رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل الثامن
لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
رفع حربي السكين يغرزها في صدره يصرخ فيه :
- موت يا شيطان ، موت على اللي عملته في بنتي يا كلب
تعالت الصرخات من كل حدب وصوب تحرك الرجال سريعا يتكالبون على حربي يبعدونه عن جابر شيخهم الذي لم يهتز من مكانه لم يصرخ حتى ، لم يظهر عليه الألم ، جل ما فعله أنه ابتسم ورفع يده ، أمسك سفيان بمقبض السكين الذي لم ينغرز منه سوى غرة النصل الحاد في صدره ، توسعت أعين الجميع قبل أن يبدأ التهليل والتكبير حين ظهر نصل السكين نظيف لا قطرة دماء واحدة عليه ، وقف سفيان ينظر لشيخ محمد إمام المسجد وعلى شفتيه ابتسامة كبيرة ومن حوله الرجال يرددون
- الله أكبر دي معجزة
-ما قولنا دا ولي من أولياء الله
- دا بركة لازم نعمله مقام
- مين يصدق يا خلق السكينة دخلت في صدره وخرجت من غير نقطة دم
ألقى سفيان السكين بعيدا وتحرك ناحية حربي الذي يُمسك به أهل البلدة وقف أمامه يحادثه باسما :
- أنا مش زعلان منك يا عم حربي ، بس لازم تعرف قدام أهل البلد كلهم ، أنك بتفتري وتتجنى عليا ، بس أنا مسامحك ومش زعلان منك
هنا بدأ حربي يبكي بحرقة ويصرخ يعلو بصوته :
- يا كافر يا شيطان ، ما حدلش يسمعله دا شيطان ملعون ، دمر بنتي ، بنتي موتت نفسها انتحرت بعد اللي عملته فيها يا شيطان ، أنا اللي سلمتك بنتي بإيدي ، أنا اللي سلمتك ضنايا تأذيها وتغتصبها ، وصدقت تخاريفك وكُفرك
ولكن سفيان لم تهتز فيه شعرة واحدة إن ظهر على وجهه الخوف سيشك الجميع في أمره هو فقط ابتسم يحادث حربي حزينا :
- أنا مقدر حالتك يا عم حربي ، موت بنتك خلاك تخرف ، ربنا يصبرك أنا هدعيلك
ورفع يده يربت على كتف حربي يواسيه ، قبل أن يترك تاركًا الجمع الغفير عائدًا إلى بيته ، دخل إلى بيته ومن ثم إلى غرفته نزع جلباب وظهر أسفل جلبابه قميص واقي للرصاص ، يرتديه دوما تحت ثيابه حين يخرج ، خوفا من أن يغدر به الملك الجديد ، ولسوء حظ حربى أن السكين غاص نصله في القميص فلم يصل له ، لذلك الحمقى أقاموا إحتفالا حين رأوا نصل السكين نظيفا ، نزع القميص يرتدي جلباب آخر حين دق الباب فتحه فرأى محمود يقف أمامه ينظر له مرتبكا قبل أن يندفع نحوه يقبل يديه يترجاه :
- أبوس إيدك يا شيخ جابر ساعدني ، المواشي كلها ماتت ، غيتني
ابتعد سفيان عنه يدخل للبيت يشير له أن يتبعه :
- ادخل يا محمود واقفل الباب وراك
فعل محمود وقف أمامه في حين جلس سفيان على أحد المقاعد يضع ساقا فوق أخرى ابتسم يردد ساخرًا :
- عايز إيه يا محمود ، مش قولتلك هجيلك بليل أشوف المصيبة اللي أنت عملتها ، جاي تاني دلوقتي ليه ؟
وقف محمود أمام سفيان مبهورًا بالمعجزة التي حدثت أمامه قبل قليل ابتلع لعابه وأرتعش فؤاده يتحدث متلعثما :
- أنا عارف أني غلطت يا شيخ ، وأنت بكرمك وعطفك هتساعدني ، أنا بس طالب منك طلب لو ينفع تعمله يا ولي يا صاحب الكرامات ، المواشي اللي ماتوا دول يعدي سعرهم ال 200 ألف جنية ، لو ينفع تساعدني يا ولي وتحيهملي تاني !!!!!
وقع الجملة كان عنيفا على سفيان نفسه الذي جحظت عينيه ذهولا مما يسمع ، ولكنه تأكد في الآن ذاته أنه بات قائدًا لأهل القرية العميان أو على الأرجح لأغلبهم ، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وقف عن مقعده يردد ساخرا :
- أنت اتجننت يا محمود ولا إيه ، أنا مين عشان أقدر أحي الميت
ولكن الرجل أمامه كان لا يزال تحت تأثير المعجزة التي رآها توًا وستتناقلها الألسنة وتزيد وتزيد على الحكاية ، أقترب منه يمسك بكف يده يقبله يتوسل إليه :
- دا أنت صاحب الكرامات ، أبوس إيدك ، أنا كدة هخسر الجلد والسقط
جذب سفيان يده من يد محمود ابتعد عنه يكتف ذراعيه أمامه يسخر منه:
- دا عقابك عشان مشيت ورا دماغك وروحت جبت نصاب ضحك عليك ، أنت عارف بسببه رصد المقبرة عندك غضبان قد إيه ، احمد ربنا أنها جت على قد المواشي ، دا ناوي يقتل عيالك عيل ورا التاني ، وأنا النهاردة هروح أراضيه واستسحمه أنه يسامحك ، ولو أنك ما تستاهلش السماح يا محمود ، بس أنا قلبي طيب وما يهونش عليا عيالك المساكين يدفعوا تمن غلطتك كله إلا الضنا يا محمود ، الضنا غالي أوي
وابتسم ساخرًا ، وتر حبيبة أبيها وكايلا ابنتها أغلى عنده من الجميع !
_____________
في المستشفى التابعة لداغر كانت وتر تجلس في مكتبها وكايلا الصغيرة تنظر من نافذة الغرفة إلى الحديقة ، ابتسمت حين نظرت لابنتها تركت القلم من يدها وشردت عينيها ، جبران بات ليلته خارج الغرفة وحين استيقظت صباحًا لتبحث عنه لم تجده لا في المنزل ولا في الورشة ، وهاتفه مُغلق ، حتى معرض الأثاث مرت عليه في طريقها لم يكن هناك ، جبران أختفى فجاءة ، ترى أين ذهب ؟ تشعر بالقلق الشديد عليه ، حاولت الإتصال بحسن عله يساعدها ولكن هاتفه هو الآخر أيضا مغلق ، وزياد حين اتصلت به أخبرها ألا تقلق وأن جبران دائما ما يفعل ذلك وسيظهر قريبا ، ولكنها لا تزال قلقة ، انتبهت على صوت كايلا وهي تشير لها لطائر صغير يحلق أمامها تقول سعيدة :
- ماما بصي عصفولة
ضحكت وتر تؤمأ برأسها حين دُق الباب وتلك المرة ظهر داغر ، وقفت وتر ما أن رأته أما هو فنظر مباشرة صوب كايلا يقول باسمًا :
- القمر الصغيرة بنتك ؟
ابتسمت وتر متوترة تحرك رأسها لأعلى وأسفل ، تحرك داغر صوبها فالتفت كايلا له تنظر إليه بعينيها الواسعة ، أما هو فأمسك بكف يدها الصغير يقبله يسألها :
- اسمك إيه يا برنسس ؟
ضحكت كايلا سعيدة قبل أن تخبره باسمها ، ليعاود سؤالها :
- وعندك كام سنة يا برنسس كايلا
رفعت كايلا يدها اليمنى تعد عليها حتى وصلت للرقم أربعة أشهرته أمام وجهه :
-ألبعة
ضحك داغر يحملها بين يديه ، جلس على الأريكة يضعها على قدميه يقرص وجنتها بلطف يقول يمازحها :
- طب يا آنسة كايلا ، لو قولتيلي اسمك كايلا إيه هديكِ حاجة حلوة
صفقت الصغيرة سعيدة فهي تعرف الإجابة :
- كايلا ملاد ظافل نول الدين ، بس مامي بتقول لبابي يا جبلان وأنا بقوله يا جوجي ، فين الحلوة ؟
ومدت كفها له تطلب جائزتها فضحك داغر ، وضع يده في جيب معطفه يخرج له قطعة حلوى أخذتها كايلا منه سعيدة تقبل وجنته تسأله :
- أنت اسمك إيه ؟
حملها داغر يضعها على الأريكة ولف جسده إليها يربع ساقيه يردف :
- أنا ست كايلا اسمي داغر ، هتقوليلي يا جدو داغر ، أو داغل بقى
وضحك يمازح صغيرته ، أما وتر فكانت تقف تراقب المشهد أمامها والغصة تخنق قلبها ، لا ترى داغر ، ترى أبيها مكانه ، ترى الرجل الحنون الذي تربت بين أحضانه صغيرة لا الوحش الذي أراد قتلها قبل عدة سنوات ، والدها الحنون الذي تتذكر كان ليطير فرحا بابنتها يلاعبها كما يفعل داغر الآن ، انتبهت حين أقترب داغر منها يحمل الصغيرة على ذراعه يوجه حديثه إليها يبتسم :
- كايلا ذكية جداا ، واضح أنها واخدة الذكاء منك ، ولمضة ودمها سكر ، ربنا يخليهالك ، بس أنتِ مالك سرحانة وشكلك قلقان من ساعة ما شوفتك وباين عليكي القلق
تنهدت تحاول أن تبتسم لم تكن ستقول له عما يقلقها ولكن شيء داخلها جعلها تفعل ، تنهدت تهمس قلقانة :
- اتخانقت أنا وجبران ، ولما صحيت الصبح ما لقتوش وموبايله مقفول ومش عارفة أوصله
جعد داغر جبينه قلقا يحاول أن يطمأنها :
- يمكن عند حد من أصحابه ، كانت خناقة كبيرة ؟
أغمضت وتر عينيها تحرك رأسها بالإيجاب ، نظر داغر لكايلا يحادثها :
- كوكي يلا روحي اتفرجي على العصافير
وأنزلها أرضا برفق فركضت الصغيرة صوب الأريكة من جديد ، أما داغر فجلس وطلب من وتر أن تجلس أمامه ، فعلت تنزل رأسها تفرك يديها متوترة ، كل ذرة فيها تخبرها ألا تنطق بحرف آخر فهي لا تعرف الجالس أمامها ولكن لسانها فعل العكس :
- جبران شخصيته معقدة ، وهو مش قادر يسيب جزء قديم جواه ، ما ينفعش تشوفه كايلا ، شافته وهو بيضرب واحد بكل هجمية ، سابها في الشقة لوحدها ونزل يضرب واحد ، كنت هتجنن لما عرفت وزاد غضبي لما عرفت أنها شافته ، زعقت في وشه كتير
قالتها وسكتت تفرك يديها ، تنظر لوجه داغر الذي بدا خائفا وهو يسألها :
- أوعى يكون مد أيده عليكي
حركت رأسها للجانبين بعنف اختنق صوتها تردف :
- لاء ساب البيت ونزل ، ولما رجع رفض الكلام معايا ، ومن الصبح مختفي أنا قلقانة عليه أوي
أنا عارفة إني غلطت أنا فعلا زعقت فيه بشكل سخيف بس...
قاطعها داغر قبل أن تُكمل يرفض ما تقوله تماما ، يبرر لها ما فعلت :
- لا يا وتر أنتِ ما غلطتيش ، أنتي كنتي خايفة على البنت ، يعني طفلة في سن صغير تشوف والدها اللي هو المفروض القدوة بيضرب راجل في الشارع ، دا فعل هجمي وغير مسؤول منه، وكونه يختفي بالشكل دا وسايبك لوحدك أنتِ والبنت ، كنوع من أنواع العقاب دا فعل دنيء
ما تحمليش على نفسك أي احساس بالغلط ، هو اللي غلطان مش أنتِ
كلمات داغر تضاربت مع شعورها بالندم والقلق عليه ، وانتجت شعورًا جديدا وهو الغضب مما فعل ، غضبت وبشدة من إهماله ، قبل أن تقل شيئا سمعت صوت الصغيرة تصفق سعيدة :
- مامي جوجي أهو ، جوجي جه
قامت من مكانها تحركت سريعا صوب النافذة رأت جبران يتحرك لداخل المستشفى يبدو أنه قادمًا نحوها ، التفتت صوب داغر الذي ابتسم لها وقال :
- أنتِ مش غلطانة يا وتر ، أوعي تخليه يحسسك أنك غلطانة ، بالعكس الغلط كله عنده هو ، أنا رايح مكتبي لو احتاجتيني أنا موجود دايما ، وزي ما قولتلك أنا بعتبرك زي بنتي ، في أي وقت هتلاقيني موجود جنبك
تحرك صوب الباب يفتحه فظهر جبران أمامه كان على وشك الدخول ، ابتسم داغر له يرحب به :
- أهلا أهلا أستاذ مراد نورت المستشفى ، عن إذنك عندي شغل كتير
أعطاه جبران ابتسامة صفراء قبل أن يدلف لمكتب وتر يغلق الباب هرعت كايلا إليه تعانق ساقه تصيح سعيدة :
- جوجي حبيبي
ضحك جبران يحملها يقبل وجنتها يحادثها :
- وأنتي كمان يا قلب جوجي و....
وقبل أن يقول حرفًا آخر تحدثت وتر بنبرة غاضبة حادة :
- ممكن أعرف مراد بيه كان مختفي فين من 6 الصبح ، وموبايله مقفول ، أنا كان فاضل أنادي في الشوارع جوز تايه يا ولاد الحلال
ضحك بخفة على الرغم من أن طريقتها في الكلام لم تعجبه ، أردف يقول بهدوء :
-لينا بيت نتخانق فيه يا وتر ، يلا عشان إحنا لازم نتكلم في موضوع مهم
قطبت جبينها تشعر بالقلق مما يريد أن يتحدث ، ابتلعت لعابها تتنهد متوترة قبل أن تحرك رأسها توافق
______________
خرج من العمل يركض ركب سيارته تطحن قدميه الدعاسات بعنف ، اتصلت به قبل قليل تبكي وترتجف تخبره أنه لم يمت وأنه عاد من جديد ، لم يفهم ما تقصد ، وتعب كثيرًا من حالة الانهيار التي باتت تلازمهت مؤخرًا ، بعد بعض الوقت وصل نزل من السيارة يركض لداخل البيت رآها تجلس متكورة على الأريكة بين أحضان حورية جسدها ينتفض تبكي بحرقة، حالتها بشعة ، ما الذي حدث ؟ في الصباح كادت تطير من الفرح ، تحرك إليها فتركت حورية وارتمت بين ذراعيه تتمسك به تصرخ خائفة :
- ما متش يا زياد ، وليد ما متش ، لسه عايش كانوا بيضحكوا علينا ، لسه عايش وهيرجع تاني ، هيرجع ياخدني تاني
أبعدها عنه قطب جبينه يمسك بذراعيها يسألها مستنكرًا :
- إيه اللي بتقوليه دا ، الوزارة أعلنت موته ، يبقى ما متش إزاي
هنا تحركت حياة سريعا إلى هاتفها فتحته على مقطع الفيديو تريه لزياد قطب زياد جبينه ينظر لنسخة هي الأصل من وليد يختلف بعض التفاصيل مثل النظارات وتسريحة الشعر وشامة سوداء على رقبته وطريقة حديثه تختلق كثيرا عن طريقة وليد ، استمع إلى مقطع الفيديو كاملا ومن ثم نظر إليها يسألها مستنكرًا :
- هو أنتِ فاكرة فعلا أن الراجل دا هيدخل البلد من غير ما يتأكدوا إن كل حرف وكل مستند سليم مية في المية ، دا هيتنفخ لما يجي ، وليد مات ، ولو طلع فعلا وحيد دا أخوه ، مش هيقدر يمس منك شعرة
ولكنها صرخت تحرك رأسها للجانبين تنزل الدموع من عينيها بلا توقف :
- أنت كداااب ، قولتلي قبل كدة نفس الكلام وإيه اللي حصل خطفني ، وحبسني عنده ، أنا مش عايزة أرجع للعذاب دا تاني ، أنت ما تعرفش عمل فيا إيه
بدأ جسدها يرتجف وارتجافته تزداد ، اقترب منها يعانقها يشد جسدها لجسده ، قبل أن يميل يحملها بين ذراعيه يصعد بها إلى غرفتهم وضعها على الفراش فضمت قدميها لها تحتضهك بذراعيها يميل جسدها للأمام وللخلف تبكي بحرقة ، تحرك هو يبحث عن المهدى الخاص بها إلى أن وجده أعطاه قرص أخذته يدها ترتجف بعنف ، ابتلعته حتى دون ماء ، أما هو فجلس أمامها ينظر لحالها حزينا ، لم يتحدث ، لم يعاتبها على ما قالت وإنما فقط رفع يده يمسح على رأسها ، إلى أن بدأت تنام رغما عنها بفعل الدواء ، مالت جسدها إلى الفراش ، فساعدها رفع الغطاء يضعه عليها ، تحرك يغادر فأمسكت بكف يده ، لف رأسه إليها ، ربما كانت في ذرة وعيها الأخيرة حين هسمت تترجاه :
- ما تخليهوش ياخدني يا زياد ، هيدخلني قفص التعابين
قالت ما قالت قبل أن تُغلق عينيها رغما عنها وأفلتت كف يده ، تحرك إليها جلس جوارها على الفراش يمسح على رأسها برفق قبل أن يقبل جبينها يعدها :
- مش هسمحله يأذيكِ تاني يا حياة
خرج من الغرفة نزل لأسفل ارتمى بجسده إلى الأريكة يخفي وجهه بين كفيه يفكر هل يعقل أن وليد له أخ تؤام فعلا لم يكن يعلم شيئا عن أعمال العائلة القذرة، أم أن ما يحدث خدعة محاكة ببراعة ، غص قلبه ألمًا حياة لن تنسى أبدا ما فعله الوغد بها ، انتبه على حركة جواره رأى حورية تقترب منه تحمل كوب عصير بين يديها تحادثه :
- أنا هطلعه للست حياة
حرك رأسه للجانبين يحادثها مختنقا يتحاشى النظر إليها :
- لاء مالوش داعي حياة نامت ، تقدري تروحي
أنا هاخد بالي منها
حركت رأسها توافق وتحركت من أمامه ، رمى ظهره إلى ظهر الأريكة يغمض عينيه متعبًا ، الكثير من الأفكار السيئة تلتف في رأسه ، يصاحبها مشاهد بشعة يصورها له عقله ، شعر بيد ناعمة تتحرك على رأسه تدلكه برفق ، للحظات أغمض عينيه وشعر بالراحة ، إلى أن بدأت اليدين تنزل من رأسه شيئا فشيئ إلى رقبته تدلكها بحركات ناعمة لطيفة كان يحتاج إليها ، رد فعل تلقائي منه أبتسم يقول :
- تسلم إيدك يا حياة ، حقيقي ضهري ورقبتي واجعني أوي
ولكنه فتح عينيه في اللحظة التالية حياة نائمة بالأعلى انتفض ينظر لمن تقف خلفه تبتسم له تسبل عينيها ، ابتلع لعابه يشعر بالغضب منها ومن نفسه لأنه أحب ملمس يديها تنفس بعنف ، ومن شدة غضبه رفع يدها وصفعها ، ارتمت على الأرض من عنف صفعته اقترب منها قبض على ذراعها يجذبها عن الأرض يصرخ فيها :
- اسمعي يا بت أنتِ ، لو إيدك ال**** جت ناحيتي تاني هكسرهالك ، أنتِ فاهمة ، أنا مش عيل صغير هريل عليكي ، غوري اطلعي برة غوري ما اشوفش وشك تاني
ودفعها بعيدا عنه فخرجت تهرول للخارج أما هو فوضع يديه فوق رأسه يشد على خصلات شعره ، تلك الملعونة تجره جرًا إلى الهاوية وهو لن يسمح لنفسه بأن يقع في الفخ أبدا ، تنهد يستغفر مرارًا وتكرارًا :
- استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم
أغمض عينيه يلتقط أنفاسه يحاول أن يهدأ قدر الإمكان ، حين دق هاتفه برقم أحد أصدقائه ما أن فتح الخط سمع صديقه يقول :
- ايوة يا زياد أنا شوفت رسالتك اللي بعتها على الواتس ، بص يا سيدي جثة وليد ما طلعتش من الماية فص ملح وداب مالهاش أثر ، بس الدورية اللي كانت بتحاول تقبض عليه ، أكدت أن هو وليد ، زائد أن الفيديو كان لايف من إيطاليا ودا اللي اتأكدنا منه ،آخر حاجة إن ورق الراجل اللي اسمه وحيد بيخضع لفحص شامل عشان يتأكدوا من صحته ، وهبلغك بالأخبار أول بأول يا صاحبي
شكره زياد بشدة قبل أن يُغلق معه الخط
________________
في منزل جبران ، وقفت وتر أمام جبران عينيها متسعة بشدة مما تسمع ، لن تسمح له بأن يعودا لتلك الدوامة المظلمة مرة أخرى أبدا ، هبت واقفة تصرخ فيه :
- لاء طبعا ، إحنا مش هنرجع للدوامة دي تاني أبدا ، أنت خلاص وفيت دينك ، وكفرت عن ذنبك ، والمرة دي مصيبة أكبر ، لاء يا جبران فكر في كايلا ، لو اكتشفوا الحقيقة هيأذوك ، وهيأذوها ، اعتذر عن العملية دي إنت مش ظابط أصلا عشان يكلفوك بعملية
حاول جبران أن يحتوي نوبة غضبها يحاول إقناعها بالأمر الواقع الذي هو مضطر الى تنفيذه :
- يا وتر اسمعيني ، رزق السواح مش هيسيبني في كل الحالات ، فأنا لازم اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيا ، وبعدين ما تخافيش أنا معايا حسن ، والداخلية هتأمنا كويس ، خوفك مالوش أي داعي صدقيني ، وبعدين أنا مش مُخير يا وتر ، أنا لازم أعمل كدة
حركت رأسها رافضة وبشدة رفعت يديها تشد على خصلات شعرها ترفض ما يقول :
- لاء يا جبران مش هتعمل كدة ، أنت متخيل أنت هترمي نفسك في إيه ، أنا عارفة أنك تقدر ، وعارفة أنك قعدت سنين شغال مع الداخلية وبتعرف تتصرف ، بس الموضوع فعلا مرعب يا جبران ، وبعدين خد هنا أنت هتروح تقولهم أنا جبران وترمي نفسك في حضن الست اللي كانت تحت دي ما أنت جوزها بقى
ضحك يائسا يضرب كفا فوق آخر ، المجنونة كان ينتظر تلك النقطة منذ بداية حديثهم يعرف أنها ستذكرها ،أقترب منها أمسك ذراعيها بين كفيه برفق يحادثها بهدوء :
- لاء طبعا يا حبيبتي صدقيني هلاقيلها حل ، أنا لو لمستها ابقى بزني يا حبيبتي دي مش مراتي ، وأنا مستحيل أعمل كدة ، وتر صدقيني اللي أنا بعمله دا خوفا عليكي أنتي وكايلا
عانقته تتمسك به تبكي فجاءة تقول خائفة :
- يا جبران أنا خايفة عليك ، أنا ماليش غيرك في الدنيا دي ، لو جرالك حاجة مش كايلا بس اللي هتتيتم أنا كمان
ابتسم يمسح على شعرها برفق يحاول أن يجعلها تهدأ :
- صدقيني هتعدي والله ، وبعدين العملية دي جنب اللي أنا شوفته قبل كدة لعب عيال والله ، يا بنتي دا أنا كنت عضو في مافيا ، وبعدين ثواني بقى هو أنا لازم أروح خط النار عشان أسمع منك كلمتين حلوين
ابتعدت عنه قليلا فمد يده يمسح الدموع عن عينيها برفق قبل أن تقول فجاءة :
- طب خدني معاك ، هنسيب كايلا مع ماما ، وأنا أجي معاك
ضحك عاليا قبل أن يبتعد عنها يضرب كفا فوق آخر يردد يائسا :
- يا بنتي والله العظيم ما هلمسها ، يخربيت غيرة الضراير
وضعت رأسها على صدره تضربه على كتفه بخفة فضحك يعلق هو :
- وبعدين هتروحي فين ، وشغلك مع دكتور داغر المريب، صحيح هو كان بيعمل إيه في مكتبك لما جيت
تذكرت لحظتها كل الكلمات التي قالها داغر لها ولكنها لم تعلق بأي شيء سوى أنها قالت :
- كان بيدني ملف حالة جديدة ، أنت هتسافر امتى صحيح ؟
تنهد يقول قلقا عليهم :
- يوم الخميس الصبح بعد بكرة، مش عايزة أي تصرفات مجنونة يا وتر ، أنا ما قبلتش اسافر غير لما اتأكدت أنكوا هتكونوا متأمنين كويس ، خلي بالك من نفسك ومن كايلا ، أنا سايب ورايا راجل ، حسن مطمن ويقولي أمل ب100 راجل ، يرضيكي أنا أسافر قلقان
ابتعدت عنه تبتسم تحاول أن تطمأنه :
- ما تقلقش ، كل اللي أنت هتقول عليه هعمله ، سافر وأنت مطمن ، المهم تطمني عليك دايما
كان قلقا وآلاف الأفكار السيئة تعثو في رأسه فسادًا ولكنه وضع كل ذلك جانبا وحادثها عابثا :
- طب إيه ، دا أنا مسافر حتى ، مش ناوي تحن يا زبادي
______________
سقط الليل يسدل أستاره كان سفيان في تبم اللحظة يقف في منتصف الحفرة الكبيرة التي صنعها محمود في بيته يلتف حوله دائرة من رماد أحمر يتمتم ببضع كلمات نادرًا ما يستخدمها ولكن الأمر حقيقي هذه المرة ، أسفل بيت محمود مقبرة حقا ، ليست خدعة كما يفعل هو دوما ، ظل طويلا في جلسته الشيطانية تلك إلى أن انتهى منها برسالة واضحة من الحارس ، نظر إلى محمود يبلغها له:
- الراصد عاوز دم طفلة بنت ما يزدش عمرها عن أربع سنين ، تُذ...بح على باب المقبرة وتتقدم ليه قربان وهو هيرضى وهيفتح باب الكنوز قولت إيه يا محمودى
الفزع احتل وجه محمود من هول ما يسمع ليردد خائفا:
- يالهوي يا شيخ ، أنت عايزني ادبح عيلة صغيرة ، لا طبعا ما اقدرش دا حرام
ابتسم سفيان ساخرا ، المقبرة تحوي الكثير وهو لن يترك ما فيها أبدا ، في تلك اللحظة لم يكن أمام عينيه سوى صورة كايلا حفيدته الصغيرة !!