيع نزع مخاوفه بعيدًا عنه ولكن كلما حاول إبعادها تلتصق به وبعقله أكثر وأكثر وكأنها بقعة خبيثة على نسيج أبيض .
لم تجبه بل ظلت تستشعر دفء عناقه ليبتعد قليلًا محدقًا بها فبادلته فتنهد بعمق واسترسل موضحًا :
- يعني ينفع تعمليلي مفاجأة حلوة كدة وبعدين تزعلينا ؟ فين الضحكة اللي بتهوّن عليا ؟
أهدته ابتسامتها فأومأ يردف :
- أيوة كدة .
ابتسم لها وانحنى يقبلها باشتياق ولهفة وحب صادق ، تبادله بمشاعر مماثلة وتهبه كل ما يحتاجه ليشعر بالكمال معها وربما تحاول تعويضه بهذا الجزء عن الشيء الذي تفتقده .
❈-❈-❈
كلما اشتدت المعاناة اعلم أن الله يؤهلك لشيء عظيم ولا تحزن ولا يضيق صدرك وكن على يقين إن ما أصابك شطرًا سيصيبهم أضعافًا .
وقفت أسفل دُش المياه الدافئة تغتسل ، أرادت أن تنزع هذه الأفكار من رأسها لذا رفعت كفيها تجوب هبوطًا وصعودًا على خصلاتها .
كأنها تسقط عنها الألم والذكريات والكتمان والقهر وكلماته ، ليتها تفقد الذاكرة وتنسى هذه السنوات الثمان .
دموعها تتسابق أيها سترطم في الأرض أسرع هي أم مياه الدُش ، تبكي بصمت وتسعى لتظهر بالصورة التي عُرفت بها دومًا .
لا يمكنها أن تفصح عما بها لشقيقها فيذهب ويقتص من كمال فيضيع حقها منه ، ولا يمكنها أن تبوح لوالدتها التي تحمل هموم سنوات على عاتقها ، لا يمكنها أن تسرد لشقيقتها التي تستقبل الحياة حديثًا .
حتى يسرا يكفيها من الهموم ما تعيشه لذا فاختارت أن تغتسل عل الهموم تتساقط أو تسقط واحدة منهم فقط .
بعد وقتٍ أغلقت الصنبور واتجهت تلتقط المنشفة وتجفف جسدها ثم استلت ملابسها وارتدتها وخطت نحو الخارج ثم إلى غرفتها بعدما نام الجميع ، وهذا ما ستفعله .
كل ما ستفعله الآن هو النوم ، كُفي أيتها الروح عن التمزق وتوقف أيها العقل عن التفكير .
أنا فقط أشتهي نومًا طويلًا أصحو منه على أملٍ جديد يبعث لروحي روحًا ترممها .
قرر داغر احتضان ابن شقيقته بدلًا عن الوسادة الباردة وقررت منال احتضان حفيدتها أيضًا ليعطيا ديما الراحة لتنام على السرير المجاور لسرير دينا التي نامت بالفعل .
أغمضت عينيها وترجت النوم كي ينتشلها مما هي فيه وبالفعل رأف لحالتها وغمرها سريعًا .
ليكن النوم أحن عليها من قلوب بعض البشر
❈-❈-❈
في الصباح .
استيقظ كمال على رنين هاتفه ليتقلب في سريره ثم مد يده يلتقط الهاتف ويجيب بنعاس :
- مين ؟
أجابته زينة بلهفة وانشراح :
- يالا يا كمولتي فوق ورانا حاجات كتير نعملها النهاردة ، كفاية نوم الساعة بقت تسعة .
مسح على وجهه ونهض يستند على ظهر سريره مردفًا بعدما تذكر قراره الليلي :
- تمام يا حبيبتي صحيت أهو .
تنهدت بارتياح تسترسل بنبرة متغنجة جريئة :
- مش مصدقة إننا هنام في حضن بعض الليلة ، أخيرًا يا كمولتي .
شرد يفكر في أمرين بجانب ضيقه الذي يستيقظ به إحداهما ممتعًا وحالمًا والآخر قلقًا من ردود الأفعال وأهمها ردة فعل داغر لذا تنفس بقوة وأردف بنبرة يشوبها القلق :
- طب يالا اقفلي علشان اقوم اشوف ورايا إيه .
اغتاظت من طريقته وأسلوبه ولم تعتد أن تكظم غيظها لذا تابعت مندفعة بتوبيخ :
- مالك يا كمال ؟ هو إنت مش مبسوط ياخويا ولا إيه ؟ ولا كلام الليل مدهون زبدة ؟ لا بقولك إيه أنا مبحبش اللي بيرجع في كلامه فوق كدة معايا .
تراجع عن نبرته وانتزع قلقه يلقيه بعيدًا وسعى لينتعش حيث أردف بنبرة سعى ليضخ بها اللهفة :
- يابت ارجع إيه بس دانا ماصدقت ، انا بس أول ما بصحى من النوم ببقى مضايق شوية .
- لاء معايا غير ، إنت تنسى كل اللي كنت بتعمله قبلي ، أنا هخليك تعرف طعم السعادة .
كان ردًا منها على حديثه ووعدًا تلقاه بلهفة كبيرة كطفلٍ ألهته حلوى العيد ليجيبها وهو ينهض :
- عرفته أصلًا يا زينة ، يالا يا حبيبتي أنا فوقت أهو هدخل آخد شاور وانزل اشوف اللي ورايا إيه وبليل هاجي واجيب معايا المأذون والشهود .
انتعشت كليًا واستيقظ التحدي داخلها تردف :
- ايوة كدة هو ده كمال اللي أعرفه ، وبعدين ماتقلقش من حاجة طول مانا في ظهرك .
- هقلق من إيه ؟ هي اللي جابت آخرها معايا .
قالها باستنكار زائف لتجيبه بنبرة متلاعبة تتلاعب بها على أوتار ذكورته :
- صح كدة يا روح قلبي ، يالا قوم غير ريقك وشوف وراك إيه .
أرسل لها قبلة عبر الهاتف وأغلق معها وخطا نحو الحمام يدندن أن السعادة الحقيقة تفتح له ذراعيها استقبالًا .
❈-❈-❈
لم يعد يتذكر ملامحه الحقيقة نسبةً لكثرة الأقنعة التي يرتديها والتي باتت تسحبه لمتاهة لا نهاية لها .
دس هاتفه النقال والتفت ينظر لها حيث تنام بعمق في فراشه ، لقد أتى بها عمدًا إلى منزله حيث كانت في حالة ثمالة تامة ولم يرد لطفله أن يرى والدته على هذا النحو .
زفر وخطا نحوها ثم جلس على طرف الفراش يناديها بهدوء :
- مارتينا ، هيا استيقظي .
رفعت كفيها تلقائيًا تضغط على جانبي عقلها من أثر الصداع الذي هجم عليها أمس ، تتلوى وتئن قبل أن تفتح عينيها قائلة :
- أوه رأسي ستنفجر .
- هذا طبيعي لأنكِ تناولتي كمية كحول مبالغ بها ، ما تفعلينه خطأ .
أجابها ويده تعمل على إزاحة خصلاتها المشعثة لذا فتحت عينيها تطالعه بتعجب .
قريبًا منها يملس على خصلاتها وملامحه ... منفرجة ؟
نهضت تجلس وتحدق به مسترسلة وهي مازالت تضغط على رأسها وقد انكمشت عينينها تأثرًا :
- ثائر ؟ هل أحلم ؟
ابتسم لها ونهض يلتفت ويزفر بقوة ثم عاد يطالعها بابتسامة مسترسلًا :
- قَصة شعرك هذه تعجبني ، متى قصصتيه ؟
نهضت من الفراش تتجه نحوه حتى باتت أمامه ورفعت كفيها تضعهما على صدره وأردفت وهي تكتمعن نظرها به :
- منذ أيام قليلة ، أعلم أنك تحب الشعر القصير وأنا عكسك ولكنني فعلتها من أجلك ، دومًا أنت مميز ثائر .
رفع يده يملس بإبهامه على خدها ويسترسل بنبرة مبطنة بالهيمنة :
- وهل تميزي يعجبكِ مارتينا ؟
أغمضت عينيها تأثرًا وقضمت شفتيها تتلوى بانتشاء وإغراء وتجيبه بهمس :
- يعجبني كثيرًا .
تبعت جملتها بتحريك يدها على جسده بجرأة جيئة وذهابًا قاصدة إثارته وقبل أن تصل لهدفها أمسك كفها وتعمق فيها يتابع بنبرة باردة :
- ولكنكِ كنتِ تشتكين من تميزي هذا مارتينا ، كنا متزوجين وأنتِ تمردتي وسعيتي لتتحرري ، والآن ستعين لاستردادي ، ما هذا التناقض مارتينا ؟
ابتلعت لعابها وأطلقت العنان لأنفاسها ووقفت مكانها تطالعه بغضب من تلاعبه بمشاعرها ليزفر ويسعى بألا يثير غضبها لذا تابع :
- اسمعي مارتينا يجب أن أخبركِ شيئًا بخصوص ذلك ال توماس أور ليان ربما أنتِ لا تعلمين ولكن والدكِ يعلم هذا جيدًا ، هذا الرجل هو عدوي اللدود ويجب أن أنبهكِ منه .
قطبت جبينها وتساءلت باهتمام :
- كيف عدوك ؟ ولماذا ؟
أجابها وهو يلتقط لفافة تبغه ويشرع في تدخينها مبتعدًا عنها :
- يكرهني كوني عربي الأصل ومسلم الديانة ، كوني أكتب عن أفعاله الخفية ، أشياءً كثيرة يكرهني لأجلها والأهم أنه يريدني معه في المراهنات .
نظرت له ببعض الشك وتساءلت :
- على حد علمي هو أقام في مصر عدة سنوات وليس لديه مشكلة مع العرب أو المسلمين ، ثم لماذا تكتب عن أفعاله الخفية ؟
الفت يحدق بها بتعجب ثم استرسل متجاهلًا حديثها الأولي :
- تعلمين أنني أحب كتابة ما يثير الجدل ، هذا سبب نفيي من بلادي أم أنكِ نسيتي ؟ أنا لا أخشاه ولكن أخشى عليكِ منه لذا انتبهي .
نجح في التغلب على شكها واستبدله بالمكر الذي أطل من عينيها وهي تعاود الاقتراب منه وتردف بابتسامة لعوب :
- ما رأيك أن أثير أنا أيضًا الجدل واستقطبه لك تأخذ منه ما تريد ؟ أستطيع بسهولة أن أفعل ذلك .
ضحك يقهقه ويطالعها بملامحه التي تشتهيها مردفًا باستنتاج :
- أشعر أنكِ تستقطبيني أنا مارتينا ، أنا لا أريد استقطابه أنا فقط أبحث عن دليل خلفه عما يفعله من رهانات ، وتعلمين جيدًا أنني لا أفضل البحث والتنقيب بنفسي ، لا أريدك أن تتأذي بسببي .
كلماته حمستها أكثر لتفعل أي شيء تستطيع من خلاله إبرام صفقة معه لذا قالتها صريحة :
- حسنًا يبدو أن تستهين بي لذا سأريك ماذا سأفعل ، وفي خلال أيام سيكون بين يديك اعتراف توماس بكل أفعاله ولكن دعنا نعقد اتفاقًا أولًا .
- هذا ما كنت انتظره ، ماذا تريدين مارتينا ؟
ترقب إجابتها الذي يعلمها يقينًا حيث أردفت بثقب :
- نتزوج مجددًا .
عاد يضحك فوقفت تتأمله ثم تحمحم يردف بنبرة باردة :
- الأمر لا يحتاج لصفقة ، ابتعدي عن توماس مارتينا وانتبهي منه جيدًا ، ربما يريد الانتقام مني بكِ ، وبالنسبة لزواجنا فسنأجله قليلًا ، أنا لم أنسَ الفتاة التي قتلتيها ، أنتِ الآن معاقبة .
بفحيح أفعى أجابته وهي تقترب وتتلوى أمامه :
- حسنًا أيها الثائر لنرى متى سينتهي عقابي ، هيا دعني أذهب كي أرى توماس .
غمزته وتحركت تستل سترتها من فوق الأريكة وترتديه ثم لوحت له بيدها وتحركت تغادر من أمامه وتركته يزفر بقوة وينظر بغموضه الذي بات جزءًا لا يتجزأ منه .
❈-❈-❈
اقتحم مكتبها بملامح قُدّت من نارٍ يصيح بحدة :
- يعني إيه تعيني عمال منك لنفسك كدة ؟ وازاي ترفدي المعاين ؟ إيه هتابعي المصنع بنفسك ولا إيه ؟
نطقها ساخرًا من بين نيران غضبه لتطالعه بثباتٍ ونظرة واثقة تشبه نظرة والدها ثم تركت ما في يدها على المكتب وشبكت كفيها قائلة :
- بالضبط ، من هنا ورايح أنا اللي هتابع شغل المصنع بنفسي علشان اضمن إن التسيب والإهمال اللي شوفته ده مايتكررش ، المعاين اللي حضرتك بتقول عليه ده وواثق فيه أوي بسببه الشركة خسرت التلت شهور اللي فاته خمسة مليون جنيه ومش هستنى لما نفلس من ورا إهماله وقلة ضميره هو والعمال اللي تحت إيده .
وقف أمامها عاجزًا عن ردعها خاصةً وأنها تذكره بتسلط شقيقه وتحكمه به لذا تملكه الغضب فقال بقسوة :
- إنتِ تخطيتي حدودك وبدأتي تدخلي نفسك في أمور ماتخصكيش ، احسنلك تتراجعي يا بسمة وإلا ــــــــ .
نهضت تستند بكفيها على مكتبها وتساءلت بترقب وجسارة ترعرعت عليها مستفهمة :
- وإلا إيه ؟
رفع سبابته يحذرها بجمود مسترسلًا :
- وإلا تقعدي في البيت ومالكيش دعوة بالإدارة نهائي .
ضحكت بقوة استفزته وعادت تطالعه متسائلة :
- ومين اللي هيقرر ده ؟ حضرتك ؟
للمرة الثانية يعجز عن ردعها ويراها تتحداه لذا ابتلع لعابه وانتزع نفسه بقوة من أمامها يفكر سريعًا في خطةٍ ما ، يجب أن يتزوجها ماجد ابنه في أسرع وقت قبل أن تجلس على كرسي السُلطة خاصةً وأنها ذكية و تتقن الإدارة جيدًا ودرست كل صغيرة وكبيرة في شؤون الشركة والمصنع قبل وفاة والديها .
جلست ترتد على المقعد وتزفر بقوة وبداخلها خذلان كبير يجبرها أن تتظاهر بالقوة ولكنها بحاجة إلى من يجابه معها ، يشاركها رفع الأثقال التي زادت كثيرًا عليها .